جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

نعم ينبغي أن يكون الإيماء للسجود أخفض منه للركوع على ما نص عليه غير واحد ، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب ، ولعله لخبر أبي البختري (١) الآتي ، ولتحصيل الفرق بينهما بالمناسب الذي يمكن استفادة اعتباره مع التمكن منه من النصوص (٢) في المريض وغيره ، ومن ذلك مع الأصل والإطلاق يستفاد عدم وجوب الممكن من الانحناء الذي لا تبدو معه العورة ، ضرورة أنه على تقدير وجوبه والفرض أنه دون الركوع لم يبق محل للخفض المزبور ، اللهم إلا أن يقال بوجوب الممكن إلا ما يحصل به الفرق ، كما يظهر من المحقق الثاني ، لكن قد عرفت عدم انحصار الدليل فيه ، فما في الذكرى وجامع المقاصد وفوائد الشرائع وغيرها ـ من وجوب ذلك ، لقاعدة الميسور ونحوها التي يجب الخروج عنها بالإطلاق المزبور الذي يقطع بتحققه بدون ذلك ، بل يمكن دعوى القطع بعدم إرادة خصوص هذا الفرد منه لو سلم تحقق المطلق فيه ـ ضعيف قطعا ، بل قد يشكل فعله للاحتياط ، لاحتمال عدم كونه من أفراد الإيماء ، وأضعف منه احتمال وجوب وضع اليدين والركبتين وإبهامي الرجلين على الكيفية المعتبرة في السجود ، بل اختاره ثاني الشهيدين والميسي فيما حكي عنه ، كما أنه قواه في الجامع ، وفي كشف اللثام أن الأقرب وضع اليدين أو إحداهما على الأرض دون أطراف أصابع الرجلين إن كان يؤدي إلى انكشاف العورة ، وأما الركبتان فهما على الأرض إن كان جلس عليهما ، وإلا وضعهما على الأرض إن لم تؤد الحركة إلى الانكشاف ، ضرورة كون جميع ذلك خلاف الأصل ، مع الاجتزاء بالإيماء في النصوص في مقام البيان ، واحتمال الاكتفاء بأصالة وجوبها ، ومعلومية كون الإيماء بدل الانحناء حتى يصل إلى وضع الجبهة على المسجد ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١٥ و ١٦ والباب ١٥ من أبواب القبلة ـ الحديث ١٤ و ١٥.

٢٠١

فلا يجزي عن غيره مما وجب كما ترى ، ضرورة انصراف كون المراد من السجود في نصوصهم عليهم‌السلام الهيئة الخاصة المركبة من جميع ذلك ، فيكون الإيماء حينئذ بدلا عن ذلك كله ، على أن وجوب ذلك انما علم حال السجود على الأرض لا الإيماء ، ودعوى أن ذلك مقتضى البدلية يدفعها أن وجوبها وإن كان حاله لكن ليس له حتى يجري ذلك في البدل ، فالأقوى الاجتزاء بمسمى الإيماء عن ذلك كله ، بل قد يقوى في النظر عدم وجوب رفع شي‌ء يسجد عليه على وجه لا يخل بما وجب عليه من وضع اليدين ، وإلا سقط وجوب وضع اليد التي يرفع بها ، ترجيحا له على وجوب وضعها ، للأصل ، وظاهر بيان الكيفية في النصوص (١) خلافا للمسالك وغيرها ، ولعله للقياس على المريض ونحوه مما ورد (٢) فيه من الذي هو بعد التسليم في المقيس عليه ليس بحجة عندنا.

وكيف كان فلو وجد الساتر في أثناء الصلاة ففي المدارك تبعا للتذكرة « إن أمكنه السير من غير فعل المنافي استتر وجوبا وأتم ، وإن توقف على فعله بطلت صلاته إن كان الوقت متسعا ولو بركعة ، وإلا استمر » وزاد في الأول احتمال الاستمرار مطلقا ، للأصل والنهي عن الابطال ، وقد يناقش في الأول مع السعة أولا بعدم تحقق الامتثال مع التمكن من الستر في وقت الصلاة ، ولذا جزم الأستاذ الأكبر في الشرح بالاستيناف ، وفيه أن صحة ما فعله قبل الوجدان مقتضى أجزاء الأمر ، وما بعده بالاحراز ، وما بينهما من الزمان عفو نحو ما قلناه في المنكشف قهرا ، فلعل بناء المسألة على تلك المسألة أوجه ، اللهم إلا أن يقال وإن كان فيه ما فيه : إنه إن قلنا به في تلك فلخصوص الخبر المزبور (٣) بخلافه هنا ، ولا دليل على التعدية ، ومقتضى أصالة الشرطية الفساد.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٧ و ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٢٠٢

نعم تتجه الصحة في الفرض لو صادف حصول الستر به العلم بوجدانه ، إذ لا ريب في ضعف دعوى البطلان فيه أيضا وإن كان هو ظاهر الأستاذ ، لعدم تحقق الامتثال المبني على إنكار قاعدة الإجزاء المفروغ منها في الأصول ، أو لأن ما نحن فيه من تخيل الأمر لا من الأمر حقيقة الذي يرده ظاهر النصوص والفتاوى وحملها على إرادة العاري الذي لم يحصل له الستر في وقت الصلاة لا دليل عليها ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، ولذا كان المتجه عدم الإعادة لو وجد الساتر بعد الفراغ ، ومفروض المسألة جواز البدار لذوي الأعذار مع الرجاء ، وإلا كانت صلاته باطلة وإن لم يجده في الأثناء مع فرض فعلها معه في السعة ، اللهم إلا أن يفرض عدم الرجاء فاتفق حصوله ، لكن المتجه عليه الصحة أيضا لقاعدة الأجزاء السابقة ، كما هو واضح ، فتأمل. وثانيا بأنه يمكن القول بالصحة بدونه فيما إذا كان محتاجا إلى زمان أكثر من زمن فعل الباقي من الصلاة كالتسليم ونحوه ، بل ظاهر الأستاذ في كشفه الجزم بها في نحو المقام ، لكن قد يجاب بأن المستفاد العفو عن زمن الاستمرار إلى حصول الستر دون غيره من أجزاء الصلاة ، فلا مدخلية للطول والقصر كي يرجح بهما ، فتأمل.

وفي الثاني بأنه قد يمنع البطلان مع فرض إدراك وقت الاضطرار ، ترجيحا لمصلحة الوقت على مصلحة الساتر ، ومنه ينقدح حينئذ وجوب الصلاة عاريا إذا لم يبق من الوقت إلا مقدار الصلاة كملا وإن علم حصوله لو أخر بحيث يتمكن من الركعة أو أزيد في الوقت ، وقد يحتمل ترجيح مصلحة الساتر على الوقت بالبدلية للثاني دون الأول ، بل لعل مشروعية اضطراري الوقت لذلك ونحوه ، بل قد يندرج بذلك تحت المتمكن من الساتر ، فتشمله العمومات حينئذ ، ولا يتمثل بالصلاة عاريا ، كالمتمكن من فعلها به تامة في الوقت الاختياري الذي لا ريب في البطلان معه والاستيناف ، وما في المدارك من الاحتمال المزبور في غاية الضعف ، والأصل بعد تغير الموضوع لا يجري ،

٢٠٣

والنهي لا يشمل المقام كما تعرفه في محله إن شاء الله ، على أنه كما في شرح الأستاذ يخصص بما دل على وجوب الستر ، وأن الصلاة باطلة بدونه ، فتأمل.

ثم من المعلوم بالسيرة القطعية في جميع الأعصار والأمصار من العوام والعلماء عدم وجوب الستر للصلاة والطواف من جهة التحت ، بل هو مقتضى إطلاق ما دل (١) على جواز الصلاة في القميص ونحوه ، وعدم وجوب السراويل والاستثفار ونحو هما ، نعم ذلك كله في غير الواقف على طرف سطح بحيث ترى عورته لو نظر إليها ، ولذا جزم بالبطلان فيه في التذكرة وحاشية المدارك للأستاذ الأكبر ، واستقر به في المحكي عن نهاية الأحكام ، بل وشيخنا في كشفه مع الناظر ، وتردد فيه في الذكرى من أن الستر انما يلزم من الجهة التي جرت العادة بالنظر منها ، ولذا جزم الشافعي بالصحة ، ومن أن الستر من تحت أنما لا يراعى إذا كان على وجه الأرض لعسر التطلع حينئذ ، أما في صورة الفرض فالأعين تبتدر لإدراك العورة ، قال : « ولو قام على مخرم لا يتوقع ناظر تحته فالأقرب أنه كالأرض ، لعدم ابتدار الأعين ».

قلت : قد يشكل عليه الفرق بين السطح والمخرم كالشباك ونحوه ، ولا مدخلية لعدم توقع الناظر ، إذ المدار في عورة الصلاة على الستر على تقديره ، ومنه يعرف ما في كشف الأستاذ ، بل منه يعرف الحكم في أصل المسألة ، ضرورة عدم صدق المطلق عليه من الستر الذي هو شرط الصلاة لا المضاف كما أشرنا إليه سابقا ، والمراد من أول وجهي التردد عدم الوجوب من حيث الصلاة لا النظر ، فما في حاشية الأستاذ الأكبر ـ من المناقشة فيه بأنه لا خفاء في وجوب الستر مطلقا عقلا ونقلا ، وعدم جواز كشفها كذلك ، وأي عاقل يرضى بأن يكشف عورته على الناس من تحت لكون الكشف من تحت حلالا ، أي عاقل يرضى بالحلية والكشف بوجه من الوجوه ـ كما ترى.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٢٠٤

وعلى كل حال فمما ينافي إطلاق الستر المزبور التكشف من جهة الفوق أيضا ، فلو صلى في ثوب واسع الجيب بحيث تنكشف عورته عند الركوع لغيره بطلت صلاته بلا خلاف أجده فيه إن لم يتداركه قبل الانكشاف عمدا ، بل الظاهر البطلان في صورة النسيان أيضا ، لما سمعته سابقا من أصالة الشرطية ، لكن من المعلوم أن البطلان فيه وفي سابقه من حينه لا قبله كما عن بعض العامة ، لعدم الدليل ، نعم إن كان حين ينوي الصلاة متذكرا لهذا الانكشاف عازما على عدم التدارك وقلنا بالبطلان في مثله من نية فعل المنافي اتجه حينئذ البطلان ، قيل وتظهر الفائدة للصحة قبله وحينه في نية الانفراد للمأموم.

ولو كان شعر رأسه أو لحيته يمنع من الانكشاف المزبور فعن نهاية الأحكام أن الأقرب الجواز كما لو ستره بمنديل ، وفي الذكرى الأقرب الاجتزاء بكشافة اللحية المانعة عن الرؤية ، وفيه ما قد عرفته سابقا من عدم الاجتزاء بمثل هذا الساتر وإن كان من جهة ، ضرورة عدم تحقق إطلاق الستر بالثوب ، بل هو لا يوافق ما اختاره فيما لو كان في الثوب خرق ، قال وتبعه غيره : « فاما لم يحاذ العورة فلا بحث ، وإن حاذاها بطل ، ولو جمعه بيده بحيث يتحقق الستر بالباقي صح ، ولو وضع يده عليه فالأقرب البطلان ، لعدم فهم الستر ببعض البدن من إطلاق اللفظ ، ولو وضع غير المصلي يده عليه في موضع يجوز له الوضع أمكن الصحة ، لحصول الستر وخروجه عن المصلي ، والوجه البطلان أيضا ، لمخالفة الستر المعهود ، وإلا لجاز ستر جميع العورة ببدن الغير » قلت : مع أنك عرفت فيما تقدم اعتبار المأكولية فيما إذا كان الساتر من حيوان ، وما عساه يقال : إنه في صورة الوضع على الخرق غير ساتر بانفراده بل هو مع الثوب يدفعه عدم الفرق بين كونه ساترا وبعضه ، نعم لو فرض كون الوضع بحال لا يرفع صدق اسم الستر بالثوب حقيقة صح ، لحصول الشرط وعدم المانع ، ومن ذلك يعلم أن المدار في هذه المسألة ونظائرها على ذلك ، ولعله هو الذي دعا الشهيد إلى الفرق ، بل والفاضل‌

٢٠٥

فيما حكي عنه من نهايته ، حيث أنه تردد في مسألة الخرق ، واستقرب الصحة في واسع الجيب المستور باللحية ، وإلا فمن المعلوم عندهم عدم الاجتزاء بستر مثل ذلك لكونه بعضا من المكلف ، ولأنه مما لا يؤكل لحمه ، فالحكم بالصحة حينئذ ليس إلا لتخيل أنه ستر بالثوب مثلا لا غير ، لكنه في حال من أحوال المكلف ، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع.

هذا كله إذا انكشف لغيره ، أما إذا لم ينكشف إلا لنفسه فالأقرب البطلان أيضا ، لعدم تحقق الإطلاق المزبور الذي هو المدار في الصلاة ، ولو فرض تحققه اتجه الصحة ، ولعله إليه أومأ في الذكرى حيث اشترط البطلان بما إذا قدر رؤية الغير إذا حاذى الموضع ، فإنه به ينتفي الإطلاق حينئذ ، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك ، بل كان لنفسه خاصة من جهة تسلط بصره مثلا ، فلا ينتفي الإطلاق ، ولعله أولى مما في كشف اللثام ، قال : يعني إذا نظر الغير من حيث ينظر نفسه ، وإن كان حين ينظر نفسه مانعا من نظر الغير ، بناء على أنه ستر لعورته بوجهه مثلا ، والستر يجب أن يكون بغيره لا بعضوه ، بل قد يجعل ما ذكرنا وجه جمع بين ما قلناه وبين المحكي عن المعتبر والمنتهى والتحرير من أنه لا بأس بالصلاة إذا لم ينكشف إلا لنفسه بحمله على الصورة الأخيرة التي ذكرنا فيها الصحة ، كما أن ما في الخلاف والمحكي عن المبسوط ـ من إطلاق نفي البأس عن صلاة الرجل في قميص واحد وأزراره محلولة حاكيا عليه في الأول الإجماع ـ يجب حمله على ما إذا لم ينكشف العورة بذلك ، وإن قال في الثاني : « واسع الجيب أو ضيقه ، دقيق الرقبة كان أو غليظة ، كان تحته مئزر أو لم يكن » إذ ذلك منه تعريض بخلاف بعض العامة ، كقول الباقر عليه‌السلام في خبر زياد بن سوقة (١) : « لا بأس أن يصلي أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محللة ، إن دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حنيف » وقيل‌ للصادق عليه‌السلام في مرسل ابن فضال (٢) : « إن الناس يقولون : إن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

٢٠٦

الرجل إذا صلى وأزراره محلولة ويداه داخلة في القميص انما يصلي عريانا ، فقال : لا بأس » وأما‌ قوله عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (١) : « إذا كان عليه قميص صفيق أو قباء ليس بطويل الفرج فلا بأس » وقول أبيه عليهما‌السلام في‌ خبر غياث (٢) : « لا يصلي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار » ففي صورة انكشاف العورة ، أو للاحتياط تحرزا عن التعرض له ، أو على الكراهية ، كما‌ ورد (٣) « إن حل الأزرار من عمل قوم لوط » هذا.

ولا ريب في استحباب الجماعة للعراة ، بل في ظاهر التذكرة وصريح الذكرى والمحكي عن المنتهى والمختلف الإجماع عليه ، لإطلاق الأدلة ، وخصوص‌ صحيح ابن سنان (٤) « سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة ، قال : يتقدمهم الامام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا » وموثق إسحاق بن عمار (٥) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قوم قطع عليهم الطريق وأخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ قال : يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه ، فيومئ إيماء للركوع والسجود ، وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم » فما في‌ خبر أبي البختري (٦) عن الصادق عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد « فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى » محمول على عدم إرادة الجماعة منهم ، لعدم من يؤتم به منهم ، أو لغير ذلك ، أو على التقية بقرينة الراوي ، أو غير ذلك ، وإن كان المحكي عن المقنع والشيخ في آخر باب صلاة الخوف والمطاردة من الخلاف العمل به.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٢٠٧

انما الكلام في كيفيتها. والمعروف في الفتاوى كالخبرين السابقين إطلاق الجلوس فيها ، بل هو معقد المحكي عن السرائر من الإجماع أيضا ، والنسبة إلى أهل العلم في المعتبر والمنتهى من غير تفصيل بين أمن المطلع وعدمه ، لكن الخروج به عن إطلاق ما دل على القيام مع الأمن المؤيد بأصالة وجوبه في الصلاة وبغيرها لا يخلو من إشكال ، خصوصا بعد خروج هذا الإطلاق مخرج الغالب من عدم الأمن في الفرض إلا ببعض الصور النادرة كالعمى والظلمة ونحوهما ، وخصوصا بعد كون التعارض بين الأدلة من وجه لا بالخصوص المطلق ، فترجيحه حينئذ على إطلاق القيام لا يخلو من منع ، ولعله لذا جزم في البيان بمراعاة الأمن وعدمه.

وكيف كان ففي الوسيلة والدروس والمحكي عن النهاية والجامع والإصباح والمعتبر والمنتهى العمل بما في الموثق المزبور (١) من إيماء الإمام خاصة ، وركوع المأمومين وسجودهم ، ولم يرجح في التذكرة والتحرير وعن المختلف من جهته ، بل في المعتبر الرواية حسنة لا يلتفت إلى من يدعي الإجماع على خلافها ، معترضا بذلك على العجلي حيث حكى الإجماع على إيماء الجميع الذي هو خيرة القواعد والبيان والمدارك وغيرها من كتب متأخري المتأخرين ، والمنقول عن جمل السيد ومصباحه والمفيد ونهاية الأحكام وإن كنا لم نتحققه من الأخير منهم ، اللهم إلا أن يكون قد استفيد مما ذكره في المنفرد ، لكن لا ينبغي الاقتصار عليه في النسبة حينئذ ، إذ الغنية أيضا كذلك ، لكنك خبير أن مثل هذا الإجماع لا يعارض مثل الخبر المزبور ، كما أن إطلاق نصوص الإيماء لا تعارضه بعد كونه مقيدا ومن قسم الموثق الذي هو حجة عندنا ، ومعمولا به عند جماعة من الأساطين ، والمناقشة فيه ـ كما في شرح الأستاذ مع أن ظاهره في حاشية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

٢٠٨

المدارك العمل به بأن المفهوم منه كون الستر لأجل عدم رؤية الناس لا لله ، وهو مخالف لظاهر الأخبار الصحاح والمعتبرة المعمول بها بين الأصحاب ، بل الإجماع أيضا ، لأن وجوب ستر العورة عند الفقهاء ليس سترها عن الناظر بل لله تعالى بالبديهة ـ كما ترى ، إذ لا خبر فضلا عن الأخبار ، والإجماع يدل على سترها في هذا الحال للصلاة ، بل لعل الظاهر من نصوص التفصيل (١) بالأمن وعدمه والتعليل بالبدو في الحس الظاهر للناظر بقرينة الجلوس فيه خلافه كما ستعرفه مفصلا ، وبه يندفع ما في الذكرى من إشكاله بأنه يلزم من العمل به أحد أمرين ، إما اختصاص المأمومين بعدم الإيماء مع الأمن أو عمومه لكل عار آمن ، ولا سبيل إلى الثاني ، والأول بعيد ، إذ الظاهر إمكانهما معا ، وأما ما في كشف اللثام من احتماله إيمائهم لركوعهم وسجودهم بوجوههم ، وركوعهم وسجودهم على الوجه الذي لهم ، وهو الإيماء ، ولذا قال في نهاية الأحكام : إنها متأولة ، فهو كما ترى لا يترك بمثله المعتبر من النصوص ، مع أنه لا ينبغي تخصيص المأمومين بذلك ، فالعمل به حينئذ متجه ، ولا غرابة حينئذ في التفصيل بين المأموم وغيره لذلك.

بل يمكن الفرق بينهما أن الإيماء في الجالس غيره ، لعدم أمن المطلع الذي سوغ له الجلوس بخلافه ، فإنه باعتبار التصادق المأمومين بعضهم ببعض في سمت واحد لا إطلاق لأحد على الآخر في الركوع والسجود ، ولذا اختص الإمام بالإيماء بينهم ، لعدم الأمن بالنسبة إليه باعتبار تقدمه عليهم ، وإلى ذلك أشار في المنتهى بعد أن رجح الموثق المزبور بقوله : « لا يقال : إنه قد ثبت أن العاري مع وجود غيره يصلي بالإيماء ، لأنا نقول : إنما ثبت ذلك فيما إذا خاف من المطلع ، وهو مفقود هنا ، إذ كل واحد مع سمت صاحبه لا يمكنه أن ينظر إلى عورته حالتي الركوع والسجود » ونحوه في الذكرى ، لكن أشكله بأن المطلع هنا إن صدق وجب الإيماء ، وإلا وجب القيام ، وأجاب بأن التلاصق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣ و ٥ و ٧.

٢٠٩

في الجلوس أسقط اعتبار الإطلاق بخلاف القيام ، وكان المطلع موجودا حالة القيام وغير معتد به حالة الجلوس ، وهو جيد جدا.

نعم لو فرض صف ثان بعد الوصف الأول كان فرض الأول الإيماء كالإمام ، لوجود المطلع ، وفي التحرير الإجماع عليه ، والركوع والسجود للصف الثاني ، نعم إذا كانوا في مكان مظلم مثلا أمكن وجوب الركوع والسجود على الجميع كما صرح بجميع ذلك في الذكرى أيضا ، ولا ينافيه الرواية المزبورة المنزلة على الغالب ، كما أنه لا مجال لاحتمال اشتراط صحة الجماعة بكونها في صف واحد بعد إطلاق النص والفتوى وتصريح البعض.

بل من ذلك كله يظهر قوة ما ذهب اليه ابن زهرة مدعيا الإجماع عليه من الفرق في المنفرد بين صلاته من جلوس لعدم أمن المطلع وصلاته من قيام لأنه ، فيومي الأول للركوع والسجود ، دون الثاني فيركع ويسجد ، للأصل ، وخبر الحفيرة (١) والموثق المزبور (٢) والإجماع المنقول ، ولأن الذي يسوغ له القيام المقتضي لانكشاف قبله الأمن من المطلع فليقتض أيضا وجوب الركوع والسجود وان استلزما انكشاف العورة ، ضرورة اشتراكهما في عدم قدحها مع عدم التمكن ، ولذا لم يقدح انكشاف قبله في القيام ، ودعوى الفرق بينهما بإمكان وضع يده في القيام على قبله ، فيكون مستور العورتين باليد والأليتين بخلافهما يدفعها أن ظاهر النص والفتوى عدم وجوب الوضع المزبور ، على أنه عليه لم يتجه التفصيل بين أمن المطلع وعدمه ، وضرورة ظهوره في عدم البأس في التكشف في الأول دون الثاني.

وما في‌ حسن زرارة (٣) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل خرج من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

٢١٠

سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه فقال : يصلي إيماء ، فإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها ، وإن كان رجلا وضع يده على سوأته ، ثم يجلسان فيومئان ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما ، تكون صلاتهما إيماء برؤوسهما ، قال : وإن كانا في ماء أو بحر لجي لم يسجدا عليه وموضوع عنهما التوجه فيه يوميان في ذلك إيماء رفعهما توجه ووضعهما » ـ مع إجمال لفظ التوجه فيه ، بل وترتب الجلوس فيه على الوضع ، وربما قيل : إنه يشهد لما تسمعه عن السيد العميد من وجوب الجلوس لايماء السجود على القائم الآمن ، وعدم اطراد التعليل فيه عندهم ، ضرورة عدم جوازهما عندهم بمجرد عدم البد وبوضع يده أو يد زوجته أو شعره أو غير ذلك ، ومع أنه كما في الوافي رواه في الفقيه مرسلا مقطوعا مختلفا في الألفاظ والزيادة والنقيصة وغير ذلك مما يقضي باضطرابه ، قال فيه : « والعريان يصلي قاعدا ويضع يده على فرجه ، وإن كانت امرأة وضعت يدها على فرجها ثم يوميان إيماء ، ويكون سجودهما أخفض من ركوعهما ، ولا يركعان ولا يسجدان فيبدو ما خلفهما ، ولكن إيماء برؤوسهما ، وإذا كانوا جماعة صلوا وحدانا ، وفي الماء والطين تكون الصلاة بالإيماء ، والركوع أخفض من السجود » لكن قد يدفع بإمكان أن يكون ذلك من كلام الفقيه بمضمون الخبر المزبور ، لعدم ما يشعر فيه بصدور ذلك منه على وجه الرواية ، فلاحظ ، وعلى كل حال ـ محمول عندهم على عدم الأمن ، ولذا كانت الصلاة فيه من جلوس ، فيخرج حينئذ عن مفروض المسألة الذي هو من صلى قائما لأمن المطلع ، وإلا لم أر من عمل به من الأصحاب ، فإن الفتاوى كالنصوص مطلقة في الصلاة من قيام من غير تعرض لوضع اليد ، بل لعل اشتراط القيام بأمن المطلع والجلوس بعدمه كالصريح في عدم اعتباره ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، فتعليل عدم الركوع والسجود فيه بالبدو يراد منه الظهور للناظر المحترم الذي يمكن دعوى أهمية مراعاته عند الشارع من القيام والركوع والسجود ونحوها من أفعال‌

٢١١

الصلاة المقتضية للبدو للناظر.

بل يقوى في النفس مع التأمل الجيد أن المراد من النصوص سقوط الستر من حيث الصلاة كباقي الشرائط المتعذرة ، إلا أن الفرق بينها وبينه وجوب الستر عن الناظر لا للصلاة ، فمع فرض عدمه لا يسقط شي‌ء من أفعال الصلاة ، ومعه يتعارض ما دل على وجوب القيام والركوع والسجود وما دل على وجوب الستر ، إلا أن الظاهر من هذه النصوص المعتضدة بالفتاوي تقديم الثاني على الأول ، فينتقل من القيام إلى الجلوس ، ومن الركوع والسجود إلى الإيماء ، فيتجه على ذلك عدم بطلان الصلاة بتكشف العورة في حال القيام والجلوس عمدا فضلا عن السهو ، ضرورة كون النهي من حيث النظر لا الصلاة ، وهذا وإن صعب على أذهان جملة من الناس لغلبة التقليد عليهم ، إلا أن التأمل الجيد في الموثق (١) وخبر الحفيرة (٢) وفي نصوص التفصيل (٣) بين أمن المطلع وعدمه ، وفي إطلاق ما دل على وجوب القيام (٤) والركوع (٥) والسجود (٦) في الصلاة ، وفي أنه لا دليل على شرطية الستر للصلاة بالأليتين وبباقي بدن المصلي وغيره مما هو محلل لمسه ، بل ظاهر كثير منهم وصريح بعضهم انتهاء مراتب الستر بالأمور السابقة ، وأن البدن والشعر وغيرهما ليس منها ، وفي غير ذلك مما لا يخفى على الماهر يشرف الفقيه على القطع بما ذكرنا.

ومنه يظهر ما في شرح الأستاذ من دعوى عموم في الستر للصلاة مهما أمكن بحيث يشمل البدن ونحوه ، بل يظهر غير ذلك مما فيه أيضا ، وما في‌ خبر أبي يحيى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣ و ٥ و ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب القيام.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الركوع.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الركوع.

٢١٢

الواسطي (١) « أن الدبر مستور بالأليتين ، فإذا سترت القضيب والأنثيين فقد سترت العورة » لا دلالة فيه على أن ذلك للصلاة ، بل ظاهره تحقق الستر من حيث النظر ، كما أن المراد من إطلاق النصوص الصلاة قائما صلاة القائم المعهودة ، بمعنى أنه مع عدم المطلع يرتفع المانع عن القيام ، لا أن المراد الإتيان بجميع صلاته من ركوع وسجود وتشهد وتسليم حال القيام ، بل وكذا‌ قوله عليه‌السلام : « صلى جالسا » أي جاء بصلاة الجالس المعهودة ، إلا أنه لما تكثرت النصوص (٢) المفتي بها من الأصحاب في أن فرضه الإيماء ، وعلم أن الجلوس لمكان حصول الستر به عن المطلع تعين القول به حينئذ مع وجود المطلع ، وعدم إمكانهما مع الأمن من بدو هما له.

أما القيام فلم نجد في النصوص ما يدل على أمره فيه بالإيماء سوى ما في‌ صحيح علي بن جعفر (٣) « وإن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم » الذي هو ـ مع عدم العمل به على إطلاقه لوجوب الجلوس عليه مع عدم الأمن ولا صراحة فيه بالإيماء للسجود ـ قاصر عن معارضة ما سمعته ، خصوصا مع إمكان حمل الإيماء فيه على إرادة أول أفراد مسمى الركوع.

ودعوى ترجيحه على ما تقدم ـ باعتضاده بفتاوى الأصحاب ، وبإجماع ابن إدريس ، وبأن المحصل من الأدلة وجوب ستر العورة للصلاة وإن كان ما تستر به مرتبا ، وبما في‌ مضمر سماعة (٤) المروي في التهذيب « سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض وليس عليه إلا ثوب واحد وأجنب فيه وليس عنده ماء كيف يصنع؟

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٤) الاستبصار ـ ج ١ ص ١٦٨ ـ الرقم ٥٨٢ من طبعة النجف والموجود في التهذيب ج ٢ ص ٢٢٣ ـ الرقم ٨٨١ « قاعدا ».

٢١٣

قال : يتيمم ويصلي عريانا قائما ويومي إيماء » بل هو دليل في نفسه خصوصا بعد اعتضاده بما عرفت ، وبأنه لو كان المدار في الركوع والسجود على أمن المطلع وعدمه لم يصح إطلاق الإيماء للجالس في جملة من النصوص المعتبرة (١) مع إمكان عدم البدو بوضع يديه أو يد زوجته أو نحو ذلك ـ يدفعها انه لا شهرة في العمل بالخبر المزبور فضلا عن الإجماع ، وذلك لأن الصدوق والمفيد والسيد وإن حكي عنهم الإيماء إلا أن مذهبهم تعين الجلوس على العاري المنفرد مطلقا أمن المطلع أو لا كما عرفته سابقا ، كما أن ابن إدريس مذهبه وجوب القيام عليه مطلقا ، وهذا منهم طرح لنصوص التفصيل ، بل من الأولين طرح لنصوص القيام التي هذا الصحيح من جملتها ، والبحث في الركوع والسجود والقيام على تقدير العمل بنصوص التفصيل ، وأما الشيخ في المبسوطة ونهايته وخلافه وابن حمزة في الوسيلة وابن البراج والديلمي في المراسم فالمحكي عنهم عدم التعرض للإيماء في المنفرد أصلا ، نعم الشيخ وابن حمزة منهم ذكراه في الإمام خاصة ، وربما استظهر منهم جميعا موافقة ابن زهرة في الركوع والسجود ، ضرورة أنه لو كان الفرض عندهم الإيماء لوجب ذكره خصوصا ، ومقتضى الأصل وجوب غيره ، فليس حينئذ إلا يحيى بن سعيد والفاضلان والشهيدان والمحقق الثاني ومن تأخر عنهم من متأخري المتأخرين.

بل المحكي عن العلامة منهم في النهاية التردد في الإيماء قائما مع تقريبه من أنه أقرب إلى الستر ، وأبعد عن الهيئة المستنكرة في الصلاة ، ومن أنهما ركنان ، والستر زينة وكمال للأركان ، فلا يسقط الركن لسقوط الزينة ، والوجه الأول من التردد كما ترى ، وقد سمعت كلامه في المنتهى في ركوع المأمومين وسجودهم ، وربما ظهر من كشف اللثام نوع ميل اليه ، قال بعد أن حكى عن ابن زهرة الجزم وعن الفاضل التردد : « قلت :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦ والباب ٥٢ الحديث ١ والمستدرك ـ الحديث ١ من باب ٣٣ و ٣٤ من أبواب لباس المصلي.

٢١٤

وفرقهما بين الحالتين للأمن حال القيام ووحدة خبره ، ولم يذكره أي الإيماء سلار أصلا ولا الشيخ وأبناء حمزة والبراج إلا إذا صلى العراة جماعة ، فأوجبوه على الإمام خاصة » إلى آخره. بل قد يوهن الخبر المزبور زيادة على ذلك عدم العمل به من بعض المفصلين ، حيث أوجبوا الجلوس لايماء السجود كما حكاه في الذكرى عن شيخه عميد الدين ، وفي مفتاح الكرامة عن أبي العباس ، ومال إليه في كشف اللثام لأنه مستطاع فيجب ، خصوصا إذا قلنا بأصالة وجوبه لا أنه مقدمة للسجود ، وإن أشكله في الذكرى بأنه تقييد للنص من غير دليل ، ومستلزم للتعرض لكشف العورة في القيام والقعود ، فان الركوع والسجود انما سقطا لذلك ، فليسقط الجلوس الذي هو ذريعة إلى السجود ، ولأنه يلزم القول بقيام المصلي جالسا ليؤمي للركوع لمثل ما ذكره ، وما أعلم به قائلا ، فالتمسك بالإطلاق أولى ، لكن قد يدفعه أنه ليس من التقييد في شي‌ء ، وانما هو إيجاب لما وجب بدليله من غير علم بسقوطه ، بل في كشف اللثام أن الأخفض يحتمله ، وكذا خبر زرارة (١) المتقدم كما أشرنا إليه سابقا ، والفرق بين القيام والقعود وعكسه ظاهر ، فان القعود أستر ، ولذا وجب إذا لم يأمن ، بل الفرض أنه كان قد تعين الجلوس عليه لعدم أمنه ، فلا يسوغ له القيام الركوع ، وإلا لقام قبله ، والتعرض للتكشف مع أنه لا نهي عنه بالخصوص يرفعه الأمر بالتحفظ في هذا الحال بأن يجلس على هيئة لا تقتضي التكشف بناء على مراعاة مستورية الدبر ، وأن الإيماء لذلك لا أنه تعبد محض كما عساه يتخيل ، بل لعله أقوى من سابقه ، ضرورة خلو النص والفتوى عما يقتضي اشتراط الستر هنا للصلاة ، وإيجاب الإيماء فيها أعم من ذلك كما أن‌ قوله عليه‌السلام : « ولا يركعان ولا يسجدان فيبدو ما خلفهما » وقد عرفت كونه من حيث وجود المطلع لا من حيث الصلاة ، والتمسك بإطلاق هذه العلة المنافية لإطلاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

٢١٥

الفتاوى ـ بل قد عرفت قصورها من وجوه أخر ، منها أن مقتضاها الركوع والسجود للقائم مع عدم البدو أو كان الدبر مكشوفا لا يمكن ستره بالأليتين ، وهو مخالف لإطلاق الفتاوى ـ كما ترى ، فالمتجه حينئذ بناء على العمل بهذا الصحيح (١) وغيره من النصوص الاقتصار على الكيفية المزبورة للعاري من غير مدخلية لانكشاف العورة حينئذ في الصلاة ، لعدم الدليل ، بل إطلاق الأدلة قاض بخلافه ، وحينئذ لا بأس بالجلوس لايماء السجود وإن تكشف به فضلا عن تعرضه له ، على أن مقتضاه أنه يتشهد ويسلم قائما ، ولا أعرف تصريحا به ممن تقدم عليه ، كما أنه لا أعرف دليلا له ، بل الأصل قاص بخلافه ، ومن ذلك كله تعرف وهن الصحيح المزبور (٢) بل قد يوهنه أيضا بعد وجوب الإيماء من قيام بحيث لا يجوز له الجلوس في صورة عدم بدو العورة ، بل يمكن دعوى أنه لا يلتزمه أحد منهم ، ولذا صرح بعض مشايخنا بالجواز في مثل الفرض مع قوله بمقالتهم ، فتأمل.

وإجماع ابن إدريس معارض بإجماع ابن زهرة ، بل قد يشهد التتبع برجحان الثاني عليه ، خصوصا وقد ادعاه في المأمومين الذين قد عرفت حالهم ، والقائل بركوعهم وسجودهم ، كما أنك قد عرفت ما في دعوى أن المحصل من الأدلة وجوب الستر للصلاة مطلقا ، بل سبرها مع التأمل فيها قاض بخلاف ذلك كما هو واضح.

ومضمر سماعة (٣) مروي في الكافي الذي هو أضبط من التهذيب بلفظ القعود ، فيكون حينئذ كباقي نصوص الإيماء (٤) للقاعد المحمولة على عدم أمن المطلع ، ولا ريب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦ والباب ٥٢ الحديث ١ والمستدرك ـ الحديث ١ من باب ٣٣ و ٣٤ من أبواب لباس المصلي.

٢١٦

أن إطلاقها منزل على الغالب من عدم التمكن من الركوع والسجود على وجه لا عسر فيه ولا تشويش بالبدو معه ، وإلا فلو فرض إمكانه كذلك وجب من غير فرق بين المأمومين وغيرهم ، بناء على ما ذكرنا الذي مع التأمل فيه يظهر لك ما في جملة من المصنفات في النقل والاستدلال وتحرير البحث ، خصوصا مصنفات أهل العصر من مشايخنا وغيرهم ، وهو الذي دعانا إلى التطويل في البحث.

والمحصل ان الذي يمكن دعواه في المقام أحد أمور أربعة : أولها ما ذكرناه من سقوط الستر للصلاة وبقائه من حيث النظر ، فمع عدمه يأتي بالصلاة تامة ، ومع وجوده ينتقل إلى الأبدال كلا أو بعضا ، كما لو أمن المطلع في القيام دون الركوع أو بالعكس. وثانيها السقوط للصلاة أيضا إلا أنه يجب التعبد بالكيفية المخصوصة الحاصلة من مجموع النصوص والفتاوى ، وهي على الأصح الجلوس مع عدم الأمن ، والقيام معه ، والإيماء في الحالين. ثالثها هذه الكيفية المخصوصة إلا أنه يجب ستر العورتين في حال الجلوس للصلاة ، وعن النظر ، والدبر خاصة للصلاة في حال القيام والركوع والسجود. رابعها وجوب ستر القبل باليد ونحوها لها أيضا ، وأضعفها الأخير ، لما عرفته من منافاته لأكثر النصوص والفتاوى ، ثم سابقه ، بل لا يخلو تخصيص ستر الدبر بالشرطية من غرابة ، وأما الأولان فقويان جدا ، ولعل أولهما لا يخلو من رجحان ، لما عرفته ، فتأمل جيدا ، فإن المسألة غير محررة في كثير من الكتب.

ثم من الواضح انه تجب على الأول إرادة الناظر المحترم من النص والفتوى لا مطلق الناظر وإن لم يكن محترما ، لما عرفته سابقا من سقوط الستر للصلاة ، وعدم حرمة التكشف إلا من حيث النظر ، فيجب حصره حينئذ في المحترم منه لا غيره كالزوجة ونحوها كما جزم به شيخنا في الرياض ، ولعله المتبادر من نحو قولهم : أمن المطلع ، خلافا لشيخنا في كشفه فالجميع ، تمسكا بعموم النصوص المنصرف إلى ما ذكرنا ولو بقرينة‌

٢١٧

الفتاوى وما سمعته سابقا منا مفصلا ، كما أنه من المعلوم عدم الاجتزاء بالركوع والسجود منه عمدا حيث يكون فرضه الإيماء ، للنهي ، وعدم الامتثال للأمر به في النص والفتوى المراد منه العزيمة وانتقال الفرض قطعا لا الرخصة ، والجهل غير عذر فيه كغيره من الأحكام ، بل ولا النسيان أيضا وإن احتمل الصحة فيه في البيان ، بل جزم بها الأستاذ الأكبر في شرحه ، قال : لعدم توجه النهي والخطاب بالإيماء ، لقبحه ، والصلاة ثلثها ركوع وسجود ، بل ما دل على الإيماء نص في أن الأصل الركوع والسجود ، والعدول إلى الإيماء لئلا يبدو ما خلفه ، فإذا بدا نسيانا لم يبق مانع من الأصل ، ولا مقتضي للعدول. والجميع كما ترى لا يجدي في صدق الامتثال المزبور ، فالبطلان حينئذ لذلك لا للتكشف كي ينافي ما قلنا من عدم قدحه في الصلاة في هذا الحال ، كما أن تعليل الإيماء وعدم الركوع والسجود لهما بالبدو لا يقتضي كون المدار في التكليف بذلك على الإثم وعدمه ، كما هو واضح ، لكن هذا لو اجتزى بهما ، أما لو ذكر بعد فعل الركوع والسجود فقد يحتمل أن له التدارك فيومي وتصح صلاته ، لعدم ركنيتهما في هذا الحال كي يستلزم زيادتهما البطلان ، اقتصارا فيما دل عليها على المتيقن ، فحينئذ لو نسي إيماء الركوع حتى دخل في السجود نفسه أومأ وصحت صلاته ، لكن الأحوط استيناف الصلاة مع ذلك ، خصوصا مع القول بأصالة الفساد مع الزيادة التي هي مبنى الركنية ، أما لو زاد إيماء أو تركه فلا إشكال في البطلان ، للبدلية ، كما أنه لا إشكال فيه أيضا لو نسي إيماء الركوع حتى دخل في إيماء السجود.

وكيف كان فلو لم يجد الرجل ساترا إلا لإحدى العورتين وجب ستره للصلاة بلا خلاف أجده بيننا ، لأنه المستطاع والميسور والمدارك ، وإطلاق الأدلة منضما إلى أصالة عدم اشتراط ستر أحدهما بالآخر ، بل لا يبعد لذلك كله وجوب ستر البعض مع إمكانه ، ولا ترتيب في أجزائه على الظاهر ، نعم قد يقدم القبل عند كثير ممن تعرض لذلك كالفاضلين‌

٢١٨

والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم ، نعم عن حواشي الشهيد منهم جعله والدبر احتمالين ، وفي بيانه احتمال رجحان الدبر ، لاستتمام الركوع والسجود بستره مع كون القبل مستور بالفخذين ، واحتمال جعل الساتر حال القيام على القبل ، وعلى الدبر في حالتي الركوع والسجود ، ولا يعد ذلك مبطلا ، لأنه من أفعال الصلاة.

وكيف كان فقد عللوه بأن الدبر مستور بالأليتين كما في خبر أبي يحيى (١) وببروزه وكونه إلى القبلة ، بل صرح جماعة بالبطلان لو خالف ، كما صرحوا ببقاء الإيماء عليه حينئذ ، لكن قد يناقشون بعدم صلاحية الأمور المزبورة للترجيح من حيث ستر الصلاة ، وبحيث يقتضي مخالفتها بالبطلان المذكور ، وبإمكان أولوية الدبر بناء على التمكن بذلك من الركوع والسجود ولو حالهما كما سمعته من الشهيد ، ضرورة أهمية المحافظة عليهما من غيرهما ، لأنهما معظم الأركان وثلث الصلاة ، ولأمن الدبر لم يسقط قادحية كشفه عندهم في حال من الأحوال بخلاف القبل ، ولغير ذلك ، بل ينبغي الجزم فيما لو فرض كفاية الساتر له دون القبل ، بل ذلك كله مع التأمل الجيد مما يؤيد ما ذكرناه سابقا من سقوط اشتراط الصلاة ، وانه لا تبطل بانكشاف الدبر حال القيام والقبل أيضا حال الجلوس ، إذ المتجه بناء على ذلك ترجيح الدبر أو التخيير كما عرفت ، أما على ما حققناه فقد يتجه الأخير حتى في حال الجلوس إلا إذا كان بستر الدبر به عن النظر يتمكن من الركوع ، والسجود ، لعدم انكشاف القبل مثلا ، فقد يترجح كالعكس لو فرض ذلك فيه ، لعدم مرجح يصل إلى حد الوجوب ، ولعله لندرة الفرض المزبور أطلق ما يقتضي التخيير في المحكي عن المبسوط ، قال : « لو وجد ما يستر به بعض عورته وجب ستر ما يقدر عليه » وفي المحكي عن المنتهى نسبة التخيير إلى قوم ، وتقديم الدبر إلى آخرين ، وفي التحرير اقتصر على نسبة الأول إلى البعض.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

٢١٩

وأما المرأة فلا ريب في تقديم فرجيها على باقي بدنها ، بل بالتمكن من سترهما يجب عليها صلاة المختار ، لعدم اندراجها في نصوص العاري حينئذ قطعا ، بل ربما كان في [ قوله عليه‌السلام : « وإن خرجت رجليها » في بعض النصوص السابقة (١) إشارة إلى عدم اعتبار كشف ما عدا العورتين للضرورة ، فلا يجب عليها الجلوس ، حينئذ مع وجود المطلع وإن استترت به ما ينكشف حال القيام ولا الإيماء.

أما إذا وجدت ساتر أحدهما خاصة فقد قدم القبل أيضا جماعة منهم الشهيد والمحقق الثاني لما سمعته في الرجل ، لكن قد يقال بالتخيير هنا وإن قلنا بالتقديم هناك ، لاشتراكهما في المستورية عن النظر بالفخذين والأليتين ، أو لأن ستر الأليتين بالنسبة إليها باعتبار كونهما منها عورة كعدم الستر ، فلا يرجح (٢) الدبر بذلك على القبل ، كما أنه لا يرجح هو على الدبر بالأفظعية ، ولعله لذا جزم في كشف اللثام بالتخيير هنا مع قوله بالتقديم في الرجل ، بل كأنه مال إليه العلامة الطباطبائي في منظومته ، قال :

وعند فقد ساتر الكل الرجل

قدم من سترهما ستر القبل

والمرأة الفرجين ثم القبلا

وللخيار فيه وجه قبلا

وعلى كل حال فلا يسقط الإيماء عنها بذلك عند من أوجبه حال القيام ، لعدم حصول شرط الركوع والسجود الذي هو ستر العورتين ، كما هو ظاهر صحيح علي بن جعفر (٣) السابق الذي هو الأصل في إيماء القائم عندهم ، لكن في كشف اللثام ما يوهم ركوعها وسجودها ، قال : « وإن لم تجد المرأة إلا ما يستر السوأتين أو إحداهما فالأقرب الستر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح « فلا يرجح القبل بذلك على الدبر » إذ لو لا ستر الأليتين للدبر كعدم الستر لكان القبل أولى بالستر بالساتر الذي لا يكفي إلا لأحدهما لمستورية الدبر بالأليتين إلا أن هذا الستر كالعدم فلا يرجح على الدبر بل مخير بينهما.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٢٢٠