جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والحاصل المآكل التي علل في الصحيح عدم السجود عليها « بأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون » معلومة معروفة لا تدور مدار الاعتياد المختلف في الأزمنة والأمكنة والأحوال وعدمه ، وليس منها عقاقير الأدوية قطعا ، ولا ما يؤكل عند المخمصة ، فما في كشف اللثام من أن فيما يؤكل دواء خاصة إشكالا في غير محله ، إذا احتمال صدق اعتياد الأكل في حال الاحتياج إلى الدواء كما ترى ، بل لعل ما صرح به غير واحد من الأصحاب ـ من أن ما له حالتان يؤكل في إحداهما ولا يؤكل في الأخرى كقشر اللوز وجمار النخل جاز السجود عليه في الثانية دون الأولى ـ لا يخلو من نظر ، فان احتساب ذلك من المخلوق للأكل المعد له الذي يطلق عليه أنه مآكل أهل الدنيا كما ترى.

ولا تشمل المأكولية شرب التنباك قطعا ، أما شرب القهوة فلا يخلو من وجه قد يقوى خلافه ، بناء على ما عرفت ، ومصداق النبات معلوم ، لكن قد يشك في بعض ما ينبت على وجه الماء مما لا أصل له في الأرض ، وقد يقال انه لا بد من أجزاء أرضية في منبته ، بل لعل المراد صنف نبات الأرض وما من شأنه أن ينبت فيها ، فيندرج فيه المخلوق معجزة نابتا في غير الأرض أو غير نابت أصلا ، هذا.

وكأن المصنف اكتفى عن اشتراط عدم الملبوسية في النبات التي هي كالمأكولية في الاشتراط نصا وفتوى ـ بل عن نهاية الأحكام وكشف الالتباس نسبته إلى علمائنا ، بل عن الانتصار والخلاف والغنية والروض والمقاصد العلية الإجماع عليه ، والأمالي أنه من دين الإمامية ، والكفاية لا خلاف فيه ـ بقوله‌ وفي القطن والكتان روايتان ، أشهرهما المنع لعدم ملبوسية غيرهما من النبات عادة ، فلا إشكال حينئذ في جواز السجود عليه ، لوجود المقتضي وارتفاع المانع ، واعتياد اتخاذ النعل في ذلك الزمن من النخل لا يصيره بذلك ملبوسا عادة ، ولذا سجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام والصحابة والتابعون وتابعوا التابعين على الخمرة من الخصوص ، كما أنه لو اتخذ منه في هذا‌

٤٢١

الزمان ثواب جاز السجود عليه حتى لو اعتيد ، بناء على ما سمعته في المأكول ، لكن عن المنتهى « انه هل يصح السجود على ما يكون من نبات الأرض إذا عمل ثوبا وإن لم يكن بمجرى العادة ملبوسا؟ فيه تردد ، أقربه الجواز » قيل وجزم بما قربه فيه في النهاية والتذكرة ، ثم قال : « ولو مزج المعتاد بغيره ففي السجود عليه إشكال » قلت : لا ينبغي الإشكال في الجواز إذا كان محل الجبهة مما يعتبر في السجود غير المعتاد ، وفي العدم إذا لم يكن كذلك كما هو واضح.

واحتمال أن المزج له مدخلية في المنع ـ للمحكي عن فقه الرضا عليه‌السلام (١) من النهي عن السجود على حصر المدينة ، لأن سيورها من جلود ، وخبر ابن الريان (٢) قال : « كتب بعض أصحابنا بيد إبراهيم بن عقبة إلى أبي جعفر عليه‌السلام يسأله عن الصلاة على الخمرة المدينة فقال : صل فيما كان معمولا بخيوطة ، ولا تصل على ما كان معمولا بسيورة » الحديث ـ في غاية الضعف إذ مع عدم حجية الأول منهما يجب الجمع بينهما وبين النصوص (٣) المستفيضة الدالة على جواز السجود على الخمرة بإرادة المعمولة بالسيور التي لا تكون مستورة في الخوص بل كانت ظاهرة بحيث لا يحصل الواجب من السجود معها ، وبه صرح في الذكرى قال : « لو عملت بالخيوط من جنس ما يسجد عليه فلا إشكال ، ولو عملت بسيور فان كانت مغطاة بحيث تقع الجبهة على الخوص صح السجود أيضا ، ولو وقعت على السيور لم يجز ، وعليه دلت رواية ابن الريان ، وأطلق في المبسوط جواز السجود على المعمولة بالخيوط » قلت : الظاهر إرادته التفصيل المزبور ، وفي الحدائق « لعل بناء الفرق في خبر ابن الريان على أن ما يعمل بالخيوط الخيوط منه مستورة بالسعف ، وأما ما يعمل بالسيور فإنها تظهر من السعف أو تغطى على السعف فلا يقع‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يسجد عليه.

٤٢٢

السجود على السعف بالكلية ، فيكون النهي محمولا على التحريم ، أو لا يحصل الجزء الأكمل فعلى الكراهة » ومرجعه إلى ما ذكرنا أيضا ، والظاهر أن الخمرة سجادة صغيرة دون المصلي تعمل من السعف.

وكذا لا ينبغي التردد في الثوب المتخذ من نبات الأرض إذا لم يكن بمجرى العادة وإلا لوجب اجتناب صنف ذلك النبات ، إذ ليس المراد مما ليس في النص والفتوى الشخص ، ومنه يعلم حينئذ جواز السجود على قراب السيف والخنجر ونحوهما ، وإلا لامتنع السجود على صنف الخشب المتخذين منه ، وهو معلوم البطلان ، ولعله لانصراف الملبوس في النص والفتوى إلى غيرهما ، خصوصا مع قوة العمومات ، فما في التذكرة من أن القنب لا يجوز السجود عليه إن ليس عادة لا يخلو من منع يعرف مما هنا وما سمعته في المأكول ، بل وما في الذكرى من أن الظاهر القطع بعدم جواز السجود على القنب ، لأنه معتاد اللبس في بعض البلدان ، أما القطن والكتان فالمشهور نصا وفتوى المنع ، بل عن التذكرة والمهذب البارع والمقتصر نسبته إلى علمائنا ، بل عن الخلاف والمختلف والبيان الإجماع عليه ، بل يشمله ما عن الانتصار من الإجماع على منعه على الثوب المنسوج من أي جنس كان ، مضافا إلى ما كان من الإجماعات السابقة على استثناء الملبوس من النبات الظاهر أو الصريح فيهما ، لعدم ملبوسية غيرهما.

ومنه يعلم حينئذ صراحة نصوص استثناء الملبوس فيهما ، مضافا إلى خصوص‌ خبر أبي العباس (١) عن الصادق عليه‌السلام « لا يسجد إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا القطن والكتان » وصحيح زرارة (٢) السابق في الثوب الكرسف ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ١.

٤٢٣

و‌خبر الأعمش المروي (١) عن الخصال عن الصادق عليه‌السلام أيضا « لا يسجد إلا على الأرض أو ما أنبتت إلا المأكول والقطن والكتان » وخبر علي بن جعفر (٢) المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل يؤذيه حر الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود هل يصلح له أنه يضع ثوبه إذا كان قطنا أو كتانا؟ قال : إذا كان مضطربا فليفعل ».

خلافا للمحكي عن السيد في الموصليات والمصريات الثانية من الجواز على الثوب المعمول منهما ، لأنه لو كان محرما محظورا لجرى في القبح ووجوب إعادة الصلاة واستينافها مجرى السجود على النجاسة ، ومعلوم أن أحدا لا ينتهي إلى ذلك ، وفيه منع الملازمة أو لا ، إذ يمكن كونه محرما غير موجب للإعادة ، وثانيا منع بطلان اللازم ، ودعواه عدم انتهاء أحد إلى ذلك ممنوعة عليه ، بل هو مقتضى المنع في كلام من عرفت الذين هو منهم في الجمل والمصباح والانتصار على ما قيل ، بل في الأخير من كتبه دعوى الإجماع على ذلك كما سمعت ، اللهم إلا أن يريد ما عدا القطن والكتان من الثوب في معقده.

ول‌ خبر ياسر الخادم (٣) قال : « مر بي أبو الحسن عليه‌السلام وأنا أصلي على الطبري وقد ألقيت عليه شيئا أسجد عليه فقال لي : ما لك لا تسجد عليه؟ أليس هو من نبات الأرض » وفيه أنه ـ بعد تسليم السند وعدم احتماله الإلزام ، بل ولا التقية للاستفهام فيه المنافي لمذهبهم ـ محتمل لغير ما نحن فيه ، بل في كشف اللثام أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٥.

٤٢٤

المقنع صريح في كون الطبري مما لا يلبس ، وعن مولانا التقي ومولانا مراد أن الطبري هو الحصير الذي يصنعه أهل طبرستان.

و‌خبر داود الصرمي (١) « سألت أبا الحسن الثالث عليه‌السلام هل يجوز السجود على الكتان والقطن من غير تقية؟ فقال : جائز » وفيه ـ بعد الإغضاء عن حال داود في السند ، واحتمال إرادة غير سجود الصلاة من السجود فيه ، والجواز لضرورة غير التقية ، وإرادة شجر القطن وخشب الكتان أو قبل اليبس أو قبل الغزل أو قبل النسج بناء على جواز السجود عليهما في هذه الأحوال ، وغير الجبهة من المساجد ، وما في كشف اللثام من احتمال تعلق « من غير » فيه بالسؤال ، وغير ذلك ـ انه محتمل للتقية أيضا ، إذ لا يلزم الإمام إلا الجواب ، بما فيه مصلحة السائل وغيره من الشيعة من التقية أو غيرها وإن ألح عليه في سؤال الحكم من غير تقية ثم تعلم حينئذ بالمعارض الراجح والموافقة والتصريح بها في حديث آخر ، وغير ذلك.

و‌خبر الحسين بن علي بن كيسان الصنعاني (٢) « كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام أسأله عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة فكتب إلى ذلك جائز » وفيه أكثر ما مر ، وعن الشيخ احتمال إرادة ضرورة المهلكة ، ولو أغضي عن ذلك كله فمن الواضح عدم صلاحية هذه النصوص لمعارضة ما عرفت حتى نصوص استثناء الملبوس من النبات التي هي كالصريحة في إرادة القطن والكتان ، لعدم اعتياد ملبوسية غيرهما منه ، فمن الغريب ما عن المصنف في المعتبر من الميل إلى الجواز على الكراهة للجمع بين النصوص مرجحا له على الجمع بينها بالتقية بأن في سؤال بعضها اشتراط عدمها ، وتبعه الكاشاني ، وفيه ما عرفت.

ولا فرق على الظاهر بين المنسوج من غزلهما وعدمه كما صرح به غير واحد ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٧.

٤٢٥

بل هو من معقد شهرة المدارك للإطلاق نصا وفتوى ، ولأن الصدق عليه قبل النسج أتم منه بعده ، وللتصريح به في المرسل (١) الآتي ، فما في كشف اللثام عن التذكرة والنهاية ـ من الاستشكال فيه من أنه عين الملبوس ، والزيادة في الصفة ، ومن أنه حينئذ غير ملبوس ـ ضعيف جدا ، مع أن المحكي عن النهاية أنه قرب المنع فيها بلا إشكال ، قال في الكشف : « وقرب في النهاية الإحكام جواز السجود عليهما قبل الغزل ، وفي التذكرة عدمه » قلت : الذي وجدته في التذكرة « الكتان قبل غزله ونسجه الأقرب عدم جواز السجود عليه ، وعلى الغزل على إشكال ينشأ من أنه عين الملبوس ، والزيادة في الصفة ، ومن كونه حينئذ غير ملبوس ، أما الخرق الصغيرة فإنه لا يجوز السجود عليها وإن صغرت جدا ».

وعلى كل حال فقد عرفت أن المتجه المنع مطلقا ، ومرسل الحسن بن علي بن شعبة في المحكي عن‌ تحف العقول (٢) عن الصادق عليه‌السلام « كل شي‌ء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود إلا ما كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولا ، فإذا صار غزلا فلا تجوز الصلاة عليه ، إلا في حال الضرورة » غير صالح للخروج به عن الإطلاق المزبور ، بل قد يقوى في النظر بمعونة ما سمعته في المأكول المنع من السجود عليهما قبل وصولهما إلى استعداد الغزل لإرادة الملبوس قوة ولو احتاج إلى إبقاء أو علاج أو نحو ذلك ، فتأمل جيدا.

وكذا لا يجوز السجود على الوحل الذي لا تتمكن منه الجبهة التمكن الواجب اختيارا بلا خلاف أجده ، أما ما لم يكن كذلك من الوحل فلا إشكال في السجود عليه ، لأنه من الأرض ، وما فيه من الأجزاء المائية مع أنها لا تمنع من مباشرة الجبهة للأجزاء الأرضية منه قد استهلكت فيه ، نعم إذا سجد عليه فرفع رأسه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ١١.

٤٢٦

وكانت جبهته قد تلطخت منه وجب إزالته للسجود الثاني ، لعدم صدق الامتثال بالوضع الثاني مع عدمه ، لحصول الحجب عن غير المتلطخ به ، وعدم صدق تعدد الوضع عليه بالنسبة اليه ، ولا يجري مثله في الوضع الأول الذي يصدق فيه السجود على الأرض وإن كان قد حصل التلطخ بذلك الوضع ، ومثله السجود على التراب وغيره مع نداوة الجبهة بحيث يحصل اللصوق بها بالوضع ، وتمام البحث في ذلك عند تعرض المصنف لعدم السجود على كور العمامة في باب السجود.

وعلى كل حال فقد عرفت انه لا خلاف في عدم جواز السجود على الوحل الذي لا تتمكن معه الجبهة اختيارا ، لفوات ما دلت عليه النصوص (١) والفتاوى مما يعتبر في السجود ، وموثق عمار (٢) « سألته عن حد الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ قال : إذا عرفت الجبهة ولم تثبت على الأرض » وفي‌ مرسلي النوفلي (٣) وابن أبي عمير (٤) « عشرة مواضع لا يصلى فيها : الطين » إلى آخره وفي‌ موثق عمار (٥) الآخر سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يصيبه المطر وهو في موضع لا يقدر أن يسجد فيه من الطين ولا يجد موضعا جافا قال : يفتح الصلاة ، فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلى ، فإذا رفع رأسه من الركوع فليؤم بالسجود إيماء وهو قائم ، يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة ، ويتشهد وهو قائم ويسلم » قال في الوسائل : وقد رواه‌ محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن أحمد عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام كذلك (٦) مع زيادة « وسألته عن الرجل يصلي على الثلج قال : لا ، فان لم يقدر على الأرض بسط ثوبه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يسجد عليه.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ٥.

٤٢٧

وصلى عليه » فالرواية حينئذ صحيحة ، مع أنها بالسند الأول من الموثق الذي هو حجة عندنا أيضا.

ولعله لهما قال المصنف كالفاضل في القواعد والشهيد في الدروس والمحقق الثاني في حاشية الإرشاد وابن فهد في الموجز فان اضطر أومأ للسجود ، مضافا إلى معلومية بدليته عنه في كل مقام يتعذر فيه ، وإلى‌ خبر أبي بصير (١) قال : « قال الصادق عليه‌السلام : من كان في مكان لا يقدر على الأرض فليوم إيماء » وموثق عمار (٢) سأله أيضا « عن الرجل يومي في المكتوبة والنوافل إذا لم يجد ما يسجد عليه ولم يكن له موضع يسجد فيه فقال : إذا كان هكذا فليوم في الصلاة كلها » بل وإلى غير ذلك مما ورد في خائض الماء (٣) ونحوه ، لكن في جامع المقاصد وفوائد الشرائع والمسالك والمدارك وكشف اللثام لا بد من الانحناء إلى أن تصل الجبهة إلى الوحل ، لعدم سقوط الميسور بالمعسور الذي لا يخرج عنه بالخبر المزبور مع ضعفه ، وكأنه اجتهاد في مقابلة النص الذي قد عرفت حجيته عندنا ، على أنه معتضد بما سمعته من السرائر وغيره ، وبمعلومية عدم تكليف الشارع له بالتلطيخ المزبور ، كما أومأ إليه في المحكي عن نهاية الأحكام بقوله : إن أمن من التلطيخ فالوجه عدم وجوب إلصاق الجبهة به إذا لم يتمكن من الاعتماد عليه ، بل الظاهر عدم وجوب الجلوس عليه للخبرين المزبورين ، وللتلطخ المذكور ، ولا طلاق الإيماء ، واحتمال كون الجلوس للسجود من المقدمات التي تسقط بسقوط ذيها كالانحناء الذي ذكره الجماعة ، واحتمال تنزيل الإيماء في الخبرين وغيرهما عليه وإن بعد كما ترى ، خصوصا مع عدم الداعي اليه ، وخصوصا مع ظاهر فتوى من عرفت به ، بل ربما كان هو مراد المفيد كما يظهر من الذكرى في المحكي عن مقنعته من أن ركوع الغريق والمتوحل أخفض من سجوده ، بل والصدوق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

٤٢٨

حيث قال : وفي الماء والطين تكون الصلاة بالإيماء ، والركوع أخفض من السجود ، وإلا فحيث يكونان معا بالإيماء لا ريب في اعتبار أخفضية إيماء السجود من إيماء الركوع كما هو المستفاد من النصوص (١) والفتاوى في غير المقام مؤيدا بالاعتبار.

ولعله لذا حكم به في المحكي عن النهاية والمبسوط والوسيلة والسرائر وجامع الشرائع في المتوحل والسابح ، والمراسم في الأول ، فيجمع حينئذ بين كلام الجميع بإرادة من كان متمكنا من الركوع في الماء والطين ، بخلاف السجود فان ركوعه حينئذ أخفض ، أما إذا كان فرضه الإيماء إليهما فلا ريب في اعتبار أخفضية إيماء السجود ، وقال في الدروس : « والمطر والوحل يجوزان الإيماء ، ولو سجد فيهما جاز إذا تمكنت الجبهة ».

وكيف كان فالأقوى في النظر الإيماء في المقام ، وعدم وجوب الجلوس عليه حتى للتشهد ، بل يمكن كونه عزيمة لا رخصة كما هو ظاهر الخبرين لو لا ظهور اتفاق من تعرض له على إطلاق الإيماء من غير تقييد بالقيام ، ولعله لظهور إرادة الرخصة من الأمر في الخبرين ، لوقوعه في مقام توهم الحظر ، بل في الذكرى وغيرها تنزيل ذلك على تعذر الجلوس ، وفيه أنه لا دليل عليه ، ولعل مجرد الوحلية كاف في عدم الوجوب ، لما فيه من التلطخ ، وقد يؤيده‌ المرسل (٢) « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى في يوم مطر ووحل في المحمل » وفي الذكرى انه رواه جميل بن دراج عن الصادق عليه‌السلام ولعله أراد الصحيح المزبور ثم قال : وفي رواية أخرى (٣) عنه عليه‌السلام « صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على راحلته الفريضة في يوم مطر » وقيده في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ١٤ و ١٥ والباب ١ من أبواب القيام ـ الحديث ١٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ٨.

٤٢٩

مكاتبة أبي الحسن عليه‌السلام (١) بالضرورة الشديدة ، كل ذلك مضافا إلى نفي الحرج ومعلومية السهولة والخفة في هذه الملة وغير ذلك ، والله أعلم.

ويجوز السجود على القرطاس بلا خلاف أجده فيه في الجملة كما اعترف به غير واحد ، بل اتفاق الأصحاب محكي عليه صريحا في جامع المقاصد والمسالك والروضة والمفاتيح ، فضلا عن الظاهر في التذكرة والمدارك وكشف اللثام إن لم يكن محصلا ، وقال صفوان الجمال في الصحيح (٢) : « رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام في المحمل يسجد على القرطاس ، وأكثر ذلك يومي إيماء » بل عن محاسن البرقي عن علي بن الحكم عمن ذكره مثل ذلك أيضا ، وقال ابن مهزيار (٣) في الصحيح أيضا : « سأل داود بن فرقد أبا الحسن عليه‌السلام عن القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب يجوز » وقال جميل بن دراج (٤) في الصحيح أيضا : « كره أبو عبد الله عليه‌السلام أن يسجد على قرطاس عليه كتابة » والنصوص والفتاوى مطلقة لا تقييد في شي‌ء منها بالمتخذ من النبات كما في نهاية الأحكام والقواعد والتذكرة واللمعة والبيان وحاشية النافع على ما حكي عن بعضها ، ولا بما إذا كان من جنس ما يسجد عليه كما عن حاشية الإرشاد والجعفرية وإرشادها والغرية ، بل في كشف اللثام انما يجوز إذا اتخذ من النبات وإن أطلق الخبر والأصحاب ، لما عرفت من النص والإجماع على أنه لا يجوز إلا على الأرض أو نباتها ، ولا يصلح هذا الإطلاق لتخصيص القرطاس ، بل الظاهر ان الإطلاق مبني على ظهور الأمر ، وإن كان ستعرف ما فيه ، بل في جامع المقاصد ـ بعد أن قال : إن إطلاق النبات في عبارة القواعد يقتضي جواز السجود على القطن والكتان ، كإطلاق الأخبار ـ أجاب بأن المطلق يحمل على المقيد ، وإلا لجاز السجود‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٣.

٤٣٠

على المتخذ من الإبريسم ، مع أن الظاهر عدم جوازه ، بل قطع في أول كلامه بعدمه ، كما عن نهاية الأحكام وغيرها الحكم بعدمه أيضا ، وظاهره كصريح الدروس المنع من المتخذ من القطن والكتان.

والجميع كما ترى تقييد للنص المعتضد بإطلاق الأصحاب من غير دليل ، كما في الروضة والمدارك والمحكي عن الذخيرة والبحار ، ودعوى أنه النص والإجماع على انحصار الجواز في الأرض وما أنبتت يدفعها أنه ـ بناء على أن القرطاس حقيقة أخرى ، وأنه استحال بالنورة ونحوها إلى حقيقة غير المتخذ منه وإن كان نباتا ، كما أنه يؤيده عدم صدق كونه من النبات عرفا على معنى البعضية لا على إرادة الاتخاذ منه ـ لا محيص عن تخصيص ذلك العام بنصوص القرطاس الصحيحة المعتضدة بما سمعت ، ضرورة كونه على هذا التقدير من العام والخاص المطلقين ، وبناء على أنه تابع للمتخذ منه إن حريرا فحرير وإن نباتا فنبات فهو وإن كان التعارض على هذا التقدير بين الدليلين بالعموم من وجه لكن قد يرجح ما نحن فيه بقوة ظهور إطلاق الفتاوى بقرينة ذكره مستقلا عن ذكر النبات في إرادة الأعم ، بل لعل النصوص كذلك أيضا ، ضرورة أنه لو كان مبنى السجود عليه فيها من حيث النباتية لا القرطاسية لوجب حمله فيها على المتخذ من الخشب ونحوه مما هو نادر بالنسبة إلى المتخذ من القطن والكتان الذي هو الغالب والمتعارف ، لما سمعته سابقا من عدم جواز السجود عليهما في سائر الأحوال من الغزل وعدمه والنسج وعدمه ، بل الظاهر تعارف اتخاذه من الملبوس منهما ، ودعوى أنه قد خرج بالقرطاسية عن صدق الملبوسية عليهما ليس بأولى من دعوى خروجه بها عن صدق النباتية التي ليس في شي‌ء من النصوص إشارة إليها ، على أنك قد عرفت عدم كون مدار المنع فيهما على الملبوسية فعلا.

ولعله لذا جزم في الروضة بخروج جواز السجود عليه عن الأصل بالنص الصحيح‌

٤٣١

والإجماع ، قال : « لأنه مركب من جزءين لا يصح السجود عليهما ، وهما النورة وما مازجها من القطن والكتان » إلى آخره ، فلا ريب حينئذ في أولوية حيثية القرطاسية ، فتعم سائر أفرادها ويحكم بها على ذلك العموم ، وبأنه أقل أفرادا من ذلك العام ، فتكون دلالته عليها أقوى من دلالته على أفراده ، وبأنه على تقدير مراعاة النباتية تنسد ثمرة جواز السجود على القرطاس ، لحصول الشك غالبا في جنس المتخذ منه ، ومعه لا يجوز السجود ، لأن الشك في الشرط شك في المشروط ، ودعوى غلبة اتخاذه مما يجوز السجود عليه ممنوعة ، كالاكتفاء بها مع عدم حصول العلم المعتبر منها ، بل وكذا دعوى جوازه على القرطاس إلا أن يعلم أنه مما لا يجوز السجود عليه ، لإطلاق النصوص ، ضرورة أنه بعد تنزيل نصوصه على إرادة النبات وأنه لا زيادة فيها على نصوصه لا يتجه العمل بإطلاق القرطاس ، بل الشك فيه كالشك في باقي ما يسجد عليه الذي لا ريب في اعتبار إحراز كونه منه ، لظهور النصوص في الشرطية ، وبغير ذلك مما لا يخفى ، كل ذلك مضافا إلى ما في الروضة وغيرها « من أنه لا فائدة في التقييد المزبور ، لأنه لا يزيله عن حكم مخالفة الأصل ، فإن أجزاء النورة المنبثة فيه بحيث لا يتميز من جوهر الخليط جزء يتم عليه السجود كافية في المنع ، فلا يفيده ما يخالطها من الأجزاء التي يصح السجود عليها منفردة » إلى آخره. وإن كان فيه ما فيه كما ستعرف.

لكن على كل تقدير لا ريب في قوة الجواز عليه مطلقا حتى المتخذ من الحرير منه ، فضلا عن غيره ، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في قوله :

والاذن في القرطاس عم ما صنع

من الحرير والنبات الممتنع

وعلى كل حال فلا ينبغي التأمل في الجواز عليه في الجملة بعد ما عرفت من النص والإجماع ، بل في منظومة الطباطبائي أنه لا التباس فيه في المذهب ، وفي المفاتيح يجوز‌

٤٣٢

قولا واحدا وإن تركب مما لا يصح عليه ، مضافا إلى ما سمعته من الإجماعات السابقة ، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه ، وما كنا لنؤثر أن يقع بعد ذلك في نفس الشهيد منه شي‌ء من حيث اشتماله على النورة المستحيلة ، قال : إلا أن يقال : الغالب جوهر القرطاس ، أو يقال : جمود النورة يرد إليها اسم الأرض ، وهو لو تم لكان مؤيدا لما ذكرناه أولا من أن جواز السجود على القرطاس من حيث القرطاسية لا من حيث النباتية حتى يندرج في نصوصها ، لا أنه يرفع اليد عن النص والإجماع من هذه الجهة ، لكنه غير تام أولا لما في كشف اللثام وغيره من أن المعروف في عمله جعل النورة أولا في مادة القرطاس ثم يغسل حتى لا يبقى فيها شي‌ء منها ، فليست حينئذ جزءه ، ويؤيده أنه لم يتأمل أحد من الأصحاب في جواز السجود من هذه الجهة ، وفي مفتاح الكرامة أتي لأعجب من الشهيدين والمحقق الثاني كيف تأملوا فيه منها والصانعون له من المسلمين والنصارى قريبون منهم وبين أظهرهم ، ولا يسألونهم عن كيفية عمله. وثانيا لما عرفت من قوة جواز السجود على النورة بعد الحرق فضلا عن أرضها. وثالثا لما ذكره في استثنائه وإن كان واضح الضعف ، بل هو قد استبعد ثانيهما بعد ذلك ، قال : « الأكثر اتخاذ القرطاس من القنب ، فلو اتخذ من الإبريسم فالظاهر المنع ، إلا أن يقال ما اشتمل عليه من أخلاط النورة مجوز له ، وفيه بعد ، لاستحالتها عن اسم الأرض ، ولو اتخذ من القطن والكتان أمكن بناؤه على جواز السجود عليهما ، وقد سلف ، وأمكن أن المانع اللبس حملا للقطن والكتان المطلقين على المقيد ، فحينئذ يجوز السجود على القرطاس وإن كان منهما ، لعدم اعتياد لبسه ، وعليه يخرج جواز السجود على ما لم يصلح للبس من القطن والكتان ».

قلت : لا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا وإن تبعه عليه في كشف اللثام ، فقال : « إن اتخذ القرطاس مما لا يلبس ولا يؤكل من النبات فالجواز ظاهر ، وإن اتخذ‌

٤٣٣

من نحو القطن والكتان فان جاز السجود عليهما قبل الغزل لكونهما لا يلبسان حينئذ فالأمر ظاهر ، وإلا أمكن أن يقال : إنهما خرجا في القرطاس عن صلاحية اللبس بتأثير النورة فيهما ، فهما غير ملبوسين فعلا وقوة » بلا أشكله في جامع المقاصد والروضة بأن تجويزه القنب مناف لما ذكره سابقا من أنه ملبوس في بعض البلاد ، وأن ذلك يوجب عموم التحريم ، بل لا يخفى ظهور ما سمعت من كلامه في شدة اضطراب الأمر عليه ، وأنه غير محرر للمسألة ، كما أنه لا يخفى ما في كلام جملة من الأساطين بعد ما سمعته من التحقيق ، والله أعلم.

وكيف كان فلا خلاف أجده في أنه يكره السجود عليه إذا كان فيه كتابة لصحيح جميل السابق (١) المجمع على إرادة المعنى المصطلح من الكراهة فيه كما في الرياض ، وهو مطلق كالنافع والقواعد والتحرير واللمعة والبيان والروضة والمدارك والمفاتيح والمنظومة وغيرها والمحكي عن التهذيب والاستبصار والمهذب والجامع ونهايتي الشيخ والفاضل ، لكن عن المبسوط والوسيلة والسرائر « إنما يكره لمن أبصره وأحسن القراءة » ونحوه ما في الدروس ، واقتصر الكركي وثاني الشهيدين على التقييد بالمبصر ، وفي التذكرة « في زوال الكراهة عن الأعمى وشبهه إشكال ينشأ من الإطلاق من غير ذكر علة ، ولو سلمت لكن الاعتبار بالضابط وإن خلاف عن الحكمة نادرا » وعن نهاية الأحكام « الأقرب الجواز في الأعمى : أي عدم الكراهة » والجميع كما ترى مناف للإطلاق المزبور المعتضد بقاعدة التسامح ، نعم في البيان قد يتأكد الكراهة بذلك ، ولعله للشغل ، ولما سمعته سابقا في المصحف المفتوح ، لكن لا يخفى أن الكلام هنا من حيث السجود لا من حيث كونه بين يديه ، فتأمل.

نعم لا بأس بتقييد النص والفتوى بما إذا كان الواجب من محل الجبهة خاليا عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٣.

٤٣٤

الكتابة ، وإلا كان غير جائز إذا كانت الكتابة جرما مما لا يصح السجود عليه حائلا بين الجبهة وبين القرطاس ، لما دل في محله على وجوب مباشرتها لم يسجد عليه مما لا يصلح هذا الإطلاق المحتمل أو الظاهر في إرادة غير ذلك منه لتقييده أو تخصيصه ، خصوصا مع كون التعارض بينهما من وجه ، أما إذا كانت صبغا أو مما يصح السجود عليها فلا بأس ، لمعلومية عدم اعتبار الصبغ ، وقاعدة عدم حلول العرض بغير حامله إما غير مسلمة ، لما نشاهده بالوجدان من اكتساب حلول الروائح الطيبة والمنتنة بالمجاورة ونحوها على وجه يقطع بعدم انتقال أجزاء ، وإما غير معتبرة شرعا ، ولذا كان لا عبرة بلون النجاسة ورائحتها ، وجاز التيمم والوضوء باليد المخضوبة ونحوها من الأصباغ كما هو واضح.

فما عساه يظهر من الذكرى من المنع منه في هذا الحال لا ريب في ضعفه ، قال : « ويختص المكتوب : أي في الاشكال بأن أجزاء الحبر مشتملة غالبا على شي‌ء من المعادن ، إلا أن يكون هناك بياض يصدق عليه الاسم ، وربما يخيل أن لون الحبر عرض والسجود في الحقيقة إنما هو على القرطاس ، وليس بشي‌ء ، لأن العرض لا يقوم بغير حامله ، والمداد أجسام محسوسة مشتملة على اللون ، وينسحب البحث في كل مصبوغ من النبات ، وفيه نظر » وهو كما ترى في غاية الضعف بالنسبة إلى المصبوغ ، بل لعل نصوص السجود (١) على المروحة التي تعارف في هذا الزمان صبغ سعفها ، وعلى الخمرة بناء على ما قيل في تفسيرها من أنها سعف مصبوغ بالصفرة تومئ إلى عدمها ، زيادة على المعلوم من المذهب من عدم قدح الأصباغ في شي‌ء من ذلك ، وظاهر الشهيد أنه قد فهم من النص والفتوى السجود على الكتابة من القرطاس المكتوب ، ولذا أشكله بما سمعت ، وهو وإن كان مقتضى الإطلاق إلا أنك قد عرفت إمكان تنزيله على ما ذكرنا كما جزم به ثاني المحققين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ١ و ٢ والباب ١ من أبواب القيام ـ الحديث ٢١.

٤٣٥

والشهيدين والعلامة الطباطبائي وغيرهم.

وعلى كل حال فقد ظهر لك من مجموع ما ذكرنا انحصار ما يسجد عليه اختيارا في ثلاثة : الأرض والنبات والقرطاس ، وأفضلها الأرض بلا خلاف ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر هشام بن الحكم (١) : « السجود على الأرض أفضل ، لأنه أبلغ في التواضع والخضوع لله عز وجل » وسأله أيضا إسحاق بن الفضل (٢) « عن السجود على الحصر والبواري فقال : لا بأس ، وأن يسجد على الأرض أحب إلى فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحب ذلك أن يمكن جبهته من الأرض ، فأنا أحب لك ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبه » بل‌ عنه عليه‌السلام أيضا في المروي عن العلل (٣) مسندا « السجود على الأرض فريضة ، وعلى غير الأرض سنة » الذي أقوى ما يقال فيه أن المراد ثواب الفريضة ، أو لأن الأرض هي المستفاد من إطلاق السجود في الكتاب العزيز ، لما فيها من المبالغة في الخضوع ، ولشيوع أنه وضع الجبهة على الأرض ، ولغير ذلك ، وأما احتمال إرادة الأعم منها ومن النبات من لفظ الأرض فيكون السنة حينئذ تعين شي‌ء خاص للسجود كالخمرة واللوح ونحو هما فهو في غاية الضعف ، وإن قيل إنه قد يشهد له‌ المرسل (٤) « السجود على الأرض فريضة ، وعلى الخمرة سنة » لكن حمل هذا على إرادة التمثيل للنبات فيوافق الخبر الأول حينئذ أولى ، وخبر جابر (٥) المروي عن مجالس ولد الشيخ مسندا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « انه عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها ، وأخذ عودا ليصلي عليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٤ لكن رواه عن إسحاق بن الفضيل.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٤.

٤٣٦

فأخذه فرمى به ، وقال : على الأرض إن استطعت ، وإلا فأوم إيماء » الحديث. الذي حمله في الوسائل على استحباب اختيار الأرض لكن بعد أن احتمل فيه النسخ أو الكراهة في أول الإسلام من أجل الأوثان ، أو صغر العود جدا بحيث لا تتمكن الجبهة منه ، والأمر سهل.

وأفضل الأرض تربة سيد الشهداء عليه‌السلام قطعا وسيرة ، ولذا كان الصادق عليه‌السلام لا يسجد إلا عليها تذللا لله واستكانة كما عن إرشاد الديلمي (١) وعن مصباح الشيخ بسنده إلى معاوية بن عمار (٢) « انه كان لأبي عبد الله عليه‌السلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام فكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه ، ثم قال عليه‌السلام : إن السجود على تربة أبي عبد الله عليه‌السلام يخرق الحجب السبع » وفي‌ مرسل الفقيه (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « السجود على طين قبر الحسين عليه‌السلام ينور إلى الأرضين السبعة » وفي‌ توقيع الحميري (٤) المروي عن الاحتجاج « لما كتب إلى صاحب الزمان عليه‌السلام يسأله عن السجود على لوح طين القبر هل فيه فضل؟ فأجاب يجوز ذلك وفيه الفضل ».

وعلى كل حال فـ ( لا ) يجوز أن يسجد على شي‌ء من بدنه أو غيره مما هو ليس أحدها إجماعا ونصوصا (٥) ( فـ ) أما إذا اضطر بـ ( أن منعه الحر ) مثلا عن السجود على الأرض ولم يتمكن من تبريد شي‌ء منها ولا عنده غيرها من النبات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يسجد عليه الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يسجد عليه الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يسجد عليه الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يسجد عليه الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يسجد عليه.

٤٣٧

والقرطاس سقط عنه ذلك إجماعا أو ضرورة ونصوصا (١) مستفيضة أو متواترة ، ولا يسقط أداء الصلاة عنه بذلك كتعذر غيره من الشرائط عدا الطهورين ، لكن مقتضى الأصل وقاعدة الميسور وغيرها عدم وجوب يدل عليه عن ذلك ، بل يقتصر على ما تمكن منه من باقي ما يعتبر في السجود حتى وضع الجبهة وتمكنها على شي‌ء مما لا يصح السجود عليه من ثوب أو يد أو جلد حيوان طاهر أو غيرها ، تحصيلا للوضع الواجب الذي لم يكن وجوبه مشروطا بحصول ما يصح السجود عليه ، وإنما هو واجب آخر ، بل ستعرف في باب السجود إن شاء الله عدم توقف تحقق السجود على ذلك ، إلا أنه قد ذكر المصنف وغيره بل لا أجد فيه خلافا صريحا بينهم انه يسجد حينئذ على ثوبه ، فان لم يتمكن فعلى كفه : أي ظهره ، كما في الخبر (٢) ليحصل الجمع بين المسجدين.

وعلى كل حال فظاهرهم انه بدل اضطراري يعتبر في الصحة كالاختياري ، ولعله لصحيح القاسم بن الفضيل (٣) قلت للرضا عليه‌السلام : « جعلت فداك الرجل يسجد على كم قميصه من أذى الحر والبرد قال : لا بأس به » وخبر أبي بصير (٤) قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : « إني أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع؟ قال : تسجد على بعض ثوبك ، قلت : ليس علي ثوب يمكن أن أسجد على طرفه ولا ذيله قال عليه‌السلام : اسجد على ظهر كفك ، فإنها إحدى المساجد » وخبره الآخر (٥) المروي عن العلل قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى عريانا في سراويل ولا يجد ما يسجد عليه يخاف أن يسجد على الرمضاء أحرقت وجهه قال : يسجد على ظهر كفه ، فإنها أحد المساجد » وخبره الثالث (٦) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه الحديث ـ ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه الحديث ـ ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه الحديث ـ ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه الحديث ـ ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه الحديث ـ ٨.

٤٣٨

الرجل يصلي في حر شديد يخاف على جبهته الأرض قال : يضع ثوبه تحت جبهته » وخبر عيينة بياع القصب (١) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « أدخل في المسجد في اليوم الشديد الحر فأكره أن أصلي على الحصى فأبسط ثوبي فأسجد عليه قال : نعم ليس به بأس » وخبر أحمد بن عمر (٢) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يسجد على كم قميصه من أذى الحر والبرد أو على ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره مما لا يسجد عليه فقال : لا بأس به » وخبر محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار (٣) قال : « كتب رجل إلى أبي الحسن عليه‌السلام هل يسجد الرجل على الثوب يتقي به وجهه من الحر والبرد ومن الشي‌ء يكره السجود عليه فقال : نعم لا بأس » وصحيح منصور بن حازم (٤) عن غير واحد من أصحابنا قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : « إنا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال : لا ، ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتانا » وخبر علي بن جعفر (٥) المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل يؤذيه حر الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطنا أو كتانا قال : إذا كان مضطرا فليفعل ».

لكن قد يناقش في دلالة ما عدا الأخيرين على البدلية المزبورة ، أما الأول فمع احتماله إرادة وضع شي‌ء مما يسجد عليه من السجود عليه فيه بقرينة إطلاق الثوب ، وترك الاستفصال فيه عن التمكن عما يسجد عليه الذي من النادر فرض تعذره ، بل من المستبعد إمكان وقوفه ووضع يديه دون جبهته التي تحتاج إلى زمان أقصر من الوقوف بمراتب ، بل من المستبعد تعذر تحصيل شي‌ء من النبات ، أو تبريد شي‌ء من الأرض ولو بوضع ماء أو بوضع شي‌ء منها في ثوبه مع انتظاره مدة أو نحو ذلك ليس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٩.

٤٣٩

فيه إلا نفي البأس المحتمل أو الظاهر في إرادة نفيه بعد تعذر الواجب عليه ، لأنه أحد ما يحصل به استقرار الجبهة ووضعها ، لا لأنه بدل تفسد الصلاة بعدمه في هذا الحال كالمسجد الاختياري.

وخبر أبي بصير ـ مع أن في سنده علي بن أبي حمزة البطائني الكذاب المتهم الذي هو وأصحابه أشباه الحمير وأجلس في قبره فضرب بمرزبة من حديد امتلأ منها قبره نارا ، واحتماله لما سمعته أولا في الخبر الأول ـ يمكن كون المراد منه الدلالة على بعض أفراد ما يتوقى بها عن حر الرمضاء ، ويحصل معها استقرار الجبهة ، لا أن المراد وجوب خصوص الثوب على جهة البدلية الاضطرارية ، والتعليل بأحد المساجد يراد منه أنها أحد ما يحصل بها استقرار الجبهة ، فيكون حينئذ ظاهرا فيما ذكرناه لا منافيا. ومثله خبره الآخر والمروي عن العلل بعد الإغضاء عن سنده ، وعن باقي ما يحتمل فيه مما عرفت بل وخبره الثالث ، وكان فهم هذا المعنى من هذه العبارة ونحوها مما يساعد عليه العرف ضرورة ظهوره فيه ، إذ المراد التعليم ووجوب الاستقرار ، وأنه لا ينتقل إلى الإيماء بحرارة الأرض وبرودتها ونحوهما ، فان له طريقا بأن يضع ثوبه ونحوه مما يحصل معه القرار الذي لا يسقط بتعذر الأرض ، هذا إن لم نقل إن المراد منه وضع ما يسجد عليه على ثوبه كما سمعته سابقا ، بل لعله هو الظاهر من خبر عيينة بقرينة أنه كان في البلاد ، ومن المستبعد بل المقطوع بخلافه عدم إمكان تحصيل شي‌ء يسجد عليه فيها من حجر بارد أو نبات ، لا أقل من أن يصلى في موضع ذي ظلال أو على بوريا أو حصير أو نحوهما ، على أن مجرد كراهته لا يصلح عذرا ، فهو إما مراد منه ما ذكرنا ، أو محمول على التقية ، ولا غرابة في السؤال عن ذلك على الأول ، إذ لعله لم يكن متعارفا في ذلك الزمان وضع شي‌ء من الأرض والسجود عليه ، بل قد يدعى أن المنصرف من السجود على الأرض خلافه.

٤٤٠