جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

« صحت صلاته » قال : « إن كانت أقوى من إخباره أو مساوية ولم تتقو به » ، فتأمل جيدا.

وإلا يكون تعويله على رأيه مع وجود المبصر لامارة فعليه الإعادة إن أخطأ قطعا لعدم الامتثال ، وإطلاق النصوص السابقة (١) بل وإن أصاب إذا فرض بحال لم يكن جازما بموافقة الأمر ، ضرورة عدم تصور النية منه ، فأصابته مع عدمها لا تجديه ، أما إذا كان بحال تتصور منه نية القربة لغفلة ونحوها فيحتمل الصحة ، لوجود المقتضي وارتفاع المانع ، خصوصا على القول بصحة عبادة الجاهل مع الموافقة ، بل وإن لم نقل ، بناء على اختصاص ذلك بالأجزاء ونحوها مما هو داخل في كيفية العبادة ، أو فيها وفي الشرائط مع فرض البحث في غير جاهل الشرطية ، أما غير ذلك فيدور الفساد فيه مع إحراز نية القربة وعدمه على حصوله وعدمه ، لعدم الدليل على شرطية سبق العلم للصحة ، وحينئذ لا ينبغي إطلاق الصحة مع الإصابة ، كما هو المحكي عن الشيخ في المبسوط والخلاف ، ولا إطلاق الفساد معها كما عن غيره ممن تأخر عنه ، اللهم إلا أن يختص هذا الشرط من بين الشرائط باشتراط إحرازه بالطريق الشرعي علما أو ظنا في صحة الصلاة ، للأمر بالعلم أو الاجتهاد في تحصيل القبلة المقتضي للشرطية ، كسائر الأوامر بالشي‌ء للصلاة مثلا ، فيكون الفساد حينئذ في الفرض لفقد الشرط ، وهو العلم أو الظن ، وربما يلحق به في ذلك الوقت أيضا ، للاشتراك في كيفية دلالة الأدلة ، لكن للنظر فيه مجال ، لاحتمال إرادة الطريق منهما لا الشرطية ، خصوصا بعد معروفية كون الشرط القبلة نصا وفتوى ، لا العلم بها أو الظن ، فيشمل الفرض حينئذ كل ما دل على صحة الصلاة الى القبلة مما تقدم ويأتي ، فقول الشيخ المزبور لا يخلو حينئذ من وجه ، ولعله لذا قال في المحكي عن المنتهى إن القولين قويان ، بل عن المعتبر والتحرير الاستشكال فيه ، بل قد يقال إن ذلك من الشيخ في الخلاف بناء على مذهبه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١١ من أبواب القبلة الحديث ٧ و ٨ و ٩.

٢١

فيه من أن الأعمى يصلي الى الأربع ولا يرجع الى غيره ، فحينئذ إذا صلى إلى واحدة منها فعلم أنه أصاب فيها صحت صلاته قطعا وسقط عنه الباقي كالمتحير ، بل لعل ما حكاه في الذكرى عنه من إطلاق الإجزاء فيما نحن فيه مع ضيق الوقت مبني على ذلك أيضا ، نعم ينبغي تقييده بما إذا لم يكن خطأه الى دبر القبلة ، بناء على ما ستعرفه من مذهبه ، واليه أومأ في الذكرى حيث أنه بعد أن حكى ذلك عنه قال : وهو بعيد مع كونه مخطئا إلا أن يكون المقلد مفقودا ، أو لم يصل الى دبر القبلة عند الشيخ ، ثم قال : ولو أصاب هنا فكالأول فيما قاله الشيخ وقلناه ، نعم لو فقد المقلد صح هنا قطعا.

قلت : قد عرفت الحكومة بينه وبين الشيخ ، ونزيد هنا بكشف الحال في سائر الشرائط التي لم يظهر من الأدلة اعتبار سبق العلم بحصولها ، فنقول انها ان كانت لمعاملة فلا يقدح الجهل ابتداء بحكمها ، وحصولها في صحتها إذا فرض مصادفتها لها ، لعدم اشتراط نية القربة فيها ، وكذا إن كانت شرطا لعبادة مع العلم بحصولها والجهل بحكمها ، وليس من عبادة الجاهل الموافقة للواقع التي جزم المشهور بفسادها ، أما مع الجهل بالحصول سواء علم بالحكم أو لا فإن أدى ذلك الى عدم حصول نية القربة بطل العمل ، وإلا صح وكفى مجرد المصادفة للواقع كما هو واضح فيما نحن فيه مع فرض عدم ظهور الأدلة في اعتبار العلم أو الظن بالقبلة في ابتداء العمل ، وفرض عدم تزلزل في نية القربة المتجه فيه الصحة حينئذ ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فلو صلى الأعمى مقلدا ثم أبصر في الأثناء فإن كان عاميا فرضه التقليد أيضا استمر ، وان كان ممن يتمكن من الاجتهاد في أثناء الصلاة بحيث لا تبطل به اجتهد وجوبا على الظاهر ، لتغير موضوعه وشرطية القبلة للكل والبعض ، فان وافق فلا بحث ، وكذا لو ظهر له انه منحرف يسيرا فإنه يستقيم وتصح صلاته لما ستعرف ، وأما إن كان منحرفا الى اليمين واليسار استأنف الصلاة ، وأولى منه إذا كان مستدبرا ،

٢٢

ولو افتقر في اجتهاده الى زمان كثير لا يتسامح في الصلاة بمثله فالأقرب كما في الذكرى البناء وسقوط الاجتهاد. قال : لأنه في معنى العامي ، لتحريم قطع الصلاة ، والظاهر إصابة المخبر ، ويقوى مع كونه مخبرا عن علم ، بل يمكن هنا عدم الاجتهاد لما سلف ، واحتاط في المعتبر بالاستئناف مع احتياجه إلى تأمل كثير ، وهو احتياط ظاهر ، وقال : إن قلنا له المضي فيها ، لأنه لا دليل على انتقاله كان قويا ، قلت : قد يشك في شمول ما دل على حرمة الإبطال لمثله كما تسمعه ان شاء الله في محله ، فمع فرض شمول أدلة الاجتهاد له يتوجه الابطال واستئناف الصلاة ، ودعوى أن اجتهاده في هذا الحال منحصر في البقاء على ما كان مبنية على حرمة الإبطال التي قد عرفت الشك في شمول دليلها لمثله ، فتأمل.

ولو صلى بصيرا فكف في الأثناء بنى ، فان انحرف قصدا بطلت إن خرج عن السمت ، وإن كان اتفاقا وأمكنه علم الاستقامة استقام ما لم يكن قد خرج الى حد الابطال بالخروج عن الجهة ، وإن لم يمكنه فان اتفق مسدد عول عليه ، بل ينتظره إذا لم يخرج عن كونه مصليا ، بل وإن خرج لعدم تمكنه من إتمام الصلاة على الوجه المأمور به ، واحتمال انه كالمتحير حينئذ فيتمها إلى جهة ويضيف إليها ما يكملها أربعا مبني على حرمة القطع التي قد عرفت الشك في شمول دليلها لمثله ، بل في الذكرى أن الأقرب البطلان مع توقع المسدد ، فضلا عن الجزم بحصوله ، نعم لو ضاق الزمان عن التوقع كأن بقي مقدار أربع جهات صلى إليها ، وكذا يصلي الى الأربع مع السعة وعدم توقع المسدد ، قال في الذكرى : « وهل يحتسب بتلك الصلاة منها نظر ، من حيث وقوعها في جهتين فلا تكون صحيحة ، ومن صحة ما سبق منها قطعا وجواز ابتدائها الآن الى هذه الجهة بأجمعها فبالبعض أولى ، وحينئذ هل له الانحراف إلى جهة أخرى غير ما هو قائم إليها يحتمل ذلك ، تنزيلا للإتمام منزلة الابتداء ، والأقرب المنع ، تقليلا للاختلاف‌

٢٣

والاضطراب في الصلاة ، ولنخيل القرب إلى الجهة الأولى بهذا الموقف بخلاف العدول إلى جهة أخرى » انتهى.

المسألة الثانية إذا صلى إلى جهة قد أمر بالصلاة إليها إما لغلبة الظن أو لضيق الوقت أو لغير ذلك ثم تبين خطأه بعد الفراغ من الصلاة فإن كان منحرفا يسيرا أي الى ما بين المشرق والمغرب كما في النافع وعن المعتبر والنكت وسائر كتب الفاضل عدا القواعد وغيرها مما تأخر عنها فالصلاة ماضية بلا خلاف معتد به بين المتأخرين من أصحابنا ومتأخريهم ، بل في التذكرة والتنقيح والمفاتيح والمحكي عن الروض والمقاصد العلية الإجماع عليه ، وهو الحجة ، مضافا الى المعتبرة (١) المتضمنة كون ما بين المشرق والمغرب قبلة المتقدمة سابقا ، وخصوص‌ صحيح ابن عمار (٢) عن الصادق عليه‌السلام « قلت له : الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا فقال له : قد مضت صلاته ، وما بين المشرق والمغرب قبلة » وموثق عمار (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته قال : إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم ، وان كان متوجها الى دبر القبلة فليقطع الصلاة ، ثم يحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم ، وان كان متوجها الى دبر القبلة فليقطع الصلاة ، ثم يحول وجهه إلى القبلة ، ثم يفتتح الصلاة » بناء على مساواة الكل البعض في ذلك ، وخبر الحسن ابن ظريف (٤) المروي عن قرب الاسناد « من صلى على غير القبلة وهو يرى أنه على القبلة ثم عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق والمغرب » وخبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣٥ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ١ ـ والباب ١٠ من أبواب القبلة.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب القبلة الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب القبلة الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب القبلة الحديث ٥.

٢٤

موسى بن إسماعيل بن موسى (١) المروي عن نوادر الراوندي « من صلى على غير القبلة فكان الى غير المشرق والمغرب فلا يعيد الصلاة » بل عن المعتبر والمنتهى انه قول أهل العلم ، ولعله كذلك ، فإنه وان أطلق في الخلاف والغنية الإعادة في الوقت لمن صلى الى غير القبلة باجتهاده ثم عرف ذلك كالمحكي عن المقنعة وجمل السيد والنهاية والمبسوط والسرائر وظاهر الفقيه ، بل قيل إنه حكي عن الكاتب والتقي ، بل في كشف اللثام أنه المشهور وفي الخلاف الإجماع عليه ، وفي السرائر نفي الخلاف ، بل فيه أيضا أني لم أظفر بقائل صريحا بعدم الإعادة قبل الفاضلين ، لكن لعل مرادهم من غير القبلة ما لا يشمل ذلك ، كما أومأ إليه‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام لزرارة (٢) في الصحيح : « لا صلاة إلا الى القبلة قال : قلت : أين حد القبلة؟ قال : ما بين المشرق والمغرب قبلة كله ، قال : قلت : فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت قال : يعيد » بل حكي عن بعضهم التصريح بذلك كظاهر المصباح ، بل لعله ظاهر المحكي عن التهذيب أيضا ، بل لعله فهم من المقنعة أيضا ذلك ، فلاحظ وتأمل ، بل يمكن دعوى ظهور معقد إجماع الخلاف فيه ، قال : « من اجتهد في القبلة وصلى إلى واحدة من الجهات ثم بان له أنه صلى الى غيرها والوقت باق أعاد الصلاة » ثم حكى الإجماع ، فيحتمل إرادة إحدى الجهات الأربع فلا يدخل ما بين المشرق والمغرب فيها ، فتأمل. على أنه من المستبعد طرحهم النصوص المزبورة التي لا يعارضها إطلاق المعتبرة المستفيضة (٣) الآتية المتضمنة لإعادة من صلى الى غير القبلة في الوقت لا في خارجه بعد إرادة ما لا يشمل ذلك من غير القبلة فيها بشهادة النصوص والإجماعات السابقة المؤيدة بقاعدة الاجزاء وإطلاقات الصلاة القاطعة لأصالة الشغل‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ٧ من أبواب القبلة الحديث ١ وفيه‌ « فكان الى المشرق أو المغرب ».

(٢) الوسائل ـ الباب ٩ من أبواب القبلة الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ١١ من أبواب القبلة.

٢٥

فمن الغريب بعد ذلك كله ميل المحدث البحراني لإطلاق القدماء المزبور محتجا بأنه كما يمكن تقييد النصوص الآتية بما إذا لم يكن الى ما بين المشرق والمغرب يمكن تقييد هذه النصوص بإرادة عدم الإعادة في خارج الوقت كما تضمنته النصوص الآتية من نفي الإعادة فيها ، فان بينها تعارض العموم من وجه ، إذ ما بين المشرق والمغرب وإن كان أخص من غير القبلة إلا أن تلك النصوص باعتبار اشتمالها على التفصيل بين الوقت وخارجه أخص من هذه النصوص المشتملة على نفي الإعادة مطلقا ، وترجيحها بأصل البراءة معارض بأصالة الشغل ، ثم انه تبجح بهذا الكلام وأخذ في تسجيعاته كما هي عادته.

وفيه انه لا يخفى عليك أولا الترجيح لهذه النصوص بالإجماعات وغيرها ، مضافا الى عدم قابلية بعضها للتنزيل المزبور ، لظهوره في نفي الإعادة في الوقت ، كصحيح ابن عمار (١) وغيره ، بل لا يقبله كل ما تضمن الحكم بكون ما بين المشرق والمغرب قبلة ، ضرورة عدم الوجه حينئذ لهذه المنزلة ، إذ نفي الإعادة في خارج الوقت يشترك فيها الجميع حتى الاستدبار على الأصح ، على أن صحيح زرارة الأخير شاهد للجميع بينها بإرادة غير ما بين المشرق والمغرب من غير القبلة فيها لاندارجه فيها ، بخلاف الجمع الذي ذكره ، ومعارضة أصل البراءة بعد ما عرفت من قاعدة الاجزاء وإطلاق أدلة الصلاة بأصالة الشغل كما ترى ، الى غير ذلك مما يظهر بأدنى تأمل ، وثانيا أن المراد بالعموم من وجه الذي يحتاج الى الترجيح كونه بين موضوعي الحكم لا أن أحدهما فيه والآخر في الموضوع ، ضرورة أنه لا يعقل أحد من قول القائل اضرب الجهلاء في الليل لا في النهار ولا تضرب زيدا منهم إلا التخصيص ، وبقاء حكم الخاص على إطلاقه ، سيما في المقام الذي لو سلمنا فيه عدم اختصاص لفظ الإعادة في النصوص بالتدارك في الوقت إلا أنه لا ريب في سبقه الى الذهن من أول الأمر ، بل قد يستنكر إطلاق نفي الإعادة مرادا منه خارج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب القبلة الحديث ١.

٢٦

الوقت خاصة ، على أنه لا يلائم اشتراطه بما إذا كان بين المشرق والمغرب في خبر قرب الاسناد (١) ولا تعليق الحكم على غير المشرق والمغرب في خبر النوادر (٢) كما أنه لا يلائم ذلك أيضا ظهور تعليل مضي الصلاة بأن ما بين المشرق والمغرب قبلة في صحيح ابن عمار ، الى غير ذلك مما لا يخفى ، فالقول حينئذ بوجوب الإعادة في الوقت لا في خارجه في غاية الضعف.

وأغرب منه ما حكاه في كشف اللثام عن بعض الأصحاب من الإعادة مطلقا ، وأن القاضي في شرح جمل العلم والعمل احتاط بها ، ولعله لانتفاء المشروط بانتفاء الشرط وهو اجتهاد في مقابلة النصوص السابقة والآتية التي كادت تكون متواترة. ولخبر معمر بن يحيى (٣) أو عمرو بن يحيى (٤) وربما قيل انهما خبران « سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبينت القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى قال : يعيدها قبل أن يصلي هذه التي دخل وقتها إلا أن يخاف فوت التي دخل وقتها » وهو ـ مع الإغضاء عن سنده ، واحتمال إرادة الاستدبار منه بناء على ما يقوله الشيخ والصلاة بغير اجتهاد مع سعة الوقت ودخول الوقت المشترك ، أو الوقت الفضيلي للثانية ، والاستثناء مع خوف فوت وقت الاجزاء وغير ذلك واضح القصور عن مقاومة تلك الأدلة. فلو كان صريحا في ذلك وجب طرحه في مقابلتها فضلا عن كونه ظاهرا ، بل لا ظهور فيه بعد الملاحظة كما هو واضح ، والله أعلم.

هذا كله إن كان منحرفا يسيرا وإلا أعاد في الوقت مطلقا وقيل والقائل الشيخان وسلار وأبو المكارم والفاضل في جملة من كتبه والشهيد في اللمعة والمقداد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٠ من أبواب القبلة الحديث ٥.

(٢) المستدرك الباب ٧ من أبواب القبلة الحديث ١ ـ وفيه‌ « فكان الى المشرق أو المغرب ».

(٣) الاستبصار ج ١ ص ٢٩٧ ـ الرقم ١٠٩٨ طبعة النجف.

(٤) الاستبصار ج ١ ص ٢٩٧ ـ الرقم ١٠٩٩ طبعة النجف.

٢٧

في التنقيح والمحقق الثاني في جامعه وفوائده وجعفريته وغيرهم على ما حكي عن بعضهم : إن بان أنه استدبرها أعاد وان خرج الوقت بل نسبه في جامع المقاصد الى كثير من الأصحاب ، بل في الروضة انه المشهور ، بل عن إرشاد الجعفرية أن عليه عمل الأصحاب ، ولكن مع ذلك كله والأول أظهر وفاقا للسيد والحلي ويحيى بن سعيد واليوسفي والفاضل في جملة أخرى من كتبه ، والشهيد في دروسه وبيانه وذكراه ، وأبي العباس في موجزه ، والفاضل الميسي والشهيد الثاني وولده وسبطه والكاشاني والخراساني والأصبهاني والعلامة الطباطبائي وغيرهم على ما حكي عن البعض ، بل ربما نسب إلى الأكثر ، بل لا خلاف معتد به في غير الاستدبار منه ، كما عن السرائر الاعتراف به ، بل في التنقيح أن عليه الأصحاب ، والمحكي عن المنتهى انه ذهب إليه علماؤنا ، بل في كشف اللثام الظاهر أنه إجماع ، بل في الخلاف والمدارك والمحكي عن شرح الشيخ نجيب الدين الإجماع عليه ، وكأنهم لم يتحققوا ما سمعته سابقا عن قوم من أصحابنا من الإعادة في الوقت وخارجه في مطلق الخطأ ، أو لم يعتدوا به.

للنصوص المستفيضة كصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) عن الصادق عليه‌السلام « إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك صليت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد وان فاتك الوقت فلا تعد » وخبر يعقوب بن يقطين (٢) قال : « سألت عبدا صالحا (ع) عن رجل صلى في يوم سحاب على غير القبة ثم طلعت الشمس وهو في وقت أيعيد الصلاة إذا كان قد صلى على غير القبلة؟ وان كان قد تحرى القبلة بجهده أتجزيه صلاته؟ فقال : يعيد ما مكان في وقت ، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه » وصحيح سليمان بن خالد (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير القبلة ثم يصحى فيعلم انه صلى لغير القبلة كيف يصنع؟

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١١ ـ من أبواب القبلة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ١١ ـ من أبواب القبلة الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ١١ ـ من أبواب القبلة الحديث ٦.

٢٨

قال : إن كان في وقت فليعد صلاته ، وإن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده » الى غير ذلك من النصوص ، كخبر محمد بن الحصين (١) وغيره (٢) مضافا الى ما تقدم من النصوص في الأعمى ، والى قاعدة الاجزاء وإطلاقات الصلاة التي لا يقدح في اقتضائها عدم الإعادة خارج الوقت وجوب الإعادة فيه لهذه النصوص ، ضرورة رجوع الحال الى قيام الظن مقام الواقع إذا لم ينكشف خلافه في الوقت ، فيبقى حينئذ مقتضاه في غير ذلك سالما ، بل قوله : « فحسبه اجتهاده » ونحوه في النصوص المزبورة كقوله عليه‌السلام في بعض نصوص الأعمى (٣) المتقدم سابقا : « فان القوم قد تحروا » وغير ذلك ما هو كالصريح في أن سقوط القضاء خارج الوقت لصحة الفعل لا انه لطف وان تحقق اسم الفوات الذي هو موضوع الأمر بالقضاء ، مع انه مناف لشدة أمر الصلاة وعظم الاهتمام بها وأنها لا تسقط ولو قضاء بحال.

فلا ريب حينئذ في أن الشرط هنا بقاعدة الاجزاء مع النصوص ظن القبلة مثلا إذا لم ينكشف الخطأ ، ويقوى في النظر أن ظهور الخطأ كاشف لفساد الفعل الأول لا أنه مؤثر له من حينه ، استبعادا لتأثير شي‌ء في الصلاة بعد الفراغ منها بالتسليم الذي هو الأمان عن عروض المفسدات بعد ذلك ، فظهور الخطأ حينئذ سبب لعلمنا بالفساد ، وإلا فهي في علم الشارع فاسدة من أول الأمر ، وقد يحتمل للكشف معنى آخر قرر نظيره في إجازة الفضولي ، وفي العلم بالنجاسة المنسية في الوقت ، إذ الجميع من واد واحد ، خصوصا مسألة النجاسة ، ولا يخفى أن مقتضى ذلك مع إطلاق النصوص السابقة عدم القضاء خارج الوقت حتى في الاستدبار ، ولا وجه للخروج عنهما بخبر معمر بن يحيى (٤) المتقدم سابقا الذي هو بعد الإغضاء عن سنده غير صريح في ذلك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١١ من أبواب القبلة الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ١١ من أبواب القبلة.

(٣) الوسائل ـ الباب ١١ من أبواب القبلة الحديث ٧.

(٤) الاستبصار ج ١ ص ٢٩٧ ـ الرقم ١٠٩٩ من طبعة النجف.

٢٩

ضرورة عدم قرينة على إرادة خصوص الاستدبار من غير القبلة فيه ، خصوصا مع إمكان كون الحقيقي منه من الأفراد النادرة ، وسيما من المجتهد ، ولا يقدح ذلك في إطلاق تلك النصوص بالنسبة إليه ، إذ يمكن استفادة حكمه حينئذ من قاعدة الاجزاء مع القطع بمساواته للتشريق والتغريب في الإعادة في الوقت ، أو أولويته منهما بذلك ، على أن من المستبعد إرادته خاصة من غير القبلة لا مع غيره من الأفراد ، فتأمل جيدا.

فالخبر المزبور على إطلاقه من الشواذ الذي ينبغي عدم الالتفات إليها ، خصوصا بالنسبة الى ما بين المشرق والمغرب ، بل ونفس المشرق والمغرب ، ودعوى أن التمسك بإطلاقه الذي لا يقدح في حجيته تقييده بالأدلة يدفعها أنه إن سلم ذلك فهو في خصوص ما بين المشرق والمغرب ، أما هما فلا دليل عليهما سوى الإطلاقات السابقة التي لا تخصهما ، وتنزيلها على خصوص التشريق والتغريب فرع الشاهد عليه ، فليس حينئذ إلا ترجيحها على الخبر المزبور سندا ودلالة واعتضادا كما سمعته سابقا ، مضافا الى ظهور سيافه في إرادة تقديم الفائتة على الحاضرة لا إرادة القضاء حيث يفوت الاستقبال على كل حال.

وأقرب من ذلك الاستدلال بموثق عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته قال : إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم ، وإن كان متوجها الى دبر القبلة فليقطع الصلاة ، ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة » مع أنه كالصريح في غير محل النزاع من العلم بالاستدبار بعد خروج الوقت ، إذ حمله على ما إذا كان صلاته في آخر الوقت بحيث علم بذلك بعد إدراك الركعة منها مثلا وخروج الوقت كما ترى لا ينبغي الإصغاء اليه ، على أن ظاهر الاستدبار فيه ما يشمل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أبواب القبلة الحديث ٤.

٣٠

المشرق والمغرب كما في الرياض ، وقضاء الصلاة معهما مخالف الإجماع الا من شذ.

وأشنع من ذلك الاستدلال بما في النهاية من أنه رويت رواية ان من صلى الى استدبار القبلة ثم علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة ، وهذا هو الأحوط ، وعليه العمل ، بل ربما استشعر من ذيل عبارته الإجماع وفيه مع أنها رواية مرسلة بأضعف طرق الإرسال بل يقوى في الظن كما عن ظاهر النكت إرادته موثق عمار السابق الذي قد عرفت عدم دلالته على المطلوب بقرينة استدلاله به عليه في الخلاف وكتابي الأخبار على ما في الكشف بزعم الدلالة ، بل لعله هو مراد الناصريات وجمل العلم والعمل بالمرسل فيهما نحو الإرسال السابق على ما في الكشف أيضا ، إذ هو (١) في غاية القصور عن الحكم على تلك المطلقات ، وجبر ذلك كله بالشهرة المحكية أو المحصلة معارض بأنه موهن بالشهرة المحكية أو المحصلة على ما عرفت. كدعوى اعتضاده بقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه بناء على أنه القبلة ، والعلم والظن مثلا طريق ، كما هو مقتضى‌ قول أبي جعفر (ع) في صحيح زرارة (٢) : « لا تعاد الصلاة الا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود » وغيره مما دل على الشرطية ، فيشمله حينئذ عموم « من فاتته » ولا يقدح في ذلك خروج ما بين المشرق والمغرب لعموم المنزلة ، فلم يفت الشرط ، كما أنه لا يقدح خروجهما بالنصوص ، بل ظاهر افترانه بما يوجب الإعادة في الوقت وخارجه الاشتراك معه في ذلك. إذ قد عرفت ظهور النصوص في أن الشرط ظن القبلة مثلا ، والمراد من الإعادة بفوات القبلة في قول أبي جعفر عليه‌السلام على حسب ما بينته النصوص ، إذ لا أقل من كونه مطلقا قيد بها ، ويكفي في الشركة ذلك أو مع القضاء في صورة‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح « انه في غاية القصور » لكونه مبتدءا للخبر المتقدم وهو قوله : « وفيه ».

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ من أبواب القبلة الحديث ١.

٣١

التفويت عمدا أو جهلا أو نسيانا ، وبناء على عدم إلحاقهما بالظان ، كما أن‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة (١) الآخر المتقدم سابقا : « يعيد من صلى لغير القبلة » مطلق أيضا يقيد بها ، وكذا مفهوم خبر ابن ظريف (٢) وغيره من المطلقات فلا محيص حينئذ عن القول بعدم وجوب القضاء عليه ، واعلم أن هذه المسألة غير مسألة الالتفات التي يأتي حكمها مفصلا في القواطع ان شاء الله.

وكيف كان فبناء على المختار يسقط الاحتياج الى تحقيق المراد من الاستدبار ، ضرورة مساواته حينئذ في الحكم للمشرق والمغرب والمنحرف عنهما الى جهته ، مع أن الأقوى فيه التحقق بمجاوزة المشرق والمغرب وان لم يبلغ مقابل القبلة وفاقا لكشف اللثام ، لصدق الخروج عن القبلة والاستدبار لغة وعرفا ، وما سمعته من خبر عمار ، وخلافا لثاني الشهيدين في المسالك ، قال : « المراد بالاستدبار ما قابل جهة القبلة بمعنى أن كل خط يمكن فرض أحد طرفيه جهة لها فالطرف الآخر استدبار ، فلو فرض وقوع خط مستقيم على هذا الخط بحيث يحدث عنهما أربع زوايات قائمة فالخط الثاني خط اليمين واليسار ، فلو فرض خط آخر على الخط الأول بحيث يحدث عنهما زوايا منفرجة وحادة فما كان منه بين خط اليمين واليسار وخط القبلة فهو الانحراف المغتفر ، وما كان منه بين خط الاستدبار وخط اليمين واليسار فهو بحكم اليمين واليسار لا الاستدبار ، وانما كان كذلك لأن الخبر (٣) الدال على إعادة المستدبر مطلقا عبر فيه بلفظ دبر القبلة ، وهو لا يتحقق إلا بما ذكر ».

وقريب منه ما في التنقيح ، قال : « هنا فائدة يحسن الإشارة إليها ، هي أن جهة الكعبة التي هي القبلة للنأتي هي خط مستقيم يخرج من المشرق الى المغرب الاعتداليين‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من أبواب القبلة الحديث ـ ٢.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من أبواب القبلة الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من أبواب القبلة الحديث ٤.

٣٢

ويمر بسطح الكعبة ، فالمصلي حينئذ يفرض من قطرة خطا يخرج الى ذلك الخط. فان وقع عليه على زواية قائمة فذالك هو الاستقبال حقيقة ، وإن كان على حادة أو منفرجة فهو الى ما بين المشرق والمغرب ، وإن لم يقع عليه بل وازاه فهو الى المشرق أو المغرب ، وإن كان بضده فهو الاستدبار » قلت : قد يؤيدهما في الجملة ما ذكر في التخلي من عدم عد مثله استدبارا ، وفيه منع أو فرق بين المقامين ، فتأمل فيه ، وكيف كان فالأمر سهل بعد ما عرفت.

نعم ينبغي أن يعلم أن المراد بالمشرق والمغرب الملحق ما بينهما من جهة القبلة بها في النص والفتوى الكناية عن اليمين واليسار ، وخصا بالتعبير في النص لمكان قبلة الراوي والمروي عنه ، وللغلبة ، وبل ظاهر الأستاد في شرحه المفروغية من ذلك ، قال : « ما بين المشرق والمغرب بالنسبة الى أهل العراق واليمين ، وبين الشمال والجنوب بالنسبة الى أهل المشرق وأهل المغرب ، وما بين القوس الجوبي بالنسبة الى أهل الشام ، وقس على هذا » قلت : فلا فرق حينئذ بين من قبلته نفس المشرق والمغرب أو غيرهما ، ولا يختص هذا الحكم في غير هما كما عساه يوهمه ما في كشف اللثام ، قال : « ومن المعلوم اختصاص ذلك بمن ليس قبلته المشرق أو المغرب » لكنك قد عرفت أنه ليس في البلاد ما قبلته عين المشرق أو المغرب ، فهو على عمومه لكن يشترط أن لا يكون دبر القبلة ، ولو لا ما تسمع من كلامه أمكن أن يريد اختصاص ما بينهما بذلك لا أن المنزل منزلة القبلة هو لا غير ، وربما يومي الى ما ذكرنا تعبير أكثر القدماء باليمين واليسار الذي نص بعضهم على أنه أشمل من التعبير بالمشرق والمغرب ، بل قيل لم يعبر أحد قبل الفاضلين بالمشرق والمغرب ، بل في الذكرى أن ظاهر كلام الأصحاب ان الانحراف الكثير ما كان الى سمت اليمين واليسار أو الاستدبار لرواية عمار ، وذكر خبره الذي أسمعناكه ، لكن في كشف اللثام بعد حكاية ذلك عنه وهو مبني على كون المشرق والمغرب يمين القبلة ويسارها‌

٣٣

وانما يتم بالمعنى الذي أراده ، وهو اليمين أو اليسار المقاطع لجهة القبلة على قوائم في بعض البلاد ، والأخبار مطلقة ، وبلد المخبر والراوي فيها أيضا منحرف عن نقطة الجنوب الى المغرب ، ولم أر ممن قبل الفاضلين اعتبار المشرق والمغرب ، وليس في كلامهما ما يدل على مرادفتهما لليمين واليسار ، وملاحظة الآية : أي قوله تعالى (١) ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) والاخبار ترفع استبعاد أن يكون الانحراف إليهما كثيرا وإن لم يبلغا اليمين أو اليسار ، والانحراف إليهما يسيرا وإن تجاوز المشرق والمغرب.

وأما اليمين واليسار فهما مذكورتان في الناصريات والاقتصاد والخلاف والجمل والعقود والمصباح ومختصره والوسيلة ، ولكن لا يتعينان للجهتين المقاطعتين للقبلة على قوائم ، وانما تظهر مباينتهما للاستدبار ، وهي أعم ، لكن الاستدبار يحتمل البالغ الى مسامت القبلة والأعم إلى اليمين أو اليسار ، فإن أرادوا الأول شمل اليمين واليسار في كلامهم كل انحراف الى الاستدبار الحقيقي المسامت ، وإن أرادوا الثاني شملا كل انحراف الى اليمين واليسار المقاطعتين على قوائم لا ما فوقهما ، وذلك لأنهم لم يفصلوا الانحراف إلا بالاستدبار واليمين واليسار ، قلت : بناء على ما ذكرناه سابقا في كلامهم من عدم إرادتهم ما بين اليمين واليسار ، وانه قبلة عندهم يتعين على الثاني إرادة الانحراف إليهما نفسيهما لا كل انحراف وإن لم يصل إليهما ، والذي يختلج في البال بناء هذا التنزيل على التسامح والتوسعة بإرادة جهة المشرق والمغرب لكل أحد تكون قبلته في هذا السمت ، فلا فرق حينئذ بين من انحرفت قبلته عن نقطة الجنوب والشمال وغيرهما ولا بين الاعتداليين من المشرق والمغرب وغيرهما ، إذ المراد التوسعة في أمر الجهة في بعض الأحوال ، لكن ومع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه بحال.

وكيف كان فقد ظهر لك مما قدمناه سابقا أنه كان مقتضى الأصل المستفاد من‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٧٢.

٣٤

إطلاق ما دل على شرطية القبلة الإعادة في الوقت وخارجه بأدنى انحراف ، إلا أنه لمكان ما سمعته ، من النصوص وغيرها المعارضة لذلك خرجنا عنه الى ما عرفت ، لكن ينبغي الاقتصار فيها على ما هو المعتبر من دلالتها عليه ، وإلا بقي على الأصل الأول ، ولا ريب في اقتضاء إطلاق ما دل على القبلة ما بين المشرق والمغرب عدم الفرق بين الظان والناسي وغيرهما مما عدا العالم العامد ، للإجماع أو الضرورة على خروجه ، وقد يلحق به الجاهل بالحكم مقصرا أو لا مع فرض إمكان نية التقرب منه على إشكال خصوصا في غير المقصر منه ، ضرورة ظهور النص (١) في إطلاق المنزلة من غير نظر الى أحوال المكلفين ، أما غير ذلك مما تقدم حكمه فلا ريب في ثبوته للظان ونحوه مما ورد الأمر به بالخصوص حتى المتحير إذا ضاق عليه الوقت وصلى إلى جهة ، أو قلنا بالتخيير له من أول الأمر لشمول النصوص ، أو لاقتضاء قاعدة الإجزاء المعتضدة بعدم الخلاف على الظاهر فيه بين أصحابنا كما يومي اليه إرساله إرسال المسلمات في شرح الأستاد والرياض ، اللهم إلا أن يظهر الخلاف ممن اقتصر في التعبير على الظان والمتحري ونحوهما ، بل يمكن دعوى ظهور النصوص في غيره ، لكن قد عرفت أنا في غنية عنها بالقاعدة.

وكيف كان فقد ألحق الشيخان والفاضلان والشهيدان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم الناسي ، لعموم الأخبار التي يمكن دعوى ظهورها في غيره بشهادة التبادر ، وما في بعضها من ذكر الغيم ، ورؤية أنه على القبلة ، وحسبه اجتهاده ، فإنهم قد تحروا ، ونحو ذلك مما لا يخفى على من تأمل في النصوص لا أقل من الشك ، فيبقى الأصل الأول سليما ، بل لعل صحيح زرارة (٢) الذي هو بعض الأصل المزبور كالصريح في تناول النسيان ، ضرورة كون المراد فيه لا تعاد الصلاة إلا من فوات خمسة عمدا أو سهوا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القبلة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب القبلة الحديث ١.

٣٥

وإلا لم يكن لها خصوصية على ما يجب الإعادة بفواته عمدا. وهو جميع واجبات الصلاة ، ولحديث رفع الخطأ والنسيان (١) الذي فيه البحث المشهور ، ولقاعدة الاجزاء ، لا أقل من الشك في صدق اسم الفوات معه ، والأصل براءة الذمة من القضاء المحتاج الى فرض جديد ، أما الإعادة في الوقت فلفحوى نصوص الظان (٢) ويقين الشغل وغيرهما.

وفيه أن التحقيق عدم جريان قاعدة الاجزاء في مثله ، لعدم الأمر به بالخصوص كي يقتضي بظاهره البدلية عن المأمور به الواقعي ، والشك في صدق اسم الفوات عليه للشك في تناول النصوص المزبورة له يوجب بقاءه على مقتضى الأصل الأول الذي من الواضح صدق اسم الفوات معه ، ضرورة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، ومن المعلوم إرادة الأعم من عدم الفعل والفساد الشرعي من الفوات لو سلمنا تعليق وجوب القضاء عليه لا على شي‌ء آخر أوضح في تناول محل النزاع كما تسمعه في محله ان شاء الله ، ولعله من هنا استشكله جماعة منهم الفاضلان والشهيد على ما قيل ، بل عن المختلف ونهاية الأحكام الجزم بالعدم ككشف اللثام وشرح الأستاد الأكبر ، ولا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى.

وأضعف منه إلحاق الجاهل بالحكم به كما وقع من بعضهم ، لإطلاق الأدلة وترك الاستفصال فيها ، وفيه أن ملاحظة ما فيها من قوله : « استبان » ونحوه مما سمعته في الناسي كالصريح في إرادة غيره ، خصوصا مع ضميمة أصالة صحة فعل المسلم ، بل لو جاز الركون الى مثل هذه الإطلاقات ما كان ينبغي الاقتصار على المسألتين في الاستثناء من حكم الجاهل ، ولتخيل جريان حكم الظان من الإعادة في الوقت وعدمها في الخارج على مقتضى الأصل ، وهو كما ترى ، خصوصا بعد الأدلة القطعية على كونه كالعامد ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب القبلة.

٣٦

وتسمع ان شاء الله في قواطع الصلاة ما له نفع في المقام ، والله أعلم.

هذا كله إذا تبين الخطأ بعد الفراغ من الصلاة فأما إن تبين الخلل وهو في الصلاة فإنه يستأنف مع سعة الوقت على كل حال إلا أن يكون منحرفا يسيرا ، فإنه يستقيم ولا إعادة لا طلاق الأدلة السابقة ، وخصوص موثق عمار (١) ولأن شرط الكل شرط البعض ، كما أن ما لا يفسد الكل لا يفسد البعض ، وإطلاق‌ خبر القاسم ابن الوليد (٢) « سألته عن رجل تبين له وهو في الصلاة انه على غير القبلة قال : يستقبلها إذا ثبت ذلك ، وان كان فرغ منها فلا يعيدها » منزل على الانحراف اليسير بناء على إرادة القبلة من الضمير ، وإن أريد الصلاة وجب حمله على الكثير ، كما أنه يجب حينئذ حمل نفى الإعادة فيه على خروج الوقت ، ضرورة قصوره سندا ودلالة عن إثبات حكم مخالف لما ذكرناه مما هو مقتضى الأصول والأدلة السابقة ، فما يحكى عن يحيى بن سعيد ـ من إطلاق الانحراف إن تبين الخطأ في الأثناء ـ فيه ما لا يخفى ، كما أن المحكي عن المبسوط كذلك أيضا ، فإنه بعد أن ذكر الخلاف في قضاء المستدبر قال : « هذا إذا خرج من صلاته ، فان كان في حال الصلاة ثم ظن ان القبلة عن يمينه أو شماله بنى عليه واستقبل القبلة ويتمها ، وإن كان مستدبر القبلة أعادها من أولها بلا خلاف » مع احتمال إرادته ما بين المشرق والمغرب من اليمين والشمال كما في الخبر ، ونفسهما مع الاستدبار من الاستدبار ، فلا يكون مخالفا حينئذ ، ويؤيده أن ذلك أقرب لنفي الخلاف من غيره وان كان موهونا بندرته وشذوذه ، ومحجوجا بما عرفت ، أما لو تبين في أثنائها الخطأ الموجب للإعادة في الوقت وكان الوقت قد خرج كما لو كانت صلاته بإدراك ركعة مثلا من الوقت وبان له الخطأ في الثانية أو الثالثة ففي الذكرى فيه وجهان ، من فحوى أخبار نفي القضاء ، ومن إطلاق خبر عمار ، وأنه لم يأت بها في الوقت ، وفي كشف اللثام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القبلة الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القبلة الحديث ٣.

٣٧

« وقد يتأيد بكون نحو هذه الصلاة أداء وإن كان الاستيناف قضاء اتفاقا ـ الى أن قال بعد أن حكى عبارة المبسوط السابقة ـ : وهو يعطي انتفاء الخلاف في ثاني الوجهين ، وكذا ما في الشرائع والتحرير والتذكرة والمعتبر والمنتهى يعطيان الأول ».

قلت : لا يخفى ما في اندراج الفرض في إطلاق هذه الفتاوى ، بل والموثق بناء على تنزيله على الوقت. مع أنه أشكله في الرياض أيضا تبعا للأستاد الأكبر بأن الظاهر تقدم مراعاة الوقت على مراعاة القبلة ، ولذا يجب على الجاهل بها الغير المتمكن من الاجتهاد فيها أن يصلي الى حيث شاء في الجملة أو مطلقا ، بل تقدمه على جل واجبات الصلاة من الشرائط والأجزاء ، ثم قال : واستشكل فيه الشهيدان ، بل رجح الإلحاق بالصورة الأولى : أي الانحراف يسيرا ثانيهما وسبطه في المدارك وغيرهما ، وهو الأقوى

قلت : لا يخفى عليك ما في ذلك كله من النظر ، وإن كان الأقوى فيه الاستقامة ثم الإتمام ، لكن لا لما ذكره من القضاء المنفي ، لانتفاء الدلالة على بطلان اللازم ، ضرورة اختصاصه بما لو جاء بالفعل تاما في الوقت ثم بان له الخطأ خارج الوقت فإنه حينئذ لا قضاء لصحة فعله السابق بقاعدة الاجزاء ، وب‌ قوله (١) عليه‌السلام : « فحسبه اجتهاده » وغيرهما مما تقدم ، لا إذا لم يأت بشي‌ء يكون سببا لسقوط القضاء عنه ، ولا لترجيح الوقت على غيره عند التعارض الذي هو خارج عما نحن فيه عند التأمل ، بل هو لصحة ما وقع منه في صلاته ، إذ الفرض ظهور الخطأ خارج الوقت ، وقد عرفت أنه في هذا الحال لا يفسد ما في الوقت من تمام الفعل ، وما لا يفسد الكل لا يفسد البعض ، ودعوى أنه من ظهور الخطأ في الوقت باعتبار تنزيل الشارع إدراك الركعة منزلة إدراك الوقت كما ترى ، ضرورة عدم التلازم ، وصدق خروج الوقت لغة وعرفا ، على أن المراد من الوقت هنا المتمكن من الإعادة فيه كما هو ظاهر النصوص‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ٦.

٣٨

فإذا صح الأول وجب الإتمام المتمكن من فعله جامعا للشرائط ، فيستقيم حينئذ (١) لما بقي ويتم صلاته ، ولعله اليه يرجع ما في المدارك من التعليل بأنه دخل دخولا مشروعا ، والامتثال يقتضي الاجزاء ، والإعادة انما تثبت إذا تبين الخطأ في الوقت على ما هو منطوق روايتي عبد الرحمن (٢) وسليمان بن خالد (٣) فتأمل جيدا ، والله أعلم.

المسألة الثالثة إذا اجتهد لصلاة وقد دخل وقت أخرى فإن تجدد عنده شك‌ في اجتهاده السابق بحيث زال الظن منه ولو لقوة احتمال تغير الأمارات السابقة أو حدوث غيرها استأنف الاجتهاد وجوبا ، لوجوب الدخول في الصلاة بالعلم أو الظن مع التمكن ، واستصحاب حكم الظن الأول لا وجه له بعد ظهور النصوص (٤) والفتاوى في دورانه مدار الظن ، فلا بقاء له مع انتفائه ، لا أقل من أن يكون ذلك هو المتيقن منهما في البدلية عن العلم ، ودعوى إطلاق‌ قوله (٥) إذا لم يعلم أين وجه القبلة : « فاجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك » وغيره من أدلة الاجتهاد يدفها ظهوره في إرادة أن كل ما كانت القبلة شرطا فيه إذا لم تعلم أين وجهها فاجتهد الى آخره ، لا أن المراد الأمر بطبيعة الاجتهاد التي تحصل بمرة في العمر قطعا ، إذ فيه من المفاسد المعلومة من المذهب ما لا يخفى.

نعم يمكن دعوى ظهوره في الاجتزاء بالاجتهاد الواحد للعمل الواحد ، فلا يقدح حينئذ حدوث الشك في الأثناء ، لحصول الشرط ، ولاستصحاب الصحة ، وغير ذلك مما لا يخفى ، ولعل ما في التذكرة والتحرير والمنتهى على ما قيل من عدم الالتفات لو تجدد شك في أثناء الصلاة مبني على ذلك ، لكن في كشف اللثام لا بأس عندي بتجديد‌

__________________

(١) هو جيد ان لم يكن الاستقامة فعلا كثيرا « منه رحمه‌الله ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب القبلة الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب القبلة الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القبلة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القبلة الحديث ٢.

٣٩

الاجتهاد إن أمكنه من غير إبطال الصلاة ، قلت : لا ريب في عدم البأس به ، وأنه أحوط ، فيجتهد حينئذ ، فإن وافق الأول استمر ، وان خالفه يسيرا استقام وأتم ، وإن خالفه كثيرا كان كظهور الخطأ بالاجتهاد بعد الفراغ الذي ستسمع الكلام فيه ، وأنه عندنا لا ينقض السابق فيتمها حينئذ على الأخير ، ولا إعادة ، فلاحظ وتأمل.

إنما البحث في وجوب هذا الاجتهاد عليه ، وفي البطلان الصلاة لو فرض توقفه على ذلك ، لأنه لا يجوز إتمامها على الشك كالأعمال المستقلة ، لاشتراك الجميع في اشتراط الاستقبال ، وليس هو إبطالا للعمل ، بل بطلان ، لكن في كشف اللثام في مسألة نقض الاجتهاد بالاجتهاد التصريح بأنه إن لم يمكنه الاجتهاد في الصلاة أتمها ولم يلتفت الى شكه ، فإذا فرغ استأنف الاجتهاد ، وهو لا يخلو من وجه إن لم يكن الأقوى ، لكن لا ريب أن الأحوط الإتمام ثم الاستئناف بعد تجديد الاجتهاد.

هذا كله ان تجدد شك وإلا يتجدد شك بنى على اجتهاده الأول قطعا ، إذا فرض العلم بعدم تغير الامارات وعدم حدوث غيرها ، وإذ احتمال التعبدية مقطوع بعدمه ، أما إذا علم تغيرها أو حدوث غيرها وجب عليه التجديد وان لم يزل ظنه السابق ، لعدم صدق بذل تمام جهده في هذا الحال لو اقتصر على الأول ، ولأن الاجتهاد الثاني ان وافق الأول تأكد الظن ، وطلب الأقوى واجب ، وان خالفه عدل الى مقتضاه ، لأنه لا يكون إلا لأمارة أقوى ، فهو أبدا متوقع لظن أقوى ، بل مال في كشف اللثام الى ذلك لو احتمل الحدوث أو التغير فضلا عن الظن والعلم لعين ما عرفت ، وقد تبع بذلك الشيخ في المبسوط ، قال فيما حكي عنه : يجب على الإنسان أن يتتبع أمارات القبلة كل ما أراد الصلاة عند كل صلاة ، اللهم إلا أن يكون قد علم أن القبلة في جهة يعينها أو ظن ذلك بأمارات صحيحة ثم علم أنها لم تتغير جاز حينئذ التوجه‌

٤٠