جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

هذه الإطلاقات وإن كان لا يخلو من نظر بل منع إن أريد به زيادة الخصوصية ، أو الاتحاد الذي قد سمعته في حرمة لبس الذهب والحرير.

وكيف كان فالحكم لا إشكال فيه بعد ما عرفت ، بل ولا في الموضوع بعد تفسيره في الصحيح السابق الذي لم أجد مخالفا له من الأصحاب عدا ابن إدريس فيما حكي عنه من اتحاده مع السدل ، وهو مع مخالفته للصحيح المزبور لا شاهد له في النصوص سوى ما دل على النهي عن السدل مما ستعرفه من قول أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) الآتي وغيره ، ولا دلالة فيه على الاتحاد المزبور ، بل هو مكروه آخر ، خصوصا والسدل الإرسال المنافي للاشتمال والالتحاف ، كما أن ما تسمعه فيما يأتي إن شاء الله من صحيح علي بن جعفر (٢) عن أخيه الأمر بجمع طرفي الرداء على اليمين أو تركهما لا مدخلية له فيما نحن فيه ، بل المراد منه التعريض بما يفعله أهل الهند وأنه خلاف المسنون ، فلا محيص حينئذ عن تفسيرها بما في الصحيح السابق ، ولا حاجة إلى كلام أهل اللغة وأقوال العامة المختلفة فيه أشد اختلاف ، والكيفية المذكورة فيه واضحة ، لكن في جامع المقاصد بعد ذكر الخبر المزبور ، قال : « وهو يحتمل أمرين : الأول أن يأخذ الإزار على المنكبين جميعا ، ثم يأخذ طرفيه من قدامه ويدخلهما تحت يده ويجمعهما على منكب واحد ، وهو المتبادر من قوله عليه‌السلام : « التحاف » والثاني أن يجعله على أحد الكتفين مع المنكب بحيث يلتحف به من أحد الجانبين ، ويدخل كلا من الطرفين تحت اليد الأخرى ويجمعهما على أحد المنكبين » وفيه أن ما في الصحيح لا يتوقف تحققه على شي‌ء من ذلك.

وأغرب منه ما في وافي الكاشاني ، قال بعد أن روى الصحيح المزبور : « في هذا التفسير إجمال ، قال في الصحاح : اشتمال الصماء أن تجلل جسدك بثوبك نحو شملة الأعراب بأكسيتهم ، وهو أن يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

٢٤١

الأيسر ، ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن ، فيغطيهما جميعا » وعن أبي عبيدة أن اشتمال الصماء عند العرب أن يشتمل الرجل بثوب يجلل به جسده كله ، ولا يرفع جانبا يخرج منه يده ، قال بعض اللغويين : وانما قيل صماء لأنه إذا اشتمل به سد على يديه المنافذ كلها كالصخرة الصماء ، قال بعضهم : انما كان غير مرغوب فيه لأنه إذا سد على يديه المنافذ فلعله يصيبه ما يريد الاحتراس منه ، فلا يقدر عليه ، وقال أبو عبيدة : إن الفقهاء يقولون : إن اشتمال الصماء هو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فبيد وفرجه ، وفي القاموس فسره تارة بهذا المعنى ، وأخرى بالمعنى الأول ، وما في الحديث لا ينافي شيئا من هذه التفاسير » انتهى ، إذ هو كما ترى ـ مع أنما في الحديث لا إجمال فيه ـ هو غير هذه التفاسير كلها.

ولقد أجاد في كشف اللثام حيث أنه ـ بعد أن حكى ما سمعته عن أبي عبيدة ناسبا له إلى الديوان وأدب الكاتب وفقه اللغة للثعالبي والفائق والمغرب والمعرب وإلى تهذيب الأزهري ، والغريبين نسبته إلى الأصمعي ، ثم قال : وهو ما في الصحاح إلى آخره ، ونحوه المحيط للصاحب ، وفي العين أن الشملة أن يدير الثوب على جسده كله لا يخرج منه يده ، والشملة الصماء التي ليس تحتها قميص ولا سراويل ، وقال أبو عبيدة : إن الفقهاء إلى آخره ـ قال : « وقيل غير ذلك ، ولا طائل في استيفائه ، فإنما العبرة عندنا بما نطق به الخبران » مشيرا بهما إلى الصحيح المزبور باعتبار روايته في الكافي والتهذيب بسندين عن زرارة مختلفين.

وأما الثاني فلا أجد فيه خلافا بين أصحابنا سوى ما حكاه في الفقيه ، فقال : « سمعت مشايخنا يقولون : لا تجوز الصلاة في طابقية ، ولا يجوز للمعتم أن يصلي إلا وهو متحنك » وربما نسب اليه نفسه ذلك أيضا ، ولعله لما وقع له في غير المقام من نحو ذلك‌

٢٤٢

وظهر منه اختياره ، بل قيد به النصوص ، وما هو إلا لاعتماده على مشايخه ، وانهم لا يقولن بغير دليل ، لكن على كل حال لا ريب في ضعفه ، بل الإجماع في المحكي عن المنتهى على كراهة الثاني أي ترك التحنك كما عن المعتبر نسبته إلى علمائنا ، والبحار إلى الأصحاب ، وفي المدارك انه مذهبهم لا أعلم فيه مخالفا ، على أنا لم نعثر على دليل صالح بعد ذلك لتقييد الإطلاقات ، بل ليس في الطابقية إلا ما في‌ الكافي روي (١) « ان الطابقية عمة إبليس » ومثله عن محاسن البرقي (٢) وهما مع أنهما ليسا في الصلاة مرسلان صالحان للكراهة دون الحرمة ، كما أن ما ورد في ترك التحنك ظاهر أو صريح في الكراهة كما لا يخفى على من رزقه الله معرفة لسانهم عليهم‌السلام ، قال الصادق عليه‌السلام في مرسل ابن أبي عمير (٣) : « من تعمم ولم يحنك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه » وفي‌ الموثق (٤) « من اعتم فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه » والنبوي المرسل في الفقيه (٥) « الفرق بين المسلمين والمشركين التلحي بالعمائم » وخبر أبي البختري (٦) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم‌السلام « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الفرق بيننا وبين المشركين في العمائم الالتحاء بالعمائم » وهي كما ترى غير صالحه إلا لاستحباب فعله وكراهة تركه ، ضرورة ظهور مثل هذا الخطاب في إرادتهما معا.

بل لا اختصاص فيها بالصلاة ، ومن هنا صرح الفاضل في المحكي عن منتهاه والشهيدان وغيرهم بعموم الحكم لها ولغيرها ، بل عن البهائي « كأن تخصيص الصلاة في كلام الأصحاب مأخوذ من كلام علي بن بابويه ، فإنهم يتمسكون بما يجدونه في كلامه عند إعواز النصوص ، فالأولى المواظبة على التحنك في جميع الأوقات ، ومن لم يكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٠.

٢٤٣

متحنكا وأراد الصلاة فالأولى أن يقصد أنه مستحب في نفسه لا أنه مستحب لأجل الصلاة » قلت : يمكن الاكتفاء في ذلك بما عرفت من الإجماعات السابقة على الكراهة التي تركها هنا من المستحب ، مضافا إلى ما في كشف اللثام عن شرح الإرشاد لفخر الإسلام وفي غيره عن‌ غوالي اللئالي (١) « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من صلى مقتعطا فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه » وإلى ما قيل من أنه يظهر من النصوص أن ما هو ممنوع في نفسه ممنوع من الصلاة فيه ، بل قد سمعت دعوى ذلك مع قطع النظر عن استفادته من النصوص ، كما أنك سمعت دعوى استفادة الخصوصية بالمعنى المزبور من أمثال هذه الإطلاقات ، بل ربما استفيد ما نحن فيه من‌ قول الصادق عليه‌السلام (٢) : « وصاحب الفقه والعقل ذو كابة وحزن وسهر قد تحنك في برنسه وقام الليل في حندسه » وإن كان فيه ما فيه ، والعمدة بعد التسامح تظافر الفتاوى.

وعلى كل حال فالسيرة وظاهر النصوص واللغة والعرف ان التحنك والتلحي بإدارة جزء من العمامة تحت الحنك ، فلا يجزى في تأدي السنة التحنك بغيرها وإن احتمله في كشف اللثام ، قال : خصوصا إذا أوصله بها بحيث لا يتميز في الحسن منها ، بل عن الموجز الجزم به ، كما عن أول الشهيدين وثاني المحققين التردد فيه ، من مخالفة المعهود ، ومن إمكان كون الغرض حفظ العمامة من السقوط ، وهو حاصل ، لكن الوجه الثاني للتردد كما ترى ، وكذا لا تتأدى السنة بالتحنك حال فعل التعمم كما نشاهده من بعض السواد وإن كان ربما توهم من نحو‌ قوله عليه‌السلام : « من تعمم ولم يتحنك » إلى آخره. إلا أنه كما ترى مع النظر إلى السيرة ، وما دل (٣) على انه الالتجاء الفارق بين المسلمين والمشركين ، وأنه ضد الطابقية والاقتعاط الذي قد عرفت النهي عن الصلاة‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٠.

٢٤٤

معه ، بل هو كالصريح في نفي المعنى المزبور ، ضرورة تحقق صدق الطابقية وإن تحنك حال التعميم ، بل من الواضح كون المراد منهما صنفا خاصا من كيفية العمامة ، وهو معنى‌ قوله عليه‌السلام : « عمة إبليس » على انه لو كان المدار على حال التعميم لم يمكن الحكم بوصف الاقتعاط والطابقية بالرؤية ، بل لا بد من تعرف حال التعمم الذي قل ما يعرف بدون تعرف ، كما أن من الواضح صدق الصلاة مقتعطا وفي الطابقية وإن كان قد تحنك حال التعمم.

فمن الغريب ما في كشف اللثام من احتمال تأدي السنة بفعله ثم الاقتعاط أو السدل فلا تنافيه أخبار السدل (١) وهي كثيرة ، بل جزم به في الوسائل والحدائق ، وهو مما ينبغي أن يقضى العجب منه ، وكأن الذي ألجأه إلى ذلك الجمع بين أخبار التحنك والسدل ، وانسياق المعنى المزبور في بادئ النظر من نحو العبارة المزبورة ، ولم يتفطنوا لمنافاة ذلك للمعلوم من المذهب ، وأن المراد من العبارة المزبورة ولو بقرينة ما سمعت لزوم التحنك لوصف التعمم لا فعله ، ولو سلم فالنصوص الأخر (٢) دالة على استحباب استمراره وانه الفارق بين المسلمين والمشركين ، فيتحقق حينئذ التعارض المزبور بالنسبة إلى ذلك ، واستحباب التحنك حال الفعل بعد تسليمه لا يجدي ، إذ أقصاه انه مستحب واستمراره مستحب آخر ، لا أنه هو المراد من التحنك الراجح فعله والمرجوح تركه على وجه الكراهة ، والجمع بين النصوص لا يكون سببا لارتكاب الفاسد ، على أن التخيير متجه حينئذ بعد فرض التعارض ، ويكون مراد الأصحاب بترك التحنك كون العمامة طابقية لا تحلي ولا سدل فيها ، خصوصا مثل عبارة المتن ، بل لعلها هي شاهد على غيرها ، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في اقتصاره هنا على كراهة الصلاة فيها ، فقال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلي.

٢٤٥

وعمة حرمها بعض السلف

بلا تلحي وبلا سدل الطرف

وربما كان في النصوص (١) ما يشهد لذلك وأن المقصود عدم الطابقية والاقتعاط الذي يحصل إما بالتلحي أو السدل ، وبهما يمتاز المسلم من المشرك لا بخصوص التلحي فإنه وان اقتضاه بعض تلك النصوص (٢) لكن في بعض أخبار السدل ما تضمن انه به يحصل الامتياز ، فعن‌ كتاب الأمان للسيد بن طاوس نقلا عن كتاب أبي العباس ابن عقدة المسمى بكتاب الولاية (٣) بإسناده قال : « بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم إلى علي عليه‌السلام فعممه وأسدل العمامة بين كتفيه ، وقال : هكذا أيدني ربي يوم حنين بالملائكة معممين قد أسدلوا العمائم ، وذلك حاجز بين المسلمين والمشركين ».

بل ربما يستفاد منه ومن‌ قوله في الحديث الآخر (٤) « عمم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام يوم غدير خم عمامة فأسدلها بين كتفيه ، وقال : هكذا أيدني ربي بالملائكة » تحقق السدل ولو من خلف ، ولا يعتبر فيه كونه بين اليدين والخلف كما تقضي به الأخبار الأخر‌ كالصحيح (٥) عن الرضا عليه‌السلام في قول الله عز وجل (٦) ( مُسَوِّمِينَ ) « لفها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسدلها بين يديه ومن خلفه ، واعثم جبرائيل عليه‌السلام فسدلها بين يديه ومن خلفه » وقال الصادق عليه‌السلام (٧) : « عمم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا بيده فسدلها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ١٢ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٦) سورة آل عمران ـ الآية ١٢١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ٣ ـ من كتاب الصلاة.

٢٤٦

بين يديه وقصرها من خلفه قدر أربع أصابع ، ثم قال : أدبر فأدبر ، ثم قال : أقبل فأقبل ، ثم قال : هكذا تيجان الملائكة » وعن ياسر الخادم (١) « انه لما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا عليه‌السلام يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلي وبخطب ، فبعث الرضا عليه‌السلام يستعفيه ، فألح عليه فقال عليه‌السلام : إن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال المأمون : اخرج كيف شئت ـ إلى أن قال ـ : فلما طلعت الشمس قام عليه‌السلام واغتسل واعتم بعمامة بيضاء من قطن ، ألقى طرفا منها على صدره وطرفا منها بين كتفيه » وفي‌ المروي (٢) عن المكارم المتقدم آنفا « ان علي بن الحسين عليه‌السلام دخل المسجد وعليه عمامة سوداء ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه » إلى غير ذلك ، أو يقال : إنه لا صراحة في الخبرين الأولين بعدم السدل بين اليدين.

وكيف كان فالجمع بين النصوص بما عرفت ضعيف جدا ، والأولى منه ما قلناه ، بل هو أولى أيضا مما يقال من حمل نصوص السدل على حال الحرب ونحوها فيما يراد فيه الترفع والاختيال ، والتلحي فيما يراد منه التخشع والسكينة ، كما يرشد اليه ما ذكره‌ الوزير السعيد أبو سعيد منصور الآبي في نثر الدر (٣) قال : « قالوا : قدم الزبير بن عبد المطلب من إحدى الرحلتين ، فبينما رأسه في حجر وليدة له تذري لمته إذ قالت : ألم يرعك الخبر ، قال : وما ذاك؟ قالت : زعم سعيد بن العاص أنه ليس لأبطحي أن يعتم يوم عمته ، فقال : والله لقد كان عندي ذا حجى وقد يأجن القطر وانتزع لمته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة مع الاختلاف.

(٣) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح نثر الدرر ، وهو مخطوط غير مطبوع.

٢٤٧

من يدها ، وقال : يا رعاث علي عمامتي الطولى فأتى بها فلابسها على رأسه وألقى ضيفها قيام وخلف حتى لطخا قدميه وعقبيه ، وقال : علي فرسي فأتى به فاستوى على ظهره ومر يخرق الوادي كأنه لهب عرفج ، فلقيه سهل بن عمرو فقال : بأبي أنت وأمي يا أبا الطاهر ما لي أراك تغير وجهك؟ قال : أولم يبلغك الخبر هذا سعيد بن العاص يزعم أنه ليس لأبطحي أن يعتم يوم عمته ، ولم فو الله لطولنا عليهم أوضح من وضح النهار وقمر التمام ونجم الساري والآن ننتل كنانتنا فتعجم قريش عيدانها فتعرف بازل عامنا وثنياته ، فقال له سهل : رفقا بأبي أنت ، فإنه ابن عمك ولم يعيك شأوه ولن يقصر عنه طولك ، وبلغ الخبر سعيدا فرحل ناقته واغترز رحله ونجا إلى الطائف » إذ هو ، مع أنه لا شاهد له ولا إشارة في شي‌ء من النصوص على كثرتها اليه حتى هذا الخبر عند التأمل ، إذ أقصاه وقوع ذلك منه في هذا الحال ، ونحن نقول ، به ، بل الظاهر عدم معرفة التلحي قبل الإسلام ـ قد سمعت ما في بعض نصوص التلحي مما يقضي بأعميته من الحالين ، كما أن في بعض نصوص السدل ما يقضي بفعله في غير الحرب كصلاة العيد وغيرها الذي يظهر من فعل علي بن الحسين عليهما‌السلام (١).

بل وأولى مما قيل أيضا من اختصاص السدل بالنبي والأئمة وأولادهم ( صلوات الله عليهم أجمعين ) ضرورة خلو النصوص عن الإشارة إليه أيضا ، بل هي في مقام التعليم والبيان ظاهره فيما ينافي ذلك إن لم تكن صريحة.

بل وأولى مما يقال أيضا إنه لا منافاة بين السدل والتلحي ، إذ هما يجتمعان معا فيتلحى ولو ببعض العمامة ويسدل بعد ذلك ، إذ هو كما ترى مخالف الظاهر الكيفيتين المستفادتين من النصوص ، بل يمكن القطع مع ملاحظتها بعدمه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

٢٤٨

بل وأولى مما تكلفه المجلسي في المحكي من بحاره من إرجاع التلحي إلى السدل ، قال بعد نقل أخبار التحنك : « ولنرجع إلى معنى التحنك ، والظاهر من كلام بعض المتأخرين هو أن يدخل جزءا من العمامة تحت حنكه ويغرز في الطرف الآخر كما يفعله أهل البحرين في زماننا ، ويوهمه كلام بعض اللغويين أيضا ، والذي نفهمه من الأخبار هو إسدال طرف العمامة من تحت الحنك وإسداله كما مر في تحنيك الميت ، وهو المضبوط عند سادات بني حسين ، أخذوه عن أجدادهم خلفا عن سلف ، ولم يذكر في تعمم رسول الله والأئمة ( عليهم الصلاة والسلام ) إلا هذا ـ ثم ذكر أخبار السدل وكلام اللغويين وقال ـ : لم يتعرض في شي‌ء من تلك الروايات لإدارة العمامة تحت الحنك على الوجه الذي فهمه أهل عصرنا مع التعرض لتفصيل أحوال العمائم وكيفيتها ، وأكثر كلمات اللغويين لا تأبى عما ذكرناه ، إذ إدارة رأس العمامة من خلف إلى الصدر إدارة أيضا ، بل كلام الجزري والزمخشري ظاهر في ذلك ، حيث قالا في تفسير الاقتعاط : ان لا يجعل شيئا منها تحت حنكه ـ ثم استظهر من ابن طاوس موافقته على ذلك إلى أن قال ـ : وكذا سائر أخبار تعمم الميت (١) ليس فيها غير إسدال طرفي العمامة على صدره كما عرفت في باب التكفين ».

ولقد أطنب في الحدائق في مناقشته وأجاد إلا فيما أساء الآداب به معه مما لا ينبغي من مثله لمثله ، خصوصا وتحقيق الحق غير موقوف على السب والشتم ونحو هما ، ولو ساغ ذلك لوقع منا نظيره فيما سمعته منه من الجمع بين النصوص بما عرفت مظهرا أنه مما وصل اليه فكره ، ومع أنه هو على فساده من وجوه قد سبقه اليه الحر في وسائله واحتمله الأصبهاني في كشفه.

وكيف كان فلا ريب في ضعف ما ذكره شيخنا المزبور ، ضرورة عدم صدق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين من كتاب الطهارة.

٢٤٩

التحنك والتلحي لغة وعرفا على مثل الإسدال المذكور الذي هو من جانب الوجه ، وليس شي‌ء منه تحت الحنك الذي هو مجمع اللحيين ، وما ذكره من كلام أهل اللغة حتى الجزري والزمخشري ظاهر في خلافه ، قال الجوهري : التحنك التلحي ، وهو أن تدير العمامة تحت الحنك ، وقال : الاقتعاط شد العمامة على الرأس من غير إرادة تحت الحنك ، وفي الحديث أنه نهي عن الاقتعاط وأمر بالتلحي ، وقال : التلحي تطويق العمامة تحت الحنك ، وقال الفيروزآبادي : « اقتعط تعمم ولم يدر تحت الحنك ـ وقال ـ : العمة الطابقية هي الاقتعاط ـ وقال ـ : تحنك أدار العمامة تحت حنكه » وقال الجزري : « انه نهي عن الاقتعاط ، وهو أن يتعمم بالعمامة ولا يجعل شيئا منها تحت ذقنه ـ وقال ـ : إنه نهي عن الاقتعاط وأمر بالتلحي ، وهو جعل بعض العمامة تحت الحنك ، والاقتعاط أن لا يجعل تحت حنكه منها شيئا » وقال الزمخشري في الأساس : « اقتعط العمامة إذا لم يجعلها تحت حنكه » وقال الخليل في العين : « اقتعط بالعمامة إذا اعتم ولم يدرها تحت حنكه » وقال في مختصر النهاية للسيوطي : « الاقتطام أن يعتم بالعمامة ولا يجعل منها شيئا تحت ذقنه » واقتصر في التحنك على حكاية ما سمعته من الصحاح ، وقال في المجمل : « يقولون : اقتعطت العمامة إذا لم تجعلها تحت الحنك » وقال في المحكي عن مجمع البحرين : « قد تكرر في الحديث ذكر الحنك ، وهو إدارة جزء من العمامة تحت الحنك ، والحنك ما تحت الذقن من الإنسان وغيره ».

وهو جميعه كما ترى ظاهر المخالفة لما قاله من تحقق التحنك بالاستدال ، نعم بعضه ظاهر فيما قلناه من ارتفاع الاقتعاط بإرسال جزء من العمامة وان لم يكن بطريق التحنك ، وليس في نصوص تعميم الميت ما يدل على أن التحنك هو الاستدال ، وحكم الأصحاب باستحبابه قد ذكرنا مستنده هناك لا للاسدال الموجود في بعض النصوص ، لكن قد يفهم منها ومن بعض كلام أهل اللغة السابق وغيرهما تحقق التحنك بمجرد‌

٢٥٠

ميل الطرف بحيث يصير تحت جهة الذقن المسمى بالحنك ، بل يمكن القطع بعدم اعتبار الهيئة التي نقلها عن علماء البحرين من إدارة جزء من العمامة وغرزها بالطرف الآخر المأخوذة كما في الحدائق من ظاهر قوله في الصحاح : تطويق العمامة المراد منه جعله كالطوق لها ، وربما يؤيده تعليل بعض الأصحاب فائدة الحنك بمخافة السقوط ، لكن الجميع لا يعبأ به في مقابلة المستفاد من النصوص ، خصوصا نصوص الميت والفتاوى وكلام أهل اللغة والسيرة من عدم اعتبار ذلك فيه.

وحينئذ يمكن انقداح وجه آخر للجمع بين النصوص بإرادة السدل الذي لا ينافي التحنك بمعنى الميل بالطرف إلى ما يتحقق معه مسمى التحنك بالمعنى المزبور ، فهو حينئذ سدل وتحنك ، ولعله هو المراد مما سمعته سابقا من عدم المنافاة بين التحنك والسدل وانهما يجتمعان معا ، وإن أبيت فلا محيص عن التخيير الذي قلناه.

وعلى كل حال فلا ريب في تأكد استحباب التحنك للحاجة وعند الخروج في السفر ، للمرسل (١) عن الصادق عليه‌السلام « اني لأعجب ممن يأخذ في حاجة وهو متعمم تحت حنكه كيف لا تقضى حاجته » وموثق الساباطي (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « من خرج في سفر فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه الداء الذي لا سواء له فلا يلومن إلا نفسه » وعن‌ أمان الأخطار انه روينا من كتاب الآداب الدينية للطبرسي (٣) فيما رواه عن مولانا موسى بن جعفر عليهما‌السلام انه قال : « أنا ضامن ثلاثا لمن خرج يريد سفرا معتما تحت حنكه أن لا يصيبه السرق ولا الغرق ولا الحرق » ورويناه أيضا عن البرقي من كتاب المحاسن بإسناده إلى أبي الحسن عليه‌السلام انتهى.

وبذلك يقيد حينئذ أخبار السدل بناء على التعارض المزبور كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٣) الأمان من الأخطار ـ الباب السابع الفصل الثاني الحديث ١ ـ ص ٩١ من طبعة النجف.

٢٥١

ثم من الواضح كون الكراهة المذكورة لذي العمامة بمعنى أنه هو الذي يكره له ترك التحنك ، ويستحب له فعله ، فمن صلى بلا عمامة لم يكن له هذا الحكم.

نعم قد يقال باستحباب العمامة للمصلي كما صرح به الشهيد وغيره ، ولعله لأنها من الزينة ، والنبوي (١) المروي عن مكارم الأخلاق « ركعتان بعمامة أفضل من أربعين بغير عمامة » وعن‌ الأستاذ الأكبر في حاشيته عن جوامع الجامع (٢) على الظاهر « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لو أن رجلا صلى معتما بجميع أمتي بغير عمامة تقبل الله صلاتهم جميعا من كرامته عليه » مضافا إلى التسامح ، لكن عن البحار أن الظاهر كون رواية المكارم عامية ، وبها استدل الشهيد وغيره ممن ذكر استحبابها في الصلاة ، ولم أر في أخبارنا ما يدل على ذلك ، نعم ورد استحباب العمامة مطلقا في أخبار كثيرة (٣) وحال الصلاة من جملة تلك الأحوال ، وكذا ورد (٤) استحباب كثرة الثياب في الصلاة ، وهي منها ، وهي من الزينة ، فتدخل تحت الآية الكريمة (٥) والأمر سهل بعد ما عرفت ، هذا.

وفي المفاتيح « ان التحنك صار في هذا الزمان لباس شهرة » قلت : فينبغي أن يكون محرما بناء على حرمة الشهرة في اللباس وإن كان في الأصل مندوبا كما يقضي به‌

__________________

(١) مكارم الأخلاق ص ١٣٦ ـ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٦ وفيه « أربعة » بدل « أربعين ».

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١ لكن عن جامع الأخبار.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٥) سورة الأعراف ـ الآية ٢٩.

٢٥٢

إطلاق‌ قول الصادق (ع) في صحيح أبي أيوب (١) : « إن الله يبغض شهرة اللباس » ومرسل ابن مسكان (٢) « كفى بالمرء خزيا أن يلبس ثوبا يشهره ، أو يركب دابة تشهره » ومرسل عثمان بن عيسى (٣) « الشهرة خيرها وشرها في النار » وقول الحسين عليه‌السلام في خبر أبي سعيد (٤) « من لبس ثوبا يشهره كساه الله يوم القيامة ثوبا من النار » لكن قد يناقش في خصوص ما كان منه مندوبا سابقا بأن بين هذه الأدلة وأدلة الندب تعارض العموم من وجه ، ولعله لذا تأمل فيه الأستاذ الأكبر ، وقد تدفع بأن الحرمة من جهة الشهرة لا تنافي دليل الندب الظاهر فيما لا يشمل هذه الجهة ونحوها ، مضافا إلى إمكان ترجيح هذا الإطلاق بما في‌ خبر معلى بن خنيس (٥) عن الصادق عليه‌السلام « ان عليا عليه‌السلام اشترى ثلاثة أثواب بدينار : القميص إلى فوق الكعب ، والإزار إلى نصف الساق ، والرداء من بين يديه إلى ثدييه ، ومن خلفه إلى أليتيه ، ثم رفع يده إلى السماء فلم يزل يحمد الله على ما كساه حتى دخل منزله ، ثم قال : هذا اللباس الذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه ـ قال أبو عبد الله ( عليه‌السلام )ـ : ولكن لا يقدرون في هذا اليوم ، ولو فعلنا لقالوا : مجنون ، ولقالوا : مرائي ، والله تعالى يقول ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (٦) وثيابك ارفعها ولا تجرها ، وان قام قائمنا كان هذا اللباس » والله أعلم ، ولتمام الكلام في المراد من الشهرة وفي أصل الحكم وفي خصوص المندوب منه محل آخر.

وكذا يكره اللثام للرجل وفاقا للمشهور ، بل عن المختلف أنه مذهب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ٧.

(٦) سورة المدثر ـ الآية ٤.

٢٥٣

جل علمائنا ، بل في الخلاف الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ صحيح ابن مسلم (١) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أيصلي الرجل وهو متلثم؟ فقال : أما على الأرض فلا ، وأما على الدابة فلا بأس » المحمول تفصيله بقرينة عدم القائل به على خفة الكراهة للاحتياج إلى اللثام حينئذ توقيا عن الغبار ، كحمل ما في‌ مضمر سماعة (٢) « سألته عن الرجل يصلي فيتلو القرآن وهو متلثم فقال : لا بأس به ، وإن كشف عن فيه فهو أفضل » على إرادة مرجوحية التلثم على وجه الكراهة ، ضرورة عدم الفضل فيه ، وإلا كانا معا مستحبين ، ويكون الجائز حينئذ ستر الفم بما لا يسمى لثاما ، وهو مقطوع بعدمه ، فلا بد حينئذ من عدم إرادة معنى التفضيلية من أفعل التفضيل فيه ، وهو وإن كان لا يستلزم الكراهة في اللثام على هذا التقدير ، لإمكان تحققه بجواز اللثام ، لكن بقرينة ما عرفت ينبغي إرادة المرجوحية السابقة ، لكن على كل حال هو مع الأصل والإجماع المعتضد بالشهرة حجة على المحكي عن المفيد من إطلاق عدم جوازه حتى يكشف موضوع السجود والفم للقراءة ، قيل : وكذا في المبسوط والنهاية أطلق النهي عنه حتى يكشفهما ، ويحتمل إرادة المانع منه للقراءة والسجود حال منعه ، وإلا فلا دليل له سوى النهي في الصحيح السابق المشتمل على ما لا يقول به من التفصيل المحمول على الكراهة بقرينة ما عرفت ، مضافا إلى‌ صحيح ابن سنان (٣) « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ فقال : لا بأس بذلك » وقول أحدهما عليهما‌السلام في مرسل الحسن بن علي (٤) « لا بأس بأن يقرأ الرجل في الصلاة وثوبه على فيه » ونحوهما صحيحا الحلبي عن الصادق عليه‌السلام لكن مع تقييد نفي البأس بما إذا سمع الهمهمة في أحدهما (٥) وفي الآخر (٦) إذا أسمع أذنيه الهمهمة ، واحتمال كون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

٢٥٤

اللثام غير وضع الثوب يدفعه ـ مع أن المنساق إلى الذهن منه ما يشمله ـ ظهورها في كون المدار على تحقق القراءة ، كما هو واضح.

وأما كراهة النقاب للمرأة فقد يكفي في ثبوتها ـ بعد النسبة إلى المشهور في المدارك ، وجل علمائنا في المحكي عن المختلف ، والتسامح ـ فحوى كراهة اللثام في الرجل ، وما في‌ مضمر سماعة (١) « سألته عن المرأة تصلي متنقبة قال : إن كشفت عن موضع السجود فلا بأس به ، وإن أسفرت فهو أفضل » إذا كان المراد منه نحو ما سمعته في اللثام ، إذ هي رواية واحدة.

وكيف كان فـ ( ـان منع ) كل منهما القراءة الواجبة مثلا حرم الاكتفاء بالصلاة المشتملة عليه ، لفوات القراءة ، ولمفهوم صحيحي الحلبي السابقين المعبر بلفظهما في المحكي عن التهذيب والمعتبر والمنتهى والتحرير من الحرمة إذا منع إسماع القراءة الذي يمكن دعوى ظهوره في إرادة الكناية بذلك عن تحقق القراءة ، فإنها متى تحققت سمع القاري الهمهمة إذا صح سمعه ، بل المراد منشئية الاسماع لا فعليته التي قد يمنعها هو مع تحقق القراءة ، ضرورة عدم كون ذلك المدار ، وإلا فموانع السمع كثيرة ، ولعل ما في التذكرة والدروس والبيان من الحرمة إذا منع القراءة أو سماعها مبني على وجوب كون القراءة بحيث يسمعها القاري ، وأنها تتحقق بدون ذلك كما ستعرفه إن شاء الله في تحديد الجهر والإخفات ، وينبغي حينئذ اكتفاؤهما بسماع الهمهمة في سماع القراءة لهذين الصحيحين ، والله أعلم.

وكذا تكره الصلاة في قباء مشدود في المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا إلا أنه بناء على إرادة غير التحزم منه لم نقف لها على مستند فضلا عن دعوى الحرمة الظاهرة من « لا يجوز » في الوسيلة والمحكي عن المقنعة ، بل قيل هو ظاهر المبسوط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

٢٥٥

والنهاية ، وفي التهذيب « قد ذكر ذلك علي بن الحسين ، وسمعناه من الشيوخ مذاكرة ، ولم أعرف به خبرا مسندا » انتهى. ويمكن إرادتهم الكراهة من ذلك كما وقع التعبير به عنها كثيرا من مثلهم ، أما لو أريد منه التحزم كما عساه يومي اليه قول المصنف وغيره : إلا حال الحرب الذي من العادة التحزم له ، ومظنة المشغولية عن حله ، أو ما يشمله فقد يقال : إن مستنده‌ ما رواه العامة (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « لا يصلي أحدكم وهو محزم » وهو كناية عن شد الوسط ، بل في الخلاف يكره أن يصلي وهو مشدود الوسط ، ولم يكره ذلك أحد من الفقهاء ، دليلنا إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط ، بل ربما استفيد من الخبر المزبور كراهة مطلق الشد وإن لم يكن بالتحزم بدعوى أولويته منه بذلك ، لأنه شد قليل ، وهو كما ترى نحو المحكي عن بعضهم من حمل القباء المشدود في كلام الأصحاب على إرادة شدة بالأزرار ، وفيه أنه قد صرح غير واحد بكراهة حل الأزرار جمعا بين النهي عن ذلك في خبر غياث (٢) إذا لم يكن عليه إزار و « لا ينبغي » في خبر إبراهيم الأحمري (٣) وبين نفي البأس عنه في غيرهما من النصوص (٤) اللهم إلا أن يخص ذلك بالقميص الواسع الجيب دون غيره ، لكن يبقى عليه حينئذ أنه لا دليل على كراهة ذلك أيضا إلا أن يكون مراده بيان المراد لا إثبات الدليل ، وفيه حينئذ أن الأولى من ذلك إرادة التحزم كما عرفت ، أو إرادة ما يستعمله العجم من القباء والشد ، وربما يؤيده ما حكاه في كشف اللثام من تفسيره ، قال : والقباء قيل عربي من القبو ، وهو الضم والجمع ، وقيل : معرب ، قال عيسى بن إبراهيم‌

__________________

(١) لم نعثر على هذا النص والموجود في سنن البيهقي ج ٢ ص ٢٤٠‌ « نهى أن يصلي الرجل حتى يحتزم ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١ و ٢ و ٧.

٢٥٦

الربعي في نظام الغريب : « انه قميص ضيق الكمين مفرج المقدم والمؤخر » فقلت : إن المتعارف في هذا الزمان تفريجه من الجانبين لا المقدم والمؤخر ، والله أعلم.

وكذا يكره أن يؤم بغير رداء إجماعا محكيا في الذكرى إن لم يكن محصلا معتضدا بالشهرة العظيمة بقسميها التي كادت تكون إجماعا ، بل هي كذلك في الجملة ، بل مطلقا أيضا ، لعدم قدح خلاف من ستعرفه من متأخري المتأخرين في ذلك ، وبالصحيح (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أم قوما في قميص واحد ليس عليه رداء فقال : لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها » بل منه ومن أنه من الزينة والتأسي والمعلوم من طريقة السلف بل والخلف يستفاد استحباب الفعل أيضا من غير حاجة إلى إثباته بدعوى لزومه لكراهة الترك التي يمكن منعها ، كمنع لزوم الكراهة لترك المستحب ، إذ هما من واد واحد عند التأمل ، وعلى كل حال فما في المدارك وغيرها ـ من أنها انما تدل على كراهة الإمامة بدون الرداء في القميص وحده لا مطلقا ، ويؤكد هذا الاختصاص‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام (٢) لما أم أصحابه في قميص بغير رداء : « إن قميصي كثيف فهو يجزئ أن لا يكون علي إزار ولا رداء » واليه يرجع ما في كشف اللثام من أنه يجوز أن يراد السؤال عن إمامته إذا لم يكن عليه إلا قميص أو لم يلبس فوق القميص شيئا ، فلا يفيدها مطلقا ـ يدفعه انه يمكن إرادة السائل السؤال عن أن القميص من حيث كونه قميصا يجزئ عن الرداء ، خصوصا وفيما حضرني من الوسائل عدم وصفه بالواحد ، أو السؤال عن الإمامة من غير رداء ، فيكون الضمير المجرور راجعا للرجل ، وحاصل المعنى أنه سأله عن رجل ليس عليه رداء قد أم قوما ، فيكون المستثنى منه في الجواب حينئذ سائر الأحوال : أي لا ينبغي أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

٢٥٧

يؤم في حال إلا أن يكون عليه رداء ، بل لعله أولى من تقدير جميع ما في السؤال الذي لا يحسن الاستثناء منه حينئذ ، أو تقدير خصوص الايتمام في القميص منه ، ولو سلم المساواة أمكن ترجيح ما ذكرناه بالإجماع المتقدم المعتضد بما عرفت ، بل لو سلم ظهوره في ذلك فأقصاه أنه أخص من المدعى ، ويجبر بعدم القول بالفرق بين جمهور أصحابنا الذي لا يقدح فيه خلاف الشاذ من متأخري المتأخرين ، خصوصا والمقام مقام كراهة يتسامح فيه ، وأما قول أبي جعفر عليه‌السلام فلا تأييد فيه لما ذكره من الاختصاص المزبور ، لاحتمال الاجزاء فيه الاكتفاء بأقل الواجب من ستر العورة لا الاجزاء عن الاستحباب كما يومي اليه ذكر الإزار ، وإلا لنا في إطلاق الصحيحة المتقدمة ، بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال ، وتقييدها أو تخصيصها به يقتضي عدم الاستحباب في هذه الصورة وان اتحد القميص ، وظاهره هنا عدم القول به ، بل قد يقال : إن التأمل في الصحيح المزبور يؤكد ما قلناه ، ضرورة ظهوره في معروفية الرداء للإمام ، ولذا احتاج عليه‌السلام إلى الاعتذار عنه بكثافة القميص ، وظاهر لفظ الاجزاء فيه على هذا التقدير أن هذا أقل المجزئ ، وإلا فالفضل في غيره ، فلا بأس حينئذ بالقول بخفة الكراهة بحصول بعض الرجحان بكثافة القميص لهذا الصحيح ، كما أنها تخف بوضع القميص تحت الممطر أو الجبة ، بل بمطلق لبس الثوبين ، للجمع بين ما عرفت وبين ما في‌ خبر علي بن جعفر (١) المروي عن كتاب المسائل سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل هل يصلح أن يؤم في ممطر وحده أو جبة وحدها؟ قال : إذا كان تحتها قميص فلا بأس ـ وسأله أيضا ـ عن الرجل يؤم في قباء وقميص قال : إذا كان ثوبين فلا بأس » بحمل البأس المنفي فيه على البأس الحاصل من ترك ذلك مع الرداء ، إذ هو أولى من تخصيص ما عرفت من دليل الكراهة المبنية على التسامح بذلك خصوصا مع قوة إطلاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٢ و ١٣.

٢٥٨

معقد الإجماع المعتضد بالطلاق الفتاوى.

فقد ظهر حينئذ أنه لا ريب في كراهة الترك واستحباب الفعل للإمام ، بل صريح الشهيدين والمحكي عن الحلي وابن فهد استحبابه المطلق المصلين ، بل قد يريدون هنا عدا الشهيد الثاني منهم الاستحباب الذي تركه مكروه ، فيكون غير الإمام حينئذ كالإمام في ذلك وإن أمكن اختلافهما في الشدة والضعف ، أما هو فقد صرح بأن غير الامام يستحب له الرداء ، لكن لا يكره تركه بل هو ترك الأولى ، ولعل المستند على التقدير الأول ظاهر ما تسمعه من خبر علي بن جعفر (١) والتعبير بلفظ الاجزاء في الصحيح الآتي (٢) الذي هو ظاهر في الواجب ، فمع معلومية عدمه يراد منه القريب اليه ، وهو راجح الفعل مرجوح الترك على وجه الكراهية ، مضافا إلى دعوى انسياق التخلص عن الكراهة مما تسمعه في النصوص (٣) من المحافظة على صورة الرداء فضلا عن حقيقته ، خصوصا بعد ما عرفت سابقا من كراهة الاكتفاء بالسراويل ، فيكون المراد هنا من وضع التكة ونحوها ورفع تلك الكراهة ، كما أنه مما هنا قد يستكشف كون الكراهة في مثل الصلاة في السراويل مثلا وحدها من جهة ترك الرداء وصورته ، كما أومأنا إليه سابقا ، فحينئذ إرادة الاستحباب الذي يكون تركه مكروها لا يخلو من قوة.

وعلى كل حال فقد استدل على الاستحباب المزبور في المحكي عن الروض بتعليق الحكم على المصلي في عدة أخبار ، كصحيح زرارة (٤) « أدنى ما يجزيك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف » وصحيح عبد الله بن سنان (٥)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ و ٥٣ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

٢٥٩

« سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل ليس معه إلا سراويل قال : يحل التكة منه فيطرحها على عاتقه ويصلي ، وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصلي قائما » وصحيح محمد بن مسلم (١) عن أحدهما (ع) « إذا لبس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا » قلت : ومرفوع علي بن محمد (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل يصلي في سراويل ليس معه غيره قال : يجعل التكة على عاتقه » وخبر جميل (٣) « سأل مرازم أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا معه حاضر عن الرجل الحاضر يصلي في إزار مؤتزرا به قال : يجعل على رقبته منديلا أو عمامة يرتدي به » وخبر علي ابن جعفر (٤) المروي عن كتابه سأله أخاه (ع) « عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في قميص واحد أو قباء وحده؟ قال : ليطرح على ظهره شيئا » إلى غير ذلك.

لكن في المدارك بعد أن حكى عن جده الاستدلال بالأخبار الثلاثة الأول قال : « ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الضعف ، لاختصاص الروايتين بالعاري ، وعدم ذكر الرداء في الرواية الأولى ، بل أقصى ما يدل على استحباب ستر المنكبين سواء كان بالرداء أم بغيره ، وبالجملة فالأصل في هذا الباب رواية سليمان بن خالد (٥) وهي انما تدل على كراهة الإمامة بدون الرداء في القميص وحده ، فإثبات ما زاد على ذلك محتاج إلى دليل ، وينبغي الرجوع في الرداء إلى ما يصدق عليه الاسم عرفا ، وانما تقوم التكة ونحوها مقامه مع الضرورة ، كما يدل عليه رواية ابن سنان ، أما ما اشتهر في زماننا من إقامة غيره مقامه مطلقا فلا يبعد أن يكون تشريعا ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ـ ٢ عن أبى عبد الله عليه‌السلام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٢٦٠