جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وفيه مواضع للنظر ، منها ما عرفت ، ومنها أنه قد يدفع التشريع إطلاق صحيح زرارة وخبر علي بن جعفر وخبر جميل وغيرها الذي لا يعارضه مورد السؤال في صحيح ابن سنان ، بل ولا ما فيه من اشتراط تقليد السيف بعدم الثوب الخارج مخرج الغالب في ترددي الثوب لواجده ، على أن المقصور منه على الظاهر بيان شدة المحافظة على صورة التردي وعدم سقوطها حتى في هذا الحال ، لا أن المراد منه حقيقة الشرطية ، كما أن صحيح ابن مسلم كذلك قطعا ، فمن الغريب دعوى التشريعية بعد ظهور النصوص في ذلك ، نعم ظاهر‌ قوله عليه‌السلام في الصحيح : « تجزيك » إلى آخره ان ذلك أقل المجزي في رفع الكراهة أو حصول الاستحباب ، بل المراد من أقليته على الأول تخفيف الكراهة ، كما أن المراد منه على الثاني تحصيل جملة من ثواب المستحب ، وإلا فالأفضل منه التردي مثلا حقيقة ، ومنها أنه لا يخفى على كل ذي مسكة بعد معروفية ستر المنكبين بالرداء أن المراد من هذه النصوص البدلية عنه ، وأنه هو الفرد الكامل ، بل‌ قوله عليه‌السلام في خبر مرازم : « أو عمامة يرتدي به » كالصريح في ذلك ، وأصرح منه‌ خبر وهب بن وهب (١) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « ان عليا (ع) قال : السيف بمنزلة الرداء تصلي فيه ما لم تر دما ، والقوس بمنزلة الرداء » فلا ريب حينئذ في دلالة هذه النصوص على كون الرداء هو الأصل ، وأن هذه أبدال له تخف بها الكراهة أو يحصل بها معظم الثواب ، بل قد ترتفع الأولى ويحصل الجميع في مقام الاضطرار ، فتأمل جيدا في جميع ما ذكرنا ليظهر لك أيضا ما في المحكي عن البحار أيضا من أن الرداء انما يستحب للإمام وغيره إذا كان في ثوب واحد لا يستر منكبيه أو لا يكون صفيقا وإن ستر منكبيه ، ولكنه في الإمام آكد ، وإذا لم يجد ثوبا يرتدي مع كونه في إزار وسراويل فقط يجوز أن يكتفى بالتكة والسيف والقوس ونحوها ، ويمكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

٢٦١

القول باستحباب الرداء مع الأثواب ، لكن الذي ورد فيه التأكيد الشديد يكون مختصا بما ذكرناه ، أما ما هو الشائع من جعل منديل أو خيط على الرقبة في حال الاختيار مع لبس الأثواب المتعددة ففيه شائبة بدعة ، بل وما في الحدائق من أنه لا خصوصية للرداء أصلا لا في الامام ولا في غيره ، وانما المستحب ستر المنكبين به أو بغيره ، وربما أمكن كونه خرق الإجماع ، بل وما في غير هما من كتب متأخري المتأخرين ، والحمد لله رب العالمين ، هذا.

وقد صرح غير واحد من الأصحاب بكراهة سدل الرداء ، بل ربما نسب إلى الأكثر ، ولعله لخبر زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام على قوم فرآهم يصلون في المسجد قد سدلوا أرديتهم فقال : ما لكم قد سدلتم ثيابكم؟ كأنكم يهود قد خرجوا من فهرهم يعني بيعهم ، وإياكم وسدل ثيابكم » لكن قد ينافيه‌ خبر عبد الله بن بكير (٢) « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلي ويرسل جانبي ثوبه قال : لا بأس » وخبر علي بن جعفر (٣) عن أخيه موسى عليهما‌السلام « سألته عن الرجل هل يصلح له أن يجمع طرفي ردائه على يساره؟ قال : لا يصلح جمعهما على اليسار ، ولكن اجمعهما على يمينك أودعهما » وخبر أبي بصير (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بأن يصلي الرجل وثوبه على ظهره ومنكبيه فيسبله إلى الأرض ولا يلتحف به ، وأخبرني من رآه يفعل ذلك ».

وقد يجمع بينها ـ مع عدم كون الثاني منها في الصلاة ، ولعل معناه النهي عما يفعله أهل الهند من إلقاء طرف الرداء على الأيسر ، والأمر بالمسنون الذي هو إلقاؤه على الأيمن ، فهو جمع الطرفين عليه ـ بحمل نفي البأس والأمر بالدعة على الجواز ، أو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

٢٦٢

بما عن النهاية ، قال : « نهي عن السدل في الصلاة ، وهو أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك ، وكانت اليهود تفعله فنهوا عنه ، وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب » وقيل هو أن يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه ، ومنه‌ حديث علي عليه‌السلام (١) « انه رأى قوما » إلى آخره. ومنه‌ حديث عائشة (٢) « أنها سدلت قناعها وهي محرمة » أي أسبلته ، وقال في المغرب : « سدل الثوب سدلا من باب طلب إذا أرسله من غير أن يضم جانبيه ، أو هو أن يلقيه على رأسه ويرخيه على منكبيه ، وأسدل خطأ » قال الكاشاني : « والفرق بين ما نهي عنه في هذا الحديث وبين ما جواز في الحديث السابق بوضعه على الرأس ووضعه على المنكب » قلت : هو مخالف للمعروف من معنى السدل الذي هو الإرخاء بلا شاهد ، قال في المحكي عن نهاية الأحكام : « السدل أن تلقى طرف الرداء من الجانبين ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الآخر ولا يضم طرفيه بيده » وعن النفلية « هو أن يلتف بالإزار ولا يرفعه على كتفيه ، وعلى كل حال هو مخالف لما ذكره ، ولو جمع بينهما بأن المكروه سدل الرداء على الإزار مثلا دون الجبة والقميص كان وجها ، لشهادة‌ خبر الحسين بن علوان (٣) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : « انما كره السدل على الإزار بغير قميص ، فأما على القميص والجباب فلا بأس » لكنه خلاف إطلاق المصرح بالكراهة ، فالأولى ما ذكرناه أولا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣ مع اختلاف في اللفظ في الثاني.

(٢) سنن أبى داود ـ ج ٢ ص ١٦٧ ـ باب المحرمة تغطي وجهها ـ الرقم ١٨٣٣ ونصه‌ « عن عائشة قالت : كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جلوزونا كشفناه ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨ مع اختلاف في اللفظ في الثاني.

٢٦٣

والمراد بالرداء على ما صرح به بعضهم الثوب الذي يجعل على المنكبين ، ولعل المراد الإشارة بذلك إلى ما هو المستفاد من النصوص وغيرها من أنه ثوب مخصوص ليس بذي أكمام يستر أعالي البدن يلبس فوق الثياب ، قال في المحكي عن مجمع البحرين : « إنه ما يستر أعالي البدن فقط ، أو الثوب الذي على العاتقين وبين الكتفين » ومن ابن الأثير « أنه الثوب أو البرد الذي يضعه الإنسان على عاتقه وبين كتفيه » وفوق ثيابه » قلت : على كل حال كون الصباءة فردا منه به يرفع يقين الكراهة ويحصل يقين الاستحباب لا يخلو من إشكال ، فالأحوط وضع غيرها مما هو على الكيفية المزبورة ، والله أعلم.

وكذا يكره أن يصحب شيئا من الحديد بارزا إجماعا محكيا عن المعتبر والتذكرة وجامع المقاصد إن لم يكن محصلا سواء كان ملبوسا أو غير ملبوس ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر السكوني (١) : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يصل الرجل وفي يده خاتم حديد » وسأله الساباطي (٢) « عن الرجل يصلي وعليه خاتم حديد قال : لا ، ولا يتختم به الرجل فإنه من لباس أهل النار » بل هو ظاهر في كراهة التختم به في غير الصلاة ، كخبر أبي بصير (٣) عن الصادق عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تختموا بغير الفضة ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما طهرت كف فيها خاتم حديد » وقد يستفاد منه أن الحديد غير الفضة ، وعلى كل حال فهو ظاهر الدلالة على كراهة اللبس مطلقا ، ويتأكد حينئذ في الصلاة ، واليه أومأ في الخلاف بقوله : « يكره التختم بالحديد خصوصا في حال الصلاة » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

٢٦٤

ثم احتج بالإجماع ، ولا ينافيه ما في‌ خبر عبد خير (١) المروي عن العلل « كان لعلي ابن أبي طالب عليه‌السلام أربعة خواتيم يتختم بها : ياقوت لنيله ، وفيروزج لنصره ، والحديد الصيني لقوته ، وعقيق لحرزه » بعد إمكان حمله على إرادة بيان الجواز ، أو على افترانه بما يرفع الكراهة من المرجحات ، أو على التخصيص بالصيني لكن في اللبس خاصة ، لأنه غير مناف لإطلاق الكراهة فيها الذي ذكرناه ، خصوصا بعد‌ مكاتبة الحميري (٢) المروية عن الاحتجاج إلى صاحب الزمان عليه‌السلام « يسأله عن الفص الخماهن هن هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه؟ فكتب الجواب فيه كراهية أن يصلى فيه وفيه أيضا إطلاق ، والعمل على الكراهية ، وسأله عن الرجل يصلي وفي كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد هل يجوز ذلك؟ فكتب في الجواب جائز » والخماهن على ما قيل الحديد الصيني ، لكن عن نسخة « الجواهر » بدل الخماهن ، فيسقط بها التأييد حينئذ ، إلا أنك قد عرفت عدم الحاجة اليه.

وكيف كان فقد يقال بشدة الكراهة في خصوص الخاتم من حديد ، للنهي عنه بالخصوص في جملة من النصوص ، منها ما عرفت زيادة على اندراجه في لبس الحديد المنهي عنه فيها ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر النميري (٣) في الحديد : « انه حلية أهل النار ـ إلى أن قال ـ : وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين ، فحرم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة إلا أن يكون قبال عدو فلا بأس به ، قال : قلت : فالرجل يكون في السفر معه السكين في خفه لا يستغني عنها ، أو في سراويله مشدودا ، والمفتاح يخشى إن وضعه ضاع ، أو يكون في وسطه المنطقة من حديد قال : لا بأس بالسكين والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة ، وكذا المفتاح إذا خاف الضيعة والنسيان ، ولا بأس بالسيف وكل آلة السلاح في الحرب ، وفي غير ذلك لا يجوز الصلاة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

٢٦٥

في شي‌ء من الحديد ، فإنه نجس ممسوخ » ومنه يستفاد عدم الاختصاص باللبس ، كقول الصادق عليه‌السلام في مرسل المدائني (١) : « لا يصل الرجل وفي تكته مفتاح حديد ».

لكن هذه النصوص كما ترى لا فرق فيها بين البارز وغيره ، فلا يبعد القول بإطلاق الكراهة المتسامح فيها ، بل قد يؤيده النهي (٢) عن الصلاة في السيف ونحوه مع غلبة كونه في الغلاف ، نعم ينبغي استثناء حال الحرب وخوف التلف والضرورة للخبر المزبور ، بل قد يستفاد منه مراعاة الميزان لا ارتفاعها بمطلق الستر ، اللهم إلا أن يكون الدليل عليه ما عن المصنف في المعتبر ، قال : قد بينا أن الحديد ليس بنجس بإجماع الطوائف ، فإذا ورد التنجيس حملناه على كراهية استصحابه ، فإن النجاسة تطلق على ما يستحب أن يجتنب ، وتسقط الكراهية مع ستره ، وقوفا بالكراهة على موضع الاتفاق ممن كرهه ، وما أرسله الكليني (٣) بعد خبر المدائني المزبور انه « روي وإذا كان المفتاح في غلاف فلا بأس » وما عن التهذيب من انه قد قدمناه في‌ رواية عمار (٤) « ان الحديد متى كان في غلافه فلا بأس بالصلاة فيه » متممين بعدم القول بالفصل بين الغلاف وغيره مما يستره ، بل قد يدعى انسياق إرادة الستر من ذلك ، خصوصا بعد فهم المشهور.

وكيف كان فلا ريب في كون الحكم على الكراهة ، لضعف الأخبار المزبورة عن تقييد الإطلاقات ، ومعارضة المحكي من الإجماعات المعتضدة بالشهرة ، وما دل (٥) على جواز الصلاة في السيف ، وخصوص التوقيع السابق وغير ذلك ، بل في المدارك احتمال ضعفها عن معارضة أصالة عدم الكراهة ، فضلا عن معارضة دليل الجواز ، على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٤) التهذيب ج ٢ ـ ص ٢٢٧ من طبعة النجف.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب لباس المصلي.

٢٦٦

أنا لم نجد عاملا صريحا بهذه النصوص ، لجريان احتمال الكراهة في عبارة من عبر بمضمونها من القدماء ، كالمحكي عن مقنع الصدوق « لا تصل وفي يدك خاتم حديد ، ولا تجوز الصلاة في شي‌ء من الحديد إلا إذا كان سلاحا » والنهاية « لا تجوز الصلاة إذا كان مع الإنسان شي‌ء من حديد مشهر مثل السكين والسيف ، فان كان في غمد أو قراب فلا بأس بذلك ، والمفتاح إذا كان مع الإنسان لفه في شي‌ء ولا يصلي وهو معه مشهر » والمهذب « ان مما لا تصح الصلاة فيه على حال ثوب الإنسان إذا كان عليه سلاح مشهر ، مثل سيف أو سكين ، وكذلك إذا كان في كمه مفتاح حديد إلا أن يلفه » وإلا كانوا محجوجين بما عرفت ، والله أعلم.

وكذا يكره الصلاة في ثوب متهم صاحبه المباشر له بالنجاسة ، وفاقا للمشهور ، لأن‌ علي بن جعفر (١) سأل أخاه عليهما‌السلام « عن رجل اشترى ثوبا من السوق للبس لا يدري لمن كان قال : إن اشتراه من مسلم فليصل فيه ، وإن اشتراه من نصراني فلا يصل فيه حتى يغسله » وعبد الله بن سنان (٢) عن الصادق (ع) في الصحيح أيضا « عن الذي يعير ثوبا لمن يعلم أنه يأكل الجري ويشرب الخمر فيرده أفيصلي فيه قبل أن نغسله؟ فقال : لا يصلي فيه حتى يغسله » وسأله العيص (٣) في الصحيح أيضا « عن الرجل أيصلي في إزار المرأة وفي ثوبها ويعتم بخمارها؟ فقال : إذا كانت مأمونة فلا بأس » ومنه يعلم عدم الفرق بين الاتهام لأن دينه عدم النجاسة ، أو لعدم المبالاة بما يقتضيه دينه ، كما يومي إلى ذلك ما تقدم سابقا في كراهة سؤر الحائض غير المأمونة (٤) بل للتسامح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأسئار من كتاب الطهارة.

٢٦٧

في الكراهة يمكن تعميمها للاتهام بسائر المحرمات من الغصب وغيره كما صرح به الفاضل والشهيدان والعليان وغيرهم على ما حكي عن البعض ، وربما كان في إطلاق الأمن وما تقدم سابقا من تجنب الجلود المأخوذة من مستحل الميتة بالدبغ ومعلومية رجحان الاحتياط الذي يمكن دعوى ظهور بعض أدلته في كراهة تركه مطلقا ، أوفي خصوص الصلاة التي أمرها شديد ، وينبغي النظر فيما يفعلها فيه وعلى ما يفعلها ( إيماء إلى ذلك ) (١).

وعلى كل حال فلا حرمة قطعا في المتهم بالنجاسة فضلا عن غيره ، لما سمعته سابقا في كتاب الطهارة مفصلا من عدم التنجيس بغير العلم من الاحتمال والظن ، واحتمال التعبد للنواهي السابقة وإن لم نقل بالتنجيس في غاية الضعف ، لوجوب حمل النهي فيها على الكراهة ، لأن‌ ابن سنان كما سأله عن ذلك فنهاه كذلك ، سأله (٢) « عن الذمي يعيره الثوب وهو يعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده عليه أيغسله؟ فقال له : صل فيه ولا تغسله ، فإنك أعرته وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه ، فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه » وسأله ابن عمار (٣) أيضا « عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم أخباث وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال ألبسها ولا أغسلها وأصلي فيها قال : نعم ، فقطعت له قميصا وخطته وفتلت له أزرارا ، ورداء من السابري ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة » وجميل بن عياش (٤) أيضا « عن الثوب يعمله أهل الكتاب أصلي فيه قبل أن يغسل‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في النسخة الأصلية وانما زاده القمشهى رحمة الله عليه لتصحيح العبارة ولعل العبارة وافية بدونه بأن كان « الإيماء » مستترا في قوله قدس‌سره : « وربما كان في إطلاق الأمن ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥ وفي الوسائل‌ « عن عبد الله بن جميل بن عياش عن أبى علي البزاز عن أبيه قال. » ..‌ إلخ.

٢٦٨

قال : لا بأس ، وإن يغسل أحب إليّ » إلى غير ذلك من النصوص الواضحة الدلالة التي يجب بسبب اعتضادها بأكثر الفتاوى مع ذلك ، وبالأمر (١) بالرش للثوب المأخوذ من المجوسي الظاهر في عدم إرادة التطهير منه ، وبغير ذلك حمل النهي في غيرها على الكراهة ، فما عن الكاتب والمبسوط والجامع والسرائر من حرمة الصلاة في ذلك لا ريب في ضعفه ، بل ربما حكي عن الأول ما يقضي بموافقته المشهور ، كما أن المحكي عن الثاني من النهي لا صراحة فيه ، خصوصا بعد تصريحه في المحكي عن نهايته بعدم الحرمة ، وعلى كل حال فالتحقيق ما عرفت ، والله أعلم.

وكذا يكره أن تصلي المرأة في خلخال له صوت وفاقا للمشهور بين الأصحاب ، لما فيه من اشتغال القلب به الذي يمكن دعوى ظهور النصوص (٢) في كراهة كل ما يحصل به ، فيتعدى حينئذ إلى كل شاغل للقلب أي شاغل يكون ، ولعله لذا كان المحكي عن الروض تعدية الحكم إلى الجلجل وكل مصوت ، لكن عن نهاية الأحكام الإشكال فيه ، وفي كشف اللثام يقوى التعدية النهي عن اتخاذه ، وفي السرائر انه مروي وفي الصحيح (٣) ان علي بن جعفر سأل أخاه (ع) « عن الخلاخل هل يصلح للنساء والصبيان لبسها؟ فقال : إذا كانت صماء فلا بأس ، وإن كان له صوت فلا » قلت : قد يقال بظهور هذا الصحيح في الصلاة بملاحظة ما قبله وما بعده ، لأنه قد اشتمل على أسئلة كثيرة كلها متعلقة بالصلاة ، بل المتأخر عنه بلا فصل (٤) « وسألته عن فأرة المسك تكون مع الرجل في جيبه أو ثيابه قال : لا بأس بذلك » ولا شك في أن المراد حال الصلاة مع أنه أطلق كالإطلاق السابق ، كل ذلك مضافا إلى ذكر الأصحاب له‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٢٦٩

بالخصوص ، وإلى ما يمكن أن يقال من أن إطلاق الكراهة يقضي بالكراهة في خصوص الصلاة ، كما يومي اليه تعليل النهي (١) عن السواد والحديد بأنه لباس أهل النار (٢) بل قد عرفت في الذهب والحرير دعوى أن عموم المنع في مثل ذلك يقضي به في الصلاة وإن كان فيها ما فيها.

وعلى كل حال فما عن المهذب من « أنها مما لا تصح فيها الصلاة بحال » والنهاية « لا تصلي المرأة فيها » لا ريب في ضعفه إن أريد منه ذلك حقيقة ، لعدم دليل يصلح لتقييد الإطلاقات والعمومات ، ونفي الصلاحية في الصحيح المزبور إن لم يكن ظاهرا في الكراهة ولو بمعونة الشهرة القريبة من الإجماع هنا فلا ظهور فيه بالمنع قطعا ، كما هو واضح ، والأمر بستر الزينة والنهي عن ضرب الأرجل وقلنا إن صوت الخلخال منها لا مدخلية له في الصلاة ، فلو كشفته حينئذ عمدا للناظر المحترم لم تبطل صلاتها وإن قلنا بوجوب ستره عليها عن الناظر ، لكنها حرمة خارجية لا تقدح في الصلاة ، للأصل ، وإطلاق الأدلة ، خلافا للأستاذ في كشفه ، فلم يستبعد البطلان بكشف الزينة عمدا في غير محل الرخصة ، وضعفه واضح.

وكذا يجوز ولكن يكره الصلاة في ثوب فيه تماثيل أو خاتم فيه صورة على المشهور بين الأصحاب ، بل عن المختلف نسبته إلى الأصحاب ، لصحيح ابن بزيع (٣) سأل الرضا عليه‌السلام « عن الصلاة في الثوب المعلم فكره ما فيه التماثيل » وخبر عبد الله بن سنان (٤) عن الصادق عليه‌السلام « انه كره أن يصلي وعليه ثوب فيه‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية المسودة والمبيضة والأولى أن تكون العبارة كذا « تعليل النهي عن الصلاة في السواد ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١ ـ والباب ٣٢ ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

٢٧٠

تماثيل » بناء على أن لفظ الكراهة ولو في زمن الصادقين عليهما‌السلام حقيقة في جائز الفعل راجح الترك ، بل لو سلم كونه للقدر المشترك يجب هنا للشهرة العظيمة بين الأصحاب وغيرها إرادة ذلك منه ، فيشهد حينئذ على إرادة الكراهة أيضا مما في‌ خبر علي بن جعفر (١) عن أخيه (ع) المروي عن المحاسن « عن الثوب يكون فيه التماثيل أو في علمه ، أيصلى فيه؟ قال : لا يصلى فيه » من النهي ، ومما في‌ موثق عمار (٢) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « في الثوب يكون في علمه مثال الطير أو غير ذلك أيصلى فيه؟ قال : لا ، والرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك قال : لا تجوز الصلاة فيه » خصوصا بعد اشتمال الموثق المزبور على النهي عن التختم بالحديد والصلاة فيه الذي قد عرفت حمله على الكراهة ، وخصوصا بعد‌ خبر علي بن جعفر (٣) المروي عن قرب الاسناد للحميري أنه سأل أخاه عليهما‌السلام « عن الخاتم يكون فيه نقش سبع أو طير أو يصلي فيه؟ قال : لا بأس » مؤيدا بما في‌ الصحيح عن البزنطي (٤) « ان الرضا عليه‌السلام أراه خاتم أبي الحسن عليه‌السلام وفيه وردة وهلال في أعلاه » بناء على إرادة الأعم من ذي الروح من المثال والصورة ، وعلى إرادتها من البأس في مفهوم‌ الصحيح (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « لا بأس أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه » مؤيدا ذلك كله بما‌ في الصحيح (٦) « لا بأس أن يصلي وفي كمه طير » بل وبما في الحدائق من الاستدلال على الجواز بصحيح ابن مسلم (٧) الوارد في الدراهم ، ونفي البأس في صحيحه الآخر (٨) وغيره‌ « عن تماثيل الشجر والشمس » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٩.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام المساكن ـ الحديث ١٧ و ٦ من كتاب الصلاة.

٢٧١

ولفظ « لا أشتهي » و « لا أحب » في بعض النصوص (١) ونحو ذلك ، بل جعل فيها هذا ونحوه الدليل الذي به يخرج عن حقيقة النهي » وإن كان قد يناقش فيه بأن ليس شيئا مما ذكره فيما نحن فيه من الصلاة في الثوب والخاتم ، ولا أولوية ولا تنقيح ، فالأولى أخذ ذلك مؤيدا لا دليلا على المطلوب ، فضلا عن كونه الدليل.

وعلى كل حال فما عن النهاية وظاهر المبسوط من الحرمة فيهما والمهذب وظاهر المقنع في الحاتم لخبر عمار المزبور ضعيف ، لما عرفت ، بل عن المنتهى انه لا يعتمد على هذه الرواية في الدلالة على التحريم ، لقصور اللفظ عنه ، ولضعف السند ، ولعل القصور المزبور لكثرة استعمال « لا تجوز » في شدة الكراهة ، ولاحتمال نفي الجواز بالمعنى الأخص الذي هو الإباحة ، بل الاحتمال الأول جار في عباراتهم كما سمعته مكررا ، فيرتفع الخلاف حينئذ في المسألة.

وتزول الكراهة أو تخف بتغيير الصورة أو حكايتها ناقصة ولو في بعض الأجزاء ، للصحيح (٢) السابق الذي يمكن تأييده بما في‌ خبر الحلبي (٣) المروي عن كتاب المكارم عن الصادق عليه‌السلام « قد أهديت إلى طنفسة من الشام فيها تماثيل طائر فأمرت به فميز رأسه ، فجعل كهيئة الشجر » وبما في‌ خبر علي بن جعفر (٤) سأل أخاه (ع) « عن البيت قد صور فيه طير أو سمكة أو شبهه يعبث به أهل البيت هل يصلح الصلاة فيه؟ قال : لا حتى يقطع رأسه أو يفسده » وبما في‌ مرسل ابن أبي عمير (٥) عنه عليه‌السلام « عن التماثيل تكون في البساط تقع عينك عليه وأنت تصلي ـ وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام المساكن ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة مع اختلاف في اللفظ.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

٢٧٢

التهذيب لها عينان وأنت تصلي ـ فقال : إن كان له عين واحدة فلا بأس ، وإن كان له عينان فلا » وغيرها مما هو في غير ما نحن فيه ، نعم قد يقوى بقاؤها في التغيير الذي لا يخرج عن صدق التمثال ، لإطلاق النص والفتوى على وجه يبعد تقييدهما بالصحيح المزبور في الصورة المذكورة ، هذا.

وفي المدارك انها تخف أيضا بالستر ، لصحيح حماد بن عثمان (١) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الدراهم السود التي فيها التماثيل أيصلي الرجل وهي معه؟ قال : لا بأس إذا كانت مواراة » قلت : قد ورد في غيره من النصوص (٢) ما يقضي بزوال الكراهة أو خفتها في الصلاة إلى الصورة أو معها بسترها ، بل لغل منه ما في‌ صحيح ابن مسلم (٣) سأل أبا جعفر عليه‌السلام « عن الرجل يصلي وفي ثوبه دراهم فيها تماثيل فقال : لا بأس بذلك » إن لم يحمل على إرادة بيان الجواز ، إلا أنه في استفادة ذلك منهما فيما نحن فيه يحتاج إلى ما يدل على المساواة أو الأولوية ، وليس ، فبقاء الكراهة التي يتسامح فيها فيه حينئذ كما هو مقتضى الأصل وإطلاق النص والفتوى قوي ، نعم لا بأس به في الدراهم وغيرها من المحمول الذي يقضي بالكراهة فيه مع عدم الستر جملة من النصوص ، منها ما عرفت ، ومنها ما في‌ خبر علي بن جعفر (٤) سأل أخاه (ع) « عن الدراهم والحجرة فيها التماثيل أيصلى فيها؟ قال : لا تصلى في شي‌ء منها » وإنما قلنا بالتخفيف دون الارتفاع لظاهر جملة من النصوص من بقاء الكراهة حتى مع الستر ، منها‌ الصحيح (٥) عن الصادق عليه‌السلام سأله عبد الرحمن بن الحجاج « عن الدراهم السود تكون مع الرجل وهو يصلي مربوطة أو غير مربوطة فقال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢١ ـ مع الاختلاف.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

٢٧٣

ما أشتهي أن يصلي ومعه هذه الدراهم التي فيها التماثيل ، ثم قال : ما للناس بد من حفظ بضائعهم ، فإن صلى وهي معه فلتكن من خلفه ، ولا يجعل شيئا منها بينه وبين القبلة » ومنها ما في‌ المروي عن الخصال (١) بسنده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « ولا يعقد الرجل الدراهم التي فيها صورة في ثوبه وهو يصلي ، ويجوز أن يكون الدراهم في هميان أو في ثوب إذا خاف الضياع ويجعلها في ظهره ».

نعم قد يستفاد منها أيضا حصول خفة أخرى بالوضع خلف ، كصحيح ليث (٢) عن الصادق عليه‌السلام « وإذا كان معك دراهم سود فيها تماثيل فلا تجعلها بين يديك ، واجعلها من خلفك » بل يمكن استفادة نحو ذلك من فحواها فيما نحن فيه أيضا ، ضرورة كون الحكمة التجنب عن شبه السجود للمثال ، وهي جارية في الثوب أيضا ، نعم ربما يقال بتخصيص ذلك فيما إذا كان عليه نحو ما على الدراهم من تمثال الأصنام ونحوها مما يسجد له.

ثم انه صرح جماعة من الأصحاب بعدم الفرق في الكراهة بين مثال الحيوان وغيره ، لإطلاق النصوص ، بل نسبه بعض منهم إلى الأكثر ، وآخر إلى الأصحاب تارة ، وإلى المشهور أخرى ، كما أنهم لم يحكوا الخلاف إلا عن ابن إدريس ، فخصها بالأول ، وفيه أن المحكي عنه التعرض للخاتم خاصة ، وظاهر كل من عبر فيه بالصورة وفي الثوب بالتمثال كالمتن وغيره ، بل لعل أكثر عبارات الأصحاب على ذلك موافقته لما صرح به في الروضة وحاشية الإرشاد والمحكي عن حاشية الميسي والروض من اختصاصها بالحيوانات بخلاف التمثال ، قال في كشف اللثام : وظاهر الفرق تغاير المعنى ، وقد يكون المراد بالصور صور الحيوانات خاصة ، وبالتماثيل الأعم ، ولعل وجه الفرق أنه المنساق مما ورد فيه ، وما سمعته مما‌ روي « ان نقش خاتم أبي الحسن عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١١.

٢٧٤

هلال ووردة » واحتمال صحيح ابن بزيع السابق الوارد في المعلم أنه المراد من التماثيل ، فيكون نصا في غير ذي الروح ، لكن قد يقال إن ذلك تفنن منهم في التعبير ، وإلا فالمحكي عن أكثر اللغويين تفسير الصورة والمثال والتمثال بما يشمل غير الحيوان ، ومقتضاه حينئذ اتحاد المراد في المقامين ، ولعله الأقوى ، إلا أن المنساق إلى الذهن خصوصا من لفظ الصورة المرادف لها التمثال ذو الروح ، وربما يؤيده إطلاق نفي البأس عن تمثيل غير الحيوان من الشجر ونحوه المقتضي عموم سائر الأحوال التي حال الصلاة أهمها وأعظمها ، وما سمعته من زوال الكراهة بتغيير الصورة المنصرف إلى الذهن منه ذلك ، خصوصا بعد ملاحظة ما‌ في الصحيح (١) « لا بأس أن يكون التماثيل في البيوت إذا ميزت رؤوسها » ونحوه غيره ، بل لا يخفى على من لاحظ ذلك ، وخبر ابن أبي عمير السابق وخبر الطنفسة وخبر الخاتم وجميع ما ورد من النصوص (٢) في تعذيب المصورين وتكليفهم نفخ الروح ، وقوله تعالى (٣) ( يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ ) وما قيل في تفسيرها ، قيل : قال في الوافي : « التمثال الصورة ، وقد يخص بما فيه روح ، لأنه المحرم تصويره والمكروه استعماله دون غيره مما لا روح فيه » ثم نقل ذلك عن الصادق عليه‌السلام ، وغير ذلك من النصوص انه يمكن القطع بأن المراد من الصورة والتمثال المنهي عن فعلهما واستعمال ما فيهما لذي الروح ، كما يومي اليه إطلاقهما في السؤال أو غيره ، ثم ذكر خواص ذي الروح من قطع الرؤوس ونفخ الروح ونحو ذلك ، ضرورة إشعار كون ذلك مما هو مفروغ منه ، ومن هنا مال إلى التخصيص المزبور المجلسي في المحكي عن بحاره ، والأصبهاني في كشفه ، والأستاذ الأكبر في شرحه ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام المساكن ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام المساكن ـ الحديث ٢ و ٥ و ١٢.

(٣) سورة السبأ ـ الآية ١٢.

٢٧٥

هو الذي وجدناه في السرائر كما حكاه عنها في كشف اللثام وغيره لا خصوص الخاتم ، بل أيده زيادة على ذلك في كشف اللثام بأنه لو عمت الكراهة كرهت الثياب ذات الأعلام ، لشبه الأعلام بالأخشاب والقصبات ونحوها ، والثياب المحشوة لشبه طرائقها المخيطة بها ، بل الثياب قاطبة ، لشبه خيوطها بالأخشاب ونحوها ، وإن كان هو كما ترى واضح الضعف ، ضرورة عدم صدق التمثال على شي‌ء من ذلك ، وهو المدار ، هذا كله إن لم نقل إن التمثال ، حقيقة في صورة ذي الروح ، وأنه إن صح تمثال شجر فمجاز كما عن المعرب المهمل ، وإلا فلا إشكال أصلا ، إلى غير ذلك من المكروهات والمندوبات التي ذكرنا بعضها سابقا ، وتضمن النصوص والمطولة من كتب أصحابنا التعرض لها تماما ، من أرادها فليرجع إليهما ، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين صلوات متتابعة إلى يوم الدين ، ووفقنا ببركتهم إلى إتمام ما بقي من كتاب الصلاة عاجلا متبوعا بتتميم ما بقي من هذا الشرح ، أنه أكرم المسؤولين ، وأجود المعطين ، وأرحم الراحمين ، وخير الموفقين.

( المقدمة الخامسة في مكان المصلي )

وقد قيل إنه في عرف الفقهاء بين معنيين : أحدهما باعتبار إباحته ، والآخر باعتبار طهارته ، وفيه نظر بل منع ، إذ الظاهر كما ستعرف إرادة معنى مجازي منه بالنسبة إلى الثاني ، أما الأول فعن الإيضاح « أنه في عرف الفقهاء ما يستقر عليه المصلي ولو بوسائط ، وما يلاقي بدنه وثيابه وما يتخلل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة كما يلاقي مساجده ويحاذي بطنه وصدره » وهو قريب إلى ما عن بعض الحكماء من « انه السطح الباطن للجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي » لكن أورد عليه بأنه يقتضي بطلان صلاة ملاصق الحائط المغصوب ، وكذا واضع الثوب المغصوب الذي لا هواء له بين الركبتين والجبهة ، والحكم به غير واضح ، والقائل به غير معلوم ، ولذا‌

٢٧٦

عدل عن تعريفه إلى انه الفراغ الذي يشغله بدن المصلي أو يستقر عليه ولو بوسائط ، وبطلان الصلاة تحت الخيمة والسقف والمغصوبين لو قلنا به ليس من حيث كونه مكانا للمصلي ، بل من حيث صدق التصرف والانتفاع ، إذ هما بالنسبة إلى كل شي‌ء بحسبه ، قلت : ستعرف تحقيقه بالمعنى الثاني بما لا مزيد عليه عند البحث في اعتبار الطهارة فيه ، بل ستعرف المراد بالأول الذي متى تحقق وصف الغصب عليه كانت الصلاة باطلة ، لعدم اجتماع الأمر والنهي ، وأن المدار فيه على صدق كون الواجب من أفعال الصلاة تصرفا فيه من حيث كونه محلا ضروريا للجسم فراغا أو مستقرا وإن اختلف ذلك باعتبار القيام والركوع والسجود وغيرها من الأجزاء ، أما المندوبة كجلسة الاستراحة ونحوها فالبطلان مع غصب المكان فيها من حيث التشريع ، وإلا فلو فرض غصب الفضاء مثلا فيها فليس يقتضي إلا بطلانها لا بطلان الصلاة ، لعدم الملازمة بينهما ، بل بطلان بعض الأجزاء الواجبة انما هو من ذلك ، وإلا فلو أراد تداركها بالانتقال إلى الفضاء المباح مثلا صحت الصلاة ، بناء على عدم قدح مثل التشريع المزبور فيها ، وانه إنما يقتضي فساد ذلك الجزء خاصة ، فمع الاقتصار عليه تبطل الصلاة لفقد الجزء ، وأما مع التدارك فالصلاة صحيحة ، وتسمع تحقيق ذلك إن شاء الله في القراءة ونحوها من أفعال الصلاة.

وعلى كل حال فمدار البطلان في الغصب على ما عرفت ، وإلا فلو فرض كون يده في حال القيام مثلا أو في حال الركوع أو غيرهما مما لا مدخلية لمكان وضعها في الصلاة في مكان مغصوب لم تبطل الصلاة من حيث غصب بعض المكان ، بل لو فرض كون مكان بعض ثيابه المتصلة به مغصوبا فكذلك ، ضرورة عدم تصور اتحاد الأمرين فيه : أي الكون الصلاتي والكون الغصبي ، كما هو واضح ، ومن التأمل في ذلك فضلا عما تسمعه إن شاء الله فيما يأتي تعرف المراد من المكان الذي تشترط إباحته في‌

٢٧٧

الصلاة بحيث تبطل الصلاة بعدمها حتى بالنسبة إلى ما يستقر عليه منه ولو بوسائط ، فإنه لا ريب فيه في الاستعلاء الحقيقي ، أما إذا كان مثل ساباط أو أرجوحة غصب قوائمهما وفضائهما محللا فقد يتأمل في البطلان فيه ، لعدم صدق اتحاد الكونين فيه وإن كان هو بالواسطة مستقرا عليه ، ولعل من ذلك الصلاة في السفينة التي فيها لوح مغصوب متوقف عليه بقاؤها في البحر مثلا ، فان المتجه الصحة إذا لم يكن مباشرا لذلك اللوح ولو بالواسطة كما صرح به المحقق الجزائري في شافيته ، ولعله لا ينافيه ما في الذكرى من البطلان في السفينة ولو كان المغصوب لوحا واحدا مما له مدخل في استقرار المصلي ، بناء على إرادته من المدخلية ما لا يشمل محل الفرض ، فتأمل جيدا ، بل قد تأمل المحقق الجزائري في شافيته في البطلان بغصب غير ما استقر عليه المصلي وما تقع عليه مساجده ولو بواسطة أو وسائط من الفضاء ، قال فيها تارة بعد ما سمعت : وقيل : المراد بالمكان ما يشغله المصلي من الحيز أو يستقر عليه ولو بالواسطة أو الوسائط ، فيدخل فيه الهواء المغصوب وإن كان الاستقرار على موضع مباح ، وفيه تأمل ، وفي حاشية على هذا الكلام مكتوبا بعدها منه كالجناح إلى الدار المغصوبة ، مثلا لو صلى في نفس الجناح المباح تكون الصلاة باطلة ، لأن الهواء إلى عنان السماء مملوك لصاحب تلك الدار المغصوبة فيكون الهواء المحيط ببدن المصلي في الجناح مغصوبا تبعا المدار ، والحق أن الهواء لا يملك ، نعم لصاحب الدار أولوية بالفضاء المقابل ، وقال في الشافية تارة أخرى : الرابع الرواشن والأجنحة الخارجة إلى حيث يكون ما تحتها ملك غيره ، وكذا الحفائر العميقة بحيث يكون ما فوقها ملك غيره مع عدم الضرر ، فان قلنا إنه لا يملك إلا ما جرت به العادة وكانت هذه خارجة عنه جازت الصلاة فيها ، وإن قلنا إنه يملك إلى عنان السماء وتخوم الأرض احتمال الصحة في نحو الأجنحة أيضا ، لأن المغصوب إنما هو الهواء ، وهو ملاصق للمصلي ، فلا يقدح في الصحة كالحائط والسقف المغصوبين ، ومثله الرف المعلق‌

٢٧٨

بين نخلتين لما لك الرف إذا كان ما تحته من الأرض مغصوبا ، وإن كان ما ذكره واضح النظر فيه ، للسيرة المعلومة في ذلك الفضاء ، وجريان حكم الأملاك عليه ، وليس هو في الحقيقة ملكا للهواء بل الفضاء ، وفرق واضح بينهما ، نعم قد يشك في ملك خارج المعتاد منه ، وعلى تقدير الملك فحكمه حكم غيره مما لم يكن خارجا عن المعتاد الذي جزم الشهيد وغيره بالفساد فيه ، ووجهه واضح.

وكيف كان فـ ( الصلاة في الأماكن كلها جائزة بشرط أن يكون ) المكان مملوكا أو مأذونا في الكون فيه بإجماع العلماء كافة في المدارك ، وبلا خلاف فيه في الذكرى وبين العلماء في التذكرة مع التقييد بالخلو عن النجاسة ، والأخبار به متواترة معنى إلا ما خرج بالدليل في المحكي عن البحار ، قلت : لعل منها نصوص (١) عموم مسجدية الأرض التي‌ في بعضها (٢) أيضا « أينما أدركتني الصلاة صليت » مضافا إلى إطلاقات الصلاة ، والمراد بالإذن الأعم من الشرعية والمالكية ، فيشمل المباحات ونحوها ، ولا ينافيه قوله والاذن قد يكون بعوض كالأجرة وشبهها وبالإباحة ، وهي إما صريحة كقوله : صل فيه ، أو بالفحوى كإذنه في الكون فيه ، أو بشاهد الحال كما إذا كان هناك إمارة تشهد أن المالك لا يكره إذ لم نقل إن الإباحة تشملها أيضا ، فأقصاه بيان تعميم إذن المالكية ، وهو لا ينافي غيرها ، نعم نظر فيه في المدارك بأن جعل المستأجر من أقسام المأذون فيه الذي هو قسيم للملوك غير جيد ، لأن الإجارة تقتضي ملك المنفعة ، فكان الأولى إدراج المستأجر في المملوك كما فعله غيره من الأصحاب ، وقد يدفع بأن الإذن بعوض لا يجب أن تكون إجارة يملك فيها المنفعة ليندرج في الملك ، فلعل المصنف أراد به ما لا يحصل به ملك المنفعة ، كما هو واضح ، ونظر فيه أيضا تبعا لجده في المسالك بأن تمثيله للفحوى بالإذن في الكون غير واضح ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب مكان المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٥.

٢٧٩

إذ المعهود من اصطلاحهم أن دلالة الفحوى هي مفهوم الموافقة ، وهو التنبيه بالأدنى على الأعلى : أي كون الحكم في غير المذكور أولى منه في المذكور باعتبار المعنى المناسب المقصود من الحكم ، كالاكرام في منع التأنيف ، وقد مثل له هنا بإدخال الضيف في المنزل للضيافة ، وهو إنما يتم مع ظهور المعنى المناسب المقصود من الإدخال ، وكونه في غير المذكور وهو الصلاة مثلا أتم منه في المذكور ، ومرجعها إلى مناقشة لفظية اصطلاحية لا تحسن من مثله بعد وضوح المراد ، وإلا فالفحوى عند متشرعة العصر ليست إلا حصول القطع بالرضا بسبب صدور فعل من المالك أو قول لم يكن المقصود منه بيان الرضا في المراد ، أو غيرهما بلا مراعاة أولوية ومساواة ونحوهما من أسباب القطع ، ولعل المصنف يريد الكون الذي ليس بصلاتي المستفاد منه الكون الصلاتي بالفحوى لا مطلق الكون الذي أحد أفراده الكون الصلاتي ، فيكون من مدلول عبارة الإذن لا مستفادا من الفحوى ، وأما دليل جواز غير الناقل من التصرف بالقطع المزبور فالسيرة القطعية ، بل يمكن دعوى الضرورة من المذهب بل الدين ، سواء كان الرضا المقطوع به فعليا أو تقديريا ، بمعنى أنه لو علم به رضي به ، وربما كان في‌ خبر سعيد بن الحسن (١) إيماء إليه ، قال : « أبو جعفر عليه‌السلام : أيجي‌ء أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟ قلت : ما أعرف ذلك فينا ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : فلا شي‌ء إذا ، قلت : فالهلاك إذا ، فقال : إن القوم لم يعطوا أحلامهم » كالمروي عن كتاب‌ الاختصار للمفيد عن أبان بن تغلب عن ربعي عن يزيد العجلي (٢)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٤ وفي الوسائل عن بريد العجلي وهو الصحيح.

٢٨٠