جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

مع أنه يمكن منع الاجتزاء بالأول منهما ، لعدم كونه سترا عرفا ، ول‌ مرفوع أحمد بن حماد (١) « لا تصل فيما شف أو وصف » الذي قد يدعى أولوية إرادته من وصف الثوب فيه مما نحن فيه ، قال في التهذيب : يعني « الثوب المصقل » وهو إما كلام الشيخ أو أحد الرواة كما جزم به في الوافي ، وأنه تفسير للوصف ، وعن المقنع وهو المصقل ، قال في كشف اللثام : « وهو يعطي إهمال الصاد إن كان تفسيرا له ، أو للفظين كالقاع الصفصف أي الأملس » قلت : لم أر من احتمل كونه بالضاد المعجمة عداه ، فإنه قال : يجوز أن يكون بإعجام الضاد من الضف : أي الضيق كما في الصحاح عن أبي يزيد ، وفي الفائق عن ابن الأعرابي والضيق يؤدي إلى الوصف ، وفيه مع أن المعروف كونه بواوين من الوصف ، وإن قال الشهيد في الذكرى : إن في خط الشيخ أبي جعفر « أوصف » بواو واحدة ان الضيق قد يؤدي إلى وصف الحجم الذي قد عرفت أنه لا ينبغي البحث في عدم وجوب ستره ، وقال في الذكرى : « معنى شف لاحت منه البشرة ، ووصف حكى الحجم » وفي الوافي شف الثوب : أي رق ، فحكى ما تحته ووصفه ، والمتجه حينئذ على ذلك بقاء النهي على الحرمة ، لكن عن الوسيلة كراهية الثوب الشاف ، والمهذب الشفاف ، إلا أنه قال في كشف اللثام : فاما أن يريد الصقيل أو الرقيق كما في المبسوط والنهاية والنفلية : أي رقيقا لا يصف البشرة كما في المنتهى والتحرير ، أو مع وجود ساتر غيره ، قلت : لا الشفاف الذي في الخبر المزبور الذي قد سمعت تفسيره بما لا يناسب الكراهة.

نعم لا بأس بإرادة الأعم مما نحن فيه والارتسام من الخبر المزبور ، فيكون حينئذ مؤكدا لما قلناه من عدم حصول الستر به ، مع احتمال أن يقال : لو قلنا بعدم تيقن توقف صدق الستر على ستر الحجم باعتبار ستره في خصوص الصلاة للخبر المزبور‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

١٦١

الذي لم يظهر من الأصحاب الإعراض عنه بالنسبة إلى ذلك ، إذ إطلاقهم الستر محتمل لما يشمله باعتبار توقف الصدق عليه ، وإرساله بعد كونه في الكتب المعتمدة وقيام بعض القرائن على صحته غير قادح ، لا أقل من أن يكون ذلك مضافا إلى ما ذكرنا موجبا للشك ، فيجب حينئذ تحصيلا ليقين البراءة ، بناء على أصالة الشغل ، بل وعلى المختار إن قلنا بانقداح الشك بذلك في المراد من الإطلاقات كما قررناه غير مرة ، ودعوى عدم الشك للأدلة المزبورة يدفعها أنه قد ظهر مما ذكرنا خروج أكثرها أو جميعا عن الدلالة على عدم ستر الحجم بالمعنى الذي ذكرناه حتى صحيح ابن مسلم (١) إذ الكثافة غالبا تستره بالمعنى المراد ، بل الخبران (٢) منها لا يحتملان أو ظاهران في إرادة العانة لا القضيب الذي لم يتعارف وضع النورة عليه ، ولعله لذلك أو وغيره كان خيرة الأستاذ الأكبر الأول : أي وجوب الستر ، بل هو المحكي عن فوائد الشرائع وفوائد القواعد والجعفرية وجامع المقاصد ، وإن كان لم نعثر عليه في الأول ، والذي عثرنا عليه في الأخير عدم الخلو من قوة ، نعم حكاه فيه عن الذكرى وغيرها ، ولم نجده فيها صريحا ، وقد ينقدح من تلك الأدلة المزبورة لفظية النزاع بحمل الحجم في كلام النافي على غير الحجم في كلام المثبت.

وكيف كان فالمدار على تحقق إطلاق الستر بدون قيود كالستر في غير الشمس وعدمه فيها وإن قرب أو بعد للمعمق في النظر وعدمه ولحاد البصر وعدمه ونحو ذلك ، فان الظاهر تحقق مصداق لمطلقه في العرف ، فيكون هو المدار ، ضرورة كونه هو متعلق الحكم لا المضاف منه ، والحجم فيه بناء على وجوب ستره كاللون في ذلك ، والله أعلم.

ولا يجوز للمرأة الحرة إلا في ثوبين : درع وخمار ساترة جميع جسدها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ١ و ٢ من كتاب الطهارة.

١٦٢

بهما أو بغيرهما مما يجزي الستر به ، ضرورة عدم مدخلية خصوصهما في الصحة ، فذكرهما في بعض النصوص (١) والفتاوى للمثال ، انما الكلام هنا فيما يجب ستره من بدنها ، ففي التذكرة وعن المعتبر والمختلف « عورة المرأة الحرة جميع بدنها إلا الوجه بإجماع علماء الأمصار » وفي المحكي عن المنتهى « بدن المرأة الحرة عورة بلا خلاف بين كل من يحفظ عنه العلم » ولعله يريد ما عدا الوجه بقرينة ما حكي عنه أيضا من أنه لا يجب ستر الوجه في الصلاة ، وهو قول كل من يحفظ عنه العلم ، وفي الذكرى « أجمع العلماء على عدم وجوب ستر وجهها إلا أبا بكر بن هشام » وفي التنقيح وعن الروض الإجماع على ذلك أيضا ، مضافا إلى ما سمعته من معاقد الإجماعات السابقة التي ظاهرها الاستثناء من موضوع العورة لا عدم الستر في الصلاة خاصة حتى يجمع بينها وبين معقد إجماعه بذلك ، نعم يمكن أن يجاب بنحو ذلك بالنسبة إلى معقد إجماعيه وما شابههما ، كما أنه يجاب بنحوه عن المناقشة في المعقد إجماع الكتب السابقة عليه بما تسمعه من الإجماع صريحا وظاهرا منها ومن غيرها على عدم وجوب ستر الكفين في الصلاة ، فيقال حينئذ إنه عورة لا يجب سترها في الصلاة.

لكن قد يناقش في ذلك كله بما تعرفه إن شاء الله في باب النكاح من الخلاف في الجواز النظر للأجنبي إلى الوجه والكفين ، بل في الرياض أن المشهور فتوى ورواية الجواز في الجملة أو مطلقا ، وحينئذ يشكل كونها عورة مطلقا ، إذ معظم أحكامها النظر والستر في الصلاة مثلا ، ومن هنا قال في الرياض : لا يأتي لنا القطع بكون المرأة بجملتها عورة من جهة الإجماع لمكان الخلاف ، نعم في جملة (٢) من النصوص العامة والخاصة ما يدل عليها ، لكنها بحسب السند قاصرة ، ودعوى جابرها بفتوى العلماء غير ممكنة على سبيل الكلية ، بل هي جابرة في الجملة ، كما أن منه يعرف ما في شرح الأستاذ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي.

١٦٣

الأكبر ، حيث أنه بعد أن ذكر أن مقتضى الإجماع والأخبار وجوب ستر ما سمي عورة قال : « لا شك أن المرأة كلها عورة لغة وعرفا ، أما لغة فظاهر ، وأما عرفا فلأن المتعارف التعبير عنها بالعورة ، وإطلاق هذه اللفظة عليها شائع ذائع مع عدم صحة السلب ، على أنه قد ثبت كونها عورة شرعا من الأخبار مثل‌ « ان النساء عي عورات » (١) وغيره والإجماع ، فإن الفقهاء قد اتفقت كلمتهم على أن المرأة كلها عورة ، ثم يستثنون شيئا منها.

ومن الغريب دعواه ظهور أنها عورة لغة وعرفا ، قال في المجمل : « عورة الإنسان سوأته ، وكل شي‌ء يستحي منه عورة » وفي مختصر النهاية ما يستحي منه إذا ظهر ، والمراد أنه يستحيى منه في نفسه لكل أحد يراه ، ولا ريب أن المرأة لا تستحيي من خروج شي‌ء من جسدها لمثلها أو لمحارمها مثلا ، كما أن الرجل لا يستحيي إلا من خروج سوأته ، وأما العرف فليس العورة فيه إلا السوأة ، نعم لما عرف وجوب الستر للمرأة عن النظر وللصلاة وغيره من أحكام العورة تعارف حتى في النصوص المدعاة إطلاق اسم العورة عليها بطريق الحمل مرادا منه أنها بمجموعها لا جميعها كالعورة في أكثر الأحكام ، نحو‌ قولهم (٢) : « الطواف في البيت صلاة » لا أن لفظ العورة مشترك فيه بين السوأة والمرأة لفظا أو معنى كما هو واضح بأدنى تأمل في العرف واللغة وفي كلامهم في البحث عن العورة ، ولو سلم فلا دليل على وجوب ستر المسمى بالعورة في الصلاة ، بل أقصى مفاد النصوص وجوب ستر السوأة كما لا يخفى على من تأملها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣٠ ـ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ـ الحديث ١ من كتاب النكاح.

(٢) كنز العمان ـ ج ٣ ص ١٠ ـ الرقم ٢٠٦ وسنن البيهقي ـ ج ٥ ص ٧٨.

١٦٤

فظهر من ذلك كله أنه يمكن حينئذ نفي كل ما شك في وجوب ستره منها في الصلاة بالأصل السالم عن معارضة الدعوى السابقة التي لا يمكن ثبوتها بالإجماع المحصل ، ولا بما يورث الظن المعتد به من الإجماع المنقول وبعض النصوص.

نعم يمكن تحصيل الإجماع على وجوب ستر ما عدا الوجه والكفين والقدمين والشعر والعنق في الصلاة فضلا عن منقوله ، إذ المحكي عن ابن الجنيد من تساوي الرجل والمرأة في العورة ـ مع أنه غير ثابت ، لاحتمال وقوع ذلك منه في بيان اتحاد مسمى العورة لا الملحق بها في الحكم من باقي الجسد ، كما يؤيده ما قيل من أن المصنف في المعتبر نسب اليه أن المرأة لا تكشف في الصلاة غير الوجه ، وان أبا العباس في المهذب نسب اليه أن جسدها عورة دون رأسها ـ غير قادح ، خصوصا مع عدم الدليل له سوى الأصل المقطوع بما عرفت وتعرف ، وما في كشف اللثام من‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر زياد بن سوقة (١) : « لا بأس أن يصلي أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محللة ، ان دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حنيف » الذي هو كما ترى ظاهر في غير الامرأة.

كما أنه غير قادح أيضا في الإجماع بقسميه لو كان خلافه في خصوص الرأس على ما حكاه عنه أبو العباس ، وإن كان قد يشهد له قول الصادق عليه‌السلام في‌ خبر ابن بكير (٢) : « لا بأس بالمرأة المسلمة الحرة أن تصلي وهي مكشوفة الرأس » إلا أنه ـ مع قصوره عما عرفت وتعرف من المعارض ـ محتمل للضرورة ، وللتخلي من الجلباب وإن كان عليها خمار ، وعن الشيخ « والصغيرة » وفي كشف اللثام « وللنافلة ، وأن يراد أنه لا بأس بها أن تكون بين أيدينا مكشوفة الرأس ونحن نصلي ، أو وأنت تصلي » وقوله عليه‌السلام في خبر آخر (٣) له أيضا : « لا بأس أن تصلي المرأة المسلمة وليس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

١٦٥

على رأسها قناع » الذي هو ـ مع أنه كسابقه حتى في جملة من الاحتمالات ـ محتمل للأمة والتستر بغير القناع من ملحفة ونحوها ، كما في خبري علي بن جعفر (١) ومعلى ابن خنيس (٢) الآتيين ، بل في النهاية الأثيرية وعن العين والمحيط والمحكم والصحاح أن القناع أكبر من المقنعة وإن أنكره الأزهري على ما قيل.

فلا إشكال حينئذ في غير المذكورات ، بل وفي الأخير منها أيضا المندرج في النصوص والفتاوى ومعاقد الإجماعات ، وليس مما ظهر أو يحتاج إلى كشفه ، مع التصريح به من جماعة ، بل في الذكرى لا شك في وجوب ستره من الحرة ، بل لا خلاف فيه فيما أجد ، نعم في كشف اللثام في الألفية أنه أولى ، ولعله ليس خلافا ، وفي المدارك يمكن الاستدلال بخبر الفضيل (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « صلت فاطمة ( صلوات الله عليها ) في درع وخمارها على رأسها ، ليس عليها أكثر مما وارت به شعرها وأذنيها » ثم قال : « وفي رواية زرارة إشعار به أيضا مشيرا إلى صحيحه (٤) قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أدنى ما تصلي فيه المرأة فقال : درع وملحفة تنشرها على رأسها وتجلل بها » وهو مع انه ليس خلافا أيضا فيه أن الصحيح مشعر بخلاف ذلك ، ضرورة كون التجلل بالملحفة المنشورة على رأسها ساترا للعنق ، إذ المراد به الالتفات بها أو نحوه ، وأما خبر الفضيل فمع ضعفه وقصوره عن المقاومة لما سمعت وتسمع من النصوص (٥) الآمرة بالقناع والمقنعة والخمار ونحوها الساترة للعنق عادة ، بل في التذكرة الخمار هو الجلباب ، وهو ما يغطي رأسها وعنقها محتمل لإرادة بيان عدم الزيادة على الدرع والخمار من الإزار والملحفة ونحوهما ، لا أن المراد ما كان على رأسها من الخمار إلا قدر قليل تستر به الشعر والأذنين ، بل ظاهر‌ قوله عليه‌السلام :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي.

١٦٦

« وارت به شعرها » كون خمارها عليها‌السلام كالخمر المتعارفة التي تستر الشعر المنسدل على الكتفين والعنق غالبا ، وليس فيه أنه جمعت الشعر كله تحت ذلك ، فالخبر المزبور حينئذ أولى في الدلالة على ستر العنق من عدمه ، لاستلزام ستر الشعر المنسدل عليه ستره قطعا ، كما انه واضح الدلالة على ستر الشعر وإن كان هو حكاية فعل ، إلا أنه مع إمكان جريان دليل التأسي بناء على عدم اختصاصه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعدم اشتراط معرفة الوجه فيه ظاهر في كون المراد. من حكاية ذلك أنه لا يجب أزيد من ذلك من إزار ونحوه ، وأن هذا أقل الواجب ، وسأل علي بن جعفر أخاه عليهما‌السلام في الصحيح (١) « عن المرأة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي؟ قال : تلتف فيها وتغطي رأسها وتصلي ، فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس » وزرارة (٢) أبا جعفر عليه‌السلام ما سمعته ، ولعل المراد برأسها ما يشمل الشعر ، فيشمله حينئذ الإجماع في الخلاف ، بل في كشف اللثام ممن عدا أبي علي وجوب ستر الرأس.

كما أنه يدل عليه فحوى ما تسمعه في الصبية والأمة قيل والإجماعات المحكية على انها عورة من غير استثناء للشعر مع استثناء غيره ، كما يومي اليه ترك التعرض له بالخصوص من كثير لا لعدم وجوبه عندهم كما ظن ، بل لا يبعد إرادته من الجسد والبدن في معقد إجماع بعضهم ، بل في الرياض لو كان مرادهم بالجسد ما يقابل الشعر لما كان لأمرهم بلزوم الخمار وجه ، لستر الشعر جلد الرأس ، فكان فيه غنى عن الخمار قطعا ، وإن كان قد يناقش فيه بأنه يمكن عدم الاكتفاء بالشعر في الساتر ، لعدم اعتياده أولا ، ولظهور الأدلة في اعتبار كون الساتر من غير المستور كما ستعرف ثانيا.

نعم لا بأس بالاستدلال في نصوص الخمار لا لذلك بل لظهوره ولو بحسب المتعارف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٩.

١٦٧

فيه المشاهد منه الآن على نساء الأعراب في الساتر للشعر ، ففي‌ صحيح يونس بن يعقوب (١) « انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلي في ثوب واحد قال : نعم ، قلت : فالمرأة؟ قال : لا ، ولا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار إلا أن لا تجده » وصحيح محمد بن مسلم (٢) قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : « ما ترى للرجل يصلي في قميص واحد؟ فقال : إذا كان كثيفا فلا بأس به ، والمرأة تصلي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفا ، يعني إذا كان ستيرا » وموثق ابن أبي يعفور (٣) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « تصلي المرأة في ثلاثة أبواب : إزار ودرع وخمار ، ولا يضرها بأن تقنع بخمار ، فان لم تجد فثوبين تتزر بأحدهما وتقنع بالآخر ، قلت : فان كان درع وملحفة ليس عليها مقنعة فقال : لا بأس إذا تقنعت بملحفة ، فان لم تكفها فلتلبسها طولا » وخبر أبي البختري (٤) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « إذا حاضت الجارية فلا تصلي إلا بخمار » إلى غير ذلك من النصوص التي لا ينكر ظهورها في ذلك.

ومن هنا نص الشهيدان في الذكرى والدروس والروض والمقاصد العلية على ما حكي عن ثانيهما والمحقق الثاني في جامع المقاصد وفوائد الشرائع والأصبهاني في كشفه والعلامة الطباطبائي في منظومته والفاضل المعاصر في رياضة على وجوب ستره ، ولعله ظاهر الأستاذ الأكبر ، بل والمحكي عن الألفية وإن قال فيها إنه أولى ، خلافا للسيد في المدارك ، ولم أجد له موافقا صريحا معتدا به ، نعم عن القاضي في شرح الجمل أنه حكي عن بعض أصحابنا ذلك أيضا ، ولا ريب في ضعفه كمستنده من الأصل المقطوع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٣.

١٦٨

بما عرفت ، وإشعار اشتراط الكثافة في الدرع خاصة في صحيح ابن مسلم الذي هو مناف له أيضا ، إذ لا ريب في اعتبار ستر المقنعة ولو من جهة جلدة الرأس ، بناء على عدم الاكتفاء بالشعر كما عرفت ، فلا بد من عدم إرادة ذلك من التخصيص ، واحتمال خروج ما طال من الشعر عن الرأس الذي يمكن منعه عليه ، لما عرفت ، وغير ذلك مما لا يخفى الجواب عنه بعد الإحاطة بما عرفت ، فحينئذ ستره مع كونه أحوط أقوى.

نعم لا بأس باستثناء ما عدا ذلك مما ذكرناه وذكره المصنف وغيره بقوله عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين على تردد في القدمين أما الوجه فللأصل بناء على ما ذكرنا ، ولاستثنائه في معاقد الإجماعات السابقة ، وخصوص إجماع الذكرى والروض والتنقيح المتقدمة آنفا ، وللسيرة القطعية ، وشدة الحاجة إلى كشفه ، وتفسير ابن عباس ما ظهر من الزينة به والكفين ، وغيره مما استدلوا به على جواز النظر اليه ، بناء على اقتضاء ذلك عدم كونه من العورة فيه وفي الصلاة ، ولظهور جملة من النصوص (١) السابقة وغيرها خصوصا خبر الفضيل (٢) فيه ، ضرورة عدم تعارف ستره بالمقنعة والخمار ونحوهما ، وخصوص موثق سماعة (٣) « سألته عن المرأة تصلي متنقبة قال : إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به ، وإن أسفرت فهو أفضل » وغير ذلك ، خصوصا ما ستعرفه إن شاء الله من كراهة النقاب لها ، فما عن ابن حمزة في وسيلته من أنه يجب ستر جميع بدنها إلا موضع السجود ، بل في الغنية والجمل والعقود ذلك من غير استثناء كما ترى ، وكذا ما في الإشارة « تكشف بعض وجهها وأطراف يديها وقدميها » لكن قد يريد ستر بعض الوجه من باب المقدمة ، كما أنه يمكن إرادة ما عدا الوجه من السابقين عليها ، بل عن السرائر انه حكي استثناؤه عن الجمل والعقود ، وإلا لم يكن لهم دليل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

١٦٩

سوى بعض نصوص (١) الملحفة والإزار التي لو سلم دلالتها لا تقاوم ما ذكرنا ، ودعوى كونها جميعها عورة ممنوعة كما عرفت ، أو مخصصة بعد التسليم بما سمعت.

والمراد بالوجه وجه الوضوء بناء على أن ذلك التحديد من الشرع ، لكشف العرف كما قلناه في نظائره ، فيخرج عنه حينئذ الصدغان وغيرهما مما لا يجب غسله منه ، ويدخل فيما دل على وجوب ستر الرأس ، لكن في الذكرى وفي الصدغين وما لا يجب غسله من الوجه نظر ، من تعارض العرف اللغوي والشرعي في كشف اللثام يعني في الوجه ، فإنه لغة ما يواجه به ، وشرعا ما دارت عليه الإصبعان ، لكنه انما ثبت في الوجه المغسول في الوضوء خاصة ، أو في الرأس ، لدخول ما خرج من الوجه فيه ، وهو إن سلم فالخروج في الوضوء خاصة ، وفي الجميع ما عرفت ، مع أن اللغوي لا يعارض العرف الشرعي ، واحتمال كون التعارض المزبور في الرأس كما ترى.

وكيف كان فلا ريب في خروج الأذنين منه ، كما صرح به في الذكرى والدروس ، ومن الغريب ما قيل من احتمال دخولهما في الوجه ، ضرورة خروجهما عنه عرفا وشرعا كما هو واضح.

وأما الكفان فعندنا كما في المختلف لا يجب ستر هما في الصلاة ، بل عن المعتبر والمنتهى نسبته إلى علمائنا ، بل في التذكرة وجامع المقاصد وعن الروض الإجماع صريحا عليه ، بل في الذكرى إجماع العلماء إلا أحمد وداود ، وهو الحجة في تخصيص ما دل على عورية بدن المرأة كله إن كان ، وإلا كان هو مع الأصل الحجة على ذلك ، مضافا إلى ما في صحيح ابن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام وخبر الفضيل (٣) عنه عليه‌السلام أيضا ، وصحيح ابن أبي يعفور (٤) عن الصادق عليه‌السلام وخبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨.

١٧٠

يونس بن يعقوب (١) عنه عليه‌السلام أيضاالمتقدمة سابقا ، وغير ذلك مما دل (٢) على جواز صلاتها بالدرع والخمار ، بناء على ما ذكره غير واحد من أن الغالب في الدرع عدم ستره الكفين الذي يقصر معارضته بما في الحدائق من أن الغالب فيه العكس مدعيا أنه المشاهد في نساء العرب الآن ، والأصل عدم التغيير ، وأنه الذي أومى إليه في بعض النصوص ، كالمرسل « ان فاطمة عليها‌السلام كانت تجر أدراعها وذيولها » وان‌ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله اليه يوم القيامة ، فقالت أم سلمة : كيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال : يرخين شبرا ، قالت : إذن تنكشف أقدامهن ، قال : إذن يرخين ذراعا لا يزدن » (٣) وقوية سماعة (٤) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يجر ثوبه قال : إني أكره أن يتشبه بالنساء » مع أن هذا المرسل المزبور غير ثابت ، كما أنه غير دال إلا على الذيول التي لا مدخلية لها فيما نحن فيه لا غيرها الذي لو كان منع من المشي ، بل هو دال على ذلك بالنسبة إلى زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن تغلب على الناس المدن والتحضر كما في زمن الصادقين عليهما‌السلام ، كل ذا مضافا إلى ما دل على جواز النظر إليهما من السيرة وشدة الحاجة ، وما عن ابن عباس من تفسير قوله تعالى (٥) ( إِلاّ ما ظَهَرَ ) بهما والوجه ، وغير ذلك مما يقضي بأنه ليس كالعورة ، فلا يجب ستره في الصلاة ، للأصل ، وحصر وجوب الستر في العورة في النص (٦) والفتوى ، أو ما نزل منزلتها.

وأما القدمان فالمشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ذلك أيضا من غير فرق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٣) سنن النساء ـ ج ٨ ص ٢٩ المطبوعة بالأزهر.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٥) سورة النور ـ الآية ٣١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣ و ٤ ـ من أبواب آداب الحمام من كتاب الطهارة.

١٧١

بين ظاهر هما وباطنهما كما صرح به الشهيدان والمحقق الثاني ، بل لعل الاقتصار على الظهر في القواعد والتحرير والبيان والمحكي عن المبسوط والإصباح والجامع وغيرها لا لوجوب ستر الباطن كما ظن باعتبار استتاره غالبا بالأرض أو الثياب ، فلا حاجة إلى كشفه ، بل لأنه مفروغ منه ولو للسيرة القطعية على عدمه ، وإلا لم يجتز بالأرض ساترة له مع التمكن من غيرها ، ولأولويته من الظاهر والوجه والكفين قطعا ، فما في المدارك من الاقتصار على الظاهر في معقد نسبته إلى الأكثر يمكن إرادته ذلك ، وإن كان قد يناقش فيه أيضا بأن إطلاق عدم ستر القدمين أو مع التنصيص على عدم الفرق بين الظاهر والباطن هو المشهور كما عرفت ، بل هو الأقوى ، للأصل ، ونصوص الدرع والثوب (١) التي قد تقدم شطر منها ، بناء على ما عرفته من أن الغالب فيه عدم سترة الظهر تمامه أو بعضه ، ويتم بعدم القول بالفصل ، بل هو المشاهد الآن ، والأصل عدم التغير ، لا أقل من أن يكون ذا فردين أو أفراد ، منها ما لا يحصل به التغطية خصوصا في زمن الصادقين عليهما‌السلام فالإطلاق وترك الاستفصال حينئذ هو الحجة.

وما في التذكرة من أن الدرع هو القميص السابغ الذي يغطي ظهور القدمين لم نتحققه ، على أن في بعض النصوص الثوب ، وتعارف الذيل كما في الخبر (٢) والمرسل السابقين لا يقتضي ستر الظهر وأولويتهما من الوجه والكفين ، بل يمكن دعوى السيرة أيضا على عدم سترهما ، كل ذا مضافا إلى ما ذكروه في باب النكاح مما يدل على عدم وجوب سترهما عن الأجنبي ككونهما مما ظهر من الزينة في بعض النصوص وغيره مما هو مسطور في محله مما هو ظاهر في اقتضائه عدم كونهما مما نزل منزلة العورة في وجوب الستر للصلاة أيضا ، وإلى إمكان دعوى الإجماع على عدم وجوب الستر في خصوص الظهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

١٧٢

هنا كالكفين ، إذ لا خلاف فيهما فيما أجد إلا من خالف في الوجه ، والاقتصاد حيث اقتصر على استثناء الوجه خاصة ، والمقنع حيث قال : « أقل ما يجزي الحركة البالغة درع سابغ إلى القدمين وخمار » وبعض متأخري المتأخرين مما لا يقدح خلافهم في تحصيل الإجماع ، ولذا ادعاه من عرفت في الوجه والكفين ، أو يكون مرادهم مما أطلقوه من كون بدن المرأة عورة عدا هذه المستثنيات المعلومة ، ولعله لذا حكي عن ابن إدريس أنه حكى عن الشيخ في الخلاف والجمل استثناء الثلاثة ، مع أنه ليس إلا الوجه خاصة في الخلاف ، فتردد المصنف فيه هنا والنافع حينئذ في غير محله ، خصوصا المتن حيث لم يعقبه كما في النافع بالجواز بعد ذلك ، بل يمكن أن يقال : إن القول بالوجوب فيهما مع القول بعدمه في الكفين خرق للإجماع المركب ، كما أنه يمكن القول بأنه إن تم في الظهر تم في الباطن ، لعدم قائل معتد به في التفصيل بينهما ، لما عرفت من احتمال الاقتصار على الظهر في الكتب السابقة المفروغية منه.

ومن ذلك كله تعرف ما في الحدائق من الميل إلى ما سمعته عن الاقتصاد من وجوب ستر ما عدا الوجه محتجا بأنه عورة ، وقد عرفت ما فيه ، وبأن النصوص عدا أخبار الدرع (١) لا تأبى الانطباق عليه ، بل هي ظاهرة فيه ، كصحيح زرارة (٢) ومحمد بن مسلم (٣) وعلي بن جعفر (٤) وموثق ابن أبي يعفور (٥) المتقدمة سابقا ، وصحيح المعلى بن خنيس (٦) « سألته عن المرأة تصلي في درع وملحفة ليس عليها إزار ولا مقنعة قال : لا بأس إذا التفت بها ، فان لم تكفها عرضا جعلتها طولا » قال : والظاهر من قوله : « إذا لم تكفها » إلى آخره. يعني لأجل الوصول إلى القدمين وسترهما ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

١٧٣

وفيه اعتراف بأن الدرع قد لا يستر الظهر ، وصحيح جميل بن دراج (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تصلي في درع وخمار قال : يكون عليها ملحفة تضمها عليها » وفيه أن نصوص الملحفة والإزار ونحوها مما زاد على ما تستر به البدن كالدرع والخمار محمولة على الندب عند الجميع ، بل قد يفهم الكراهة من‌ قول أبي الحسن (ع) في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (٢) : « لا ينبغي للمرأة أن تصلي في درع وخمار ، قال : ويكون عليها ملحفة تضمها عليها » وخبر علي بن جعفر (٣) حيث سأل أخاه « عن المرأة الحرة هل يصلح لها أن تصلي في درع ومقنعة قال : لا يصلح لها إلا في ملحفة إلا أن لا تجد بدا » وأما صحيح علي بن جعفر المتقدم (٤) فمحتمل لإرادة ما عدا القدم من الرجل فيه ، والأمر بالالتفات في الملحفة لتوقف الستر عليه في مفروض السؤال ، ولا بأس بوجوب ستر الكفين مقدمة لستر غيرهما ، فلا يتوهم منه حينئذ وجوب سترهما أصالة ، وبالجملة إعطاء النظر حقه في النصوص يقضي بما ذكرناه ، بل قد يستفاد من نصوص الملحفة والإزار ، بناء على أن الحكمة في ذلك الاستظهار في ستر القدمين والكفين ، إذ لا ريب في اقتضاء حملها على الاستحباب عدم لزوم الستر المزبور الحاصل منها للقدمين وغيرهما ، فتأمل جيدا.

وقد ظهر من ذلك كله بحمد الله ما يجب على المرأة ستره للصلاة من غير فرق بين وجود الناظر وعدمه وما لا يجب ، لكن في كشف الأستاذ احتمال إلحاق ما في باطن الفم من اللسان أو الأسنان ونحوهما بعورة الصلاة للمرأة في وجه قوي ، ثم قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٠ ونصه « قال : ليس على الإماء ان يتقنعن في الصلاة ، ولا ينبغي للمرأة أن تصلي إلا في ثوبين » ولم نعثر على رواية لابن الحجاج على ما نقله في الجواهر.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

١٧٤

وكذا الزينة المتصلة بالبدن الحاجبة له عن الرؤية كما سيجي‌ء مشيرا به إلى قوله فيما بعد ذلك : « والزينة المتعلقة بما لا يجب ستره في النظر على الأصح والصلاة من خضاب أو كحل أو حمرة أو سواد أو حلي أو شعر خارج وصل بشعرها ولو كان من شعر الرجال أو قرامل من صوف ونحوه يجب ستره عن الناظر دون الصلاة على الأقوى ، ومع كشفها للناظر في غير محل الرخصة عمدا لا يبعد البطلان » وهو بعد الإغضاء عن بعض ما في عبارته كما ترى لا تساعد عليه النصوص ولا الفتاوى ، بل ظاهر هما إن لم يكن المعلوم منهما خلافه ، خصوصا مع السيرة القطعية على عدم المحافظة على ستر اللسان والأسنان ونحو هما ، ومعلومية عدم بطلان صلاتها بالتبسم ونحوه ، كمعلومية كراهة النقاب لها ، وكشف الزينة عمدا لو قلنا بحرمته لا مدخلية له في الصلاة ، لا طلاق الأدلة ، ضرورة عدم التلازم بين وجوب الستر عن النظر ووجوبه للصلاة ، ولذا اتفق ظاهرا على عدم وجوب ستر الوجه مثلا لها حتى على القول بوجوب ستره للنظر ، وكذا رأس الأمة لو قلنا بوجوب ستره عن النظر ، إذ من الواضح كون الحرمة حينئذ خارجة عن أفعال الصلاة ، فلا تقتضي فسادا ، وهو أدرى بما قال ، على أن ما حضرني من نسخة كشفه غير نقية من الغلط ، والله أعلم.

ويجوز أن يصلي الرجل عريانا إذا ستر قبله ودبره بناء على أنهما تمام العورة على كراهية لا إذا لم يسترهما مختارا ، فإنها تبطل حينئذ ، للإجماع بقسميه منا ومن أكثر العامة على اشتراط الصحة معه ، ولقوله تعالى (١) ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) بناء على ما حكاه في الذكرى بلفظ القيل من أنه اتفق المفسرون على أن الزينة هنا ما يوارى به العورة للصلاة والطواف ، لأنهما المعبر عنهما بالمسجد ، بل قال : ويؤيده قوله تعالى (٢) ( يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ ) امتن‌

__________________

(١) سورة الأعراف ـ الآية ٢٩.

(٢) سورة الأعراف ـ الآية ٢٥.

١٧٥

الله تعالى باللباس المواري للسوأة ، وهو ما يسوء الإنسان انكشافه ويقبح في الشاهد إظهاره ، وترك القبيح واجب ، وإن كان فيه ما لا يخفى ، ول‌ صحيح ابن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام في الرجل يصلي في قميص واحد فقال : « إذا كان كثيفا فلا بأس » إذ ليس البأس الثابت في المفهوم إلا الفساد ولو بمعونة الإجماع السابق ، ولنصوص العاري (٢) المشتملة على إبدال الركوع والسجود بالإيماء ، والقيام في بعض الأحوال بالقعود التي من المعلوم وجوبها في الصلاة ، ولو لا أن الستر شرط في الصحة لما جاز ترك مثل ذلك لفقده ، مع أن إطلاق وجوبها المتوقف وجوده على الستر قاض بوجوبه ضرورة للمقدمة ، ويتم حينئذ بعدم القول بالفصل ، ولغير ذلك مما سمعته وتسمعه في غير الامرأة وفيها ، إذ وجوب سترها في الصلاة باعتبار كونها عورة ، فحينئذ جميع ما دل على ذلك فيها دال على المطلوب هنا ، خصوصا مع انضمام عدم القول بالفصل ، فالشرطية في الجملة حينئذ عندنا من الواضحات فيها وفي أجزائها المنسية والركعات الاحتياطية ، بل وسجود السهو فيها على ما تعرفه في محله كسجود الشكر والتلاوة.

والظاهر أن النافلة كالفريضة في ذلك ، لأصالة الاشتراك ، لكن قد يظهر من حمل ما في خبر ابن بكير (٣) من نفي البأس عن صلاة الحرمة مكشوفة الرأس في كشف اللثام على النافلة الفرق بينهما في الجملة.

أما صلاة الجنازة فالأقوى عدم اشتراطها به ، للأصل ، وإطلاق النصوص (٤) وعدم كونها من الصلاة حقيقة ، ولو سلم وأنه على الاشتراك المعنوي فلا إطلاق في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.

١٧٦

النصوص (١) دال على اعتباره في مطلق الصلاة ، مثل لا صلاة إلا بستر ونحوه كي تندرج فيه ، كما لا يخفى على من لاحظها ، ومن ذلك يعلم حينئذ سقوط ما في الذكرى وجامع المقاصد من القول به أو الميل إليه ، لأنها من الصلاة حقيقة.

كما أنه علم مما عرفت أنه لا بحث في الاشتراط في الفريضة في الجملة ، إنما البحث في إطلاقها أو تخصيصها بالذاكر أو بغير التكشف مع عدم العلم في الأثناء أو مطلقا ، قد اضطربت كلمات الأصحاب في ذلك دعوى واستدلال وتحرير المحل البحث كما لا يخفى على من لاحظ جملة منها كالمبسوط والمعتبر والتذكرة والمنتهى والمختلف والذكرى والمدارك وشرح الأستاذ والرياض وغيرها ، وكان المهم تحرير دليل الشرطية كي يصح التمسك بأصالة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه مطلقا التي مرجعها إلى إطلاق دليل الشرطية وإن كان بلفظ الأمر والنهي ، بناء على استفادة حكم وضعي منهما غير مقيد بالحكم التكليفي ، بل قد يقال بعدم إرادة غير الوضعي منهما إذا كانا في بيان ذلك ، فيقتصر حينئذ في الخروج عن الأصل المزبور ـ على تقدير ثبوته هنا ، وعدم تحكيم حديث الرفع (٢) عليه ـ على خصوص المستفاد من صحيح علي بن جعفر (٣) الآتي ، أما إذا لم يكن دليل للشرطية يتمسك بإطلاقه كان المتجه حينئذ الاقتصار على المعلوم منها ونفي الباقي بالأصل ، بناء على المختار عندنا ، ولعل الاضطراب الواقع في كلمات بعض الأصحاب لعدم تحرير ذلك هنا.

وقد يحتج لثبوتها على الوجه الأول مضافا إلى الآية (٤) والصحيح السابق (٥) بإطلاق معاقد بعض الإجماعات كإجماع جامع المقاصد ونحوه مما لم يتعقب بما يقتضي إرادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٤) سورة الأعراف ـ الآية ٢٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

١٧٧

حاكيه الشرطية في الجملة منه ، وبالنهي في المرفوع (١) السابق عن الصلاة فيما شف أوصف الظاهر في إرادة الكناية بذلك عن غير الستير ، وبما في‌ صحيح علي بن جعفر (٢) عن أخيه من الأمر بالتستر بالحشيش إذا تمكن منه ، قال فيه : « سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال : إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم » وبالأمر بغسل الثوب من النجاسة والصلاة فيه مع الإمكان في بعض النصوص (٣) وبالصلاة فيه مع عدم الإمكان في آخر (٤) وبما تقدم من نصوص ستر المرأة (٥) وبغير ذلك ، بل لعل ملاحظة جميع النصوص سؤالا وجوابا تشرف الفقيه على القطع بإرادة شرطية الستر للصلاة منها ، فحينئذ لا بأس بالتمسك في المقام بأصالتها بناء على عدم تحكيم حديث الرفع عليها ، فمن صلى حينئذ ناسيا للستر بطلت صلاته كما صرح به الشهيد وغيره ، بل ظاهر التذكرة والمنتهى والمحكي عن المعتبر الإجماع عليه ظهورا كالصريح في ذلك كما لا يخفى على من لاحظها ، ومنه يعلم حينئذ خروج هذا الفرد عن محل النزاع ، فما في المدارك والرياض وشرح الأستاذ من تحريره بما يشمل ذلك ، وانه كغيره مختارين الصحة فيه أيضا في غير محله قطعا ، ودعوى تنقيح المناط بينه وبين مضمون صحيح علي بن جعفر ممنوعة كدعوى شموله لذلك ، بل هي أشد منعا من الأولى ، فلا مناص عن البطلان حينئذ بناء على ما ذكرنا ، كما أنه لا خلاف معتد به على ما عرفت ، نعم قد يظهر من المحكي عن الكاتب اختصاص الإعادة في الوقت دون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢ و ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب النجاسات.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب لباس المصلي.

١٧٨

خارجه ، لأنه بأمر جديد ، وفيه‌ أن عموم « من فاتته » وغيره من أدلة القضاء (١) شامل له كفقدان غيره من الشرائط.

ولا فرق فيما ذكرنا بين نسيان ستر جميع العورة أو بعضها ، ولا بين جميع الصلاة أو بعضها ، كما لو علم عدم الستر في الأثناء فنساه حتى فرغ ، أما لو انكشف قهرا بريح أو بغيره على علم منه بذلك حال وقوعه فقد يقال : إن مقتضى ما ذكرناه سابقا من الأصل البطلان وفاقا للتذكرة والمحكي عن المعتبر ونهاية الأحكام ، بل هو من معقده نسبة الأول له إلى علمائنا ، لعدم شمول صحيح علي بن جعفر (٢) الآتي له ، لكن قد يدعى الخروج عنه فيقال بالصحة ، وفاقا للدروس وكشف اللثام والمنظومة وظاهر المبسوط والبيان ، لاقتضاء صحتها لو لم يعلم به ثم علم به في الأثناء وستره المستفادة من الصحيح الآتي الصحة هنا ، ضرورة اتحاد هما في العلم إلى حصول الستر ، وعدم العلم به سابقا انما يرفع قدح الكشف حاله لا حال العلم الذي هو مقارن لبعض الصلاة ، إذ لا فترة فيها ، فلا يصلح فارقا بين المسألتين ، واحتمال الالتزام بعدم الصحة فيها أيضا يدفعه. أولا انه خلاف المستفاد من البيان والتحرير والتذكرة والمحكي عن المعتبر والمختلف والمنتهى ونهاية الأحكام ، بل لم أجد مخالفا صريحا في ذلك ، نعم ظاهر التحرير احتمال البطلان.

وثانيا أنه لا ريب في صدق مضمون الصحيح عليه ، ولو سلم ظهوره في ذي الغفلة إلى الفراغ أمكن دعوى استفادة حكم ذيها قبله منه بدعوى أن الظاهر اتحاد الجميع والبعض في الحكم في الشرطية وعدمها ، ومع فرض هذا الظهور لا ريب في استفادة اغتفار زمان الستر كجاهل النجاسة وغيره مما لا ينكر ظهور العفو عنه في العفو عن لوازمه التي تلغى ثمرة العفو بدونها ، نعم يجب المبادرة إلى الستر ، فلو تراخى فيه بطلت وإن لم يقع جزء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قضاء الصلوات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

١٧٩

جديد منه كقراءة ونحوها ، بل قد يشكل الصحة فيما لو احتاج الستر إلى زمان لا يصل إلى حد محو صورة الصلاة ، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن ، أما إذا لم يحتج إلى زمان معتد به فيتجه الصحة حينئذ لما ذكرناه ، اللهم إلا أن يقال : إن اشتراك الجميع والبعض في العفو انما يقتضي عدم البطلان من حيث التكشف زمن الغفلة ، والفرض أن البطلان ليس من ذلك ، بل من التكشف من حال العلم إلى حال الستر ، وهو أمر آخر ، فمع فرض تسليم ظهور الصحيح المزبور في ذي الغفلة المستمرة لا يستفاد منه حكم الحال المزبور ، وليس هو بمنزلة التصريح بالعفو عن الغفلة التي تعقبها العلم في الأثناء كي يستفاد منه ولو بالالتزام العرفي العفو عن زمن العلم إلى التستر.

ولعله لذا فرق في التحرير بين استمرار الغفلة إلى تمام الصلاة وعدمه ، فقال : « لو انكشفت عورته في الأثناء ولم يعلم صحت صلاته ، ولو علم في الأثناء سترها سواء طالت المدة قبل علمه أو لم تطل ، أدى ركنا أولا ، ولو علم به ولم يستره أعاد سواء انكشف ربع العورة أو أقل أو أكثر ، ولو قيل بعدم الاجتزاء بالستر كان وجها ، لأن الستر شرط وقد فات ، أو يكون قد اكتفي باحتمال عدم الاجتزاء بالستر عن احتمال البطلان مع استمرار الغفلة » وفيه أن مرجع ظهور اتحاد الجميع والبعض في حكم العفو مثلا إلى الاندراج في الدليل وانه لا مدخلية للجميعية الواقعة في السؤال مثلا ، فتحقق حينئذ الدلالة على العفو عن زمان العلم إلى وقوع الستر الذي سلم أنه مستفاد من نفي البأس عن الغفلة التي لم تستمر ، فتأمل فإنه مع أنه ربما دق لا يخلو من بحث أيضا.

ومن ذلك كله ظهر لك أنه لا إشكال في الصحة مع استمرار الغفلة لا لعدم التكليف معها الذي لا ينافي الفساد ، بناء على إرادة رفع الإثم من حديث الرفع (١) بل لأنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

١٨٠