جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بل ظاهر‌ خبر الأشعري (١) قبوله ، قال : « كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ما تقول في الفرو نشتري من السوق؟ فقال : إذا كان مضمونا فلا بأس » بناء على إرادة ضمان البائع ذكاته ، بل يمكن تأييده بإشعار نصوص المسألة المتقدمة سابقا به أيضا بناء على إرادة سؤال من في يده الجلد.

وكيف كان فلعل هذا الخبر هو الذي دعا إلى التفصيل ، مضافا إلى التعليل السابق بأنه ذو يد ، لكن هو ـ مع قصوره عن معارضة تلك النصوص من وجوه متعددة ـ يمكن إرادة الكراهة ونحوها من البأس فيه ، والتعليل أقصاه قبول خبره به لو قال ، لا أنه بدونه لا يجوز ، مع أنه قد يناقش في قبوله يمنع ما يدل على قبول ما يقوله ذو اليد مما كان لا يجب عليه في مذهبه ، بحيث يحكم على إطلاق دليل التبين في خبر الفاسق ، وقياسه على التطهير للثوب مع كونه مع الفارق ليس من مذهبنا.

ومن ذلك ظهر لك ضعف التفصيل المزبور كاحتمال التفصيل بين السوق وغيره بأنه يكفي في الأول عدم العلم بكفر ذي اليد دون الثاني أو بما يقرب من ذلك ، ضرورة اشتراك الجميع في الاعراض من الأدلة السابقة التي من المعلوم كون ذكر السوق في بعضها كناية عن بيع من لم يعلم حاله في بلاد الإسلام الذي يكفي فيه غلبة المسلمين ، كما دل عليه خبر إسحاق المزبور (٢) فلا مدخلية حينئذ للسلطنة ونحوها في ذلك ، ويمكن إحالته على صدق إضافة أرض الإسلام وسوقه عرفا.

وعلى كل حال فلا ريب في أن مقتضى أدلة المنع من الصلاة في الميتة عدم الفرق بين الساتر وغيره ، وبين ما لا تتم الصلاة به وعدمه بلا خلاف صريح أجده فيه ، بل بعضها كالتصريح في ذلك سواء اتخذ منه على هيئة الملابس المعهودة أو لا ، ضرورة صدق الصلاة فيها على جميع ذلك ، لأن المراد كون المصلي أو بعضه حال الصلاة في شي‌ء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

٦١

منه ، وما في‌ خبر الهاشمي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن لباس الجلود والخفاف والنعال والصلاة فيها إذا لم يكن من أرض المسلمين فقال : أما النعال والخفاف فلا بأس بها » فمطرح أو محمول على معلومية التذكية ولو لأنه لم يصنعها غير المسلمين أو غير ذلك ، وأما احتمال التوسعة فيهما بالخصوص ـ فيكتفى فيهما باحتمال التذكية بخلاف غيرهما لهذا الخبر المزبور ـ ففيه ما لا يخفى ، كاحتمال جواز خصوص النعال من الميتة ، لما في المرسل (٢) وغيره (٣) المعلل لأمر موسى ( على نبينا وآله وعليه السلام ) بخلع نعليه بأنهما كانتا من جلد ميتة ، مع أن هذه النصوص ليس فيها القابل التخصيص أدلة المنع ، فضلا عن معارضة بعضها ، خصوصا بناء على عدم التعبد بشريعة من قبلنا ، على أن في‌ المروي عن إكمال الدين ـ من خبر سعد بن عبد الله (٤) لما دخل على العسكري عليه‌السلام فأمره بسؤال القائم عليه‌السلام ، فسأله عن هذه الآية وحكى له ما يقوله فقهاء الفريقين من أنهما كانا من الميتة ـ شدة الإنكار على هذا الكلام ، وأنه ربما يؤل إلى الكفر ، إلى أن قال : « بل المراد انزع حب أهلك من قبلك إن كانت محبتك لي خالصة » الحديث. فلا ريب في عدم الفرق بين أصناف الملبوس في ذلك ، بل لعل تقليد السيف منه ، ولذا منع من الصلاة فيه مع العلم بكونه ميتة في الخبر السابق (٥) لا أنه من المحمول منها ، وإن كان قد يقال بمنعه أيضا لخبر الفأرة (٦) وغيره المتقدم في كتاب الطهارة ، وقد استوفينا الكلام في البحث عن المحمول الذي منه المقام هناك ، من أراده فليلاحظه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٤) البحار ـ ج ١٨ ـ ص ١٠١ من طبعة الكمباني.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

٦٢

ثم من المعلوم أنه لا فرق في أجزاء الميتة بين الجلد وغيره عدا ما ستعرفه ، وذكره بالخصوص لأنه مظنة اللبس ، كما هو واضح ، نعم قد يخص المنع من حيث الموت بميتة ذي النفس ، لأنه المنساق إلى الذهن ، خصوصا مع ملاحظة ما في النصوص من الدبغ ونحوه مما لا يعتاد إلا في ذي النفس ، بل هو ظاهر في مقابلة العامة ، وخصوصا مع مقابلة الميتة بالمذكى المنصرف إلى المذبوح ، بل قد يدعى أن الذبح هو المعنى الحقيقي للتذكية ، وأن غيره منزل منزلته ، لا أقل من الشك في شمول الإطلاقات ، فتبقى على إطلاقات الصلاة المقتضية للصحة عندنا ، لعدم مانعية ما شك فيه ، لا يقال : إنه قد تقدم آنفا أن التذكية شرط ، فلو سلم عدم تناول إطلاقات الميتة إلا أنه لا يجدي في تحقق الشرط ، ضرورة عدم صدق التذكية على ميتة غير ذي النفس ، لأنا نقول : ظاهر دليل الشرطية المزبور كون موضوعه ذا النفس ، فيكون الحاصل إن كان اللباس من ذي النفس اعتبر فيه التذكية ، على أنك ستسمع فيما يأتي أن خبر ابن أبي يعفور (١) الوارد في الخز دال على تحقق الذكاة بالموت لغير ذي النفس ، ولا ينافيه اشتراط الأكل في البعض مثلا بأمر زائد على ذلك كالاخراج ونحوه ، فتأمل.

هذا كله مضافا إلى ما قيل من‌ خبر علي بن مهزيار أو إبراهيم بن مهزيار (٢) عن أبي محمد عليه‌السلام « ان الصلاة تجوز في القرمز ، وهو صبغ أرمني من عصارة دود تكون في آجامهم » فتأمل. وإلى السيرة القطعية في نحو القمل والبق والبرغوث ونحوها ، وإلى ما في جامع المقاصد عن المعتبر من دعوى الإجماع على جواز الصلاة فيما لا نفس له وإن كان ميتة ، وإن كنا لم نتحقق هذا النقل ، بل أنكره عليه ثاني الشهيدين على ما قيل ، قائلا : إن الذي أوهمه عبارة الذكرى ، لكن عدالته وحسن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٦٣

الظن به وعلو مرتبته تدفع هذا الإنكار ، ولعله عثر عليه في موضع لم نعثر عليه ، نعم قد يبعد دعوى الإجماع في المقام عدم تعرض أساطين الأصحاب لذلك صريحا ، بل أطلقوا الميتة كالنصوص كما اعترف به في كشف اللثام ، نعم قيل : إن بعض الفضلاء فهم من عبارة الألفية عدم جواز التستر بجلود السمك في الصلاة ، ورده الشهيد الثاني بأنه لا مانع من الصلاة فيه ، لأنه ظاهر حال الحياة ، ولا ينجس بالموت ، وبأن أكثر الأصحاب جوزوا الصلاة في جلد الخز وإن كان غير مذكى مع كون لحمه غير مأكول ، فجوازها في جلد السمك أولى ، وفيه أن الطهارة لا تقتضي جواز الصلاة ، إذ قد عرفت أن الموت من حيث هو مانع لا للنجاسة ، وخروج الخز بالدليل لا يقتضي تمشية الحكم لغيره ، فالعمدة حينئذ ما ذكرناه ، ومقتضاه عدم الفرق بين المأتي وغيره ، فما عن ثاني المحققين والشهيدين من تخصيص ذلك بحيوان الماء لا شاهد له ، كما أن ما عن البهائي ووالده من المنع مطلقا كذلك أيضا ، لما عرفت من انصراف الإطلاق إلى غيره ، فحينئذ الأقوى الجواز إلا أن الأحوط العدم ، والله أعلم.

وما لا يؤكل لحمه ولو بالعارض وهو طاهر في حال حياته وكان مما تقع عليه الذكاة إذا ذكي كان طاهرا كما تقدم البحث فيه ، وفي أصالة وقوع التذكية في كتاب الطهارة ، ويأتي له تتمة في الصيد والذباحة إن شاء الله ولكن لا يستعمل جلده في الصلاة بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل لعل المحكي منه متواتر أو مستفيض قريب منه ، مضافا إلى النصوص (١) والإجماعات المستفيضة أو المتواترة في خصوص السباع منه مع التتميم بعدم القول بالفصل ، كبعض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ و ٦ ـ من أبواب لباس المصلي.

٦٤

النصوص (١) في غير السباع أيضا ، وإلى‌ موثق ابن بكير أو صحيحه (٢) قال : « سأل زرارة أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان الصلاة في وبر كل شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وروثه وألبانه وكل شي‌ء منه فاسدة ، لا يقبل الله تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما أحل الله أكله ، ثم قال : يا زرارة هذا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاحفظ ذلك يا زرارة ، وإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شي‌ء منه جائزة إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح ، وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شي‌ء منه فاسدة ذكاه الذبح أو لم يذكه » وإلى خبر علي بن أبي حمزة (٣) المتقدم سابقا ، وإلى‌ خبر أنس بن محمد عن أبيه (٤) عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام « يا علي لا تصل في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه » وإلى فحوى نصوص المنع (٥) عن الصلاة في وبره وصوفه وشعره ، وغير ذلك من مفاهيم النصوص ومناطيقها ، بل قد يظهر للناظر فيها أن ذلك كان في الزمان القديم من ضروريات مذاهب الإمامية ، خصوصا بعد ملاحظة اتفاق فتاوى الأصحاب الحفاظ للأحكام في الحلال والحرام ، فمن الغريب وسوسة سيد المدارك فيه.

نعم ما استدل له به في المعتبر والمنتهى زائدا على ما ذكرناه لا يخلو من نظر ، قال الأول في السباع : « إن خروج الروح من الحي سبب الحكم بموته الذي هو سبب المنع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي.

٦٥

من الانتفاع بالجلد ، ولا تنتهض الذباحة مبيحة ما لم يكن المحل قابلا ، وإلا لكانت ذباحة الآدمي مطهرة جلده ، يعني أنها بالموت تصير ميتة ذبحت أو لا كالآدمي ، فيعمها نصوص (١) منع الصلاة في الميتة ، قال : لا يقال : الذباحة هنا منهي عنها ، فيختلف الحكم لذلك ، لأنا نقول : ينتقض بذباحة الشاة المغصوبة ، فإنها منهي عن ذباحتها ، ثم الذباحة تفيد الحل والطهارة ، وكذا بالآلة المغصوبة ، فبان أن الذباحة مجردة لا تقتضي زوال حكم الموت ما لم يكن للمذبوح استعداد قبول أحكام الذباحة ، وعند ذلك لا نسلم أن الاستعداد التام موجود في السباع ، لا يقال : فيلزم المنع من الانتفاع بها في غير الصلاة ، لأنا نقول علم جواز استعمالها في غير الصلاة بما ليس موجودا في الصلاة ، فيثبت لها هذا الاستعداد لكن ليس تاما تصح معه الصلاة ، فلا يلزم من الجواز هناك لوجود الدلالة الجواز هنا مع عدمها » وقد يؤيد أيضا بأصالة عدم التذكية وبانحصار التذكية في مأكول اللحم في ظاهر خبر ابن أبي حمزة (٢) المتقدم سابقا ، وبحصر المحرمات في الآية (٣) في الميتة والدم ولحم الخنزير ، وفيه كما في الذكرى أن هذا تحكم محض ، لأن الذكاة إن صدقت فيه أخرجته عن الميتة ، وإلا لم يجز الانتفاع به ، ولأن تمامية الاستعداد عنده بكونه مأكول اللحم ، فيتخلف عند انتفاء أكل لحمه ، فليستند المنع من الصلاة فيه إلى عدم أكل لحمه من غير نقص الذكاة فيه ، وتكلف في كشف اللثام الدفع ذلك عنهما بما يطول ذكره ، ولكن الإنصاف أن تعارف صدق الميتة على ما قابل المذكى في النصوص والفتاوى كتعارف صدق التذكية فيهما أيضا على ذبح غير المأكول المفيد طهارته وجواز استعماله مما يفسد ذلك كله عليهما ، ضرورة عدم اندراجه في الميتة حينئذ ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٣) سورة المائدة ـ الآية ٤.

٦٦

بل هو مندرج في المذكى ، فيدخل في إطلاق ما دل على جواز الانتفاء به والصلاة فيه ، أو يبقى على أصل الجواز ، إلا أن النصوص أخرجته عن خصوص صلاحية ذلك ، على أن هذا أولى من القول بأنه ميتة جرى عليه جميع أحكام المذكى في غير الصلاة ، واشتراط المأكولية في خبر ابن أبي حمزة انما هو للصلاة لا للتذكية ، فدلالته حينئذ على خلاف ما ذكره الخصم أولى ، أو يراد التذكية المسوغة للصلاة ، وحصر المحرمات في الميتة والدم ولحم الخنزير لا يقتضي اندراجه فيه ، بل لعله خرج من مفهوم الحصر بالنصوص ، ولو سلم فلعل تعارف الميتة في غير المذكى متأخر عن زمان الآية ، أو أنه أريد منها ذلك في خصوص الآية بالقرينة ، فالأولى الاقتصار في الاستدلال على ما ذكرنا ، والأمر سهل.

ثم إن مقتضى إطلاق النص والفتوى والعموم اللغوي في الموثق المزبور عدم الفرق في ذلك بين ذي النفس وغيره إذا كان له لحم ، بل اقتصارهم على استثناء الخز والحواصل بناء على أنه لا نفس له مما يؤكد ذلك ، ودعوى انصراف الإطلاق إلى ذي النفس ـ بل هو المراد من العموم في الموثق بقرينة‌ قوله (ع) في ذيله : « ذكاه الذبح أو لم يذكه » المشعر بكون ذكاته الذبح ـ واضحة المنع ، خصوصا في العموم المزبور ، وما في الذيل لا دلالة فيه ، ضرورة إمكان الذبح في كثير مما لا نفس له من الحيوانات البحرية وإن كانت طهارته غير موقوفة عليه ، إذ لا تنحصر فوائد التذكية بالطهارة بناء على أصالة قبول كل حيوان للتذكية ، لأنها لغة الذبح يمكن القول بوقوعها على غير ذي النفس مما لم يجعل له الشارع ذكاة مخصوصة كالسمك ونحوه ، ولو سلم عدم قبولها للذبح فقد يقال : إن المراد ذكاه الذبح أو لم يذكه ، إما لعدم قابليته للتذكية بالذبح ، أو لعدم وقوعها عليه وإن كان قابلا ، فيدخل فيه ما لا نفس له على كل حال ، ولا يتوهم أن ذكاته موته ، فلا يندرج حينئذ ، إذ من المعلوم أنه ميتة وإن كان طاهرا ، لكن الطهارة‌

٦٧

لا تكفي في صدق التذكية ، وإلا فهو طاهر حال الحياة كما هو واضح ، وقد ظهر من ذلك كله اندراجه حينئذ في نصوص المنع هنا التي من الواضح الفرق بينها وبين نصوص الميتة ، ولذا قلنا بخروجه عنها هناك.

نعم لا ريب في خروج القمل والبراغيث ونحوها مما لا لحم له ، للسيرة القطعية ، وقصور النصوص عن تناوله ، والعسر والحرج في اجتنابه ، وغير ذلك ، فلا بأس حينئذ بالشمع في الثوب وغيره ، ولا بالحرير الممتزج ، ولا باللؤلؤ ونحوه مما هو من فضلات مثل هذه الحيوانات التي لا تندرج في غير مأكول اللحم قطعا ، بل في كشف الأستاذ أن إطلاق جواز التلبيد في الحج بل ظهور بعضه فيما فيه الشمع من الشواهد على ذلك ، بل قد يقال : إن ظاهر اقتصار أساطين الأصحاب قديما وحديثا إلى زمن بعض متأخري المتأخرين على الجلد والشعر والوبر والصوف والعظم ظاهر في عدم البأس بغير ذلك من فضلاته ، لا أقل من أن يكون ذلك من المثال لباقي أجزائه التي لا يدخل فيها الرطوبات ونحوها من الفضلات التي ليست من أجزائه ، بل لعل الموثق (١) الذي هو الأصل في هذا التعميم يراد منه ذلك وإن كان بعيدا أو ممتنعا ، وربما أيده إطلاق نفي البأس عن سؤرها نصا وفتوى المستلزم عادة المباشرة اللباس أو البدن لأمثال هذه الرطوبات ، بل كأنه في بالي أن في بعض النصوص نفي البأس عن لحس الهرة بدن المصلي في أثناء الصلاة ، بل لعل إطلاقهم هناك واقتصارهم هنا على ما عرفت كالظاهر أو الصريح فيما ذكرنا ، اللهم أن يكون الوجه في الاقتصار هنا إرادة بيان جنس المتخذ من اللباس ، وهو لا يكون في العادة إلا من ذلك ، ولذا تركوا التعرض لباقي الأجزاء التي من المعلوم مساواتها في الحكم ، وفيه أنه احتمال مقابل بالاحتمال شعر الإنسان وأظفاره من قبل أن ينفضه ويلقيه عنه ، فوقع عليه‌السلام يجوز » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٦٨

السابق ، والأصول والإطلاقات تقتضي الصحة ، لأن الحق عدم مانعية ما شك في مانعيته عندنا ، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه ، خصوصا بعد ظهور الموثق فيما يتناول ذلك ، ولم يثبت الاعراض عنه كي يخرج عن الحجية ، بل ظاهر مشايخنا كون الحكم من القطعيات المفروغ منها.

وعلى كل حال فلا حاجة إلى ما في كشف اللثام من حمل‌ صحيح علي بن جعفر (١) سأل أخاه عليهما‌السلام « هل يصلح للرجل أن يصلي وفي فيه الخرز واللؤلؤ؟ قال : إن كان يمنعه من قراءته فلا ، وإن كان لا يمنعه فلا بأس » على الفرق بين الظاهر والباطن ، لما سمعته من عدم اندراج مثله في نصوص المنع عما لا يؤكل لحمه ، اللهم إلا أن يقال : إن الموثق المزبور الذي هو العمدة في الباب خال عن ذكر اللحم (٢) بل فيه حلال الأكل وحرامه ، ووجود لفظ اللحم في غيره لا يقتضي تقييده بذلك بعد فرض شموله لذي اللحم وغيره ، ولعله من هنا توقف الأستاذ الأكبر في شرحه في الشمع ونحوه مما ليس فيه سيرة قطعية ، لكن قد يناقش بمنع عدم السيرة أولا ، وبانصرافه وإن لم يكن فيه لفظ اللحم ثانيا ، ضرورة ظهور المنشئية والاستعداد مما لا يؤكل لحمه كما هو واضح ، فتأمل.

بل قيل لبعض ما عرفت بخروج الإنسان عنه أيضا ، خصوصا مع ملاحظة السيرة والطريقة في مص ريق الزوجة ومباشرة النساء لفضلات الأطفال بالرضاع وغيره ، والصلاة في ثياب بعضهم بعضا وإن كان فيها من العرق وغيره ، وفي‌ الصحيح (٣) « كتبت إلى أبي الحسن عليهما‌السلام هل يجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان وأظفاره من قبل أن ينفضه ويلقيه عنه فوقّع عليه‌السلام يجوز » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) فيه ذكر اللحم فلاحظ ( منه رحمه‌الله ).

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

٦٩

وفي آخر (١) سأل علي بن الريان بن الصلت أبا الحسن الثالث عليه‌السلام « عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره ثم يقوم إلى الصلاة من غير أن ينفضه من ثوبه فقال : لا بأس » وخبر الحسين بن علوان (٢) عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام المروي عن قرب الاسناد قال : « سئل عن البزاق يصيب الثوب قال : لا بأس به » وما دل (٣) على جواز حمل الامرأة ولدها وإرضاعه في الصلاة ، كإطلاق‌ خبر سعد الإسكاف (٤) قال : « إن أبا جعفر عليه‌السلام سئل عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلنه بشعورهن قال : لا بأس به على المرأة ما تزينت به لزوجها » وفي‌ خبر آخر (٥) عن الصادق عليه‌السلام « يكره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غيرها » ولعله على ذلك يحمل ما في‌ ثالث (٦) « إن كان صوفا فلا بأس ، وإن كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة والموصولة » وما في‌ مكارم الأخلاق (٧) عن زرارة عن الصادق عليه‌السلام قال : « سأله أبي وأنا حاضر عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سن إنسان ميت فيجعله مكانه قال : لا بأس » مضافا إلى عدم انفكاك الثياب من الفضلات شتاء وصيفا بحيث يعسر التجنب عنه » على أنه بملاحظة ذكر الأمثلة في بعض النصوص وكون الخطاب مع الإنسان ونحو ذلك يقطع بإرادة غيره مما لا يؤكل كما هو واضح.

وحينئذ تجوز الصلاة في شعره مثلا حتى لو نسج منه لباسا ، للإطلاق بلا معارض ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب قواطع الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠١ ـ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ـ الحديث ٢ من كتاب النكاح.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠١ ـ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ـ الحديث ١ من كتاب النكاح.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٥ من كتاب التجارة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

٧٠

قلت : قد يقال : إنه لو سلم ذلك فقد يمنع الصلاة فيه لظهور الموثق المزبور في اشتراط كون ما يصلى فيه مما يؤكل لحمه ، فخروج الإنسان حينئذ مما لا يؤكل لا يقتضي تحقق الشرط المزبور ، إذ أقصاه البقاء على أصالة الجواز التي لا تعارض الدليل ، نعم لا بأس بما جرت السيرة والطريقة عليه ، وما فيه عسر وحرج باجتنابه ، وما دل عليه بالخصوص أما غير ذلك كاللباس المنسوج منه مثلا فيمنع لا لتحقق المانع بل لانتفاء الشرط ، اللهم إلا أن يكون المراد اعتبار المأكولية فيما إذا كان اللباس من حيوان غير الإنسان مؤيدا بمعلومية جواز الصلاة في غير المأكول كالقطن ونحوه مما يقضي بكون موضوع الشرط المزبور الصلاة فيما كان من حيوان ، فمع فرض انسياق غير الإنسان يكون الموضوع الحيوان غير الإنسان مثلا ، ولا ريب حينئذ في انطباق الشرط المزبور ، بل هو غير مناف للقول بجواز التستر بكل شي‌ء لم يمنع منه الدليل ، ضرورة كون اشتراط المأكولية انما هو في المتخذ من حيوان غير الإنسان ، ومن ذلك كله يعلم أنه لا وجه يعتد به في الفرق بين الإنسان نفسه وغيره كما عساه يظهر من كشف اللثام تنزيلا لخبر السن (١) على الفرق بين الظاهر والباطن ، وخبر ابن الريان (٢) وسابقه (٣) على شعر الإنسان نفسه ، ولا يخفى ما فيه من الضعف بعد الإحاطة بما ذكرنا ، حتى لو سلمنا إرادة الإنسان مما لا يؤكل لحمه أمكن دعوى اقتضاء السيرة ورفع الحرج وإطلاق بعض الأدلة السابقة الأعم من ذلك ، كما هو واضح.

ثم انه لا فرق في إطلاق النص والفتوى بين ما تتم الصلاة فيه منفردا وغيره كما صريح به بعضهم ، بل هو كصريح الموثق وغيره ، فما عساه يظهر من التحرير ـ من الإشكال في التكة والقلنسوة من جلد ما لا يؤكل لحمه ، ثم قال : أحوط المنع ، كقوله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

٧١

في التذكرة : « لو عمل من جلد ما لا يؤكل لحمه قلنسوة أو تكة فالأحوط المنع » بل فيها أن للشيخ قولا بالكراهية وإن أنكره عليه بعض من تأخر عنه ـ في غير محله ، ويمكن أن يريد التكة والقلنسوة المتخذة من صوف الجلد ووبره كما يومي اليه استدلاله ، فيكون خارجا عما نحن فيه ، وللشيخ قول بالكراهة فيه كما ستسمع ، فلاحظ وتأمل.

وعلى كل حال فلا ريب في المنع ، وخبر ريان بن الصلت (١) سأل الرضا عليه‌السلام « عن أشياء منها الخفاف من أصناف الجلود فقال : لا بأس بهذا كله » ـ مع الطعن في سنده ـ بينه وبين الأدلة السابقة تعارض العموم من وجه ، والترجيح لها من وجوه ، كما أن ما في كشف اللثام (٢) عن‌ بعض الكتب عن الرضا عليه‌السلام « وقد تجوز الصلاة فيما لم تنبته الأرض ولم يحل أكله مثل السنجاب والفنك والسمور والحواصل إذا كان مما لا يجوز في مثله وحده الصلاة » غير صالح لإثبات ذلك للإرسال ، واحتمال أنه من الفقه المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام الذي ليس بحجة عندنا ، وعدم ذكر الجلود فيه واختصاصه بالحيوانات الخاصة التي ستسمع البحث فيها ، فلا ريب حينئذ في عدم جواز الصلاة في ذلك مطلقا.

كما أنه لا ريب في عدم الفرق بين الجلد وغيره من أجزائه التي تحلها الحياة ، وتخصيص الجلد في عبارات الأصحاب لأنه هو الذي مظنة اللباس في الصلاة ، بل لا فرق أيضا بين اتخاذ ذلك على شبه اللباس المعتاد وعدمه ، إذ المدار على صدق كونه كلا أو بعضها فيه حال الصلاة ، وهو المراد من النهي عن الصلاة فيه ، نعم قد يتوقف في المحمول منه على وجه لا تصدق معه الصلاة فيه الذي هو مناط البطلان ، واشتمال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٧٢

الموثق على البول والروث ونحوهما مما يراد من الصلاة فيها الصلاة في ملابسها لا يقتضي المنع في المحمول ، ضرورة انصراف الذهن بعد تعذر الحقيقة إلى إرادة معنى مجازي لا يشمل المحمول ، كتلطخ الثوب بها ونحوه ، كما ستسمع تحقيق ذلك إن شاء الله ، فحينئذ يقوى القول بعدم المنع حينئذ ، للأصل والإطلاق السالمين عن المعارض.

وكيف كان فـ ( هل يفتقر استعماله ) أي الجلد في غيرها أي الصلاة إلى الدباغ؟ قيل : نعم بل هو المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا وقيل : لا بل عن صلاة الإيضاح أنه مذهب الأكثر ، وطهارة روض الجنان أنه أشهر الأقوال ، ومقتضاه أن في المسألة قولا آخر ، ولعله أشار إلى ما حكاه المحقق الثاني عن بعض مشايخه والشهيد عن بعض الأصحاب كما قيل من اشتراط الدبغ إن استعمل في مائع ، وإلا فلا وكيف كان فلا ريب في أن الثاني هو الأشبه على كراهية لما تقدم في كتاب الطهارة ، ويأتي إن شاء الله في كتاب الصيد والذباحة ، بل قد ذكرنا سابقا أنا لم نعثر لهم إلا على مرسل (١) لم يصلح للحجية فضلا عن أن يعارض إطلاق الأدلة كرواية أبي مخلد السراج (٢) قال : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل عليه معتب فقال : بالباب رجلان ، فقال : أدخلهما ، فقال أحدهما : إني سراج أبيع جلود النمر ، فقال : أمدبوغة هي؟ قال : نعم قال ليس به بأس » إذ هي ـ مع أنها في البيع دون الاستعمال ، والضعف في السند ، واحتمال التقية ولو لعدم معرفة الرجلين ، وغير ذلك ـ لا دلالة فيها على المطلوب إلا بإشعار ضعيف ، ثم على تقدير الاشتراط فهل لتوقف الطهارة والاستعمال عليه أو الثاني خاصة؟ قولان ، تقدما في كتاب الطهارة ، ويأتي إن شاء الله تمام البحث في ذلك.

__________________

(١) المتقدم في الجزء ٦ ـ ص ٣٥١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

٧٣

المسألة الثانية الصوف والشعر والوبر والريش مما يؤكل لحمه طاهر سواء جز من حي أو مذكى أو ميت ، وتجوز الصلاة فيه بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص (١) فما عساه يظهر من المحكي عن المراسم من اشتراط التذكية في الصلاة فيها في غير محله أو غير مراد له ، لأنه قد ذكر الجلد ، فلعله اعتبر التذكية بالنسبة اليه ، وإلا فذلك معلوم من مذهبنا ، نعم فيه خلاف بين العامة ، بل لا يحتاج إلى الغسل عندنا للأصل والإطلاق ، وخبر حريز (٢) منزل على غير ذلك كما أوضحناه في كتاب الطهارة ، نعم قد قلنا هناك إنه لو فرض تكونه بعد الموت وقد تأخر الجز عنه بحيث كان فيما جز بعض الأصول التي لاقت الميتة برطوبة اتجه وجوب الغسل حينئذ ومن هنا يعلم أنه لو قلع من الميت قلعا أزيل منه ما استصحب من الأجزاء وغسل منه موضع الاتصال لنجاسته بملاقاة رطوبة باطن الجلد بناء على عدم انفكاكه عن ذلك ، ولا طلاق حسن حريز وغيرهما مما تقدم في الكتاب المزبور ، فما عن الأردبيلي من أنه لم يظهر دليل على وجوب الغسل في غير محله ، كما أن ما عن نهاية الشيخ والمهذب والإصباح والوسيلة من إطلاق عدم الحل مع القلع كذلك أيضا ، إلا أن يراد قبل الغسل وإزالة ما استصحبه ، أما المقلوع من الحي فان لم يستصحب شيئا من الأجزاء فلا ريب حينئذ في عدم حاجته إلى الغسل ، وإن استصحب وجب الإزالة والغسل مع فرض الرطوبة في المحل المستصحب ، لنجاسة الجزء المبان من الحي ، وعليه ينزل إطلاق ما عن النهاية والمنتهى من اشتراط الإزالة والغسل في المنتوف من الحي ، وعليه ينزل إطلاق ما عن النهاية والمنتهى من اشتراط الإزالة والغسل في المنتوف من الحي ، بل وما عن الوسيلة من اشتراط الصلاة بما لم يكن منتوفا من حي ، ولعل ما يرى في أصول الشعر عند تسريح اللحية والوضوء في الأهوية الحارة اليابسة ليس منه ، بل من الفضلات ، أو يعفى عنه كالبثورات للعسر والحرج ، فلا جهة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

٧٤

حينئذ للمناقشة في الحكم المزبور ، فتأمل.

وكذا في جميع ما ذكرنا كل ما لا تحله الحياة من الميت إذا كان طاهرا في حال الحياة فتجوز الصلاة حينئذ فيه على النحو السابق لا لأنه طاهر ، إذ لا تلازم بين ذلك وبين الصلاة فيه ، وإن كان هو مقتضى الأصل ، لكن إطلاق النهي عن شي‌ء من الميتة قطع ذلك ، بل التعليل الصلاة في الصوف بأنه لا روح فيه المشترك بين الجميع وغيره مما هو ظاهر من النصوص (١) ومن ذلك يظهر وجه التوقف في جواز الصلاة فيما كان من الميتة مما حكم بطهارته ولا يجزي فيه التعليل المزبور كالإنفحة ، ولا ريب في أن الأحوط اجتنابها وأما ما كان نجسا في حال حياته فجميع ذلك منه نجس على الأظهر كما تقدم البحث في ذلك ، بل وفيما تقدم أيضا في كتاب الطهارة مفصلا ، فلاحظ وتأمل.

وكذا لا تصح الصلاة في شي‌ء من ذلك لو جعل لباسا أو جزء لباس إذا كان مما لا يؤكل لحمه ولو أخذ من مذكى عدا ما استثني مما ستعرف إجماعا محصلا ومحكيا مستفيضا ، بل عن المعتبر والمنتهى والإجماع على أن ما لا تجوز الصلاة في جلده لا تجوز في وبره أو شعره أو صوفه إلا ما استثني ، وقد عرفت الحال في الجلد وعدم الفرق بين الوبر وغيره ، وترك الريش من بعضهم كالصوف من آخر ليس خلافا في المسألة ، بل هو إما لإدراج بعضها في بعض ، أو لمعلومية الحكم في الجميع ، أو غير ذلك ، كما أن عدم نهي الصدوق في المقنع إلا عن الصلاة في الثعلب وما يليه من فوق أو من تحت والخز ما لم يغش بوبر الأرانب قيل : وكذا الفقيه ليس لجواز غير ذلك مما لا يؤكل لحمه عنده ، كما يكشف عنه كلامه في هدايته وأماليه ، فالإجماع حينئذ بحاله ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١ و ٧ والباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٧٥

وهو الحجة ، مضافا إلى الموثق (١) المتقدم سابقا ، والمرسل في التهذيب المروي (٢) عن العلل صحيحا « كان أبو عبد الله عليه‌السلام يكره الصلاة في وبر كل شي‌ء لا يؤكل لحمه » بناء على إرادة الحرمة من الكراهة للنصوص والفتاوى ، والمروي (٣) عن العلل « لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه ، لأن أكثرها مسوخ » وخبر إبراهيم بن محمد الهمداني (٤) « كتبت اليه يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة فكتب لا تجوز الصلاة فيه » إلى غير ذلك مما تسمعه في أثناء البحث ، بل للأخير جزم بعضهم ، بل قيل : إنه ظاهر الأكثر ، بل عن الذخيرة والمجلسي أنه المشهور ببطلان الصلاة في الشعرات الملقاة على اللباس وإن لم تكن جزءا منه ، بل في جامع المقاصد وإن كانت شعرة واحدة ، بل في حاشية المدارك للأستاذ « أن الظاهر من غير واحد من الفقهاء أن المنع غير مختص باللبس بل شام للاستصحاب أيضا ، لأنهم يذكرون الأخبار الدالة على ذلك في جملة أدلتهم من غير تعرض لكون مدلولاتها غير المطلوب ، بل يذكرون ما دل على جوازه ويعترضون للعلاج من غير تعرض بأن ذلك غير المطلوب ـ ثم قال ـ : وأرى العلماء وأسمع أنهم يتنزهون عنه ».

وعن الكفاية أن كلام أكثر الأصحاب مطلق في المنع من الصوف والشعر والوبر وغيرها ، وخصه بعضهم بالملابس دون الشعرات الملقاة ، واحتج عليه مضافا إلى الخبر المزبور (٥) بما ورد (٦) من النهي عن الصلاة في الثوب الذي يلي جلود الثعالب من حيث ظهوره في أنه لما يقع عليه من شعره ، وبالموثق (٧) الذي هو العمدة في الباب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

٧٦

وغيره مما دل على النهي عن الصلاة فيه ، إذ توهم اختصاصه بالملابس بملاحظة لفظ « في » المقتضية لذلك مدفوع بعدم جريانه في الموثق لدخولها عليه وعلى البول والروث مما ليست هي بالنسبة إليهما للظرفية قطعا ، بل لمطلق الملابسة الشاملة لمحل البحث ، واليه أومأ الأستاذ في الحاشية ، قال : رواية ابن بكير أيضا ظاهرة فيه ، فان الصلاة في الروث مثلا ظاهرة في المعية ، وتقدير الكلام بإرادة الثوب الذي يتلوث به غلط ، لأن الأصل عدم التقدير سيما مثله ، وقد قرر في الأصول أنه إذا دار الأمر بين المجاز والإضمار فالمجاز متقدم متعين.

قلت : قد يناقش في ذلك بأنه لا ريب في ظهور لفظ « في » في الظرفية ، ولكن لما تعذرت الحقيقة بالنسبة إلى الروث ونحوه حمل على أقرب المجازات ، وهو ظرفية المتلطخ به بخلاف الشعر ، فإن الحقيقة ممكنة فيه ، فلا حاجة إلى صرفه ، بل ولا قرينة ، ضرورة عدم صلاحية التجوز في الروث ، لمكان تعذر الحقيقة للصرف ، كما هو واضح ، ونصوص النهي عن الصلاة فيما يلي الثعلب لا صراحة فيها بكون ذلك لما عليه من الشعر ، بل هو مناف لإطلاق النهي عنه ، ولعله للكراهة فيما يباشره ، كما يومي اليه النهي (١) عن الصلاة فيما يليه من تحت ، بل في‌ خبر ابن مهزيار (٢) « عن رجل سأل الماضي عليه‌السلام عن الصلاة في جلود الثعالب فنهى عن الصلاة فيها وفي الثوب الذي يليه ، فلم أدر أي الثوبين الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد ، فوقع بخطه الثوب الذي يلصق بالجلد ، قال : وذكر أبو الحسن يعني علي بن مهزيار أنه سأله عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) فروع الكافي ج ١ ص ٣٩٩ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٧ لكن في الوسائل في الباب ٧ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨ وكذا الاستبصار ج ١ ص ٣٨١ والتهذيب ج ٢ ص ٢٠٦ من طبعة النجف عن الرضا عليه‌السلام.

٧٧

هذه المسألة فقال : لا تصل في الثوب الذي فوقه ولا في الذي تحته ».

ومن هنا قال بعضهم : إن ما في النهاية من أنه لا تجوز الصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الثعالب ولا في الذي فوقه يحتمل أن يكون لما يقع من الشعر ، أو أن يكون لأن الثعلب نجس عنده كما صرح بذلك في المبسوط وقد حكم فيه بالكراهة في الثوبين المذكورين ، ولعله لإطلاق ما سمعت ، فدعوى أن المنع حينئذ للشعر المتساقط يمكن منعها ، بل هي أشبه شي‌ء بالعلة المستنبطة ، بل لو فرض حصول الظن بذلك أمكن منع حجيته ، لعدم استفادته مما جعله الشارع حجة ، فلم يبق إلا خبر الهمداني المعارض بما في المدارك من‌ صحيح ابن عبد الجبار (١) قال : « كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام هل يصلى في قلنسوة عليها وبر مالا يؤكل لحمه أو تكة حرير أو تكة من وبر الأرانب فكتب لا تحل الصلاة في الحرير المحض ، وإن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه » وإن كان فيه ما فيه كما تسمعه في التكة والقلنسوة ، وكذا معارضته بالنصوص (٢) السابقة في شعر الإنسان وأظفاره وباقي فضلاته ، إذ قد عرفت خروجه عن موضوع البحث ، فلا يدل على ما نحن فيه ، نعم قد يناقش فيه بأنه مضمر ، وفي سنده عمر بن علي بن عمر ، وهو مجهول ، لكن قيل : إنه لم يستئن من نوادر الحكمة ، ولا ريب في احتياجه إلى جابر ، وليس ، إذ جبره بدعوى الشهرة يمكن المناقشة فيه بأنها مستنبطة من إطلاق قولهم : « لا يجوز الصلاة في الشعر » وقد عرفت أن مثله في الموثق المشتمل على غيره مما لم يرد فيه الظرفية حقيقة لا يقتضي ذلك فضلا عنه.

ولعله من هنا كان خيرة المسالك والمدارك والمفاتيح والمحكي عن الروض الجواز ، بل عن الأخير أنه حكاه عن صريح الشيخ والذكرى وظاهر المعتبر ، بل قد يشعر ما في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) المتقدمة في ص ٧٠.

٧٨

الأول بكون ذلك ظاهر الأصحاب من حيث أن السياق في اللباس ، ولذا استظهر من عبارة المتن اختصاص الحكم به ، فالمنع حينئذ لا يخلو من إشكال ، لإطلاق ما يقتضي الصحة ، وإن كان هو أحوط.

وأولى منه إشكالا المحمول الذي لم يلتصق بالثياب حتى يكون من توابعه ويصدق الصلاة فيه ولو مجازا ، إذ إرادة المعية ، من « في » كما ذكره الأستاذ في حاشيته ممنوعة ، ضرورة عدم اقتضاء تسليم إرادة المعنى المجازي الشامل للشعرات الملقاة وتلطخ الثوب ونحوه المعية الشاملة للمحمول ، فالاطلاقات حينئذ تقتضي الصحة ، لكن عن الجعفرية وشرحها أنه من صلى في جلد أو ثوب من شعر حيوان ، أو كان مستصحبا في صلاته عظم حيوان ولم يعلم كون ذلك الجلد وذلك الشعر والعظم من جنس ما يصلى فيه فقد صرح الأصحاب بوجوب الإعادة مطلقا ، يعني أن الحكم بوجوب الإعادة إجماعي للأصحاب ، ومقتضاه أنه لا بحث في المستصحب مع العلم بحاله ، وعن مجمع البرهان الظاهر من كلام بعض الأصحاب أن كلما لا يعلم أنه مأكول لا تجوز الصلاة في شي‌ء منه أصلا حتى عظم يكون عروة للسكين وغير ذلك ، بل لعله ظاهر من منع الصلاة في العظم من غير المأكول علما أو شكا ، لتعارف المحمول منه ، اللهم إلا أن يفرض كونه خاتما ونحوه مما يعد ملبوسا أو توابع الملبوس ، كما مثل به له في المسالك والمحكي عن الميسية ، بل يمكن إرادته كذلك من المستصحب في عبارتي الجعفرية وشرحها ، إذ هو مظنة الإجماع ، لا المحمول الذي يمكن بسبب التعبير بلفظ « في » دعواه على خلافه ، على أنه انما هو بصدد بيان حكم المشكوك من حيث كونه مشكوكا فيه ، فلعل الإجماع المدعى حينئذ على ذلك ، فإنه هو المصرح به في كلامهم ، ففي المدارك في أحكام الخلل وعن الشافعية نسبة المنع عند عدم العلم بجنس الشعر والجلد إلى الأصحاب مع زيادة قطعهم في الأول ، وفي المنتهى « لو شك في كون الصوف أو الشعر أو الوبر من مأكول‌

٧٩

اللحم لم تجز الصلاة فيه ، لأنها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه ، والشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط » ونحوه ما في التحرير والقواعد والشرائع في بحث السهو والبيان والهلالية وفوائد الشرائع والميسية والمسالك على ما حكي عن البعض من زيادة الجلد في بعض والعظم في آخر ، لكن في البيان « إلا أن تقوم قرينة قوية ».

وأشكله في المدارك وتبعه المحدث البحراني بأنه يمكن أن يقال : إن الشرط ستر العورة ، والنهي انما تعلق بالصلاة في غير المأكول ، فلا يثبت إلا مع العلم بكون الساتر كذلك ، ويؤيده‌ صحيحة عبد الله بن سنان (١) قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : كل شي‌ء يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه » وردّه الأستاذ الأكبر رحمه‌الله بما حاصله عدم مدخلية العلم في مفاهيم الألفاظ ، فالمفسد حينئذ للصلاة واقعا حرام الأكل فيه ، فلا بد أن يكون عدمه في الواقع شرطا ، وليس هو إلا حلال الأكل ، فالمشكوك غير مجز ، للشك في الشرط ، ولا أصل ينقحه : ولعدم العلم بالصحة حتى يخرج عن يقين الشغل على حسب ما قرروه في اشتراط العدالة من قوله تعالى (٢) ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) ونظائره.

قلت : قد يقال : إنه بعد فرض الإطلاق أو العموم المتناول لكل ساتر لا يتم الكلام المزبور ، ضرورة كون المعلوم ان فائدتهما دخول الفرد المشتبه ، وهذا هو الفارق بين ما نحن فيه وبين اشتراط العدالة ، لعدم الأمر بقبول كل خبر ثم نهي عن خبر الفاسق كي يدخل مجهول الحال ، بل ظاهر الآية انما اقتضى رد خبر الفاسق ، واستفيد من مفهومه قبول خبر غيره ، وليس هو إلا العدل في الواقع ، فمن هذه الجهة اشترط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

(٢) سورة الحجرات ـ الآية ٦.

٨٠