جواهر الكلام - ج ٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عن جامع الشرائع والنفلية‌ للمروي (١) عن المجالس والخصال « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة حتى تقضى » بل قيل : إنه رواه في الفقيه في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) والله أعلم.

والسادس مما يستحب فيهما أن يفصل بينهما بركعتين أو سجدة إلا في المغرب ، فان الأولى أن يفصل بينهما بخطوة أو سكتة إذ هو ليس بواجب قطعا للأصل والإطلاقات وظهور نصوص المقام التي ستسمعها إن شاء الله فيه ، وخبر ابن مسكان (٣) « رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام أذن وأقام من غير أن يفصل بينهما بجلوس » وإن كان يحتمل الفصل بغيره ، فما في‌ موثق عمار (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينسى أن يفصل بين الأذان والإقامة بشي‌ء حتى أخذ في الصلاة أو أقام للصلاة فقال : ليس عليه شي‌ء ، وليس له أن يدع ذلك عمدا » محمول على التأكد أو كراهة الترك وإن لم يكن ذكرها الأكثر ، كل ذلك مع ظهور اتفاق الأصحاب على ذلك بحيث يمكن تحصيل الإجماع عليه ، قال في المعتبر : « ويستحب الفصل بينهما بركعتين أو جلسة أو سجدة أو خطوة خلا المغرب ، فإنه لا يفصل بين أذانيها إلا بخطوة أو سكتة أو تسبيحة ، وعليه علماؤنا » ومثله عن المنتهى ، وقال في التذكرة : « يستحب الفصل بين الأذان والإقامة بجلسة أو سجدة أو سكتة أو خطوة أو صلاة ركعتين في الظهرين إلا المغرب ، فإنه لا يفصل بينهما إلا بخطوة أو سكتة أو تسبيحة عند علمائنا » وعلى كل حال فاستحباب الفصل بركعتين في غير المغرب ـ مع‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٥.

١٠١

أنه معقد ما سمعته من المعتبر بل والتذكرة في خصوص الظهرين ـ قد يدل عليه‌ مضمر ابن أبي نصر (١) : « العقود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة تصليها » وفي خبره (٢) « سألت الرضا عليه‌السلام عن القعدة بين الأذان والإقامة فقال : القعدة بينهما إذا لم يكن بينهما نافلة » وفي‌ صحيح ابن سنان المتقدم (٣) في الأذان قبل الفجر « وأما السنة فإنه ينادى به مع طلوع الفجر ، ولا يكون بين الأذان والإقامة إلا الركعتان » وفي‌ خبر أبي علي صاحب الأنماط (٤) عن أبي عبد الله أو أبي الحسن عليهما‌السلام قال : « يؤذن للظهر على ست ركعات ، ويؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر » وفي‌ المروي عن دعائم الإسلام (٥) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « ولا بد من فصله بين الأذان والإقامة بصلاة أو بغير ذلك ، وأقل ما يجزي في صلاة المغرب التي لا صلاة قبلها أن يجلس بعد الأذان جلسة يمس فيها الأرض بيده » وفي‌ صحيح سليمان بن جعفر الجعفري (٦) « سمعته يقول : أفرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو ركعتين » والمراد الركعتان من نافلة الفريضة كما يومي اليه خبر الدعائم ، والتعريف في صحيح ابن سنان وخبر البزنطي كالصريحين في ذلك ، ولما لم يكن نافلة قبل المغرب اختص الحكم بغيرها ، بل في‌ خبر زريق (٧) المروي عن المجالس عن الصادق عليه‌السلام التصريح بنفيهما فيها ، قال : « من السنة الجلسة بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة والمغرب وصلاة العشاء ، ليس بين الأذان والإقامة سبحة ، ومن السنة أن يتنفل بركعتين بين الأذان والإقامة في صلاة الظهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٥.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ١٣.

١٠٢

والعصر » واشتماله على نفيهما أيضا في صلاة الغداة والعشاء الذي يمكن حمله على نفي التأكد غير قادح ، بل لعل طرحه في مقابلة ما سمعته من النصوص الدالة على رجحانهما على الجلوس متجه ، كخبر عمران الحلبي (١) المفصل بين الامام والمنفرد ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأذان في الفجر قبل الركعتين أو بعدهما فقال : إذا كنت إماما تنتظر جماعة فالأذان قبلهما ، وإن كنت وحدك فلا يضرك أقبلهما أذنت أو بعدهما؟ » مع أنه يمكن حمله على إرادة شدة التأكد حينئذ.

فظهر لك أن ما يظهر مما سمعته من التذكرة ـ من اختصاص الركعتين بالظهرين خاصة ، ولعله لخبر زريق السابق ـ لا يخلو من نظر وإن حكي عن المفيد والشهيد موافقته على ذلك ، قال الأول في المقنعة : « إن الفصل بالركعتين في الظهرين خاصة ، وأما العشاء والغداة فلا ، وانما يجلس فيهما إلا أن يكون عليه قضاء نافلة فليجعل ركعتين منها بين الأذان والإقامة ، فإنه أفضل من الجلوس بغير صلاة » وقال الثاني في الذكرى : « يستحب الفصل بينهما بركعتين في الظهرين محسوبتين من نافلتهما » مع أنه يمكن إرادتهما أن الفصل بنافلة الفريضة مختص بهما لا مطلق الركعتين كما يومي اليه ما في بيان الثاني منهما ، قال : « والفصل بينهما بركعتين ، فان كان في الظهرين جعلهما من نوافلهما » وكأنه لضعف دلالة نصوص غير الظهرين على الفصل بخصوص النافلة ، بل في كشف اللثام والمحكي عن الروض أن الركعتين من نوافل الفرض أو غيرها كما في الأخبار ، بل لعله ظاهر إطلاق العلامة الطباطبائي.

لكن على كل حال قد عرفت دلالة تلك النصوص على المشهور ، بل منها يعلم ما في المحكي عن المقنعة والمراسم والسرائر من أن الفصل بالركعتين للمؤذن في جماعة إماما كان أو مأموما ، ضرورة اقتضاء إطلاقها أو أكثرها خلاف ذلك كما عرفت ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

١٠٣

بل وما في المحكي عن البحار من أنه ينبغي تقييد الفصل بالركعتين بما إذا لم يدخل وقت فضيلة الفريضة ، ولذا خص الشهيد في الذكرى ذلك بالظهرين ، وأما صلاة الغداة فالغالب إيقاع نافلتها قبل الفجر ، ولذا لم يذكر في الأخبار ، قلت : بعد تتميم كلامه بأن نافلة المغرب ضيقة الوقت قد عرفت دلالة الأخبار على صلاة الغداة بالخصوص وعلى غيرها عدا المغرب بالعموم.

وأما الفصل بالسجدة فقد اعترف غير واحد بعدم الظفر له بمستند حتى عللوه بأنها جلسة وزيادة راجحة ، والأولى الاستدلال عليه بما‌ عن فلاح السائل لرضي الدين ابن طاوس ، فإنه روى عن التلعكبري بإسناده عن الأزدي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول لأصحابه من سجد بين الأذان والإقامة فقال في سجوده : رب لك سجدت خاضعا خاشعا ذليلا يقول الله تعالى ملائكتي وعزتي وجلالي لأجعلن محبته في قلوب عبادي المؤمنين ، وهيبته في قلوب المنافقين » وبإسناده عن ابن أبي عمير عن أبيه (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « رأيته أذن ثم أهوى ثم سجد سجدتين بين الأذان والإقامة ، فلما رفع رأسه قال : يا أبا عمير من فعل مثل فعلي غفر الله له ذنوبه كلها ، وقال : من أذن ثم سجد فقال : لا إله إلا أنت سجدت لك خاضعا خاشعا غفر الله له ذنوبه » إلا أنهما كما ترى يشملان المغرب أيضا ، ولذا لم يفرق بينها وبين باقي الصلوات بالفصل بها في منظومة الطباطبائي خلافا لأكثر الأصحاب ، ولعل مستندهم ضيق وقت المغرب حتى جعل الفصل فيها بالنفس دون الجلوس فضلا عن السجود في‌ خبر ابن فرقد (٣) عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٥ في الوسائل « ثم سجد سجدة ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧.

١٠٤

أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « بين كل أذانين قعدة إلا المغرب ، فان بينهما نفسا » وقد سمعت ما في خبر الدعائم (١) من الجلسة التي تمس الأرض فيها بيده المشعر بكونها خفيفة جدا تقارب النفس في الزمان ، إذ الظاهر إرادة التقدير الزماني من خبر ابن فرقد السابق الذي هو الحجة لما ذكره المصنف وغيره ، بل قد سمعت نسبته إلى علمائنا من الفصل في أذان المغرب وإقامتها بالسكتة بناء على أن المراد منها النفس كما عن الشهيد في النفلية تفسيرها به ، بل ولما ذكره أيضا هو وغيره ، بل سمعت نسبته إلى علمائنا من الخطوة التي اعترف غير واحد من الأصحاب بعدم الظفر لها بمستند بناء على ما سمعته من إرادة التقدير الزماني المساوي للخطوة أو قريب منه ، مضافا إلى‌ المحكي (٢) عن فقه الرضا عليه‌السلام بناء على حجيته أو في خصوص المقام للتسامح ، ومعلومية كون المستند في مثله النص ، قال : « وإن أحببت أن تجلس بين الأذان والإقامة فافعل فان فيه فضلا كثيرا ، وانما ذلك على الامام ، وأما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى ، ثم يقول : بالله أستفتح وبحمده أستنجح وأتوجه ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ، وإن لم تفعل أيضا أجزأك » لكنه كما ترى خاص بالمنفرد ، والمعروف بين الأصحاب عدم الفرق بينه وبين غيره في ذلك ، بل وعدم الفرق بين المغرب وغيره ، وقد سمعت ما في المعتبر وغيره سابقا ، واستثناء المصنف له يقضي بعدم الفصل فيه بالركعتين والسجدة لا أنه يختص بالخطوة والسكتة ، نعم يحكى عن المفيد والسيد والديلمي والعجلي تخصيص الخطوة بالمنفرد وتبعهم العلامة الطباطبائي ، ولعله للخبر المزبور الذي يمكن ولو بمعونة فهم الأصحاب حمله على إرادة عدم تأكد الجلوس فيه للمنفرد كالإمام.

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢ وفي فقه الرضا عليه‌السلام والمستدرك « بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أستنجح وأتوجه ».

١٠٥

أما السكتة فقد يشكل تعدية الفصل بها لغير المغرب ، ضرورة خلو النصوص عدا خبر ابن فرقد المختص بالمغرب عنها ، إلا أنك قد سمعت معقد ظاهر إجماع التذكرة بناء على رجوعه للجميع ، وقد يتكلف له بأن المراد من خبر ابن فرقد ذكر أقل ما يحصل به الفصل وإن كان يستحب فعله في المغرب لضيق وقتها ، لا أنه يختص استحبابه بالمغرب ، مضافا إلى ما في خبر الدعائم من إطلاق الفصل بغير الصلاة ، وقول الصادق عليه‌السلام في موثق عمار (١) : « إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذن وأقم وافصل بين الأذان والإقامة بقعود أو بكلام أو بتسبيح » ضرورة مساواة أقلها للسكتة ، وقد‌ سأله عليه‌السلام هو أيضا في خبره الآخر (٢) « كم الذي يجزى بين الأذان والإقامة من القول؟ قال : الحمد لله » وفي‌ خبره الثالث (٣) سأل « ما الذي يجزي من التسبيح بين الأذان والإقامة؟ قال : يقول : الحمد لله ».

ومن ذلك كله يعلم استحباب الفصل بالقعود والذكر والكلام ، إلا أنه ينبغي تقييد الأخير بغير صلاة الفجر ، لما سمعته سابقا من كراهة الكلام بين أذانها وإقامتها كما أن بعض الأصحاب قيد الأول بغير صلاة المغرب ، ولعله لخبر ابن فرقد (٤) المتقدم لكن فيه أنه معارض بإطلاق نصوص الجلوس (٥) التي بعضها كالصريح في المغرب ، وخصوص خبر زريق المتقدم (٦) وخبر إسحاق الجريري (٧) عن الصادق عليه‌السلام « من جلس فيما بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله » وعن‌ كتاب فلاح السائل عن التلعكبري عن محمد بن همام عن حميد بن زياد عن ابن سماعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١ و ٢ و ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٠.

١٠٦

عن الحسن بن معاوية بن وهب عن أبيه (١) قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وقت المغرب فإذا هو قد أذن وجلس فسمعته يدعو بدعاء ما سمعت بمثله ، فسكت حتى فرغ من صلاته ، ثم قلت : يا سيدي لقد سمعت منك دعاء ما سمعت بمثله قط ، قال : هذا دعاء أمير المؤمنين عليه‌السلام ليلة بات على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو يا من ليس معه رب يدعى ، يا من ليس فوقه خالق يخشى ، يا من ليس دونه إله يتقى ، يا من ليس له وزير يغشى ، يا من له بواب ينادى ، يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلا كرما وجودا ، يا من لا يزداد على عظم الجرم إلا رحمة وعفوا صلى على محمد وآل محمد ، وافعل بي ما أنت أهله ، فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة ، وأنت أهل الجود والخير والكرم » لكن قال ابن طاوس بعد أن روى ذلك : وقد رويت روايات أن الأفضل أن لا يجلس بين أذان المغرب وإقامتها ، وهو الظاهر من عمل جماعة من أهل التوفيق ، ولعل الجلوس بينهما في وقت دون وقت ، أو لفريق دون فريق ، ويقرب منه ما عن الشيخ من الجمع بين خبري الجريري وابن فرقد بضيق الوقت وعدمه ، قلت : وقد يجمع بينهما بإرادة الجلسة الخفيفة من خبر الجريري كما أومأ إليه خبر الدعائم (٢) بل عن المقنعة والنهاية والسرائر تقييدها بذلك في المغرب.

وبالجملة فالقول باستحباب الفصل فيه أيضا بالجلسة قوي ، واختاره العلامة الطباطبائي ، إلا أنه يظهر مما سمعته من المعتبر والتذكرة الإجماع على خلافه ، بل استظهره بعض المعاصرين من مشايخنا أيضا بعد أن رجح خبر ابن فرقد باعتضاده بمراسيل ابن طاوس ، والاعتبار لضيق وقت المغرب ، مضافا إلى قطع خبر الدعائم ، وضعف خبر‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

١٠٧

الفلاح بالحسن بن معاوية ، والجريري بسعدان بن مسلم المجهول ، والعبيدي الذي فيه ما فيه ، إلا أنه لا يخفى عليك ما في ذلك كله ، خصوصا في نحو المقام المتسامح فيه ، وعلى كل حال فيستحب الدعاء حال الجلوس بما رفعه ابن يقظنان (١) إليهم عليهم‌السلام « اللهم اجعل قلبي بارا ورزقي دارا ، واجعل لي عند قبر نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرارا ومستقرا » وبما سمعته سابقا ، والله أعلم.

والمستحب السابع أن يرفع الصوت به إذا كان ذكرا لا امرأة بلا خلاف أجده فيه ، لما فيه من إبلاغ الغائبين ، وإقامة شعار المسلمين ، ولأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلالا به (٢) وقول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٣) : « لا يجزيك من الأذان إلا ما أسمعت نفسك أو فهمته ـ إلى أن قال ـ : وكلما اشتد صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر ، وكان أجرك في ذلك أعظم » وقال الصادق عليه‌السلام في صحيح عبد الرحمن (٤) : « إذا أذنت فلا تخفين صوتك ، فان الله يأجرك مد صوتك » وسأله أيضا معاوية بن وهب (٥) عن الأذان فقال : « اجهر به وارفع به صوتك ، وإذا أقمت فدون ذلك » إلى غير ذلك ، بل يتأكد لرفع السقم وعدم الولد ، فان‌ هشام بن إبراهيم (٦) « شكا إلى الرضا عليه‌السلام سقمه ، وأنه لا يولد له فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله ، قال : ففعلت فأذهب الله عني سقمي وكثر ولدي » قال محمد بن راشد : « وكنت دائم العلة ما أنفك عنها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١ هكذا في النسخة الأصلية ولكن في الكافي « يقظان » وفي الوسائل والتهذيب « يقطين ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

١٠٨

في نفسي وجماعة خدمي ، فلما سمعت ذلك من هشام عملت به فأذهب الله عني وعن عيالي العلل ».

وكيف كان فـ ( كل ذلك ) مما هو مشترك بين الأذان والإقامة من الأمور السبعة ، أو منها ومما تقدم سابقا يتأكد في الإقامة بلا إشكال في مثل الاستقبال والكلام والقيام والطهارة ، بل قد عرفت اشتراطها بالأخير ، لظهور ما سمعته من الأدلة فيه ، أما الوقف ورفع الصوت فليس في النصوص ما يدل عليه ، وكذا العدالة والبصر والبصيرة ونحوها ، بل في المدارك عدم مسنونية الثاني فيها ، نعم في كشف اللثام « وكذا رفع الصوت فيها آكد كما يعطيه الكتاب والتحرير والشرائع والجامع ، لاتصالها بالصلاة ، ولأنها أفضل ، فما يستحب فيها أقوى ، فكون المقيم صيتا آكد من كون المؤذن صيتا ، ولا ينافيه استحباب كون الأذان أرفع للخبر (١) ولأنه لإعلام الغائبين » وهو كما ترى ، إذ لا تلازم بين الاتصال بالصلاة وأفضليتها وبين التأكد فيها ولو تم هذا لكان حجة لكثير مما عرفت مما استفيد من النصوص أصل استحبابه لا تأكده ، إلا أنه محل للنظر ، ولكن رفع الصوت بها في الجملة مسنون ، لما سمعته من صحيح ابن وهب ، وإن كان ينبغي أن يكون دون الأذان ارتفاعا ، ولا منافاة كما ذكره الفاضل المزبور لو كان هناك دليل يقتضي تأكد ذلك فيها والبحث فيه ، ومن ذلك ظهر لك ما في المدارك ، ضرورة ظهور الخبر المزبور في استحباب الرفع المذكور فيها إلا أنه دون الأذان ، وكأنه تبع فيما ذكره المحقق الثاني في جامعه ، فإنه قال أيضا في شرح نحو عبارة المتن : ويستثنى من ذلك رفع الصوت ، فإن الإقامة أدون كما سبق في رواية معاوية بن وهب ، ولأنها للحاضرين ، والأذان للإعلام مطلقا ، لكن قد يريد به رفع الصوت كالرفع في الأذان ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

١٠٩

ثم إنه ينبغي كون المؤذن غير المقيم ، تأسيا بالمحكي‌ عن علي والصادق عليهما‌السلام ففي مرسل الفقيه (١) « كان علي عليه‌السلام يؤذن ويقيم غيره ، وكان يقيم وقد أذن غيره » وفي‌ خبر إسماعيل بن جابر (٢) « إن أبا عبد الله عليه‌السلام كان يؤذن ويقيم غيره ، وقال : كان يقيم وقد أذن غيره ».

وكيف كان فـ ( يكره الترجيع في الأذان إلا أن يريد الاشعار ) كما في القواعد وغيرها ، بل في التذكرة والمحكي عن المنتهى نسبته إلى علمائنا ، والمراد به تكرير الشهادتين مرتين أخريين كما عن جماعة ، أو مع التكبير كما عن أخرى ، أو مطلق الفصل زيادة عن الموظف كما عن ثالثة ، وفي البيان تكرير الشهادتين برفع الصوت بعد فعلهما مرتين بخفض الصوت ، أو برفعين أو بخفضين ، وعن جماعة من أهل اللغة انه تكرير الشهادتين جهرا بعد إخفائهما ، وعن بعض العامة أنه الجهر في كلمات الأذان مرة والإخفات أخرى من دون زيادة ، إلى غير ذلك ، لكن يسهل الخطب أنه لا شي‌ء فيما وصل إلينا من النصوص فيه لفظ الترجيع كي يحتاج إلى البحث عن معناه أو المراد منه ، نعم في المحكي عن‌ فقه الرضا عليه‌السلام (٣) « ليس في فصول الأذان ترجيع ولا ترديد » وهو ـ مع أنه ليس حجة عندنا ـ محتمل كما عن البحار لإرادة ترجيع الغناء ، ولعل نفيه بالخصوص فيه باعتبار حصول المد في الأذان بسبب مطلوبية الارتفاع فيه ، فناسب حينئذ التعرض لنفيه فيه بالخصوص ، حذارا من التغني فيه كما يقع من كثير من المؤذنين ، وتعرض الأصحاب لنفي الترجيع المزبور بالخصوص هنا يمكن أن يكون تعريضا بالشافعي ومن تابعه ممن جعله مسنونا فيه ، تمسكا بما رووه عن أبي محذورة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

١١٠

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أنه أمره بالشهادتين سرا ثم بالترجيع جهرا » مع أنه يمكن أن يكون ذلك منه لخصوص أبي محذورة ، لما حكي عنه أنه كان مستهزئا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير مقر بالشهادتين ، لا لمشروعيته في نفسه التي ينفيها خلو ما نزل بالوحي من الأذان عندنا ، وما روي في المنام عندهم عنه ، ومن ذلك يظهر أن القول بإرادة ما عند الشافعي من الترجيع في عبارات الأصحاب أولى ، إذ النظر اليه على الظاهر بذلك بعد ما عرفت من خلو النصوص.

وعلى كل حال فلا ريب في حرمته مع قصد المشروعية كغيره مما هو زائد على ما عرفت من فصوله عندنا ، بل الظاهر بطلان الأذان إذا أدخله في النية حيث تكون معتبرة فيه كما في غير أذان الإعلام ، أما مع عدم القصد فيشكل تحريمه فضلا عن البطلان بالأصل وغيره ، اللهم إلا أن يكون مستنده الإجماع المحكي عن السرائر على حرمة التثويب الذي أحد تفاسيره فيها تكرار الشهادتين ، لكنه ـ مع احتمال إرادته إذا انضم اليه قصد المشروعية ، وعدم اقتضائه الحرمة بالنسبة إلى غير ذلك مما مر في تفسيره ـ قاصر عن قطع الأصل المعتضد بغيره ، إذ لم نعرف أحدا صرح بها قبله بل ولا بعده عدا الفاضل في المحكي عن مختلفه ، بل ربما ظهر منه أنه المشهور ، وتبعه سيد المدارك والخراساني ، مع أن صريح الأول منهما كون الحرمة من حيث التشريع كما صرح بها ثاني المحققين والشهيدين وغيرهما ، بل لا إشكال فيها على الفرض المزبور ، فيمكن حينئذ دعوى عدم الموافق له ان أراد بها التعبدية لا التشريعية.

ومن ذلك يعلم ما في حكاية الشهرة المزبورة ، سيما وقد سمعت نسبة الكراهة في التذكرة والمنتهى إلى علمائنا ، وليس في الخلاف سوى « لا يستحب الترجيع إجماعا » والمحكي عن المبسوط وجامع الشرائع والمهذب سوى « أنه غير مسنون » بل لو لا التسامح في الكراهة ، وظهور الإجماعين عليها في الكتابين ، وأنه شبه الصورة العامية ، والبأس‌

١١١

في مفهوم خبر أبي بصير (١) الآتي ونحو ذلك لأشكل القول بها من حيث كونه ترجيعا فضلا عن الحرمة ، وما في كشف اللثام « وإذا لم يسن كان مكروها من وجوه منها قلة الثواب عليه بالنسبة إلى أجزاء الأذان ، ومنها إخلاله بنظامه وفصله بين أجزائه بأجنبي ، ومنها أنه شبه ابتداع » كما ترى ، بل الإنصاف أنها لا تخلو من الإشكال أيضا إذا أريد بها الكراهة في الأذان المشتمل على الترجيع ، كما هو الظاهر من كل مكروه في الشي‌ء نحو العبث في الصلاة وغيره لا نفس الفصول المكررة ، إذ العمدة في ثبوتها مفهوم الخبر الآتي ، ودلالته على ذلك لا تخلو من إشكال ، اللهم إلا أن تجبر بظاهر الإجماعين ونحوهما ، ولكن على كل حال فالأمر سهل فيها ، أما إذا أريد الاشعار فلا إشكال في الجواز وفاقا للشيخ وأكثر من تأخر عنه كما في المدارك ، بل في المحكي عن جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب ، بل في المحكي عن المختلف الإجماع عليه ، مضافا إلى‌ قول الصادق عليه‌السلام (٢) : « لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة أو في حي على الصلاة أو حي على الفلاح المرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان انما يريد به جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس » ورواه في المدارك « إذا كان إماما يريد » إلى آخره لكن ظاهر الأصحاب عدم اختصاص ذلك بالإمام ، بل ظاهرهم عدم اعتبار جمع الجماعة للصلاة جماعة ، ولعلهم حملوا ما في الخبر على المثال ، والله أعلم.

وكذا يكره كما عن المبسوط والنافع والدروس والمفاتيح التثويب الذي هو عند الأكثر بل المشهور بين أهل اللغة والفقه قول : الصلاة خير من النوم وقال المرتضى كما عن الحلي قول ذلك بعد الدعاء إلى الفلاح ، وفي الخلاف عن محمد بن الحسن صاحب الجامع الصغير من العامة أنه هو التثويب الأول الذي كان عليه الناس ، وأنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

١١٢

بين الأذان والإقامة ، وقيل : هو حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين بين الأذان والإقامة ، وفيه أيضا عن الجامع المزبور أنه هو التثويب الثاني الذي أحدثه الناس بالكوفة ، وقيل هو تكرير الشهادتين ، وعن السرائر أنه الأظهر ، لأن التثويب مشتق من ثاب الشي‌ء إذا رجع ، ومحله عند العامة العشاء والصبح ، بل عن المبسوط نفي الخلاف عندهم في ذلك ، بل عن قديم الشافعي ثبوته في الصبح خاصة ، كما أن في الخلاف أن أحدا من العامة لم يقل باستحباب التثويب في العشاء إلا ابن حي ، لكن حكى غيره عن النخعي استحبابه في جميع الصلوات بعد أن حكى اتفاقهم على استحبابه في الغداة.

وعلى كل حال فأصحابنا مجمعون عدا النادر منهم على عدم مشروعيته بالمعنى الأول في شي‌ء من الأذان والإقامة ، بل وبالمعنى الثاني ، بل وبالمعنى الثالث إلا للإشعار أيضا كما عرفته سابقا ، بل في المحكي عن السرائر الإجماع على حرمته بالمعنى الأول والثالث ، والناصريات والانتصار عليها بالأول والثاني ، والتهذيبين إجماع الطائفة على ترك العمل بأخبار التثويب ، والحبل المتين الإجماع على ترك التثويب ، وجامع المقاصد أعرض الأصحاب عن أخبار التثويب ، وفي كشف اللثام عن الخلاف الإجماع عليها بالمعنى الأول ، وعلى الكراهة بالمعنى الثاني ، والذي وجدناه فيه الإجماع على الكراهة بالمعنى الثاني ، ونفي الاستحباب أو الكراهة أيضا بالمعنى الأول ، نعم قال بعد أن ذكر إن ذلك التثويب في أذان العشاء الآخرة بدعة : دليلنا ما قلناه في المسألة الأولى ، وقد ذكر فيها الإجماع وغيره ، وعن التذكرة ونهاية الأحكام وإرشاد الجعفرية أنه بالمعنى الأول بدعة عندنا.

وكيف كان فلا إشكال في الحرمة مع قصد المشروعية في الثلاثة نحو ما سمعته في الترجيع ، لكونه تشريعا محرما ، وفي الصحيح عن معاوية (١) انه سأل الصادق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

١١٣

عليه‌السلام « عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة فقال : ما نعرفه » بل ما سمعته سابقا من النصوص (١) المتضمنة لحكاية فصوله كالصريحة في إرادة نفيه وأمثاله ، وقول الباقر عليه‌السلام في خبر محمد بن مسلم (٢) : « كان أبي ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم » مع احتماله التقية منهما لا دلالة فيه على أنه يفعل ذلك بأحد المعاني السابقة ، وحكايات الأفعال لا عموم فيها ، وفي‌ المروي عن كتاب زيد النرسي (٣) عن الكاظم عليه‌السلام « الصلاة خير من النوم بدعة بني أمية ، وليس ذلك من أصل الأذان ، ولا بأس إذا أراد الرجل أن ينبه الناس للصلاة أن ينادي بذلك ولا يجعله من أصل الأذان ، فإنا لا نراه أذانا » (٤) وفيه « إنه سئل عن الأذان قبل طلوع الفجر فقال : لا ، إنما الأذان عند طلوع الفجر أول ما يطلع ، قيل : فان كان يريد أن يؤذن الناس بالصلاة وينبههم قال : فلا يؤذن ولكن ليقل ويناد بالصلاة خير من النوم ، يقولها مرارا ، وإذا طلع الفجر أذن » وفي المحكي‌ عن فقه الرضا عليه‌السلام (٥) « ليس في الأذان الصلاة خير من النوم » وأما‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٦) : « النداء والتثويب في الإقامة من السنة » فمع ما في كشف اللثام من أنا لا نعلم معنى النداء والتثويب ، وحمل الشيخ إياه وصحيح ابن مسلم (٧) الآتي على التقية ، للإجماع على ترك العمل بهما محتمل لإرادة سنة أهل البدع ، بل ينافيه‌ ما في المعتبر عن كتاب البزنطي عن عبد الله بن سنان (٨) عن الصادق عليه‌السلام « إذا كنت في أذان الفجر فقل : « الصلاة خير من النوم بعد حي على خير العمل ، وقل بعد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٤.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٤.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٥.

١١٤

الله أكبر الله أكبر : لا إله إلا الله ، ولا تقل في الإقامة الصلاة خير من النوم ، انما هذا في الأذان » فطرحه أو إرادة معنى آخر من التثويب فيه متعين ، كما أنه يمكن حمل خبر المعتبر على التقية بقرينة اقتصاره على وحدة التهليلة وإن استبعده المصنف ، قال : لاشتماله على « حي على خير العمل » وهو انفراد للأصحاب ، فالوجه أن يقال : في التثويب روايتان أشهرهما تركه ، لكن فيه أنه لا شهرة عمل في رواية ثبوته ولا رواية بل هي من الشواذ أو الأخبار التي دسها أهل الباطل ، أو من الجاري مجرى التقية ، واشتماله على « حي على خير العمل » لا يبعده ، لجواز الاسرار به.

وأما‌ قول الباقر عليه‌السلام لزرارة (١) في الصحيح : « إن شئت زدت على التثويب حي على الفلاح مكان الصلاة خير من النوم » فلعله للمطلوب أقرب من غيره ، إذ الظاهر إرادة أنك إن أردت التثويب فكرر « حي على الفلاح » زائدا على المرتين ، ولا تقل له « الصلاة خير من النوم » وبعبارة أخرى أن لفظ « على » فيه بمعنى اللام ، وعلى كل حال يراد منه ما سمعته سابقا في خبر أبي بصير من مشروعية تكرير ذلك للإشعار ، فظهر لك أن ما عن الجعفي ـ من أنك تقول في أذان صلاة الصبح بعد قولك : « حي على خير العمل » : « الصلاة خير من النوم » مرتين ، وليستا من أصل الأذان ، وأبي علي من أنه لا بأس به في أذان الفجر خاصة ـ في غاية الضعف.

أما مع عدم قصد المشروعية فيحتمل الحرمة بالمعنى الأول ، لإطلاق معاقد الإجماعات وما يظهر من صحيح ابن وهب وخبر زيد النرسي ، ولا استبعاد في حرمة الصورة العامية ، ويحتمل العدم ، للأصل الذي لم يعلم وجود المعارض له بعد قيام احتمال تقييده بقصد المشروعية ، خصوصا مع ملاحظة ما يذكر مستندا للحرمة ، بل قد يدعى ظهور خبر زيد النرسي في الجواز ، بناء على إرادة عدم قصده من الأذان من‌ قوله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

١١٥

عليه‌السلام : « ولا يجعله أذانا » ولا ريب في أن الأول أحوط إن لم يكن أقوى خصوصا بعد أن أطلق القول بحرمته في المحكي عن النهاية والوسيلة والسرائر والبيان والموجز وجامع المقاصد وتعليق النافع وحاشية الميسي والمسالك ومجمع البرهان ، بل اليه يرجع ما عن التذكرة ونهاية الأحكام والتحرير والمنتهى والإرشاد والروض وفوائد القواعد والذخيرة والوافي من التعبير بأنه بدعة ، اللهم إلا أن يريدوا هؤلاء ومن عبر بالحرمة خصوصا من تعرض للاستدلال منهم مع قصد المشروعية ، أو يريدوا هم بالبدعة غير المشروع وإن لم يكن محرما.

وأما المعنى الثاني فقد سمعت إجماع الشيخ على الكراهة فيه المعارض بإجماع غيره على الحرمة ، اللهم إلا أن يجمع بينهما بقصد المشروعية وعدمها ، إلا أنه ومع ذلك فالأحوط تركه لغير الاشعار ، كالثالث الذي قد سمعت إجماع السرائر على الحرمة فيه.

ثم ان الظاهر عدم الفرق في كراهة التثويب أو حرمته بالمعنى الأول بين فعله بعد « حي على الفلاح » كما يصنعه العامة ، لعدم حيعلة عندهم بعدها وبين فعله بعد « حي على خير العمل » إذ فصل مثله لا يقدح عندهم ، على أنه قد يحتمل إرادة كونه بعد الحيعلات ، فتأمل. ومن هنا حملت نصوص التثويب على التقية ونحوها ، مع كونه في بعضها بعد « حي على خير العمل » نعم يمكن القول بالجواز فيه إذا كان بين التكبير في الأذان مثلا مع عدم قصد التشريع ، لعدم وجود صورة البدعة التي احتملنا الحرمة التعبدية فيها ، والله أعلم.

١١٦

( الرابع )

من محال البحث

( في أحكام الأذان )

فيه مسائل‌ الأولى من نام في خلال الأذان أو الإقامة ثم استيقظ استحب له الاستيناف كما في القواعد والتحرير والتذكرة والبيان والمحكي عن المهذب والمبسوط وظاهرهم أو صريحهم أنه يجوز له البناء بل عن المبسوط وجامع الشرائع التصريح به ، ولعله بناء على عدم اشتراط الطهارة فيهما لإطلاق الأدلة والاستصحاب ، وعدم ثبوت الابطال بذلك ، لكنه لا يتم مع فوات الموالاة التي لا ريب في اعتبارها فيهما لما في‌ المرسل في الفقيه (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « تابع بين الوضوء ـ إلى أن قال ـ : وكذلك في الأذان والإقامة ، فابدأ بالأول فالأول ، فإن قلت : حي على الصلاة قبل الشهادتين تشهدت ثم قلت : حي على الصلاة » وذكر الترتيب فيه لا يقضي بكونه المراد من المتابعة فيه خاصة ، سيما بعد إفادة الفاء له وللتعقيب أيضا ، مضافا إلى مادة المتابعة ، على أنه لو قطع النظر عن الخبر المزبور كان المتجه البطلان في فاقدها ، للشك في تناول الأدلة له إن لم يكن ظاهر بعضها عدمه ، فيبقى تحت الأصل ، إذ العبادة توقيفية متلقاة من الشارع ، بل غير العبادة منه كأذان الإعلام توقيفي أيضا ، فمع فرض الشك في شمول الأدلة للفاقد لا يحكم باستحبابه ولا يترتب أحكامه عليه ، بل ربما قيل لهذا الأصل المزبور بعدم الاجزاء وإن لم تفت الموالاة ، ضرورة اقتضائه مانعية ما شك فيه اللهم إلا أن يمنع الشك ، للقطع باندراج الفرض في عبارة من تعرض للفرع المزبور ، فلا شك حينئذ في شمول الإطلاقات له ، على أن التحقيق عندنا صحة التمسك بالإطلاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

١١٧

في نفي الشرط والمانع المشكوك فيهما.

نعم لا شك في اقتضاء الأدلة بطلان فاقد الموالاة ، ولعله لا يريده من أطلق منهم كالمصنف وغيره ، ضرورة كون البحث من حيث تخلل النوم ، بل في التحرير ونهاية الأحكام والمنتهى والبيان وجامع المقاصد وحاشية الإرشاد والمسالك وغيرها على ما حكي عن البعض التصريح بتقييد جواز البناء بما إذا لم تفت الموالاة ، فيتجه حينئذ البناء في واجدها والعدم في فاقدها ، ولا يشكل الأول بفوات استدامة النية المعتبرة في أثناء العمل ، لعدم كون المراد منها إلا عدم وقوع جزء من أجزاء العمل بدونها ، لا عدم خلو المكلف عنها إلى تمام العمل ، اللهم إلا أن يدعى ذلك في خصوص الإقامة منهما باعتبار ما ورد (١) فيها من أنها من الصلاة ، لكن مقتضى ذلك حينئذ البطلان بالنوم نفسه والإغماء كالصلاة من غير حاجة إلى تكلف البطلان من جهة فوات الاستدامة ، على أن الظاهر من تلك النصوص ولو بمعونة فهم الأصحاب خصوص بعض ما عرفت لا مطلقا ، وقد عرفت أن فرض البحث على تقدير عدم اشتراط الطهارة فيهما والظاهر أن المدار في الموالاة بناء على التحقيق عندنا على المعلوم قدحه من الفصل في عرف المتشرعة ، ضرورة معلومية إرادة الهيئة من أمثال هذه المركبات ، أما المشكوك فيه فلا مانع من التمسك بالإطلاق في شموله ، اللهم إلا أن يفرض الشك في تناوله لأمور أخر كما أوضحناه في محله.

ومما ذكرنا يظهر لك ما في كشف اللثام من تقديرها بأن لا يطول الفصل بحيث لا يذكر أن الثاني مبني على الأول ، اللهم إلا أن يريد ما ذكرنا كالذي أوكلها على العادة ، وفي جامع المقاصد تعليل عدم إجزاء الفاقد بعدم تسميته أذانا مع فواتها ، وظاهره كون المدار فيها على بقاء الاسم وعدمه ، وفيه نوع تأمل ، خصوصا إذا قلنا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٢.

١١٨

باعتبارها للمرسل المزبور ، وعلى كل حال فقد يناقش فيما ذكروه من الاستحباب ، ضرورة عدم صلاحية خروج المكلف بذلك عن التكليف لثبوته ، وليس سواه في المقام نعم قد يقال ذلك في خصوص الإقامة الوارد فيها أنها من الصلاة التي من المعلوم إعادتها بتخلل النوم.

ولا يخفى عليك أنه كذلك البحث إن أغمي عليه في خلالهما أو جن أو أسكر أو غير ذلك ، وما عن نهاية الأحكام ـ من احتمال الاستيناف في الإغماء ونحوه وإن قصر لخروجه عن التكليف به ـ كما ترى لا يجدي في الفرق ، إذ أقصاه عدم توجه الخطاب إليه بالإتمام في ذلك الحال ، إلا أنه لم يثبت اشتراط صحة الأذان ببقاء الخطاب ، بل مقتضى إطلاق صدق الأذان عليه عدمه ، فهو كالعبد المأمور بفعل سرير وقد جن في أثنائه ثم أفاق الذي لا ريب في بقاء التكليف عليه ، وصدق الامتثال بالإتمام ، وليس المقام من الأمر بالمشروط مع علم الآمر بانتفاء شرطه كما قد يتوهم ، ضرورة عدم ثبوت الاشتراط ، بل مع علم الآمر بإفاقته قبل فوات الموالاة هو أمر له بالمشروط المعلوم تمكنه من شرطه كما هو واضح ، على أن مثله يأتي في النوم ، فلا جهة للفرق بذلك إلا بتكلف ، هذا.

وفي المدارك « أنه نص الشيخ وأتباعه على أنه يجوز لغير ذلك المؤذن البناء على ذلك الأذان ، لأنه يجوز صلاة واحدة بإمامين ففي الأذان أولى ـ قال ـ : وفيه إشكال منشأه توقف ذلك على النقل ، ومنع الأولوية » قلت : لعله صدق الأذان عليه وظهور الاتحاد في الأوامر ظهور مورد لا شرط ، فلا يمنع صدق نحو‌ قولهم (ع) : « لا صلاة إلا بأذان وإقامة » ودعوى صحة السلب معه ممنوعة ، وربما كان ما في صحيح ابن سنان (١) من الأمر بإتمام ما نقصه المؤذن من الفصول إذا أراد الصلاة بذلك الأذان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

١١٩

فيه إيماء إليه في الجملة ، نعم ذكر الفاضل في القواعد كراهة التراسل الذي ما نحن فيه منه أو نحوه على الظاهر ، وأقره عليه المحقق الثاني وغيره من شراحه ، ولم نعرف له دليلا سوى احتمال عدم الاندراج في الأدلة مع التسامح ، والأمر سهل.

المسألة الثانية إذا أذن ثم ارتد عن الإسلام مثلا جاز أن يعتد به من أراد الصلاة ويقيم غيره بلا خلاف أجده فيه ، للأصل ، واندراجه في الإطلاقات وكونه بالنسبة إلى ذلك كالأسباب التي لا تبطل بالردة من وضوء أو غسل أو غسل نجاسة ونحوها ، لكن قد يشكل ذلك بناء على اشتراط صحة العبادة باستمرار الايمان فمتى ارتد انكشف بطلان العبادة لعدم حصول الشرط ، ودعوى أن الاعتداد به حتى للمؤذن نفسه من الآثار كالطهارة من الحدث والخبث يمكن منعها بظهور الفرق بينهما ولو بالأدلة ، وتقييد القول المزبور بما إذا مات المرتد على ردته لا يرفع الاشكال المذكور فيما لو فرض موته بعد ارتداده ، ضرورة عدم الفرق فيما ذكروه من الاعتداد بين موته وحياته ، بل صرح بعضهم بعدم الفرق بينه لو عاد إلى الإسلام وبين غيره ، وهو كذلك بناء على الصحة ، نعم قد يفرق بين الأذان الإعلامي وغيره على القول المزبور لعدم كونه عبادة ، ومع فرض كونه قصد به التقرب بطلانه من حيث الثواب لا يمنع الاعتداد به الذي لم يقيد به ، وكيف كان فيمكن أن يكون مراعاة للقول المزبور ، ولأن ردته تورث شبهة في حاله للقول بأن المؤمن لا يرتد ، وللتسامح ، وخصوص ما سمعته في الإقامة قال الفاضل في المحكي عن نهايته : « إنه يستحب أن لا يعتد بأذانه وإقامته ، بل يعيد غيره الأذان والإقامة » والله أعلم.

ولو ارتد في أثناء الأذان ثم رجع استأنف على قول للشيخ وأبي العباس والقاضي فيما حكي عنهم ، وعن التذكرة ونهاية الأحكام أنه قوي ، بل عن كشف‌

١٢٠