جواهر الكلام - ج ٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ورفض النية الأولى ، بل قد يقال بصدقه وإن لم يجدد نية ، كما هو مقتضى إطلاق المصنف وغيره الصحة مع نية الخروج ، ولعله لعدم استلزام نيته الخروج نية غير الصلاة بباقي الأفعال ، خصوصا لو ذهل عنها ، فيبقى مقتضى النية الأولى حينئذ بلا معارض ، إذ هو ليس إلا قصد غير الصلاة بباقي الأفعال ، ولا تلازم بين نية الخروج وبين ذلك فتأمل جيدا فإنه لا يخلو من دقة وإن كان للبحث فيه مجال ، بل الأحوط خلافه ، كما أن الأحوط استيناف الصلاة بمجرد نية الخروج لكن بعد إتمامها.

ومن ذلك كله يظهر لك البحث في التردد في القطع وعدمه ، إذ هو كنية الخروج أيضا في جميع ما عرفت ، ولذا حكي التصريح بالبطلان به عن الخلاف ونهاية الأحكام والتحرير والذكرى والدروس والموجز وكشف الالتباس وجامع المقاصد والجعفرية والغرية وإرشاد الجعفرية ، إلا أنك ستعرف أنه أولى بالصحة من نية الخروج ، وعلى كل حال فليس منه التردد في البطلان لعروض شي‌ء في الصلاة وعدمه كما هو واضح.

أما لو نوى في الركعة الأولى مثلا الخروج في الثانية مثلا ففي القواعد أن الوجه عدم البطلان إن رفض هذا القصد قبل البلوغ إلى الثانية ، ولعله لأن قصد نقض النية غير نقضها ، فلا مقتضي للفساد حينئذ ، إذ لم يقصد الخروج في الحالة الأولى ، ولامتناع الابطال قبل بلوغها ، وانتفاء القصد عنده ، لأن الفرض أنه رفضه قبل البلوغ لكن في كشف اللثام « ان الوجه عندي أنه نقض للنية ، فإن أوقع بعض الأفعال مع هذا القصد كان كإيقاعه مع نيته الخروج في الحال ، وإن رفضه قبل إيقاع فعل كان كالتوزيع » وهو عين تفصيله السابق في نية الخروج الذي قد عرفت إمكان المناقشة في تنزيل الإطلاقات عليه ، وربما يؤيده هنا ما في جامع المقاصد حيث قال بعد ما سمعته من القواعد : إن فيه نظرا ، لأن الصلاة عبادة واحدة متصل بعضها ببعض يجب لها نية واحدة من أولها إلى آخرها ، فإذا نوى المنافي في بعضها انقطع تلك الموالاة وانفصلت‌

١٨١

تلك النية ، فيخرج عن الوحدة ، فلا يتحقق الإتيان بالمأمور به على وجهه ، فلا يكون مجزيا.

ومنه يظهر دليل الوجه الثاني أعني البطلان مطلقا ، وهو الأصح ، ضرورة ظهوره في عدم الفرق بين إيقاع بعض الأفعال وعدمه ، وأن منشأ البطلان عدم اتصال النية واتحادها ، لكن قد عرفت أنه يمكن منع الدليل على اعتبار ذلك في الصلاة ، فتتجه الصحة وعدم الذهول عنه حصول نية الخروج حينئذ عند بلوغ الغاية ، وقد عرفت عدم اقتضائها البطلان ، بل قد عرفت احتمال ذلك وإن أوقع بعض الأفعال حالها إذا لم تستلزم نية غير الصلاة بباقي الأفعال ، هذا. وفي القواعد بعد العبارة السابقة « وكذا لو علق الخروج بأمر ممكن كدخول شخص ، فان دخل فالأقرب البطلان » والمراد إنه إن رفض القصد قبل الدخول فالوجه عدم البطلان ، وكذا إن لم يقع حتى أتم الصلاة ، وإن دخل ولم يرفض القصد الأول بأن كان متذكرا للتعليق مصرا عليه أو ذاهلا فالأقرب البطلان أيضا ، أما الأول فواضح ، وأما الثاني فلأن التعليق المذكور مع وقوع المعلق عليه ينقض استدامة حكم النية ، ويحتمل الصحة احتمالا واضحا لكون الذهول كرفض القصد ، ولعل التعبير بالأقرب لهذه الصورة لا للأولى ، إذ الخروج فيها مع فرض التذكر والإصرار قطعي بناء على الخروج بنية الخروج ، اللهم إلا أن يدعى عدم التلازم بينهما ، وهو كما ترى ، أو أن الأقربية للشك في الخروج بنية الخروج كما عرفت وعلى كل حال فالأمر سهل.

ومن ذلك يعلم ما في كشف اللثام من شرح العبارة المزبورة ، نعم قد يتجه عليه كون مجرد التعليق كالتردد في الإتمام ، فيتجه البطلان معه مطلقا ، أو إذا أتى ببعض الأفعال معه ، وإلى ما ذكرنا أشار في جامع المقاصد حيث قال : إن فقه المسألة إذا علق المصلي الخروج بأمر ممكن الوقوع أي غير متحقق وقوعه بحسب العادة كدخول زيد‌

١٨٢

مثلا إلى موضع الصلاة ، بخلاف التعليق على الحالة الثانية بالنسبة إلى الحالة التي هو فيها ، فإنها محققة الوقوع عادة ، فإن قلنا في المسألة الأولى لا تبطل الصلاة بذلك التعليق مطلقا فهنا أولى ، لإمكان أن لا يوجد المعلق عليه بخلافه في المسألة السابقة ، وإن قلنا بالبطلان ثمة فوجهان : أحدهما العدم ، لما قلناه من عدم الجزم بوقوع المعلق عليه ، فلا يكون البطلان محقق الوقوع ، والأصل عدمه ، وإذا لم تبطل حال التعليق لم تبطل بعده وإن وجد المعلق عليه ، إذ لو أثر التعليق المقتضي للتردد لأثر وقت وجوده ، فإذا لم يؤثر كان وجوده بمثابة عدمه ، وهذا إذا ذهل عن التعليق الأول عند حصول المعلق عليه ، فان كان ذاكرا له بطلت الصلاة لتحقق نية الخروج ، وقد سبق أنها مبطلة. ثانيهما البطلان ، كما لو قال : إن دخل تركت الإسلام فإنه يكفر في الحال ، وكما لو شرع في الصلاة على هذه النية فإنها لا تنعقد صلاته ، فلا تصح أبعاضها معها ، ولما سبق من أن تعليق القطع ينافي الجزم بالنية ، فيفوت به الاستدامة ، وتخرج النية الواحدة المتصلة عن كونها كذلك ، وهو الأصح وإن قلنا بالتفصيل في المسألة السابقة ، فإن رفض القصد قبل وقوع المعلق عليه لم يبطل بطريق أولى ، وإلا فوجهان ، أقربهما البطلان عند المصنف ، والتقريب يستفاد مما سبق ، هذا. وعن ولد الفاضل أن والده في مباحثته له قال : يمكن أن يكون وجود المعلق عليه كاشفا عن مخالفة التعليق مقتضى النية المعتبرة في الصلاة في نفس الأمر ، لأن وقوعه كان متحققا في علم الله تعالى ، لأن الثابت على تقدير منتف منتف ، قال : وتظهر الفائدة في المأموم وفيما إذا نوى إبطال هذه النية قبل وجود الصفة ، أي فيكون البطلان حينئذ من حين التعليق ، كما أنه بعدم وجوده ينكشف بقاء الحكم بالصحة ، فلو رفض القصد قبل وقوع المعلق عليه لم ينفعه ذلك ، وكان وقوعه كاشفا عن البطلان من حين التعليق ، كما أنه يكشف عن بطلان صلاة المأموم إذا علم بالتعليق ولم ينفرد من حينه ، إلا أنه يلزمه القول بالبطلان في المسألة‌

١٨٣

السابقة مطلقا ، وهو خلاف ما أفتى به فيها.

وكيف كان فلا يخفى عليك وجه الصحة في أصل المسألة بناء على ما ذكرنا سواء رفض القصد أو لم يرفضه ، لأنه لا يزيد مع عدم رفضه على نية الخروج ، وقد عرفت وجه الصحة فيها مع الإتيان بالأفعال فضلا عن عدمه ، وكونه بالتعليق كالتردد في الإتمام وعدمه يدفعه أنه لا دليل على البطلان به بعد النية الصحيحة منه ، خصوصا بعد أصالة عدم الدخول والكفر في الحال في المثال المذكور ، لكون الشك في الإسلام كالجزم بالخروج عنه في تحقق الكفر ، بخلاف ما نحن فيه ، والفرق بين الابتداء والأثناء واضح لعدم حصول القصد إلى الفعل في الأول بخلاف الثاني الذي لم يعارض مقتضي النية الأولى فيه معارض ، لعدم صلاحية الشك لمعارضتها ، على أن فرض البحث تعليق الخروج على الدخول ، فلا خروج فعلا بل هو عازم على فعل الجميع ، وأنه إن دخل ينشئ حينئذ الخروج ، والتردد انما هو في حصول هذا الإنشاء منه وعدمه باعتبار التردد في حصول المعلق عليه وعدمه ، ومثله لا ينافي صدق العزم على فعل الجميع ، بل هو كالتردد في حصول المبطل قهرا الذي من المعلوم عدم منافاته ، بل في كشف الأستاذ عدم منافاة القطع بعروض المبطل ، ومن ذلك يظهر حينئذ أنه لا فرق في هذا التردد بين الابتداء والأثناء ، بل قد يقوى أنه لا يقدح نية الخروج في الابتداء بمعنى العزم على الخروج عن الصلاة من أول الأمر ، إذ هو كنية المنافي من أوله التي ستعرف عدم اقتضائها البطلان ، فتأمل. والكشف المنقول عن الفاضل في بحثه مبناه الإنشاء فعلا على تقدير دخول زيد الذي هو معلوم عند الله وجودا أو عدما ، وأن التعليق الصوري باعتبار جهلنا به ، لكنه كما ترى ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

وقد ظهر لك من جميع ذلك أنه كذلك المتجه الصحة فيما لو نوى‌

١٨٤

أن يفعل ما ينافيها ولم يفعله ، إذ لا يزيد ذلك على نية الخروج التي قد عرفت عدم البطلان بها ، على أنه يمكن منع استلزام ذلك نيته ، ولذا كان خيرة الفاضل الذي اختار البطلان هناك الصحة هنا لكن على إشكال ، بل في المدارك أنه مذهب الأكثر وفي غيرها حكايته عن علم الهدى والشيخ وابني سعيد والفاضل والكاشاني ، لكن المحكي عن فخر المحققين والشهيدين والعليين وابن فهد والصيمري وغيرهم البطلان ، بل في كشف اللثام إذا قصد فعل المنافي للصلاة فإن كان متذكرا للمنافاة لم ينفك عن قصد الخروج ، وإن لم يكن متذكرا لها لم تبطل إلا معه على الأقوى كما في المبسوط والشرائع والتحرير والمنتهى ، وظاهره حمل ما في المتن وغيره مما وافقه على ما إذا لم يكن متذكرا للمنافاة ، وفيه أنه لا إشكال في الصحة حينئذ ، لوجود المقتضي بلا معارض فلا يناسبه التعبير بالأقوى ونحوه ، وكأن الذي ألجأه إلى ذلك دعوى وضوح ما ذكره من أنه إن كان متذكرا لم ينفك عن قصد الخروج الذي قال الفاضل وغيره فيه بالبطلان واليه يرجع ما في جامع المقاصد معترضا به على من فرق بين المسألتين من أن الفرق بين المسألتين غير ظاهر ، لأن الخروج من الصلاة من جملة المنافيات ، ونيته كنية غيره من المنافيات ، ثم قال : فان قلت : المنافي سبب في الخروج من الصلاة لا عينه ، فافترقا ، قلت : هذا الفرق غير مؤثر ، فإن البطلان منوط بوجود المنافي ، وعدم بقاء الصلاة مع واحد منهما قدر مشترك بينهما ، فان كانت نية أحدهما منافية فنية الآخر كذلك ، بل اليه يرجع المعروف في الاستدلال عليه بتنافي إرادتي الضدين ، حتى أن بعضهم جعل منشأ إشكال الفاضل في الصحة الإشكال في تنافي الإرادتين ، وعلى كل حال فقد ضعفه في المدارك بأن تنافي الإرادتين بعد تسليمه انما يلزم منه بطلان الأولى بعروض الثانية لا بطلان الصلاة مع تجدد النية الذي هو موضع النزاع ، وهو جيد إلا أنه كما ترى قاض باختصاص محل النزاع في ذلك الذي مقتضى الإطلاق خلافه.

١٨٥

نعم في جامع المقاصد « ينبغي أن يكون موضع الاشكال ما إذا اجتمعت هذه النية مع نية الصلاة ، فلو حصلت بعد غروب نية الصلاة فالمناسب القطع بالبطلان ، لانتفاء نية أخرى لتكون مكافئة ، واستدامة النية ضعيفة ، لأنها أمر حكمي عدمي ، والأصح البطلان ، لعدم بقاء الجزم بالنية مع ذلك التقييد ، ومن ثم لو شرع في الصلاة بهذا القصد لم تصح ، والجزم بالنية معتبر إلى آخر الصلاة ، وإلحاق الصلاة بالحج في عدم البطلان بنية المنافي قياس من غير جامع » قلت : التحقيق عدم تنافي إرادتي الضدين ، وامتناع اجتماعهما في الخارج لا يستلزم تنافيهما قطعا ، لعدم الاستحالة في إرادة المحال ، على أن تنافيهما إن سلم فليس لذاته بل للصارف ، ويمكن أن لا يكون موجودا لكل منهما ، كما أن التحقيق أيضا عدم لزوم ذلك لقصد الخروج الذي هو إنشاء قطع الصلاة ورفع اليد عنها ، فمن الغريب ما سمعته من جامع المقاصد من أن الخروج كباقي المنافيات فنيته كنيتها ، ضرورة وضوح الفرق بين نية الخروج بالمنافي من حيث منافاته وبين إنشاء الخروج والقطع الذي هو المراد من نية الخروج ، لا أنه نوى الخروج كنية فعل المنافي ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، كل هذا مع التنزل ، وإلا فقد عرفت عدم البطلان بنية الخروج فضلا عما يستلزمها ، كما أنك عرفت مما سبق عدم الفرق في نية المنافي بين ابتداء الصلاة وبين الأثناء في ذلك ، ولعله عند التأمل كاحتمال المنافي في الأثناء الذي لا يمنع النية عند التأمل ، وعدم بطلان الحج بنية المنافي ليس لدليل يقضي بصحته بلا نية بل لأنه غير مناف لها ، فلا فرق حينئذ بينه وبين الصلاة ، والجزم بالنية شي‌ء ، والسلامة من العوارض شي‌ء آخر ، ومن ذلك كله ظهر لك أن ما في جامع المقاصد « ينبغي » إلى آخره لا يخلو من نظر ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

هذا كله إذا نوى المنافي ولم يفعله فان فعله بطلت بلا إشكال ولا خلاف ، وتعرف فيما يأتي إن شاء الله إعداد المنافيات ومنافاتها عمدا وسهوا أو عمدا لا سهوا.

١٨٦

وكذا تبطل لو نوى بشي‌ء من أفعال الصلاة الرياء أو غير الصلاة بلا خلاف أجده ، بل قيل : إنه قطع به المتأخرون في الأول لكنهم أطلقوا ، قلت : ومقتضاه حينئذ عدم الفرق في البعض بين الأقوال والأفعال وبين الواجبة والمندوبة والقليلة والكثيرة مع نية القربة وعدمها إن قلنا بتصور اجتماعهما ، قال في كشف اللثام : « تبطل لو نوى الرياء مع القربة أو لا معها ، للنهي المقتضي للفساد » لكن في المحكي عن نهاية الأحكام « تبطل بالرياء سواء كان ذلك البعض فعلا واجبا أو ذكرا مندوبا أو فعلا مندوبا بشرط الكثرة » وعن فوائد الشرائع « تبطل إذا كان ذلك البعض واجبا أو مندوبا قوليا غير دعاء وذكر ، ولو كان مندوبا فعليا لم تبطل إلا مع الكثرة » إلا أنه لم نتحققه ، وعن البيان « لو نوى بالندب الرياء فالإبطال قوي مع كونه كلاما أو فعلا كثيرا » وفي الذكرى « لو نوى ببعضها الرياء ولو كان بالذكر المندوب بطلت ـ إلى أن قال ـ : ولو نوى بالزيادة على الواجب من الأفعال الوجوب أو الرياء أو غير الصلاة فإنه يلتحق بالفعل الخارج عن الصلاة فيبطل إن كثر ، وإلا فلا » ونحوه في التذكرة ، وظاهر هؤلاء جميعا عدم بطلان الصلاة بالرياء في بعض الأحوال إلا إذا قارنه مبطل آخر من تخلل الفعل الكثير ونحوه.

وقد يقال : إن المتجه مقتضى الإطلاق الذي عرفت ، لما فيه من التشريع بقصد جزئية ما قصد فيه الرياء ، بناء على البطلان بمثل ذلك قل أو كثر قولا كان أو فعلا واجبا كان أو مندوبا ، لقوله عليه‌السلام (١) : « من زاد في صلاته » ونحوه ، ولأن الصلاة عمل واحد قد اعتبر فيه الإخلاص ، والرياء ولو ببعضه مناف للإخلاص به ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر ابن مسكان (٢) في قول الله (٣) ( حَنِيفاً

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ الحديث ٧.

(٣) سورة آل عمران ـ الآية ٦٠.

١٨٧

مُسْلِماً )‌ : « خالصا مخلصا لا يشوبه شي‌ء » وقال (ع) أيضا في خبر علي بن سالم (١) : « قال الله عز وجل : أنا خير شريك ، من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله إلا ما كان خالصا لي » وقال (ع) أيضا في خبر عمر بن يزيد (٢) في حديث : « كل عمل تعمله لله فليكن نقيا من الدنس » وقال (ع) أيضا في خبر جراح المدائني (٣) في قول الله عز وجل (٤) ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ ) إلى آخره : « الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله انما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه أحدا‌. وقال الباقر عليه‌السلام في خبر زرارة وحمران (٥) : « لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله والدار الآخرة وأدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا ، وقال : من عمل للناس كان ثوابه على الناس ، يا زرارة كل رياء شرك » إلى غير ذلك مما دل على اعتبار الإخلاص في العبادة ، خصوصا من الرياء الذي هو شرك ، ولعل الرياء ببعض العمل ينافي الإخلاص بالعمل الذي هو عبارة عن مجموع الأفعال ، نحو قولك ضربت زيدا مع وقوع الضرب على بعضه ، كما أنه يمكن تحقق الإشراك بذلك ، إذ هو أعم من إيقاع الفعل لله ولغيره ومن إيقاع بعضه لله والآخر لغيره ، وإن كان الذي ينساق إلى الذهن الأول ، ولكن مرتبة الربوبية لا تقبل الاشتراكين.

ومن تأمل النصوص الواردة في الرياء والتجنب عنه يمكن أن يقطع بعدم قبول العبادة التي دخل فيها ولو بأوصافها كالجماعية والمسجدية ونحوهما فضلا عن أجزائها ولو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ الحديث ٦.

(٤) سورة الكهف ـ الآية ١١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ الحديث ١١.

١٨٨

كان الدخول على وجه التبعية دون الاستقلال ، فالمتجه حينئذ البطلان مطلقا كما أطلقه المصنف وغيره من غير حاجة إلى التقييد بما سمعت من الكثرة ونحوها المبني على أن بطلان الصلاة ليس من جهة الرياء بل هو مبطل لخصوص ذلك البعض الذي وقع فيه ، ومنه يسري إلى غيره ، فان كان واجبا ولم يتداركه بطل ، كما أنه كذلك إذا كان فعلا كثيرا ، أو صار بذلك ككلام الآدميين حتى في مثل الذكر والقرآن ولو بناء على أن المستثنى منهما في الصلاة السائغ ، وإلا كانا مفسدين ، فان تداركه ولم يكن فعلا كثيرا ولا كان من كلام الآدميين صحت الصلاة بناء على عدم فسادها بمثل هذا التشريع بالزيادة ، وإلا بطلت مطلقا سواء تدارك أو لم يتدارك ، لكن قد عرفت أن مقتضى النصوص البطلان بدخول الرياء ولو في البعض المندوب ، بل الظاهر ذلك حتى لو دخل فيما زاد على الواجب من القيام والركوع والسجود ونحوها سواء قلنا باستغناء الباقي عن المؤثر أو عدمه ، إذ لا ريب في أن مجموع القيام البارز إلى الخارج مثلا من الصلاة ، فمتى ضم مع ذلك الرياء أشرك في العمل ولم يكن مخلصا نقيا ما شابه شي‌ء كما سمعته في النصوص السابقة ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فما يظهر من المرتضى رحمه‌الله في انتصاره من عدم بطلان العبادة بالرياء بل هي مجزية مسقطة للقضاء لكن لا ثواب عليها في غاية الضعف ، خصوصا لو كان يريد ما يشمل استقلال الرياء بلا ضم قربة معه ، ضرورة رجوعه حينئذ إلى عدم اشتراط القربة في العبادة المعلوم فساده عقلا ونقلا ، بل لعله ضروري ، ومن هنا يجب تنزيل كلامه على صورة ضم الرياء إلى القربة كما ينبئ عنه الاستدلال له بعدم شرطية الإخلاص وإن كان واجبا ، واليه يرجع ما قيل : إن المنهي عنه الرياء في العمل لا العمل بنية الرياء ، والكل واضح الفساد كتابا وسنة.

وما أبعد ما بينه وبين القول ببطلان العبادة بالرياء المتأخر عن العمل كالعجب‌

١٨٩

به ، ولعله لظهور بعض النصوص (١) في ذلك ، خصوصا‌ مرسل ابن أسباط (٢) عن الباقر عليه‌السلام « الإبقاء على العمل أشد من العمل ، قال : وما الإبقاء على العمل؟ قال : يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سرا ، ثم يذكرها فتمحى وتكتب له علانية ، ثم يذكرها فتمحى ويكتب له رياء » لكن الاعتماد على ذلك وأمثاله في إثبات هذا الحكم المخالف لمقتضى الأدلة والاعتبار كما ترى ، إذ احتمال اشتراط عدمه ولو في غابر الأزمنة في غاية البعد ، نعم هو ممكن في العجب الذي محله غالبا بعد تمام العمل.

وكذا لا بطلان بالرياء بترك الأضداد في العبادة ، للأصل وإطلاق الأدلة السالمين عن المعارض ، ضرورة عدم منافاة ذلك الإخلاص بالعمل ، وعدم صدق الإشراك بذلك ، بل عن الإيضاح « أنه لو نوى بترك الضد الرياء أو غيره لم يضر إجماعا ».

وأما بطلان الصلاة بالثاني فلا خلاف أجده فيه ، بل في القواعد « وإن كان ذكرا مندوبا » بل في المحكي عن الإيضاح « أجمع الكل على أنه إذا قصد ببعض أفعال الصلاة غير الصلاة بطلت ، وتظهر الفائدة في المأموم ، وعدم اعتبار الكثرة لأن إجماع المتكلمين على أن المتعلقين بالكسر إذا اتحد متعلقهما بالفتح وتعلق أحدهما على عكس الآخر تضادا ، فلذلك أجمع الفقهاء على أنه إذا نوى ببعض أفعال الصلاة غيرها بطلت » والمراد كما في جامع المقاصد « أن جزئية الصلاة وتعظيم زيد قد تعلقا بصورة الركوع المأتي به ، وهو شي‌ء واحد ، أحدهما تعلق من جهة القربة ، والآخر من جهة تخالفها ، ومع تحقق التضاد والتنافي لا يبقى ذلك البعض من الصلاة معتبرا » لكن قال فيه : « إن ذلك غير كاف في استلزام البطلان ما لم يلحظ فيه ما ذكرنا » مشيرا به إلى ما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ الحديث ٢.

١٩٠

قدمه سابقا من أنه لو نوى ببعض الصلاة غير الصلاة كما لو نوى بالركوع المقصود به الصلاة تعظيم زيد أو قتل حية بحيث قصد به الأمرين معا بطلت ، لعدم تمحضه للقربة ، فلا يقع مجزيا ، وعدم جواز الإتيان بفعل آخر غيره لاستلزام الزيادة في أفعال الصلاة عمدا ، إذ الفرض أن الأول مقصود به الصلاة أيضا ، قلت : ومنه يظهر ما في كشف اللثام من تعليل البطلان في الفرض بأنه نية الخروج حتى أنه مزج عبارة القواعد السابقة بقوله : ولذا تبطل وإن كان البعض ذكرا مندوبا ، ثم قال : « وعليه منع ظاهر ، فإنه إن قصد بنحو « سبحان ربي العظيم وبحمده » في المرة الثانية التعجب لم يكن نوى الخروج ، ولحوقه حينئذ بكلام الآدميين أظهر بطلانا » وكأنه أخذه من تعليل الذكرى البطلان بعدم الاستمرار الواجب ، وعلى كل حال ففيه أنه كذلك أيضا لو نوى بالأولى مع فرض عدم قصده الصلاة معه ، وبطلان الصلاة مع الاقتصار عليها ، لترك الجزء أي الذكر الصلاتي ، لا لأنه نوى ببعض أفعال الصلاة غيرها ، على أنه لا يتم في مثل المتن القائل بعدم البطلان بنية الخروج ، كما أن من الواضح عدم تحققها بنية غير الصلاة في الشي‌ء الذي لو نواه من الصلاة كان جزء ، خصوصا مع عزمه على الإتيان به مرة أخرى للصلاة.

وكذا يظهر لك ما في المدارك حيث أنه ـ بعد أن ذكر عن المصنف تعليل البطلان في الفرض بانتفاء التقرب بذلك الجزء ، ويلزم من فواته فوات الصلاة لعدم جواز استدراكه ـ قال : وهو انما يتم إذا اقتضى استدراك ذلك الجزء الزيادة المبطلة لا مطلقا ، ومن هنا يظهر أنه لو قصد الإفهام خاصة بما يعد قرآنا بنظمه وأسلوبه لم يبطل صلاته ، لأن ذلك لا يخرجه عن كونه قرآنا وإن لم يعتد به في الصلاة لعدم التقرب به ، وكذا الكلام في الذكر ، ويدل على جواز الافهام بالذكر ـ مضافا إلى الأصل وعدم‌

١٩١

خروجه بذلك عن كونه ذكرا ـ روايات ، منها‌ صحيحة الحلبي (١) أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يريد الحاجة وهو يصلي فقال : يومي برأسه ويشير بيده ويسبح » إذ قد عرفت أن مبنى المسألة الجمع بين نية الصلاة وغيرها ، وحينئذ لا فرق بين الأجزاء جميعها ، نعم هو مبني على البطلان بالزيادة التشريعية لإطلاق‌ قوله عليه‌السلام : « من زاد » ونحوه وإن كان فيه بحث تسمعه فيما يأتي إن شاء الله من بحث القراءة وغيره.

بل المتجه عدم الفرق بين المندوب والواجب بناء على البطلان بالزيادة به مطلقا إذ العمدة صدق الزيادة في الصلاة بما ليس منها ليدخل تحت إطلاق ما دل على استقبال الصلاة بها من غير فرق بين الواجب وغيره ، كما أنه لا فرق بين ما يستلزم استدراكه بطلان الصلاة كالركوع وغيره ، ولا بين كونه كثيرا أو لا ، كما عن الميسية التصريح به قال : « لا يشترط في البطلان به بلوغ حد الكثرة مطلقا على الأقوى ، بل تبطل بمسماه للنهي » وقد سمعت معقد إجماع الإيضاح ، فعدم البطلان حينئذ بالقرآن أو الذكر المقصود به الإفهام خاصة ـ لعدم خروجه بذلك عن كونه قرآنا وذكرا ، إذ الفرض قصدهما ـ مسلم ، ولكنه خارج عن موضوع المسألة الذي قد عرفته ، ومن الغريب أن المحقق الثاني قد ذكر أن منشأ البطلان في الفرض ما سمعته من الزيادة ، ومع ذلك اعترض على الفاضل ـ حيث أبطل الصلاة بذلك حتى لو كان ذكرا مندوبا كما عرفت ـ بأن من نوى بالذكر المندوب الصلاة وغير الصلاة معا كأن قصد إفهام الغير بتكبير الركوع أو زجره لا تبطل فيه الصلاة ، إذ لا يخرج بذلك عن كونه ذكرا لله ويصير من كلام الآدميين ، وعدم الاعتبار به في الصلاة حينئذ إن تحقق لم يقدح في الصحة ، لعدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٢.

١٩٢

توقف صحة الصلاة عليه ، أما لو قصد به الافهام مجردا عن كونه ذكرا لله فإنه يبطل ، إلى أن قال : « وهذا بخلاف ما لو قصد الرياء به ، لكونه منهيا عنه بقوله تعالى (١) : ( وَلا يُشْرِكْ ) إلى آخره ، فيخرج عن كونه ذكرا قطعا ، فتبطل به الصلاة » وفيه ما عرفت من أن منشأ البطلان الزيادة لا الخروج عن القرآنية والذكرية ، فهو كالقرآن والذكر الأجنبيين عن الصلاة المنوي بهما أنهما منها ، إذ الفرض خروج الفعل الصلاتي عنها بنية غيرها ، فنية الصلاة به حينئذ مع ذلك زيادة فيها ، ودعوى أنه بتوارد النيتين خارج عنهما معا ، فهو كالأجنبي المتخلل في أثناء الصلاة يدفعها أولا أن مثله آت في الواجب الذي سلم صدق الزيادة عليه ، وثانيا أن أقصى ذلك خروجه عن الصلاة شرعا لا الصلاة بجعل المصلي وعزمه الذي هو أمر وجداني ومفروض المسألة.

نعم يتجه الفرق في البطلان هنا بين الواجب والمندوب بمعنى عدم البطلان بالثاني دون الأول بدعوى أن من زاد يختص بقرينة قوله : « أو نقص في الواجب » فلم يبق إلا حرمة التشريع التي لا تقتضي بطلانا ، لكنه لا يتم على مذاقهم كما لا يخفى ، وكيف كان فقد عرفت التحقيق مضافا إلى الإجماع المحكي وغيره.

كما أنه ينبغي أن تعرف أن هذه المسألة غير مسألة الضميمة ، ولذا لم يشر أحد من معتمدي الأصحاب إلى اتحاد البحث فيهما ، بل من حكم هناك بالصحة مع الضم التبعي أو كان كل منهما علة مستقلة أطلق البطلان في المقام ، كما أنهم لم يفرقوا هنا بين الضميمة الراجحة وغيرها ، والظاهر أن وجهه الفرق بين المسألتين بالفرق بين موضوعيهما فان موضوع الضميمة الفعل الواحد الذي له غايات متعددة ، وأراد المكلف ضمها بنية واحدة ، فالتحقيق فيها البطلان مع منافاة الإخلاص ، والصحة مع العدم ، لتبعية الضم ، أو لرجحان الضميمة ، أو غير ذلك ، وموضوع ما نحن فيه قصد المكلف كون الفعل‌

__________________

(١) سورة الكهف ـ الآية ١١٠.

١٩٣

الواحد المشخص مصداقا لكليين متغايرين لا يمكن اجتماعهما في مصداق واحد عقلا أو شرعا ، فلو نواه حينئذ لكل منهما لم يقع لشي‌ء منهما شرعا ، كما في كل فعل كذلك لأصالة عدم التداخل في الأفعال عقلا وشرعا ، فلو نوى بالركعتين الفرض والنفل لم يقع لأحدهما ، ومن ذلك يظهر لك ما في بعض الأمثلة الواقعة في المقام من بعض الأعلام التي هي بالضمائم أشبه ، ولعل منه ما في بعض النصوص من التكبير للصلاة وغيرها ، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع في المقام وغيره جدا ، هذا.

ومما ذكرنا يظهر لك ما في قواعد الفاضل حيث أنه بعد أن حكم بالبطلان ولو بالذكر المندوب كما سمعت قال : « أما إذا كان زيادة على الواجب من الهيئات كزيادة الطمأنينة فالوجه البطلان مع الكثرة » وتبعه على ذلك غيره ، ومراده على الظاهر عدم البطلان بنية غير الصلاة بذلك ، بل يدور البطلان حينئذ به على المبطل الخارجي كالكثرة ونحوها ، وفي جامع المقاصد « أن قوله : « فالوجه » يفهم منه احتمال عدم البطلان معها وهو غير مراد قطعا ، لما سيأتي من أن الفعل الكثير مبطل مطلقا ، وانما المراد وقوع التردد في حصول الكثير بمثل هذه الزيادة ، فعلى تقدير العدم لا إبطال جزما ، كما أنه لا شبهة في الإبطال معه » قلت : يمكن أن يكون ذلك لاحتمال البطلان مع القلة ، لما عرفته من صدق الزيادة التشريعية ، بل هو الوجه بناء على ذلك ، كما يقتضيه إطلاق المصنف وغيره ، ولو قيل بكونه ليس من أفعال الصلاة فهو أولى بالبطلان بنية أنه منها فلعل قول الفاضل : « الوجه » إشارة إلى ذلك ، على أنه في المحكي عن الإيضاح يلزم القول بالصحة لمن ذهب إلى أن الأكوان باقية ، وأن الباقي مستغن عن المؤثر ، وأنه لا يعدم إلا بطريان الضد ، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الإمامية ، وحاصله أن المكلف لما أوجد القيام من الركوع مثلا فالذي صدر من الفاعل حدوث القيام ، ثم فيما بعد‌

١٩٤

صار باقيا فاستغنى عن المؤثر ، والقدرة تتعلق أيضا بإيجاد ضده فإذا لم يوجد لم يكن الفاعل قد صدر منه حال البقاء شي‌ء أصلا ، وإذا نوى بالزائد عن الواجب من ذلك القيام غير الصلاة فقد نوى بما لم يصدر منه وما لم يفعله ، فلا يؤثر في بطلان الصلاة ، وقد عرفت أن نية الرياء فضلا عن غيره بترك الضد لا تضر إجماعا ، فحينئذ تتجه الصحة مع الكثرة جزما ، ولعله من هنا حكي عن فخر المحققين أنه قال : إن التحقيق بناء هذه المسألة على أن الباقي هل يحتاج إلى المؤثر أم لا ، فان قلنا يحتاج بطلت مع الكثرة لأنه فعل فعلا كثيرا ، وإن قلنا : الباقي مستغن عن المؤثر لم يفعل شيئا فلا يبطل ، والأقوى عندي البطلان ، لكن قد يخدشه أنه يمكن الصحة على الأول أيضا بدعوى أن المدار على صدق الفعل الكثير عرفا لا حكمة ، كما أنه يمكن البطلان أيضا على الثاني مع طول البقاء ، بل من المحتمل أنه المراد من الكثير هنا لا تكرار ذلك منه بفوات الموالاة بين أفعال الصلاة التي ستعرف وجوبها في محله لا بالفعل الكثير.

ومن ذلك كله يظهر لك ما في كشف اللثام حيث قال : « هذا ـ مشيرا به إلى البطلان في عبارة الفاضل ـ مبني على أمرين : أحدهما بطلان الصلاة بالفعل الكثير الخارج عن الصلاة المتفرق ، والثاني أن الاستمرار على هيئة فعل ، لافتقار البقاء إلى المؤثر كالحدوث ، واحتمال الصحة على هذا مبني على أحد أمرين ، إما لأنه لا يعد الاستمرار فعلا عرفا ، أو لعدم افتقار البقاء إلى مؤثر ، وإما لأن الكثير المتفرق لا يبطل ، ويجوز أن يريد بالكثرة الطول المفضي إلى الخروج عن حد المصلي ، ويكون المراد الوجه عدم البطلان إلا مع الكثرة ، ويحتمل البطلان مطلقا ، لكونه نوى الخروج بذلك ، وضعفه ظاهر » قلت : قد عرفت كون الوجه الزيادة التشريعية ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

ولا يجوز نقل النية من عمل إلى عمل آخر مشابه له بالصورة إلا في‌

١٩٥

موارد مخصوصة كنقل الظهر يوم الجمعة إلى النافلة لمن نسي قراءة الجمعة وقرأ غيرها وفاقا للأكثر كما في جامع المقاصد والمحكي عن المختلف ، بل لعله المشهور ، بل عن الصدوق وجوبه ، بل لا أجد فيه خلافا سوى إطلاق عدم جواز النقل من الفرض إلى النفل في المحكي من المبسوط هنا والخلاف الذي يجب تقييده بالمحكي عن الأول منهما في بحث الجمعة من التصريح بذلك ، وسوى ما عن ابن إدريس ، مع أن المحكي عن عبارته ظاهر فيه في الجملة ، قال : « إن كان ابتداء المنفرد يوم الجمعة بسورة الإخلاص والجحد اللتين لا يرجع عنهما إذا أخذ فيهما ما لم يبلغ نصف السورة ، فإن بلغ النصف تمم السورة وجعلها ركعتين نافلة وابتدأ الصلاة بالسورتين ، وذلك على جهة الأفضل في هذه الفريضة خاصة ، لأنه لا يجوز نقل النية من الفرض إلى النفل إلا في هذه المسألة ، وفيما إذا دخل الامام المسجد وهو يصلي فريضة ، فإنه يستحب له أن يجعل ما صلاة نافلة ، فأما نقل النية من النفل إلى الفرض فلا يجوز في موضع من المواضع على وجه من الوجوه فليلحظ ذلك على ما روي في بعض الأخبار وأورده الشيخ في نهايته ، والأولى عندي ترك العمل بهذه الرواية ، وترك النقل إلا في موضع أجمعنا عليه » وهو كما ترى موافق في الجملة ، بل هو مضمون‌ الصحيح (١) الذي هو مستند الحكم هنا عن الصادق عليه‌السلام « في رجل أراد الجمعة فقرأ قل هو الله أحد قال : يتمها ركعتين ثم يستأنف » ولعل التعدية إلى غير التوحيد للأولوية أو المساواة ، لكن على كل حال ينبغي أن يكون ذلك حيث لا يجوز استيناف الجمعة ببلوغ النصف أو غيره ، وربما يأتي لذلك تتمة في القراءة والجمعة إن شاء الله.

واحتمل في جامع المقاصد أن يكون المراد من عبارة القواعد وما شابهها أن من نسي صلاة الجمعة يوم الجمعة وصلى الظهر ثم ذكر في الأثناء يعدل إلى النافلة ، لأن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

١٩٦

فرضه الجمعة لا الظهر ، ثم قال : « وهذا الحكم ليس ببعيد ، لأنه أولى من قطع العبادة بالكلية ، ولا أعرفه مذكورا في كلام الفقهاء » قلت : وليس في شي‌ء من الأدلة تعرض له ، فيبقى على أصل المنع كما ستعرف ، على أن المتجه في الفرض بطلان الصلاة لعدم الخطاب ، فلا وجه للعدول منها إلى غيرها كما هو واضح ، والأولوية المزبورة ممنوعة ، ولذا قلنا في بحث الأذان أن المتجه لمن نسيه وذكره قبل الركوع القطع لا العدول إلى النفل وإن أفتى به جماعة هنا وهناك للأولوية المزبورة ، لكنه محل منع لما ستعرف من أصالة المنع إلا في الموارد المخصوصة كالصورة السابقة.

وكنقل الفريضة الحاضرة إلى حاضرة سابقه عليها مع سعة الوقت أو فائتة كذلك حتى على القول بالمواسعة ، والفائتة اللاحقة إلى الفائتة السابقة كما أشبعنا الكلام فيه في محله ، أما العدول منها إلى الحاضرة فليس في شي‌ء من النصوص إشارة اليه ، فيبقى على أصالة المنع ، فما عن بعضهم ـ من الجواز إذا شرع في فائتة ثم ذكر في أثنائها ضيق الوقت عن الحاضرة ، بل عن الشهيد في البيان القطع به ، بل في كشف اللثام ما يظهر منه أنه مفروغ منه ، وأنه مدلول النصوص كالعكس أي النقل من الحاضرة إلى الفائتة ـ في غير محله ، بل يتعين عليه القطع والاستيناف لها ولو ركعة ، ترجيحا لصاحبة الوقت على حرمة قطع الصلاة ، ولتمام البحث فيه محل آخر ، وكنقل الفريضة إلى النافلة لخائف فوت الركعة مع الامام كما أشبعنا الكلام فيه في محله في الجماعة أيضا.

وأما النقل من النفل إلى الفرض فليس في شي‌ء من الأدلة الإشارة اليه ، ولذا صرح بعدمه بعض الأصحاب معللا له بأن القوي لا يبنى على الضعيف ، لكن في المحكي عن المفاتيح أن الأظهر جوازه لمطلق طلب الفضيلة ، لاشتراك العلة الواردة ، وفي الذكرى « وللشيخ قول بجوازه في الصبي يبلغ في أثناء الصلاة » وتبعه في كشف اللثام ، قلت : قد عرفت التحقيق فيه مفصلا ، ويمكن أن لا يكون من العدول وإن‌

١٩٧

كان يجب عليه أن يجدد نية الفرض في الباقي على قول ، إذ معناه جعل الجميع ما مضى منه وما بقي على ذلك الوجه.

وأما النقل من النفل إلى النفل ففي المدارك أنه صرح الأصحاب بجوازه إذا شرع في لاحقه ثم ذكر السابقة ، قال : « ويمكن القول بجوازه أيضا في ناسي الموقتة إلى أن يتضيق وقتها ، وللتوقف في غير المنصوص مجال » قلت : وهو كذلك ، إذ لا ريب في مخالفة النقل للأصل ، إذ الأفعال إنما تشخص بالنية ، والفرض أن ما مضى من الفعل قد وقع بنية مشخصة للمنوي ، فقلبه محتاج إلى دليل ، بل دليل عدمه في غاية القوة ، لأن تأثير النية فيما وقع ومضى مخالف لطريقة الأفعال ، كما أن تأثيرها فيما بقي منه الذي هو تابع للسابق كذلك ، فمن هنا كان احتمال إطلاق الجواز في سائر الخصوصيات ـ بدعوى ظهور أدلة الجواز في الموارد المخصوصة في أن العمدة عدم إبطال نية أصل العمل لا خصوصياته ، فإنها باقية على اختيار المكلف إلى تمام العمل ، بل في بعض أخبار العدول (١) ذلك بعد الفراغ من العصر معللا له بأنها أربع مكان أربع ، واستحسنه في المفاتيح ـ واضح المنع ، بل لعل مثله التعدية إلى مساوي المنصوص نحو النفل اللاحق إلى النفل السابق كالفرض إلى الفرض ، لعدم المنقح من إجماع أو عقل ، بل لعل‌ موثق عمار (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يريد أن يصلي ثمان ركعات فيصلي عشر ركعات أيحتسب بالركعتين من صلاة عليه؟ قال : لا إلا أن يصليها متعمدا ، فان لم يبق ذلك فلا » دال على عدمه.

فقد بان من ذلك كله الجواز في بعض الموارد المخصوصة للأدلة الخاصة من الصور الستة عشر المتصورة في بادئ النظر ، لأن كلا من الفريضة المنقول منها وإليها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النية ـ الحديث ١.

١٩٨

إما أن تكون واجبة أو مندوبة مؤداة أو مقضية ، وإلا فقد تترقى إلى أزيد من ذلك بمراتب ، وعلى كل حال فالكل باق على أصل المنع ، نعم قد يقال بجواز ترامي العدول بل تعينه كما لو عدل إلى فائتة فذكر سابقه عليها وهكذا.

ثم لا يخفى أن الظاهر الاكتفاء بمجرد نية النقل إلى خصوص المنقول اليه من غير احتياج إلى القيود السابقة في ابتداء النية ، ضرورة صيرورتها بالنية المزبورة بدلا عن الأولى في كل ما تعرض له فيها مما يشتركان فيه ، وكيف كان فلو نقل نيته في غير الموارد المخصوصة كأن نقل نيته بالظهر إلى العصر لم ينتقل ، ولا يجزي ذلك عن العصر لما عرفت ، كما عن الخلاف التصريح به ، بل عن نهاية الأحكام لو فعل ذلك بطلتا معا وإن كان قد دخل في الظهر بظن أنه لم يصلها ثم ظهر له في الأثناء أنه فعلها ، لكن قال : على إشكال ينشأ من أنه دخل دخولا مشروعا فجاز العدول به إلى ما هو فرض عليه ، وفيه أنه قد بان له الفساد ، والعدول يعتبر فيه أنه لو بقي على غفلته إلى تمام العمل صح ، وليس كذلك في الفرض.

انما الإشكال فيما لو عدل بزعم تحقق موضوع العدول ثم بان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء كما لو عدل بالعصر إلى الظهر ثم بان له أنه صلاها ، ولعل القول بالصحة لا يخلو من قوة ، لأن الصلاة على ما افتتحت عليه ، وربما كان فيما تقدم سابقا في أول بحث الاستدامة من نية الساهي في أثناء الفريضة الندب نوع تأييد له ، إذ لا يزيد عليه إلا بنية كون الماضي من الفعل للمنوي جديدا ، وهو حيث لم يصادف محله لغو لا يصلح مبطلا للعمل الواقع صحيحا ، كما أن نيته بالباقي له بتخيل تحقق موضوع العدول لا ينافي الاستدامة التي يمكن أن يقال يكفي فيها ولو بالنظر إلى تلك الأدلة بقاء المكلف عازما على أصل العمل ، ولذا لم يقدح فقدها لو نوى الندب أو الفرض في الأثناء بتخيل ابتداء العمل على ذلك.

١٩٩

بل قد ينقدح من ذلك الصحة في النقل عمدا استصحابا لها ، ولإطلاق ما دل (١) على أن الصلاة على ما افتتحت عليه ، ولأن النقل المزبور مركب من نية كون الماضي للمنوي جديدا ، وهي لغو غير صالحة للتأثير ، وإلا لأثرت لو اقتصر عليها فحسب ، ومن نية كون الباقي له أيضا بعد فرض افتتاح الصلاة بغيره الذي قد حكم الشارع بتبعية غيره له في غير الموارد المخصوصة ، فهي حينئذ أيضا لغو كالأولى لا تؤثر بطلانا ، بل هي أشبه شي‌ء بنية غير الممكن شرعا وما لا يدخل في قدرة المكلف ، بل حكمه راجع إلى الشرع ، ولو أن مثل هذه النية صالحة للتأثير لأثرت حتى في صورة الغفلة والنسيان التي قد عرفت الصحة فيها ، خصوصا مع الاقتصار عليها من غير تعرض للماضي ، كما لو نوى الندب أو الفرض في باقي عمله على ما سمعته سابقا مفصلا.

وأولى بالصحة ما لو نوى النقل ثم رجع عنه قبل أن يفعل فعلا ، بل وإن فعل وأمكن تداركه ، ولا ينافي ذلك إطلاق الأصحاب عدم جواز النقل الذي يمكن أن يكون المراد منه عدم تأثير النية نقلا في غير المواضع المستثناة التي عرفت تأثير النية فيها لا أن المراد بطلان العمل بمجرد نية النقل كيفما كان ، فيكون كالحدث من المبطلات القهرية ، إذ هو واضح الفساد ، ضرورة عدم زيادته على نية الخروج التي قد عرفت البحث فيها ، وأن الأظهر عدم البطلان بها ، فما عن نهاية الأحكام وكشف الالتباس في النقل من النفل إلى الفرض من إطلاق بطلانهما معا بذلك لا يخلو من نظر ، كالمحكي عن البيان من أنه لو فعله فكنية الواجب لا يسلم له الفرض ، وفي بقاء النفل وجه ضعيف فعليك بالتأمل في المقام فإنه غير منقح في كلام الأعلام ، والله هو العالم بحقائق الأحكام في مسائل الحلال والحرام.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب النية ـ الحديث ٢.

٢٠٠