جواهر الكلام - ج ٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الالتباس أنه الأشهر وإن كان لا يخلو من نظر ، لانحصار القائل بمن عرفت ، وإلا فالفاضل في المنتهى والتحرير والشهيدان في الذكرى والبيان والمسالك والعليان في جامع المقاصد وحاشيتي الشرائع وغيرهم على ما حكي عن البعض على جواز البناء له على الأول ما لم تفت الموالاة ، بل هو مقتضى اعتراض المصنف في المعتبر على المبسوط بأن دليل الاعتداد إذا ارتد بعده جار فيه ، وهو كذلك ، إذ الردة كما أنها لا تبطله بعده كذلك في الأثناء ، ضرورة أن الأذان وإن كان عبادة واحدة مركبة ذات أجزاء لكن ليس كالصلاة التي ليس فيها زمان فترة ، اللهم إلا أن يفرق بأنه بعد التمام من قبيل الأسباب التي لا تبطلها الردة ، بخلاف الأثناء ، وهو كما ترى تحكم يبطله صحة الغسل لو ارتد في أثنائه ثم رجع الذي هو أظهر في السببية ، فالمتجه حينئذ جواز البناء له مع عدم فوات الموالاة ، أما بناء غيره فمبني على التراسل الذي قد سمعت الكلام فيه ، والله أعلم.

المسألة الثالثة يستحب لمن سمع الأذان أن يحكيه إجماعا بقسميه ، بل المنقول منهما متواتر أو مستفيض جدا كالنصوص (١) أما الإقامة ففي النهاية والمبسوط والمهذب وظاهر النفلية على ما حكي عن بعضها ذلك أيضا ، ولعله لظهور بعض نصوص المقام (٢) في أن حكاية الأذان لكونه ذكرا ، خصوصا‌ صحيح زرارة (٣) منها المروي عن العلل ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : « ما أقول إذا سمعت الأذان قال : اذكر الله مع كل ذاكر » ولخصوص‌ قول الصادق عليه‌السلام في المروي عن دعائم الإسلام (٤) : « إذا قال المؤذن : الله أكبر فقل : الله أكبر ، فإذا قال : أشهد أن لا إله إلا الله فقل : أشهد أن لا إله إلا الله ـ إلى أن قال ـ : فإذا قال : قد قامت الصلاة فقل : اللهم أقمها وأدمها واجعلنا من خير صالحي أهلها » بل قد يستفاد من إطلاق المؤذن فيه على المقيم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٥.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٦.

١٢١

أن المراد بالأذان في نصوص المقام خصوصا في مثل‌ المرسل (١) « ان من سمع الأذان فقال : كما يقول المؤذن زيد في رزقه » ما يشمل الإقامة ، كل ذلك مع التسامح في السنن.

فما عن جماعة ـ من الجزم بعدم استحباب حكايتها لعدم الدليل ـ لا يخلو من نظر ، إذ قد عرفت أن الظاهر استحباب حكايتها ، لكن ينبغي إبدال فصلي الإقامة بالدعاء المزبور في خبر الدعائم ، واليه أومأ العلامة الطباطبائي بقوله :

وأبدل المختص بالإقامة

من الفصول بدعا الإدامة

وكأنه لأنه ليس ذكرا ، وظاهر النصوص استحباب الحكاية للذكر كما سمعته في‌ صحيح زرارة ، وقال الباقر عليه‌السلام أيضا لمحمد بن مسلم (٢) : « لا تدعن عن ذكر الله عز وجل على كل حال ، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عز وجل ، وقل كما يقول المؤذن ».

ومن هنا كان المتجه إبدال الحيعلات في الأذان والإقامة بالحولقة ، كما عن الشيخ في المبسوط روايته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكن في الحدائق تبعا للمحكي عن المجلسي أن الظاهر كون الرواية عامية ، لموافقتها للمروي في صحيح مسلم (٣) وغيره من صحاحهم (٤) قلت : يكفي مثلها بعد رواية الشيخ لها في إثبات المندوب ، خصوصا بعد اعتضادها بالظهور الذي سمعته من النصوص التي يمكن أن يراد منها حكاية الذكر من الأذان ، وبخبري الآداب والمكارم (٥) والدعائم (٦) المصرح فيهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٣) في النسخة الأصلية « ابن مسلم » والصحيح ما أثبتناه.

(٤) صحيح مسلم ج ٤ ص ٨٥ وسنن النسائي ج ٢ ص ٢٥.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٩.

(٦) المستدرك ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٥.

١٢٢

بإبدالها بالحولقة ، قال في المحكي عن الثاني منهما : « روينا عن علي بن الحسين عليهما‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا سمع المؤذن قال : كما يقول ، فإذا قال : حي على الصلاة حي على الفلاح حي على خير العمل قال : لا حول ولا قوة إلا بالله » وإليهما أومأ العلامة الطباطبائي بقوله :

وأحك الأذان الكل إلا الحيعلة

فإنها مبدلة بالحوقلة

في خبر الآداب والمكارم

وفي حديث صاحب الدعائم

ولا يعارض بأن في ذلك خروجا عن ظاهر النصوص المعتبرة القاضي باستحباب حكاية الأذان كله ، بل ظاهرها أن جميع فصوله من الذكر ، لما عرفت من ظهور بعض تلك النصوص في إرادة حكاية الذكر منه ، بل حملها على هذا أولى من التزام أنها ذكر الذي يمكن إنكاره على مدعيه أشد إنكار ، وأولى من ترجيح مثل هذا العام على مثل هذا الخاص بدعوى عاميته أو ضعف سنده ، بل يمكن أن يقال : إن الذي يقتضيه النظر في الأدلة بناء على ظهور دليل الحوقلة في البدلية وعلى ظهور غيره في حكاية الحيعلة أيضا التخيير بينهما ، أو مع شدة التأكد في الحوقلة ، ضرورة عدم ظهور في نصوص الحوقلة بنفي حكاية الحيعلة فيبقى حينئذ ما دل عليها من‌ قوله عليه‌السلام : « قل مثل ما يقول المؤذن » وغيره سالما عن المعارض كما هو واضح ، وتمام الاحتياط في المندوب الجمع بينهما.

كما أن الاحتياط يقضي بتعين الحوقلة لو أراد حكايته وهو في الصلاة ، لأن الظاهر استحباب حكايته في جمع الأحوال التي منها الصلاة وإن نفاه فيها في المبسوط والخلاف والتذكرة والبيان وجامع المقاصد وغيرها على ما حكي عن بعضها ، بل صرح بعضهم أنه لا فرق في ذلك بين الفريضة والنافلة لعدم العموم ، ولأن الإقبال على الصلاة‌

١٢٣

أهم ، لكن فيه أن صحيح زرارة (١) ومحمد بن مسلم (٢) والمرسل السابق (٣) وغيرها يمكن شمولها لحال الصلاة ، وأهمية الإقبال بعد تسليمها على وجه تنافي الحكاية لا تنافي الاستحباب ، فالأقوى حينئذ استحبابها فيها أيضا لكن مع الإتيان بالحولقة دون الحيعلة ، إذ احتمال استحباب حكايتها أخذا بالإطلاق مناف لما دل على حرمة إبطال الصلاة ، وكذا احتمال فعلها مع التزام عدم الإبطال ، إذ هو مناف أيضا لما دل (٤) على بطلانها بكلام الآدميين ، والتعارض بين أدلة الطرفين من وجه ، ولا ريب في أن الترجيح لها على أدلة الحكاية الظاهرة في إرادة بيان الحكاية من حيث أنها حكاية ، وأضعف من ذلك كله احتمال أن هذه الفصول من الأذكار التي لا تبطل الصلاة بها الذي يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ، بل الضرورة إذا أريد من الذكر حقيقة لا حكما ، فلا محيص حينئذ عما ذكرنا من تعين فرد الحوقلة الذي لا ينافي الصلاة ، نعم بناء على انحصار الحكاية بالمشتمل على الحيعلة يشكل حينئذ دعوى شمول استحباب الحكاية لحال الصلاة الذي هو مستلزم لبعض ما عرفت ، ومن هنا نفى من عرفت الاستحباب ، لعدم ثبوت ذي الحوقلة فردا للحكاية عندهم ، ولذا صرح كثير منهم بعد نفي الاستحباب بجواز الحكاية لكن مع الإبدال بالحولقة ، والظاهر الجواز من حيث أنه ذكر مع كل ذاكر لا خصوص استحباب الحكاية.

نعم يمكن القول بناء على عدم اشتراط استحباب الحكاية بحكاية الجميع كما هو الأقوى بأن له حينئذ حكاية ما عدا الحيعلات من الأذان بنية الاستحباب الخصوصي ، أما إن لم نقل فلا ، فان خالف وحكى حينئذ ففي البطلان وعدمه من جهة التشريع وجهان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب قواطع الصلاة.

١٢٤

مبنيان على خروج الذكر بالحرمة التشريعية عن كونه ذكرا ، أو عن كونه ذكرا سائغا في الصلاة وعدمه ، لا يخلو الثاني منهما من قوة ، وتسمع في مباحث القراءة ونحوها زيادة تحقيق له إن شاء الله.

ثم إن الظاهر أولوية اختيار ذي الحوقلة في الحكاية على الخلاء تجنبا من كراهة الكلام فيها وإن أمكن القول باستثنائه بالخصوص ، لظهور الخبر المزبور في حكاية الجميع على الخلاء ، ومن هنا بان لك الفرق بين تعارض دليلي الكراهة والحكاية هنا وبين دليلي الحكاية والإبطال في الصلاة ، فتأمل جيدا ، كما أنه بان لك أيضا أن الأهمية في بعض المندوبات لا تخرج الآخر في هذا الحال عن صفة الندب ، فحينئذ إن عارض الحكاية بعض المندوبات وأمكن الجمع جاء بالجميع ، ومع التعارض كان الأولى له الإتيان بالأهم كما هو واضح ، فما عن المبسوط وغيره من كتب الأصحاب « ان من كان خارج الصلاة قطع كلامه وحكى قول المؤذن ، وكذا لو كان يقرأ القرآن قطع وقال : كقوله ، لأن الخبر على عمومه » إن أراد ما ذكرنا فمرحبا بالوفاق ، وإلا كان للنظر فيه مجال ، ضرورة عدم اقتضاء استحباب الحكاية رفع استحباب غيرها حالها ، وكذا ما عن جماعة من الأصحاب أيضا من أنه إذا دخل المسجد والمؤذن يؤذن ترك صلاة التحية إلى فراغ المؤذن ليجمع بين المندوبين ، لكنه لا يخفى أنه مبني على مشروعية صلاة التحية مع هذا الفصل ، وإلا كان المتجه الترجيح ، أو الصلاة مع الحكاية في أثنائها بناء على ما حررناه سابقا.

والمراد بالحكاية في عبارات الأصحاب قول : مثل ما قاله المؤذن عند السماع ، وهو الموجود في النصوص دون لفظ الحكاية ، وكان الأصحاب عبروا بها لما فهموه منها ، بل لا يخفى على من لاحظ النصوص وما في بعضها من الحكاية على الخلاء ، وفي آخر « اذكر مع كل ذاكر » وغيره أنه يمكن القطع بعدم امتثال ذلك مع الفصل المعتد به‌

١٢٥

بين السماع والقول ، ولذا حكي عن ظاهر الشهيد وصريح جماعة سقوطها إذا أخرها حتى فرغ من الصلاة ، بل اليه يرجع ما عن المبسوط « لو فرغ من الصلاة ولم يحك الأذان كان مخيرا بين قوله وعدمه ، لا مزية لأحدهما على الآخر إلا من حيث أنه تسبيح وتكبير لا من حيث أنه أذان » ونحوه ما عن الخلاف أيضا « يؤتى به لا من حيث كونه أذانا بل من حيث كونه ذكرا » بل وما عن التذكرة من التخيير بين الحكاية وعدمها ، وربما ظن خلافهم في المقام ، وأنهم يجوزون الحكاية مع الفصل ، وهو كما ترى ، نعم ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يكن زمان الفراغ وزمان السماع متقاربا بحيث لا يخل بالحكاية عرفا ، وإلا لم يفت محلها.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في استحباب الحكاية بين أذان الاعلام والجماعة والمنفرد لإطلاق الأدلة ، نعم ينبغي اعتبار كونه مشروعا ، لأنه المنساق من الأدلة ، فلا يحكى غيره كالأذان لعصري عرفة والجمعة مثلا بناء على حرمته ، واحتمال أن التشريع فيه لا يخرجه عن اسم الذكرية وقد أمرنا أن نذكر مع كل ذاكر في غاية الضعف أما على تقدير الكراهة فالظاهر استحباب حكايته ، لكن ظاهر الذكرى العدم أيضا بل قال : « الأقرب عدم استحباب حكاية كل أذان مكروه وأذان المرأة » وهو كما ترى ، بل لا بأس بحكاية أذان المرأة للمرأة ، ولمن لا يحرم عليه صوتها ، فالتحقيق حينئذ بناء على استحباب الحكاية وعدمه على المشروعية وعدمها ولو على جهة الكراهة.

نعم قد سمعت سابقا احتمال استحباب الحكاية وغيرها في خصوص أذان الإعلام المستأجر عليه وإن قلنا بحرمته وحرمة الأجرة عليه ، لا هي خاصة ، بناء على أنه ليس عبادة يفسد بذلك ، أما إذا قلنا بحرمة الأجرة خاصة فلا إشكال في تناول استحباب الحكاية له ، كتناولها لأذان الجنب في المسجد وإن قارنه حرمة المكث ، بل قيل : وللأذان المقدم على الفجر بناء على مشروعيته ، قلت : ينبغي تقييده مع‌

١٢٦

ذلك للصلاة ، وإلا أشكل استحباب حكايته بظهور النصوص في استحباب حكاية أذانها ، وإلا جاز حكاية الأذان في أذان المولود مثلا ونحوه ، لكن لعل التسامح في السنن يؤيد ذلك ، والأمر سهل ، هذا.

وقد ذكر بعض مشايخنا أنه يستحب للحاكي أن يقول عند قول المؤذن : ما في‌ الصحيح عن الحسن بن المغيرة النضري (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من سمع المؤذن يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال محتسبا : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اكتفى بها عمن أبى وجحد ، وأعين بها من أقر وشهد ، كان له من الأجر عدد من أنكر وجحد ، وعدد من أقر وشهد » وفيه أنه لا ظهور في الخبر المزبور في استحباب خصوص ذلك للحاكي ، فلا يبعد كونه مستحبا برأسه ، بل ظاهر الخبر المزبور بعد إتمام الشهادة بالرسالة والحكاية ينبغي أن تكون بعد كل فصل فصل ، نعم يمكن أن يقال : لو قال بعد كل فصل : « وأنا » إلى آخر ما سمعت لم يقدح في صدق الحكاية ، إذ ليس المراد منها المماثلة بترك الزيادة والنقيصة ، بل يمكن أن يقال بحصول ثواب القول المزبور أيضا ، إذ الظاهر إرادة استحباب هذا القول عند الفصلين من غير اعتبار التأخر عنهما جميعا بحيث لو عقب كل فصل بينهما لم يكن مجزيا.

ثم لا يخفى أن الصحيح المزبور شاهد على صحة عطف كلام الإنسان نفسه على كلام الآخر ، بل لعل ذلك جائز في المفردات فضلا عن الجمل ، كما يشهد له‌ « لعن الله ناقة حملتني إليك فقال له : إن وصاحبها » والأمر سهل.

وأما ما ذكره المصنف تبعا للمحكي عن المبسوط والوسيلة وغيرهما من استحباب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣ لكن رواه عن الحارث بن المغيرة وهو الصحيح كما في الكافي والفقيه وغيرهما.

١٢٧

كون الحكاية مع نفسه الظاهر في إرادة الاسرار بها فلم أقف على ما يشهد له ، ولعله لذا قال الكركي فيما حكي عن فوائده على الكتاب : « المراد أن لا يرفع صوته كالمؤذن ـ قال ـ : وسمعت من بعض من عاصرناه من الطلبة استحباب الإسرار بالحكاية ، ولا يظهر لي وجهه الآن » قلت : كما أنه لم يظهر لنا ما يدل على استحباب خصوص ما ذكره أيضا ، اللهم إلا أن يكون هو المتعارف في الحكاية ، وغيره محل شك ، لكن لو فعل لم يفت استحباب الحكاية ، وعن الميسي أن معنى العبارة عدم استحباب الجهر بالحكاية لكن لو جهر لم يخل بالسنة ، وهو حسن ، وكذا ما ذكره الفاضل الأصبهاني في شرح عبارة القواعد ـ من أنه « يستحب للحاكي قول ما يتركه المؤذن من الفصول سهوا أو عمدا للتقية إقامة لشعار الايمان » ـ لم أقف له على ما يشهد له أيضا ، إذ ما في‌ صحيح ابن سنان (١) المتقدم « إذا نقص المؤذن وأنت تريد أن تصلي بأذانه فأتم ما نقص من أذانه » لا مدخلية له في الحكاية ، وكأن الذي دعاه إلى ذلك ذكر الفاضل في القواعد ذلك في سياق الحكاية ، كالمحكي عن غيره حتى المصنف في غير الكتاب ، والأولى ذكرها مسألة مستقلة كما فعله المصنف ، وتسمع تمام الكلام فيها.

وكذا لا يختص بالحاكي ما ورد من الأدعية المأثورة عند سماع مطلق الأذان وخصوص أذان الصبح ، وبين الأذان والإقامة بالمأثور وغيره ونحو ذلك من الأذكار المذكورة في مظانها ، بل في منظومة الطباطبائي.

وصدق الداعي إذا تشهدا

والق برحب من إلى العدل اهتدى

قل مرحبا بالقائلين عدلا

وبالصلاة مرحبا وأهلا

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

١٢٨

وكأنه أشار بذلك إلى ما في‌ خبر أبي بصير (١) عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال : « كان ابن النباح يقول في أذانه : حي على خير العمل حي على خير العمل ، فإذا رآه علي عليه‌السلام قال : مرحبا بالقائلين عدلا وبالصلاة مرحبا وأهلا » والله أعلم.

المسألة الرابعة إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة كره الكلام كراهة مغلظة استأهلت إطلاق اسم الحرمة عليها ، بل بها أفتى بعض الأساطين إلا ما يتعلق بتدبير المصلين من تسوية الصفوف أو تقديم إمام أو نحو ذلك كما تقدم الكلام فيه مفصلا.

المسألة الخامسة يكره للمؤذن أن يلتفت يمينا وشمالا في شي‌ء من فصول الأذان ، خلافا للشافعي فيستحب أن يلتفت يمينا إذا قال : حي على الصلاة ، ويسارا إذا قال : حي على الفلاح ، ولأبي حنيفة فيدور بالأذان في المأذنة ، ويلوي عنقه إذا كان في الأرض ، وفي الخلاف ليس بمسنون أن يدور في الأذان وفي المأذنة ولا في موضعه ، وفي التذكرة « يكره الالتفات يمينا وشمالا بالأذان في المأذنة وعلى الأرض في شي‌ء من فصوله عند علمائنا » ولعل ذلك ونحوه كاف في الكراهة ، وإلا فليس في شي‌ء من النصوص ما يستفاد منه ذلك ، نعم ذكرنا سابقا أنه قد يستفاد منها كراهة ترك الاستقبال في خصوص الشهادتين منه ، كما أنه تقدم لك سابقا استحباب الاستقبال فيه ، واليه أشار المصنف بقوله ولكن يلزم سمت القبلة في أذانه وليس ترك المستحب مكروها عندنا ، فما في كشف اللثام ـ من أنه يكره الالتفات في الأذان بالبدن أو بالوجه خاصة ، والأول آكد لاستحباب الاستقبال ، وفي الإقامة آكد ـ لا يخلو من نظر ، والأمر سهل ، خصوصا بعد التسامح ، ولعل عدم ذكر الأكثر للإقامة لأن الغرض الرد على أبي حنيفة والشافعي ، وقد سمعت كلامهما في الأذان ، أو لأن الحكم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٢ ولكن نقله عن الفقيه مرسلا.

١٢٩

بالأذان يفهم منه الحكم في الإقامة بالأولوية ، أو لأن الأذان هو مظنة الالتفات لإرادة الإعلام به لسائر الناس بخلاف الإقامة ، والله أعلم.

المسألة السادسة إذا تشاح الناس في الأذان قدم الأعلم ، ومع التساوي يقرع بينهم كما في القواعد والإرشاد ، ومقتضى ذلك عدم اعتبار غير العلم من الصفات المرجحة في الأذان وغيرها ، بل مقتضى ما عن المبسوط وجامع الشرائع عدم اعتبار العلم أيضا ، لاطلاقهما القرعة مع التشاح ، وفيه أنه مناف لقاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح ، وللمروي (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أمره لعبد الله بن يزيد بإلقاء الأذان على بلال لأنه أعلى منك صوتا ، ولنحو‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « يؤذن لكم خياركم » ونحوه ، بل ومناف لجميع ما دل من عقل أو نقل على مراعاة مصلحة المسلمين في التصرف في بيت مالهم ، إذ التشاح كما هو ظاهر الذكرى وكشف اللثام والمدارك بل هو صريح المسالك انما يتصور في الارتزاق من بيت المال ، لعدم اعتبار الوحدة فيه إعلاميا كان أو غير ، على الأظهر كما ستعرف حتى يتصور في غير الفرض ، ولو سلم تصوره فلا ريب في أن ذلك أحد أفراده ، والمتجه فيه حينئذ مراعاة ما فيه مصلحة المسلمين ، بل يمكن القول بلزوم مراعاة كمال المصلحة مع فرض حصولها من غير تطلب ، وهي لا تنضبط بضابط ، لاختلافها أشد اختلاف ، ضرورة عدم انحصارها في الصفات المرجحة في الأذان ، بل ينبغي مراعاة قلة الارتزاق وكثرته ، بل قد تحصل مصلحة في خصوص إقامة بعض الأفراد لهذا الشعار ترجح على سائر غيرها من الصفات ، ولعله إلى ذلك أو بعضه أومأ في الدروس بقوله : « ومع التشاح يقدم من فيه صفة كمال ، فالقرعة ، إذ احتمال إرادته بصفة الكمال خصوص ما ذكروه‌

__________________

(١) تيسير الوصول ج ١ ص ٢١٠ وسنن أبى داود ج ١ ص ١٩٥ ـ الرقم ٤٩٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

١٣٠

مما يستحب في المؤذن بعيد ، وفي المحكي عن مجمع البرهان « لا فرق في الصفات المرجحة بين العقلية والنقلية » فتأمل جيدا.

ومع فرض عدم حصول المرجح لتعارض المرجحات أو تساويها يقرع بينهم ، إذ التخيير وإن كان ممكنا لكن لا ريب في أولوية القرعة منه ، سيما في الأول باعتبار كونه من تزاحم الحقوق ، ولأنه أطيب لنفوس المتشاحين ، وأعذر عندهم ، ولما عساه يومي اليه‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « ثلاثة لو علمت أمتي ما فيها لضربت عليها بالسهام : الأذان والغدو إلى الجمعة والصف الأول » وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « لو يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يسهموا عليه لفعلوا » من مشروعية القرعة فيه ، مضافا إلى ما ورد (٣) من كونها لكل أمر مشكل ، وقد أشكل الحال بطلب كل ذلك.

ومما ذكرنا يظهر لك ما في كلام جماعة من أصحابنا حيث اقتصروا على الصفات المرجحة في الأذان ، اللهم إلا أن يكون ذلك لندرة الترجيح بغيرها ، أو أن مرادهم بالمرجحة أعم من العقلية والنقلية أو غير ذلك مما لا ينافي ما ذكرنا ، بل من المحتمل إرادتهم ذكر المرجحات في الجملة ، ولذا أناطوا القرعة بالتساوي وإن كان الظاهر إرادتهم التساوي في المرجحات المزبورة ، لكن قد يبعده أنه كما يرجع إليها في ذلك يرجع إليها عند تعارض المرجحات ، وإلا كان محلا للنظر لما عرفت ، ففي المحكي عن المنتهى والتحرير والموجز « قدم من اجتمع فيه الصفات المرجحة ، ومع التساوي القرعة » لكن عن الموجز منها أنه « يقدم جامع الصفات ، فالراتب » وفي التذكرة والمحكي عن نهاية الأحكام وكشف الالتباس « قدم من كان أعلى صوتا ، وأبلغ في معرفة الوقت ،

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٨.

(٣) الاستبصار ج ٣ ص ٨٣ من طبعة النجف.

١٣١

وأشد محافظة عليه ، ومن يرتضيه الجيران ، وأعف عن النظر ، فان تساووا فالقرعة » وفي الذكرى بل والمسالك « قدم العدل على غيره ، ومع التساوي الأعلم لأمن الغلط معه ، ولتقليد أرباب الأعذار له ، ثم المبصر ، ثم الأشد محافظة على الأذان في الوقت ، ثم الأندى صوتا ، ثم من ترتضيه الجماعة والجيران ، ومع التساوي فالقرعة » وفي البيان « قدم الأعلم ومن اجتمعت فيه أكثر الصفات ، ومع التساوي فالقرعة » وفي المحكي عن حاشية الميسي « يقدم الأعلم مع مساواته لغيره عدالة وفسقا ، فلو كان غيره هو العدل قدم مطلقا » وفي جامع المقاصد والمدارك « يقدم من فيه الصفات المرجحة في الأذان على غيره ، فان اشتركوا قدم جامع الكل على فاقد البعض ، وجامع الأكثر على جامع الأقل » بل في الأول منهما كالمحكي عن الروض « ينبغي تقديم العدل على الفاسق مطلقا ومع التساوي يقدم الأعلم بأحكام الأذان أو الأوقات » كما في الذكرى « والمبصر على الأعمى ، فإن استووا فالأشد محافظة على الأذان في الوقت على من ليس كذلك ، لحصول غرض الأذان به ، ثم الأندى صوتا ، ثم الأعف عن النظر ، ثم من يرتضيه الجيران ، ثم القرعة » ثم قال : « لم يتعرض الأصحاب لترجيح المعرب على اللاحن ، ولا الراتب في المسجد على غيره ، مع أنهم قالوا : لا ينبغي أن يسبق الراتب غيره بالأذان ، وأن ذلك يقتضي الترجيح مع التشاح بطريق أولى » إلى غير ذلك من عبارات الأصحاب ، وقد عرفت التحقيق ، بل منه يعرف ما قيل هنا : إن المراد بالأعلم في المتن وغيره الأعلم بأحكام الأذان لا خصوص الأوقات المندرجة تحت الأول ، وإن كان هو ظاهر الذكرى وكشف اللثام ، لعدم مدخلية العلم بغيرها في الترجيح ، ضرورة أنه على ما عرفت يمكن الترجيح بالعلم في غير ذلك من أحكام الفقه فضلا عن الأذان كما هو واضح ، نعم لا ترجيح عندنا بكون المؤذن من نسل مؤذني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأبي محذورة وسعد القرظ وغيرهما ، لعدم ما يشهد له من عقل‌

١٣٢

أو نقل معتبر ، والله أعلم.

المسألة السابعة إذا كان جماعة جاز أن يؤذنوا جميعا ، والأفضل إذا كان الوقت واسعا أن يؤذن واحد بعد واحد كما في القواعد وغيرها ، لكن عباراتهم في المقام لا تخلو من إجمال ، وتفصيل البحث أنه لا بأس بتعدد المؤذنين للإعلام بالوقت مجتمعين في محل واحد أو محال متعددة أو مترتبين مع بقاء الوقت الذي هو سبب لمشروعية الأذان ، لإطلاق الأدلة والسيرة المستقيمة ، ولما فيه من زيادة إقامة الشعار وتكرير ذكر الله وتنبيه الغافلين ، وإيقاظ النائمين ونحو ذلك من فوائده المذكورة له في النصوص ، واحتمال عدم المشروعية في خصوص المترتب منه إذا فرض عدم فائدة له زائدة على الأول لحصول الامتثال يدفعه أن ظاهر الأدلة كونه مستحبا عينيا كما هو الأصل لا كفائيا ، نعم قد يشكل تكراره من الشخص الواحد في المكان الواحد.

وأما أذان الصلاة فلا ريب في عدم جواز تكراره للمنفرد إذا لم يحصل مقتض له من فصل معتد به بينه وبين الصلاة ونحوه ، لعدم معقولية الامتثال عقيب الامتثال.

وأما الجماعة فلا يخفى عليك أن مقتضى إطلاق الأدلة خصوصا مثل‌ قوله عليه‌السلام (١) : « لا صلاة إلا بأذان وإقامة » ونحوه استحباب الأذان لكل واحد منهم من غير فرق بين الامام والمأموم ، ولا معارض له مما يقتضي وحدة الأذان للجماعة من حيث أنها جماعة وإن كان هو ممكنا باعتبار تنزيل الشارع صلاة الجميع بمنزلة صلاة واحدة لتساوي زمان ركوعهم وسجودهم وباقي أفعالهم ، فيجزي الجميع حينئذ أذان واحد ، بل ربما كان في بعض النصوص (٢) إيماء إليه ، خصوصا موثق عمار (٣)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

١٣٣

في المؤذن بنيته الانفراد ثم قيل له في الجماعة ، لكنه كما ترى لا يصلح أن يكون مثله مدركا لمثله ، لعدم ثبوت التنزيل المذكور بالنسبة إلى ذلك ، فالإطلاق حينئذ بحاله ، وجريان السيرة بأذان واحد للجماعة لا يقضي بمشروعية الأذان لها على الوجه المزبور ، إذ لعله لاجتزاء خصوص المؤذن عن نفسه بأذانه ، وغيره بسماعه الذي ستعرف إجزاءه ومن لم يسمع بدخوله في الجماعة مثلا ، لما عرفت سابقا أنه من أدرك جماعة قبل أن تتفرق دخل بأذانهم من غير فرق بين إدراكها بعد الفراغ وقبله ، بل السابق أولى من اللاحق بذلك قطعا ، وحينئذ فلو فرض أذان الجماعة لم يسمعوه لم يكن مجزيا ، بل إذا لم يكن قد سمعه الإمام خاصة لم يجتز هو به ، لعدم الدليل الصالح لمعارضة ما عرفت ، بل يجوز لمن لم يسمع من الجماعة المجتمعة للصلاة ولم يكن الامام حاضرا الأذان لصلاته ، بل ومن سمع منهم قبل مجي‌ء الامام ، لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض ، فحينئذ لا بأس بما ذكره المصنف وغيره من جواز تعدد المؤذنين دفعة ومترتبين ، ولا داعي إلى حمله على خصوص الاعلام ، وما يحكى عن الشيخ أبي علي نجل الشيخ الطوسي في شرح نهاية والده ـ من الإجماع على أن الزائد على اثنين بدعة ـ يقوى في الظن إرادته ما ذكره والده في الخلاف من إجماع الفرقة على ما رووه (١) من أن الأذان الثالث بدعة ، قال : فدل ذلك على جواز اثنين ، والمنع عما زاد ، وفيه أن مثل ما نحن فيه لا يعد ثالثا كما اعترف به في جامع المقاصد ، ضرورة كون تكراره باعتبار تعدد المكلفين ، فكل منهم يؤذن لصلاته لا أنه أذان متعدد لصلاة واحدة ، فإن الثاني حينئذ بدعة فضلا عن الثالث ، على أن الخبر المزبور مشار به إلى بدعة مخصوصة من تعدد الأذان لصلاة الجمعة ، وقد تقدم تمام البحث فيه عند الكلام في الجمع بين الفرضين ، ويأتي إن شاء الله زيادة عليه في الجمعة ، وعلى كل حال فهو غير ما نحن فيه ، ولو سلم أن المراد بإجماع أبي على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

١٣٤

ما نحن فيه ففيه أن التتبع يشهد بخلافه ، إذ لم نجد له موافقا عليه سوى ما سمعته من الخلاف ، مع أنه في المحكي عن المبسوط قال : « إنه لا بأس أن يؤذن جماعة كل واحد منهم في زاوية المسجد ، لأنه لا مانع منه » لكن قال أيضا : « يجوز أن يكون المؤذنون اثنين اثنين إذا أذنوا في موضع واحد ، فإنه أذان واحد » وربما قيل : إن مجموعهما يعطي اشتراط تعدد المحل في الزائد على اثنين بخلافهما ، إلا أنه على كل حال خلاف ما سمعته منه في الخلاف ومن المحكي عن ولده الذين لم نعرف مخالفا سواهما ، فدعوى الإجماع حينئذ في غاية الغرابة.

فلا ريب حينئذ في الجواز ، لكن في المدارك « ان المعتمد كراهة الاجتماع في الأذان مطلقا ، لعدم الورود من الشرع ، وكذا إذا أذن الواحد بعد الواحد في المحل الواحد ، أما مع اختلاف المحل وسعة الوقت بمعنى عدم اجتماع الأمر المطلوب في الجماعة من الامام ومن يعتاد حضوره من المأمومين فلا مانع منه ، بل الظاهر استحبابه لعموم الأدلة » ولا يخفى عليك ما فيه ، فان عدم الورود لا يصلح دليلا للكراهة ، كما أنه لم نعثر على ما يدل على ما ذكر المصنف والفاضل وغيرهما من أفضلية الترتيب مع سعة الوقت ، نعم علل بأنه تكرير للإعلام أو إعلام لمن لم يسمع السابق وبنحو ذلك مما هو كما ترى ، بل عن المبسوط « فأما أذان واحد بعد الآخر فليس بمسنون » واحتمال إرادته من ذلك التراسل فيكون غير ما نحن فيه في غاية البعد ، سيما مع قوله في الخلاف : « إن الاجتماع أفضل » بل قيل : إنه حكى الإجماع عليه فيه وإن كنت لم أتحققه فيما حضرني من نسخته ، وفي كشف اللثام « ولعله لكون الوحدة أظهر ، وليجتمع شهادة عدلين بالوقت ، ولأن الترتيب ربما يشوش على السامعين ».

وعلى كل حال فالمراد باتساع الوقت كما في جامع المقاصد وغيره عدم اجتماع تمام المطلوب في الجماعة كانتظار الامام والمأمومين الذين يعتاد حضورهم لا المعنى المتعارف ،

١٣٥

فإن تأخير الصلاة عن أول وقتها لأمر غير موظف مستبعد ، قيل : ونحو ذلك تحصيل ساتر أو طهارة حدثية أو خبثية وما أشبهها ، قلت : لكن ينبغي تقييد ذلك كله كما في المسالك بما إذا لم يفت وقت الفضيلة ، ضرورة أهمية وقوع الصلاة فيه من غيره ، والله أعلم.

المسألة الثامنة إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز أن يجتزي به في الجماعة وإن كان ذلك المؤذن منفردا بصلاته لا أذانه بلا خلاف أجده ، بل في المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب ، قلت : هو لا إشكال فيه إذا كان المؤذن لجماعة ذلك الإمام ، للسيرة المعلوم كونها يدا عن يد إلى التابعين والصحابة والأئمة والنبي ( عليهم الصلاة والسلام ) مضافا إلى صحيح ابن سنان الآتي (١) الدال على الاجتزاء بأذان من نقص مع الإتمام ، وإلى موثق عمار (٢) المتقدم سابقا في الذي أذن بنية الانفراد ثم أراد الجماعة الظاهر في الاجتزاء بإعادة الأذان مرة واحدة ، فيكتفي الثاني بسماعه ، وإلى‌ خبر أبي مريم الأنصاري (٣) قال : « صلى بنا أبو جعفر عليه‌السلام في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة ، فلما انصرف قلت له : عافاك الله صليت بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة فقال : إن قميصي كثيف ، فهو يجزي أن لا يكون على رداء ، وإني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك » وإلى‌ خبر عمرو بن خالد (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « كنا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة فقال : قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا إقامة ، وقال : يجزيكم أذان جاركم ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٣) التهذيب ج ٢ ص ٢٨٠ الرقم ١١١٣ من طبعة النجف.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

١٣٦

إلا أن الجميع كما ترى لا دلالة فيه على الاجتزاء بسماع أذان الإعلام ، مع أن ظاهرهم بل هو صريح جماعة منهم عدم الفرق بينه وبين غيره ، بل لم أعثر على من توقف فيه ، ولعله لإطلاق‌ قوله عليه‌السلام « يجزيكم أذان جاركم » إذ كون مورد الإقامة التي هي مختصة بالصلاة لا يقتضي اختصاص المراد بها ، لا أقل من جبر ذلك بما عرفت من ظهور اتفاقهم عليه ، بل يكفي هو مع فرض تمامه في تنقيح المناط بينه وبين غيره ، ومن الغريب عدم توقفهم في ذلك وتوقف جماعة منهم الشهيد في الاجتزاء بسماع أذان المنفرد ، بل جزم ثاني الشهيدين والميسي فيما حكى عنه باختصاص الحكم بمؤذن المسجد والمصر دون المنفرد بصلاته ، بل في المسالك « المراد بالمنفرد في المتن المنفرد بصلاته لا بأذانه ـ قال ـ : بمعنى أنه مؤذن للجماعة أو للبلد ، فلو أذن لنفسه لا غير لم يعتد به » مع أن الخبرين الأخيرين إن لم يكن ظاهرهما المنفرد فلا ريب في شمول الثاني له ، بل والأول على معنى أنه عليه‌السلام ما ذكر ذلك إلا لإرادة بيان إجزاء مثله ، ولو كان أذان جعفر عليه‌السلام لجماعة لذكره ، على أن ظاهر كونه هو المؤذن والمقيم انفراده ، لاستحباب تغايرهما في الجماعة ، بل الغالب فيها كون المؤذن والمقيم غير الامام ، خصوصا إذا كان مثل جعفر عليه‌السلام ومعارضة ذلك كله بأنه لو أجزأ سماعه لاجتزى بأذان المنفرد الذي هو أولى من السماع إذا أراد الجماعة يدفعها ما عرفته سابقا من أنه على تقدير تسليم الأولوية أو المساواة يمكن الفرق بين سماع الإمام الذي هو قاصد الجماعة وغيره ، فإن الذي يساويه حينئذ أذان الامام بقصد الجماعة ، وإن لم يسمعه المأمومون ، وليس في الخبر دلالة على كون ذلك المؤذن إماما ، مع أنه لم يكن أذانه بقصد الجماعة.

فالوجه حينئذ الاجتزاء بسماع أذان المنفرد أيضا كما أطلقه الأصحاب ، لكن مع سماع الإمام إياه سواء سمعه المأمومون أو لا ، ولا يجزي سماعهم دونه في الصلاة ، لعدم الدليل ، والتنقيح يمنعه إمكان الفرق بينه وبينهم بأن صلاتهم تابعة لصلاته ،

١٣٧

فالمعتبرة هي حينئذ ، ومنه ينقدح الاجتزاء بأذانه بقصد الجماعة وإن لم يسمعه المأمومون بخلاف أذانهم الذي لم يسمعه هو ، ودعوى أنه لا ظهور في الخبرين المزبورين (١) باجتزائهم بسماعه خاصة ـ سيما أولهما (٢) والظاهر في أن الجميع سمعوا إقامة الجار ، وأقصى الثاني إجزاؤه له لا لهم ـ يدفعها ترتب الاجزاء لهم في الخبر الأول على سماعه عليه‌السلام ، وكون المراد من الثاني بيان الاجزاء له المستلزم للاجزاء عنهم باعتبار تبعية صلاتهم صلاته ، فالمدار بالنسبة إلى ذلك ونحوه عليها ، ولذا لم يعرف خلاف بين الأصحاب في الاجتزاء بسماعه خاصة ، وبالأولى يستفاد منه حكم أذانه ، والمناقشة في الأولوية المزبورة باعتبار تعدد الحكم السماوية يدفعها عدم اعتبار مثل هذه الاحتمالات في قطع الفقيه الممارس لأقوالهم عليهم‌السلام ، ومنه القطع هنا بمساواة المنفرد للإمام في الاجتزاء بالسماع ولو للمنفرد أو أولويته بذلك ، وإن كان المفروض في عبارة الأكثر الإمام ، إلا أن الظاهر كون ذلك منهم تبعا للنص لا لإرادة عدم اجتزاء غيره ، ولقد أجاد أول الشهيدين وثاني المحققين بدعوى أن ذلك من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى على أنه قد يحتج له أيضا بإطلاق صحيح ابن سنان (٣) وبظهور‌ قوله عليه‌السلام (٤) : « يجزيكم أذان جاركم » بناء على إرادته ذلك من حيث سماعهم ، إذ لا فرق حينئذ بين المأموم والمنفرد ، بل يمكن دعوى ظهور خبر أبي مريم فيه أيضا بأن يقال لا خصوصية للإمامية في اجتزائه بالسماع قطعا ، ضرورة أنها إن كان لها خصوصية فهي بالنسبة إلى الجماعة لا صلاة الإمام نفسه ، بل لا ريب في ظهوره باجزاء ذلك السماع وإن عدل عن‌

__________________

(١) المتقدمين في الصحيفة ١٣٦ في التعليقة ٣ و ٤.

(٢) الصحيح تبديل « أولهما » بلفظ « ثانيهما » وتبديل « الثاني » بلفظ « الأول » وكذلك الأول والثاني الواقعان في الدفع.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

١٣٨

الإمامة كما هو واضح بأدنى تأمل.

ولا يشترط في إجزاء السماع حكاية السامع قطعا ، لإطلاق النص والفتوى ، فما يحكى عن الشهيد في النفلية من اشتراطه ـ وكأنه لاستبعاد إجزاء السماع نفسه ـ في غير محله ، إذ هو شبه الاجتهاد في مقابلة النص ، نعم يعتبر فيه إتمام ما ينقصه المؤذن لصحيح عبد الله بن سنان السابق ، فيتلفق حينئذ الأذان من السماع والقول ، بل يحتمل التعدي منه إلى غيره مما أخفت فيه المؤذن ، بل وإلى فعل ذلك اختيارا بدعوى كون ما فيه من النقصان من باب المثال ، وإلا فالمراد مشروعية التلفيق ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال ففيه إيماء إلى أن المجزي سماع الأذان كله كما هو ظاهر الأصحاب ومقتضى أصالة عدم السقوط لا بعض الفصول منه ، إذ ليس السماع أعظم من القول قطعا ، فما يحكى عن ظاهر النفلية من إجزاء سماع البعض لا يخلو من نظر وإن كان ربما يشهد له خبر أبي مريم باعتبار غلبة سماع البعض في حال المرور ، ويكون المراد حينئذ وهو آخذ في الأذان والإقامة ، بل يمكن تنزيل عبارات الأصحاب على ذلك بدعوى صدق سماع الأذان بسماع بعضه ، بل قد يدعى أن الغالب في السامعين ذلك حتى أئمة الجماعة خصوصا المشتغلين منهم في حال الأذان بالنافلة ونحوها ، لكن الجميع كما ترى لا يصلح الخروج به عن أصالة عدم السقوط ، وما دل على الأمر به المؤيد ذلك كله بمعلومية ضعف السماع عن القول في الاجزاء المزبور ، وهو لا يجدي فضلا عنه.

ثم إن الظاهر إجزاء سماع الإقامة عنها أيضا وان اقتصر الأكثر على الأذان ، إلا أنه يمكن إرادتهم منه ما يشملها ، وإلا كان محلا للنظر ، لظهور الخبرين المزبورين في ذلك ، فالأقوى حينئذ إجزاء سماعها أيضا وفاقا لأول الشهيدين وغيره ، لكن ينبغي أن يعلم أن سماع كل منهما يجزي عنه نفسه لا غيره ، فلا يجزي سماع الأذان عن الإقامة ولا العكس ، لما عرفت من ضعف السماع عن القول ، وهو لا يجدي فضلا عنه ،

١٣٩

وخبر عمرو بن خالد لا دلالة فيه على الاجتزاء عن غير الإقامة ، إذ تركه الأذان يمكن أن يكون لأنه جامع بين الفرضين أو في يوم الجمعة أو للاقتصار عليها أو لغير ذلك.

كما أنه ينبغي أن يعلم عدم اشتراط عدم حصول الكلام بعدها في إجزاء السماع وإن كان قد يظهر من خبر أبي مريم ، إلا أن قوله عليه‌السلام : « قوموا » بعد السماع في خبر عمرو بن خالد وما سمعته سابقا من عدم بطلان الإقامة القولية بالكلام بعدها ـ والظاهر بدلية السماع عنه ، فحكمه حكم مبدله ، مضافا إلى استصحاب السقوط ـ يشهد بخلافه.

نعم يستحب الإعادة حينئذ كما في القولية التي هي أقوى من السماعية ، وعليه يحمل حينئذ الظهور المزبور في خبر أبي مريم ، بل لا يبعد استحباب إعادتها والأذان مطلقا ، لظهور قوله عليه‌السلام : « وأنت تريد » في صحيح ابن سنان ، ولفظ الاجزاء في الخبرين المزبورين في مشروعية غيره ، بل ظاهر لفظ الاجزاء رجحانه عليه واحتمال إرادة الاكتفاء منه لا أقل المجزي ـ فيحرم حينئذ الإعادة ـ ممكن ، بل يؤيده ما تقدم لنا سابقا في المباحث السابقة ، خصوصا فيمن أدرك الجماعة قبل أن تتفرق ، إلا أنه لم أجد أحدا قال به هنا ، بل ظاهر تعبير الأصحاب هنا بالجواز والاجتزاء ونحوهما الأول ، نعم عن النفلية خاصة التعبير بالسقوط ، وعن شرحها لثاني الشهيدين المراد سقوط الشرعية رأسا ، ولكن لم يرتضه ، وفي الذكرى جعل الاستحباب احتمالا قال : « وهل يستحب تكرار الأذان والإقامة للإمام السامع أو لمؤذنه أو للمنفرد؟ يحتمل ذلك وخصوصا مع اتساع الوقت ».

لكن على كل حال ينبغي استثناء سماع الامام والمأمومين مؤذن جماعتهم من الاستحباب المزبور ، لإطباق السلف على خلافه على وجه يعلم منه عدم الاستحباب كما قطع به في الذكرى وكشف اللثام وغيرهما ، ولا ينافي ذلك ما تقدم في تعدد المؤذنين‌

١٤٠