جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وجب المبالغة في تحريره وإظهاره وبيان مقدار الجائز من حركاته وسكناته وغير الجائز ، بل كان من الأمور العجيبة في الفقه المحتاجة إلى كمال الإطناب في موضوع الحكم ودليله ، ولا كان ينبغي ذكرهم المحبوس مع جاهل الغصب ونحوه المشعر باتحاد كيفية الصلاة فيهما ، قال العلامة الطباطبائي في منظومته :

واستثن مغصوبا من المكان

لعالم بالغصب ذي إمكان

فما على الجاهل والمضطر

شي‌ء سوى ضمانه للأجر

وفي الروضة بعد أن ذكر المنع في المغصوب قال : « كل ذلك مع الاختيار ، أما مع الاضطرار كالمحبوس فيه فلا منع » وفي الإرشاد « ولو كان محبوسا أو جاهلا لا ناسيا جاز » وفي حاشيته للكركي « المراد بالجاهل جاهل الغصب ـ إلى أن قال ـ : وإنما تصح صلاة المحبوس إذا كان الحبس بباطل أو بحق هو عاجز عن أدائه ، وإلا لم يكن عذرا » وفي حاشية ولده « وهل يرعى المحبوس ضيق الوقت رجاء لزوال العذر؟ يحتمل ذلك ، ومن فقهائنا من أطلق الجواز لقبح التحريم » وفي البيان « ولو جهل الغصب أو كان محبوسا فيه أو ضاق الوقت فيصلي وهو آخذ في الخروج ، أو أذن المالك ولو كان المأذون له الغاصب أو أذن مطلقا وصلى غير الغاصب ، أو نسي على أقوى الوجهين ، أو أذن في الصلاة ثم رجع بعد التلبس وإن اتسع الوقت ، أو قبل التلبس مع ضيق الوقت إذا صلى ماشيا مؤميا للركوع والسجود ويستقبل ما أمكن ولا يفعل حراما بخروجه ، أو أذن في الكون في المغصوب فصلى ، أو كان السقف أو الجدار مغصوبا صحت الصلاة » وهو ـ مع التأمل فيه ، وذكره المخالفة في الكيفية حيث تكون في بعض وتركه في آخر ـ كالصريح فيما قلنا ، وفي الذكرى « ولو صلى في المغصوب اضطرارا صحت صلاته كالمحبوس ، ومن يخاف على نفسه التلف بخروجه منه صحت صلاته لعموم (١)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس ـ من كتاب الجهاد.

٣٠١

« وما استكرهوا عليه » وفي المفاتيح « تبطل في المغصوب عالما اختيارا ، أما مع الجهل والاضطرار فلا » وفي القواعد « ولو صلى في المغصوب عالما في الغصب اختيارا بطلت صلاته وإن جهل الحكم » وفي جامع المقاصد « صرح بقيد الاختيار ليخرج حال الاضطرار ، كالمحبوس في مكان مغصوب ، والمتوسط أرضا مغصوبة عالما وجاهلا إذا أراد الخروج منها تخلصا من الغصب ، ومن يخاف على نفسه التلف بخروجه ، والضابط زوال المنع من التصرف للضرورة ، فإن الصلاة في هذه المواضع كلها صحيحة لقبح التحريم حينئذ ، إذ هو تكليف بما لا يطاق ، إلا أن المحبوس ونحوه يصلي بحسب تمكنه ، والخارج من المغصوب مع ضيق الوقت يراعي الجمع بين الحقين ، فيخرج مصليا » وهي كالصريحة فيما قلناه ، خصوصا بعد فرقه بين المحبوس وغيره بعدم مراعاة الأول الجمع بين الحقين الذي هو مبنى كلام المعاصر بخلاف الثاني ، إلى غير ذلك من العبارات ، ولو لا وقوع الشبهة ممن لا ينبغي وقوعها منه ما أطنبنا في مثل هذه المسألة الواضحة ، بل اللازم على كلام المعاصر عدم صحة الوضوء ، والغسل مثلا من المحبوس ، لاستلزامهما الحركات التي هي غير جائزة ، فتسقط الصلاة حينئذ ولم يسقطها الشارع بحال ، بل لا ينبغي له الاستنجاء من نجاساته ولا نحو ذلك مما هو لا يعارض حرمة التصرف في مال الغير ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، والله أعلم.

ولا يجوز أن يصلي الرجل وإلى جانبه امرأة محاذية له ولم يحصل ما تسمعه من الحائل ونحوه تصلي عند الشيخين والحلبيين وابني حمزة والبراج والفاضل في تلخيصه ، والحلي مع التقييد بالعمد على ما حكي عن البعض أو أمامه كما نص عليه الشيخ وابن حمزة وابن زهرة والحلبي في الإشارة ، بل لعله مراد الجميع وإن لم يتعرضوا له ، لمعلومية أولويته ، نعم ربما قيل بالعكس كما عن كشف الرموز ، وعن المقنع « أنها لا تبطل إلا أن تكون بين يديك ، ولا بأس لو كانت خلفك وعن يمينك وعن شمالك » ‌

٣٠٢

وإن كان في كشف اللثام بعد حكاية ذلك عنه قال : « والذي فيما عندنا من نسخه لا تصل وبين يديك امرأة تصلي إلا أن يكون بينكما بعد عشرة أذرع ، ولا بأس بأن تصلي المرأة خلفك » قلت : وعليه يمكن دعوى الإجماع على عدم الفصل فضلا عن معلومية أولوية ما بين اليدين منهما ، كمعلومية إرادة البطلان من المنع هنا ، وإن كان الذي نص عليه جماعة منهم الشيخان وابن حمزة الثاني ، إلا أنه مراد الجميع على الظاهر ، كما أن مرادهم اشتراط ذلك بالنسبة للرجل والمرأة لا الأول خاصة وإن أوهمه جملة من العبارات حتى عبارة المتن والقواعد ، بل لم يحك في كشف اللثام إلا عن الشيخين وابن حمزة النص على بطلان صلاتهما ، لكن التدبر في الأدلة وفي باقي العبارات يقضي بإرادة الجميع ذلك ، وبه صرح في جامع المقاصد وغيره ، ولعله لذا قال الشهيد في المحكي عن غاية المراد : إنه إذا بطلت صلاته بطلت صلاتها ، ولا قائل بالفرق وإن كان ستعرف ما فيه عند البحث في اختصاص البطلان بحال الاقتران وإلا فيختص اللاحق وعدمه سواء صلت بصلاته أو كانت منفردة خلافا لأبي حنيفة في الثانية وسواء كانت محرما أو أجنبية لإطلاق أكثر النصوص (١) والفتاوى والإجماع في المحكي عن التحرير وظاهر التذكرة وخصوص بعض النصوص الآتية (٢).

وكيف كان فقد نسب عدم الجواز إلى أكثر القدماء بل العلماء بل المشهور ، بل في الخلاف والغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد اعتضاده بما عرفت ، مضافا إلى صحيح ابن مسلم (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام ، وخبر أبي بصير (٤) عن الصادق عليه‌السلام ، واللفظ للأول « عن المرأة تزامل الرجل في المحل يصليان جميعا فقال : لا ، ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة » وخبر إدريس بن عبد الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٤.

٣٠٣

القمي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلي وبحياله امرأة قائمة على فراشها أجنبية فقال : إن كانت قاعدة فلا يضرك. وإن كانت تصلي فلا » وموثق عمار (٢) عن الصادق عليه‌السلام انه سأل « عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي قال : لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك ، فان كانت تصلي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه ، وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت » وصحيح علي بن جعفر (٣) سأل أخاه موسى عليهما‌السلام « عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله تصلي وهي تحسب أنها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال : لا يفسد ذلك على القوم ، وتعيد المرأة » وصحيحي الحلبي (٤) وابن مسلم (٥) واللفظ للأول‌ سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلي بحذاه في الزاوية الأخرى قال : لا ينبغي ذلك إلا أن يكون بينهما ستر ، فان كان بينهما ستر أجزأه » والنبوي (٦) « أخروهن حيث أخروهن الله » وصحيح ابن أبي يعفور (٧) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصلي والمرأة إلى جنبي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١ مع الاختلاف في نقله بين الكافي والتهذيب والوافي والوسائل.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٦) المستدرك ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

٣٠٤

وهي تصلي فقال : لا إلا أن تتقدم هي أو أنت ، ولا بأس أن تصلي وهي بحذاك جالسة أو قائمة » المراد منه بحسب الظاهر المتقدم من أحدهما في فعل الصلاة ثم يفعل الآخر بعد فراغ الأول من صلاته ، بل بذلك كله يظهر إرادة المنع من البأس في مفهوم خبر عبد الرحمن (١) وموثق عمار السابق (٢) وخبر البصري (٣) وصحيح ابن مسلم (٤) في الحاجز وغيرها ، فتتكثر الأدلة حينئذ على المطلوب ، بل تزداد كثرة أيضا بتفسير جملة من نصوص (٥) الشبر والذراع ونحوهما بإرادة تقدير تقدم الرجل عليها بذلك كما ستعرف.

وقيل والقائل السيد فيما حكي عنه وأكثر المتأخرين ومتأخريهم بل عامتهم عدا النادر كالفاضل في المحكي عن تلخيصه ، والمحدث البحراني في حدائقه ذلك مكروه وهو الأشبه بأصول المذهب وإطلاق الأدلة ، مضافا إلى‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح جميل (٦) : « لا بأس أن تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض ، وكان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد » وفي‌ خبر ابن فضال عمن أخبره عن جميل (٧) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذاه فقال : لا بأس » وإرساله ـ بعد انجباره بالعمل ممن عرفت ، خصوصا وفيهم من لا يعمل إلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٣) لم نعثر على خبر البصري غير خبر عبد الرحمن بن أبى عبد الله البصري الذي ذكره آنفا.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١ و ٣ و ٤ و ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٦.

٣٠٥

بالقطعيات كالسيد وابن إدريس ـ غير قادح ، على أن المظنون اتحاد هذا الخبر مع الصحيح السابق وان اختلف في التأدية للنقل بالمعنى فيه ، فلا بأس حينئذ بالإرسال فيه بعد روايته بطريق صحيح في الفقيه ، ولا يقدح في دلالته التعليل المحتمل إرادة الاستدلال به بطريق الأولوية : أي إذا جازت الصلاة مع اضطجاعها بين يديه وهي حائض فبالأولى الجواز حال صلاتها محاذية له ، أو بطريق عدم التفصيل بين المسلمين ، أو بغير ذلك ، فاحتمال تصحيف « تصلي » فيه بتضطجع لا داعي اليه ولا شاهد عليه ، وفتح مثله في النصوص يرفع الوثوق في كثير منها.

و‌صحيح الفضيل (١) المروي عن العلل عن أبي جعفر عليه‌السلام « إنما سميت مكة بكة لأنه يبك بها الرجال والنساء ، والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ، ولا بأس بذلك وإنما يكره في سائر البلدان » وهو نص في المطلوب بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ الكراهة أو المتشرعية في زمن الباقر عليه‌السلام وإلا فلا ريب في ظهوره في ذلك ، خصوصا بعد غلبة التعبير عند إرادة الحرمة بغيره ، على أنه يمكن الاستدلال بالنص فيه على رفع المنع عن ذلك في مكة متمما بعد القول بالفصل ، بل هو مؤيد حينئذ لإرادة المصطلح من لفظ الكراهة ، وإلى‌ خبر عيسى بن عبد الله القمي سأل الصادق عليه‌السلام « عن امرأة صلت مع الرجال وخلفها صفوف وقدامها صفوف قال : مضت صلاتها ولم تفسد على أحد ولا تعيد ».

وإلى شدة اختلاف النصوص في تقدير البعد والتقدم والمقتضيين لرفع المنع ، ففي موثق عمار (٢) وغيره ما عرفت ، وفي‌ خبر أبي بصير (٣) « سألت الصادق عليه‌السلام عن الرجل والمرأة يصليان جميعا في بيت ، المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٤.

٣٠٦

لا حتى يكون بينهما شبر أو ذراع أو نحوه » ونحوه‌ خبره الآخر (١) لكن مع حذف « أو نحوه » وزيادة « ثم قال : كان طول رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذراعا وكان يضع بين يديه إذا صلى شيئا يستره ممن يمر بين يديه » وصحيح معاوية بن وهب (٢) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد قال : إذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذاه وحدها وهو وحده لا بأس » وفي‌ صحيح زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا كان بينها وبينه ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا فلا بأس إن صلت بحذائه وحدها » وفي‌ حسن حريز أو صحيحه (٤) عن الصادق عليه‌السلام « في المرأة تصلي إلى جنب الرجل قريبا منه فقال : إذا كان بينهما موضع رحل فلا بأس » وفي‌ خبر هشام بن سالم (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « الرجل إذا أم المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه » وفي‌ صحيح زرارة (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن المرأة تصلي عند الرجل فقال : لا تصلي المرأة بحيال الرجل إلا أن يكون قدامها ولو بصدره » وفي‌ المرسل عن جميل (٧) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يصلي والمرأة بحذاء أو إلى جنبه فقال : إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس » ونحوه مرسل ابن بكير (٨) وفي‌ المروي عن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز عن زرارة (٩) عن أبي جعفر عليه‌السلام إلى أن قال : « قلت له : المرأة تصلي حيال زوجها قال : تصلي بإزاء الرجل إذا كان بينها وبينه قدر ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ٧.

(٣) الفقيه ج ١ ص ١٥٩ ـ الرقم ٧٤٨ من طبعة النجف مع اختلاف يسير.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ١١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ٩.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي الحديث ١٣.

٣٠٧

إلى غير ذلك من النصوص التي قد يقرر دلالتها على المطلوب بأن هذا الاختلاف فيها لا يصلح له إلا الكراهة المختلفة باختلاف هذه المراتب شدة وضعفا كما لا يخفى على الخبير الممارس لما وقع منهم عليهم‌السلام في بيان المندوبات والمكروهات من منزوحات البئر وغيرها ، أو بأن هذه النصوص قد اشتركت في الدلالة على عدم اعتبار الحائل والعشر ، فإذا انتفى ذلك ثبت الجواز مطلقا ، إذ لا قائل بالفصل سوى ما يحكى عن الجعفي من المنع فيما دون عظم الذراع والجواز معه ، وهو شاذ لم ينقله إلا قليل ، بل ظاهر جمع الإجماع على خلافه حيث ادعوا عدم القول بالفرق بين القولين المشهورين مؤذنين بدعوى الإجماع على فساد القول الثالث ، فلا بد حينئذ من حمل النهي في بعضها والبأس في مفهوم الآخر على الكراهة ، ومعارضة ذلك بأنها قد اشتركت في الدلالة على المنع في الجملة ، فيثبت خصوص العشر والحائل مثلا لعدم القول بالفصل إلى آخر ما عرفت يدفعها أن ذلك مقتض لطرحها ، ضرورة عدم الوجه لما فيها من التصريح بالجواز مع حصول الشبر ونحوه بما ذكره فيها ، بخلافه على التقدير الأول الذي قد عرفت حمل النهي والبأس على الكراهة باختلاف مراتبها بناء عليه ، ولا ريب أن ذلك أولى من الطرح.

بل منه ينقدح مرجح آخر لأدلة الجواز زائد على الأصل والإطلاقات والشهرة المتأخرة وغير ذلك مما عرفته ، وهو أنه بناء على العمل بها يتجه حمل نصوص المنع على الكراهة التي هي مجاز شائع حتى ادعي مساواته للحقيقة ، بخلاف العكس المقتضي لطرح أدلة الجواز التي هي أكثر عددا وأوضح سندا بل ودلالة ، إذ الأولان وإن اشتملا على لفظ النهي في جواب السؤال الذي يمكن دعوى ظهوره في إرادة مطلق الجواز ، إلا أن الاستدراك بعده بذكر تقديم الرجل الذي هو مستحب على الأصح كما ستعرف قد يشعر بعدم إرادة الحرمة منه ، وإلا كان المناسب استدراك الجائز : أي تقدم.

٣٠٨

أحدهما الذي هو ضد الممنوع لا المستحب الذي هو ضد المكروه.

والثالث أقصاه بملاحظة أن نفي النفي إثبات ثبوت الضرر في المفهوم ، وهو أعم من الكراهة والفساد ، ضرورة تحققه بنقصان ما أعده الله من الثواب لطبيعة الصلاة كتحققه بانعدامه أصلا على تقدير الفساد ، بل ربما ادعى عدم ترتب الثواب بالمرة على المكروه في العبادة وإن حصل به الاجزاء ، ولا ريب في حصول الضرر حينئذ ، كما أنه كذلك أيضا بناء على تفسير الكراهة في العبادة باقتران العبادة بجهة تقتضي المرجوحية بالإضافة لا من جهة نقصان الثواب كما حرر في محله.

والرابع مع الأعضاء عما فيه من التقدير بالأكثر من عشرة مما لا يقول به مرجعه بعد التدبر إلى النفي الاستقامة الذي إن لم يكن مشعرا بالكراهة فلا ريب في تحققه بها ضرورة عدم استقامة المكروه واعتداله واستوائه بنقصانه عما وضع عليه الفعل المجرد عن أمثال هذه العوارض ، وأما إثبات البأس في مفهوم ذيله فهو كغيره من النصوص التي هي كذلك قدر مشترك عرفا بين المحرم والمكروه.

والخامس يمكن إرادة تلقاء الوجه من الحيال فيه كما فسره به في مختصر النهاية الأثيرية ، فيكون فساد صلاتها حينئذ لفقد شرط الجماعة ، إذ الظاهر من الخبر أن صلاتها معهم كانت جماعة ، فلا دلالة فيه على المطلوب ، واستبعاد سؤال علي بن جعفر (ع) عن صحة صلاتها في هذا الحال المعلومية مانعية تقدم المأموم من الصحة يدفعه احتمال الاغتفار في خصوص النساء كالاقتداء لهن خلف الحائل ونحوه.

والسادس مع إشعار لفظ « لا ينبغي » فيهما بالكراهة إن لم يكن ظاهرا فيها بناء الاستدلال بهما على كون الستر فيهما بالسين المهملة والتاء المثناة لا الشين المعجمة والباء الموحدة كما عن المشايخ ضبطه بذلك ، ضرورة كونهما حينئذ من نصوص الشبر التي عرفت شهادتها للمطلوب ، وربما يؤيد الثاني زيادة على ضبط المشايخ لفظ الاجزاء‌

٣٠٩

فيهما الذي لا ينكر ظهوره في أقل المجزي ، وهو إنما يتجه عليه لكونه أقل ما ترتفع به الكراهة ، أما على الأول فهو تمام المجزئ ، إذ ليس بعد الستر منع إجماعا ، ولا يعارضه ظهور لفظ الروايتين فيهما بكون ما بينهما أزيد من شبر ، فلا وجه للاستثناء حينئذ ، إذ قد يقال بأنه يكفي في حسنه كون بعض البيوت في غاية الضيق ، وأن المراد إظهار أقل ما يرفع به المنع ، أو يكون قوله : « ذلك » فيهما إشارة إلى نفس المحاذاة حتى يكون ضابطة كلية.

والسابع إنما يدل على وجوب تأخير هن حيث أخر هن الله ، والبحث في أن المقام منه.

والثامن ـ مع احتياجه إلى التقييد بالعشر والحائل ، وتسليم أن المراد منه ما عرفت لا التقدم في الصلاة كما فهمه في المدارك ، وإلا كانت دليلا ، للاقتصار في المنع على المحاذاة دون التقدم لو وجد قائل به كما يوهمه ظاهر بعض من قصر كما عرفت ـ لا يجوز الاستدلال لأحد الفريقين ، إذ ليس فيه إلا النهي الذي قد عرفت ما يشهد لإرادة الكراهة منه ، مع احتماله النفي وأن السؤال عن الجواز بلا كراهة ، فليس حينئذ إلا الإجماعين المحكيين الموهنين بمصير السيد وأكثر المتأخرين بل عامتهم إلى خلافهما ، بل عن الشيخ حاكي أحدهما في استبصاره ظهور الموافقة للمختار ، ومثلهما لا يعارض بعض الأدلة السابقة فضلا عن جميعا.

وما عساه يقال في معارضة ذلك كله ـ بأن الذي تجتمع عليه جميع النصوص (١) عدا النادر اعتبار الحائل أو العشرة في صورتي تقدم المرأة والمحاذاة ، والاكتفاء بعظم الذراع والشبر ونحوهما في تقدم الرجل عليها ، كما يشهد لذلك خبر تقدمها (٢) بصدره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ و ٨ ـ من أبواب مكان المصلي.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح « قدامها ولو بصدره » كما تقدم في صحيفة ٣٠٧ في التعليقة (٦).

٣١٠

وخبر (١) سجودها عند ركوعه أو ركبتيه ، وصحيح محمد بن مسلم (٢) المتقدم ، بناء على ما رواه الشيخ وغيره من لفظ الشبر بالباء الموحدة ، وزاد يعني « إذا كان الرجل متقدما على المرأة بشبر » فتكون حينئذ نصوص الشبر ونحوه على حالها من الدلالة على المنع إذا لم يحصل تقدم الرجل ولو بما سمعت ، فلا اختلاف في النصوص ، كما أنه لم يبق بعد ذلك من النصوص ما يدل على الجواز مما يعتد به سوى مرسل جميل (٣) المجرد عن التعليل ، وإرادة القرب من المحاذاة منه للتقدم بشبر ونحوه ممكنة ولو للجمع ـ يدفعه ما عرفت من أنه ليس للمنع من الأدلة ما يحسن له هذا التكلف المنافي للفظ المحاذاة وللفظ البينية ، ضرورة عدم صدقهما بتقدم الرجل المقدار المزبور مع خلو الجميع عن إشعار بإرادة تقدم الرجل من البينية المذكورة ، وخبر الصدر (٤) أقصاه الدلالة على الاجتزاء به لا الشهادة على كون المراد ذلك من هذه النصوص ، مع أنه في كشف اللثام احتمل إرادة الخلف منه ، كما أنه احتمل في مرسلي جميل (٥) وابن بكير (٦) وصحيح هشام (٧) إرادة أنها إذا سجدت حاذته إذا ركع وإن كان هو بعيدا ، بل المراد التقدم بالصدر وحده. وأن محل سجودها يكون عند ركبتيه اللتين هما محل الركوع نعم لا شهادة فيها على إرادة التقدم بالشبر وعظم الذراع وموضع الرحل من النصوص الأخر ، على أنه لم يعلم من المانع الكتفاء بمثل هذا التقدم ، خصوصا مع ظهور موثق عمار (٨) في خلافه.

بل ظاهر بعض ما حضرني من كتب المانعين عدم الاكتفاء به في رفع المانع ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣ والباب ٥ ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٩.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

٣١١

ولعل الباقي كذلك ، قال في الخلاف : « لا يجوز للرجل أن يصلي وامرأة تصلي إلى جانبه أو قدامه ـ إلى أن قال ـ : ومتى صلى وصلت إلى جانبه أو قدامه بطلت صلاتهما معا اشتراكا في الصلاة أو اختلفا » ثم ادعى إجماع الفرقة على ذلك ، والظاهر تحقق صدق الصلاة إلى الجانب مع التقدم بشبر ونحوه ، وقال في الغنية : « ويجب عليه أن يجتنب وأمامه أو إلى جانبه امرأة تصلي سواء اشتراكا في الصلاة أو اختلفا بدليل الإجماع » وقال في الوسيلة : « فالمانع من صحة الصلاة ثلاثة أشياء : كونه مغصوبا أو نجسا بحيث يتعدى إليه النجاسة أو بجنبه أو قدامه تصلي امرأة » وقال في إشارة السبق : « ويجتنب إيقاعها وراء امرأة مصلية أو مع أحد جانبيها » إلى غير ذلك ، بل في ظاهر الرياض حكايته الشهرة على العمل بالموثق المزبور بالنسبة إلى ذلك ، حيث أنه ـ بعد أن حكى عن الفاضلين والذخيرة الاجتزاء بتقدم الرجل بشبر ونحوه في رفع الكراهة ، واحتماله عن الشيخ في كتابي الحديث ـ قال : « ولا بأس به لو لا الموثقة السابقة الظاهرة في بقاء المنع في صورة المتأخر إلى أن تتأخر عنه بحيث لا يحاذي جزء منها جزء منه ، والأخبار الصحيحة وإن ترجحت عليها من وجوه عديدة ولكن الأخذ بها أولى في مقام الكراهة بناء على التسامح في أدلتها مع اشتهار العمل بها أيضا ، فلتحمل الصحاح على خفة الكراهة لا انتفائها ، وعليه يحتمل الموثقة » قلت : هو جيد لو أن هذه الصحاح دالة على إرادة التقدم بشبر وعظم الذراع ونحوهما ، وقد عرفت بعده فيها باشتمالها على لفظ المحاذاة والبينية وغيرهما ، بل قد يظهر من ذيل خبر أبي بصير منها أن المراد تقدير الحائل بالشبر وعظم الذراع والرحل ونحوها وإن كان بعيدا في بعضها ، لا المسافة حتى يصح‌ قوله عليه‌السلام فيه : « كان رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » إلى آخره الظاهر في إرادة بيان الاجتزاء بمثله ساترا عن المار ، فليجتز به بين‌

٣١٢

الرجل والمرأة لتحقق الحجز به ، وإلا فلا معنى للاستدلال به على الاجتزاء بالمسافة المذكورة ، اللهم إلا أن يكون كلاما مستأنفا لا مدخلية له في الأول ، لكن على كل حال فيه إشعار بالكراهة لما تعرفه إن شاء الله في استحباب السترة عن المارة ، وأنها بها ترتفع الكراهة ، فبيانها في المقام مما يشعر بكونه مقام كراهة أيضا.

وعلى كل حال فقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا محيص عن القول بالكراهة ، كما أنه يظهر لك من التأمل فيه وجه النظر فيما أطنب فيه في الحدائق من ترجيح المنع ، والظاهر أن المدار في الكراهة أو المنع صحة الصلاتين لو لا المحاذاة ، فلا عبرة بالفاسدة لفقد طهارة مثلا ، أما بناء على أنها اسم للصحيح فواضح ، وأما على الأعم فلأنها المنساقة إلى الذهن في أمثال هذه المقامات ، بل هي المسؤول عن صحتها وفسادها في النصوص السابقة ، فإطلاق الأدلة المقتضي صحة المقارنة لها الفاسدة بحاله بلا معارض.

ومنه يظهر ضعف احتمال التعميم في جامع المقاصد وغيره لإطلاق اسم الصلاة على الصورة غالبا ، ولامتناع تحقق الشرط عند بطلان الصلاتين ، ولا يجدي التخصيص بقيد لولاه ، وفيه أن الإطلاق لا ينافي الانسياق في خصوص المقام ، وأنهما عند الصحة لولاه تنعقدان ثم تبطلان ، ولا تنعقدان عند البطلان ، فلا تبطل الصحيحة منهما ، بل هو عند التأمل مرجعه إلى مغالطة ، كالمحكي عن بعضهم من المناقشة في أصل الحكم بأن المانع إما صورة الصلاة ، وهو باطل ، لعدم اعتبار الشارع إياها ، وإما الصحيحة ، وهو باطل ، وإلا لاجتمع الضدان أو ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح ، ضرورة عدم كون الشرط الصحة ، بل هو عدم البطلان بسبب آخر ، ومعناه الصحة على تقدير عدم المحاذاة والتقدم ، وما أشبه هذه المناقشة بما وقع لأبي حنيفة في الاستدلال على دعواه من اقتضاء النهي في العبادة الصحة ، فلا ينبغي وقوع مثلها بعد وضوح المراد.

ثم لا يخفى أن مقتضى ما ذكرنا عدم الفرق بين معلوم الفساد حال الشروع أو في‌

٣١٣

الأثناء أو بعد الفراغ ، ضرورة انكشاف عدم تحقق المانع حينئذ ، نعم يعتبر إمكان فرض حصول النية من ذي الصلاة الصحيحة ولو بسبب ، جهله بحكم المحاذاة شرعا على وجه يحصل معه نية التقرب وإن لم يكن معذورا به ، إذ عدم معذورية الجاهل لا مدخلية له في المقام ، إذ ليس العذر هنا لجهله بل لانكشاف عدم المانع ، والجهل إنما أفاده إمكان حصول نية التقرب ، وبالجملة فمحل البحث الفساد وعدمه من حيث محاذاة الفاسدة واقعا لا من حيث النية وعدمها.

ومن ذلك يظهر لك ما في شرح الأستاذ الأكبر وغيره ، قال : « يعتبر في رفع المنع حرمة أو كراهة العلم بالفساد قبل الشروع ، فلو علم بعد الفراغ لم يؤثر في الصحة وعدم الكراهة ، لصيرورتها باطلة أو مكروهة بالمحاذاة عنده ، أما الأول فلعدم تأتي نية القربة التي هي شرط الصحة والحلية ، وأما الثاني فلا قد امه على فعل المكروه والمرجوح ، والظاهر انه مكروه ومرجوح » إذ هو كما ترى خروج عن محل البحث ، وأغرب من ذلك ما في الحدائق من أن الظاهر بناء هذه المسألة على مسألة أخرى ، وهي أن الصلاة إذا كانت صحيحة بحسب الواقع ونفسه الأمر وإن كانت بالنظر إلى الظاهر باطلة فهل يحكم بصحتها باعتبار ما كانت عليه في الواقع أو يحكم بالبطلان بالنظر إلى الظاهر؟ المشهور الثاني ، وعليه يتجه ما ذكره الأصحاب هنا ، إلى أن قال : وأما على ما ذهب اليه جمع من الأصحاب من القول الأول في تلك المسألة ، ومنهم السيد في المدارك في مسألة الصلاة قبل الوقت جاهلا أو ناسيا فالوجه الصحة ، وكيف للسيد اختيار البطلان هنا مع اختياره في تلك المسألة الصحة ، إذ لا يخفي على من له أدنى نظر أن ما فرضه من موضوع المسألة غير متصور فضلا عن أن يكون فيه خلاف بين العلماء ، إذ مع فرض الصحة في نفس الأمر كيف يتجه حينئذ البحث في صحتها وفسادها ، والبطلان الظاهري قد انكشف فساده نعم له خلاف أشرنا إليه سابقا في بحث القبلة في خصوص بعض الشرائط كالوقت‌

٣١٤

والقبلة أن الشرط فيها إحراز المكلف لها بطريق العلم أو الظن حيث يعتبر ، أو يكتفي مصادفة المكلف لها مع فرض حصول نية التقرب ، وهو لا مدخلية له هنا ، ضرورة كون المحاذاة مانعة ، فمع فرض أن المانع منها الصحيحة لو لا المحاذاة وفرض حصول نية التقرب للمكلف لم يكن وجه للبطلان أصلا بعد انكشاف عدم المانع وتخيله آنا ما لم يثبت مانعيته كما هو واضح ، وبه يعلم ما في كلام جماعة من المحققين ، منهم من عرفت ، ومنهم المحقق الثاني في جامعه ، ولذا قال في كشف اللثام : « وإن صلى مع الغفلة عن التحاذي أو الحكم أو الاستفسار وكان الظاهر البطلان لم يعد ».

هذا كله في المنكشف فساده من رأس بفقد الطهارة ونحوها ، أما لو حدث الفساد فيه بعروض مبطل في الأثناء ففي البطلان به وعدمه وجهان ينشئان من أنه كالمنكشف فساده بالأخرة ، ومن تحقق الحكم بالمحاذاة واقعا قبل عروض المفسد ، وهو كاف في حصول الفساد ، لعدم الدليل على اعتبار الإتمام صحيحة لو لا المحاذاة في مانعية المحاذاة ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، وأن المدار على تحقق المحاذاة ولو في بعض صلاة صحيحة لو لا المحاذاة ، وهو الأقوى ، هذا.

وفي رجوع كل منهما إلى إخبار الآخر بالصحة والبطلان نظر كما في القواعد وغيرها ينشأ من أن من أسباب الصحة والبطلان ما لم يعلم إلا من قبل المصلي مع أصالة صدقه ، ولأنه إذا أخبر بالبطلان لم يتحقق شرط بطلان صلاة الآخر ، والأصل الصحة ، ولأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، ولأن الصحة التي قد لا تعلم إلا من قبل المصلي لو تعلق بها تكليف مكلف ولم يقبل فيها قول الغير لزم تكليف ما لا يطاق ، ومن أن إخبارها بحال صلاتها بمنزلة الإخبار بحال صلاته ، وهو غير مسموع خصوصا البطلان ، لأصل الصحة وانتفاء شرطه ، والأقرب الأول وفاقا لثاني المحققين والأصبهاني والمحكي عن غيرهما ، خصوصا في البطلان وإن كان في بعض تلك الأدلة نظر.

٣١٥

وقد يظهر من المحكي عن حواشي الشهيد عن نسخة مقررة على الفاضل المصنف التفصيل بين الاخبار بالبطلان والصحة ، فيقبل الأول دون الثاني ، قال : « الأقرب قبول إخبارها بعدم طهارتها ، للاستناد إلى أصلين : عدمها وصحة صلاة الرجل ، لا بطهارتها ، استنادا إلى خلافهما : طهارتها وبطلان صلاته » وفيه ـ مع أن هذا رجوع إلى الأصول لا إخبارها ـ يعضد إخبارها بالطهارة أصالة الصحة والاندراج في ظاهر النصوص ، وضرورة صدق أنه صلى وامرأة تصلي بحذاه أو أمامه صلاته لم يعلم فسادها.

بل قد يقوى اعتمادا على ذلك وعلى أصالة البراءة عدم وجوب السؤال والاستفسار عليهما ، خلافا لجامع المقاصد معللا له بأنه متى صح الرجوع إلى المرأة المحاذية في صحة صلاتها تحتم على الرجل إعادته صلاته ، وكذا في الطرف الآخر ، لأن شرعية الإعادة حتما موقوفة على تحقق الإعادة ، فمع تحقق فساد صلاتها لا تشرع الإعادة كذلك ، وهو كما ترى ، إذ يكفي في تحتم الإعادة ما عرفت من أصالة الصحة والاندراج في ظاهر النصوص من غير حاجة إلى الاستفسار ، ولعل مراده وجوب الرجوع بعد فرض الاخبار ، فيتجه حينئذ ما ذكره ، إذ هو معنى صحة الرجوع إليها في الحقيقة.

وفي كشف اللثام متصلا بما نقله عن المقروة على الفاضل « وعليه الاستفسار إذا احتملت الصحة ، وكذا إذا فرغ من الصلاة واحتمل البطلان وقد شرع فيها غافلا أو مع زعم الفساد ثم احتمل الصحة ، فان لم يكن لم يشرع فيها » وكأنه أشار بذالك إلى تنقيح ما في جامع المقاصد ، قال : « إني لم أطلع على عبارة لأحد من الأصحاب فيها التعرض لوقت الرجوع هل قبل الصلاة أم بعدها أم في خلالها أم مطلقا؟ ـ إلى أن قال ـ : والذي يقتضيه النظر ان الاخبار إن كان قبل الصلاة وجب قبوله ، وإن كان بعدها فإن أخبر ببطلان صلاته لم يؤثر ذلك في صلاة الآخر التي قد حكم ببطلانها بصلاة الأصل فيها الصحة ، وإن أخبر بالصحة فلا أثر له ، لتحقق البطلان قبل ذلك ، هذا‌

٣١٦

إذا شرعا في الصلاة عالمين بالمحاذاة المفسدة ، ولو شرعا في الصلاة وكان كل واحد غير عالم بالآخر لظلمة ونحوها ففي الإبطال هنا تردد ، فان قلنا به ففي رجوع أحدهما إلى الآخر في بطلان صلاته لتصح الأخرى نظر ، من الحكم ببطلانها ، وكونها على ظاهر الصحة ، فلا يؤثر فيها الحكم بالبطلان الذي قد علم خلافه بخلاف الصلاة التي فعلها المصلي على اعتقاد فسادها ، فإنها لا تصير صحيحة بعد ، لفوات النية ، وإن كان في خلالها فان شرعا عالمين فلا كلام في الابطال ، وكذا لو علم أحدهما اختص ببطلان صلاته ، وإن لم يعلم كل منهما بالآخر ثم علما ففي رجوع أحدهما إلى الآخر في بطلان صلاته التردد » انتهى.

وفيه مواضع للنظر يعرف بعضها مما قدمنا وإن تبعه على بعضه في المدارك فقال : « لا بد من العلم قبل الشروع ولو بالاخبار ، ولو وقع بعده لم يعتد به ، للحكم ببطلان الصلاة ظاهرا بالمحاذاة وإن ظهر خلافه بعده ، ولو لم يعلم أحدهما بالآخر إلا بعد الصلاة صحت الصلاة ، وفي الأثناء يستمر » إذ قد سمعت أولا أن الحكم بالصحة ظاهرا لا يجدي بعد ظهور البطلان ولو باخباره الذي قد عرفت اعتباره ، وان احتمال الفساد هنا من جهة النية لا مدخلية له فيما نحن فيه ، وثانيا أن الظاهر مانعية المحاذاة وإن لم يعلم بها إلا بعد الفراغ أو غفل عنها أو كان غير ذلك ، تمسكا بظاهر الأدلة كغيره من الشرائط والموانع وإن كانت مستفادة من أوامر ونواهي ، لما سمعته غير مرة من انسياق المانعية التي هي حكم وضعي من غير تقييد بالتكليفي ، إلى غير ذلك من وجوه النظر التي لا تخفى خصوصا بعد ملاحظة ما سلف له من قبول إخبار كل منهما ، فلاحظ وتأمل جيدا.

ثم إن صريح الدروس وظاهر كثير كما عن الروض وفي كشف اللثام أنه ظاهر كلام الشيخين والتلخيص بل عن كشف الالتباس انه المشهور عدم الفرق في ذلك بين اقتران الصلاتين وعدمه ، بل قد سمعت ما عن غاية المراد من أنه إذا بطلت صلاته‌

٣١٧

بطلت صلاتها ، ولا قائل بالفرق ، قلت : وهو قوي ، لمعلومية قاعدة أن مانع صحة الجميع مانع للبعض ، ولظاهر ذيل صحيحي ابني مسلم (١) وأبي يعفور (٢) وخبر أبي بصير (٣) بل لعله يظهر من باقي النصوص أيضا وإن كان فيها الجملة الحالية ، إلا أنها تتحقق أيضا في اللاحقة في الأثناء ، وصحيح علي بن جعفر (٤) السابق لم يعلم فيه الأمر بإعادة المرأة خاصة للاجتماع المفروض كي يدل على صحة السابقة ، واستبعاد فساد فعل مكلف بفعل آخر خصوصا إذا لم يكن عالما حين شروعه بوقوع التحاذي حتى يحترز منه استبعاد لغير البعيد بعد ظهور الأدلة فيه ، كما أنه لا جهة للتمسك باستصحاب الصحة معه.

ومن ذلك كله يعلم ما في المدارك من القطع باختصاص المتأخرة بالنهي تبعا لجده في المسالك ، والمحكي عن أستاذه وابن فهد في الموجز ، ومال إليه في كشف اللثام ، واختياره في المنظومة ، وكأنه يميل إليه في الذكرى ، بل عن المحقق الثاني في أكثر كتبه وتلميذيه الميل اليه ، بل عن حاشية الإرشاد له الجزم به ، لكن الموجود فيما حضرني من نسختها التفصيل ، قال في شرح متن الإرشاد بعد أن اختار الكراهة : « وينبغي أن يخص بها إذا تحرما بالصلاة دفعة ، أو كان كل منهما غير عالم بالآخر ثم علما في خلال الصلاة ، أو سبق أحدهما ثم تحرم الآخر وهو لا يعلم بالأول ، وإلا فيختص المنع بالثاني أعني الذي تحرم بعد الأول ، لأن المحاذاة في الصلاة ، الممنوع منها إنما يحصل بسببه » وهو كما ترى لا يساعده على هذا التفصيل دليل ، كما أنه لا يساعد ما عن غير واحد من الكتب السالفة التي خصت الفساد بالمتأخرة من التقييد بما إذا لم يكن الأول عالما حين شروعه ، وكأن ذلك كله لما قوي في نفوسهم استبعاد البطلان للمنعقد صحيحا بما لم يفعله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

٣١٨

ولا تقصير له في التحرز عنه ، بل ربما أيد بالأخبار (١) الدالة على أن صلاة المسلم لا يقطعها شي‌ء ، والشي‌ء نكرة في سياق النفي تفيد العموم لمحل البحث ، بل في‌ صحيح أبي بصير (٢) منها « لا يقطع صلاة المسلم شي‌ء كلب ولا حمار ولا امرأة » ولا معنى له إلا إرادة شي‌ء من فعلها ، لكن من المعلوم أن ذلك كله لا يعارض ما سمعته من الأدلة السابقة ، فالقول بالتعميم حينئذ على تقدير البطلان لا يخلو من قوة ، نعم قد يقال بالاختصاص على تقدير الكراهة ، لعدم إمكان التخلص منها بعد فرض تلبسه بما يحرم قطعه عليه ، فلا يصح تكليفه حينئذ بها ، ولعل الحكم بالاختصاص في بعض الكتب المزبورة للبناء ، منهم على الكراهة ، اللهم إلا أن يقال بجواز القطع له ، أو كان متلبسا فيما يجوز قطعه ، أو يقال بصحة الكراهة بمعنى أقلية الثواب وإن لم يتمكن من بدل كما في النفل في الأوقات المكروهة والصوم تطوعا في السفر ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( يزول التحريم أو الكراهة ) عن المحاذاة إذا كان بينهما حائل بلا خلاف أجده فيه ، بل عن المعتبر وما تسمعه من المنتهى الإجماع عليه ، وعن البحار كأنه لا خلاف فيه ، ومنه وغيره يعلم أن ترك ذكره في النهاية والخلاف والوسيلة والغنية والسرائر وكذا المقنعة والمبسوط على ما حكي عن البعض ليس للخلاف فيه ، وكيف كان فالحجة عليه ـ بعد الإجماع المحكي المعتضد بما سمعت ، وللأصل ، وإطلاق الأدلة المسلمين عن المعارض بعد انسياق غيره من نصوص المنع ـ خصوص‌ صحيح ابن مسلم (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام في المرأة تصلي عند الرجل قال : « إذا كان بينهما حاجز فلا بأس » والمروي عن‌ قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٨ و ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

٣١٩

عن علي بن جعفر (١) أنه سأل أخاه (ع) « عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في مسجد قصير الحائط وامرأته قائمة تصلي وهو يراها وتراه؟ قال : إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس » مضافا إلى صحيحي الحلبي (٢) وابن مسلم (٣) السابقين على قراءة « ستر » فيهما بالمهملة والمثناة ، فتصح حينئذ صلاتهما معا به كما نص عليه غير واحد ، بل عن المنتهى الإجماع عليه ، بل لعله قضية إجماع المعتبر السابق بل والفتاوى ، لكن في التحرير « صحت صلاته » ولعله لا يريد التخصيص.

وليس الظلمة من الحاجز والستر عرفا ، ولا العمى ولا تغميض العين ، وفاقا لجماعة ، وإلا لأومي إليه في النصوص ، بل هي خصوصا الأخير أيسر من غيرها ، خلافا للمحكي عن الشهيد الثاني في الأولين ، ومحتمل الأول فيهما ، وكشف اللثام في خصوص الأول منهما ، وفي التحرير « لو كان الرجل أعمى فالوجه الصحة ، ولو غمض الصحيح عينيه فإشكال » ولعله لتخيل أن المراد بالستر المنع عن النظر ، ولذا ارتفعت الكراهة مع صلاتها خلف ، وهو كما ترى من العلة المستنبطة ، ولقد أجاد الفاضل في المحكي عن نهايته في قوله : « وليس المقتضي للتحريم أو الكراهة النظر ، لجواز الصلاة وإن كانت قدامه عارية ، ولمنع الأعمى ومن غمض عينيه » وظاهره المفروغية من عدم الاكتفاء بهما ، وهو في محله ، واحتمال تعميم الحاجز والستر لما يشمل ذلك كما ترى حتى في الظلمة فضلا عن غيرها ، بل ظاهر الخبرين الأولين عدم اعتبار المنع من النظر فيه ، بل هو صريح ثانيهما ، كصحيحه الآخر (٤) سأل أخاه (ع) « عن الرجل يصلي في مسجد حيطانه كوى كله قبلته وجانباه وامرأته تصلي حياله يراها ولا تراه فقال : لا بأس » بل قد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ـ ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ـ ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

٣٢٠