جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

العدالة ، ولم يعتبر خبر مجهول الحال لعدم العلم بكونه غير فاسق في الواقع ، بخلاف المقام المفروض فيه تحقق الإطلاق أو العموم الذين فائدتهما دخول مثل ذلك ، ولا ينافيه كون المانع عدم المأكولية واقعا ، لعدم تحققها مع تحقق مقتضى الصحة ، وهو مطلق الاستتار ، ودعوى صيرورة العام أو المطلق بعد التقييد موصوفا بضد ذلك القيد ، فلا يتحقق مع الشك يمكن منعها ، لعدم تعقل ذلك من نحو استتر بأي ساتر ولا تستتر بما لا يؤكل مثلا كما في نظائره ، والالتجاء إلى باب المقدمة في اجتناب المشكوك يدفعه أنه في حكم غير المحصور من المشتبه الذي لا يجب اجتنابه ، كما في كل فرد واحد لم يعلم أنه من المحلل أو المحرم ، إنما الذي يجب اجتنابه المعلوم تحققه المشتبه شخصه ، ودعوى إلحاق ذلك به باعتبار أن المدار في المحصور وغيره على الحرج في الاجتناب وعدمه ، وإلا فالجميع تجري فيه باب المقدمة ، وما نحن فيه مما لا حرج في اجتنابه يدفعها أنه خلاف المعلوم منهم في عدم اجتناب ذلك منهم للمقدمة ، خصوصا في نحو المقام المتحقق فيه مقتضى الامتثال للإطلاق أو العموم مع أصالة البراءة عن مقتضى المنع.

فالأولى حينئذ في الرد دعوى ظهور‌ قوله عليه‌السلام في الموثق المزبور (١) : « لا يقبل الله تلك الصلاة » إلى آخره في اشتراط المأكولية في الساتر إذا كان من حيوان كما أومأنا اليه سابقا ، ولعله اليه مطمح نظر العلامة ، فالمشكوك فيه لا يجري لعدم تحقق الشرط المنصوص عليه المقيد للإطلاق المفروض ، بل الظاهر ذلك حتى لو كان الثوب مشتبها بغير المحصور ، فان سقوط حكم باب المقدمة فيه لا يقتضي تحقق الشرط الوجودي الذي فرض النص عليه ، فان ذلك أمر آخر زائد على سقوط حكم المقدمة ، ضرورة عدم صدق الامتثال عليه ، ومن ذلك لو اشتبه التراب بغير محصور لم يجز التيمم به ، وكذلك الماء ، نعم لو كان المنع من حيث النجاسة وفرض الاشتباه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٨١

بغير المحصور أسقط الشارع وجوب الاجتناب من جهتها ، فجاز استعماله حتى فيما اشترط فيه الطهارة ، لعدم الواسطة عنده بينهما ، إذ كل ما لم يعلم نجاسته وليس بمحصور طاهر عنده ، وكذا الكلام في الحل والحرمة ، فتأمل جيدا فإنه نافع جدا.

اللهم إلا أن يقال في خصوص المحصور المشتبه بغير المحصور : إنه يستفاد من الشرع إعطاء حكم غير المحصور للمحصور المشتبه موضوعا وحكما ، فغير الماء المحصور المشتبه فيما لا ينحصر من الماء ماء ، وبالعكس غير ماء ، وغير الحرير (١) مثلا المشتبه فيما لا ينحصر في غيره من القطن محكوم بكونه قطنا على وجه تجري عليه الأحكام ، وكذا غير المأكول المحصور فيما لا ينحصر من المأكول ، وهكذا حتى لو حصل الشك في الفرد بل والظن ، فإنه يعطي حكم غير المحصور المشتبه فيه ، وهو حسن إن ثبت إجماعا ونحوه عليه ، وإلا فقاعدة الشك في الشرط بحالها ، هذا.

ولكن قد يقال : إن المستفاد من الموثق المزبور شرطية المأكول بالنظر إلى الملبوس نفسه ، أما ما كان عليه من الشعرات بناء على المنع منها أو المفضلات أو المحمول أو نحو ذلك فلا دلالة فيه على اشتراط كونه من المأكول كي لا يجزي الصلاة مع الشك فيها ، بل هي تبقى على النهي عنها من غير المأكول ، فمع تحققها تبطل الصلاة ، ومع الشك فلا ، ويؤيده مع ذلك استصحاب عدم المانعية ، بل والسيرة المستمرة على عدم اجتناب اللباس بمجرد عدم معرفة ما فيه من رطوبة أو شعر أو نحو ذلك ، بل والعسر والحرج وغير ذلك مما لا يخفى ، وهذا مؤيد آخر لما ذكرناه من عدم استفادة الشرطية من النهي المزبور ، وإلا لاقتضى وجوب اجتناب جميع ذلك ، كما هو واضح.

ومن ذلك كله يعلم ما في منظومة العلامة الطباطبائي ، قال :

وغلب التحريم فيما مزجا

بالحل إلا ما بنص خرجا

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح « الحرير » بدل « غير الحرير ».

٨٢

يعني كالممتزج بالحرير ، ثم قال :

وهكذا مشتبه بما حظر

منحصر دون الذي لا ينحصر

واحتمال انه مبني ذلك على المانعية التي تسقط في غير المنحصر يدفعه ـ مضافا إلى ما عرفته من الموثق في غير المأكول ـ انه خلاف ما يظهر منه سابقا ، قال في بيان شرائط الساتر :

وكونه ان كان من حيوان

محلل اللحم على الإنسان

وهو مضمون الموثق المزبور ، وكذا يظهر النظر في ما ذكره بعض مشايخنا (١) فيما نحن فيه من « أن الأقسام أربعة ، إذ الشك إما أن يكون بين فرد مثلا من الحرير محصور وفرد من غيره محصور ، أو بين أفراد غير محصورة منهما ، أو بين فرد من غير الحرير محصور في أفراد من الحرير غير محصورة ، أو بين فرد من الحرير محصور وأفراد من غيره مما يجوز لبسه غير محصورة ، والمتجه البطلان فيما عدا الأخيرة ، أما فيها فالأقوى الصحة وعدم الالتفات إلى هذا الشك ـ ثم قال ـ : هذا بالنسبة إلى الصلاة الموقوف صحتها على العلم بحصول شرطها ، أما بالنسبة إلى اللبس فيما يحرم لبسه وكذا بالنسبة إلى الصلاة حيث يكون المنع فيها تابعا للتحريم كالمغصوب فالظاهر قصر التحريم ، ويتبعه البطلان على الصورة الأولى والثالثة ، لحصول العلم بالحرام فيهما ـ إلى أن قال ـ : أما الصورة الثانية فالأقوى سقوط حكم التحريم فيها كالرابعة ، وحيث أن الشارع قد جعل الطهارة أصلا يرجع اليه عند الاشتباه والأصل الشرعي بمنزلة العلم كان الحكم في مشكوك النجاسة في الصلاة كحكم المشكوك في جواز اللبس ، فيمنع منه في الأولى والثالثة ، ويجوز في الثانية ، والرابعة » وفي كلامه مواضع للنظر تعرف بأدنى تأمل ، على أن مقتضى ما يظهر منه بعد ذلك أن محل البحث هنا في غير المشتبه المعلوم اشتماله على الجائز وغيره كالفرد‌

__________________

(١) هو الشيخ موسى في شرح الرسالة ( منه رحمه‌الله ).

٨٣

المتحد مثلا ، وهو لا ينطبق عليه بعض ما ذكره ، والتحقيق ما عرفته سابقا ، فلاحظ وتأمل. هذا كله في المشكوك فيه ابتداء أما المشتبه فيما يعلم اشتماله على القابل ، ولا ساتر عنده غيره فستعرف الحال فيه عند البحث عن تعذر الساتر ، والله الموفق.

ثم ان الظاهر عدم الفرق بين ما تتم الصلاة فيه وحده وغيره نحو ما ذكرناه في الجلد وفاقا لجماعة ، بل الأكثر كما في المدارك ، بل المشهور كما في غيرها ، فلا يجوز في التكة والقلنسوة المعمولتين منهما ، لإطلاق النصوص (١) ومعاقد الإجماعات ، بل العموم في بعضها (٢) وخصوص‌ خبر علي بن مهزيار (٣) « كتب إليه إبراهيم بن عقبة عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية فكتب عليه‌السلام لا تجوز الصلاة فيها » وخبر أحمد بن إسحاق الأبهري (٤) قال : « كتبت اليه » وذكر نحو ذلك ، والضعف في السند مجبور بالشهرة ، وبالموافقة لعموم النصوص المعمول بها ، خلافا للمبسوط والمنتهى فالكراهة إذا عملا من وبر ما لا يؤكل لحمه ، بل والإصباح على ما قيل وإن لم يذكر إلا التكة من وبر ما لا يؤكل لحمه ما لم يكن هو أو المصلي رطبا.

وعن ابن حمزة انه قسم ما لا تتم الصلاة فيه منفردا إلى ما يكره فيه ، وعد منها التكة والجورب والقلنسوة المتخذات من شعر الأرنب والثعلب ، وما لا يكره فيه ، وعد منها الثلاثة من غير ما ذكر ، بل مال إليه في المدارك كما عن المعتبر ، للأصل المنقطع بما عرفت ، والجواز في النجس والحرير الذي لا يتم بعد حرمة القياس عندنا.

واحتمال أنه ليس من القياس بل هو من القاعدة المعلومة المقررة ـ وهي كلما كان ملزوم المدعى شيئا يلزم أي المدعى من وجوده وعدمه يثبت المدعى على كل حال ، إذ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

٨٤

يكشف حينئذ أن العلة في ثبوت اللازم الذي هو المدعى أمر آخر غير ذلك الملزوم ، ففي المقام مثلا المدعى جواز الصلاة في التكة النجسة ، وملزومه وصف النجاسة ، والفرض ثبوته على تقدير وجوده وعدمه ، فيعلم حينئذ أن العلة في الجواز التكة مثلا ، وهي موجودة إذا كانت من وبر الأرانب ، بل هي من أفراد عادم الوصف ـ يدفعه أولا إمكان منع القاعدة ، لجواز توجه النفي إلى الذات لا إلى وجودها مع فرض استلزامها وجودا وعدما ، وهو أمر ثالث غير الوجود والعدم اللذين هما فرع التصور نحو قولهم بانتفاء النقيضين. وثانيا ثبوت المدعي الذي هو اللازم من حيث عدم الملزوم الخاص لا ينافي امتناعه من حيث أمر آخر كالغصب ونحوه ولو بعد دلالة الدليل عليه كما هو واضح ، فتأمل جيدا.

ولما في كشف اللثام من أنه وجد في بعض الكتب (١) عن الرضا عليه‌السلام « وقد تجوز الصلاة فيما لم تنبت الأرض ولم يحل أكله مثل السنجاب والفنك والسمور والحواصل إذا كان مما لا تجوز في مثله وحده الصلاة » وهو مع عدم دلالته على تمام المدعى مرسل لا جابر له ، بل من المحتمل أنه من الفقه المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام وهو غير حجة عندنا ، على أنه ربما كان فيه إشعار ببطلان بعض الدعوى ، فالتتميم حينئذ بعدم القول بالفصل مقلوب ، كما هو واضح.

ولصحيح محمد بن عبد الجبار (٢) المتقدم سابقا المرجح غيره عليه بالمشافهة التي هي أقوى من الكتابة باعتبار شدة احتمال وقوعها في يد أعدائهم ، وقد كان أحمد بن حنبل المعاصر للرضا عليه‌السلام يحكم بعدم جواز الصلاة في الحرير المحض ، وباشتراط كون الشعر والوبر مأخوذا من حي أو مذكى ، بل في أحد قوليه : النجاسة إذا أخذ‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ١٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

٨٥

من ميت ، وقد اشتهر مذهبه ومذهب الشافعي في زمن العسكري عليه‌السلام ، ولذا اشتدت التقية فيه ، ولعله من هنا فرض في السؤال في المكاتبتين السابقتين عدم التقية ، وبقوة الدلالة ، لاحتمال إرادة المأكول من المذكى ، كما أومأ إليه خبر علي بن أبي حمزة (١) وإلا فاشتراط التذكية الحلية الصلاة في الوبر وغيره مما لا تحله الحياة مخالف لإجماع الفقهاء من العامة والخاصة ، وبكثرة العدد ، وبالموافقة لما عليه الإمامية من منع الصلاة فيما لا يؤكل لحمه ، وبغير ذلك مما لا يخفى ، على أنه لا يدل على تمام المدعى ، إذ القلنسوة انما كان عليها الوبر لا أنها متخذة منه ، والتمسك بإطلاق الجواب بحمل اللام فيه على الحقيقة لا العهد مع أنه خلاف الظاهر يوهن الخبر من وجه آخر ، فلا ريب حينئذ في كون الترجيح للمنع الموافق للاحتياط.

وكيف كان فقد استثنى المصنف من الكلية السابقة الخز ، فقال إلا وبر الخز الخالص من وبر الأرانب والثعالب ونحوهما ، فتجوز الصلاة فيه بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه المتواتر كالنصوص (٢) فما عساه يظهر ـ من ترك الحلبي التعرض له وعدم استثناء الصدوق له في الهداية بعد أن قال : « باب ما تجوز الصلاة فيه وما لا تجوز » مقتصرا على‌ قول الصادق عليه‌السلام (٣) : « صل في شعر ووبر كل ما أكلت لحمه ، وما لم تأكل لحمه فلا تصل في شعره ووبره » كالمحكي عن الشيخ في كتاب عمل يوم وليلة من الخلاف فيه ـ لا يلتفت اليه ، مع أن من المحتمل أن يكون ذلك منهم لظهور الحال فيه ، وما عن الأمالي « الأولى ترك الصلاة فيه » يمكن حمله على الجلد ، إذ من البعيد إرادة الوبر بعد تصريحه به في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٣) المستدرك الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

٨٦

الفقيه حاكيا له عن رسالة والده التي هي الركن الأعظم عنده ، وبعد استفاضة النصوص (١) في صلاتهم عليهم‌السلام به ، حتى أن في‌ خبر دعبل (٢) المشهور خلع الرضا (ع) قميصا من خز ، وقال له : « احتفظ به فقد صليت فيه ألف ليلة كل ليلة ألف ركعة » كما أن من البعيد إرادة الفاضل من قوله في التحرير : « إلا الخز الخالص والحواصل والسنجاب على قول » ذلك ، إذ مثله مما هو مجمع عليه بين الطائفة لا يعبر عنه بذلك ، وما عن المنتهى من نسبة الجواز إلى الأكثر مشعرا بوجود المخالف لم نتحققه ، بل المحكي عنه أنه نسبه فيه في موضعين إلى فتوى علمائنا مشعرا بالإجماع عليه.

وكيف كان فلا ريب في جواز الصلاة فيه إن لم يكن مستحبا ، لما في‌ صحيح ابن مهزيار (٣) « ورأيت أبا جعفر عليه‌السلام يصلي الفريضة وغيرها في جبة خز طاروي ، وكساني جبة خز وذكر أنه لبسها على بدنه وصلى فيها ، وأمرني بالصلاة فيها » إلا أنه ظاهر في الإباحة لتوهم الحظر ، أو في الرجحان لكن لتشرفها بلبسه وصلاته فيها لا لكونها خزا ، بل الأقوى جواز الصلاة في جلده أيضا وفاقا لجماعة ، بل عن كشف الالتباس أنه المشهور ، وفي الذكرى وغيرها أن مضمون‌ خبر ابن أبي يعفور (٤) عن الصادق عليه‌السلام مشهور بين الأصحاب ، قال : « إنه كان عنده ودخل عليه رجل من الخزازين ، فقال له : جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال : لا بأس بالصلاة فيه ، فقال له الرجل : جعلت فداك انه ميت وهو علاجي وأنا أعرفه ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : أنا أعرف به منك ، فقال له الرجل : إنه علاجي وليس أحد أعرف به مني ، فتبسم أبو عبد الله عليه‌السلام ثم قال : أتقول إنه دابة تخرج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

٨٧

من الماء أو تصاد من الماء فتخرج ، فإذا فقد الماء مات ، فقال الرجل : صدقت جعلت فداك هكذا هو ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام فإنك تقول : إنه دابة تمشي على أربع ، وليس هو على حد الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء ، فقال الرجل : إي والله هكذا أقول ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : فان الله أحله وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها » ضرورة أن التذكية انما تعتبر في الجلد دون الوبر ، فبيانه عليه‌السلام أن ذكاته موته ردا على السائل الذي زعم أنه ميتة ، وأنه لا تجوز الصلاة فيه لذلك أظهر شي‌ء في إرادة الجلد ، بل منه يستفاد دخول الجلد في إطلاق الخز ، فترك الاستفصال حينئذ في‌ موثق معمر بن خلاد (١) دال على المطلوب أيضا ، فقال : « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الصلاة في الخز فقال : صل فيه » وخبر يحيى بن عمران (٢) انه قال : « كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام في السنجاب والفنك والخز ، قلت : جعلت فداك أحب أن لا تجيبني بالتقية في ذلك ، فكتب إلى بخطه صل فيها » مضافا إلى‌ صحيح سعد بن سعد (٣) قال : « سألت الرضا عليه‌السلام عن جلود الخز فقال : هو ذا نحن نلبس ، فقلت : ذاك الوبر جعلت فداك فقال : إذا حل وبره حل جلده » قيل : « هو ذا » في كلامه عليه‌السلام بفتح الهاء وسكون الواو كلمة مفردة تستعمل للتأكيد والتحقيق والاستمرار والتتابع والاتصال مرادفة « همي » في لغة الفرس المستعملة في أشعار بلغائهم كثيرا ، لا أن المراد منها الضمير واسم الإشارة كما يشهد له التأمل من وجوه ، فيكون إخباره عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦ وفيه عن يحيى ابن أبي عمران وهو الصحيح كما يأتي نقل الحديث عنه قريبا.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٤.

٨٨

باستمرار لبسه واتصاله كالصريح في شموله لحال الصلاة ، وإلا لنقل عنهم (ع) نزعهم لها حالها ، وقول السائل : « ذاك الوبر » اشتباه منه ، إلا أنه عليه‌السلام أراد قطعه على فرض ذلك ، فقال له عليه‌السلام : « إذا حل » إلى آخره. على ان ظاهر تعليق حل الجلد على حل الوبر الشامل بإطلاقه لحل الصلاة مع حل الصلاة فيه إجماعا ونصا هو حل الصلاة في الجلد ، بل قد يقال بإرادة التلازم بالنسبة إليها لا اللبس في غيرها ، لأنها هي المشروطة بأن لا يكون اللباس حالها من ما لا يؤكل لحمه من غير فرق بين الجلد والوبر ، فإذا حل الوبر حينئذ منه فيها حل الجلد ، لاشتراكهما في علة المنع ، أما اللبس فلا تلازم بينه وبين الجلد قطعا ، ضرورة جوازه في الصوف ونحوه مطلقا من غير فرق بين المأكول وغيره والمذكى وغيره بخلاف الجلد ، ولعله إلى ذلك أومأ في الذكرى بقوله بعد أن حكى عن الحلي المنع : ولا وجه له ، لعدم افتراق الأوبار والجلود في الحكم غالبا ، فتأمل.

بل قد يستفاد منه على هذا التقدير الجواز في باقي أجزاء الخز ، وعدم ذكر الأصحاب ذلك لعدم تعارف استعمال غيرهما ، كما يومي اليه اقتصارهم عليهما في مطلق ما لا يؤكل لحمه ، ولعله لذا اقتصروا عليهما هنا ، لا أنه استثناء منهما ، فتأمل ، ولو أغني عن ذلك كله وقلنا بدلالتها على اللبس دون خصوص الصلاة فلا ريب في كون التعارض حينئذ بينه وبين ما دل (١) على المنع عما لا يؤكل لحمه من وجه ، والترجيح له ، خصوصا بعد تطرق التخصيص إليه بالشهرة وبالأخبار السابقة ، وبأقربية إرادة الصلاة من هذا الإطلاق ، خصوصا بعد تعارف السؤال عن الصلاة من إرادة جلود الخز من ذلك العموم ، وبغير ذلك مما لا يخفى.

ومنه يظهر حينئذ وجه الاستدلال أيضا بما في‌ صحيح ابن الحجاج (٢) « سأل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٨٩

أبا عبد الله عليه‌السلام رجل وأنا عنده عن جلود الخز ، فقال : ليس بها بأس » وغيره (١) كما أنه يظهر فساد المناقشة في هذه النصوص بأنها ما بين صريح في الجلد لكن في اللبس ، وبين صريح في الصلاة لكن صريح في الوبر أو ظاهر ، ولو لأنه المتعارف في الاستعمال حتى صار متعارفا في الإطلاق ، كما يشهد له النصوص ، إذ هي كما ترى دعوى بلا شاهد ، بل يمكن دعواه على خلافها ، على أن تعارف الاستعمال لا يقتضي تعارف الإطلاق ، وأيضا هو لا إشكال في مجازيته في كل منهما ، والعلاقة في الجلد أتم وأظهر ، وليس هو من المتواطئ الذي يشيع بعض أفراده وينصرف إليها الإطلاق ، ودعوى شهرة المجاز في الوبر بحيث ينصرف اللفظ اليه بمجرد العلم بتعذر الحقيقة واضحة المنع ، فما عن العجلي والفاضل في المنتهى والتحرير من المنع من الصلاة فيه ـ بل عن الأول نفي الخلاف فيه ـ ضعيف ، على أن الثاني منهما خيرته في التذكرة ، والمحكي عن المختلف الجواز ، فانحصر الخلاف صريحا في الأول ، ومنه يعلم ما في نفي الخلاف وإن كان ربما استظهر من عدم تعرض جماعة من الأصحاب له واقتصارهم على استثناء الخز الخالص الظاهر بقرينة الوصف في الوبر ، مع أنه يمكن منع ظهور ذلك فيما لا يشمل الجلد ، كما أنه لم نعثر لهم على ما يدل على ذلك سوى العمومات المخصصة بما عرفت ، وما عن كتاب الاحتجاج مما كتبه محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (٢) إلى الناحية المقدسة « روي عن صاحب العسكر أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب فوقع عليه‌السلام يجوز ، وروي عنه أيضا أنه لا يجوز ، فأي الأمرين نعمل به؟ فأجاب إنما حرم في هذه الأوبار والجلود ، فأما الأوبار وحدها فحلال » وعن نسخة « فكلها حلال » وما عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم الذي لم يتداول بين الطائفة ، ولم تعرف عدالة مصنفه ، قال : « والعلة في أن لا يصلى في الخز أنه من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ـ ١٥.

٩٠

كلاب الماء ، وهي مسوخ إلا أن يصف وينقى » وهما معا كما ترى لا يلتفت إليهما في مقابلة ما عرفت ، سيما مع الاضطراب في الجملة في متن أولهما ، والغرابة في الفرق بين الجلود والأوبار مما لا يؤكل لحمه ، وعدم نقل الثاني منهما عن معصوم ، مع إمكان حمله على خصوص كلب الماء من الخز بناء على أنه أحد أفراده وإن كان بعيدا بل ضعفيا.

ثم ان الظاهر جريان الحكم على ما في أيدي التجار مما يسمى في زماننا خزا ، لأصالة عدم النقل كما جزم به الأستاذ في كشفه ، لكن عن المجلسي والأسترابادي الإشكال فيه ، ولعله للشك في كونه الخز في زمن الخطاب ، بل الظاهر عدمه ، لأنه يظهر من الأخبار (١) انه مثل السمك يموت بخروجه من الماء ، وذكاته إخراجه ، والمعروف بين التجار أن المسمى بالخز الآن دابة تعيش في البر ولا تموت بالخروج من الماء ، إلا أن يقال : إنهما صنفان بري وبحري ، وكلاهما يجوز الصلاة فيه ، وهو بعيد خصوصا مع إطلاق تشبيه بالسمك ، واستبعاد اتصال هذا الزمان بذلك الزمان مع الاختلاف في حقيقته في زمن علمائنا السابقين.

قلت : لكن ذلك كله كما ترى لا يقدح في حجية أصالة عدم النقل ، وما في خبر ابن أبي يعفور (٢) من موته بخروجه من الماء ـ كصحيح عبد الرحمن (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال له فيه : « إنها في بلادي ، وانما هي كلاب تخرج من الماء ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا خرجت من الماء تعيش خارجة فقال الرجل : لا ، فقال : لا بأس » ـ يمكن حمله على إرادة عدم بقائه زمانا طويلا جمعا بينه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤ والباب ـ ١٠ ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٩١

وبين ما في‌ خبر حمران بن أعين (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام من انه « سبع يرعى في البر ، ويأوي الماء ، » وقد يشهد له الجملة ما عن مجمع البحرين أنه « دابة من دواب الماء تمشي على أربع تشبه الثعلب ، وترعى من البر ، وتنزل البحر ، لها وبر يعمل منه الثياب ، تعيش بالماء ولا تعيش بغيره ، وليس على حد الحيتان ، وذكاتها إخراجها من الماء حية ، قيل : وكانت أول الإسلام إلى وسطه كثيرة جدا » بل عن السرائر انه قال بعض أصحابنا المصنفين : « إن الخز دابة صغيرة تطلع من البحر تشبه الثعالب ، ترعى في البر وتنزل البحر ، لها وبر يعمل منه ثياب » ثم قال فيها : وكثير من أصحابنا المحققين المسافرين يقول : إنه القندس ، ولا يبعد هذا القول من الصواب ، لقوله عليه‌السلام (٢) : « لا بأس بالصلاة في الخز ما لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب والثعالب » والقندس أشد شبها بالوبرين المذكورين ، وفي المعتبر أنه حدثني جماعة من التجار أنه القندس ، ولم أتحققه ، وعن الشهيد في حواشي القواعد سمعت بعض مدمني السفر يقول : إن الخز هو القندس ، قال : وهو قسمان ذو إلية وذو ذنب ، فذو الألية الخز ، وذو الذنب الكلب ، وفي الذكرى انه لعله ما يسمى في زماننا بمصر وبر السمك ، وهو مشهور هناك ، وفي كشف اللثام عن القانون أن خصيته الجندباد ستر (٣) وقيل : إن الذي يصلح من ذكره الخصي ، ومن الأنثى الجلد والشعر والوبر ، وفي جامع الأدوية للمالقي عن البصري أن الجندباد ستر هيئته كهيئة الكلب الصغير ، وفي الذكرى أن من الناس من زعم انه كلب الماء ، وجزم به المحدث البحراني ، ولعله لما في صحيح ابن الحجاج (٤) وإن كان هو في كلام السائل ولا إضافة فيه ، ولذا كان‌ خبر ابن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١ مع تفاوت.

(٣) في القانون ج ١ ص ٢٨١ من طبع مصر « جند بيد ستر هو خصية حيوان البحر » هو معرب كند بيد ستر وقد يقال : جند بيدست كما في برهان قاطع ج ١ ص ٤٢١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٩٢

أبي يعفور (١) أولى منه في ذلك ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أكل لحم الخز قال : كلب الماء إن كان له ناب فلا تقربه ، وإلا فاقربه » بل عن بعضهم القطع بأنه القندس فينطبق عليه حينئذ جميع ما سمعته ممن فسره بالقندس ، بل قد يؤيده ما قيل من قرب وبره لوبر الثعالب والأرانب ، لكن في الذكرى انه على هذا يشكل ذكاته بدون الذبح ، لأن الظاهر انه ذو نفس سائلة.

قلت : وهو المتعارف بين من يصطاده في زماننا ، وما في كشف اللثام من أن المعروف أنه لا نفس لأكثر حيوانات الماء بل لغير التمساح والتنين غير مجد مع الاختيار التام ممن يعتاد صيده ، نعم يمكن دعوى خروجه عن قاعدة توقف ذي النفس على الذبح بخبر ابن أبي يعفور الناص على أن ذكاته ذكاة السمك ، لكن الخروج به عن ذلك كما ترى ، بل حمله حينئذ على غير كلب الماء المتعارف في هذا الزمان أولى ، كما يشهد له أيضا أن المشاهد منه الآن لا وبر له بحيث يعمل منه ثياب ، وهو خلاف المستفاد من النصوص وغيرها من وصفه بذلك ، فما وقع من المحدث البحراني من حصول تذكيته بذلك وإن كان ذا نفس للخبر المزبور في غاية الضعف ، كما أن ما وقع منه من حل أكل غير ذي الناب منه للخبر المزبور ، وخبر عمران بن أعين (٢) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام فقلت : إن أصحابنا يصطادون الخز أفنأكل من لحمه؟ قال : فقال : إن كان له ناب فلا تأكله ، ثم سكت ساعة فلما هممت بالقيام قال : أما أنت فإني أكره لك ، فلا تأكله » وخبر ابن أبي يعفور المتقدم المخصصة لقاعدة حرمة حيوان البحر إلا السمك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣ من كتاب الأطعمة والأشربة عن أبى جعفر عليه‌السلام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١ لكن رواه عن زكريا بن آدم.

٩٣

وحرمة السمك إلا ما له فلس كذلك أيضا في غاية الضعف ، خصوصا مع احتمال الأخير إرادة مساواته في التذكية للحيتان لا للأكل ، وإمكان تحصيل الإجماع على عدم حل أكله ، وظهور خبر حمران السابق في انه سبع المعلوم حرمة أكله ، وحمله على ذي الناب خاصة يحتاج إلى شاهد معتد به.

وكيف كان فينبغي أن يعلم أن الظن هنا كاف ، لأنه من الظن بمفهوم الموضوع لا مصداقه ، ولا ريب في حصوله فيما في يد التجار ، بل يمكن دعوى حصوله بجميع ما ذكر من كلب الماء والقندس وغيرهما ، لا أنه كلب الماء خاصة أو غيره ، ولعل هذا هو الجامع بين الجميع ، بل كان سبب الاختلاف تخييل كون بعض الأفراد تمام المصداق ، فيضبطه بأوصاف لا تنطبق على المصداق الآخر ، ولم يتنبهوا إلى كون مفهوم اسم الخز للأعم من ذلك ، فتأمل جيدا.

ثم ما كان منه تذكيته ، بغير الذبح فهل هي مجرد موته ولو في البحر بمعنى أن الشارع جعل نفس موته كيفما كان تذكيته ، فلا ميتة له حينئذ ، أو أنها كتذكية السمك من الإخراج حيا؟ قولان كما عن المقاصد العلية ، بل فيها أن أجودهما الاشتراط ، ولعله للاقتصار على المتيقن ، ولا مكان استفادته من التشبيه في خبر ابن أبي يعفور السابق ، وغير ذلك ، هذا.

وظاهر تقييد المصنف وغيره بالخالص عدم جوازه بالمغشوش بغيره مما لا تجوز الصلاة فيه مطلقا ، لكن قال وفي المغشوش منه بوبر الأرانب والثعالب روايتان (١) أصحهما المنع فيعلم إرادة ما قابل الغش المخصوص منه ، وكأنه لتعرض النصوص (٢) بالخصوص له ، بل يمكن دعوى ظهور الخلوص فيها في ذلك ، خصوصا وقد كان المتعارف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب لباس المصلي.

٩٤

غشه فيهما ، وكيف كان فرواية المنع‌ مرفوعة أحمد بن محمد (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الخز الخالص أنه لا بأس به ، فأما الذي يخلط فيه وبر الأرانب وغير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه » وبمعناها مرفوعة أيوب بن نوح (٢) اليه (ع) أيضا ، ورواية الجواز‌ خبر داود الصرمي (٣) لكن تارة قال : « سأل رجل أبا الحسن الثالث عليه‌السلام » وأخرى عن‌ بشرين بشار (٤) قال : « سألته عن الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب فكتب يجوز ذلك » إلا أنها ـ مع اتحادها ، واختصاصها بوبر الأرانب ، واضطرابها بما عرفت ، وضعفها ولا جابر ، واحتمالها الصلاة عليه ، واحتمال « تجوز » كونه من التجويز أي يجوزه العامة ، وموافقتها للتقية ، ومخالفتها لعمومات الإمامية ، بل في الخلاف الإجماع على اشتراط الخلوص عن وبر الأرانب ، وفي الغنية والثعالب كالمحكي في المفتاح من الإجماع أيضا على ذلك عن التذكرة ونهاية الأحكام وكشف الالتباس وجامع المقاصد وظاهر المنتهى وإن كنت لم أتحققه فيما حضرني من نسخ بعضها كالتذكرة وجامع المقاصد ، وظني أنه اشتباه في الفهم ، فلاحظ وتأمل ، بل عن المعتبر والمنتهى أن أكثر أصحابنا ، وإن كنا لم نعرف من ادعى الإجماع فيهما غير الشيخ في الأرانب وابن زهرة فيهما ، كما عرفت ادعوا الإجماع على العمل بمضمون مرفوعي أحمد بن محمد وأيوب بن نوح ـ لا تصلح معارضة ، خصوصا مع تبين ذلك كله منا ، فلم نعثر على مفت بها إلا الصدوق رحمه‌الله ، فإنه بعد أن رواها قال هذه رخصة ، الآخذ بها مأجور ، والراد لها مأثوم ، والأصل ما ذكره أبي في رسالته إلى « وصل في الخز ما لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب » وخلاف مثله غير قادح ، مع احتمال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢ عن بشير بن بشار.

٩٥

الرخصة للضرورة لا مطلقا.

نعم لا بأس به لو مزج بالإبريسم وغيره مما تحل الصلاة فيه ولو ممزوجا ، لوجود المقتضي وعدم المانع ، واحتمال اشتراط الخلوص من غيره مطلقا لصدر الخبر السابق الذي بين فيه إرادة الخلوص منهما في غاية الضعف ، أما لو مزج بما يمنع من الصلاة فيه كصوف ما لا يؤكل لحمه غير الثعالب والأرانب فالمتجه المنع ، لصدق الصلاة في شي‌ء مما لا يؤكل لحمه قطعا ، كما هو واضح بعد الإحاطة بما ذكرناه ، بل لعل المراد من الثعالب والأرانب في المرفوعين المثال لغيرهما مما لا يؤكل ، وخصا لتعارف الغش بهما ، بل هما بمعونة قوله عليه‌السلام فيهما : « أو غير ذلك مما يشبه هذا » كالصريحين في ذلك ، لكن في المحكي عن التحرير بعد القطع بالمنع منهما قال : « والأقرب المنع من الخز المغشوش بصوف ما لا يؤكل لحمه وشعره » ولفظ الأقرب فيه مشعر بالفرق بينهما ، بل عن المنتهى بعد ذلك أيضا « وفي الممتزج بصوف ما لا يؤكل لحمه أو شعره تردد ، والأحوط فيه المنع ، لأن الرخصة وردت في الخالص ، ولأن العموم الوارد في المنع من الصلاة في شعر ما لا يؤكل لحمه وصوفه يتناول المغشوش بالخز » وهو كما ترى ، اللهم إلا أن يكون فرقه بالنظر إلى فتاوى الأصحاب ، لاقتصار أكثرهم عليهما ، وادعاء الإجماع عليهما ، والله أعلم.

المسألة الثالثة تجوز الصلاة في فرو السنجاب ، فإنه لا يؤكل اللحم ، وقيل : لا يجوز ، والأول أظهر وفاقا للشيخ والفاضل والشهيدين والمقداد والمحقق الثاني والفاضل الميسي وغيرهم ، بل عن الأنوار القمرية نسبته إلى الأكثر خصوصا بين المتأخرين ، وفي جامع المقاصد إلى جمع من كبراء الأصحاب ، وعن الذخيرة إلى المشهور بين المتأخرين ، وفي الرياض وهو كذلك ، بل لعله عليه عامتهم عدا الفاضل في التحرير‌

٩٦

والقواعد وفخر الدين في شرحه والصيمري ، فظاهرهم التردد ، لاقتصارهم على نقل القولين من غير ترجيح وإن كان ستعرف ما فيه ، وفي كشف الرموز عن القطب أنه الأظهر بين الطائفة ، بل عن المبسوط نفي الخلاف فيه والحواصل ، وفي المنظومة إرسال الإجماع عليه ، وعن الأمالي أن من دين الإمامية الرخصة فيه والفنك والسمور ، والأولى الترك ، واحتمال أن مراده ورود الرخصة وإن لم يكن معمولا بها ـ بقرينة أن والده الذي هو من رؤساء الإمامية من جملة المانعين ، وعدم معلومية قائل بجوازه في الفنك والسمور ، بل ظاهرهم الاتفاق على العدم ـ خلاف الظاهر ، على أن المحكي من رسالة والده اليه مشتمل على ذكر الرخصة ، قال : « لا بأس بالصلاة في شعر ووبر ما أكل لحمه ، وإن كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك وأردت أن تصلي فانزعه وقد روي فيه رخص ».

وكيف كان فالمتبع الدليل ، ولا ريب في اقتضائه الجواز ، إذ‌ روى علي بن راشد (١) في الصحيح « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما تقول في الفراء أي شي‌ء يصلى فيه؟ فقال : أي الفراء؟ قلت : الفنك والسنجاب والسمور ، فقال : فصل في الفنك والسنجاب ، فأما السمور فلا تصل فيه ، قلت : في الثعالب نصلي فيها قال : لا ، ولكن تلبس بعد الصلاة » إلى آخره. والحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه فقال : لا بأس بالصلاة فيه » وبشر بن بشار (٣) « سألته عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسمور والحواصل‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل ـ في الباب ـ ٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥ وذيله في الباب ـ ٧ ـ الحديث ٤ لكن رواه عن أبى علي بن راشد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤ لكن رواه عن بشير بن بشار.

٩٧

التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن أصلي فيه لغير تقية ، قال : فقال : صل في السنجاب والحواصل الخوارزمية ، ولا تصل في الثعالب والسمور » ويحيى بن أبي عمران (١) انه قال : « كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام في السنجاب والفنك والخز وقلت : جعلت فداك أحب أن لا تجيبني بالتقية في ذلك ، فكتب بخطه إلى صل فيه » والوليد بن أبان (٢) « قلت للرضا عليه‌السلام : أصلي في الفنك والسنجاب قال : نعم » إلى غير ذلك.

واحتمال حمل الجميع على التقية ـ بقرينة اشتمالها على ما علم كون الاذن في الصلاة فيه لذلك حتى عند الخصم ـ يدفعه أولا اشتمالها على ما ينافي التقية ، لجواز الصلاة في جميع ما لا يؤكل لحمه ، اللهم إلا أن يكتفى في التقية بمجرد وقوع الخلاف بين الشيعة كي لا يعرفوا فيؤخذوا ، وفيه بحث ، أو بالموافقة لبعض رواياتهم وان كان عملهم على خلافه ، وثانيا أن العلم بكون الجواز في غير ما نحن فيه للتقية لا يقضي به فيه ، إذ هو في الحقيقة إبطال الدليل بمجرد الاحتمال ، على أن من المعلوم عدم الالتجاء إلى التقية التي لا تخفى على الخواص الذين كان من المعروف عندهم الإعطاء من جراب النورة إلا عند الضرورة ، فحينئذ لا يقدح في الحجية وحدة الجواب عنها بعد اشتراك الجميع في الجواز ، وإن كان بعضها للتقية والضرورة ، وآخر مطلقا ، وكان اختصاص بعضها بذلك لتفاوتها في مصلحة الامتناع ، كما يومي اليه‌ خبر محمد بن علي بن عيسى (٣) المروي عن مستطرفات السرائر قال : « كتبت إلى الشيخ يعني الهادي عليه‌السلام أسأله عن الصلاة في الوبر أي أصنافه أصلح؟ فأجاب لا أحب الصلاة في شي‌ء منه ، قال : فرددت الجواب انا مع قوم في تقية ، وبلادنا لا يمكن أحد أن يسافر منها بلاد وبر ، ولا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

٩٨

يأمن على نفسه إن هو نزع وبره ، وليس يمكن الناس ما يمكن الأئمة عليهم‌السلام فما الذي ترى أن نعمل به في هذا الباب ، قال : فرجع الجواب إلى تلبس الفنك والسمور » وثالثا أن في النصوص ما فقد المانع المزبور ، بل الشاهد على ما قلناه من إرادة التقية والاضطرار في غير السنجاب ، كخبر مقاتل بن مقاتل (١) قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعلب فقال : لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب ، فإنه دابة لا تأكل اللحم » وذيل‌ خبر علي بن أبي حمزة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت : وما يؤكل لحمه من غير الغنم قال : لا بأس بالسنجاب ، فإنه دابة لا تأكل اللحم ، وليس هو فيما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب ».

والضعف في السند منجبر بما عرفت ، والمناقشة فيه أيضا ـ باقتضاء الثاني كونه من مأكول اللحم ، وهو مجمع على خلافه ، واقتضاء التعليل فيهما أن كل ما لا يأكل اللحم تجوز الصلاة فيه وإن كان غير مأكول اللحم ـ يدفعها عدم قدح ذلك في الحجية فيما نحن فيه ، مع أن الموجود فيما حضرني من الوسائل التي عليها آثار الصحة « وما لا يؤكل » إلى آخره. بل وفي وسائل أخرى ، لكن فيها أن ذلك نسخة ، وكان المراد بالتعليل دفع ما اشتهر من عدم الصلاة في السباع ، نحو‌ خبر قاسم الخياط (٣) قال : « سمعت موسى بن جعفر عليهما‌السلام يقول ما أكل الورق والشجر فلا بأس بأن يصلى فيه ، وما أكل الميتة فلا تصل فيه » كل ذلك مع السلامة عن المعارض عدا عمومات تقبل التخصيص بذلك ، سيما بعد الاعتضاد بما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣ وفي الكافي هكذا ولكن في الوسائل والتهذيب‌ « قلت : وما لا يؤكل لحمه ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

٩٩

وما في المدارك ـ من أن رواية ابن بكير (١) وإن كانت عامة إلا أن ابتناءها على السبب الخاص وهو السنجاب وما ذكر معه يجعلها كالنص في المسؤول عنه ، وحينئذ يتحقق التعارض ، ويصار إلى الترجيح ـ يدفعه أن مثله لا يقدح في التخصيص في المتصل قطعا ، فكذا المنفصل ، خصوصا مع اندراج بعض أفراد السؤال في عموم الجواب ، ولعله نصب للسائل قرينة حالية على إخراج السنجاب ، وليس المقام مقام حاجة ، ولذا لم يستثن فيها الخز المعلوم استثناؤه ، كما أن ما يقال من عدم مقاومة لهذا الخاص على تلك العمومات المزبورة المخالفة ، للعامة ، لمعارضة الشهرة المتأخرة بالشهرة المتقدمة ، إذ هو منقول عن علي بن بابويه في الرسالة وولده في الفقيه والهداية والمقنعة وجمع العلم والجمل والعقود والمصباح ومختصره والكاتب والتقي والديلمي والخلاف والنهاية في الأطعمة والسرائر وكشف الرموز والتذكرة والمختلف ونهاية الأحكام والمهذب البارع والموجز الحاوي ، بل نسبه غير واحد إلى ظاهر الأكثر ، بل عن روض الجنان أنه مذهب الأكثر ، وفي السرائر « لا تجوز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه بغير خلاف من غير استثناء ـ إلى أن قال ـ : فعلى هذا لا تجوز الصلاة في السمور والسنجاب » إلى آخره. وهو كالصريح في اندراجه في معقد نفي خلافه ، وفي الخلاف والغنية الإجماع على المنع في كل ما لا يؤكل لحمه ، لكن قال في الخلاف : « وردت رخصة في الفنك والسنجاب ، والأحوط ما قلناه من المنع » وربما استفيد من ذلك ظهوره أو صراحته في إرادة دخول السنجاب في معقد إجماعه ، على أن نفي الخلاف في المبسوط يوهنه تحقق الخلاف أولا وبالإجماع أو الشهرة العظيمة على خلافه في الحواصل ، مضافا إلى ما في‌ الفقه الرضوي (٢) « ولا تجوز الصلاة في فرو سنجاب ولا سمور » وإلى ما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢ لكن بإسقاط لفظ « فرو » كما في فقه الرضا عليه‌السلام.

١٠٠