جواهر الكلام - ج ٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

( الثاني )

من أفعال الصلاة

( تكبيرة الإحرام )

والافتتاح والدخول في العبادة التي بها يتحقق حرمة ما كان محللا قبلها من الأكل والشرب والضحك ونحوها من منافيات الصلاة ، كالتلبية بالإحرام بالحج ، وهي جزء من الصلاة قطعا ، ضرورة كون أول الشي‌ء منه ، لا أنها لافتتاحها مع خروجها كالتكبير للركوع والسجود مثلا كما حكي عن شاذ من العامة ، بل هي ركن تقدح زيادتها كما ستعرف ولا تصح الصلاة من دونها ولو كان قد أخل بها نسيانا إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا كالنصوص (١) التي لا يصلح لمعارضتها ما في بعض النصوص الأخر (٢) من عدم البطلان بنسيانها من وجوه ، خصوصا بعد موافقتها في الجملة لبعض العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم ، بل‌ قول الرضا عليه‌السلام : « أجزأه » في صحيح ابن أبي نصر (٣) منها في الذي نسي أن يكبر تكبيرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٩ و ١٠ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

٢٠١

الافتتاح حتى كبر للركوع صريح في المحكي عن جماعة منهم من اجتزاء الناسي لتكبيرة الإحرام بتكبير الركوع ، كصراحة‌ قوله عليه‌السلام أيضا (١) : « فليمض في صلاته » فيمن نسي أن يكبر حتى دخل في الصلاة وكان من نيته أن يكبر ، في المحكي عن أخرى منهم أيضا من الاجتزاء بنية التكبير حال النسيان ، على أن الشيخ قد حملهما على الشك في الترك لا اليقين ، وإن كان بعيدا في البعض ، بل لا يلائمه لفظ الاجزاء ونحوه فيه ، اللهم إلا أن يكون عليه‌السلام قد استبعد وقوع النسيان ، وأن ذلك نوع من الوسوسة ، كما يومي اليه قوله عليه‌السلام أيضا في‌ المرسل (٢) : « الإنسان لا ينسى تكبيرة الافتتاح » وقول أحدهما عليهما‌السلام في خبر ابن مسلم (٣) : « إذا استيقن أنه لم يكبر فليعد ، ولكن كيف يستيقن » بل في خبر النية المزبورة (٤) إشعار بذلك أيضا ، فلاحظ ، أو أنه غالبا يعبر عن الشك بالنسيان في العبارة العامية المبتذلة ، وفي كشف اللثام صحيح ابن أبي نصر يحتمل احتمالا ظاهرا أنه إذا كان متذكرا لفعل الصلاة عنده أجزأه فليقرأ بعده إن تذكر ولما يركع ولم يكن مأموما ثم ليكبر مرة أخرى للركوع ، إذ ليس عليه أن ينوي بالتكبير أنه تكبير افتتاح كما في التذكرة والذكرى ونهاية الأحكام للأصل إن لم يكن مأموما ، وفيه ـ بعد الإغضاء عن جريان الأصل وعن وجه التقييد بغير المأموم ـ انه لا تلازم بين عدم وجوب نيته أنه تكبير افتتاح وبين الاجتزاء بالتكبير المقصود انه للركوع وإن كان لا خطاب به حينئذ ، لكن التعدد بزعم المكلف كالتعدد واقعا ، فمتى شخصه المكلف لخيال تحقق الخطاب لم يصلح بعد لغيره ، كغيره من الأفعال المشتركة التي تقع على وجوه متعددة وانما تتشخص بالنية ، بل ولا بينه وبين الاجتزاء بتكبير لم يقصد فيه إلا أنه للصلاة في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث ١٠ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

٢٠٢

الجملة ، ثم اختار جعله بعد ذلك افتتاحيا.

وما يقال ـ ليس في الأدلة إلا اعتبار افتتاح الصلاة بالتكبير وأنه أول الصلاة ولا ريب في صدقه على الثاني ، بل والأول ، إذ قصد أنه للركوع بعد إن لم يكن هناك خطاب به لم يخرجه عن صدق كونه تكبيرا ، فإذا ألحقه بعد ذلك بالقراءة مثلا وغيرها من أفعال الصلاة صدق عليه أنه افتتح الصلاة بالتكبير ، وكان أول صلاته التكبير ، إذ هو حينئذ كجزء قصد به لصورة خارجية تشخصه فعدل عنها وجعل لصورة أخرى بعد فرض صلاحيته لهما ، ضرورة اتحاد الصورة الذهنية والخارجية في ذلك ـ واضح البطلان ، ضرورة الفرق بين ما نحن فيه وبين الصورة الخارجية ، إذ هو من الأفعال التي من مقومات تشخصها النية بخلاف تلك ، على أنه لا ينبغي إنكار ظهور الأدلة في المقام فيما لا يشمل مثل هذا الفرد ، وفي انسياق إلزام المكلف بتكبير في أول الصلاة بحيث لو تنبه وتفطن لاستحضر انه أول الصلاة إلى الذهن ، بل قد يقال باقتضاء مقارنة النية له وإن كانت الداعي وجوب استحضار ما يلزم ذلك ، ومرادنا بعدم وجوب قصد الافتتاحية أنه لا يجب عليه استحضار ذلك حال التكبير.

وكذا ما عساه يقال من أن التكبير كباقي أجزاء الصلاة ، فكما أن النية الأولى تؤثر في الأجزاء اللاحقة بحيث لا يقدح عدم نية المكلف لها حالها ، بل ولا نية خلافها كالقصد بالتكبير للسجود مثلا وهو في حال الركوع ، وكالتكبير بقصد السجدة الثانية وكان في الأولى ، فكذا تكبيرة الإحرام يكفي في وقوعها له النية للصلاة وإن تخيل أنها للركوع ، إذ نيته أنها للركوع في الحقيقة تفصيل لتلك النية الأولى وتأكيد لها ، فإذا فرض عدم المصادفة بقي تأثير الأصل فيه وذهب التأكيد ، وربما يشير إليه في الجملة النصوص (١) المتضمنة لعدم البأس بالغفلة عن الفريضة في الأثناء حتى أتمها على أنها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب النية من كتاب الصلاة.

٢٠٣

نافلة ، فإن فيه أيضا الغفلة عن الفرق بين أول العمل وبين غيره ، إذ الثاني ربما يقال بالاكتفاء فيه بتلك النية المقارنة لأول العمل ، لصدق النية لجميع أجزاء العمل بذلك ، وبتلبسه به ودخوله فيه لم يحتج بعد إلى نية أجزائه ، بل ولا يقدح نية الخلاف فيه أيضا بخلاف الأول ، إذ لم يصدق التلبس بالعمل والدخول فيه عليه حينئذ كي تتبع باقي الأجزاء إذ التحقيق خروج النية ، وأنها شرط ، بل لو قلنا بجزئيتها أيضا فكذلك ، لأنه انما يتحقق بالتكبير الدخول في العمل وانعقاده وصيرورة المكلف في حبس الصلاة بحيث يحرم عليه الابطال ، كما هو واضح ، وإلا لو فرض اتحاد تكبيرة الإحرام وباقي الأجزاء في الحكم المزبور لوجب الحكم باحرامية تكبيرة الركوع مطلقا وإن لم يذكر إلا بعده ، وصحيحة ابن أبي يعفور والبقباق (١) صريحة في خلافه ، كما أن غيرها ظاهر فيه ، فلاحظ.

على أن ذلك كله إن لم يفد الجزم بما قلنا فلا ريب في أنه يفيد الشك في الاجتزاء بمثل هذا الفرد من الصلاة ، للشك في إرادة ما يشمل مثله من الأمر بالصلاة وإن قلنا بأنها للأعم ، إذ هو لا ينافي الشك في إرادته منه كباقي المطلقات التي يتفق وقوع الشك في إرادة بعض أفرادها ، بل قد يقال بالإجمال مع القول بالأعمية ، لكنه إجمال في المراد بدعوى ظهور إرادة فرد خاص من نحو ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) ولم نعلمه ، لا أن المراد المسمى وخرج معلوم الفساد الذي هو أضعاف الداخل وبقي الباقي ، وكيف وقد ادعى بعضهم مثل ذلك في البيع ونحوه حتى أنه نزل قوله تعالى (٢) ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) على بيع مخصوص معهود ، والصلاة أولى منه بذلك قطعا ، فتأمل جيدا.

فظهر من ذلك كله أنه لا يتجه حمل الخبر المزبور على ذلك ، كما أنه لا يتجه أيضا حمله على المأموم الذي يكتفي بتكبيرة واحدة للإحرام والركوع عند الضيق ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ٢٧٦.

٢٠٤

للصحيح (١) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا جاء الرجل مبادرا والامام راكع أجزأه تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع » ونحوه الموثق (٢) وهو المحكي عن الإسكافي والشيخ في خلافه مدعيا عليه إجماع الفرقة ، وكأنه مال اليه الشهيد في الذكرى ، كما أنه جزم به في الحدائق ، إذ هو كما ترى يأباه ظاهر الخبر المزبور وإن كان التداخل في حد ذاته هنا قويا للدليل المذكور الحاكم على أصالة عدم تداخل الأسباب وغيرها مما يقرر هنا ، نحو ما سمعته في الأغسال الواجبة والمندوبة ، فلاحظ ، وأما‌ صحيح زرارة (٣) قال لأبي جعفر عليه‌السلام : « الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح فقال : إن ذكرها قبل الركوع كبر ثم قرأ ثم ركع ، وإن ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراءة وبعد القراءة ، قلت : فان ذكرها بعد الصلاة قال : فليقضها ولا شي‌ء عليه » فمع قصوره بما سمعت ويجري فيه بعض ما عرفت يحتمل إرادة نسيان إحدى تكبيرات الافتتاح المندوبة منه ، ولا ينافيه تداركها قبل الركوع ، إذ لعلها كالجزء الواجب يتدارك ما لم يدخل في الركن الآخر ، فتأمل.

وكيف كان فـ ( صورتها أن يقول : الله أكبر ) عند علمائنا كما عن المعتبر والمنتهى للأصل في وجه ، ولأنه المتعارف من التكبير والمعهود من صاحب الشرع وأتباعه ، ف‌ في المرسل (٤) « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتم الناس صلاة وأوجزهم ، كان إذا دخل في صلاته قال : الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم » فيجب التأسي به هنا ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) « صلوا كما رأيتموني أصلي » فلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١١.

(٥) صحيح البخاري ج ١ ص ١٢٤ و ١٢٥.

٢٠٥

يرد عدم معرفة الوجه بناء على اعتبارها في التأسي ، بل ولا أن مثل هذا الفعل لا يصلح مقيدا للمطلق ، مضافا إلى‌ المروي (١) عن المجالس بإسناده في حديث « جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إلى أن قال ـ : وأما قوله : والله أكبر لا تفتتح الصلاة إلا بها » لا أقل من أن يكون ذلك كله سببا للشك في الامتثال بغير هذه الصورة وفي إرادته من المطلقات بناء على عدم الاجمال.

وحينئذ لا تنعقد الصلاة بمعناها سواء أدي بلغة عربية غيرها وإن رادفتها أو فارسية أو غيرهما وكذا لو أخل بحرف منها لم تنعقد صلاته قطعا إذا كان لحنا ، أما نحو همزة الوصل في لفظ الجلالة عند الوصل بلفظ النية مثلا أو بالأدعية الموظفة أو بالتكبيرات المندوبة أو نحو ذلك فقد صرح جماعة بعدم الحذف فيها وإن جعلوا المثال الأول ، وعللوه بأنه من خواص الدرج ولا كلام قبل تكبيرة الافتتاح ، فلو تكلفه بأن تلفظ بالنية التي هي أمر قلبي فقد تكلف ما لا يحتاج اليه ، وما وجوده كعدمه فلا يخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعا ، وهو كما ترى ، ومقتضاه القطع حتى مع الدرج المزبور ، لكن في المدارك أنه منه يظهر حرمة التلفظ بالنية مع الوصل ، لاستلزامه مخالفة اللغة أو الشرع ، قلت : الشأن في إثبات وجوب القطع في الشرع ، إذ دعوى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأت بها إلا مقطوعة عن الكلام السابق لا شاهد لها لو سلمنا دلالة مثله ولم نقل أنه لا ينافي ما دل على عدم اعتبار غير الجريان على القانون العربي فيها وفي غيرها من الأذكار الصلاتية ، اللهم إلا أن يقال : إن المتيقن من فعل النبي والصحابة والتابعين ذلك ، فالاقتصار عليه هو المناسب للاحتياط ، خصوصا مع عدم معروفية المخالف بخصوصه ، بل نفاه في المفاتيح ، لكن غيره نسبه إلى البعض ، ومع ما في‌ صحيح ابن سنان (٢) عن الصادق عليه‌السلام « الامام تجزيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٣.

٢٠٦

تكبيرة واحدة ويجرئك ثلاث مترسلا إذا كنت وحدك » والترسل كما في بعض كتب اللغة وصرح به في الوافي التأني والتثبت ، وهو انما يناسب القطع ، ولا ينافيه ثبوت الندب في الاثنتين ، ولعله لذا قال في المنظومة :

ونقص جزء مبطل كالكل

ولو كهمز الوصل حال الوصل

ولو عرف « الأكبر » خالف الصورة الثابتة بما سمعت ، فتبطل صلاته عند أكثر أهل العلم كما عن المنتهى لما عرفت ، بل حكي الاتفاق عليه إلا من الإسكافي فكرهه كالمحكي عن الشافعي ، ولا ريب في ضعفه ، ولو أتمه بما ورد في النصوص (١) من أنه المقصود منه ، كقول من كل شي‌ء أو من أن يوصف بقيام أو قعود أو يلمس بالأخماس أو يدرك بالحواس أو غير ذلك مما هو داخل في الكبرياء والعظمة فقد صرح في القواعد وغيرها بالبطلان أيضا ، وإن كان إقامة الدليل المعتد به عند القائلين بحجية الظن المخصوص عليه مع القول بالأعمية في لفظ الصلاة ونحوها ، بل والقائلين بالوضع الصحيح لدخوله تحت إطلاق الأمر بالتكبير لا يخلو من إشكال ، وليس إلا الوقوف على المتيقن من فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو دعوى تناول‌ قوله (ص) (٢) : « ولا تفتتح الصلاة إلا بها » لذلك بملاحظتها مجردة عن الوصل بشي‌ء من ذلك ، وهو الذي قربه العلامة الطباطبائي في منظومته ، فقال :

وإن يزد شيئا عليها بالطرف

فالأقرب البطلان مثل ما سلف

من ذاك أن يضيف تفضيلا ومن

ذلك أن يقرنه بلفظ من

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧ والوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١٢.

٢٠٧

وأما ترك الأعراب في آخرها ففي المفاتيح أنه يستحب لحديث (١) « التكبير جزم » ومقتضاه جواز الاعراب وعدم الوقف ، وهو كذلك للأصل ، وإطلاق الأدلة مع قصور الخبر المزبور عن إفادة الوجوب ، بل لعل الأحوط الاعراب عند عدم الوقف ، وإلا كان غير جار على القانون العربي ، والاقدام على جوازه للخبر السابق المحتمل تخصيصه بالأذان والإقامة لا سائر أفراد التكبير مع ما في الحدائق من أنه عامي لا يخلو من نظر.

وعلى كل حال فان لم يتمكن من التلفظ بها كالأعجم لزمه التعلم مع رجائه بلا خلاف للمقدمة كما يجب تعلم الفاتحة ، خلافا لأبي حنيفة فلم يوجب العربية مطلقا ، ولا يعتبر إحرازه القدرة على ذلك ، بل العجز مسقط ، فيجب حينئذ السعي حتى يعلم العجز ، بل هو كذلك وإن استلزم سفرا أو غيره كنظائره من المقدمات ، نعم يسقط في كل مكان تسقط فيه المقدمة كما لو استلزمت ضررا أو قبحا يعلم من الشرع عدم التكليف معه ، وسقوط طلب الماء بالأقل من ذلك للدليل لا يقتضيه هنا ، خصوصا وقد فرق بينهما بالاعتبار ، فان التعلم ينتفع به طول عمره بخلاف الماء ، فان استصحابه للمستقبل غير ممكن ، والعمدة ما قلناه.

وحينئذ لا يتشاغل بالصلاة مع سعة الوقت ورجاء التعلم لما عرفته ، وليس ذا من ذوي الأعذار الذين احتمل فيهم ، بل قيل بعدم وجوب الانتظار وإلا سقط وجوب التعلم ، ضرورة عدمه قبل الوقت وبعد الصلاة في أوله ، واحتمال الصحة وإن أثم بترك التعلم كما في آخر الوقت يدفعه أنه لا جهة للإثم ، لأن وجوب التعلم انما يتعلق به في وقت الصلاة كتحصيل الماء والساتر ، فكما لا تصح الصلاة عاريا في أول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

٢٠٨

الوقت إذا قدر على تحصيل الساتر ، وتصح في آخره وإن كان فرط في التحصيل فكذا ما نحن فيه ، بل قد يحتمل في مثل المقام ـ الذي لم يرد فيه دليل على البدلية بل جاءت من حكم العقل ـ أنه يأثم بترك التعلم ، ولا تصح صلاته في آخر الوقت ، لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، ولأنه لو قيس حاله بحال السادة والعبيد لجزم أهل العرف بذلك ، فما دل حينئذ (١) على سقوط العربية والاجتزاء ببدلها غير شامل لمثل ذلك ، ولعله لذا نص في المحكي عن نهاية الأحكام وكشف الالتباس على عدم الصحة فيمن فرط بترك التعلم حتى ضاق الوقت ، وانه تجب عليه الإعادة بعد التعلم ، وهو لا يخلو من وجه ، وإن كان ظاهر الأصحاب عدم الفرق بين التقصير وغيره ، وستعرف وجهه في القراءة إن شاء الله ، كما أنه يحتمل وجوب التعلم في مثل الفرض في سائر الوقت من غير فرق بين ما بعد الوقت وقبله لا لوجوب ذي المقدمة ، بل لأن أهل العرف يفهمون الوجوب في مثله ، كما يتضح بفرضه في السيد والعبد مع فرض عدم السبيل إلا قبل الوقت ، فتأمل جيدا.

فان ضاق الوقت عن التعلم أو لم يطاوعه لسانه بحيث تحقق العجز عنده ، قيل : أو لم يجد من يعلمه ولا سبيل إلى المهاجرة أحرم بترجمتها من باقي اللغات وجوبا ، لأنه هو المستطاع من المأمور به ، ولأنه هو الذي ينتقل اليه الذهن من مثل هذه الأوامر هنا ، خصوصا بعد استقراء ما ورد (٢) في الأخرس وسائر المضطرين في الأقوال والأفعال في الصلاة ، وفحوى ما ستسمعه في الأخرس ، ولعل ذا أو ما يقرب منه مراد من علله بأنه ركن عجز عنه فلا بد له من بدل ، والترجمة أولى ما يجعل بدلا منها ، وبأن المعنى معتبر مع اللفظ ، فإذا تعذر اللفظ وجب اعتبار المعنى ، يعني أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة.

٢٠٩

يجب لفظ العبارة المعهودة في تأدية المعنى وإن كان لا يجب إخطاره بالبال ، فإذا لم يتيسر ذلك اللفظ لم يسقط المعنى ، بل يؤدي بعبارة أخرى ، مضافا إلى شهرته بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا ، بل ظاهر نسبة السقوط إلى بعض العامة أنه كذلك وإن احتمله بعض أهل الجمود منا ، نعم عبر غير واحد بلفظ الجواز ، والمراد منه الوجوب إذ الظاهر كما في كشف اللثام أنه متى جاز هنا وجب ، ولعله لكونه ركنا للواجب الذي لا يتصور فيه ولا في أجزائه الجواز بالمعنى الأخص ، ويفسده كلام الآدميين.

ولا يخير بينها وبين سائر الأذكار فضلا عن أن يقدم عليها وإن فرض عربيتها كما عن نهاية الأحكام التصريح به ، لأنها هي البدل عن التكبير لغة وعرفا ، ضرورة مرادفتها للعربية في إفادة المعنى دون غيرها ، أما ما أدى معناها من الأذكار العربية نحو الله أجل وأعظم ففي كشف اللثام يقدم عليها ، ولا يخلو من تأمل مع فرض عدم الترادف.

ثم إن ظاهر المتن عدم تقدم لغة على أخرى في البدلية ، وهو كذلك كما عن نهاية الأحكام التصريح به أيضا وإن احتمل أولوية السريانية والعبرانية ، لأنه تعالى أنزل بهما كتبا ، والفارسية على التركية والهندية ، لنزول كتاب المجوس بها ، وما قيل : إنها لغة حملة العرش ، بل عن جماعة التصريح بالأفضلية ، بل ربما حكي عن بعض الوجوب ، وهو كما ترى ، كاحتمال وجوب تقديم لغته على غيرها ، وإن أشعرت به عبارة القواعد ، والمعروف في الترجمة بالفارسية « خداي بزركتر » بفتح الراء الأخيرة أو كسرها ، وهو لغة بعض الفارسيين ، وفي لغة أخرى « بزرك‌تر است » لا « بزرك » لعدم التفضيل فيه ، لكن في كشف اللثام أن لفظ « خداي » ليس مرادفا لله ، وإنما هو مرادف للمالك ، والرب بمعناه ، وانما المرادف له « ايزد » و « يزدان » قلت : وعليه ينبغي الالتزام به بناء على اعتبار الترادف في الترجمة وإن كان لا يخلو من إشكال ،

٢١٠

كما أنه لا يخلو منه أيضا التركيب من اللغتين فيما لو استطاع عربية أحد اللفظين ، لخروج الصيغة حينئذ عنهما ، والله أعلم.

والأخرس الذي لا يستطيع أن ينطق بها صحيحة أتى بها على قدر الإمكان لأن كلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر (١) ولأنه ما من شي‌ء حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر اليه (٢) ولأنه هو المستطاع من المأمور به (٣) وفحوى ما ورد في الألثغ والألتغ والفاء فاء والتمتام ، وما ورد في مثل بلال ومن ماثله وفي الأخرس (٤) الذي لا يستطيع الكلام أبدا الذي أشار إليه المصنف بقوله : فان عجز عن النطق أصلا عقد قلبه بمعناها مع الإشارة وزيد في القواعد وغيرها تحريك اللسان ، بل اقتصر بعضهم عليه والإشارة ، كآخر مع التقييد بالإصبع ، بل عن المبسوط والتحرير الاقتصار على الأخير فقط ، وفي الإرشاد عليه والأول ، وأضاف في كشف اللثام إلى اللسان الشفة واللهوات ، وعن نهاية الأحكام اشتراط العجز عن تحريك اللسان في ذلك ، كما هو ظاهر المحكي عن الموجز وشرحه.

وكيف كان فمستند الحكم‌ خبر السكوني (٥) عن الصادق عليه‌السلام « تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه » للقطع بإرادة بدلية ذلك عن كل ذكر يكلف فيه الأخرس من دون خصوصية للمذكورات ، خصوصا بعد ملاحظة فتوى الأصحاب ، لكنه كما ترى خال عن ذكر عقد القلب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٦.

(٣) تفسير الصافي سورة المائدة ـ الآية ١٠١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

٢١١

بالمعنى ، مضافا إلى عدم وجوب ذلك على الناطق فضلا عنه ، ومن هنا قال في كشف اللثام : المراد عقد القلب بإرادته الصيغة وقصدها لا المعنى الذي لها ، إذ لا يجب إخطاره بالبال ، وفيه مع أنه خلاف الظاهر أنه انما يتم في الأخرس الذي سمع التكبيرة وأتقن ألفاظها ولا يقدر على التلفظ بها أصلا ، ضرورة عدم إمكان ذلك في الخرس الذي يكون منشأه الصمم خلقة أو عارضا كالخلقة ، كما أنه كذلك بالنسبة إلى عقد القلب بالمعنى إذا لوحظ إضافته إلى الصيغة ، ولعلهم لا يريدونه ، بل المراد المعنى الذي يمكن تفهيمه إياه بالإشارة ، وكأن اعتبارهم له بناء على أن الذي هو بدل عن اللفظ في التفهيم ليس إلا هذه الإشارة المستلزمة لتصور المعنى ، بل يمكن دعوى إشعار الإشارة بالإصبع في الخبر المزبور به ، إذ من المستبعد إرادة التعبد منها محضا ، كما أنه من الممتنع إرادة الإشارة بذلك إلى نفس اللفظ الذي هو الدال في بعض أفراد الخرس ، وعدم إيجاب إخطار المعنى على الناطق بل ولا معرفته أصلا ، اعتمادا على اللفظ الدال في حد ذاته عليه ، بخلاف الإشارة التي لا تكون كاللفظ في تفهيم المعنى ، إلا أن يعرف المشير المعنى ويذكر ما يدل عليه من الحركات والكيفيات الفعلية ، ومن هنا استحسن في كشف اللثام نفسه ترك التقييد بالإصبع في نحو عبارة الكتاب ، قال : لأن التكبير لا يشار اليه غالبا بها ، وانما يشار بها إلى التوحيد ، فحمل ما في الخبر المزبور على التشهد خاصة.

قلت : يحتمل إرادة اليد من الإصبع في الخبر جريا على غلبة الإشارة من الأخرس بها ، بل قل ما يتفق إشارته بغيرها مستقلا عنها ، ولعل معنى التكبيرة يبرزه بها أيضا ، فلا يكون حينئذ ما في الخبر راجعا إلى التوحيد خاصة ، كما أنه بذلك يظهر وجه تقييد الأكثر بها تبعا للنص ، وقال في المدارك كغيره : إن الإشارة لما كانت تقع للتكبير وغيره احتاجت في التشخيص له إلى عقد القلب بالمعنى ، وليس المراد المعنى المطابقي ، بل يقصد التكبير والذكر والثناء في الجملة ، ولا بأس به ، ضرورة العسر‌

٢١٢

والحرج في التكليف بعقد القلب بتمام المعنى ، بل لعله بالنسبة إلى بعض أفراد الخرس تكليف ما لا يطاق ، وأما تحريك اللسان فإنه وإن وجد في النص إلا أن المصنف لعله تركه إدخالا له تحت الإشارة ، خصوصا مع عدم تقييدها بالإصبع ، وكان ذكر اللسان في النص والفتوى جريا على الغالب ، فيحرك الشفة واللهاة معه ، نعم ما سمعته من الترتيب بينهما لا دليل عليه ، كما أنه لا دليل على ترتيب هذا التحريك على حسب ترتيب الحروف ، وستسمع في القراءة إن شاء الله زيادة التحقيق لذلك.

وبذلك كله اتضح لك عدم السقوط عن الأخرس كما عن بعض العامة ، واحتمله بعض أهل الجمود منا ، وكأنه في الحقيقة خرق للإجماع ، وظني أن الذي دعاهم إلى ذلك استناد بعض الأصحاب في الحكم هنا إلى قاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور ونحوها من الأمور التي من الواضح عدم جريانها في مثل هذه المقدمات ، وانما تذكر اعتمادا على وضوح الحكم ، أو في مقابلة العامة الذين يرتكبون غالبا مثل هذه التجشمات ، لا أنها هي المدرك حقيقة للحكم عندهم ، كما هو واضح ، والله أعلم.

والترتيب فيها واجب وكذا الموالاة ، فـ ( لو عكس ) بأن قدم « أكبر » على لفظ الجلالة أو فصل بينهما بلفظ أو زمان يغير الصورة لم تنعقد الصلاة بلا خلاف لما عرفت مما دل على اعتبار الصورة المذكورة.

وكيف كان فـ ( ـالمصلي بالخيار في التكبيرات السبع أيها شاء جعلها تكبيرة الافتتاح ) على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل ظاهر نسبته إلى أصحابنا من بعضهم الإجماع عليه ، كنفي الخلاف فيه من آخر صريحا ، لإطلاق الأدلة إطلاقا كاد يكون صريحا فيه ، بل هو ظاهر خبر الحلبي (١) وغيره المشتمل على دعاء التوجه المشعر بكون الأخيرة تكبيرة الإحرام ، ومن هنا نص على أن دعاء التوجه بعدها وانه أبعد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

٢١٣

من عروض المبطل ، وأقرب إلى لحوق لاحق بالإمام ، وأنه هو الموافق لما‌ ورد (١) في النصوص عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « انه كان يجهر بواحدة ويسر ستا » ضرورة أن التي يجهر بها هي تكبيرة الإحرام لإعلام المأمومين الدخول في الصلاة ، ولذا اتفق الأصحاب على اختصاص الجهر بها كما ستسمعه في المسنونات ، والظاهر أنها الأخيرة كما يشهد له‌ ما حكي (٢) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا « انه كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل في صلاته يقول : الله أكبر بسم الله » ولذا ربما ظن أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يكبر إلا تكبيرة واحدة لسره الست ، كما أومأ إليه بعض النصوص (٣) الآتية في المسنونات ، مضافا إلى أنه لو كان يقدم تكبيرة الإحرام لم يكن وجه لسره الباقي ، إذ هو مناف لما دل (٤) على استحباب إسماع الإمام المأمومين كما يقوله في الصلاة وتخصيصها بذلك ليس أولى من إبقائها على عمومها مع القول بتقدمها على تكبيرة الافتتاح ، إذ لا يستحب حينئذ إسماعها المأمومين ، إما لخروجها عن الصلاة حينئذ ، أو لظهور ما دل على استحباب الاسماع فيما بعد تكبيرة الإحرام ، لأنه حينئذ بها تتحقق الإمامية والمأمومية كما هو واضح.

ومن ذلك يظهر وجه دلالة سائر النصوص المتضمنة لسر الامام ستة والجهر بواحدة على الأخيرة ، ولعله لذا مع الخروج عن شبهة الخلاف صرح جماعة من الأساطين باستحباب جعلها الأخيرة وإن أنكر عليهم بعض متأخري المتأخرين ـ منهم الأصبهاني في كشفه ـ وجود الدليل على ذلك ، وهو عجيب ، إذ هو صريح‌ الفقه الرضوي (٥) الذي هو حجة عنده ، قال : « واعلم أن السابعة هي الفريضة ، وهي تكبيرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام ص ٧.

٢١٤

الافتتاح ، وبها تحريم الصلاة » وما أبعد ما بينه وبين القائلين بوجوب جعلها كذلك كظاهر أبي المكارم وأبي الصلاح وسلار فيما حكي عنهم ، بل ظاهر الأول الإجماع عليه وإن كان هو ضعيفا ، إذ الإجماع في غاية الوهن ، بل غيره أولى بالدعوى منه كما لا يخفى على الممارس العارف ، وغيره قاصر عن إفادة الوجوب ، خصوصا بعد معارضته بظاهر جملة من النصوص الظاهرة في أنها الأولى كخبري صفوان (١) وزرارة (٢) المشتملين على تعليل السبع بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كبر للصلاة والحسين عليه‌السلام إلى جانبه يعالج التكبير ولا يحيره ، فلم يزل يكبر ويعالج الحسين عليه‌السلام حتى أكمل سبعا فأحار الحسين عليه‌السلام في السابعة ، بل قيل : وك‌ صحيح زرارة أيضا (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة ـ إلى أن قال ـ : ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته ، ولكن يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه » والحلبي (٤) عن الصادق عليه‌السلام « إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات » بناء على إرادة تكبيرة الإحرام من الافتتاح ، لأنه بها يحصل حقيقة ، وإطلاقه على غيرها مجاز للمجاورة وصحيح زرارة (٥) أيضا المتقدم آنفا عن أبي جعفر عليه‌السلام أيضا « في الرجل ينسى أول تكبيرة الافتتاح » إلى آخره ، إذ الظاهر إرادة الإحرامية ، واشتماله على ما لا نقول به لا يخرجه عن الحجية هنا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١ لكن رواه عن حفص.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الخوف والمطاردة ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٨.

٢١٥

ولعله لذلك كله أو بعضه جزم جماعة من متأخري المتأخرين بتعيين الأولى وإن كان هو أيضا ضعيفا ، ضرورة قصورها عن معارضة غيرها ، خصوصا إجماعات التخيير الذي هو مقتضى إطلاق الأدلة ، ومقتضى الجمع بين إمارتي الأخيرة والأولى على أن العمدة في هذه النصوص أخبار إحارة الحسين عليه‌السلام ، وهي ـ مع عدم صراحتها ، وتضمنها الفعل الذي لا يصلح لتقييد المطلق ، واضطرابها في الجملة في حكاية القصة عن الحسن والحسين عليهما‌السلام ، ومعارضتها بالنصوص (١) المعللة للسبع باختراق الحجب وغيره ـ لا تقتضي إلا وقوع ذلك منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أول المشروعية لا أنه كان كذلك دائما ، ودعوى ظهور‌ قوله عليه‌السلام : « وجرت السنة بذلك » في السبع وأن الأولى الإحرامية ممنوعة ، بل المراد الأول خاصة ، وأما صحيح زرارة الوارد في الموافقة فلا تعرض فيه للسبع ، بل المراد منه الاستقبال بأول الصلاة ، وهو التكبير دون غيره من أجزاء الصلاة كالقراءة والركوع ونحوهما ، وصحيح الحلبي ظاهر بل صريح عند التأمل فيه وفي غيره من النصوص في إرادة بيان الافتتاح بما بعد « ثم » فيه ، وصحيح زرارة الآخر قد عرفت البحث فيه سابقا ، مع أنه لا دلالة فيه على وجوب تعيين الأولى ، بل ولا في صحيح الحلبي ، ولقد أجاد في الرياض في نفيه الدلالة في جميعها على ما عدا الجواز من الرجحان وجوبا أو استحبابا ، قال : وإن توهم حتى لأجله قيل بعكس ما في الرضوي مع أنه لا قائل به من معتبري الطائفة.

وكيف كان فالظاهر بطلان الصلاة بناء على تعيين الأخيرة لو عكس فجعلها أولى مثلا ، لثبوت التشريع حينئذ بالست في أثناء العمل ، مع احتمال العدم ، أما على تقدير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٥ و ٧ والباب ١ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١٠.

٢١٦

تعيين الأولى فالظاهر الصحة وإن جعلها أخيرة ، للبطلان فيما تقدمها حينئذ لا فيها ، ضرورة صلاحيتها بعد لأن تكون أولى بتعقيبها بالست الباقية ، واحتمال البطلان لثبوت التشريع في وصف الأخيرية اللاحق لها في فعل المكلف ضعيف جدا.

هذا كله بناء على اتحاد تكبيرة الإحرام كما هو المجمع عليه نقلا إن لم يكن تحصيلا وإن تخير المكلف في وضعها أو تعين عليه ، ويشهد له أمر الإمام بالجهر بواحدة وأسرار الباقي لإعلام المأمومين ، والتعبير بتكبيرة الافتتاح في جملة من النصوص وما سمعته من أخبار إحارة الحسين عليه‌السلام المقتضية بظاهرها أن ذلك هو الذي مضى عليه الناس في صدر الإسلام ، وانما زيد بعد ذلك للعلل المزبورة ، إلى غير ذلك.

أما إذا قلنا بتخيير المصلي بين الافتتاح بواحدة وثلاث وخمس وسبع ، ومع اختيار كل منها يكون فردا للواجب المخير نحو ما يقال في تسبيحات الركوع والسجود ـ كما حكاه المجلسي عن والده مؤيدا له بأنه الأظهر من أكثر الأخبار ، بل بعضها كالصريح في ذلك ، وهو كذلك ، ومن الغريب إنكار ظهور النصوص في ذلك في الحدائق ، وكيف وفي‌ خبر أبي بصير (١) منها عن الصادق عليه‌السلام « إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة وإن شئت ثلاثا وإن شئت خمسا وإن شئت سبعا ، وكل ذلك مجز عنك » ونحوه غيره ، وشبهة التخيير بين الأقل والأكثر يدفعها جعل المدار في الامتثال النية ، لخروجه عن الأقل والأكثر لتغايرهما حينئذ ، وعدم اندراج الأقل حينئذ في الأكثر ، بل يكون مقابلا له ، أو يقال : إن الواحد المقتصر عليه غير الداخل في جملة غيره ، والمراد التخيير بين الواحد وغيره مع ملاحظة قيد الوحدة التي ينافيها إضافة غيرها معها مثلا ، أو يقال : إن الأكثر فرد للامتثال بالأمر بالطبيعة كالأقل وانه بالتكرير للفعل لا تتعدد الطبيعة المأمور بإتيانها ، فحينئذ إن اقتصر على الفرد الواحد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٣.

٢١٧

امتثل به ، وإن جاء بغيره معه امتثل به أيضا ـ فلا إشكال حينئذ في عدم وجوب التعيين بالمعنى المتقدم ، إلا أن ذلك كله يجب الخروج عنه بعد أن عرفت إجماع الأصحاب هنا على اتحاد التكبيرة.

نعم قد يتأمل في وجوب تعيينها من بين السبع لإطلاق الأدلة ، بل لعل المزج الموجود فيها من غير أمر بالتعيين كالصريح في ذلك ، وإلا كان إغراء بالجهل ، اللهم إلا أن يقال : إنهم عليهم‌السلام اتكلوا في تعيينها على الأمر بمقارنة النية للعمل ، فأي تكبيرة حينئذ قارنتها النية كانت هي تكبيرة الإحرام ، وفيه ـ مع احتمال جواز تقديم النية هنا كتقديمها عند غسل اليدين للوضوء ـ انه لا يتم بناء على أنها الداعي ، لغلبة حضوره مع السبعة ، قال المجلسي فيما حكي من بحاره : « وما ذكروه من أن كلا منها قارنتها النية فهي تكبيرة الإحرام إن أرادوا نية الصلاة فهي مستمرة من أول التكبيرات إلى آخرها ، مع أنهم جوزوا تقديم النية في الوضوء عند غسل اليدين لكونه من مستحبات الوضوء ، فأي مانع من تقديم نية الصلاة عند أول التكبيرات المستحبة فيها ، وإن أرادوا نية تكبيرة الإحرام فلم يرد ذلك في خبر ، وعمدة الفائدة التي تتخيل في ذلك جواز إيقاع منافيات الصلاة في أثناء التكبيرات ، وهذه أيضا غير معلومة ، إذ يمكن أن يقال بجواز إيقاع المنافيات قبل السابعة وإن قارنت نية الصلاة الأولى ، لأن الست من الأجزاء المستحبة ، أو لأنه لم يتم الافتتاح بناء على ما اختاره الوالد رحمه‌الله » والظاهر أن مراده جواز إيقاع المنافيات لعدم العلم حينئذ بحصول الإحرام إذ هو مع عدم تعيينه يحصل في ضمن السبعة مثلا وإن كان بواحدة منها ، فقبل حصول تمامها يجوز له فعل المنافيات ، وبعد يحرم بالأخيرة أي عندها ، وإن كانت الأخيرة في فعل المكلف غير متعينة ، فتارة تكون السابعة ، وتارة تكون غيرها ، لا أنه له ذلك وإن قصد الإحرام بالأولى لأن ما عداها أجزاء مستحبة كما فهمه منه في الحدائق ،

٢١٨

ضرورة عدم الجواز بعد تحقق الإحرام وإن كان المصلي متشاغلا بالمستحب ، وإلا لجاز فعل المنافي في حال القنوت ، فإنكار المحدث المزبور عليه حتى أنه ربما أساء الأدب مبني على إرادته ذلك ، ومرتبته أجل من أن ينسب اليه ما لا يخفى على أصاغر الطلبة.

هذا كله إن لم نقل بتعيين الأولى أو الأخيرة للإحرام ، وإن كان القول بعدم تعيين المكلف لها بالنية متجها لتعينها في نفسها حينئذ ، فإذا نوى الصلاة فكبر سبع تكبيرات مثلا مستصحبا للداعي أجزأه ذلك ، لأنه إنما نوى الصلاة على ما هي عليه في الواقع ، والفرض أن إحرامها الأولى أو الأخيرة ، كما أنه قد يتجه ذلك أيضا لو لم نقل به بل قلنا : إن المكلف به طبيعة التكبير الذي يتحقق بالواحدة ، وهي التي يتحقق بها الإحرام ، فهو إذا نوى الصلاة وكبر حصلت الطبيعة الواجبة ، والمستحبة حينئذ إضافة ست إليها كي تكون سبعة على حسب الأمر بطبيعة التسبيح في الركوع والسجود الذي لا ريب في وقوع الامتثال فيه بأول تسبيحة وإن لم يكن قد عينها بنيته له ، لا يقال : إن ذلك ينافي التخيير في وضعها أولا وأخيرا المفتي به بين الأصحاب ، بل كاد يكون إجماعا ، لأنا نقول : ليس المراد أن المستحب مأخوذ فيه وقوعه بعد الواجب فلا بد أن يكون الواجب أولا ، بل المراد أنه لما كلف واجبا بطبيعة التكبير وفرض ثبوت الندب في عدد مخصوص لم يعتبر فيه تقدم ولا تأخر استفيد منه وإن كان هو بأمر واحد أن له تعيين المندوب أولا أو آخرا ، وانه إن لم يعين كان ما يقع منه أولا للواجب ، وبالجملة هذا الأمر المزبور له جهتا اتحاد وتعدد ، فعند عدم التعيين ينصرف الواقع إلى مقتضى اتحاد الأمر من وقوع الواجب بأول ما يقع منه ، لصدق حصول الطبيعة منه ، والمستحب بعده ، وعند التعيين يتعين الثاني ، لأنه حينئذ كالأوامر المتعددة التي شخص الامتثال لكل واحد منها ، واستفادة هذا التعدد من مثل قوله : « كبر ثلاث تكبيرات » أو « سبح ثلاث تسبيحات » ليس بعجيب ، فحينئذ التخيير الذي في‌

٢١٩

كلام الأصحاب لا ينافي الحكم بالصحة مع تعين الأولى للإحرام لو فرض عدم تعيين المكلف لها بل اقتصر على نية الصلاة خاصة ، وبه يتم المزج الموجود في النصوص وعدم الأمر بالتعيين ، وهو مع التأمل في غاية الجودة إن لم يحصل إجماع على خلافه ، وعلى أن تكبيرة الإحرام باعتبار ما يلحقها من الأحكام صارت نوعا آخر مغايرا لباقي التكبيرات ، فوجب حينئذ تعيينها ولو بما يقتضي تعينها من اللوازم كغيرها من الأفعال المشتركة التي لا تتشخص إلا بالنية ، وأنه لا امتثال عقلا ولا عرفا في مثل العبادات إلا بتعيينها ، فتأمل جيدا ، والله أعلم بحقيقة الحال.

ولو كبر ونوى الافتتاح ثم كبر ونوى الافتتاح بطلت صلاته بلا خلاف أجده فيه بين القدماء والمتأخرين كما اعترف به بعضهم صريحا وآخر ظاهرا ، للأصل والأمر باستقبال الصلاة لمن زاد في صلاته (١) ولعله إليه أشار بعضهم بتعليله البطلان بأن الثانية غير مطابقة للصلاة ، ضرورة إرادته أنه زاد فيها جزء على ما شرع ، فلا تكون مشروعة ، كالتعليل في التذكرة بأنه فعل منهي عنه فيكون باطلا ومبطلا ، ونحو ذلك مما هو راجع اليه ، أو مبني على قاعدة الشغل وإجمال العبادة ، إلا أن الجميع كما ترى لا خصوصية فيه للتكبير كي يستفاد منه الركنية بالخصوص كغيره من الأركان ، ولعله لذا مع الاعراض عن مثل هذه التعليلات تأمل بعض متأخري المتأخرين في ركنيته بالمعنى المصطلح ، واقتصر في البطلان على خصوص الترك ولو نسيانا للأدلة التي عرفتها دون الزيادة ، وهو لا يخلو من وجه تعرفه في أول بحث القيام بناء على الأعمية لو لا اتفاق الأصحاب هنا ظاهرا على البطلان.

نعم قد يتأمل في البطلان به حال السهو كما في كشف اللثام لقصور تلك النصوص (٢) عن إفادته ، فليس إلا قاعدة الركنية المبنية على إجمال العبادة ، وأنها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٢٢٠