جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

من مدلول‌ صحيح علي بن جعفر (١) عن أخيه الذي رواه الشيخ وابن إدريس في المحكي عن مستطرفاته نقلا عن كتاب محمد بن علي بن محبوب ، قال : « سألته عن الرجل يصلي وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال : لا إعادة عليه وقد تمت صلاته » وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين انكشاف جميع العورة أو بعضها وبين الخروج في تمام الصلاة أو بعضها واستمر إلى الفراغ ، وبه ينقطع الأصل المزبور في ذلك كله وفي غيره مما يندرج فيه ، خصوصا بعد عدم الخلاف فيه فيما أجد إلا ما سمعته من احتمال التحرير ، ولا ريب في ضعفه ، وأنه كالاجتهاد في مقابلة النص.

وفي الذكرى بعد أن حكى عن ابن الجنيد « لو صلى وعورتاه مكشوفتان غير عامد أعاد في الوقت فقط » وعن المبسوط « فان انكشفت عورتاه في الصلاة وجب عليه سترهما ولا تبطل صلاته سواء كان ما انكشف عنه قليلا أو كثيرا بعضه أو كله » والمعتبر « لو انكشفت العورة ولم يعلم سترها ولم يبطل صلاته. تطاولت المدة قبل علمه أو لم تطل ، كثيرا كان الكشف أو قليلا ، لسقوط التكليف مع عدم العلم ـ قال ـ : كلام الشيخ والمحقق ليس فيهما تصريح بأن الإخلال بالستر غير مبطل مع النسيان على الإطلاق ، لأنه يتضمن أن الستر حصل في بعض الصلاة ، ولو انتفى في جميع الصلاة لم يتعرضا له بخلاف كلام ابن الجنيد ، فإنه صريح في الأمرين ، والرواية تضمنت الفرج ، وجاز كونه للجنس فيشمل الفرجين ، وللوحدة ، فإن كان للجنس ففيه مخالفة في الظاهر لكلام ابن الجنيد ، وإن كان للوحدة ففيه موافقة في الظاهر لكلام الجماعة ، وليس بين الصحة مع عدم الستر بالكلية وبينها مع عدمه ببعض الاعتبارات تلازم ، بل جاز أن يكون المقتضي للبطلان انكشاف جميع العورة في جميع الصلاة ، فلا يحصل البطلان بدونه ، وجاز أن يكون المقتضي للصحة ستر جميعها في جميعها ، فيبطل بدونه ـ إلى أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

١٨١

قال ـ : ولو قيل بأن المصلي عاريا مع التمكن من الساتر يعيد مطلقا ، والمصلي مستورا ويعرض له التكشف في الأثناء بغير قصد لا يعيد مطلقا كان قويا » وفيه أولا أن النسيان خارج عن كلام الجميع كما عرفت ، انما المندرج فيه الانكشاف قهرا أو غفلة ، وهو لا يعلم به ، وثانيا أنه وإن كان لا تلازم عقلا ولا شرعا بين الصحتين إلا أنه لا ينكر اقتضاء الصحة في البعض الصحة في الجميع عرفا ، لمعروفية اتحاد أجزاء الصلاة في الشرطية ، على أن ذلك هو مقتضى الأدلة هنا كما عرفت. وثالثا أنه لا فرق بين الجميع والأثناء في الصحة مع فرض صدق مضمون الصحيح السابق ، كما لا فرق بينهما في الفساد مع عدمه كصورة النسيان. ورابعا أنه لا ريب في ظهور الفرج فيما يتناول الكل والبعض كما اعترف به في كشف اللثام ، ومن ذلك كله يظهر لك عدم تحرير المسألة في المدارك وشرح الأستاذ والرياض وغيرها من كتب الأصحاب على ما ينبغي ، فلاحظ وتأمل.

وكيف كان فما ذكره المصنف من أن العورة هي القبل والدبر هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل في الخلاف وعن السرائر الإجماع عليه ، كما عن المعتبر والمنتهى الإجماع على أن الركبة ليست من العورة ، وفي التحرير وجامع المقاصد وظاهر التذكرة الإجماع على خروجها ، والسرة من العورة ، لأصالة عدم ترتب شي‌ء من أحكام العورة على غير القبل والدبر مع قطع النظر عن كونها في العرف اسما لهما ، والأصل عدم التغيير ، ول‌ مرسل أبي يحيى الواسطي (١) عن الصادق عليه‌السلام « العورة عورتان : القبل والدبر ، والدبر مستور بالأليتين ، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ٢ عن ابى الحسن الماضي عليه‌السلام.

١٨٢

العورة » وخبر الصدوق (١) ومحمد بن حكيم عنه عليه‌السلام أيضا « الفخذ ليس من العورة » كقوله عليه‌السلام في خبر الأخير : « إن الركبة ليست من العورة » (٢) وسأل علي بن جعفر أخاه في المروي (٣) عن قرب الاسناد « عن الرجل بفخذه أو إليتيه الجرح هل يصلح للمرأة أن تنظر أو تداويه؟ قال : إذا لم يكن عورة فلا بأس » وفي خبر عبيد الله الواقفي المتقدم (٤) سابقا ما سمعته ، إلى غير ذلك.

والمراد بالقبل للرجل في النص والفتوى القضيب والبيضتان كما صرح به غير واحد ، بل في الذكرى أنه المشهور لأنه المتبادر ، وللمرسل المزبور (٥) بل لا أجد فيه خلافا إلا ما في حاشية الإرشاد للكركي من أن الأولى إلحاق العجان بذلك في وجوب الستر ، والمراد به ما بين الأنثيين والدبر ، ولا دليل له يعارض ما عرفت ، كما أن ما عن القاضي من أنها من السرة إلى الركبة ، ولعله مذهب التقي أيضا وإن قال : إنه لا يتم ذلك في الصلاة إلا بساتر من السرة إلى نصف الساق ليصح سترها في حال الركوع والسجود ، حتى أنه نسب اليه من جهة ذلك تحديد العورة به ، لكنه كما ترى ضعيف متروك عند الأصحاب ، نعم هو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، وقال أبو حنيفة : « إن الركبتين عورة » وهو مع مخالفته لما عرفت لا دليل عليه سوى ما عن قرب الاسناد من‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر الحسين بن علوان (٦) : « إذا زوج الرجل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ٤ ـ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة وفي الوسائل والتهذيب‌ « ان الفخذ ليس من العورة ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣٠ ـ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ـ الحديث ٣ من كتاب النكاح.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ٢ ـ من كتاب الطهارة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء ـ الحديث ٧ من كتاب النكاح.

١٨٣

أمته فلا ينظر إلى عورتها ، والعورة ما بين السرة إلى الركبة » وخبر بشير النبال (١) « ان أبا جعفر عليه‌السلام اتزر بإزار وغطى ركبتيه وسرته ، ثم أمر صاحب الحمام فطلى ما كان خارجا من الإزار ، ثم قال : اخرج ، ثم طلى هو ما تحته بيده ، ثم قال : هكذا فافعل » وخبر الخصال (٢) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذه ويجلس بين قوم » وهي ـ مع ضعفها ، وعدم الجابر لها ، ومخالفتها لما عرفت ، وموافقتها للعامة ، وعدم صراحة بعضها ، بل وعدم ظهوره ـ محمولة على الاستحباب المشهور بين الأصحاب ، بل عن الخلاف الإجماع على أن الفضل في ذلك ، وكأنه هو المراد مما في الغنية والمحكي عن الوسيلة من تسميته عورة إلا أنه يستحب ستره ، إذ احتمال إرادتهما كون ذلك منها حقيقة بحيث تجري عليه أحكامها في غير المقام لكن فيه بالخصوص يستحب ستره بعيد جدا مخالف للإجماع بقسميه على وجوب سترها في الصلاة ، كما أن المحكي عن القاضي من الاحتياط في ستر ذلك مع قوله بما عرفت كذلك أيضا ، وربما يكون ذلك منه قرينة على عدم إرادة كونه من العورة حقيقة كأبي المكارم وابن حمزة ، ولعل التقي كذلك أيضا ، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف.

ويكون المراد بسبب شدة الرجحان في ستره حتى في غير الصلاة استحق إطلاق اسم العورة عليه ، وامتاز بذلك عن باقي البدن الذي يعتاد ستره عمن يحترم ، وهو الرأس وما تحت الرقبة إلى القدمين خلا الكفين ، وإن كان ستره أيضا مستحبا كما صرح به غير واحد ، لقوله تعالى (٣) ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) والنبوي (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أحكام الملابس ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٣) سورة الأعراف ـ الآية ٢٩.

(٤) كنز العمال ـ ج ٤ ـ ص ٧٢ ـ الرقم ١٤٣٧.

١٨٤

« إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه ، فان الله أحق أن يتزين له » وخبر علي بن جعفر (١) المروي عن قرب الاسناد للحميري سأل أخاه (ع) « عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في سراويل وهو يصيب ثوبا؟ قال : لا يصلح » لكن ليس متأكدا كما بين السرة إلى الركبة.

ولعله للخبر المزبور ، ومفهوم‌ مرسل سماعة (٢) « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلي في ثوب واحد يأتزر به قال : لا بأس به إذا رفعه إلى الثديين » حكم المصنف بالكراهة ، لا لما في المدارك من‌ صحيح زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « أدنى ما يجزيك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف » وصحيح عبد الله بن سنان (٤) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل ليس معه إلا سراويل فقال : يحل التكة منه ويضعها على عاتقه ويصلي » ضرورة عدم اقتضاء ذلك الكراهة في مفروض المتن ، كما أن قوله بعد ذلك : « وتتأكد الكراهة للإمام ، بل يكره له الصلاة في القميص وحده ـ لما رواه‌ الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد (٥) « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أم قوما في قميص واحد ليس عليه رداء قال : لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها » ـ خروج عما نحن فيه ، ضرورة كون الكراهة من حيث ترك الرداء لا من حيث الاقتصار على ستر القبل والدبر ، نعم قد يكون في‌ صحيح علي بن جعفر (٦) عن أخيه موسى (ع) قال : « سألته عن الرجل هل يصلح أن يؤم في سراويل وقلنسوة؟ قال : لا يصلح » دلالة على ذلك ، كل ذا مع التسامح.

نعم ينبغي تقييده بحال الاختيار ، أما مع الاضطرار بأن ستر العورتين ولم يجد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣ ـ وهو مرسل رفاعة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

١٨٥

الثوب مثلا لسائر جسده فلا كراهة ، لكن صرح في القواعد وغيرها بأنه يستحب أن يجعل على عاتقه شيئا ولو تكة ، لصحيح ابن سنان السابق ، بل قد يقال باستحباب ذلك مطلقا ولو حال الاختيار ، لخبر جميل (١) « ان مرازم ما سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل الحاضر يصلي في إزار مؤتزرا به قال : يجعل على رقبته منديلا أو عمامة يرتدي به » وقال عليه‌السلام في حسن ابن مسلم (٢) : « إذا لبس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا » هذا. وعن التذكرة والنهاية استحباب ستر جميع البدن بقميص وإزار وسراويل ، قال في النهاية : « وان اقتصر على ثوبين فالأفضل قميص ورداء أو قميص وسراويل ، فان اقتصر على واحد فالقميص أولى ، ثم الإزار ، ثم السراويل ، ولا بأس به » وكأن أولوية الإزار لأنه يتجافى ، وربما تسمع إن شاء الله فيما يأتي ما ينفع في المقام ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( ـاذا لم يجد ثوبا ) يستر به القبل والدبر سترهما بما وجده ولو بورق الشجر لصحيح علي بن جعفر (٣) سأل أخاه (ع) « عن رجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال : إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بركوع وسجود ، وإن لم يصب شيئا يستر عورته أومأ وهو قائم » إذ من المعلوم إرادة المثال من الحشيش لما يشمل الورق ونحوه ، خصوصا بعد قوله عليه‌السلام : « وإن لم يصب شيئا » مؤيدا بإمكان دعوى الإجماع على عدم الفرق بين هذه الأفراد ونظائرها ، نعم لا دلالة فيه على اشتراط جواز الستر بها بانتفاء الثوب وإن ظنه بعض الناس ، ضرورة أعمية فرض السؤال من ذلك ، فالأصل حينئذ يقتضي عدمه وفاقا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

١٨٦

للذكرى وجامع المقاصد والمحكي عن المهذب وغيره ، بل ربما نسب إلى الأكثر ، وكون الدرع والثوب والقميص والملحفة ونحوها في النصوص مثالا لصنفها مادة وهيئة أو هيئة لا مادة ليس بأولى من دعوى كونها مثالا لما يشمل الحشيش والورق ونحوهما ، بل قد يقال : إنها خصت بالذكر لغلبتها وتعارفها لا لإرادة عدم جواز الصلاة بغيرها وغير صنفها ، وليس في النصوص لفظ الساتر والستر كي يدعى انصرافهما إلى المعتاد الذي يمكن منعه أيضا ، وإلا لوجب مراعاة الاعتياد في ذلك الزمان في الساتر بل وكيفية الستر كما التزم به بعض مشايخنا ، نعم يجتزى بالوضع ونحوه مما لا يعد لبسا ، ضرورة عدم الاكتفاء باعتياد غير ذلك الزمن ، لعدم تعليق الحكم على الاعتياد المختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة كالمكيل والموزون ، ولعل بأدنى نظر وتأمل في خلو النصوص عن الإشارة إلى شي‌ء من ذلك تقطع ببطلان الدعوى المزبورة وإن اشتهرت في هذه الأعصار التي قد اشتهر فيها قاعدة الشغل وإجمال العبادة المقتضيان لليقين بالخروج عن العهدة ، فأثبت بها فقه جديد لم يكن معروفا في الأزمنة السابقة ، بل ربما تجاوز بعضها لعدم معرفته بمحال الشك الذي تجري فيه نحو ذلك ، فلم يميز ما يختلج في نفسه أنه شك أو احتمال قريب أو بعيد ، وكل ذلك من الخلط والخبط وقلة التدبر والتأمل في الفقه ، وكان المقام من ذلك.

ومن هنا كان خيرة الذكرى وجامع المقاصد وكشف اللثام ومنظومة الطباطبائي والمحكي عن المهذب والموجز وكشف الالتباس وغيرها جواز التستر بالحشيش والورق ونحو هما اختيارا ، بل لعله مقتضى إطلاق معقد إجماع التحرير والتذكرة والمحكي عن المنتهى جوازه به من غير تقييد بالضرورة ، بل في الأخير نفي الخلاف فيه بين أهل العلم ، بل قيل : إن ذكر القطن والكتان معه دال على ذلك ، بل قد يقال : إنه مراد المتن والقواعد وما ماثلهما في التعبير وإن عبروا بما ظاهره الشرطية ، إلا أنه يمكن‌

١٨٧

إرادتهم الترتيب في الوجود والتنبيه على الأفراد الغير المتعارفة ، ضرورة عدم صحة الشرطية بالنسبة إلى الجلد والملبد غير المنسوج من الصوف والقطن ونحو ذلك مما لا يسمى ثوبا ، ولم يحك عن أحد الخلاف فيه ، بل يمكن دعوى الإجماع والنصوص على خلافه ، فلا بد من حمل الشرطية في كلامهم على ما ذكرنا ، وربما يؤيده عدم ذكر الخلاف في الجواز اختيارا في كشف اللثام ، مع أن عبارة القواعد والشرائع بمرأى منه.

بل ظاهر اقتصاره على نقله في الطين يقضي بذلك ، كما أن ما عن المجلسي من نسبة الجواز اختيارا حتى في الطين إلى الأكثر يؤيد ما ذكرنا ، خصوصا مع تنصيصه أن منهم الشيخ والفاضلين والشهيد في البيان ، مع أن عبارة البيان « وفاقد الستر يستر بما أمكن من ورق الشجر والحشيش والبارية والطين » فلم يفهم منه اشتراط الستر بذلك بالفقد ، وقد يشهد له ما في المبسوط والسرائر والمنتهى والتحرير والإرشاد ونهاية الأحكام على ما حكي عن بعضهم ، قال في المحكي عن موضع من الأول : « فان لم يجد ثوبا يستر العورة ووجد جلدا طاهرا أو ورقا أو قرطاسا أو شيئا يمكنه أن يستر به عورته وجب عليه ذلك ، فان وجد طينا وجب عليه أن يطين عورته » وفي آخر « وأما العريان فان قدر على ما يستر به عورته من خرق أو ورق أو طين يصلي به وجب عليه أن يستره » ومثلها عن السرائر ، ضرورة عدم إرادة حقيقة الشرطية ، لما عرفته من إمكان دعوى الإجماع على عدمها بالنسبة إلى الجلد ، ومنه يعلم عدم إرادة مفهوم الوصف مما في التحرير كما عن المنتهى « الفاقد للساتر لو وجد جلدا طاهرا أو حشيشا وجب ، ولو وجد طينا وجب عليه تطيين العورة » قيل ونحوه ما في النهاية الأحكام ، وما في القواعد « ولو فقد الثوب ستر بغيره من الشجر والطين ونحو هما » وفي النافع كما في المعتبر « يجوز الاستتار بكل ما يستر العورة كالحشيش وورق الشجر والطين » وفي الإرشاد « ويجب سترها مع القدرة ولو بالورق والطين » إلى غير ذلك من الامارات الكثيرة‌

١٨٨

الدالة على عدم كون المراد من أمثال هذه العبارات الشرطية التي أوقعت بعض الناس ـ منهم سيد المدارك تبعا لجده في المسالك ، ففي الأخير « الثوب ثم الحشيش ثم الطين ثم الحفيرة ثم الوحل والماء الكدر » ـ في الوهم حتى جعلوا الساتر مراتب وأشكل عليهم الحال في بعض صور التعارض كتعارض غير المنسوج من الصوف والقطن مثلا مع الحشيش ونحوه ، وربما قدموا الأول باعتبار كونه مادة المعتاد من المنسوج منهما ، وغير ذلك مما لا دليل عليه بعد ما عرفت.

نعم في جوازه اختيارا بالطين والجص ونحو هما قولان ، ظاهر العبارات السابقة الأول ، وقرب الشهيد العدم ، لعدم انصراف اللفظ إليه ، يعني الستر في فتاوى الأصحاب ، وتردد الفاضل فيه في المحكي عن نهايته ، وقد يقوى في النظر العدم في الإطلاء به ، لعدم شاهد على إرادة المثال لما يشمله مما في النصوص خصوصا بعد ترك الاستفصال فيها عن وجوده وعن إيجاده بوضع الماء على التراب مثلا للرجل والامرأة ولو لستر بعض العورة للأول والبدن للثانية ، وكذا عن باقي اللطوخات ، وقوله عليه‌السلام في الصحيح السابق : « إن لم يصب شيئا » بعد تقديم الحشيش ظاهر في إرادة شي‌ء من الحشيش ونحوه الذي قد ذكر الستر به مما هو ساتر منفصل عن البدن ، وما دل (١) على أن النورة ستر يراد منه بالنسبة إلى النظر لا الصلاة ، كالأليتين المدلول على الستر بهما في خبر آخر (٢) بل لعل إطلاق نصوص العاري (٣) يشمله.

نعم لو فرض إمكان التستر به على وجه يساوي التستر بالحشيش ونحوه في الانفصال وشبهه أمكن الصحة ، كما أن المتجه بعد البناء على أنه ليس سترا صلاتيا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي.

١٨٩

وجوب التستر به عن الناظر المحترم ، فيصلي به حينئذ قائما وفي الركوع والسجود ، أو الإيماء لهما ما تعرفه إن شاء الله في العاري الآمن من قوة القول بالأول فيه ، خلافا للمشهور بين المتأخرين فالثاني ، فيركع ويسجد حينئذ أو يومي على اختلاف القولين ، إلا أني لم أجد قائلا صريحا بالثاني ، بل ظاهر القائل بكونه ساترا ولو حال الضرورة أنه به يتم الركوع والسجود ، نعم قال في كشف اللثام : « إن ستر اللون والحجم فلا كلام ، وإن ستر اللون فقط فكذلك ، بناء على ما مر يعني من عدم وجوب ستر الحجم وخصوصا عند الضرورة ، لكن إن لم يكف إلا عند الضرورة احتمل أن يجب عليه ما على العاري من الإيماء للركوع والسجود » وأشار بذلك إلى ما في الذكرى حيث أنه بعد أن ذكر وجوب ستر الحجم واللون به عند الاضطرار قال : « ولو ستر اللون فقط لا مع إمكان ستر الحجم وجب لما‌ روى ابن بابويه عن عبيد الله الواقفي (١) عن قيم حمام الباقر عليه‌السلام انه قال : « النورة سترة » وفي سقوط الإيماء هنا نظر ، من حيث إطلاق الستر عليه ، ومن إباء العرف » ونحوه في الدروس ، بل عن الموجز وكشفه أنه يومي حينئذ ، إذ المراد على الظاهر بستر الحجم واللون به أو الثاني خاصة أن التستر به إن كان بطريق الإطلاء به فهو الثاني ، وإن كان متماسكا يمكن أن يستتر به منفصلا ، فهو الأول لا الحجم الذي ذكرناه سابقا ، لاستبعاد عدم ستر الطين له بالمعنى الذي قلناه سابقا في حال ستره اللون ، كما هو واضح.

وكيف كان فقد عرفت أن الأقوى عدم الاجتزاء به للستر من حيث الصلاة وإن وجب من حيث النظر ، وأنه به يكون العاري آمن المطلع ، فيجب عليه الإطلاء به ذلك ، إذ الظاهر وجوب تحصيل ما يأمن به العاري عن المطلع من مكان وغيره لتحصيل الواجب من القيام ، أوله وللركوع والسجود على القول الآخر ، وإطلاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

١٩٠

الاذن (١) بالجماعة للعراة من جلوس للدليل لا ينافيه.

ومن ذلك كله يظهر ضعف القول بكونه من الساتر اختيارا ، وأضعف منه القول به عند الاضطرار ، لعدم الدليل على الترتيب ، إذ هو إما أن المفهوم من الأدلة الاجتزاء في الصلاة بكل ما يستر عن النظر ، ومقتضاه عدم الفرق بين الثوب والطين ، بل وغيره من يده أو يد زوجته ونحو هما ، بناء على عدم اشتراط المأكولية في الساتر ، وعدم شمول دليل مانعية ما لا يؤكل لمثل الإنسان ، أو أن المفهوم منها خصوص ما لا يشمل الإطلاء بالطين ونحوه ، فلا يجزي حينئذ مطلقا ، ويجري عليه حكم العريان ، وبالجملة تحصيل الترتيب المزبور في غاية الصعوبة من النصوص ، وإن كان قد يقال : إن المعتاد منه لإطلاق الستر المعهود منه والثوب والدرع والملحفة في النصوص ، وأما تقديم الحشيش ونحوه على الطين فلأقربيته إلى الستر المعتاد المدعى فهمها من الإطلاق عند تعذر الفرد الغالب كما هو الشأن في سائر المطلقات ، أو شمول‌ « لا يسقط الميسور بالمعسور » (٢) للأجزاء العقلية كالحسية ، وغير ذلك ، لكن الجميع كما ترى لا يعذر به الفقيه.

وأضعف من الجميع القول بعدم أثر الطين أصلا كما عساه يظهر من صاحب المدارك وغيره ، ضرورة أنك قد عرفت اندراج العاري بسببه تحت آمن المطلع ، لكون المقصود حصول مانع من الرؤية ، فيصلي حينئذ قائما مؤميا أو راكعا وساجدا على الخلاف الآتي.

كما أنه يظهر لك أيضا ضعف ما ذكره غير واحد ، بل عن الروض أنه المشهور مرتبا له على انتفاء الطين ، أو مقدما له عليه ، أو مخيرا بينهما من النزول في الوحل والماء الكدر مع عدم التضرر به والمشقة الرافعة للتكليف ، والتحقيق فيه أنه مع وجود‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

١٩١

المطلع وعدم حصول ما يمنع الرؤية من اللطوخ ونحوه يجب النزول فيه ، تحصيلا للقيام الواجب في الصلاة ، ويأتي بما يتمكن من الانحناء للركوع والسجود ، ومع عدمه فبناء على أن العاري الآمن يصلي بركوع وسجود لا يجوز له النزول فيهما إذا كانا مفوتين لهما ، لعدم كونهما من الستر الصلاتي ، وبناء على أنه يومي لا يجب عليه النزول ، لعدم المقتضي بعد ما عرفت من عدم حصول الستر الصلاتي بشي‌ء من ذلك ، نعم لو قلنا بكونه سترا صلاتيا وجب ، وفي الإيماء حينئذ لهما أو للمتعذر منهما أو الانحناء الممكن ، لعدم كونه من العاري كي تشمله نصوص الإيماء ونحوه لا تخفى.

بل وكذا يظهر لك مما ذكرناه ما في التحرير وجامع المقاصد والمحكي عن المعتبر والمنتهى والموجز الحاوي وكشفه وروض الجنان « أنه إذا وجد حفيرة دخلها وصلى قائما ويركع ويسجد » وفي البيان « صلى قائما أو جالسا ويركع ويسجد إن أمكن » وعن المبسوط ونهاية الأحكام والمهذب البارع « انه يصلي قائما » ولم يذكر الركوع والسجود ، وظاهر التذكرة والذكرى والدروس التوقف فيهما ، لاقتصارهما على نسبة ذلك للبعض ، وأن دليله حصول الستر ، وليس التصاقه بالبدن شرطا ، والمرسل الآتي (١) قال الشهيد وتبعه غيره : وأولى بالجواز الفسطاط الضيق إذا لم يمكن لبسه ، أما الحب والتابوت فمرتب على الفسطاط والحفيرة ، لعدم التمكن من الركوع والسجود إلا أن تكون صلاة الجنازة والخوف ، وقد ينافيه إطلاق التذكرة عدم الاكتفاء بإحاطة الفسطاط الضيق به ، لأنه ليس بلبس كما عن نهاية الأحكام ، إلا أن ينزل كما في كشف اللثام على إرادة الاختيار.

وكيف كان فالأصل في ذلك‌ مرسل أيوب بن نوح (٢) عن بعض أصحابه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

١٩٢

عن أبي عبد الله عليه‌السلام « العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفرة دخلها وسجد فيها وركع » ولا يقدح إرساله بعد العمل به ، لكن أشكل الحال على بعض المتأخرين كالفاضل الأصبهاني وغيره من حيث أن مثله عار لغة وعرفا ، إذ الحفرة كالحجرة إنما تجدي في الأمن عن المطلع فيومي ، لا في الركوع والسجود ، ومن هنا قال : « الذي أفهمه من الحفرة حفرة ضيقة قريبة القرار تواري العورة ، إذا قام أو قعد فيها سائر بدنه خارج ، وقد تكون ملتصقة به ، فعليه ولوجها والركوع والسجود على الخارج وهو فيها ، وأما حفرة تسع سجوده فهي كحجرة لا يجدي ولوجها » وفيه أنه مخالف الظاهر النص والفتوى والذي ألجأه إلى ذلك الحكم بإيماء العاري الآمن ، أما إذا قلنا بأنه يركع ويسجد كما ستعرف قوته ودعوى ابن زهرة الإجماع عليه فلا إشكال ، إذ المرسل حينئذ منزل على ولوج الحفرة ليأمن بها عن المطلع ويركع ويسجد ، ولا حاجة حينئذ إلى ما ذكره ، ولا إلى تخصيص أدلة العاري بما إذا لم يتمكن منها ، وكذا الفسطاط ، أما الحب والتابوت فيجب ولوجهما لتحصيل القيام بأمن المطلع كما سمعته في الطين لا لتحصيل الستر الصلاتي ، ومع فرض عدمه لا يجوز الولوج ، لفواتهما حينئذ مع وجوبهما عليه ، وعدم كون مثله سترا صلاتيا.

أما لو دار الأمر بين الستر والقيام والركوع والسجود كما إذا فرض وجود ساتر عنده حال الجلوس خاصة ففي كشف اللثام وجوب الجلوس عليه ، لأن الظاهر أن الستر أهم من الركوع والسجود فضلا عن القيام ، وفيه أنه من فاقد الساتر نصا وفتوى ، إذ الظاهر إرادة فقده لصلاة المختار ، فيجري عليه حكمه الذي منه أنه إن كان آمنا صلى قائما ، نعم يتجه القول بوجوب الاستتار به للصلاة لو كان فرضه الجلوس ، لعدم أمن المطلع ، خصوصا إذا تمكن من الركوع والسجود فيه ، لتمكنه من الستر للصلاة في هذا الحال الذي فرضه الجلوس ، وقد ظهر بما ذكرنا تشويش كثير من كلمات الأصحاب ،

١٩٣

وأن الحال غير منقح عندهم ، بل وسقوط جملة من الكلام زيادة على ما عرفت ، كالمحكي عن المهذب والموجز من « أن الحفرة مقدمة على الماء الكدر ، وهو مقدم على الطين » وما في جامع المقاصد من تقديم الحفرة على ولوج الوحل والماء الكدر إذا تعذر استيفاء الأفعال فيهما ، قال : « وأما مع الإمكان فيحتمل التخيير أو تقديم الوحل أو تقديم الحفيرة » وما في حاشية الإرشاد وعن الجعفرية والمسالك من تقديم الماء الكدر على الحفيرة ، وظاهر الأول تقديمها على الحب والتابوت ، كما أن ظاهره تقديم الطين عليهما جميعا » وما عن إرشاد الجعفرية « انما يقدم الماء والوحل إذا تمكن من استيفاء الأفعال فيهما ، وإلا فالحفيرة » وما عن حاشية الميسي « الطين مقدم على الماء الكدر » وما عن الروض « الوحل مقدم على الماء الكدر وعلى الحفيرة إلا إذا تمكن من السجود فيها ولم يتمكن منه في الماء ، فإنه تقدم الحفيرة » إلى غير ذلك مما هو واضح السقوط على ما ذكرناه من أنه لا ترتيب في ستر الصلاة ، بل هو مرتبة واحدة يشترك جميع الأفراد في الصلاة فيها اختيارا ، وانه ليس منها الطين والوحل والماء الكدر والحفيرة والفسطاط ونحوها ، بل هي وأشباهها إنما ينفع بالنسبة إلى منع النظر ، فيكون المصلي به آمنا للمطلع ، ويجري عليه حكمه من القيام خاصة ، أو الركوع والسجود معه ، فتأمل جيدا ، فان تحقيق ذلك على الوجه الذي ذكرنا مما لم يقم به أحد ، والحمد لله رب العالمين.

ثم من المعلوم أن البحث في وجوب تحصيل الساتر كالبحث في الماء وغيره من مقدمات الواجب المطلق ، فيجب حينئذ شراؤه بما لا يضر به ، وفي قبول هبته أو عاريته ما سمعته في الماء من احتمال العدم للمنعة ، فضلا عن الاتهاب والاستعارة ، إلى غير ذلك مما سمعته سابقا ، كما أن البحث في وجوب الانتظار على فاقده إلى آخر الوقت وعدمه ، أو التفصيل بين الرجاء وعدمه كالبحث في غيره من ذوي الأعذار التي تقدم البحث فيها سابقا ، وأنه يقوى التفصيل بين ما كان من نحو المقام مما علق فيه الحكم على موضوع‌

١٩٤

لا يتوقف صدقه على التأخير إلى الآخر كالعري ونحوه وبين غيره مما لم يرد فيه بالخصوص مثل ذلك ، فللأول المبادرة ما لم يعلم الحصول ، بل ربما احتمل مع العلم بخلاف الثاني ، وقد تقدم البحث في ذلك مفصلا ، وفي‌ خبر أبي البختري (١) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام ما يشعر باستحباب التأخير وكراهة التقديم مع الرجاء ، قال : « من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثيابا ، فان لم يجد صلى عريانا » الحديث.

وذو الساتر بين العراة يستأثر به ، فلو أعاره في ضيق الوقت وصلى عاريا بطلت صلاته حيث يكون له الرجوع ، لصدق اسم الواجد عليه ، والأقوى صحة صلاة المستعير لكن في البيان فيها نظر ، ثم قال : ولو جهل الحكم فالأقرب أنه معذور ، فتأمل.

ولو نقله بناقل لازم اثم وصحت صلاته عاريا ، ولو كان له خيار سابق ففي وجوب الفسخ عليه نظر ، من صدق التمكن والقدرة ، ومن أن مثله تحصيل للقدرة التي هو مقدمة وجوب لا وجود ، ومثله الرجوع في الهبة ونحوها.

ولو صلى فيه مالكه ففي البيان استحب له إعارته ، فيختص به النساء ، ثم القاري العدل ليؤتم به ، وفي كشف الأستاذ « لو وجد المباح أو المشترك استحب ترجيح الفاضل من العباد أو العبادة ، ومع التعارض ترعى الميزان » قلت : لا بد من مراعاتها في جميع ذلك ، لعدم دليل بالخصوص.

وكل من تمكن من شرط الساتر وغيره بمقدار صلاة من فرضه التقصير تعين عليه القصر في مواضع التخيير.

ولو بذل له الساتر أو غيره على وجه يجب قبوله بشرط التمام أو القصر تعينا عليه.

ولو كان الساتر القابل مشتبها في غيره من المحصور صلى عاريا إذا كان في المشتبه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

١٩٥

فيه محرم ذاتي كالمغصوب والحرير والذهب ولباس الشهرة وزي الرجال للنساء والعكس بالنسبة إلى الرجال ، بل قد يقع في بادي النظر أنه كذلك هنا وإن قلنا بالصحة والإثم لو صلى فيما لا نهي عن الصلاة فيه بالخصوص منه في الاختيار ، لأنه مكلف بصلاة المختار معه بخلافه في المقام الذي قد انقلب تكليفه فيه إلى كيفية صلاة العاري ، فهو كواجد الماء في الآنية المغصوبة ولا ماء غيره ، كما أن الأول بمنزلة من توضأ فيه مع وجدان غيره من المباح ، لكن فيه أو لا بعد التسليم أن المتجه الصحة إذا كان لا مخالفة في صلاته على فرض عرية لصلاة المختار كما لو كان آمن المطلع ، بناء على ما تسمعه من ابن زهرة إن شاء الله ، ضرورة عدم المقتضي حينئذ للبطلان ، لعدم زيادته على العري إلا بالإثم المفروض عدم مدخليته في صحة الصلاة. وثانيا أنه يمكن منع أصل الدعوى ، ويقال بوجوب صلاة المختار عليه ، مطلقا على القولين بعد إقدامه على الإثم ، ضرورة عدم شرطية الجلوس تعبدا في صلاة العاري ، بل هو للأمن من المطلع الحاصل ولو بمقدمة محرمة ، كما أن الإيماء مقدمة لعدم التكشف الحاصل بالتستر المزبور ، واحتمال أن هذا الستر كعدمه لحرمته يدفعه أن مثله جار في الصلاة فيه مع الاختيار الذي قد فرض تسليم الصحة فيه ، وعدم الأمر بالصلاة فيه لحرمته لا ينافي الأمر بها فيه بعد الإثم ، فيكون حينئذ مكلفا بصلاة العاري ما لم يأثم باللبس ، وإلا كلف بصلاة المختار ، إذا المحرم انما يمتنع كونه مقدمة وجود لا وجوب ، على أن مبنى الصحة في المختار لو فرض كونه الساتر عدم اتحاد كون اللبس والصلاة ، وعدم اشتراط الحلية في الستر الذي هو ليس بعبادة ، ولا دليل على كونه مأمورا به كما سمعته سابقا مفصلا ، وهو بعينه جار في المقام الذي هو كما إذا لم يكن عنده إلا المحرم ، نعم لو فرض اختصاص الصحة في المختار بما إذا لم يكن هو الساتر أمكن الفرق بين ما نحن فيه وبينه ، واتجه حينئذ إجراء حكم العاري عليه إلا في الجلوس مع وجود المطلع ، فإنه قد يقال بوجوب القيام عليه لحصول الأمن‌

١٩٦

له بذلك وإن كان محرما ، فإنه لا دليل على اشتراط الحلية فيما يحصل به الأمن ، فيصلي فيه قائما حينئذ مؤميا بناء على القول به فيه ، وعلى عدم تعليل الإيماء بالتكشف ، وأنه يمكن كونه تعبديا.

وعلى كل حال فلو ذهل وصلى صحت صلاته من غير حاجة إلى تكرار فيما لو كان المانع من الصحة في المشتبه به حرمة اللبس المدعى اتحادها مع كون الصلاة كالمشتبه بالمغصوب ، ضرورة ارتفاعها في الفرض ، فيكون الستر به في محله ، كالذاهل عن معلوم الغصبية وصلى فيه.

أما لو كان المانع أمرا تعبديا كالحريرية مثلا فان استمر ذهوله حتى صلى بالجميع الذي يقطع معه بوقوع صلاة في الساتر القابل صحت ، وإلا وجب عليه ما كان واجبا عليه قبل الذهول من حكم العاري مع فرض استمرار الفقد ، فيفعله ويجتزئ به حتى لو كان قد تذكر في أثناء الأخيرة وأتمها على كيفية صلاة العاري ، وقد يحتمل وجوب الاستيناف ولو عاريا قضاء مطلقا في غير المشتبه بالمغصوب ، تنزيلا لهذا المشكوك منزلة المعلوم ، ولأنه هو تكليفه ، فما أمر به لم يقع ، وما وقع لم يؤمر به ، إذ الفرض وجوب الاجتناب عليه ، وفيه منع واضح بعد عدم توجه النهي الذهول.

أما المشتبه بغير المحرم لبسه ذاتا كجلد غير المأكول ونحوه وجب التكرار زائدا على غير القابل بواحدة ، فلو ترك الجميع أو البعض عن نسيان أو عمد وجب القضاء ، لكن يجزيه مرة واحدة إذا فعلها بالساتر القابل ، لأصالة براءة الذمة من قضاء ما يجب للمقدمة كما سمعته في مشتبه القبلة ، بل ذكرنا هناك من الفروغ ما لا يخفى جريانه في المقام. ولو ضاق الوقت قيل أتى بالممكن مع الصلاة عاريا ، وإلا اقتصر على الصلاة عاريا ما لم يكن الاشتباه بالنجس ، فيصلي الممكن حتما ، ولا يجمع معه الصلاة من عربي ، وهو لا يخلو من نظر ، كما أنه لا يخلو منه ما قيل أيضا من أنه لو تلف بعض المشتبه وارتفع بسببه‌

١٩٧

العلم بوجود القابل فالأظهر رجوعه إلى حكم المشكوك فيه ابتداء مع الحصر من أنه بمنزلة المعلوم ، فيترك ويصلي عاريا في غير النجس ، واحتمال لزوم الصلاة به مع الصلاة عاريا له وجه ، ويتخير فيه في النجس ، إلى آخره. ومن أحاط خبرا بما ذكرناه في كتاب الطهارة في الصلاة في الثوب المشتبه بالنجس ، وفي بحث القبلة عند اشتباه القبلة ، وما نذكره بعد من قوة ما ذهب اليه ابن زهرة من اتحاد صلاة العاري مع صلاة المختار حال أمن المطلع يعرف مواقع النظر فيه ، بل يعرف كثيرا مما يذكر هنا من الفروع ، كما أن كثيرا مما ذكر في كشف الأستاذ وغيره من الفروع المتعلقة بالعاري لا يخفى وجه الحكم فيها بأدنى نظر ، على أنك ستسمع البحث في المهم منها عند التعرض لكيفية صلاة العاري ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( مع عدم ما يستتر به ) ولو اضطرارا على القول به الذي هو ستر عن النظر على ما عرفت لم تسقط الصلاة عنه قولا واحدا كغيره من الشرائط عدا الطهورين ، ولكن في كيفية صلاته حينئذ لو صلى منفردا بالنسبة إلى القيام مطلقا والجلوس كذلك أو التفصيل ، وإلى وجوب الإيماء عليه مطلقا أو الركوع حال القيام خلاف بين الأصحاب ، فالمشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا في الأول أنه يصلي عريانا قائما إن كان يأمن أن يراه أحد يحرم نظره على الأصح كما ستعرف وإن لم يأمن صلى جالسا بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا ، بل في الغنية الإجماع عليه ، كما أن في الخلاف ذلك أيضا حيث لا يأمن المطلع ، وهو الحجة مع زيادة الأصل حال الأمن ، وأنه مقتضى الجمع بين النصوص الذي هو أرجح من الطرح قطعا بعد الشاهد من النص والإجماع السابق ، إذ في‌ صحيح علي بن جعفر (١) السابق « وإن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم » وصحيح ابن سنان (٢) عن الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

١٩٨

« وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصلي قائما » وموثق سماعة (١) على ما في التهذيب « في رجل يكون في فلاة من الأرض ليس عليه إلا ثوب واحد وأجنب فيه وليس عنده ماء قال : يتيمم ويصلي عريانا قائما ، ويومي إيماء » وفيه على ما في الكافي « قاعدا » بدل « قائما » وفي صحيح زرارة أو حسنه الآتي (٢) وخبر أبي البختري (٣) وخبر محمد بن علي الحلبي (٤) يصلي جالسا فيحمل الأول على أمن المطلع ، والثاني على عدمه للإجماع السابق ، ومرسل ابن مسكان (٥) المنجبر بالشهرة وغيرها « يصلي عريانا قائما إن لم يره أحد ، فإن رآه أحد صلى جالسا » وصحيحه المروي عن المحاسن (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا كان حيث لا يراه أحد فليصل قائما » وإن كان في روايته عنه بلا واسطة غرابة ، والمروي عن‌ نوادر الراوندي (٧) بسنده إلى موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام في العريان « إن رآه الناس صلى قاعدا ، وإن لم يره الناس صلى قائما » والمرسل في الفقيه (٨) قال : « وروي في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة أنه يصلي قائما إن لم يره أحد ، فإن رآه أحد صلى جالسا » على انه قد عرفت كونه موافقا للأصل حال الأمن ومجمعا عليه حال عدمه.

وما عن ابن إدريس ـ من إطلاق صلاته قائما مع ما فيه من طرح جملة من النصوص المعتبرة ، وهتك الستر الذي هو أعظم حرمة من القيام في الصلاة الذي له‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣ و ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

(٧) المستدرك ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

١٩٩

بدل عند التعذر الذي منه ما نحن فيه ـ واضح الضعف ، على أن المحكي من كلامه في بحث اللباس وصلاة العاري لا يخلو من اضطراب في الجملة ، كما أن ما عن المصنف من احتمال التخيير لتعارض النصوص وضعف خبر ابن مسكان عن إثبات التفصيل كذلك أيضا ، لما عرفت من عدم انحصار الدليل فيه أولا ، ومن أن المراسيل إذا تؤيدت بالشهرة والإجماع السابق والمحافظة على الستر صارت في قوة المسانيد ، وخصوصا مع كون المرسل من أجل الثقات ثانيا ، على أنه على التخيير قد يقال : إنه إذا انضم الاحتياط إلى خبره وشهرة العمل به تعين العمل على وفقه من غير حاجة إلى مراعاة صيرورته حجة بالانجبار.

بل من ذلك كله يظهر أن مثلهما في الضعف أو أزيد ما يحكى عن الصدوق في الفقيه والمقنع والسيد في الجمل والمصباح والشيخين في المقنعة والتهذيب من الجلوس مطلقا الذي هو مقتض لطرح الأدلة السابقة ، ومخصص لأدلة وجوب القيام في الصلاة الذي يبعده زيادة على ما عرفت أنه لا داعي للجلوس بعد سقوط الستر من حيث الصلاة ، وأنه ليس الستر بالبدن والأرض منه في حال من الأحوال ، لعدم الدليل ، فلا محيص بحمد الله عن التفصيل المزبور.

وو أما البحث في المقام الثاني أي أنه في الحالين يومي للركوع والسجود أو يختص ذلك بحال الجلوس فستعرف الحال فيه عند البحث في كيفية جماعة العراء ، لكن حيث يجب الإيماء فالظاهر كفاية مسماه ، لصدق الامتثال ، وظهور‌ قوله عليه‌السلام في صحيح زرارة (١) : « إيماء برؤوسهما » فيه ، بل منه فضلا عن انصراف لفظ الإيماء إليه يعلم اعتبار كونه بالرأس كما نص عليه غير واحد من الأصحاب ، بل إن تعذر فبالعينين ، لما ستعرفه إن شاء الله في إيماء المريض ، لظهور اتحاد كيفيته في كل مقام وجب فيه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

٢٠٠