جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لمثل ما عرفت ، ولا أولوية لأحدهما إلا في الركوع والسجود » وهو غريب مع إيجاب الإيماء في الرجل ، ولعل العبارة لا في الركوع ولا السجود كما حكاها عنه في مفتاح الكرامة ، لكنه كما ترى أيضا ، أو يراد أن الأولوية تتصور في حالتي الركوع والسجود باعتبار ستر أحدهما حالهما ومستورية الآخر ، والفرض أن لا ركوع ولا سجود لها ، لأن فرضها الإيماء ، فليس حينئذ إلا حال القيام والجلوس ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر خالهما كما عرفت ، فتأمل جيدا.

وأما الخنثى المشكل فلا ريب في وجوب ستر الفرجين عليها ، بل في التحرير وعن المنتهى الإجماع عليه للمقدمة ، وفي وجوب ستر غيرهما عليها قولان مبنيان على إقعاد قاعدة الشغل وعدمه ، ولو لم تجد إلا ساتر أحدهما قيل قدمت القبل ، لاحتمال أنها رجل ، وإن لم تجده إلا لأحد القبلين قدمت القضيب ، وعن بعض العامة أنه إن كان عنده رجل ستر آلة النساء ، وإن كان امرأة فآلة الرجال ، وقواه في جامع المقاصد ، قال : ولو اجتمعا فإشكال ، قلت : قد يرجح الدبر على كل حال باعتبار أنه ستر عورة قطعا بخلاف القضيب أو الفرج ، لكن الجميع كما ترى اعتبارات يشكل بناء البطلان عليها ، والله أعلم.

والأمة والصبية تصليان بغير خمار لعدم اشتراط صحة صلاتهما بستر الرأس إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا عنا وعن غيرنا من علماء الإسلام عدا الحسن البصري ، فأوجبه على الأمة إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه ، وقد سبقه الإجماع ولحقه ، ونصوصا مستفيضة (١) في الأمة أو متواترة ، فهما فحينئذ مستثنيان من إطلاق أدلة الشرطية ، وعدم تكليف الصبية لا ينافي اشتراط صحة عبادتها بناء على الشرعية بذلك ، بل موضوع القول بالشرعية العبادة الجامعة للشرائط ، لعدم ثبوت شرعية غيرها ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب لباس المصلي.

٢٢١

فاستثناء الأصحاب الصبية حينئذ هنا في محله ، ولا وجه لما في الحدائق من الإنكار عليهم بذلك ، كما أنه لا وجه للاستدلال من غير واحد على عدم شرطية ستر رأسها بعدم تكليفها ، وبعدم تناول دليل الشرطية لها باعتبار اشتماله على الامرأة ونحوها ، ضرورة أنه على ما ذكرنا يكفي ثبوت شرطيته للبالغة في ثبوته لها.

وكيف كان فإطلاق معاقد الإجماعات وأكثر النصوص يقتضي عدم الفرق في الأمة بين القن والمدبرة والمكاتبة المشروطة والمطلقة التي لم تؤد شيئا والمزوجة وموطوءة المولى وأم الولد وغيرها ، بل استثناء خصوص خلاف الحسن البصري في خصوص السرية والمزوجة كالصريح في إرادة العموم المزبور ، بل عن جمهور علمائنا التصريح بذلك كله ، بل في الخلاف الإجماع على أن أم الولد مثل الأمة ، لكن ومع ذلك كله احتمل في المدارك إلحاق أم الولد مع حياة ولدها بالحرة ، لصحيح محمد بن مسلم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قلت له : « الأمة تغطي رأسها فقال : لا ، ولا على أم الولد أن تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد » قال : « وهو يدل بمفهومه على وجوب تغطية الرأس مع الولد ، ومفهوم الشرط حجة كما حقق في محله ، ويمكن حمله على الاستحباب إلا أنه يتوقف على وجود المعارض » وفيه ـ مع أنه لا ذكر فيه للصلاة وانما يدل على أنها تغطي في الجملة إذا كان لها ولد فقد يكون بعد موت المولى ـ ان المعارض ما عرفته من إطلاق النص ومعقد الإجماع الذي من الواضح قصور تقييده بالمفهوم المزبور ، خصوصا بعد ما عرفت ، وخصوصا بعد ما في‌ خبر محمد بن مسلم الآخر (٢) انه سأل أبا جعفر عليه‌السلام « عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار فقال : لو كان عليها لكان عليها إذا حاضت ، وليس عليها التقنع في الصلاة » بناء على إرادة ما يشمل أم الولد من الضمير ، فتأمل. وخصوصا بعد موافقته للمحكي عن ابن سيرين وأحمد في إحدى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

٢٢٢

الروايتين ، والله أعلم.

والظاهر المنساق إلى الذهن من النص والفتوى ما صرح به الشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم من دخول الرقبة في الرأس سيما في المقام ، وسيما مع ملاحظة غلبة سترها بالتقنع المصرح بسقوطه في النصوص (١) كالاذن لها في الصلاة في قميص واحد (٢) فاحتمال العدم كما عن الروض في غاية الضعف ، نعم يجب عليها ستر ما عدا ذلك مما سمعته في الحرة لتلك الأدلة في المستثنى والمستثنى منه ، بل هي أولى منها بالأول ، وفي التذكرة « عورة الأمة كالحركة إلا في الرأس عند علمائنا أجمع » وعن المنتهى انه نسب إلى علمائنا عدم جواز كشف الأمة ما عدا الوجه والكفين والقدمين خلافا لبعض الشافعية وأحمد في إحدى الروايتين ، فحكمها حكم الرجل ، ولعل إلى ذلك نظر الشيخ في المحكي عن مبسوط وخلافه ، قال في الأول : « وأما ما عدا الرأس فإنه يجب عليها تغطيته من جميع جسدها ، لأن الأخبار وردت بأن لا يجب عليها ستر الرأس ، ولم ترد بجواز كشف ما عداه » لا أن مراده عدم استثناء ما يستثني في الحرارة ، لكن عن المعتبر بعد نقل ذلك عنه قال : « ويقرب عندي جواز كشف وجهها وكفيها وقدميها كما قلناه في الحرة » وكأنه فهم منه خلاف ذلك ، ولقد أجاد في الذكرى بعد أن حكى عن المعتبر ما سمعت فقال : ليس هذا موضع التوقف ، لأنه من باب كون المسكوت أولى بالحكم من المنطوق ، ولا نزاع في مثله ، ومنه يعلم ما في نسبة بعض مشايخنا وجوب الجميع حتى الوجه والكفين والقدمين إلى ظاهر المبسوط والخلاف والسرائر والتبصرة والبيان وصريح كشف الالتباس والمدارك ، مع أنا لم نجده في الأخير ، ولعل سابقه مثله ، كما أن ظهور الباقي من نحو ما عرفت ، اللهم إلا أن يقال : إن الشيخ ممن لا يرى الاستثناء في الحرة ، لكن قد عرفت أن ذلك في غير الكتابين المزبورين ، وبالجملة لا ينبغي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٠.

٢٢٣

التوقف في ذلك بعد الاشتراك في الأدلة وأولوية الحرة بالستر.

ثم انه قد يوهم ظاهر المتن وجوب الكشف وعدم جواز الستر حتى في الصبية لكن بمعنى الشرط في الصحة حينئذ ، إلا أنه من المعلوم إرادة الرخصة من الأمر فيه الذي هو في مقام توهم الحظر ، بل لم أجد خلافا في ذلك إلا ما يحكى عن علل الصدوق من عدم الجواز في الأمة ، ويمكن إرادته الكراهة من ذلك كما عن المجلسي ، ولعله لخبر حماد اللحام (١) المروي عن العلل سأل الصادق عليه‌السلام في أحد خبرية « عن الخادم تقنع رأسها في الصلاة فقال : اضربوها حتى تعرف الحركة من المملوكة » وفي‌ الآخر (٢) المروي عنها وعن المحاسن وفي الذكرى نقلا من كتاب البزنطي « عن المملوكة تقنع رأسها إذا صلت فقال : لا ، كان أبي إذا رأى الخادم تصلي وهي مقنعة ضربها لتعرف الحرة من المملوكة » وربما استفيد منه الحرمة لكنه كما ترى قاصر عن معارضة الأصول وظاهر ورفع الوجوب في النصوص والإجماع ممن عداه ، وقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٣) : « ليس عليها خمار إلا أن تحب أن تختمر » وخبر أبي خالد القماط (٤) المروي في الذكرى عن كتاب علي بن إسماعيل الميثمي « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأمة أتقنع رأسها؟ فقال : إن شاءت فعلت ، وإن شاءت لم تفعل ، سمعت أبي يقول : كن يضربن ، فيقال لهن : لا تشبهن بالحرائر ».

بل قد يناقش في العمل به على الكراهة بظهور إعراض الأصحاب عنه بالنسبة إليها ، إذ المصرح به في الوسيلة والغنية والنافع والمعتبر والمنتهى والتذكرة والتحرير والمراسم على ما حكي عن بعضها الاستحباب ، لأنه أنسب بالحياء والعفة ، ولأن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١١.

٢٢٤

النصوص انما أفادت رفع الوجوب ، وبأن الغالب في الظن صدور ذلك مصدر التقية ، لأن المحكي عن عمر أنه كان يضرب الأمة لذلك ، وقد ضرب أمة لآل أنس ، وقال لها : لا تشبهي بالحرائر ، بل في الخبر المزبور إشارة إلى ذلك ، بل قد يؤيده أيضا أن الضرب أذية لا يجوز أن يرتكب إلا لفعل حرام أو ترك واجب ، وليس عدم الستر واجبا ، إذ لا قائل به سوى الصدوق في ظاهره كما عرفت ، وقد ورد النهي الشديد (١) عن ضرب المملوك ، والأمر بالعفو عنه (٢) حتى أنهم أمروا بالعفو عنه سبعين مرة (٣) وعن ضربه في النسيان والزلة فضلا عن إرادة الستر والعفاف والحياء ، مع أن ظاهر الروايات أن الضرب كان من دون أن يتقدم إليهن بالمنع ، ولا كان منهن إصرار ، كما صنع عمر بأمة آل أنس ، ومعرفة المملوكة من الحرة في الصلاة ما الباعث عليها ، على أنها معروفة بلا شبهة ، وكل ذلك وغيره شواهد على التقية ، اللهم إلا أن يكون هناك حكمة خفية ، فالحكم بالكراهة حينئذ لهذه النصوص لا يخلو من شي‌ء ، كالحكم بندب الكشف كما في منظومة الطباطبائي ، بل والحكم بعدم استحباب الستر كما في المدارك ، ولعله ظاهر الذكرى ، أو الكراهة أو التردد ، وليس التسامح في الكراهة أولى من التسامح في استحباب الستر الذي هو مخالف لفعل عمر ، والأمر سهل ، هذا.

ولا يندرج في الأمة نصا وفتوى المبعضة ، فتبقى حينئذ على إطلاق الستر للنساء في الصلاة ، قيل : وربما كان في‌ صحيح ابن مسلم (٤) إشعار به ، قال : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : ليس على الأمة قناع في الصلاة ولا على المدبرة والا على‌

__________________

(١) كنز العمال ـ ج ٥ ص ١٨ ـ الرقم ٣٩٤ و ٣٩٥.

(٢) كنز العمال ـ ج ٥ ص ٢٠ ـ الرقم ٤٤٧.

(٣) كنز العمال ـ ج ٥ ص ٢٠ ـ الرقم ٤٤٨ و ٤٤٩ و ٤٥٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

٢٢٥

المكاتبة إذا اشترطت عليها قناع في الصلاة وهي مملوكة حتى تؤدي جميع مكاتبتها » الحديث. حيث خص الحكم بالمكاتبة المشروطة التي لا يتحرر منها شي‌ء حتى تؤدي الجميع بخلاف المطلقة ، قلت : في‌ الصحيح عن حمزة بن حمران (١) على ما في الوسائل عن الشيخ انه سأل أحدهما عليهما‌السلام « عن الرجل أعتق نصف جاريته ـ إلى أن قال ـ : قلت : فتغطي رأسها منه من حين أعتق نصفها قال : نعم ، وتصلي وهي مخمرة الرأس » الحديث. وعلى كل حال فما عساه يتخيل من بقاء المبعضة على الأصل لا تندرج فيما دل على الستر ولا فيما دل على عدمه غلط قطعا ، لعدم اختصاص أدلة الستر بالحرة كما هو واضح.

وكيف كان فإن أعتقت الأمة في أثناء الصلاة وعلمت به وجب عليها ستر رأسها وحينئذ فان لم يتخلل زمان بين العتق وستر رأسها أتمت صلاتها قطعا ، للأصل بلا معارض ، وما سبق من احتمال عدم الاجتزاء في واجد الساتر في الأثناء حتى إذا لم يتخلل زمان بين وجدانه والتستر لا يتأتى هنا ، وإن كان هو ضعيفا عندنا كما عرفت ، للفرق الواضح بينهما بحصول التمكن الذي عليه المدار في مثله من الصلاة تامة بساتر ، فلا يجتزى منه بالفاقد ولو بعضا ، وعدم مدخليته في المقام ، ضرورة تغير الموضوع فيه ، وعدم احتمال العذرية له ، بل وكذا يقوى الصحة إذا علمت به حال وقوعه وبادرت إلى الستر للباقي من الصلاة بلا فعل مناف ، لعموم الدليل ، وزوال المسقط ، وصدق الامتثال ، وأصالة صحة ما مضى ، فيختص التكليف حينئذ بالستر للباقي ، ويلزمه العفو عن التكشف زمن الاشتغال بالامتثال ، ولم تكن مكلفة قبل العتق بستر الرأس مع التمكن منه كي يحتمل هنا الاستيناف لحصوله ، كما سمعته فيمن وجد الساتر في الأثناء ، ولعله لذا جزم الأستاذ الأكبر هنا بالستر والمضي ، وهناك بالاستيناف ، وإن كان قد عرفت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٢.

٢٢٦

ما فيه سابقا ، كما أن الفرق المزبور يمكن المناقشة فيه ، ضرورة واقعية التكليف فيهما للأصل وظاهر الأوامر ، فإن كان ذلك يقتضي اختصاص التكليف بالستر للباقي المستلزم للعفو عن التكشف زمن الاشتغال بالامتثال فليقتض فيهما ، وإن كان لا يقتضي فهو كذلك فيهما أيضا باعتبار أن الأصل والواقعية المزبورة لا تقتضي كون التكليف بالإتمام حتى يستلزم ذلك ، إذ يمكن التكليف بالاستيناف الذي لا ينافيهما ، إذ هو انما كان للتكشف آنا ما من الصلاة حال كونها حرة ، وقد عرفت أصالة شرطية الستر ، والاقتصار في الخروج عنه على خصوص غير العالم بالكشف ، وكون تكليف الواجد في الأثناء الصلاة به مع التمكن بخلافها لا يجدي عند التأمل بعد تغير موضوعه بصفة التمكن وعدمها ، والمفروض عدم انكشاف فساد ما فعله بحدوث صفة التمكن.

نعم يؤيد الصحة في المقام عدم الخلاف فيها فيما أجد إلا ما حكاه في كشف اللثام عن ابن إدريس من البطلان ، بناء على أن انكشاف العورة كالحدث فيها ، مع أن المحكي عن سرائره خلاف ذلك ، قال : « إن بلغت الصبية بغير الحيض وجب عليها ستر رأسها وتغطيته مع قدرتها على ذلك ، وكذلك حكم الأمة إذا أعتقت في خلال الصلاة » إلى آخره. وبناء على اتحاد المقامين تتأكد الصحة حينئذ هناك ، فلاحظ وتأمل.

أما إذا تركت ستر رأسها فلا ريب في البطلان وإن جهلت الحكم ، لكن أطلق الخلاف أنها إذا أعتقت فأتمت صلاتها لم تبطل صلاتها ، بل قد يظهر من نسبة التفصيل للشافعي الصحة وإن لم تستر ، ولعله لاحتمال كون شرطية الستر في الابتداء لا ما يشمل ذلك ، إلا أنه كما ترى ، وإن كان هو مقتضى ما تسمعه من المدارك.

وإن لم تعلم بالعتق حتى أتمت الصلاة ففي التحرير والبيان والمحكي عن نهاية الأحكام والمنتهى الصحة ، لامتناع تكليف الغافل ، بل في شرح الأستاذ انه لا تأمل فيها ، وان كان الإعادة لا تخلو من احتياط ، بل قيل : إنه يظهر من المنتهى دعوى‌

٢٢٧

الإجماع على ذلك حيث نسب الخلاف فيه لبعض الجمهور ، لكن الإنصاف أنه إن لم يتم الإجماع عليه لا يخلو من مناقشة بناء على ما ذكرناه من الاقتصار على خصوص الغفلة عن الانكشاف في الخروج عن شرطية الستر ، إذ الظاهر عدم كون ما نحن فيه منه وإن احتمله في كشف اللثام ، لكنه ضعيف كضعف تردد التذكرة من امتناع تكليف الغافل ، ومن كونها صلت جاهلة بوجوب الستر ، فهي كما لو جهلت الحكم ، إذا الوجه الأول لا يقتضي الصحة التي يكتفي في عدمها انتفاء الشرط ولو بغير تقصير من المكلف ، والثاني واضح المنع ، ضرورة كونه من الجهل بالموضوع لا الحكم ، وكان الأولى جعل الصحة والفساد من احتمال انه من الغفلة عن الانكشاف أو ملحق بها ، ومن قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، فتأمل. ونحو المسألة ما لو تخلل زمان بين عتقها وبين العلم بذلك وهي في أثناء الصلاة ، وإن أطلق الأصحاب فيه ما عرفت.

وان افتقرت في الستر إلى فعل كثير أو غيره من المنافيات استأنفت الصلاة كما عن الجامع ، لانتفاء الشرط ، والمراد ما في التذكرة والتحرير والذكرى والدروس والمسالك وغيرها مع اتساع الوقت ولو لركعة ، إذ لا ريب في مضيها مع الضيق ترجيحا لمصلحة الوقت وعدم سقوط الصلاة بحال كما في غيره من الشرائط ، فما في فوائد الشرائع من التردد في الاستمرار فيه للشك في كونه مسقطا للستر في غير محله قطعا ، كما أن ما يقتضيه إطلاق الخلاف ـ من الاستمرار مطلقا ولو مع السعة بل عن المبسوط والمعتبر التصريح به ، لأن دخولها كان مشروعا ، والصلاة على ما افتتحت عليه ـ كذلك أيضا ، وإن قال في المدارك : إنه لا يخلو من قوة ، لأن الستر انما ثبت وجوبه إذا توجه التكليف قبل الشروع في الصلاة مطلقا ، إذ هو كما ترى مقتضاه عدم وجوب الستر حتى إذا لم يتوقف على مناف ، وهو معلوم البطلان ، لإطلاق دليل الشرطية ، وقاعدة أن كل شرط للكل شرط للجزء ، فما في جامع المقاصد والمحكي عن المنتهى ـ من‌

٢٢٨

التردد من ذلك ، ومن تساوى المانع الشرعي والعقلي مع انعقاد الصلاة صحيحة ، وعموم (١) ( لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) وأصل البراءة ـ في غير محله قطعا كما عرفته في واجد الستر في الأثناء ، إذ الظاهر اتحاد المسألتين هنا ، فلاحظ وتأمل ، نعم إذا لم تتمكن من الستر لفقده مثلا مضت في صلاتها وسقط عنها الستر إجماعا كما في كشف اللثام ، وهو واضح.

وكذلك البحث بتمامه في الصبية إذا بلغت في أثناء الصلاة بما لا يبطلها كما عن المبسوط والسرائر والمعتبر والمنتهى ، ولعله بناء منهم على شرعية عبادتها والاجتزاء بها عن الفرض ، فتستر حينئذ إذا أمكن بلا مناف ، ومعه تستأنف في السعة ، وتستمر في الضيق ، لكنه مناف لما سمعته من بعضهم في المواقيت ، بل قد يتجه ذلك أيضا وإن لم نقل بالاجتزاء به عن الفرض وانما هو نافلة وقلنا بحرمة القطع ، نعم يتجه الاستئناف حينئذ إذا بقي من الوقت قدر ركعة ترجيحا لوجوب الفرض على حرمة القطع كما أوضحناه في مسألة بلوغ الصبي في الأثناء ، بل قد يتجه أيضا وإن لم نقل بحرمة القطع في غير الضيق لكن على وجوب الستر حينئذ شرطا لا شرعا ، بل قد عرفت في المواقيت احتمال جامع المقاصد الإتمام نافلة على التمرينية أيضا وإن كان هو ضعيفا ، لكن يأتي عليه في غير الضيق وجوب الستر شرطا بل وشرعا ، بناء على حرمة القطع.

ومن ذلك كله يعلم ما في المحكي في مفتاح الكرامة عن المنتهى ونهاية الأحكام والمختلف والتذكرة والتحرير والذكرى والبيان والدروس والموجز الحاوي وحاشية الميسي والروض وفوائد القواعد وجامع المقاصد وفوائد الشرائع والمسالك وغيرها من إطلاق الاستيناف وإن أمكنها التستر من غير فعل مناف إذا اتسع الوقت للستر‌

__________________

(١) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الآية ٣٥.

٢٢٩

وركعة ، ولعله بناء منهم على التمرينية ، إلا أنه ينبغي حينئذ اعتبار مقدار الطهارة مع ذلك ، لعدم اعتبار الطهارة السابقة ، بل ينبغي بناء اعتبار الستر على اعتبار سعة الوقت لإحراز غير الطهارة من الشرائط في ابتداء التكليف وعدمه كما سمعت الكلام فيه مفصلا في الأبحاث السابقة ، أو يكون ذلك بناء منهم على عدم الاجتزاء بالنفل عن الفرض ، فيراد حينئذ الاستيناف بعد إتمام ما في يدها على الوجه الذي ذكرنا ، ولعل تصفح جملة من الكتب المنسوب إليها ما عرفت يشهد لذلك ، ومن هنا اقتصر في كشف اللثام على نسبة الاستيناف وإن أمكنها الستر بلا مناف إلى والد العلامة ، بل حكى عن المنتهى ما نقلناه سابقا ، وبالجملة كلامهم في المسألة لا يخلو من تشويش ، وتنقيح الحال فيه موقوف على ملاحظة ما تقدم في بلوغ الصبي في الأثناء ، وعلى معرفة القائل بالشرعية والتمرينية ، وعلى معرفة اعتبار سعة الوقت لسائر الشرائط مع الركعة في ابتداء التكليف أو الطهارة خاصة ، فمن أراده فليلاحظ ذلك كله حتى يعرف مواقع المنافاة بين الكلمات ، بل يعرف الحال أيضا في الإتمام ندبا أو وجوبا إذا كان الباقي أقل من ركعة ، فلاحظ وتأمل ، والملخص ما ذكرناه أولا ، والله أعلم.

المسألة الثامنة تكره الصلاة في الثياب السود ما عدا العمامة والخف بلا خلاف أجده في المستثنى منه ، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه ، بل عن الخلاف ذلك صريحا ، وهو الحجة ، مضافا إلى استفاضة النصوص (١) في النهي عن لبسه الذي ربما قيل باستفادة الكراهة في خصوص الصلاة منه ، إما لدعوى اتحاد الكونين كما سمعته في المغصوب ، أو لأن إطلاق الكراهة يقتضي شمول خصوص الصلاة ، ولا ينافيه شمول غيرها ، إذ ليس المراد اختصاص الصلاة بذلك من بين الأفراد ، بل المراد الكراهة فيها بالخصوص وإن كان غيرها من الأفراد كذلك ، وقد سمعت نظيره في استحباب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب لباس المصلي.

٢٣٠

خصوص بعض الأذكار في الصلاة ، لكن لا يخفى عليك أنا في غنية عن هذا التكلف ـ خصوصا الأخير الذي يمكن دعوى ظهور العبارات بخلافه ـ بما سمعت من الإجماع المحكي المعتضد بما عرفت ، وبالمرسل (١) في الكافي انه « روي لا تصل في ثوب أسود ، فأما الكساء والخف والعمامة فلا بأس » بل وبالمستفاد من بعض النصوص في القلنسوة من كراهة لباس أهل النار في الصلاة ، ففي‌ مرسل محمد بن سليمان (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أصلي في القلنسوة السوداء قال : لا تصل فيها فإنها لباس أهل النار » ولا ريب في ظهور التعليل فيه بكراهة الصلاة في كل ما كان كذلك.

وقد ورد في السواد أنه لباس فرعون ، وأنه زي بني العباس ، وفي الممطر منه أنه لباس أهل النار ، ففي‌ مرسل الفقيه (٣) قال أمير المؤمنين عليه‌السلام فيما علم أصحابه : « لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون » وفيه أيضا (٤) « وروي ان جبرائيل عليه‌السلام هبط على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قباء أسود ومنطقة فيها خنجر ، فقال : يا جبرائيل ما هذا؟ فقال : زي ولد عمك العباس ، يا محمد (ص) ويل لولدك من ولد عمك العباس » وفي‌ خبر حذيفة بن منصور (٥) قال : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام بالحيرة فأتاه رسول أبي العباس الخليفة يدعوه ، فدعا بممطر أحد وجهيه أسود والآخر أبيض فلبسه ، ثم قال : أما إني ألبسه وأنا أعلم أنه لباس أهل النار » بل من المعلوم كون ذلك من حيث السواد لا خصوصية الممطر ، كما أن من المعلوم كون لبسه للتقية ، فيتجه حينئذ كراهة الصلاة فيه للتعليل المزبور ، بل منه ينقدح المناقشة فيما ذكره غير واحد من الأصحاب من شدة الكراهة وتأكدها في القلنسوة السوداء للخبر المزبور ، ضرورة أنه بعد تعليل الكراهة فيه بالعلة المشتركة بين الجميع لم يبق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

٢٣١

حينئذ خصوصية لمورد التعليل ، سيما مع كونه من كلام السائل ، ولعله لذا أطلق الباقون.

أما المستثنى فقد يقضي عدم الاستثناء في كلام كثير من الأصحاب على ما في الذكرى بعدمه ، لكن فيه أن النصوص صريحة في الاستثناء ، منها مرسل الكليني السابق ، ومنها‌ قول الصادق عليه‌السلام في مرسل أحمد بن محمد (١) : « يكره السواد إلا في ثلاثة : الخف والعمامة والكساء » ومنها‌ المرسل الآخر (٢) « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكره السواد إلا في ثلاثة : الخف والكساء والعمامة » وكذا الفتاوى بالنسبة للخف والعمامة ، بل عن المعتبر نسبة ذلك إلى الأصحاب ، والمنتهى إلى علمائنا ، ومنه يعلم حينئذ ما في اقتصاد المفيد وسلار وابن حمزة والشهيد في الدروس على استثناء العمامة ، اللهم إلا أن يكون لعدم دخول الخف في المستثنى منه ، لأنه ليس من الثياب ، لكن فيه أولا أن المحكي عن المقنعة عدم كون العمامة من الثياب أيضا كما عن جماعة من الأصحاب في بحث الحبوة ، وثانيا بقاء المناقشة بالنسبة إلى الكساء ، بل في كشف اللثام أنه لم يستثنه أحد من الأصحاب إلا ابن سعيد إلى أن قال : « وكأن إعراضهم جميعا عنه لكونه من الثياب ، مع إرسال أخبار الاستثناء ، وعموم نحو قول أمير المؤمنين عليه‌السلام » مشيرا به إلى ما سمعت ، قلت : قد يؤيده أيضا خبر الممطر السابق بناء على أنه من الأكسية ، لكن فيه أنا لم نجد الخف مستثنى إلا مع الكساء ، أما العمامة فقد يفهم استثناؤها من‌ قول الباقر عليه‌السلام في خبر علي بن المغيرة (٣) : « كأني بعبد الله بن شريك العامري عليه عمامة سوداء ذؤابتاها بين كتفيه مصعدا في لحف الجبل بين يدي قائمنا أهل البيت عليهم‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٠.

٢٣٢

في أربعة آلاف يكبرون ويكررون » وخبر عبد الله بن سليمان (١) المروي عن مكارم الأخلاق « إن علي بن الحسين عليهما‌السلام دخل المسجد وعليه عمامة سوداء قد أرسل طرفيها بين كتفيه » وخبر معاوية بن عمار (٢) عن الصادق (ع) المروي عن الكتاب المزبور أيضا قال : « سمعته يقول : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحرم يوم دخل مكة وعليه عمامة سوداء وعليه السلاح ».

لكن الظاهر ان مستند الأصحاب في الاستثناء غيرها ، بل ليس هو إلا تلك النصوص ، وحينئذ يقوى الاعتماد عليها ، خصوصا مع ما قيل من استثناء جماعة له كالخلاف والبيان واللمعة والموجز الحاوي وكشف الالتباس وجامع المقاصد وفوائد الشرائع وحاشية الإرشاد وحاشية الميسي والروض والروضة والمسالك ومجمع البرهان والكفاية والمفاتيح ، بل عن ظاهر الخلاف اندراج هذا الاستثناء في معقد إجماعه ، ومن ذلك يعلم ما في قوله : إنه لم يذكره إلا ابن سعيد.

كما أنه منه يعلم الحال فيما عساه يقال في المقام : « إن النصوص هنا جميعا لا تخلو من ضعف مانع عن الحجية إلا أنه لما علم التسامح في الكراهة وجب قبولها بالنسبة إليها بخلاف الاستثناء منها ، فإنه محتاج إلى دليل معتبر ، والفرض عدمه ، وليس دليل الكراهة منحصرا في المشتمل على الاستثناء حتى يلتزم قبوله في المستثنى والمستثنى منه ، لكونه هو الذي بلغنا ، بل قد سمعت نحو قول أمير المؤمنين عليه‌السلام الظاهر في العموم بالاستثناء » إذ قد عرفت أولا اعتضاد أخبار الاستثناء بما تقدم ونحوه مما لا يخفى على الفقيه الماهر من القرائن الدالة على اعتبارها وإن ضعفت أسانيدها ، وثانيا يمكن أن يقال ـ بعد اشتراك جميع النصوص في الضعف مطلقها ومقيدها ـ : إنه ما بلغنا إلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ١٠ من كتاب الصلاة.

٢٣٣

المقيد ، ضرورة تساوي المطلق والمقيد في غير جهة التقييد ، فيحكم حينئذ عليه ، ويتجه الاستثناء المزبور ، فكان على المصنف وغيره ذكره ، بل هو أولى من الخف الذي لا يحتاج إلى الاستثناء ، لعدم اندراجه في الثياب ، بل والعمامة في وجه ، وربما يؤيد ذلك كله سيرة من شاهدناه من العلماء على لبس العباءة السوداء وعدم اجتنابها ومعاملتها معاملة غيرها من الثياب ، ولعلها من الكساء عندهم ، كما عن الميسي وتلميذه التصريح به ، بل في المسالك نسبته إلى الجوهري ، بل قيل : وفي القاموس أن العباءة ضرب من الأكسية.

وكيف كان فالمدار في السواد على مسماه عرفا من غير فرق بين المصبوغ وغيره ، نعم يمكن عدم اندراج الأدكن فيه عرفا ، بل عن المجمع أنه لون بين الغبرة والسواد ، فلا حاجة حينئذ إلى حمل ما في‌ خبر جابر (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قتل الحسين بن علي عليهما‌السلام وعليه جبة خز دكناء » على بيان الجواز ونفي التحريم ، لكن عن المسالك « تكره الصلاة في غير السواد من الألوان » وهو ـ مع أنه لا صراحة في الخبر المزبور انه كان يلبسها وقت الصلاة ـ لم نقف على دليل له في ذلك ، واستفاضة النصوص (٢) بلبس الأبيض لا تقتضي كراهة غيره ، وكان ما عن الميسي ـ من أن الصلاة في غير السواد من الألوان أيضا على خلاف الأصل ، لأن الأصل البياض ـ يريد به ما ذكرنا ، بل ولم نقف على ما يدل على ما عن الغنية من كراهة الصلاة في الثوب المصبوغ ، وأشده الأسود ، وإن قيل : إن ظاهره الإجماع عليه.

أما ما عن السرائر ـ من الكراهة في الثوب المشبع المصبغ ، وكأنه بمعنى ما عن الكاتب والمبسوط من الكراهة في الثوب المصبوغ المشبع المقدم ـ فقد يدل عليه‌ قول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة.

٢٣٤

الصادق عليه‌السلام في خبر حماد بن عثمان (١) : « يكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم » بناء على إرادة الأعم من الأحمر من « المفدم » فيه ، فمن الجوهري يقال صبغ مفدم أي خاثر مشبع ، وكأن من خص الكراهة بالأحمر حمل المفدم بكسر الدال على المصبوغ بالحمرة المشبع كما عن الجوهري أيضا ، ولعل التعميم أكثر فائدة وأقرب إلى العرف ، بل المغروس في الذهن منه المشبع الشديد.

أما المزعفر والمعصفر فقد نص على كراهة الصلاة فيهما في المحكي عن المعتبر والمنتهى ونهاية الأحكام والتحرير والتذكرة والذكرى والموجز الحاوي وكشف الالتباس ، ولعله‌ للمرسل (٢) عن يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « انه كره الصلاة في المشبع بالعصفر والمضرج بالزعفران » إلا أنه كان عليهم التعبير بمضمون الخبر المزبور ، والأمر سهل في ذلك كله بعد التسامح ، هذا.

وعن غير واحد من كتب الأصحاب التصريح باختصاص كراهة السواد في الرجل ، ولعله لأنه أبلغ من غيره في سترها ، وظهور فحوى استثناء العمامة ونحوها فيه ، إلا أنه كما ترى مناف لقاعدة الاشتراك وظاهر التعليل السابق ، والله أعلم.

وكذا تكره الصلاة في ثوب واحد رقيق للرجال وفاقا لكثير من الأصحاب ، بل هو المراد بالشاف في الوسيلة وعن الإصباح ، وبالشفاف في المحكي عن الجامع والمهذب ، تحصيلا لكمال الستر ، ول‌ مفهوم (٣) « إذا كان كثيفا فلا بأس » في الصحيح ، وإن فسر بالستير الذي يمكن إرادة الكامل بالستر منه ، ولو أريد به ما يفيد نفس الستر كما يقضي به الاستدلال به على وجوب الستر هناك أشكل إرادة الكراهة من البأس في مفهومه ، ضرورة كون المتجه حينئذ إرادة المنع ، كما أنه يشكل استفادتها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٢٣٥

من‌ قوله عليه‌السلام (١) : « لا تصل فيما شف أوصف » مع إرادة حكاية اللون أو الحجم منهما كما سمعته سابقا ، بناء على وجوب ستر كل منهما ، نعم يمكن للتسامح وفتوى الأصحاب إرادة الأعم من ذلك حتى في مفهوم الصحيح السابق على عموم المجاز ، بل ومفهوم ما‌ في الحسن (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « إذا كان عليه قميص صفيق أو قباء ليس بطويل الفرج فلا بأس » خصوصا بعد‌ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث الأربعمائة (٣) المروي عن الخصال : « عليكم بالصفيق من الثياب ، فان من رق ثوبه رق دينه ، لا يقومن أحدكم بين يدي الرب جل جلاله وعليه ثوب يشف ».

كل ذلك إذا لم يحك ، وإلا فان حكى ما تحته لم يجز لونا أو حجما على ما ذكرناه سابقا الذي قد يشهد له إطلاق عدم الجواز هنا من المصنف وغيره إذا حكى ، والظاهر عدم زوال الكراهة بالتعدد الذي لا يدفع مقتضى الرقة لشدتها فيهما مثلا ، ضرورة عدم حصول كمال الستر فيهما أيضا ، وقد عرفت انه مدار البأس في المفهوم السابق ، بل مقتضاه ثبوت البأس في غير الكثيف والصفيق وإن لم يسم رقيقا وشفافا في العرف ، ومقتضى المتن وغيره عدم الكراهة في غير الرقيق ، وهما غيران.

وعلى كل حال فلا كراهة في الوحدة من حيث كونها وحدة وفاقا لصريح جماعة ، وللمفهوم من عبارات كثير من الأصحاب هنا ، ومن إطلاقهم الجواز فيه من غير تعرض للكراهة ، ومن هنا نسب عدمها فيه في المدارك وعن غيرها إلى الأصحاب ، خلافا للنافع فيكره ، واختاره في الذكرى لعموم (٤) ( خُذُوا زِينَتَكُمْ ) ودلالة الأخبار (٥) على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢ عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٤) سورة الأعراف ـ الآية ٢٩.

(٥) كنز العمال ج ٤ ص ٧٢ ـ الرقم ١٤٣٧ و ١٤٥٥ وسنن البيهقي ج ٢ ص ٢٣٦.

٢٣٦

ان الله أحق أن يتزين له ، والاتفاق على أن الامام يكره له ترك الرداء ، وما روي (١) من‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما » قال : والظاهر ان القائل بثوب واحد من الأصحاب انما يريد به الجواز المطلق ويريد به أيضا على البدن وإلا فالعمامة مستحبة مطلقا ، وكذا السراويل ، وقد روي (٢) تعدد الصلاة الواحدة بالتعمم والتسرول ، وفيه أن جميع ما ذكره عدا كراهة ترك الامام الرداء انما يدل على استحباب التعدد ، وهو غير كراهة الوحدة ، نعم عن‌ قرب الاسناد للحميري عن أبي عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر (٣) انه سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في سراويل واحد وهو يصيب ثوبا؟ قال : لا يصلح » مع أنه في خصوص وحدة السراويل ، كما أن كراهة ترك الرداء للإمام لا تقضي بكراهة الوحدة من حيث كونها وحدة ، مع أنه قد استظهر في المدارك عدم كراهة ترك الرداء مع كثافة الثوب ، كما يدل عليه‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام (٤) لما أم أصحابه في قميص بغير رداء وسألوه عن ذلك : « إن قميصي كثيف ، فهو يجزي أن لا يكون عليه إزار ولا رداء » وإن كان لا يخلو من نظر ، لما ستعرفه ، واحتمال الخبر إرادة بيان أصل الاجزاء.

وكذا يكره أن يأتزر فوق القميص وفاقا للمشهور كما في الحدائق ، لقول أبي عبد الله عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٥) المروي في الكافي لا التهذيب : « لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق القميص وأنت تصلي ، ولا تتزر فوق القميص إذا‌

__________________

(١) سنن أبى داود ج ١ ـ ص ٢٤٢ من الطبعة الثانية.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٢٣٧

أنت صليت » بعد حمل ما في‌ خبر البجلي (١) « رأيت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام يصلي في قميص وقد اتزر فوقه بمنديل وهو يصلي » وخبر موسى بن عمر بن بزيع (٢) قلت للرضا عليه‌السلام : « أشد الإزار والمنديل فوق قميصي في الصلاة فقال : لا بأس به » على الجواز ، خصوصا بعد‌ قوله (ع) في الخبر الأخير : « لا بأس » كما في الذكرى ان في الائتزار فوق القميص تشبها بأهل الكتاب وقد نهينا عن التشبه بهم ، ومن ذلك يعرف ما في المدارك وغيرها تبعا للمعتبر من نفي الكراهة للأصل والخبرين المزبورين ، والذي أوقعهم في ذلك أنهم رووا خبر أبي بصير المتقدم على ما في التهذيب من الاقتصار فيه على التوشح ، كما انه في المدارك روى خبر ابن بزيع إلى قوله : « لا بأس » وقالوا : إن التوشح غير الائتزار ، وقد عرف روايته في الكافي الذي هو أضبط من التهذيب سندا ومتنا خصوصا في المقام على الوجه المذكور.

بل الظاهر كراهة التوشح أيضا لخبر أبي بصير السابق ، وخبر زياد بن المنذر (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « انه سئل وهو حاضر عن الرجل يخرج من الحمام أو يغتسل فيتوشح ويلبس قميصه فوق إزاره فيصلي وهو كذلك قال : هذا من عمل قوم لوط ، فقلت له : إنه يتوشح فوق القميص قال : هذا من التجبر » والمراد فوق إزاره الذي توشح به ، للإجماع نقلا إن لم يكن تحصيلا على عدم كراهة الاتزار تحت القميص ، وخبر الهيثم (٤) المروي عن العلل عن الصادق عليه‌السلام « انه سئل ما العلة التي من أجلها لا يصلي الرجل في قميص متوشحا؟ فقال : لعلة التكبر في موضع الاستكانة والذل » وخبر أبي بصير ومحمد بن مسلم (٥) المروي عن الخصال عن الصادق عن آبائه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١١ وهو خبر يونس ابن عبد الرحمن عن جماعة من أصحابه عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٩.

٢٣٨

عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام « لا يصلي الرجل في قميص متوشحا فإنه من أفعال قوم لوط » بل يتأكد ذلك في الإمام ، للموثق (١) عن الصادق عليه‌السلام « سئل عن رجل يؤم بقوم يجوز له أن يتوشح فوق القميص قال : لا ، لا يصلي الرجل بقوم وهو متشح فوق ثيابه وإن كان عليه ثياب كثيرة ، لأن الإمام لا يجوز له الصلاة وهو متوشح ».

ولا ينافي ذلك ما في‌ حسن حماد بن عيسى (٢) « وكتب الحسن بن علي بن يقطين إلى العبد الصالح (ع) هل يصلي الرجل الصلاة وعليه ثوب متوشح به؟ فكتب نعم » وخبر علي بن جعفر (٣) المروي عن كتاب المسائل وقرب الاسناد عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يتوشح بالثوب فيقع على الأرض أو يتجاوز عاتقه أيصلح ذلك؟ قال : لا بأس » بعد إمكان خروج الثاني عما نحن فيه ، وحمله بعد التسليم كالأول على الجواز والرخصة ، كما أومأ إليه‌ في الفقيه بعد أن روى ما دل على الكراهة ، قال : « وقد روي رخصة في التوشح بالإزار عن العبد الصالح وعن أبي الحسن الثالث وعن أبي جعفر عليهم‌السلام ، وبها آخذ وأفتي » (٤) وإن كان لم نعثر على ما أرسله عدا ما عرفت ، ولعله أولى مما ذكره الشيخ من الجمع بحمل النهي على الالتحاف بالثوب كما يلتحف اليهود به ، والجواز على أن يتوشح بالإزار ليغطي ما قد كشف منه ويستر ما تعرى من بدنه ، مستشهدا له بموثق سماعة (٥) « سألته عن رجل يشتمل في صلاته بثوب واحد فقال : أما أن يتوشح فيغطي منكبه فلا بأس » إذ هو لا يتم في التوشح فوق القميص ، مع أن ظاهر التعليل السابق له كونه من فعل الجبابرة وأصحاب التكبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

٢٣٩

لا التشبيه باليهود الوارد في سدل الرداء (١) وفي اشتمال الصماء ، فلا ريب أن الأرجح ما قلناه ، بل هو مقطوع به بناء على أن التوشح الشملة الصماء ، كما يقضي به بعض التفاسير لهما.

وكيف كان فالمراد بالتوشح بالثوب كما عن بعض أهل اللغة والمصباح المنير إدخاله تحت اليد اليمنى وإلقاؤه على المنكب الأيسر كما يفعله المحرم ، وزاد في المصباح وكذلك الرجل يتوشح بحمائل سيفه ، فتقع الحمائل على عاتقه الأيسر وتكون اليمين مكشوفة ، ولعله اليه يرجع تفسيره بالتقلد ، يقال : توشح الرجل بثوبه أو سيفه إذا تقلد بهما ، خصوصا مع إرادة المثال من المنكب الأيسر ، وإلا فهو يحصل أيضا بالإلقاء على الأيمن ، نعم هو غير ما يحكى عن بعض العامة من أنه أخذ طرف الذي ألقاه على المنكب الأيمن من تحت يده اليسرى ، وأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر من تحت يده اليمنى ، ثم يعقدهما على صدره ، بالمخالفة بين طرفيه والاشتمال بالثوب بمعنى التوشح ، اللهم إلا أن يجعل مشتركا ، والله أعلم.

وكذا يكره أن يشتمل الصماء أو يصلي في عمامة لا حنك لها متلحيا به أو مسد لا له ، بل كانت طابقية بلا خلاف أجده فيه في الأول ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر ، بل في المدارك والتحرير والمحكي عن المنتهى انه إجماع العلماء ، وكفى بذلك مستندا للكراهة من حيث الصلاة ، بل لعله المراد مما في‌ صحيح زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام ولو بقرينة ما عرفت « إياك والتحاف الصماء ، قلت : وما التحاف الصماء؟ قال : أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد » بل قد عرفت سابقا إمكان استفادة الكراهة بالخصوص من أمثال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٢٤٠