جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عرفت ما احتملناه سابقا في نصوص (١) الشبر والذراع ونحوهما من الحائل بهذا المقدار ، فما في المنظومة وعن الشهيد الثاني من اعتبار كونه مانعا عن الرؤية في غير محله ، ومفهوم خبري الستر يجب تقييده بما عرفت ، هذا.

وفي المحكي عن المبسوط قال : « فان صلت خلفه في صف بطلت صلاة من عن يمينها وشمالها ، ومن يحاذيها من خلفها ، ولا تبطل صلاة غيرهم ، وإن صلت بجنب الامام بطلت صلاتها وصلاة الامام ولا تبطل صلاة المأمومين الذين هم وراء الصف الأول » ويحتمل قوله : « من عن يمينها وشمالها » جميع من في صفها ، ورجلين منهم خاصة ، وكذا يحتمل « من يحاذيها » جميع من في الصف الثاني ، ومن يحاذيها حقيقة ، ومن يحاذيها ويراها ، لكن على كل حال قد يشكل بأنه كيف تصح صلاتهم مع بطلان صلاة الامام ، وقد يدفع بأنه يجوز أن يريد صحتها إذا نووا الانفراد ، ولم يعلموا (٢) بصلاتها إلى جنبه ، وبطلان صلاته وعدم العلم بفساد صلاة الإمام كاف في جواز الاقتداء ، نعم صحة صلاة الصف الثاني في هذا الحال مبنية على أن الصف الأول حائل ، فلا يقدح حينئذ تقدمها عليهم ، وإنما يقدح بالنسبة إلى الصف الأول ، لعدم الحائل ، بل قد ينقدح من ذلك تعين الاحتمال الثاني فيما لو صلت في الصف الأول ، لكون من على يمينها وشمالها من الرجلين حائلا بينها وبين الباقين ، كما أنه قد يتعين الاحتمال الأول فيمن خلفها ، بناء على إرادته بطلان صلاة الصف لمكان تقدم المرأة.

ثم من المعلوم أن أصل الفساد فيما ذكره مبني على عدم اختصاص المتأخرة به ، وإلا لم يتجه بطلان صلاة الإمام ، كما أنه من المعلوم الحكم في الفرع الذي فرضه بعد الإحاطة بجميع ما ذكرناه ، وأن فصل الشخص ونحوه من الحائل الذي ترتفع الحرمة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ و ٨ ـ من أبواب مكان المصلي.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح « أو لم يعلموا ».

٣٢١

أو الكراهة به أو بالتباعد بمقدار عشرة أذرع بلا خلاف معتد به أجده فيه أيضا كالحائل ، بل عن المعتبر الإجماع على سقوط المنع ، وهو معنى ما عن المنتهى من الإجماع على صحة صلاتهما ، بل وجامع المقاصد وإرشاد الجعفرية من الإجماع على عدم الكراهة ، فما في كشف اللثام ـ من أنه أطلق الشيخان في غير كتابي الأخبار والحلبيان وابنا حمزة والبراج المنع من غير ذكر للحائل والبعد ـ غير مراد منه الخلاف كما سمعته في الحائل ، ومراد الجميع على الظاهر صحة الصلاتين ، وما في التحرير ـ من الاقتصار على صحة صلاته ـ غير مراد منه الخلاف قطعا.

وكيف كان فالحجة ـ بعد الأصل والإطلاق والإجماع المحكي المعتضد بما سمعت. خبر علي بن جعفر (١) المروي عن قرب الاسناد « سأل أخاه (ع) عن الرجل يصلي الضحى وأمامه امرأة تصلي بينهما عشرة أذرع قال : لا بأس ليمض في صلاته » وموثق عمار السابق (٢) الذي يمكن حمل الأكثر فيه على إرادة العشرة فأكثر على حد قوله تعالى (٣) ( كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ) خصوصا مع ملاحظة غلبة وقوع أمثال ذلك في روايات عمار ، وفي كشف اللثام « لعل الأكثر فيه لوجوب العشر بين موقفها ومسجده ، فلا يكفي العشر بين الموقفين إذا تقدمت » قلت : لكن في المدارك والمحكي عن الروض والبحار ذكر ذلك احتمالا ، وإلا فظاهر هم أن مبدأ التقدير الموقف ، وقد يقوى كون المدار على ذلك في جميع الأحوال ، فيكفي حال الوقوف العشر من محله من طرف إبهامي قدميه إلى عقبيها مثلا لو كانت متقدمة ، ويعتبر في حال السجود من منتهى رأسه إلى عقبيها مثلا ، إذ المدار على صدق البينية في أحوال الصلاة ، والظاهر عدم الاكتفاء بالتسامح العرفي ، لأصالة الحقيقة.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٣) سورة النساء ـ الآية ١٢.

٣٢٢

وعلى كل حال فلم يقل أحد بالزيادة على العشر كما في جامع المقاصد والمحكي عن إرشاد الجعفرية ، بل عن الروض الإجماع على عدم اعتبار ذلك ، فما في المفاتيح ـ من توقف ارتفاع الكراهة أصلا على الزيادة وإن خفت بالعشرة حتى أشرفت على الزوال بعد أن ترتبت من الشبر إليها ، ولعله للخبر المزبور ـ فيه ما لا يخفى لو لا أن الكراهة مما يتسامح بها ، كما أن ما عن الجامع ـ من زوال الكراهة بذراع وشبر ، والجعفي من أن من صلى وحياله امرأة ليس بينهما قدر عظم الذراع فسدت صلاته مما يظهر منه اعتبار التقدير به ـ لا يخفى ما فيه أيضا وإن كان يشهد لهما ما سمعته من النصوص (١) السابقة ، إلا أنك قد عرفت الحال فيها وأن مقتضى الجمع بعد تسليم إرادة ذلك منها بينها وبين الموثق (٢) وغيره التنزيل على تفاوت مراتب الكراهة ، ولا ينافيه الاقتصار في الفتاوى على العشر في رفعها من رأس كما هو واضح ، مع احتمال إرادة الجامع التخفيف من الزوال فيه ، ولذا ذكر الشبر والذراع مع أن الأول كاف ، بل لا مدخلية حينئذ للزيادة عليه بعد فرض الارتفاع به ، هذا.

وقد أغفل من تقدم على الشهيد من الأصحاب التعرض للفوقية والتحتية ، وأنها ملحقة بالتقدم والمحاذاة أو بالتأخر ، أما هو فقال في المحكي عن غاية المراد : إنه محتمل من فحوى المنع مع إمكان إلحاقه بتأخرها ، وخصوصا فوقيتها ، وقال عند ذكر موثق عمار : « من هنا وقع الشك في الفوقية والتحتية » قلت : من اختصاص اشتراط البعد بالجهات الثلاث ، ومن اختصاص نفي البأس بالخلف ، فيتدافع المفهومان ، وقال عند‌ قول الباقر عليه‌السلام (٣) : « لا تصل المرأة بحيال الرجل إلا أن يكون قدامها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١ و ٣ و ٤ و ٧ و ٨ و ١٣ والباب ـ ٧ ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

٣٢٣

ولو بصدره » : « إنه يظهر من فحواه المنع من الجهتين » قلت : لا يخفى عليك ظهور الفتاوى ومعاقد الإجماعات في أن المانع المحاذاة والتقدم ، لا أن الشرط كونها خلفه ، بل الظاهر أن تعرض النصوص لذلك ، ولا إيماء في شي‌ء منها إلى الفوقية والتحتية ، فالرجوع إلى بعض إطلاقاتها كأنه من الرجوع إلى ما علم عدم إرادته من الإطلاق ، على أنك قد عرفت التدافع في المفهوم منها ، ودعوى أن المسامتة من جهة الفوق أو التحت أولى من المحاذاة والتقدم بالمنع ، ضرورة اتحاد جهة المكان فيه بخلافهما لا شاهد لها ، فليس حينئذ إلا الإطلاقات ، وهي تقتضي الصحة ، واختصاص المانعية بغيرهما ، ومن هنا جزم بذلك الفاضل الأصبهاني والأستاذ الأكبر والشهيد الثاني في المحكي عن روضة ، ومال إليه العلامة الطباطبائي في منظومته ، إلا أنه ينبغي أن يعلم كون المراد بالفوق والتحت ما لا يصدق معه وصف التقدم والمحاذاة وإن كان قد يوهم كلام البعض بل هو صريح آخر احتمال السقوط فيه أيضا ، لكنه لا ريب في ضعفه ، ضرورة تناول أدلة المنع له ، والارتفاع والهبوط لا مدخلية له قطعا.

نعم في اعتبار العشر حينئذ إشكال ، ففي المحكي عن الروض « أنها لو كانت في إحدى الجهات التي يتعلق بها الحكم وكانت على مرتفع بحيث لا يبلغ من موقفه إلى أساس الحائط المرتفع عشر أذرع ولو قدر إلى موقفها ، أما مع الحائط مثلا أو ضلع المثلث الخارج عن موقفه إلى موقفها بلغها ففي اعتبار أيها نظر » وتبعه في المدارك ، لكن قال : « ويحتمل قويا سقوط المنع مع عدم التساوي في الموقف » وفي كشف اللثام « إن كانت على مرتفع أمامه اعتبر كون ضلع المثلث الذي ساقاه من موقفه إلى أصل ما هي عليه من البناء ومن أصله إلى موقفها عشرا ، وكذا إذا كانت بجنبه وكان أحدهما كذلك كانت الزاوية التي بين البناء والأرض قائمة أو حادة أو منفرجة ، واحتمل سقوط المنع حينئذ بناء على أنه لا يتبادر من الإمام والمحاذاة ونحوهما » قلت : قد عرفت‌

٣٢٤

أن في النصوص التقدم والإمام والجنب واليمين واليسار أيضا مما لا إشكال في صدقه ، وأن المراد الجهة ، نعم العبرة في التقدير بضلع المثلث بين الذاتين أورث زاوية أولا ، لعدم صدق بينهما حقيقة إلا بذلك ، واحتمال إرادة الجهة حتى في التقدير فلا يعتبر الزوايا لا شاهد له ، بل هو خلاف المعنى الحقيقي للفظ « بينهما » وكذا الظاهر عدم اعتبار نفس الحائط ونحوه من المرتفع ، ضرورة ظهور إرادة البعد المسافي ، وإلا لا تجزي بحفرة بينهما تبلغ ذلك وإن كان الذي بينهما لو لا الحفرة ذراعا مع احتماله ، لكن الأقوى الأول.

ومن ذلك كله يعلم ما في محتمل الشيخ والمصنف المتقدم سابقا من الاجتزاء بتقدم الرجل بالشبر ونحوه ، بل ربما جزم غيرهما من متأخري المتأخرين به وبزوال المنع بالتقدم بالصدر ونحوه ، ولعله لعدم صدق المحاذاة حينئذ ، مضافا إلى النصوص السابقة ، وربما يوافقه في الجملة قول المصنف ولو كانت وراءه بقدر ما يكون موضع سجودها محاذيا لقدمه سقط المنع كاللمعة ، بل قيل : وقول المفيد : « تصلي بحيث يكون سجودها تجاه قدميه في سجوده » بل قد يظهر من المحكي عن المنتهى أنه من المجمع عليه ، حيث أنه بعد أن حكى الإجماع على صحة صلاتيهما مع الحائل والأذرع قال : « وكذا لو صلت متأخرة عنه ولو بشبر أو قدر مسقط الجسد » بل قد يوهم كلام بعضهم أن ما في النافع وفوائد الشرائع وحاشية الإرشاد من التقدير بمسقط الجسد يرجع إليه أيضا ، لتحققه بدون التأخر تماما ، وفيه منع واضح ، بل ظاهرها خصوصا فوائد الشرائع أن المراد به تأخر ها عنه تماما بحيث لا يحاذي جزء منها جزءا منه ، بل لعل عبارة المقنعة والمتن واللمعة يراد منها ذلك كما في كشف اللثام بحمل المحاذاة فيها على قرب المحاذاة أو نحو ذلك ، وإلا فيعتبر التأخر تماما كما هو صريح الشهيد الثاني والمحكي عن الميسي ، ولعله لموثق عمار السابق ، وصدق اليمين والجنب ونحو هما على غير المتأخر تماما ، ولا يعارضهما‌

٣٢٥

نصوص الشبر (١) بعد أن عرفت الحال فيها ، وصحيح الصدر (٢) يمكن إرادة الكناية به عن تأخرها تماما كما في كشف اللثام ، وما في الصحيحين السابقين (٣) من أنه إذا كان سجودها مع ركوعه أو ركبتيه فلا بأس غير متضح المعنى ، فلا يخرج به عما يقتضي المنع خصوصا مع ندرة العامل بهذه النصوص حتى من المفيد والمصنف ونحو هما ممن عبر بالعبارة المزبورة ، ضرورة الزيادة على محاذاة موضع السجود للقدمين المعتبرة في الصحة عندهم.

نعم قد سمعت احتماله من الشيخ والمصنف في المعتبر في نصوص الشبر ، وتبعهما الفاضل في المنتهى وبعض متأخري المتأخرين كصاحبي الذخيرة والحدائق ، فالخروج بمجرد ذلك عما يقتضيه الموثق وغيره من المنع لا تخلو من إشكال ، سيما وظاهر لفظ الخلف والوراء في عبارات الأصحاب ومعقد إجماع الخلاف خلافه ، ضرورة ظهورها في اعتبار ذلك في الصحة ، ودعوى أن التقدم بالشبر والصدر ونحوهما يصدق معه انها وراء وخلف دون اليمين واليسار والجنب يشهد العرف بخلافها.

نعم يمكن دعوى ذلك في نحو ما لو حاذى سجودها القدمين ، ولعله لذا عبر في المتن والمقنعة واللمعة بما عرفت ، وهو لا يخلو من وجه ، فيكون المدار على صدق ذلك وإن حصل معه محاذاة البعض ، كما أن القول بناء على المختار من الكراهة بالمراتب في المقام كالمسافة لا يخلو من وجه ، فترتفع أصلا بالخلف كلا بحث لا يحاذي جزء منها جزءا منه ، وتخف بدون ذلك إلى أن تحصل المحاذاة حقيقة ، فتثبت الكراهة تماما ، والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١ و ٣ و ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣ والباب ٥ ـ الحديث ٩.

٣٢٦

ولو حصلا في موضع لا يتمكنان من التباعد ولا من التأخر الرافع للمحاذاة وكان الوقت واسعا ترتبا في فعل الصلاة وجوبا أو استحبابا ، ولا يتعين تقدم الرجل ، للأصل والإطلاق ، وذيل‌ صحيح ابن أبي يعفور (١) السابق « إلا أن تتقدم هي أو أنت » الذي لا ريب في ظهوره ولو للإطلاق بجواز تقدم المرأة ، ولا ينافي الظهور احتمال كون المراد به عدم ارتفاع النهي إلا بذلك ولو حال اتفاق تقدم صلاتها لعدم إرادة الرجل ، أو لعدم علمها بإرادته الصلاة ، أو بالحكم في المسألة ، أو لأنها عصت وتقدمته ، أو لغير ذلك ، ضرورة أن مثله ينافي النص لا الظهور ، مع أنه يمكن منع تسويغ التقدم لها ببعض المزبورات ، كما أنه يمكن منع الصحة في صورة العصيان تمسكا بظاهر الأمر.

لكن في صحيح ابن مسلم (٢) وخبر أبي بصير (٣) السابقين صلى الرجل أولا فإذا فرغ صلت المرأة إلا أنه يجب حمله على الندب بناء على المختار ، بل وعلى غيره جمعا بينه وبين ما سمعته من ذيل الصحيح (٤) السابق المعتضد بالأصل والإطلاق ، وقوة احتمال أن المراد من صحيح ابن مسلم عدم الاجتماع واستبعاد وجوب ذلك خصوصا على إرادة الاشتراط في الصحة ، مع أن المكان قد يكون ملك المرأة ، وقد لا يريد الرجل الصلاة في الوقت المخصوص ، أوله مانع منه عكس المرأة التي يفرض وجود المقتضي لها ، بل قد يفرض كونه على جهة اللزوم ، وبغير ذلك مما لا يخفى استبعاد التزامه في كل شرط صحة فعل مكلف بفعل مكلف آخر لا يدخل تحت قدرة الأول ، بل عن المنتهى الإجماع على صحة صلاتهما لو عكست المرأة فصلت أولا ، فما عن الشيخ رحمه‌الله وأتباعه من الوجوب تعبدا أو شرطا لا ريب في ضعفه ، ولعله عبر بنحو لفظ الصحيح المزبور ، فيمكن حمله حينئذ على الندب ، ويرتفع الخلاف كما يومي اليه عدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

٣٢٧

نقل بعض من هو مظنة ذلك عنه ، والظاهر شمول خطاب الندب لهما ، بمعنى أنه يستحب للرجل التقدم وللامرأة تقديمه وتأخرها عنه حتى لو كان المكان ملكها ، إذ الأمر بأن يصلي الرجل أولا في الصحيح السابق لا يختص به ، بمعنى أنه لو تقدمت الامرأة عليه ما تركت مستحبا لعدم خطابها به ، بل المراد من كل منهما وقوع صلاة الرجل أولا والامرأة ثانيا ، فتأمل جيدا فإنه ربما دق.

ولو كان الوقت ضيقا سقط الوجوب والندب كما صرح به جماعة ، بل ربما نسب إلى الأكثر بل إلى الأصحاب ، لكن أشكله الكركي بما حاصله أن التحاذي إن كان مانعا من الصحة منع مطلقا ، لعدم الدليل على الابطال بموضع دون موضع ، إذ النص والفتوى عامان ، وحينئذ فعلى الحرمة إن كان المكان لأحدهما اختص به ، ولا يجوز إيثار الآخر به ، وإن كان لهما أو استويا فيه أمكن القول بالقرعة ، فيصلي من خرج اسمه ويقضي الآخر ، وفيه أن من المعلوم عدم سقوط الصلاة في الوقت بحال ، وتقديم مراعاة الوقت على سائر الشرائط والموانع حتى فقد الطهورين على قول ، وحتى غصب المكان كما عرفت ، على أنه يمكن الاستناد مضافا إلى ذلك إلى صحيح الفضل (١) عن أبي جعفر المروي عن العلل المتقدم سابقا المشتمل على وجه تسمية مكة بكة ، بناء على تنزيله على حال الضرورة ، ومنه يظهر أيضا وجه دلالة‌ خبر معاوية (٢) عليه أيضا ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقوم أصلي في مكة والمرأة بين يدي جالسة أو مارة قال : لا بأس ، إنما سميت مكة بكة لأنه يبك فيها الرجال والنساء ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١٠ لكن رواه عن الفضيل وهو الصحيح كما تقدم في التعليقة (١) من الصحيفة ٣٠٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٧.

٣٢٨

وأما احتمال استثناء خصوص مكة لهذين الخبرين فلم أره لأحد من الأصحاب ، نعم حكي عن ظاهر الصدوق القول به ، وعن البحار نفي البعد عنه ، لمكان الحرج غالبا ، على أنه على هذا التقدير فيه أيضا إيماء إلى استثناء الضرورة كما هو واضح ، وقد ظهر من ذلك أيضا أنه وإن كان المكان لأحد هما ليس له منع الآخر من الصلاة ولو الاضطرارية مع الضيق بناء على ما عرفته في الغاصب ، هذا.

وعن الروض « ان المشهور اختصاص الحكم في أصل المسألة بالمكلفين » قلت : لعله لأن الموجود في النصوص لفظ الرجل والمرأة الذي لا يشمل غير المكلفين ، ولا ينافيه لفظ البنت في بعضها (١) بعد إمكان حمله على البالغة إن لم يكن الظاهر منه ذلك ، لكن قد يقال إنه يتجه بالنسبة إلى صلاة كل من الرجل والمرأة بمعنى أنه لا يفسدهما محاذاتهما ولا تقدم الصبية ، بل ولا يفسد صلاة الصبي محاذاة الصبية أو تقدمها كالعكس ، أما بالنسبة إلى صلاتهما حال تقدم المرأة على الصبي أو محاذاتها وتقدم الصبية على الرجل ومحاذاتها فقد يتجه الفساد ، بناء على الشرعية التي من المعلوم كون المراد بها المشروعة للبالغ ، فكل شرط لصلاة الرجل مثلا هو شرط في صلاة الصبي ، وكل شرط لصلاة المرأة هو شرط لصلاة الصبية ، فتفسد صلاة الصبي حينئذ بتقدم المرأة ومحاذاتها كصلاة الرجل ، وصلاة الصبية بتقدمها على الرجل ومحاذاتها له كالامرأة ، ولا ينافي ذلك كون الرجل والمرأة مورد النصوص ، إذ الشرائط جميعها أو أكثرها كذلك كالحرير وغيره ، ضرورة عدم إرادة شمول الخطابات للصبيان ، بل المراد في موضوع عبادة الصبي الجامعة للشرائط عدا البلوغ كما هو معلوم في ذلك ، ولعله إلى هذا أومأ الشهيد بما في المحكي عن حواشيه من أن الصبي والصبية يقرب حكمهما من الرجل والمرأة ، كما أنه منه يعلم عدم الحاجة في ثبوت ذلك إلى دعوى شمول لفظ الرجل لغير المكلف لما عن القاموس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

٣٢٩

« أنه بالضم معروف ، وإنما هو لمن شب واحتمل أو هو ساعة يولد » والصحاح « هو الذكر من الناس » حتى يحتاج إلى ردها بأنه لا ريب في مجازيته ، والإطلاق أعم منه والحقيقة ، ولو سلم فالمنساق المكلف منه ، بل لعل حصر القاموس ، مبني على ذلك أو الأول ، إذ قد عرفت أنا في غنية عن ذلك كله بما عرفت الذي بالتأمل فيه يعرف منشأ الوهم في المقام في كلام بعض الأعلام ، بل ويعرف به الحال فيما أطنب به المولى الأكبر في شرح المفاتيح من تأييد الاختصاص بالبالغين.

وأما الخنثى المشكل فالأقوى عدم فساد صلاتها وعدم الفساد بها مطلقا ، بناء على التحقيق من عدم المانعية فيما شك فيه بل ولا الشرطية ، وأن التمسك بالإطلاقات في نفي هذا وشبهه في محله كما أوضحناه غير مرة ، والله أعلم.

والمشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا أنه لا بأس أن يصلي الرجل وغيره في الموضع النجس إذا كانت نجاسته لا تتعدى إلى ثوبه ولا إلى بدنه وكان موضع الجبهة طاهرا بل في الخلاف الإجماع ، للأصل والإطلاقات وخصوص إطلاق‌ صحيح علي بن جعفر (١) سأل أخاه (ع) « عن البيت والدار لا يصيبهما الشمس ويصيبهما البول ويغتسل فيهما من جنابة أيصلى بهما إذا جفا؟ قال : نعم » وخبر عمار (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن البارية يبل قصبها بماء قذر هل يجوز الصلاة عليها؟ قال : إذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها » بناء على إرادة الجفاف بغير الشمس من الجفاف فيه ، وصحيح زرارة (٣) سأل أبا جعفر عليه‌السلام « عن الشاذكونة تكون عليها الجنابة أيصلى عليها في محمل؟ فقال : لا بأس بالصلاة عليها » وخبر ابن أبي عمير (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصلي على الشاذكونة وقد أصابتها الجنابة فقال : لا بأس » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب النجاسات.

٣٣٠

و‌صحيح علي بن جعفر الآخر (١) « سألته عن البواري يصيبها البول هل يصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل؟ قال : نعم لا بأس » إن أريد من الجفاف فيه بغير الشمس ، إلى غير ذلك من النصوص المتقدم بعضها في تطهير الشمس من كتاب الطهارة التي يمكن الاستدلال ببعضها هنا في وجه وإن رجحنا خلافه هناك ، بل بإطلاق هذه النصوص قد اغتر بعض متأخر المتأخرين ، فمال إلى عدم البأس في ذلك حتى بالنسبة إلى محل الجبهة مؤيدا له بعدم ثبوت الإجماع على خلافه ، لما مر في كتاب الطهارة أن المحقق نقل عن الراوندي منا وصاحب الوسيلة « أن الأرض والبواري والحصر إذا أصابها البول وجففتها الشمس لا تطهر بذلك لكن يجوز السجود عليها » واستجوده ، وفيه أنه يكفي في تقييد غير القابل للحمل على إرادة تجفيف الشمس من الإطلاقات السابقة الإجماع المحكي مستفيضا بل متواترا ، إذ ربما زادت حكايته على اثني عشر كتابا في المقام وفي كتاب الطهارة وفي بحث ما يسجد عليه ، بل في التذكرة منها أنه إجماع كل من يحفظ عنه العلم ، بل يمكن دعوى تحصيله ، وأنه لا يقدح فيه خلاف الراوندي فضلا عن المحكي عنه كما أوضحناه في بحث تطهير الشمس من كتاب الطهارة ، بل قد ذكرنا هناك انحصار الخلاف فيه ، وأن المصنف وابن حمزة ليس كما حكي عنهما ، بل ربما يظهر مما نقله عنه في المعتبر أنه فهم منه استثناء السجود ، على أن خلافه في خصوص تجفيف الشمس ، ومرجعه إلى أنها يحصل بها العفو عن السجود دون باقي ما يشترط فيه الطهارة ، فهو في الحقيقة موافق على اشتراط الطهارة فيه إلا أنه مخالف في كيفية تأثير الشمس ، بل لعل هذا العفو من الطهارة عنده ، فيرجع إلى أنها تفيد الطهارة بالنسبة إلى شي‌ء دون آخر ، إذ هي عند التأمل ليست إلا أحكام شرعية ، بل قد سلف لنا في ذلك المبحث من الكتاب المزبور ما يمكن استفادة اشتراط الطهارة في محل السجود‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

٣٣١

من غير الإجماع ، كبعض النصوص (١) المشتملة على اشتراط الصلاة على البارية أو السطح بتجفيف الشمس ، بناء على إرادة ما يشمل السجود عليها من الصلاة فيها ، ضرورة كون المفهوم حينئذ عدم جواز السجود عليها إذا لم تجففها الشمس وإن جفت بغيرها ، بل قد يستفاد من‌ الصحيح (٢) عن الرضا عليه‌السلام كون الحكم مفروغا منه ، « كتب إليه يسأله عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب اليه أن الماء والنار قد طهراه » بل ظني والله أعلم إن لم يكن يقيني أن المقام من الأمور التي استغنت بضروريتها عن تظافر النصوص بها وعن سؤال الرواة عنها أو نقلهم إياها.

فظهر من ذلك كله أن احتمال عدم الاشتراط فيه أو الوسوسة فيه في غير محله ، وما أبعد ما بينه وبين المحكي عن أبي الصلاح من اشتراط طهارة محل غير الجبهة من المساجد السبعة ، بل المرتضى اشتراط ذلك في سائر مكان المصلي وإن كان هما معا ضعيفين ، إذ لم نجد للأول ما يصلح معارضا للأدلة السابقة المعتضدة بما عرفت سوى ما قيل من حمل المسجد ، في جميع ما دل (٣) على اشتراط طهارته على الجبهة وغيرها ، وإطلاق بعض النصوص (٤) التي تسمعها للثاني بعد خروج ما عدا ذلك منه بالإجماع وغيره ، وفيه أنك قد عرفت كون العمدة في دليل الاشتراط في محل الجبهة الإجماع بقسميه ، وهما معا لا يستفاد منهما غيرها ، بل ربما يعطي بعض المحكي منها نفيه في غيرها ، بل هو ظاهر مفهوم اللقب في عبارات الفقهاء الذي عليه مبنى الوفاق والخلاف غالبا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤ والباب ٣٠ منها الحديث ٦.

٣٣٢

وصحيح الجص (١) بناء على عدم إرادة الصلاة من السجود فيه لا يخفى ظهوره في إرادة محل الجبهة منه ، بل هو المنساق إلى الذهن من هذه العبارة وشبهها ، بل تعرف إن شاء الله في بحث السجود عدم مدخلية غير الجبهة في مسماه لغة وشرعا وإن وجبت حاله ، كما أنك ستعرف حال الإطلاقات ، ولم نجد للثاني سوى‌ خبر ابن بكير (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في الشاذكونة يصيبها الاحتلام أيصلى عليها؟ قال : لا » وموثق عمار (٣) سأله « عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر قال : لا يصلى عليه ، وأعلم موضعه حتى تغسله » وهما ـ مع احتمالهما الكراهة ، وإرادة موضع السجود خاصة أو ما يشمله من الصلاة فيهما ، والأول منهما التعدية ـ قاصران عن معارضة ما عرفت من وجوه وإن أيدا بقوله تعالى (٤) ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) المحتمل لإرادة العذاب والغضب ، وبأن وجوب تجنيب المساجد النجاسة لكونها مواضع الصلاة الذي يمكن ـ بعد تسليمه واحتمال إرادة مواضع السجود من المساجد في أخباره ـ أن يكون العلة فيه صلاحيتها للسجود على أي موضع أريد منها ، وبأن النهي عن الصلاة في المجزرة والمزبلة والحمامات وبيوت الغائط لأنها مواطن النجاسة الذي يمكن ـ بعد إرادة الكراهة من النهي كما ستعرف ـ أن يكون العلة فيه ما فيها من مزيد الاستخباث والاستقذار الدال على مهانة نفس من يستقر بها ، فلا يلزم من منع الصلاة فيها المنع في غيرها مما لا ينتهي في الاستقذار إلى حدها ، وبغير ذلك كالبأس في مفهوم بعض نصوص الحمام الآتية ونحوه مما لا يخفى ضعفه في مقابلة ما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٤) سورة المدثر ـ الآية ٥.

٣٣٣

نعم يعتبر عدم كون النجاسة متعدية إلى ثوبه وبدنه ونحوهما مما يعتبر في الصلاة طهارته بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما أن موثق عمار (١) المتقدم في بحث تطهير الشمس بل وغيره مما اشترط الصلاة فيه بالجفاف ظاهر أو صريح فيه ، إلا أن المنساق من الجميع والفتاوى خصوصا بعد ملاحظة ما استدلوا به عليه تفويت شرط الثوب والبدن للصلاة لا أنه من شرائط المكان حينئذ ، وخصوصا بعد أصالة عدم شرط آخر ، والنصوص ومعاقد الإجماعات بعد احتمال كون المنع فيها لفوات طهارة الثوب والبدن لا دلالة فيها ، إذ العام لا يدل على الخاص ، فيبقى الأصل سالما ، فيجب حينئذ اعتبار عدم تعدي ما لا يعفى عنه من النجاسة إلى ما لا يعفى عنه من الملبوس أو المحمول إن قلنا به ، خلافا للمحكي عن ظاهر فخر المحققين من كونه ذلك من شرائط المكان حينئذ ، بل عن إيضاحه دعوى الإجماع عن والده على عدم صحة الصلاة في ذي المتعدية وإن كان معفوا عنها فيها ، بل ربما أيد بظاهر العبارات هنا المحكي على بعضها الإجماع ، بل هو كالصريح من بعضهم كالذكرى وغيرها ، لكن قد عرفت أن المنساق إلى الذهن خصوصا مع ملاحظة ما ذكروه من الأدلة على ذلك ما سمعت ، ولا ينافيه التنصيص هنا على اشتراط عدم التعدية مع أنه راجع إلى ما ذكروه سابقا من اشتراط طهارة الثوب والبدن ، إذ لعله لدفع ما يتوهم من التنافي بين الإطلاقين ، ولذا لم يتعرضوا لأحكامه من السهو والنسيان والجهل والعفو وغيرها ، وما ذاك إلا لإرادة التنبيه بذلك على الشرط المزبور الذي قد تقدمت أحكامه لا أنه من شرائط المكان.

على أنه قد يقال بمساواته للباس في جميع الأحكام ، فيعفى عما يعفى عنه فيه مثلا كما استقر به الشهيد في الذكرى ، فلا يتصور له حينئذ ثمرة معتد بها غالبا ، قال : ولو كان المكان نجسا بما يعفى عنه كدون الدرهم دما ويتعدى فالظاهر أنه عفو لأنه لا يزيد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

٣٣٤

على ما هو على المصلي ، وعلى قول المرتضى لو كان على المكان أي ما يعفى عنه كدون الدرهم دما ولا يتعدى فالأقرب أنه كذلك لما قلناه ، ويمكن البطلان لعدم ثبوت العفو هنا ، وإن كان قد يناقش أولا بأنه لا تلازم بين العفوين بعد اختصاص اللباس منهما بالدليل ، ولا تنقيح ولا أولوية ، ومن هنا كان المتجه فيما نقول باشتراط الطهارة فيه من المكان كمحل الجبهة عدم العفو فيه عما يعفى عنه في اللباس ، خلافا له أيضا ، قال : لو سجد على النجس أو المغصوب فكالصلاة فيهما في جميع الأحكام وهو جيد في الثاني مطالب بالدليل في الأول ، وثانيا بما عرفت من عدم كون ذلك من شرائط المكان حتى في حال التعدي ، فلا يتجه تفريعه الأول فضلا عن تعليله بأنه لا يزيد على ما هو على المصلي ، ثم قال : وعلى قول المرتضى الظاهر أنه لا يشترط طهارة كل ما تحته ، فلو كان المكان نجسا ففرض عليه طاهر صحت الصلاة ، وقد رواه عامر القمي (١) عن الصادق عليه‌السلام.

قلت : تسمع في أحكام المساجد جملة من النصوص (٢) دالة على جواز اتخاذ الحش مسجدا إذا ألقي عليه من التراب ما يواريه ، ونحوه يأتي على المختار أيضا بالنسبة إلى خصوص محل الجبهة ، فلا بأس بنجاسة ما تحت المباشر منه كما صرح به الأستاذ في كشفه قال : ولا بأس بنجاسة ما تحت المباشر ما لم ينافي الاحترام كالملوث لأسفل التربة الحسينية ، ولأسفل قرطاس مكتوب في وجهه الأسفل شي‌ء من القرآن أو الأسماء المحترمة ونحوها ، بل مطلق المتصل وإن لم يكن ملوثا لهما في وجه قوي لا يستند إلى النهي عن الضد ، وإن كان لا يخفى عليك ما في استثنائه وأنه مبني على غير مسألة الضد ، ثم قال أي الشهيد : ولو سقط طرف ثوبه أو عمامته على نجاسة أمكن على قوله بطلان الصلاة اعتدادا بأن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة.

٣٣٥

ذلك مكان المصلي ، وقد بناء على ما ذكره قبل ذلك بقليل من أن الأقرب على قول المرتضى أن المكان ما لاصق أعضاء المصلي وثيابه لا ما أحاط به في الجهات الأخر ، لأنه المفهوم من المكان ، قلت : هو وإن تبع في ذلك المحكي عن الإيضاح وتبعه عليه غيره ، لكن قد يمنع عليه كونه المفهوم منه ، ضرورة عدم صدقه على ملاقاة الجدار ونحوها مما لا استقرار فيه له ولثيابه.

ومنه يعلم حينئذ ما في المحكي عن الفخر من أن الصدر والبطن والفرج بين الأعضاء في حالة السجود على قول المرتضى والجبائيين من المكان ، وعلى تفسير أبي الصلاح ليس من المكان ، فعلى الأول إن لاقى أبطل ، وعلى الثاني لا يبطل ، ضرورة أنه لا دلالة في اشتراط المرتضى طهارة مكان المصلي على إرادة ما يشمل ذلك منه ، ولعله يخصه بالمفهوم منه عرفا ، وهو محل ثقله من الأرض مثلا في أحوال صلاته ، فلا يدخل فيه بعض ملاقاة البدن فضلا عن الثياب ، بل لو لا أن العرف يقضي بتبعية الثياب للمصلي في نسبة المكان اليه لأمكن القول باختصاصه بخصوص مسقط البدن من الأرض ، ولعله اليه يرجع المحكي عن حواشي الشهيد عن بعضهم من أنه عبارة عن موقفه ومقعده للتشهد أو الجلسة الاستراحة وموضع مساجده السبعة ، ثم قال : وقيل : إنه ما يلاقيه بدنه وثيابه من الموضع الذي هو فيه ، وقيل : هو منسوب اليه لكونه مكان صلاته ، فيدخل مما يحاذي صدره وبطنه في السجود ، على أن ما ذكروه هنا للمرتضى لا يوافق المحكي عن الإيضاح عنه ، قال فيه : إن للفقهاء في تعريف المكان باعتبار الطهارة عبارات ، الأولى تفسير السيد أنه مسقط كل البدن ، الثاني أنه ما يماس بدنه أو ثوبه من موضع الصلاة ، ويلوح هذا من كلام الشيخ ، الثالث أنه مساقط أعضاء السجود ، ويلوح من كلام أبي الصلاح ، ونسبه إلى والده أيضا ، لقوله : ولا يشترط طهارة مساقط باقي‌

٣٣٦

الأعضاء ، ولا دلالة فيه ، بل هو رد لأبي الصلاح ، الرابع أن الصلاة تشتمل على حركات وسكنات وأوضاع لا بد في الجميع من الكون ، فالمكان هو ما تقع فيه هذه الأكوان ، قال : وهو مذهب الجبائيين والمصنف في بعض أقواله ، وتبعه في نسبة الأول للمرتضى في جامع المقاصد ، وهو كالصريح في خلاف ما ذكروه هنا على قوله ، كما أن الرابع لا يناسب ما نحن فيه كما اعترف به في الجامع ، قال : لأنه لو كان في الهواء نجاسة جافة لم يعف عنها تماس بدن المصلي يلزم بطلان الصلاة بها على القول باشتراط طهارة المكان ، ولا نعلم به قائلا ، ولعله من ذلك يمكن أن يكون مرادهما بموضع الصلاة المذكور في التعريف ما يرجع إلى ما قلناه لا مطلق الملاقاة.

لكن قد يناقش في بعض هذه التفاسير للمكان ، ضرورة ابتنائها على ما يعتبر طهارته منه في الصلاة لا أنه نفس المكان ، إذ ليس هو عند أبي الصلاح مساقط أعضاء السجود خاصة قطعا ، كما أنه ليس محل الجبهة عند غيره ، فحينئذ يتبع الدليل على خصوص الدعوى ، ومع فرض أن مقتضاه المكان كما يقوله المرتضى رجع في مصداقه إلى العرف واللغة ، لعدم الحقيقة الشرعية فيه قطعا ، على أنه ليس في شي‌ء من النصوص لفظ المكان ، بل الموجود يصلى عليه وفيه ونحوهما ، ولا ريب في الرجوع فيهما إلى العرف واللغة.

ومن ذلك يظهر ما في المحكي عن الإيضاح في وجه الفائدة لمعرفة المكان من أن نجاسة عين المكان إذا لم تتعد إلى الثوب المصلي وبدنه بالملاقاة في الصلاة لا تبطل ، أما نجاسة موضع السجود إذا لاقى الجزء من الجبهة وحده في الصلاة فإنها تبطل عندنا ، وأما عند من يشترط طهارة المكان فنجاسة جزء من المكان مع ملاقاة جزء من البدن أو الثوب مبطلة وإن لم تتعد ، ولهذا الفرق احتاج الفقيه إلى مفهوم اسم المكان ، وقد عرفت عدم مدخلية ذلك.

ولو كبر في مكان نجس تتعدى نجاسته عند السجود فانتقل عنه قبله فالمتجه على‌

٣٣٧

تقدير كونه شرطا للمكان أولا عدم بطلان صلاته إن قصد ذلك من أول الصلاة أو لم يقصد شيئا ، لا أن قصد السجود فيه ، فإنه يبطل على التقديرين في وجه تعرفه في بحث النية ، كما أنه يبطل على التقديرين لو لم ينتقل إلى أن تعدت.

ولو كان في مسجد الجبهة نجاسة لا تتعدى أو على نفس الجبهة نجاسة معفو عنها ولم يستوعب المسجد والجبهة بل بقي ما يكفي للسجود بشرطه فالمتجه عند المحقق الثاني وغيره عدم بطلان الصلاة إذا سجد على الطاهر ، لعدم تحقق المنافي ، ومقتضاه أنه وإن كان الموجود في الخارج من وضع الجبهة عليهما ، وقد يناقش بإطلاق معاقد الإجماعات اشتراط طهارة محل الجبهة ، وتدفع بأن المراد المعتبر من محل الجبهة ، ضرورة كون الفرض حينئذ كوضع الجبهة على ما يصح السجود عليه وما لا يصح ، فإنه لا إشكال في الصحة مع فرض تحقق مقدار الواجب منها وان قارنه غيره ، وكونه وضعا واحدا لا مدخلية له في المقام ، فتأمل.

ولو ضاق الوقت وانحصر الأمر في الفرض ففي كشف الأستاذ أعني السجود بمقدار ما يقارب محل السجود ، ولا يلزمه الإصابة ، ولا يكفيه مجرد الإيماء على الأحوط ، ولو أمكن رفع مسجد طاهر لزم ، قلت : يمكن القول بوجوب الإصابة عليه تحصيلا لكمال السجود إن لم نقل بسقوط شرطية الطهارة في الفرض ، ولو كان بدنه من الجبهة وغيرها وثيابه متلوثة بالنجاسة ففي كشف الأستاذ استوى المتعدي وغيره في الجواز في وجه يشتد ضعفه مع زوال العين وبقاء الحكم ، وفيه أيضا ولو أزيل المانع من النجاسة عن المكان وأمكن التطهير أو التبديل من غير فعل مناف لزم وأتم ، وإلا قطع وأعاد مع سعة الوقت ، ومع ضيقه بحيث لا بقي بركعة أتم ولا قضاء ، وأما البحث في الجهل بنجاسة محل الجبهة أو نسيانه فستعرف البحث فيه في أحكام الخلل ، كما أنك تعرف إن شاء الله بعض الأحكام في بحث ما يسجد عليه ، والله أعلم.

٣٣٨

وتكره الصلاة في الحمام على المشهور نقلا وتحصيلا ، بل في الخلاف والغنية الإجماع عليه ، للنهي عنها المحمول عليها في مرسلي عبد الله بن الفضل (١) وابن أبي عمير (٢) « عشرة مواضع لا تصل فيها : الطين والماء والحمام والقبور ومسان الطرق وقرى النمل ومعاطن الإبل ومجرى الماء والسبخ والثلج » لضعف السند عن تقييد الإطلاقات ومعارضة المحكي من الإجماعين ، وموثق عمار (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الصلاة في بيت الحمام فقال : إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس » وحمله على إرادة المسلخ بقرينة ما في‌ صحيح علي بن جعفر (٤) سأل أخاه موسى عليه‌السلام « عن الصلاة في بيت الحمام فقال : إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس يعني المسلخ » إذ فهم مثله حجة ليس بأولى من الحمل على إرادة بيان الجواز ، وفهم علي بن جعفر في خصوص الخطاب المزبور المحتمل اشتماله على قرائن الأحوال لا يقتضي إرادته من الخطاب الآخر ، بل لعل حمل صحيح علي بن جعفر أولى مما فهمه هو ، ودعوى حجية مثله بعد نقل اللفظ وظهور كون التفسير اجتهادا لا نقلا يمكن منعها ، على أن الذي صرح به غير واحد كون التفسير من الصدوق لا من علي بن جعفر ، لكن المتجه على ذلك شمول الكراهة للمسلخ ، ضرورة كونه منه عرفا ، وملاحظة مبدأ الاشتقاق فيه منافية للعرف ، ولعله وجه التسمية الذي لا يعتبر اطراده ، أو انه كان في الأصل كذلك ثم غلب ، وكأنه لذلك لم يستثنه المصنف ، بل هو الظاهر من معقد إجماع الخلاف ، بل عن الأردبيلي أنه لا يبعد دخوله فيه ، لكن صريح الفاضل وبعض من تأخر عنه كالمحكي عن السرائر وظاهر التهذيب استثناؤه ، ولعل التسامح في أمر الكراهة يؤيد الأول ، وليس العلة فيها مظنة النجاسة كي يتجه انتفاؤها بانتفائها ، بل لعلها تكشف العورة أو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

٣٣٩

المشغولية بورود الناس وصدورهم ، بل في الفقيه لأنه مأوى الشياطين أو غير ذلك ، فالنهي حينئذ على ظاهره ، إذ احتمال كون العلة فيه النجاسة فيدور الحكم مدارها لا يجدي في رفع ظاهر النهي ، ومن هنا كان المتجه الكراهة فيه وإن كان نظيفا ، إلا أن الظاهر خفتها فيه ، فما عساه يظهر من بعض متأخري المتأخرين من دورانها على ذلك وعدمه لا يخلو من نظر.

نعم لا بأس بالصلاة على سطحه قطعا ، للأصل السالم عن المعارض ، وعلى كل حال فلا إشكال في عدم الحرمة من حيث الحمامية ، وما عن الكافي ـ من أنه لا يحل للمصلي الوقوف في معاطن الإبل ومرابط الخيل والبغال والحمير والبقر ومرابض الغنم وبيوت النار والمزابل ومذابح الأنعام والحمامات وعلى البسط المصورة وفي البيت المصور ، ولنا في فسادها في هذه الحال نظر ـ واضح الضعف ، خصوصا ما ذكره من النظر في الفساد ، ضرورة عدم الاشكال فيه بناء على الحرمة كما هو واضح ، والله أعلم.

وكذا تكره الصلاة في بيوت الغائط وفاقا للمشهور نقلا في المحكي عن التخليص إن لم يكن تحصيلا ، بل في كشف اللثام عن الغنية الإجماع عليه وإن كنا لم نتحققه ، اللهم إلا أن يكون أخذه من الإجماع فيها على المزبلة ، وحينئذ يمكن الاستدلال عليه‌ بنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) عن الصلاة في سبعة مواطن : « ظهر بيت الله والمقبرة والمزبلة والمجزرة والحمام وعطن الإبل ومحجة الطريق » مؤيدا بقوله عليه‌السلام في خبر عبيد بن زرارة (٢) : « الأرض كلها مسجد إلا بئر غائط أو مقبرة » وبأنه مظنة النجاسة ، ومناف لتعظيم الصلاة ، وبفحوى النهي (٣) عنها إلى حائط ينز من‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٤ ص ٧٤ ـ الرقم ١٤٨٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب مكان المصلي.

٣٤٠