جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بالوعة ، والنهي (١) عنها إلى عذرة ، ونصوص (٢) عدم دخول الملائكة بيتا يبال فيه ، أو فيه بول في إناء فلا يصلح للعبادة ، وصحيح زرارة وحديد بن حكيم الأزدي (٣) سألا الصادق عليه‌السلام « عن السطح يصيبه البول ويبال عليه أيصلى في ذلك الموضع فقال : إن كان تصيبه الشمس والريح فكان جافا فلا بأس به إلا أن يكون يتخذ مبالا » مضافا إلى التسامح ، فالتأمل فيها حينئذ في غير محله ، كالمحكي عن المقنعة من التعبير بعدم الجواز ، والنهاية بالنهي ، ضرورة عدم صلاحية ما عرفت لإثبات الحرمة ، ويمكن إرادتهما الكراهة من ذلك ، وقد سمعت كلام الحلبي بناء على إرادته ما يشمل بيوت الغائط من المزابل فيه ، وعلى كل حال فضعفه واضح.

وكذا تكره في مبارك الإبل كما في المحكي عن التلخيص ، ونحوه ما حضرني من نسخة النافع « المنازل » والمشهور في التعبير المعاطن كالنصوص (٤) وكأن المصنف أشار بذلك إلى أن المراد بها المبارك كما عن الفاضل والشهيد وغيرهما التصريح به ، بل في التحرير عن الصحاح وفي جامع المقاصد عن المنتهى أن الفقهاء جعلوا المعاطن هي المبارك التي تأوي إليها الإبل مطلقا ، وعن السرائر ان أهل الشرع لم يخصوا ذلك بمبرك دون مبرك ، قلت : بل أهل اللغة يعرفون من الفقهاء ذلك ، فعن الأزهري انها في كلامهم المبارك ، فما في الروضة تبعا للمشهور عند أهل اللغة من أنها مبارك الإبل عند الشرب ليشرب علا بعد نهل لا يخلو من نظر إن أراد بذلك قصر الكراهة عليه ، مع أنه حكى في كشف اللثام عن العين ـ بعد تفسير العطن بما حول الحوض والبئر من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب مكان المصلي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢ وفي النسخة الأصلية « حكم » والصحيح ما أثبتناه.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب مكان المصلي.

٣٤١

مباركها ـ أنه قال « ويقال : كل مبرك يكون مألفا للإبل فهو عطن بمنزلة الوطن للناس ، وقيل : أعطان الإبل لا تكون إلا على الماء ، فأما مباركها في البرية فهي المأوى والمراح » وظاهره حيث نسب الأخير إلى القيل اختيار الأول ، وعن ابن فارس في المقاييس « العين والطاء والنون أصل صحيح واحد يدل على إقامة وثبات ، ومن ذلك العطن والمعطن ، وهو مبرك الإبل ، ويقال : إن إعطانها أن تحبس عند الماء بعد الورد ، قال لبيد :

عافت الماء فلم تعطنهما

إنما يعطن من يرجو العلل

ويقال : كل منزل يكون مألفا للإبل فالمعطن ذلك الموضع.

ولا تكلفي نفسي ولا تقلعي

حرصا أقيم به في معطن الهون

وقال آخرون : لا تكون أعطان الإبل إلا على الماء ، فأما مباركها بالبرية أو عند الحكي فهي المأوى والمراح ، وهذا البيت الذي ذكرناه في معطن الهون يدل على أن المعطن يكون حيث تحبس الإبل في مباركها أين كانت ، وبيت البيد يدل على القول الآخر ، والأمر قريب » انتهى. قلت : بل يناسب التعميم عدم تعقل الفرق بين المبارك الماء وغيرها ، بل التعليل في المروي عن‌ دعائم الإسلام (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « انه نهى عن الصلاة في أعطان الإبل ، لأنها خلقت من الشياطين » والنبوي (٢) وإن كان عاميا قال : « إذا أدركتكم الصلاة وأنتم في أعطان الإبل فاخرجوا منها وصلوا ، فإنها جن من جن خلقت ، ألا ترونها إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها » شاهد عليه ، مضافا إلى التسامح ، فالمعاطن أو الأعطان أو نحوهما حينئذ في المراسيل الثلاثة‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢ لكن رواه عن غوالي اللئالي.

(٢) كنز العمال ج ٤ ص ٧٤ ـ الرقم ١٤٨٤.

٣٤٢

السابقة وصحيحي الحلبي (١) وابن مسلم (٢) وموثق سماعة (٣) وخبري المعلى (٤) وعلي ابن جعفر (٥) وغيرها ومعقد صريح الإجماع المحكي عن الغنية وظاهر المنتهى إن لم يكن معناها مطلق المبارك فمراد منها ذلك ولو بقرينة ما عرفت ، بل لا فرق بين وجودها فيه وعدمه ، لكن عن المنتهى انه استوجه عدم الكراهة في المواضع التي تبيت فيها الإبل في سيرها أو تناخ لعلفها أو وردها ، ولعله يريد الذي لم يتخذ ، مألفا ، بل كان في السير ونحوه ، وإلا كان واضح المنع ، خصوصا في مناخ الورد الذي هو معنى المعطن أو من أفراده.

وكيف كان فلا ريب في الكراهة كما لا يخفى على من لاحظ نصوص المقام ، وما في بعضها (٦) من نفي الصلاحية ، وآخر (٧) من لفظ الكراهة ، وثالث (٨) من اعتبار الرش والكنس ونظمه في سلك المعلوم كراهته ، وإجماع الأصحاب وغير ذلك ، فما سمعته من الحلبي من القول بالتحريم بل قيل : إنه ظاهر المقنعة واضح الفساد ، مع احتمال إرادة الكراهة مما في المقنعة كالنهي في المحكي عن نهاية الشيخ ، خصوصا بعد تصريحه في موضع آخر منها بالكراهة كما قيل.

ثم إن الظاهر خفة الكراهة بالكنس والرش خصوصا إذا خاف على متاعه التلف لو صلى في غير ذلك ، لكن ينبغي انتظار يبسه كما في موثق سماعة (٩) ويحتمل العدم لإطلاق صحيحي الحلبي (١٠) وإمكان حمل موثق سماعة على اليبس في مرابض الغنم ، والأمر سهل ، والله أعلم.

وكذا تكره في مساكن النمل إجماعا في الغنية ، ونصوصا ، منها المرسلان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٦.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٤.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

٣٤٣

السابقان (١) إذ هي المراد من القرى فيهما كما عن المحيط وفقه اللغة للثعالبي والسامي تفسيرها بالمأوى ، لكن عن القاموس أنها مجمع ترابها ، وفي الصحاح والمحكي عن الأساس والشمس جراثيمها أي مجتمعها أو مجتمع ترابها ، وفي‌ خبر عبد الله بن عطا (٢) عن الباقر عليه‌السلام « هذا وادي النمل لا يصلي فيه » وفي المروي (٣) عن‌ تفسير العياشي « هذه أودية النمال وليس يصلى فيها » مضافا إلى ما عن الصدوق من التعليل بأنها لا تخلو من التأذي بالنمل واشتغاله بذلك ، ولعل منه يمكن أن يتعدى إلى مطلق مساكن باقي الحيوانات مما يتأذى الواقف فيه منها ، والظاهر تحقق الكراهة في مسمى القرية والمسكن والوادي وإن لم يكن فيه نمل ظاهر حال الصلاة ، والله أعلم.

وكذا تكره عند علمائنا في جامع المقاصد والمحكي عن المنتهى في مجرى المياه للمرسلين (٤) وخبر المناهي (٥) وقول أبي الحسن عليه‌السلام في خبر أبي هاشم الجعفري عليه‌السلام (٦) : « لا تصل في بطن واد جماعة » وفي كشف اللثام لا فرق بين أن يكون فيه ماء أولا توقع جريانه عن قريب أولا ، صلى على الأرض أو في سفينة ، بل عن المنتهى وكذا لو صلى على ساباط تحته نهر يجري أو ساقية ، ثم قال : « وهل يشترط جريان الماء؟ عندي فيه توقف ، أقربه عدم الاشتراط » وقال أيضا : « وهل تكره الصلاة على الماء الواقف؟ فيه تردد ، أقربه الكراهية » وعن التحرير نفي البأس عن الصلاة على ساباط يجري تحته نهر أو ساقية ، وقرب الكراهية على الماء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

٣٤٤

الواقف ، وعن نهاية الأحكام أنه إن أمن السيل احتمل بقاء الكراهة اتباعا لظاهر النهي ، قال في المدارك : لم أقف على ما ادعاه من الإطلاق ، قلت : يمكن إرادته ما سمعت من قول أبي الحسن عليه‌السلام ، بل الظاهر أن المراد بمجرى الماء محل جريان الماء وإن لم يكن جاريا فيه فعلا بل ولا متوقعا فيه كما سمعته من الكشف ، فما عن البحار ـ من أن ظاهر الأخبار كراهة الصلاة في المكان الذي يتوقع فيه جريان الماء ، وفي المكان الذي يجري فيه الماء فعلا ـ لا يخلو من تأمل ، وعلى كل حال فليس منه الساباط قطعا ، بل ولا الماء الواقف ، بل قد يتأمل في السفينة ، والله أعلم.

وكذا تكره الصلاة في أرض السبخة بفتح الباء واحدة السباخ ، وهو ما يعلوها كالملح ، وإن وقعت نعتا للأرض كسر الباء فيها ، وربما قرئت في نحو المتن بكسر الباء على إرادة الأرض ذات السباخ من إضافة الموصوف إلى الصفة كمسجد الجامع ، وكيف كان فالمشهور بين الأصحاب ذلك ، بل عن الخلاف والغنية وظاهر المنتهى الإجماع عليه ، للنهي عنه في المرسلين السابقين المحمول عليها بالإجماع السابق ، وفي‌ خبر معمر بن خلاد (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « لا تسجد في السبخة » وسأل علي بن جعفر أخاه عليه‌السلام في المروي عن كتابه (٢) « عن الأرض السبخة أيصلى فيها؟ فقال : لا إلا أن يكون فيها نبت إلا أن يخاف فوت الصلاة » وهي المرادة من المالحة أو مندرجة فيها في‌ خبر عبد الله بن عطا (٣) في حديث « أنه سار مع أبي جعفر عليه‌السلام حتى إذا بلغا موضعا قال له : الصلاة جعلت فداك ، فقال : هذا وادي النمل لا يصلى فيه حتى إذا بلغا موضعا آخر ، قال له : مثل ذلك فقال : هذه أرض مالحة لا يصلى فيها » وكره‌ الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي أو حسنه (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

٣٤٥

الصلاة في السبخة إلا أن يكون مكانا لينا يقع فيه الجبهة مستوية‌ ، وسأله في صحيحه (١) الآخر « عن الصلاة في السبخة فكرهه ، لأن الجبهة لا تقع مستوية عليها ، فقلنا فان كانت أرضا مستوية فقال : لا بأس فيها » وسأله (ع) أبو بصير أيضا في الموثق (٢) « عن الصلاة في السبخة لم تكره؟ قال : لأن الجبهة لا تقع مستوية ، فقلت : إن كان فيها أرض مستوية فقال : لا بأس » ومعلى بن خنيس (٣) « عن السبخة أيصلي الرجل فيها؟ فقال : إنما يكره الصلاة فيها من أجل أنها لا يستمكن الرجل يضع وجهه كما يريد ، قلت : أرأيت إن هو وضع وجهه متمكنا؟ فقال : حسن » وهي المراد من الحرمة في‌ خبر ابن السري (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لم حرم الله الصلاة في السبخة؟ فقال : لأن الجبهة لا تتمكن عليها » أو تبقى على حقيقتها مع إرادة عدم تحقق الواجب من التمكن ، بل لعله محتمل في كل خبر نهي عنها فيه مع ذكر التعليل وبدونه ، بل والمشتمل على لفظ الكراهة مما سمعت ، بل وخبر يحيى بن أبي العلاء (٥) المروي عن أمالي الشيخ قال : « سمعته عليه‌السلام يقول : لما أخرج أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى نهروان وطعنوا في أرض بابل حين دخل وقت العصر فلا يقطعوها حتى غابت الشمس فنزل الناس يمينا وشمالا يصلون إلا الأشتر وحده ، قال : لا أصلي حتى أرى أمير المؤمنين عليه‌السلام قد نزل يصلي ، فلما نزل قال : يا مالك إن هذه أرض سبخة ولا تحل الصلاة فيها ، فمن كان صلى فليعد الصلاة ».

وأما احتمال الحرمة وإن حصل الواجب من التمكن فيها فلا ريب في بطلانه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ٣.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢ وفي المستدرك عن يحيى بن العلاء الرازي.

٣٤٦

للنصوص المزبورة المعتضدة بالإجماع المحكي إن لم يكن محصلا ، وإطلاق الأدلة ، وخصوص‌ موثق سماعة (١) « سألته عن الصلاة في السباخ فقال : لا بأس » والمروي (٢) عن العلل مستندا عن أم المقدام الثقفية عن جويرية بن مسهر قال : « قطعنا مع أمير المؤمنين عليه‌السلام جسر الصلاة في وقت العصر ، فقال : إن هذه أرض معذبة لا ينبغي لنبي ولا وصي نبي أن يصلي فيها ، فمن أراد منكم أن يصلي فليصل » ونحوه عن‌ بصائر الدرجات ، بل عن الفقيه (٣) مرسلا عن جويرية « ان هذه أرض ملعونة عذبت في الدهر ثلاث مرات » قال : « وفي خبر آخر مرتين » مع ورود الأخبار بأن الأرض كانت سبخة ، ولعله لهذا الخبر قال الصدوق في المحكي عن خصاله : « انه لا يصلي في السبخة نبي ولا وصي نبي ، وأما غيرهما فإنه متى دق مكان سجوده حتى تتمكن الجبهة فيه مستوية في سجوده فلا بأس » وإن كان هو ضعيفا لم أجد من وافقه عليه إلا ما يحكى عن المجلسي من الميل اليه ، إلا أنه في غير محله ، لعدم صلاحية الخبر المزبور سندا ودلالة لقطع الإطلاقات ، وأصالة الاشتراك ، خصوصا بعد الاعراض عنه ، على أنه لا ظهور فيه بأن امتناعه عليه‌السلام كان للسبخ ، بل لعله للتعذيب ، بل هو الظاهر منه ، اللهم إلا أن يجعل السبخ علامة التعذيب كما يومي اليه ما عن علل محمد بن علي بن إبراهيم ابن هاشم من أن العلة في السبخة أنها أرض مخسوف بها ، واحتمال إرادة أنه ينخسف وينغمر فيها الجبهة وغيرها من الأعضاء بعيد جدا ، وحينئذ فالظاهر ولو بقرينة خبر يحيى بن أبي العلاء المتقدم ـ إذ الظاهر اتحاد القضية فيهما ـ كون المراد أنه لا ينبغي للنبي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢ هكذا في النسخة الأصلية وفي الوسائل « الفرات » بدل « الصراة ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

٣٤٧

والوصي الصلاة من جهة شدة الكراهة لهما ، أو لأنهما لا يفعلان إلا الراجح لا أن ذلك مختص بهما ، وعن القاموس أن الصراة نهر بالعراق ، وعن بعض النسخ الفرات ، فلعله كان مكان جسر الحلة ، وعن الفقيه والبصائر نهر سوري ، وهو موضع بالعراق.

وعلى كل حال فما عن المقنعة من أنه « لا تجوز الصلاة فيها » والنهاية « لا يصلى » والعلل « باب العلة التي من أجلها لا تجوز الصلاة في السبخة » إن كان المراد منه الكراهة أو الحرمة حيث لا يحصل الواجب من التمكن فمرحبا بالوفاق ، وإلا كان ضعيفا جدا ، ويقوى في النفس بمشاهدة حصول الواجب من التمكن في الغالب من الأرض السبخة أن المراد من التعليل في النصوص السابقة كمال التمكن ، بل قد يستفاد منه حينئذ كراهة تركه مطلقا ولو في غير السبخة ، وحينئذ تزول الكراهة بحصول التمكن ولو بدق الأرض وتسويتها ، ومن هنا قيدها في المفاتيح والمحكي عن المبسوط والوسيلة بما إذا لم يتمكن من السجود عليها ، بل هو مقتضى استدلال غيرهم عليه بعدم حصول التمكن أو كماله ، بل صرح بعضهم أنه إن تمكن فلا بأس ، لكن قد يشكل بإطلاق كثير من الأصحاب ومعاقد الإجماعات وبعض النصوص (١) وما سمعته من التعليل السابق بأنها معذبة ، مع التسامح في الكراهة ، فيحتمل حينئذ إرادة الحكمة من التعليل المزبور ، أو حصول الخفة معه لا زوالها أصلا ، هذا.

وقد يستفاد من التعليل بالتعذيب والخسف كراهة الصلاة في كل أرض عذاب أو خسف بل أو سخط عليها كما عن الحلي والفاضلين والشهيد التصريح ، به وربما يؤيده ما‌ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « انه لما مر بالحجر قال لأصحابه : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٤ و ٦ و ٩.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٢ ص ٤٥١ مع اختلاف يسير.

٣٤٨

قيل : ومن ذلك الصلاة في المواطن الأربعة : البيداء وضجنان وذات الصلاصل ووادي الشقرة ، لأنها من المواضع المغضوب عليها ، وأنها مواضع خسف ، بل قيل : إن ذات الصلاصل اسم الموضع الذي أهلك الله فيه النمرود ، وضجنان واد أهلك الله فيه قوم لوط ، والبيداء هي التي يأتي إليها جيش السفياني قاصدا مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيخسف الله به تلك الأرض وفي‌ خبر ابن المغيرة (١) المروي عن كتاب الخرائج والجرائح « نزل أبو جعفر عليه‌السلام في ضجنان فسمعناه يقول ثلاث مرات : لا غفر الله لك ، فقال له أبي : لمن تقول جعلت فداك؟ قال : مر بي الشامي لعنه الله يجر سلسلته التي في عنقه وقد دلع لسانه يسألني أن أستغفر له ، فقلت له : لا غفر الله لك » وعن عبد الملك القمي (٢) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : بينا أنا وأبي متوجهان إلى مكة من المدينة فتقدم أبي في موضع يقال له ضجنان إذ جاءني رجل في عنقه سلسلة يجرها فأقبل علي فقال : اسقني فسمعه أبي فصاح بي وقال : لا تسقه لا سقاه الله تعالى ، فإذا رجل يتبعه حتى جذب سلسلته وطرحها على وجهه في أسفل درك الجحيم ، فقال أبي : هذا الشامي لعنه الله تعالى » والمراد به على الظاهر معاوية صاحب السلسلة التي ذكرها الله تعالى في سورة الحاقة.

قلت : لكنا في غنية عن ذلك باستفاضة النصوص (٣) في النهي عنها بالخصوص المحمول على الكراهة لقرائن متعددة ، وبما عن الغنية من الإجماع على الكراهة في الأربعة ، والظاهر كما هو صريح بعضهم أنها أماكن مخصوصة ، بل هو مقتضى جميع ما سمعته ، بل لا ينبغي التأمل في البيداء وضجنان منها ، لتصريح النصوص (٤) وغيرها‌

__________________

(١) الخرائج والجرائح ص ١٣٤ وفي الثاني عن أخيه إدريس.

(٢) الخرائج والجرائح ص ١٣٤ وفي الثاني عن أخيه إدريس.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ و ٢٤ ـ من أبواب مكان المصلي.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب مكان المصلي.

٣٤٩

بكونهما مكانين مخصوصين ، بل في‌ خبر ابن أبي نصر (١) منها عن أبي الحسن عليه‌السلام قلت : « وأين حد البيداء؟ فقال : كان جعفر عليه‌السلام إذا بلغ ذات الجيش جد في السير ثم لا يصلي حتى يأتي معرس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قلت : وأين ذات الجيش؟ فقال : دون الحفيرة بثلاثة أميال » بل وذات الصلاصل ، لقول الصادق عليه‌السلام في موثق عمار (٢) : « الصلاة تكره في ثلاثة مواطن من الطريق : البيداء ، وهي ذات الجيش ، وذات الصلاصل وضجنان » والمراد طريق مكة من المدينة ، كما يشهد له‌ المرسل (٣) عن المقنعة قال : « قال عليه‌السلام : تكره الصلاة في طريق مكة في ثلاثة مواضع : أحدها البيداء ، والثاني ذات الصلاصل ، والثالث ضجنان » فيما عن السرائر والمنتهى من تفسير ذات الصلاصل بأنها الأرض لها صوت ودوي ، وعن الشهيد من أنها الطين الحر المخلوط بالرمل ، فصار صلصالا إذا جف أي يصوت إن كان المراد به التعميم لكل أرض كذلك فلا يخلو من إشكال أو منع ، وإن كان المراد به وجه المناسبة أو بيان الأصل فلا بأس به.

أما وادي الشقر بفتح الشين وكسر القاف فعن السرائر أنه موضع مخصوص سواء كان فيه شقائق النعمان أو لم يكن ، قال : وليس كل موضع فيه شقائق النعمان تكره الصلاة فيه ، ثم استند في ذلك إلى كلام ابن الكلبي ، ويؤيده ما‌ عن مجمع البحرين في الحديث (٤) « نهي عن الصلاة في وادي الشقرة » بضم الشين وسكون القاف ، وقيل بفتح الشين وكسر القاف موضع معروف في مكة ، بل يؤيده أيضا تعليل الصادق عليه‌السلام النهي عن الصلاة فيه في موثق عمار (٥) بأن فيه منازل الجن ، اللهم إلا أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢ لكن رواه عن معاوية بن عمار.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

٣٥٠

يكون المراد أنهم ينزلون في كل مكان فيه شقائق النعمان ، وهو المراد من وادي الشقرة كما عن بعض أصحابنا ، ويؤيده التسامح في أمر الكراهة ، وظهور كون السبب مشغولية القلب ، لكن يمكن كونه المكان المخصوص وإن قلنا بعموم الكراهة لذلك ، والأمر سهل.

وكذا تكره الصلاة في أرض الثلج كما ذكره غير واحد للمرسلين السابقين (١) وموثق عمار (٢) وصحيح هشام بن الحكم (٣) المروي عن كتاب محمد ابن علي بن محبوب عن الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يصلي على الثلج قال : لا ، فان لم يقدر على الأرض بسط ثوبه وصلى عليه » وعن‌ مشكاة الأنوار (٤) للطبرسي « ان رجلا أتى أبا جعفر عليه‌السلام فقال له : أصلحك الله إني أتجر إلى هذه الجبال فنأتي أمكنة لا نستطيع أن نصلي إلا على الثلج ، فقال عليه‌السلام : ألا تكون مثل فلان يعني رجلا عنده يرضى بالدرن؟ ولا تطلب التجارة إلى أرض لا تستطيع أن تصلي إلا على الثلج » بل لعله المراد من النهي عن السجود في خبري معمر بن خلاد (٥) وداود الصرمي (٦) عن أبي الحسن عليه‌السلام ، لظهور إرادة الكراهة منه فيهما بقرائن متعددة التي لا تلائم إرادة السجود حقيقة عليه ، لمعلومية عدم جوازه لا كراهته وإن أبيت فالنصوص الأول المعتضدة بفتوى من تعرض له كافية فيه ، ولضعف بعضها سندا ، وظهور الكراهة في جميعها ، بل لم أعثر على قائل بالحرمة هنا ، والإطلاقات وجب حمل النهي فيها على ذلك ، ومن الغريب احتمال بعض متأخري المتأخرين بقاء النهي فيها على حقيقة مع حمل الصلاة على ذات السجود عليه ، فيكون الحرمة حينئذ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣.

٣٥١

متجهة ، لعدم جواز السجود عليه ، ومقتضاه حينئذ بقاء الكراهة بلا دليل ، وفيه أنه لا دليل في الصلاة عليه على السجود عليه ، بل الظاهر صدقها بدونه ، بل التأمل في النصوص يقضي بالقطع بإرادة الصلاة عليه مع السجود على غيره مما يصلح السجود عليه ، بل ظاهر موثق عمار وصحيح هشام السابقين بقاء الكراهة حتى لو فرض عليه فراشا إلا إذا لم يقدر على الأرض.

وكذا تكره الصلاة بين المقابر على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا بل عن الغنية وظاهر المنتهى الإجماع عليه ، جمعا بين ما يقتضي الجواز ـ من الأصل والإطلاقات والإجماع السابق المعتضد بما عرفت وخصوص‌ صحيح علي بن جعفر (١) سأل أخاه موسى عليه‌السلام « عن الصلاة بين القبور هل تصلح؟ فقال : لا بأس » وصحيح علي بن يقطين (٢) « سألت أبا الحسن الماضي عليه‌السلام عن الصلاة بين القبور هل تصلح؟ قال : لا بأس » بل وصحيح ابن خلاد (٣) عن الرضا عليه‌السلام « لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر بقبلة » بناء على ما تسمع في تفسيره ، كصحيح زرارة (٤) المروي عن العلل قال لأبي جعفر عليه‌السلام : « الصلاة بين القبور فقال : بين خللها ، ولا تتخذ شيئا منها قبلة ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن ذلك ، وقال : لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا ، فان الله تعالى لعن الذين اتخذوا ، القبور أنبيائهم مساجد » ـ وبين النهي في المرسلين السابقين (٥) وخبر المناهي (٦) « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصلي الرجل في المقابر والطرق والأرحية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

٣٥٢

والأودية ومرابط الإبل وعلى ظهر الكعبة » وخبر عبيد بن زرارة (١) سمع الصادق عليه‌السلام يقول : « الأرض كلها مسجد إلا بئر غائط أو مقبرة » وخبر النوفلي (٢) « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأرض كلها مسجد إلا الحمام والقبر » وموثق عمار (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يصلي بين القبور ، قال : لا يجوز ذلك إلا أن يجعل بينه وبين القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه وعشرة أذرع من خلفه وعشرة أذرع عن يمينه وعشرة أذرع عن يساره ثم يصلي إن شاء » والشاهد الإجماع السابق المعتضد بما عرفت ، وجمعه في المرسلين وغيرهما مع معلوم الكراهة بلفظ واحد ، وعموم المجاز وإن كان جائزا إلا أنه محتاج إلى قرينة ، وليست ، بل خلافها موجود ، على أن شاهد الجمع يحتاج اليه بعد فرض تكافؤ الأدلة ، ومن المعلوم رجحان أدلة الجواز سندا واعتضادا ودلالة ، فيتعين حمل المنافي حينئذ على الكراهة التي هي بعد التسامح فيها أولى من الطرح ، بل الظاهر انسياقها إلى الذهن بعد فرض رجحان المقابل ، وصيرورته بذلك كالنص على الجواز مع معلومية كون كلامهم (ع) بمنزلة متكلم واحد وأن الخبر الوارد عنهم (ع) بالطريق المعتبر حجة علينا يعامل معاملة المسموع منهم.

ومن ذلك يظهر أن الجمع بينهما بحمل ما دل على الجواز على حصول البعد المزبور للإطلاق والتقييد في غير محله ، لعدم التكافؤ ، مع أنه ينافيه صحيحا زرارة ومعمر بناء على إرادة كونه بين يدي المصلي من الاتخاذ قبلة فيه ، ضرورة اقتضائه منع ذلك فيه وإن حصل البعد المزبور ، ولم يقل به أحد ، نعم ـ بناء على إرادة استقبال أي جزء منه كالكعبة من الاتخاذ كما هو الظاهر المناسب للفظ الاتخاذ الظاهر في القصد القلبي ، ولظاهر كون الشرط مع تحقق موضوع البينية ، لا أن المراد منه استثناء بعض الأفراد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

٣٥٣

منها ، ولا شعار ذيل صحيح زرارة منهما بذلك ، كالمرسل (١) في الفقيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا ، فان الله عز وجل لعن اليهود حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » بل الظاهر إرادة ذلك من الاتخاذ قبلة فيه كالاتخاذ مسجدا ، بل لعل المراد النهي عن البناء عليه معاملين له معاملة الكعبة في استقبال أي جزء منه ، كما أن المراد من اتخاذه مسجدا بناؤه معاملا معاملة المساجد في الصلوات فيه ونحوها ـ يتجه حينئذ تقييد الصحاح الأربعة (٢) بالموثق المزبور (٣) لو كان له مقاومة ، فما عن سلار ـ من فساد الصلاة في المقابر ، بل حكاه الشيخ في الخلاف قولا لبعض الأصحاب لنحو ما سمعت مما ذكرنا حمله على الكراهة ـ في غاية الضعف ، بل يمكن دعوى سبقه بالإجماع في الجملة ولحوقه به.

كما أن ما عن المفيد والحلبي من عدم جواز الصلاة إلى القبور للصحيحين المزبورين (٤) كذلك أيضا ، وإن اختاره في الحدائق مدعيا أنه هو الذي يقتضيه الجمع بين الأخبار بحمل ما دل على الجواز على غير المتخذ قبلة للإطلاق والتقييد ، بل لا معارض أصلا للمقيد منهما ، إذ الموثق مؤكد له ، نعم يراد منه الكراهة بالنسبة إلى غيره جمعا بينه وبين أدلة الجواز من الصحاح الأربعة وغيرها التي لا يمكن تقييدها بما في الموثق من التباعد عشرة أذرع كي يبقى النهي فيه على حاله بعد تقييد المتخذ قبلة به ، وهو مستثنى منها ، فلا محيص عن الجمع بالكراهة حينئذ ، ولا مانع من إرادة القدر المشترك على عموم المجاز من نفي الجواز فيه ، والحرمة والكراهة مشتركان في الرفع بما فيه من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١ و ٣ و ٤ والباب ٢٦ ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣ والباب ٢٦ ـ الحديث ٥.

٣٥٤

التباعد ، إذ فيه ـ مع عدم التكافؤ كما عرفت ، وإرادة الحرمة والكراهة من لفظ « لا يجوز » في الموثق بلا قرينة ، وأن أحد الصحيحين مع كون دلالته بالمفهوم لا يقتضي إلا ثبوت البأس الذي هو أعم من الحرمة ، واحتمالهما معا التقية ، لأنهم رووا نحوها ، وعن أحمد منهم العمل بها ـ أنك قد عرفت كون المراد بالصحيحين الاتخاذ بالكعبة في استقبال أي جزء منه ، لا أقل من تساوي الاحتمالين فيه ، فلا يخرج بمثلهما عن أدلة الجواز المعتضدة بما عرفت.

على أنه قد يشكل باستفاضة النصوص في الصلاة خلف قبور الأئمة عليهم‌السلام ففي‌ خبر عبد الله الحميري (١) المروي في التهذيب « كتبت إلى الفقيه عليه‌السلام أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهم‌السلام هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم عليهم‌السلام أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة ، بل يضع حده الأيمن على القبر ، وأما الصلاة ، فإنها خلفه يجعل الإمام ، ولا يجوز أن يصلي بين يديه ، لأن الإمام لا يتقدم ، ويصلي عن يمينه وشماله » ومثله عن‌ الاحتجاج عن الحميري (٢) عن صاحب الزمان عليه‌السلام إلا أنه قال : « ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره ، لأن الإمام لا يتقدم عليه ولا يساوى » وقال الصادق عليه‌السلام في خبر محمد بن البصري (٣) المروي عن مزار ابن قولويه في حديث زيارة الحسين عليه‌السلام : « من صلى خلفه صلاة واحدة يريد بها الله تعالى لقي الله يوم يلقاه وعليه من النور ما يغشى له كل شي‌ء يراه » وعنه أيضا مسندا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٦.

٣٥٥

إلى هشام بن سالم (١) في حديث طويل أنه قيل للصادق عليه‌السلام : « هل يزار والدك؟ قال : نعم ويصلي عنده ، قال : ويصلى خلفه ولا يتقدم عليه » وعنه أيضا مسندا إلى الحسن بن عطية (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا فرغت من التسليم على الشهداء أتيت قبر أبي عبد الله عليه‌السلام تجعله بين يديك ثم تصلي ما بدا لك » قيل : وهو مروي في الكافي أيضا.

وتقييد الصحيحين بما في هذه النصوص ـ فيستثنى حينئذ قبورهم عليهم‌السلام من الاتخاذ قبلة فيهما كما التزمه في الحدائق ـ فيه أولا أنه لا يقول به المفيد ومن تبعه ، بل ظاهره عدم الفرق بين القبور في منع الصلاة إليها ، لأنه قال بعد إطلاق المنع : وقد قيل : لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام عليه‌السلام والأصل ما ذكرنا ، لكنه قال بعد ذلك بلا فصل : ويصلي الزائر مما يلي رأس الإمام ، فهو أفضل من أن يصلي إلى القبر من غير حائل بينه وبينه على حال ، وظاهره الجواز لكنه مفضول ، بل قد ينقدح من ذلك ـ لمساواته بين الامام وغيره ـ إرادة الكراهة من المنع في كلامه ، بل لعل الحلبي كذلك ، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف ، ويكون المحدث البحراني خارقا للإجماع بغير شي‌ء يعول عليه. وثانيا أنه لا يتم في صحيح زرارة الذي هو أحد الصحيحين المعتمد عليهما في تقييد أدلة الجواز ، بل هو العمدة منهما باعتبار اشتماله على النهي بخلاف الآخر المقتضي لثبوت البأس في المفهوم ، وهو أعم من المنع ، ضرورة اقتضاء التعليل فيه مساواة القبور في منع الاتخاذ قبلة على وجه لا يصح تقييده بالنصوص المزبورة ، وحمله على الكراهة كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) فيما أرسله في الفقيه : « لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا » يقضي بإرادتها من المعلل حينئذ ، ويتم المقصود‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٩ ـ من كتاب المزار ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣.

٣٥٦

حتى في الصحيح الآخر الذي يحمل البأس في مفهومه حينئذ على الكراهة ، واحتمال خروج قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بين قبورهم ـ فيبقى على المنع كغيره من القبور لعلمه بدفن الفاجرين معه ، أو لأن قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي يخشى من اتخاذه قبلة وكون السجود له والشبه بفعل السابقين ـ لا يقوله الخصم بل ولا غيره ، وإن احتمله في المحكي عن البحار ، إلا أنه لا يخفى بعده.

وكيف كان فلا ريب في أن الكراهة هي الأقوى ، لكن في مصداق بين القبور الذي هو موضوع الحكم في النصوص ، أما القبر الواحد والقبر ان فقد ألحقهما جماعة ، بل عن الروض نسبته إلى الأصحاب ، كما عن المنتهى أنه يلوح منه الإجماع ولعل الظاهر إرادة الجميع الصلاة على القبر واليه ، أما الأول فلما في‌ خبر يونس بن ظبيان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يصلى على قبر أو يقعد عليه أو يبني » بل لعله المراد أيضا مما في‌ حديث النوفلي (٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « الأرض كلها مسجد إلا الحمام والقبر » المراد منه استثناء أرض القبر من المسجدية التي هي بمعنى الصلاة عليها ، بل لعله يندرج في قوله عليه‌السلام في مرسلي العشرة (٣) في القبور على إرادة معنى « على » من لفظ « في » والجمع مع الاستغراق شامل للواحد. وأما الثاني فلنصوص الاتخاذ (٤) بناء على تفسيرها بالاستقبال ، أو أن احتماله كاف في الكراهة ، خصوصا مع تأييده بفتوى من عرفت ، وبما يشعر به بعض أسئلة قبور الأئمة عليهم‌السلام من معلومية مرجوحية استقبال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣ والباب ٢٦ الحديث ٣ و ٥.

٣٥٧

غيرها ، وأن غرض السائل كونها هي كذلك أولا ، والأمر بالتنحي ناحية في قبر الحسين عليه‌السلام فضلا عن غيره في‌ خبر أبي اليسع (١) المروي عن مزار ابن قولويه ، قال : « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا أسمع قال : إذا أتيت قبر الحسين عليه‌السلام أجعله قبلة إذا صليت قال : تنح هكذا ناحية » وبغير ذلك. لا ما إذا كان يمينا أو شمالا أو خلف ، للأصل بلا معارض ، واحتمال أن المراد بموثق عمار (٢) عدم كون القبر في جهة من الجهات ، والبينية المذكورة فيه لا يراد منها اشتراط الكراهة بها كما ترى ، وإن كان الحكم مما يتسامح به.

وأما القبران فلا ريب في تحقق البينية بهما حيث يكونان على اليمين والشمال أو أماما وخلفا مثلا ، واحتمال كون المراد بينية قبور بمعنى كون ما على جهة اليمين مثلا أقل جمع والشمال كذلك ينفيه إرادة الاستغراق من الجمع المنسلخ منه معه معنى الجمعية ، ولو لا لفظ البينية لاجتزأنا بالواحد ، لكن معها يجب إرادة مصداقها في أفراد القبر ، ولا ريب في تحققه هنا بالاثنين بعد القطع بعدم إرادة البينية بالنسبة إلى جميع القبور ، كما أن احتمال اعتبار البينية المربعة في الكراهة بقرينة استثناء مقدار العشرة من الجهات الأربعة في الموثق ـ فلا يكفي حينئذ القبور على الجهتين في الكراهة فضلا عن القبرين ـ ينفيه ما في ظاهر عبارات الأصحاب من عدم اعتبار أزيد من صدق البينية ، بل لعله مقطوع به من كلامهم ، فينزل الموثق حينئذ على إرادة بيان التربيع حيث يكون ، ومنه يفهم البينية المثناة ، هذا.

وقد ظهر من ذلك كله حينئذ أن الكراهة في الاستقبال والاستعلاء ومصداق البينية ، وقد تجتمع وقد تفترق ، وربما يقال نظرا إلى حديث المناهي (٣) وخبر عبيد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٩ ـ من كتاب المزار ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

٣٥٨

ابن زرارة (١) بالكراهة في مسمى المقبرة وإن لم يحصل فيها أحد الأمور الثلاثة ، بل لعل عبارة المصنف وما شبهها يراد منها بينية القبور فيها. بل لعل ذلك هو المراد من الموثق ، وعليه حينئذ لا تفترق بينية القبور عن الصلاة في المقبرة بخلاف العكس ، وإن أريد من الموثق بينية القبور وإن لم تكن في مقبرة حصل الافتراق منهما معا.

وعلى كل حال فالكراهة ثابتة في مصداق البينية إلا أن يكون حائل كما في النافع والمحكي عن الجامع والتحرير والإرشاد والتذكرة والكفاية ، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب ، كما عن ظاهر المنتهى الإجماع عليه ، ولعله كذلك في الجملة ، إذ معه يخرج عن مفاهيم ألفاظ النصوص والفتاوى ، وإلا لزمت الكراهة وإن حالت جدران ، نعم ربما استشكل في المحكي عن المقنعة ونهاية الأحكام والتلخيص والبيان واللمعة وإرشاد الجعفرية والروضة من الاكتفاء به ولو عنزة بل عن جامع المقاصد أنه مستفاد من كلام الأصحاب ، بل زاد في الأول كالمحكي عن الروض « قدر لبنة أو ثوب موضوع » وفي الثاني « وما أشبهها » بعدم الدليل ، وقد يدفع بما في كشف اللثام وغيره من أنه عموم نصوص الحيلولة بها ، ولعل المراد أخبار السترة (٢) ونحوها ، وإلا فلم نقف على نص في المقام في الحائل أصلا فضلا عنها ، وكأنه لذا ترك ذكره في المحكي عن المبسوط والمفاتيح واقتصر على العشرة أذرع ، إلا أنك قد عرفت أنه لا ينبغي التوقف فيه في الجملة ، أما المذكورات ونحوها فلعل الوجه فيها ما تسمعه إن شاء الله من أخبار السترة المبنية في الظاهر على أنه بها يخرج عن صدق اسم الصلاة إلى الإنسان مثلا بعد القطع بعدم إرادة المصداق المزبور ولو بعد مصاديق متعددة ، بل المراد أنه هو أول المصاديق ، ومع السترة تكون هي أول المصاديق مثلا ، ونحوه يقرر في المقام ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب مكان المصلي.

٣٥٩

ضرورة عدم إرادة مصداق البينية كيفما كان ولو بعد مصداق بينيات متعددة قبلها ، بل المراد أول مصاديق البينية ، فمع فرض وجود الحائل يكون هو أول المصاديق.

نعم ينبغي أن يعتبر في الحائل كونه مما يلحظ بينيته ويعتد بها عرفا ولو بضميمة قصد الحيلولة به ، فلا عبرة ببعض الأجسام الصغار ، خصوصا إذا كانت من توابع الأرض ولا تلحظ بينيتها ، ومن ذلك يعلم أنه كما ترتفع كراهة البينية بذلك كذلك ترتفع كراهة « إلى » به أيضا ، بل هو أولى بالفهم من نصوص السترة ، ومن هنا حكي عن المقنعة والبيان والدروس والتصريح برفع الكراهة فيه بالحائل ولو عنزة أو لبنة أو ثوب ، وكذا المراسم ، هذا.

وقد ظهر مما ذكرنا أن المتجه في رفع كراهة بين المربعة حائلان : أحدهما في إحدى جهتي الإمام والخلف ، والثاني اليمين والشمال ، أما المثناة فواحد ، لكن حيث يكون الحائل في غير جهة الإمام قد يتجه بقاء الكراهة فيه من حيث الصلاة إليه ، إذا أقصاه حينئذ أنه يكون كالقبر الواحد ، وقد عرفت كراهة الصلاة إليه ، أما كراهة « على » و « في » فلا يجدي الحائل من فراش ونحوه في صدقهما ، فحينئذ لا ريب في بقاء الكراهة ، نعم لو فرض عدم صدقهما بالاستعلاء ونحوه اتجه ارتفاعها كما هو واضح.

أو يكون بينه وبينها عشرة أذرع بلا خلاف أجده فيه ، بل عن المنتهى أنه قد يفهم منه الإجماع عليه ، بل في المدارك قطع به الأصحاب ، قلت : لا ينبغي التوقف فيه بعد ذلك للموثق المزبور (١) الذي لا ريب في ظهوره بل صراحته باعتبار العشر من الجهات الأربع حيث تكون البينية مربعة بحيث لو نقص شي‌ء منها في إحداها لم ترتفع في الجميع لا في خصوص الناقصة ، وليس بعد العشرة بينه وبين القبر في الجهة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ـ ٥.

٣٦٠