جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

« لا بأس أن يصلي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه ، لأن الذي يصلي له أقرب إليه من الذي بين يديه » والمروي عن إكمال الدين (١) بسنده إلى أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي فيما ورد عليه من محمد بن عثمان العمري عن صاحب الزمان عليه‌السلام في جواب مسائله « وأما ما سألت عنه من أمر المصلي والنار والصورة والسراج بين يديه ، وان الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران » بل عن‌ الاحتجاج روايته عن الأسدي أيضا مع زيادة « ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان والنيران » إذ لا ريب في ظهوره في الجواز لمن لا يعلم ، وهو الغالب إن لم يكن الجميع ، إذ ليس شرط الجواز كونه من غير هم ، وإلا لم يتم في أحد في هذا الزمان إلا للسادة ، فهو حينئذ عاضد له ، بل يمكن بمعونة الإجماع على عدم هذا التفصيل فيه إرادة تفاوت الكراهة فيه ، فيكون عاضدا للمطلوب على كل حال ، بل قد يؤيده أيضا جمعه مع الحديد وغيره مما هو مكروه عندنا ، ولفظ « لا يصلح » بل ربما كان في قوله عليه‌السلام : « أشر » نوع إيماء باعتبار ظهوره في الشدة والضعف اللذين هما من أوصاف الكراهة وغير ذلك ـ وجب صرف النهي المزبور إلى إرادة الكراهة.

فما عن الكافي من أنها تحرم ، وفي فسادها نظر ، بل عن المراسم الجزم بالفساد لا ريب في ضعفه ، وإن أيده في كشف اللثام وغيره بأن مرفوع الهمداني للجهل والرفع لا يصلح لتنزيل النهي في غيره على الكراهة ، بل حكي عن التهذيب انه خبر شاذ مقطوع ، وما يجري هذا المجرى لا يعدل اليه عن أخبار كثيرة مسندة ، لكن فيه أولا ما عرفت من عدم انحصار المعارض به ، ولا أن العدول به نفسه من غير انجبار ولا اعتضاد ، بل عن الصدوق رحمه‌الله أنها رخصة اقترنت بها علة صدرت عن ثقات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

٣٨١

ثم اتصلت بالمجهولين والانقطاع ، فمن أخذ بها لم يكن مخطأ بعد أن يعلم أن الأصل هو النهي ، وإن الإطلاق هو رخصة ، والرخصة رحمة ، بل ربما استظهر منه صحة الخبر عنده ، ولعله لوجوده في الأصول المعتمدة التي من المعلوم قصد مصنفيها العمل بما يودعونه فيها لا أن مرادهم الجمع كما هو ظاهر قصد بعض من تأخر عنهم ، وعبارته ظاهرة في إرادة الجواز اختيارا من الرخصة لا المتعارف منها عند المصنفين ، وهي الاذن في المحرم للضرورة ، فيكون المراد حينئذ الجواز مع الاضطرار ولو بوضع أحد لها قهرا عليه.

وثانيا أنا لم نقف إلا على الأخبار السابقة ، وليس النهي عن الصلاة إلا في الموثق منها والتوقيع لخصوص من كان من أولاد عبدة النيران ، فما ذكره من الأخبار الكثيرة لم نتحققه ، فلا ريب حينئذ في الكراهة ، وليس في شي‌ء من النصوص هنا ولا الفتاوى ارتفاع الكراهة أو تخفيفها ببعد العشرة أو القلنسوة ونحوها من الحائل ، مع احتمال الثاني منهما هنا بناء على التقريب الذي ذكرنا سابقا ، بل ربما كان في التعليل في خبر الهمداني إيماء إليه ، إذ الظاهر أن المراد منه بقرينة ما وقع (١) للكاظم عليه‌السلام مع أبي حنيفة كما تسمعه إن شاء الله في أخبار السترة التعريض في الرد على العامة بذلك وأنه مع أقربية الله للمصلي من كل شي‌ء ، لأنه أقرب إليه من حبل الوريد تكون الصلاة له.

فلا ريب حينئذ في ظهوره في رفع نسبة صورة الصلاة إلى النار مثلا بوجود ما هو أقرب منها من الحائل (٢) وإن لم يكن ساترا ، بل قد يحتمل الاجتزاء بالعشرة أذرع أيضا بناء على أن المراد بهذا التحديد فيما ورد (٣) فيه الكشف عن أول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١١.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية المسودة وهو الصحيح لأن لفظة « من » بيان للموصول في قوله : « ما هو أقرب ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

٣٨٢

مصاديق البعد التي يصح فيها سلب الصلاة إليها مثلا كما هي عادة الشارع في نحو هذا التحديد في كل ما كان فيه أول المصاديق غير متضح في العرف ولا منقح ، فلا يخص حينئذ ما ورد فيه من القبور والنساء ونحوها ، إلا أن الجزم بشي‌ء من ذلك مع إغفال الأصحاب والنصوص في المقام لا يخلو من إشكال ، فالاحتياط الاقتصار في الحائل والبعد هنا على ما يرتفع به موضوع من صدق كونه بين يديه ونحوه ، والله أعلم.

أو بين يديه تصاوير كما في جملة من العبارات ، بل هو معقد الشهرة في المحكي عن تخليص التلخيص ، بل مذهب الأصحاب في المحكي عن جامع المقاصد ، ولعله كذلك وإن عبر في المحكي عن المقنعة والخلاف بالصورة ، بل هو معقد إجماع الثاني منهما ، والنزهة والجامع ومجمع البرهان والمفاتيح وموضع من البيان بالتماثيل ، بل هو معقد الشهرة في الثالث منها ، والوسيلة والمنتهى ونهاية الأحكام والتحرير والتذكرة صور وتماثيل ، بل هو معقد النسبة إلى علمائنا في الثاني منها ، لكن المراد من الجميع واحد على الظاهر كما أوضحناه في اللباس ، بل في كشف اللثام هنا أن المعروف عند أهل اللغة ترادف التماثيل والتصاوير ، والصورة بمعنى التصاوير ، قلت : فلعل العطف حينئذ للتفسير والبيان كما عن المطرزي التصريح به ، إلا أنه ادعى اختصاص التماثيل بذي الروح بخلاف الصورة ، قال : « التمثال ما تصنعه وتصوره شبها لخلق الله من ذي الروح » وقال : « قوله : عليه‌السلام : لا تدخل الملائكة بيتا فيه تماثيل أو تصاوير كأنه شك من الراوي » وقال : « وأما قولهم تكره التصاوير والتماثيل فالعطف للبيان ، وأما تماثيل الشجر فمجاز إن صح » وإن كان لا يخلو بعض كلامه من النظر ، خصوصا دعواه عموم الصورة ، بل هي أولى من التمثال بدعوى الاختصاص ، كما أن التمثال أولى بدعوى العموم منها ، كما يؤيد ذلك إطلاق الصورة مرادا بها ذات الروح في أخبار كثيرة على وجه إن لم يظهر منه كونها حقيقة في ذلك فلا ريب في ظهوره في أنه المراد‌

٣٨٣

عند الإطلاق ، منها ما ورد (١) في عذاب المصورين ، وأنهم يكلفون بنفخ الروح فيها مع إطلاق التماثيل مرادا بها غير ذي الروح في نحو قوله تعالى (٢) ( يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ ) لما عن أهل البيت عليهم‌السلام (٣) أنها كانت أمثال الشجر ، بل يؤيده أيضا مبدأ الاشتقاق ، فان التمثال جعل المثال ، وهو أعم من كونه لذي الروح وغيره ، والتصوير حكاية الصورة ، وهي حقيقة في ذي الروح ، أو هو أظهر أفرادها.

نعم قد يقال هنا باختصاص الكراهة بذي الروح وإن اختلفت النصوص في التعبير كاختلاف العبارات السابقة ، للأصل ، وكثير مما سمعته في اللباس ، ولأنه به يحصل الشبه بعبادة الأوثان الذين يحكى عنهم عبادة صور ذوات الأرواح ، ول‌ قول جبرائيل في خبر محمد بن مروان (٤) : « إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب ولا تمثال جسد ولا إناء يبال فيه » وغيره من نصوص المقام وإطلاق نفي البأس (٥) عن مثال غيره الشامل الحال الصلاة التي هي أهم الأحوال ، ولغير ذلك مما قدمنا ذكره هناك الذي منه النصوص المتضمنة لعدم البأس إذا كان التمثال بعين واحدة ، قيل : فإنها نص في المطلوب ، منها‌ مرسل ابن أبي عمير (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في التمثال يكون في البساط فتقع عينك عليه وأنت تصلي قال : إن كان بعين واحدة فلا بأس ، وإن كان له عينان فلا » وخبر ليث (٧) انه « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام أيضا عن التماثيل تكون في البساط لها عينان وأنت تصلي فقال : إن كان لها عين واحدة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام المساكن ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٢) سورة السبأ ـ الآية ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام المساكن ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام المساكن ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٦.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٨.

٣٨٤

فلا بأس ، وإن كان لها عينان وأنت تصلي فلا » وفي‌ المرسل (١) عنه عليه‌السلام أيضا « لا بأس بالصلاة وأنت تنظر إلى التصاوير إذا كانت بعين واحدة » ونحوه‌ المرسل الآخر (٢) « لا بأس بالصلاة والتصاوير تنظر إليه إذا كانت بعين واحدة » ولها صرح بعض الأصحاب برفع الكراهة أو تخفيفها بنقص الصورة بذلك ، بل تعدى من العين إلى باقي الأعضاء أيضا ، بل ألحق طمس العين به ، وكأنه لأن المنساق من النصوص والفتاوى الكاملة من الصورة التي هي متعلق الحكم ، وربما تسرى بذلك إلى رفع الحرمة عن عملها مجسمة أو مطلقا.

لكن الجميع كما ترى ، ضرورة عدم سلب اسم الصورة عرفا بذلك ، ودعوى أنه المنساق ممنوعة ، بل إن قلنا به ففي المقام خاصة للنصوص السابقة التي يمكن كون المراد بها وإن بعد خصوصا في بعضها الكناية عن استقبال الصورة وعدمه ، بمعنى إن كانت العينان من المصلي لها أي مشغولة بالنظر إليها من غير انحراف كما يقال عين زيد له فالصلاة مكروهة ، بخلاف ما إذا كانت عين واحدة ، لأنها لا تكون حينئذ إلا عن اليمين أو الشمال ، كما يؤيده وقوع السؤال في بعضها عن النظر المصلي القابل لهذا التفصيل ، وقوله عليه‌السلام في خبر ليث : « وأنت تصلي » على أن الواقع في سؤاله فرض العينين ، بل يؤيده أيضا غلبة نقص العين وغيرها في صورة غير الإنسان المنقوشة على جدار ونحوه ، لعدم التمكن من حكاية الصورة تماما ، بل والإنسان أيضا ، فإنه لا يحكي ما خلفه إذا نقش نقشا ، مع إطلاق النهي عن الصلاة إلى التماثيل مطلقا في الجدران والبسط وغيرها ، وعلى ذلك فلا تكون حينئذ شاهدة لنقص العين فضلا عن غيره ، بل قد يؤيده ظهور‌ صحيح علي بن جعفر (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام في عدم ذهاب مسمى الصورة بقطع الرأس فضلا عن العين ، قال : « سألته عن الدار والحجرة فيها التماثيل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

٣٨٥

أيصلى فيها؟ فقال : لا تصل فيها وفيها شي‌ء يستقبلك إلا أن لا تجد بدا فتقطع رؤوسها وإلا فلا تصل فيها » وإلا لم يعلقه على عدم وجدان بد ، فوجب حينئذ حمل نفي البأس ونحوه مع كسر الرؤوس وتلطيخها في‌ خبره الآخر (١) المروي عن قرب الاسناد وغيره على حال الضرورة أو تخفيف الكراهة ، قال : « سألت أخي موسى بن جعفر عليه‌السلام عن مسجد يكون فيه تصاوير وتماثيل يصلى فيه فقال : تكسر رؤوس التماثيل وتلطخ رؤوس التصاوير وتصلي فيه ولا بأس » وسأله تارة أخرى (٢) « عن البيت فيه صورة سمكة أو طير أو شبههما يعبث به أهل البيت هل تصلح الصلاة فيه؟ فقال : لا حتى يقطع رأسه منه ويفسد ، وإن كان قد صلى فليس عليه إعادة ».

نعم لو غير تغيرا خرج به عن اسم الصورة ذات الروح وكان كهيئة الشجر ونحوه لم يكن به بأس ، لانعدام الموضوع ، واليه أومأ‌ الصادق عليه‌السلام في المروي (٣) عن مكارم الأخلاق قال : « قد أهديت إلى طنفسة من الشام فيها تماثيل طائر فأمرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر » الحديث. بل لعله هو المراد من الإفساد في الخبر المتقدم.

وكيف كان فلا ريب في كراهة استقبال الصورة حملا للنهي في صحيح علي بن جعفر السابق‌ وصحيح ابن مسلم (٤) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلي والتماثيل قدامي وأنا أنظر إليها قال : لا » وعن نسخة « لا بأس اطرح عليها ثوبا ، ولا بأس بها إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك ، وإن كان في القبلة فألق عليها ثوبا وصل » وغيرهما عليها ، للإجماع المحكي المعتضد بظاهره وبالشهرة العظيمة التي لا بأس بدعوى الإجماع معها ، وبالإطلاقات والعمومات ، ومرفوع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام المساكن ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

٣٨٦

الهمداني (١) والتوقيع (٢) المتقدمين وصحيح علي بن جعفر المتقدم آنفا الذي لا داعي إلى حمل عدم الإعادة فيه على الجهل أو النسيان ، وبغير ذلك مما لا يخفى على من له أدنى نظر.

فما عن كافي أبي الصلاح ـ من عدم حلها على البسط والبيوت المصورة ، وان له في فسادها نظرا ، مع أنه ليس خلافا في خصوص استقبال الصورة ، إذ يمكن أن يقول بالجواز فيها إذا لم تكن في بساط أو بيت ـ لا ريب في ضعفه وإن كان ستعرف شهادة بعض النصوص له ، كما أنه لا يخفى عليك شهادة ما دل (٣) من النصوص المستفيضة على نفي البأس عنها إذا لم تكن في القبلة عليه ، مضافا إلى ما ذكرناه سابقا ، فمن الغريب ما عساه يظهر من كشف اللثام من نوع ميل إليه ، فإنه بعد أن حكى الشهرة على الكراهة قال : وأخبار النهي كثيرة ، إلى أن قال : وسمعت كلام الحلبي ، ويؤيده ظواهر الأخبار ، وإنما يعارضها المرفوع المتقدم ، ويؤيد الفساد توجه النهي فيها إلى الصلاة ، ثم حمل صحيح علي بن جعفر المتقدم على الجهل والنسيان ، وأنت خبير بما فيه مما لا يحتاج إلى إطناب.

ثم إن ظاهر النصوص والفتاوى ومعاقد الإجماعات عدم الفرق بين المجسمة من التماثيل وغيرها ، خلافا للمحكي عن سلار ، فخصها بالأول وللأصل ، واحتمال اختصاص النصوص بها ، لأنها المشابهة للأصنام ، واحتمال الاشتقاق من المثول بمعنى القيام ، وورود المرفوع المتقدم المنفي عنه البأس بلفظ الصورة ، وللتعبير بالقطع والكسر في خبري علي ابن جعفر السابقين ، وهما يناسبان التجسيم ظاهرا ، قال في كشف اللثام : ولا ينافي ذلك أخبار البسط والوسائد ، فإنها أيضا مجسمة.

لكن الجميع كما ترى ، إذ الأصل مقطوع بظاهر ما عرفت ، كاندفاع احتمال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي.

٣٨٧

الاختصاص به أيضا ، ولعله للمشابهة المزبورة عم الحكم ، واحتمال الاشتقاق معارض بالأقرب منه ، بل هو الظاهر : أي الاشتقاق من المماثلة ، والمرفوع السابق قد عرفت إرادة بيان الجواز منه لا من حيث عدم التجسيم ، ولفظ القطع والكسر ونحوهما من الألفاظ باعتبار المحكي من ذي الصورة ، على أن مثله لا يرفع به اليد عن مقتضى الأدلة السابقة ، فلا ريب في ضعف القول بالاختصاص وإن احتمل أنه مذهب الصدوق في المقنع أيضا ، قال : « لا تصل وقدامك تماثيل ، ولا في بيت فيه تماثيل ـ ثم قال ـ : ولا بأس أن يصلي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه ، لأن الذي يصلى له أقرب من الذي بين يديه » مع أنه يمكن أن يكون هذا التفصيل منه بناء على ما سمعته من المطرزي من الفرق بين التمثال والصورة ، ويكون حينئذ موافقا للمختار من اختصاص النهي بتمثال لذي الروح ، وأظهر من ذلك كله كما لا يخفى على العارف بطريقة الصدوق ومذاقه أنه ذكر مجموع ما ورد في الخبرين قاصدا به ما قصد بهما ، لأن من عادتهم الفتوى بمضمون النصوص ، وقد عرفت أن الجمع بينهما بالجواز مع الكراهة ، فيكون هو مختار الصدوق رحمه‌الله ، فيختص الخلاف حينئذ بسلار ، وقد عرفت شهادة النصوص بخلافه ، خصوصا نصوص البسط والوسائد ، ومن الغريب ما سمعت عن كشف اللثام من أنها من الصور المجسمة.

هذا كله في الصورة المستقبلة ، أما إذا كانت في باقي الجهات الخمس فقد‌ قال أبو جعفر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (١) المروي عن المحاسن : « لا بأس بالتماثيل أن تكون عن يمينك وعن شمالك وخلفك وتحت رجليك ، فان كانت في القبلة فألق عليها ثوبا إذا صليت » كصحيحه (٢) المتقدم عنه لكن مع زيادة « أو فوق رأسك فيه » وفي‌ صحيحه (٣) الآخر « سألت أحدهما عليهما‌السلام عن التماثيل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٤.

٣٨٨

في البيت فقال : لا بأس إذا كانت عن يمينك وعن شمالك وعن خلفك أو تحت رجليك ، وإن كانت في القبلة فألق عليها ثوبا » وفي‌ صحيحه (١) الثالث عن أبي جعفر عليه‌السلام « لا بأس بأن تصلي على التماثيل إذا جعلتها تحتك » وسأل ليث المرادي (٢) أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الوسائد تكون في البيت فيها التماثيل عن يمين أو عن شمال فقال : لا بأس به ما لم تكن تجاه القبلة ، وإن كان شي‌ء منها بين يديك مما يلي القبلة فغطه وصل ».

ولعله لذا قصر المشهور الكراهة على ما بين اليدين ، لكن أطلق ابن زهرة الكراهة على البسط المصورة ، كالمحكي عن المختلف والبيان وموضع من التلخيص ، بل هو معقد الشهرة في المختلف والتلخيص ، بل معقد الإجماع في الغنية ، بل زاد في المختلف والتلخيص البيت المصور ، وعن الهداية إطلاق كراهة البيت الذي فيه تماثيل نحو ما سمعته عن المقنع ، ومقتضى ذلك ثبوت الكراهة للجهات مطلقا ، وعن المبسوط « لا يصلي وفي قبلته أو يمينه أو شماله صور وتماثيل إلا أن يغطيها ، فان كان تحت رجليه فلا بأس » قيل ونحوه البيان والإصباح.

وقد يشهد لخصوص البسط‌ خبر سعد بن إسماعيل (٣) عن أبيه انه سأل الرضا عليه‌السلام « عن المصلي والبساط يكون عليه التماثيل أيقوم عليه فيصلي أم لا؟ فقال : والله إني لأكره » مضافا إلى ما سمعته من مرسل ابن أبي عمير (٤) وخبر ليث المرادي (٥) بل ربما استشهد له بخبر عبد الله بن يحيى الكندي (٦) عن أبيه المروي عن المحاسن عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث « إن جبرئيل قال : إنا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٦.

٣٨٩

لا ندخل بيتا فيه كلب ولا جنب ولا تمثال يوطأ ».

ولخصوص البيوت إطلاق خبر علي بن جعفر (١) المروي عن قرب الاسناد المتقدم آنفا بناء على عدم الفرق بين المسجد والبيت ، وخبره (٢) الآخر الذي تضمن عدم الإعادة مع الصلاة المتقدم آنفا أيضا ، وخبره (٣) الثالث سأل أخاه عليه‌السلام « عن البيت يكون على بابه ستر فيه تماثيل أيصلى في ذلك البيت؟ قال : لا ، قال : وسألته عن البيوت يكون فيها التماثيل أيصلى فيها؟ قال : لا » مضافا إلى ما‌ ورد (٤) مستفيضا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل انه قال : « إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه تماثيل » وفي بعضها « تمثال » وفي آخر « فيه صورة إنسان ، ولا بيتا فيه تماثيل » وغير ذلك من الاختلاف في المتن زيادة ونقصا بما لا يقدح في المطلوب متمما ذلك بمعلومية كراهة الصلاة في مكان لا تدخله الملائكة لبعده عن الرحمة ، وللتعليل في‌ المرسل (٥) عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا يصلى في دار فيها كلب إلا أن يكون كلب الصيد ، وأغلقت دونه بابا فلا بأس ، فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ، ولا بيتا فيه تماثيل ، ولا بيتا فيه بول مجموع في آنية ».

وللمبسوط إطلاق بعض النصوص ، (٦) السابقة مع صحيح ابن مسلم (٧) المتقدم المتضمن لنفي البأس عن الصلاة على التماثيل إذا جعلها تحته ، ومرسل ابن أبي عمير (٨) المتقدم المتضمن للنهي حيث تقع العين ، وربما احتج له أيضا بصحيح عبد الرحمن بن الحجاج (٩) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الدراهم السود تكون مع الرجل وهو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ١٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب مكان المصلي.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ٧.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ٦.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣.

٣٩٠

يصلي مربوطة أو غير مربوطة فقال : ما أشتهى أن يصلي ومعه هذه الدراهم التي فيها التماثيل ، ثم قال : ما للناس بد من حفظ بضائعهم ، فإن صلى وهي معه فلتكن من خلفه ، ولا يجعل شي‌ء منها بينه وبين القبلة » والمروي (١) عن الخصال عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر الأربعمائة قال : « لا يسجد الرجل على صورة ولا على بساط فيه صورة ويجوز أن تكون الصورة تحت قدميه ، أو يطرح عليها ثوبا يواريها ، ولا يعقد الرجل الدراهم التي فيها صورة في ثوبه وهو يصلي ، ويجوز أن تكون الدراهم في هميان أو في ثوب إذا خاف الضياع ويجعلها في ظهره ».

قلت : قد يقال بتقييد نصوص البساط (٢) ببعض النصوص السابقة المشتملة على التفصيل ، فيكره الصلاة عليه مع كون بعض ما فيه من الصور بين يدي المصلي ، لكن فيه أن التعارض بينها من وجه ، ولعل الترجيح لها عليها بعدم ظهور نصوص التفصيل فيما يشمل البسط ، بل ظاهر الحجر والبيوت خلافه ، خصوصا مع التسامح في أمر الكراهة والإجماع المحكي المعتضد بالشهرة المحكية ، وبغير ذلك ، كالنهي عن الجلوس عليه ونحوه ، اللهم إلا أن يقال برجحانها عليها بسبب اعتضادها بظاهر الفتاوى وبالأصل وبالصحة في السند والكثرة في العدد وبظهور الحكمة في الاستقبال ، بل قد سمعت تصريح بعض النصوص (٣) بنفي البأس عما كان منها تحت ، بل ربما كان فيه إهانة لها ، كما أومأ إليه‌ أبو جعفر عليه‌السلام لما سئل عن الجلوس على بساط ذي تمثال فقال : « أردت أن أهينه ».

وربما انقدح منه وجه جمع بقصد الإهانة وعدمه ، كاحتمال الجمع بخفة الكراهة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١ و ٤ و ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام المساكن ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

٣٩١

فيه ، وبما في‌ خبر أبي بصير (١) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « إنا نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل ونفرشها قال : لا بأس بما يبسط منها ويفترش ويوطأ ، إنما يكره ما نصب على الحائط والتستر » ويقرب منه خبره الآخر (٢) وخبر الكندي (٣) وان رواه في الوسائل كما عرفت ، لكن الذي عثرنا عليه في موضع آخر منها « لا يوطأ » وهو الموافق للاعتبار ، وباحتمال جريان إطلاق النهي عن الصلاة على البسط المصورة مجرى الغالب من استقبال الصور حينئذ ، وكيف كان فالتسامح كان والاحتياط يؤيد الأول ، والأصل يؤيد الثاني ، والأمر سهل.

أما البيوت فقد يقوى في النظر ثبوت الكراهة بمجرد كون الصورة فيها ، للإطلاقات المزبورة التي لا يقبل بعضها التقييد بالتفصيل السابق ، كنصوص عدم الدخول الملائكة ، ضرورة ظهوره في أن وجود الصورة مانع لهم عن دخولها كوجود الكلب وإناء البول ، وقد ثبت بالتعليل السابق وغيره كراهة الصلاة فيما لا تدخله الملائكة ، بل قد يقال : إن نصوص التفصيل لا تعارض ذلك ، ضرورة ظهورها في نفي الكراهة من حيث كون الصورة في إحدى الجهات من غير مدخلية للبيت ونحوه ، بل لو كان في مفازة جرى الحكم أيضا ، والمراد بهذه النصوص ـ الظاهرة في ثبوتها من حيث عدم دخول الملائكة بيتا هي فيه ـ أمر آخر غير كون الصورة في إحدى الجهات ، بل الظاهر ثبوت الحكم بناء على إرادة الدار من البيت وإن صلى في حجرة منها لا صورة فيها ، بل كانت في حجرة أخرى ، ولا تجدي تغطيتها من هذه الحيثية وإن أجدت من حيث‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩٤ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٤ من كتاب التجارة وفي الوسائل « وعلى السرير » بدل « والتستر ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام المساكن ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٦.

٣٩٢

كراهة الاستقبال ، فتأمل فإنه جيد جدا ، نعم ما سمعته عن المبسوط لا تساعده قاعدة الإطلاق والتقييد ، وصحيح عبد الرحمن وخبر الخصال واردان في المحمول كغيرهما لا فيما نحن فيه ، والمحصل منها جميعا خفة الكراهة فيه بالوضع خلف في هميان ونحوه ، هذا.

وليعلم أن ظاهر العبارة وغيرها بل هو ظاهر بعض النصوص دوران الكراهة على كون الصورة بين اليدين سواء كانت في جهة القبلة أو لا ، كما في بعض أحوال الاضطرار في الصلاة ، والتخصيص بجهة القبلة في بعض النصوص جار مجرى الغالب ، واحتمال معارضته بإمكان جريان القدام ونحوه في آخر مجراه يدفعه التسامح في أمر الكراهة وظاهر الفتاوي ، ووجود حكمة الكراهة ، بل هي في غير القبلة أشد مشابهة لعبادة الأصنام.

وليس في الفتاوى ولا النصوص التعرض لدفع الكراهة ببعد العشرة بل ولا بالحائل كالعنزة ونحوها ، ويجري فيه ما سمعته سابقا في المسألة المتقدمة ، نعم لا ريب في زوالها بالحائل الساتر كما يفهم من الأمر بالتغطية ، وفي‌ خبر علي بن جعفر (١) المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه (ع) « هل يصلح له أن يصلي في بيت على بابه ستر خارجه فيها التماثيل ، ودونه مما يلي البيت ستر آخر ليس فيه تماثيل ، هل يصلح له أن يرخي الستر الذي ليس فيه التماثيل حتى يحول بينه وبين الستر الذي فيه تماثيل أو يسد الباب دونه ويصلي؟ قال : نعم لا بأس » والله أعلم ، هذا.

وقد تقدم في بحث القبلة الدليل على أنه كما تكره الفريضة في جوف الكعبة كذلك تكره على سطحها والخلاف في ذلك وفي الكيفية ، فلاحظ وتأمل.

وكذا تكره في مرابط الخيل والبغال والحمير على المشهور بين الأصحاب شهرة العظيمة كادت تكون إجماعا ، بل في الغنية دعواه عليه ، وبه مع الأصل والإطلاقات‌

__________________

(١) قرب الاسناد ص ١١٣ المطبوع بالنجف.

٣٩٣

والعمومات وغيرها يحمل النهي في‌ مضمري سماعة عليها ، قال في أحدهما (١) : « لا تصل في مرابط الخيل والبغال والحمير » وقال في ثانيهما (٢) : « سألته عن الصلاة في أعطان الإبل وفي مرابض البقر والغنم فقال : إن نضحته بالماء وقد كان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها ، فأما مرابض الخيل والبغال فلا » فما عن التقي من الجزم بعدم الحل والتردد في الفساد ضعيف ، مع أنه إن كان نظره إلى الخبرين المزبورين لا ينبغي منه التردد في الفساد ، لتوجه النهي فيهما للصلاة ، وعلى كل حال لا ريب في ضعفه ، نعم لا يبعد شدة الكراهة فيهما كما يومي اليه ظاهر ما في الأخير من عدم الارتفاع أو الخفة بالرش ونحوه ، كما هو مقتضى الأصل ، خلافا لما عن المفاتيح من الجزم بأحدهما ، ولعله للقياس ، على أعطان الإبل ، ولا فرق في ثبوت الكراهة المزبورة بين حضورها وغيبتها ، ضرورة كون المدار على صدق المرابط والمرابض ، وهما لا يتوقفان على ذلك ، أما لو زال الاسم التجه زوالها ، بل عن التحرير والمنتهى والروض التصريح بعدم الفرق بين الوحشية والأهلية ، ولعله للإطلاق الذي يمكن دعوى انصرافه للثانية لو سلم كونه حقيقة فيما يشملهما ، هذا.

وقد ظهر من الخبر السابق أنه لا بأس بمرابض الغنم كما صرح به جماعة ، بل عن المنتهى نسبته إلى أكثر علمائنا ، والمراد على الظاهر من النص والفتوى عدم الكراهة من نفي البأس ، بل لعله مقتضى الأمر في‌ صحيح الحلبي (٣) قال : « سألت الصادق عليه‌السلام عن الصلاة في مرابض الغنم فقال : صل فيها ، ولا تصل في أعطان الإبل إلا أن تخاف » إلى آخره. بل هو مقتضي نفي البأس في‌ صحيح ابن مسلم (٤) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الصلاة في أعطان الإبل فقال : إن تخوفت الضيعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ١.

٣٩٤

على متاعك فاكنسه وانضحه وصل ، ولا بأس بالصلاة في مرابض الغنم » لكن عن المختلف أن المشهور الكراهة ، بل عن الغنية الإجماع على ذلك وعلى الكراهة في مرابط البقر أيضا ، ويؤيده في الثاني ثبوت البأس في مفهوم الخبر السابق ، أما الأول فقد عرفت ظهور النصوص السابقة في عدمه ، إلا أن أمر الكراهة مما يتسامح فيه ، ويكفي الإجماع المحكي في ثبوته وفي تنزيل النصوص على إرادة نفي كراهة أعطان الإبل ونحوها لا مطلق الكراهة ، وعلى كل حال فما عن الحلبي هنا أيضا من الجزم بعدم الحل فيهما : أي البقر والغنم والتردد في الفساد لا يخلو من غرابة خصوصا في الغنم ، والله أعلم.

وأما كراهة الصلاة في بيت فيه مجوسي المصرح بها في جملة من عبارات الأصحاب سواء كان بيته أو غيره وأنه لا بأس باليهودي والنصراني فقد عرفت دليلها ، والبحث فيه سابقا عند البحث عنها في بيوت المجوس ، وانها على تقديرها لا تزول بالرش وإن زالت بالنسبة إلى بيته ، إذ هما حيثيتان مختلفتان لا تلازم بينهما ، فلاحظ وتأمل لتعلم أيضا أن المراد عدم الكراهة من حيث وجود اليهودي والنصراني ، وإلا فقد يقال بها في بيوتهم من حيث كونها مظنة النجاسة وبعيد عنها الرحمة وغير ذلك مما يفهم من النصوص ثبوت الكراهة التي يتسامح بها معه ، والله أعلم.

ويكره أيضا أن يصلي وبين يديه مصحف مفتوح على المشهور نقلا وتحصيلا ، ول‌ خبر عمار (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يصلي وبين يديه مصحف مفتوح في قبلته فقال : لا » المحمول على الكراهة ، للشهرة العظيمة ، وقصوره عن قطع الأصل وتقييد الإطلاقات وتخصيص العمومات ، وللمروي عن‌ قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر (٢) سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل هل يصلح له أن ينظر في نقش خاتمه كأنه يريد قراءته أو في المصحف أو في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

٣٩٥

كتاب في القبلة؟ فقال : ذلك نقص في الصلاة وليس يقطعها » فما عن الحلبي من الجزم بعدم الجواز والتردد في الفساد واضح الضعف ، ولعله للتسامح والخبر المزبور ، قال في البيان : « أو كتاب مفتوح » بل عن المبسوط « أو شي‌ء مكتوب » بل عن الفاضل وثاني المحققين والشهيدين وغيرهم التعدية إلى كل منقوش مع ذلك ، كما أنهم صرحوا بعدم الفرق بين القاري وغيره ، بل نسبه في كشف اللثام إلى ما عدا النزهة ، أما فيها فخصها به ، لأنه الذي يشتغل به عن الصلاة ، ورده بأنه ممنوع كالتعليل ، قلت : وهو كذلك ، لإطلاق الخبرين ، وإن كان قد يقال : إن الاشتغال سبب آخر لنقص الصلاة ، والتعدي المزبور في كلام من عرفت إن كان هو مناطه فلا يخلو من خروج عن البحث ، فالأجود حينئذ الاقتصار على مضمون الخبرين وما ينتقل اليه مما فيهما ، ولعله ليس إلا المكتوب أو هو والمنقوش ، لقوله : « نقش خاتمه » إلا أنه ينبغي الاقتصار فيه على النظر إليه كأنه يقرأه ، فلا كراهة مع العمى والظلمة ونحوهما مما لا نظر معها ، أما فتح المصحف فلا يتقيد كراهيته بشي‌ء من ذلك ، بل وكذا أن ألحق به كل مكتوب ، لإطلاق خبر عمار المزبور ، ولو انتقل من الكتابة فيه إلى مطلق النقش أمكن التعميم أيضا حتى فيه ، لكن ذلك كما ترى مآله إلى التسامح في التسامح ، بل بناء على عدم استلزام النقص في الصلاة الكراهة لاحتمال كونها نقصا مخصوصا لا يصل إلى حد النهي يحسن الاقتصار على نفس المصحف ، كما هو مضمون الخبر الأول ، وتعليله بالمشغولية ليتعدى لا دليل عليه ، والتسامح لا يشرعه ، اللهم إلا أن يدعى أن الظاهر هنا إرادة الكراهة من النقص في الخبر المزبور ولو بمعونة اشتماله على ما نهي عنه في خبر عمار ، وفيه حينئذ شهادة على المسألة الأصولية ، وهي أن الكراهة في العبادات بمعنى نقصان الثواب فيها ، والله أعلم.

أو حائط ينز من بالوعة يبال فيها كما عن جماعة التصريح به ، منهم الشيخ‌

٣٩٦

وابن حمزة والفاضل والشهيدان وغيرهم ، لمرسل البزنطي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « عن المسجد ينز حائط قبلته من بالوعة يبال فيها فقال : إن كان نزه من البالوعة فلا تصل فيه ، وإن كان نزه من غير ذلك فلا بأس » بعد إلغاء خصوص المسجد فيه وإرادة ما كان في قبلة المصلي من الحائط فيه ، وجعل اللازم للعهد في البالوعة ، وكأنه لم يلحظ الأخير في النافع وغيره ، فأطلق البالوعة ، لكن الظاهر إرادة تعميم سائر النجاسات من ذلك ، فيوافق المحكي عن المبسوط والإصباح والجامع والدروس والبيان « بالوعة بول أو قذر » المراد منه سائر النجاسات ، لا خصوص الغائط حتى يوافق ما عن المحقق الثاني والشهيد الثاني وغيرهما « بالوعة بول أو غائط » معللين له بأن الغائط أفحش ، نعم في الروضة « في إلحاق غير الغائط من النجاسات وجه » وفي المحكي عن نهاية الأحكام « في التعدي إلى الماء النجس والخمر وشبههما إشكال » والتذكرة والمسالك وغيرهما « في التعدي إلى الماء النجس تردد » وفي الذكرى وعن التلخيص والبحار « تكره إلى النجاسة الظاهرة » بل عن التلخيص « انه المشهور » وعن المقنعة « تكره إلى شي‌ء من النجاسات » وعن التحرير « تكره إلى بيوت الغائط ».

قلت : الذي عثرت عليه من النصوص مما له مدخلية في المقام مضافا إلى الخبر المزبور‌ قول أبي الحسن الأول عليه‌السلام في خبر محمد بن أبي حمزة (٢) : « إذا ظهر النز من خلف الكنيف وهو في القبلة يستره بشي‌ء » وخبر الفضيل بن يسار (٣) قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : « أقوم في الصلاة فأرى قدامي في القبلة العذرة فقال : تنح عنها ما استطعت » وفي المحكي من‌ البحار نقلا من كتاب الحسين بن عثمان (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١ لكن رواه في الوسائل والتهذيب والكافي عن أبى عبد الله عليه‌السلام.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

٣٩٧

أنه قال : « روي عن أبي الحسن عليه‌السلام إذا ظهر النز إليك من خلف الحائط من كنيف في القبلة سترته بشي‌ء » وهي كما ترى ليس فيها إلى الأمر بالستر ، اللهم إلا أن يراد منه حصول الكراهة مع عدم امتثاله ، ولو لا أن الحكم مما يتسامح فيه لأمكن المناقشة في جملة من ذلك حتى في استفادة الكراهة من الأمر فضلا عن بعض التعدي المذكور ، وإن كان قد يقال هنا بإرادة حصول النقص في الصلاة مع عدم امتثال الأمر المزبور الذي من المعلوم كون المراد منه انه مع امتثاله تكون الصلاة مساوية لغيرها من الصلوات التي ليس في إقامتها ما يحتاج إلى ستر ، فمع عدم امتثال حينئذ تنقص عنها ، وليس إلا الكراهة بناء على لزومها لمطلقه ، وفتأمل جيدا ، وكيف كان فالأمر سهل ما لم يرجع إلى التسامح في التسامح الذي مآله إلى التسامح في الدين وأحكام رب العالمين ، والله أعلم.

وقيل والقائل أبو الصلاح على ما قيل وجماعة ، بل عن المهذب البارع نسبته إلى الأكثر ، بل حكى الشهيد الثاني الشهرة ، بل عن روضة ومجمع البرهان نسبته إلى الأصحاب : إنه يكره الصلاة إلى باب مفتوح لكن قد اعترف جماعة بعدم الدليل عليه حتى أن المصنف لما نسبه إلى الحلبي قال وهو أحد الأعيان فلا بأس باتباعه ، واقتصر بعض من تأخر عنه على نقل ذلك عنه ، نعم في كشف اللثام بعد أن نقله عن معطي كلام الحلبي حيث كره التوجه إلى الطريق تبعا للتذكرة ان دليله استفاضة الأخبار باستحباب الاستتار ممن يمر بين يديه ولو بعنزة أو قصبة أو قلنسوة أو عود أو كومة من تراب ، قال الرضا عليه‌السلام (١) : « أو يخط بين يديه بخط » ويحتمل أن يريد إن لم يجد شيئا ، كما‌ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خبر السكوني (٢) : « إذا صلى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرحل ، فان لم يجد فحجرا ، فان لم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٤.

٣٩٨

يجد فسهما ، فان لم يجد فليخط في الأرض بين يديه » وظاهره أن الحلبي لم يصرح بذلك ، إذ كراهتها إلى الطريق أعم منها إلى الباب من وجه كالعكس من آخر.

وكذا قيل والقائل أيضا جماعة ، منهم أبو الصلاح والديلمي ويحيى بن سعيد والفاضل والشهيد والمحقق الثاني وغيرهم : إنها تكره أيضا إلى إنسان مواجه بل في المسالك والروضة أنه المشهور ، وأنه لا دليل عليه أيضا حتى أن المصنف حكاه عن الحلبي ، وقال هو أحد الأعيان فلا بأس باتباع فتواه ، واقتصر أيضا جماعة ممن تأخر عنه على نقل ذلك عنه ، لكن في كشف اللثام بعد أن حكاه عن المراسم والنزهة وأن في الكافي شدة الكراهة إلى المرأة النائمة قال : ولعله للاشتغال وخصوصا غير المحرم من المرأة إذا كان المصلي رجلا ، وخصوصا إذا نامت : أي اضطجعت أو استلقت أو انبطحت ، وللمشابهة بالسجود له ، ولإرشاد أخبار (١) السترة اليه ، ول‌ خبر علي بن جعفر (٢) الذي في قرب الاسناد للحميري أنه سأل أخاه (ع) « عن الرجل يكون في صلاته هل يصلح له أن تكون امرأته مقبلة بوجهها عليه في القبلة قاعدة أو قائمة؟ قال : يدرأها عنه ، فان لم يفعل لم يقطع ذلك صلاته » وعن عائشة (٣) « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي حذاء وسط السرير وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة يكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فأستقبله فأنسل انسلالا » لكن قال بعد ذلك : وعندنا الأخبار بنفي البأس عن أن تكون المرأة بحذاء المصلي قائمة وجالسة ومضطجعة كثيرة ، وكره ابن حمزة أن تكون بين يديه امرأة جالسة فقط ، والأحسن عندي قول ابن إدريس : « ولا بأس أن يصلي الرجل وفي جهة قبلته إنسان قائم ، ولا فرق بين أن يكون ذكرا أو أنثى ، والأفضل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب مكان المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٢.

(٣) صحيح مسلم ج ٢ ص ٦٠.

٣٩٩

أن يجعل بينه وبينه ما يستر بعض المصلي عن المواجهة » وظاهره عدم الكراهة وإن استحبت السترة ، وكأنه مناف لما ذكره سابقا ، خصوصا في المسألة السابقة التي استدل على الكراهة فيها بأخبار السترة ، على أنه قد يكفي في الكراهة بعد التسامح ما سمعت ، مضافا إلى‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر البرقي (١) : « من تأمل خلق امرأة في الصلاة فلا صلاة له » وإلى ما تقدم سابقا مما دل (٢) على كراهتها إلى الصور التي يمكن أولوية ذي الصورة منها بذلك ، لكن عليه لا ينبغي اختصاص الإنسان حينئذ بالكراهة ، ولعلنا نلتزمه ، خصوصا إذا قلنا باستفادة الكراهة من نصوص السترة ، إذ ستعرف ظهور النصوص في استحبابها من كل ما يمر بين يدي المصلي ، بل في بعضها (٣) التصريح بالحمار والكلب.

وحينئذ يتجه تعميم الكراهة لسائر الحيوانات ، واحتمال اختصاص السترة بالمار يدفعه أولوية الواقف منه بذلك قطعا ، على أن‌ علي بن جعفر قد سأل أخاه عليه‌السلام في المروي (٤) عن قرب الاسناد « عن الرجل هل يصلح له أن يصلي وأمامه حمار واقف؟ قال : يضع بينه وبينه عودا أو قصبة أو شيئا يقيمه بينهما ويصلي ولا بأس ، قلت : وإن لم يفعل وصلى أيعيد صلاته أو ما عليه؟ قال : لا يعيد صلاته وليس عليه شي‌ء » وقد ظهر من ذلك أن القول بالكراهة ليس بذلك البعيد ، ونفي البأس عن محاذاة الامرأة وكونها بحياله إذا لم تكن تصلي في النصوص السابقة يمكن إرادة نفي البأس الحاصل مع صلاتها منه لا نفيه مطلقا ، أو يحمل على ما إذا لم تكن مواجهة له ، بل قد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مكان المصلي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

٤٠٠