جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

في حديث (١) قال : « قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عن ثوب حشوه قز يصلى فيه فكتب نعم لا بأس به » وخبر إبراهيم بن مهزيار (٢) « إنه كتب إلى أبي محمد عليه‌السلام الرجل يجعل في جبته بدل القطن قزا هل يصلي فيها؟ فكتب نعم لا بأس به » مضافا إلى عدم صدق اللباس عليه ، بل ولا صدق الحرير بناء على أنه المنسوج ، بل ولا المحض ، وبعد التسليم فهي خاصة تقدم على العام ، واحتمال إرادة قز المعز ـ كما عن الصدوق وارتضاه الشيخ ، ولعله لعدم معهودية غيره إلا من مترف جاهل ، لعلو القيمة وعدم المنفعة والزينة بخلاف قز المعز في البلاد الباردة بالنسبة إلى أهل الفقر والمسكنة ـ يدفعه انه مجاز بلا قرينة ، ومن القز ما لا ينتفع به إلا لذلك ، بل قيل : إنه يفيد الثوب ثخانة ، كما ان احتمال عدم جواز العمل ببعضها لأن الراوي لم يسمعه من محدث وانما وجده في كتاب يدفعه ـ مع عدم انحصار الدليل فيما فيه هذا المحذور ـ ان إخبار الراوي بصيغة الجزم ، والمكاتبة المجزوم بها في قوة المشافهة ، نعم يمكن حملها على التقية كما هو المظنة في المكاتبات ، بل يشهد له خبر الريان لكن إن تم الإجماع الذي استظهرناه من عبارة الفاضل وغيرها ، ولا ريب أن الأحوط التجنب ، والله أعلم.

المسألة الخامسة الثوب المغصوب لا تجوز ولا تصح الصلاة فيه إجماعا في الغنية والتذكرة والذكرى والمحكي عن الناصريات والتحرير ونهاية الأحكام وكشف الالتباس وظاهر المنتهى ، بل قد يظهر من الأول كصريح الثاني والخامس والسادس والبيان أيضا والدروس وفوائد الشرائع والمحكي عن الموجز والجعفرية وغيرها أنه لا فرق بين الساتر منه وغيره ، بل عن المقاصد العلية نسبته إلى الأكثر ، وفي المدارك إلى العلامة ومن تأخر عنه ، قلت : بل هو ظاهر كل من أطلق ، وعلى كل حال فقد يمكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

١٤١

تحصيله : أي الإجماع في خصوص الساتر منه المدعى عليه الإجماع زيادة على ما عرفت في جامع المقاصد وعن الغرية وإرشاد الجعفرية وروض الجنان ، إذ المحكي عن الفضل بن شاذان من القول بالصحة فيه وفي المكان المغصوب ونحوهما غير متحقق ، وعلى تقديره غير قادح ، وإن وافقه عليه جماعة من محققي متأخري المتأخرين ، مع احتمال كون ذلك منهم للقاعدة ، وإلا فقد يستظهرون من الأدلة الخاصة ما يقضي بالبطلان ، فالخلاف منهم هنا غير متحقق ، أما غير الساتر منه ففي المعتبر والمدارك عدم البطلان فيه ، بل في الذكرى وجامع المقاصد وكشف اللثام والمحكي عن المقاصد العلية وإرشاد الجعفرية الميل اليه ، قال في المعتبر : « اعلم أني لم أقف على نص من أهل البيت عليهم‌السلام بإبطال الصلاة ، وانما هو شي‌ء ذهب اليه المشايخ الثلاثة وأتباعهم ، والأقرب انه إن ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة ، لأن جزء الصلاة يكون منهيا عنه ، وتبطل الصلاة بفواته ، وأما لو لم يكن كذلك لم تبطل وكان كلبس خاتم من ذهب ».

قلت : قد يناقش فيه بأنه يكفي فيه إطلاق الإجماعات السابقة المعتضدة بعدم ظهور مخالف محقق فيه قبله ، مضافا إلى‌ خبر إسماعيل بن جابر (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام بل صحيحه بناء على توثيق محمد بن سنان ، بل إرسال الصدوق له في الفقيه إلى الصادق عليه‌السلام على سبيل الجزم مما يشعر بوصوله اليه بطريق صحيح ، خصوصا بعد التزامه أنه لا يورد فيه إلا ما هو حجة بينه وبين ربه ، قال : « لو أن الناس أخذوا ما أمرهم الله به فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم ، ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله به ما قبله منهم حتى يأخذوه من حق وينفقوه في حق » بناء على إرادة عدم الاجزاء من عدم القبول كما هو الظاهر منه حال عدم القرينة ، وعلى إرادة ما يشمل ما نحن فيه من الإنفاق ولو من حيث المنفعة ، أو كونه مفهوما منه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ١.

١٤٢

و‌المرسل في المحكي من تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة (١) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في وصيته لكميل « يا كميل انظر فيما تصلي وعلى ما تصلي إن لم يكن من وجهه وحله فلا قبول » بل عن الطبري انه رواه في بشارة المصطفى عن كميل بسند لا يقدح ما فيه بعد الانجبار بما عرفت ، بل يكتفي فيه إمكان دعوى معلومية اعتبار تجنب أمثال ذلك من المحرمات في الصلاة التي هي الوصلة إلى الله تعالى ، وبأنه لا يتم بناء على اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن الضد ، بل وعلى ما هو المعلوم عند الشيعة من عدم اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد شخصي ، ولو لأنه فرد لكلي متعلق الأمر وفرد لكلي متعلق النهي ، إذ لو قلنا إن الأمر بالكلي أمر بأفراده خصوصا مثل هذه الكليات كان منع الاجتماع واضحا ، بل وكذا إن قلنا إنه مقدمة له لكن مثل هذه المقدمة التي لا يتصور حصول لذيها متميزا عنها تعامل معاملة المتعلق الأصلي في المنع قطعا ، وما نحن فيه بعد ضرورية حرمة التصرف والانتفاع في مال الغير من ذلك قطعا ، إذ القيام فيه والركوع والسجود وغيرها من حركات الصلاة وأكوانها من التصرف والانتفاع فيه ، فيجتمع حينئذ فيه الأمر والنهي كالصلاة في المكان المغصوب ونحوه مما رجع النهي فيه إلى جزء الصلاة ، بل هو مثل ما اعترف فيه بالفساد من القيام عليه والسجود عليه ، فالمكلف إذا كان متلبسا بلباس مغصوب في حال الركوع مثلا فلا خفاء في أن الحركة الركوعية منه حركة واحدة شخصية محرمة ، لكونها محركة للشي‌ء المغصوب ، فيكون تصرفا في مال الغير ، فلا يصح التعبد به مع أنه جزء الصلاة.

ومن ذلك يظهر وجه الفساد حتى لو كان خيطا كما صرح به في البيان وغيره ، أو مصطحبا فضلا عما كان ملبوسا ، لاتحاد الجميع فيما ذكرناه الذي لولاه لم يتجه الفساد فيما اعتراف فيه في الساتر منه ، لأنه وإن كان شرطا لكن النهي عنه يقتضي الفساد فيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب مكان المصلي ـ الحديث ٢.

١٤٣

إذا كان عبادة لا مطلقا ، ولذا لم يقدح إزالة النجاسة التي هي شرط لصحة الصلاة بالماء المغصوب مثلا ، والستر ليس عبادة قطعا ، وإلا لما صح بدون النية ، فليس الفساد فيه حينئذ إلا للاتحاد المزبور الذي إليه يرجع ما في الخلاف من الاستدلال على البطلان في المغصوب بأن التصرف في الثوب المغصوب قبيح ، ولا تصح نية القربة فيما هو قبيح ، ولا صلاة إلا بنية القربة ، بل وما عن الناصريات من أن صحة الصلاة وغيرها من العبادات انما يكون بدليل شرعي ، ولا دليل ، إذ الظاهر إرادته أنه بعد تعارض الأمر والنهي ينتفي المقتضي لصحة العبادة ، لأن تحكيم الأمر على النهي ليس أولى من العكس ، بل ربما ادعي أولويته أو تبادره ، بل وما في غيرهما من كتب الأصحاب مما يقرب إلى ذلك.

لكن قد يدفع ذلك كله عنه بعدم ثبوت إجماع محصل لديه ، وعدم حجية مثل هذا المنقول منه عنده ، كعدم حجية مثل هذه النصوص القاصرة سندا ودلالة ، خصوصا مع عدم معروفية استناد الأصحاب إليها ، وبمنع المعلومية المزبورة ، بل لعل المعلوم خلافها في سائر المحرمات المقارنة ، وبأن بناء المقام على مسألة الضد ـ مع أنه لا يخص الملبوس بل ولا المصطحب ، ولا يتم مع فرض عدم الضدية ، ومع وجوب حفظه عليه ، وكان لا يتم إلا باللبس ـ موقوف على القول فيها بالاقتضاء المقتضي للفساد ، ولعله لا يقول به ، وبأن حاصل مراده كما في كشف اللثام أن النهي انما يقتضي الفساد إذا تعلق بالعبادة لجزئها أو لشرطها ، وأدرجه هنا في الجزء في كلامه لجريانه مجراه باعتبار مقارنته ، فإذا استتر بالمغصوب صدق انه استتر استتارا منهيا عنه ، ضرورة كون الاستتار به عين لبسه والتصرف فيه ، فلا يكون استتارا مأمورا به في الصلاة ، فقد صلى صلاة خالية عن شرطها الذي هو الاستتار المأمور به ، وليس هذا كالتطهر من الخبث بالمغصوب ، فإنه وإن نهي عنه لكن تحصل الطهارة ، وشرط الصلاة انما هو‌

١٤٤

الطهارة لا فعلها لينتفي الشرط إذا نهي عنه ، وإذا سجد أو قام على المغصوب فعل سجودا أو قياما منهيا عنه لمثل ذلك ، بخلاف ما إذا قام وركوع وسجد لابسا للمغصوب متحركا فيه ، إذ ليس شي‌ء من ذلك عين التصرف فيه ، وانما هو مقرون به ، والتصرف هو لبسه وتحريكه ، ثم قال : وهو كلام متين لا يخدشه شي‌ء وان اتجه البطلان بغير الساتر ، بل وغير اللباس وغير المستصحب أيضا ، بناء على الأمر بالرد أو الحفظ ، مع منافاة الصلاة وكون الأمر نهيا عن الضد واقتضائه الفساد إن كان الضد عبادة.

ومن ذلك ظهر لك وجه الفرق بين الساتر وغيره ، وانه يتجه الفساد مع حرمته وإن لم يكن عبادة يشترط في صحتها القربة ، ضرورة أنه بعد فرض اعتبار صفة المأمورية فيه لم يمكن حصوله في المنهي عنه ، سواء كان الأمر عبادة أولا ، لعدم تصور الاجتماع في الجميع عندنا ، فيكون العبادة منهيا عنها ، لفقد شرطها.

ومن الغريب ما في الرياض من دعوى عدم تصور الفساد في النهي عن الشرط إلا إذا كان عبادة قائلا إن النهي عن غيرها لا يقتضي إلا الحرمة التي لا تلازم بينها وبين فساد المشروط ، والستر من هذا القبيل ، وإلا لما صح صلاة من ستر عورته من دون قصد القربة ، بناء على اشتراطه في مطلق العبادة ، وانها به تفترق عما ليس بعبادة ، ثم قال : « ومن هنا يظهر ما في دعوى بعض الأفاضل كون الستر عبادة ـ مشيرا به إلى ما سمعته من كشف اللثام ، وقد حكاه عنه بلفظه إلى أن قال ـ : ومحصل كلامه كما ترى في وجه الفرق بين التطهير والستر كونه عبادة دون سابقه ، إذ به تتم الخصوصية للستر ، وقد عرفت ما فيه ، فليت شعري ما الذي دعاه إلى جعله عبادة ، ولم أرا له أثرا عدا تعلق الأمر بالستر ، وان الأصل فيما تعلق به أوامر الشرع أن تكون عبادة موقوفة على قصد القربة ، وهذا بعينه موجود في إزالة الخبث عن الثوب ، فان ادعى خروج ذلك بالإجماع على عدم اعتبار قصد القربة قلنا له كذلك الأمر في محل النزاع ، وإلا‌

١٤٥

لما صح صلاة من ستر عورته بمحلل بلا قصد قربة فيه ، وهو خلاف الإجماع بل البديهة ، ومن هنا ظهر أنه لا وجه للفساد في المغصوب الساتر إلا ما قدمنا إليه الإشارة من كون الحركات الأجزائية منهيا عنها باعتبار كونها تصرفا فيه ، وهذا لا يختلف فيه الحال بين الساتر وغيره ».

قلت : قد عرفت تماميته من دون التزام بكونه عبادة ، بل ليس في كلامه ما يوهم ذلك عدا قوله أولا إن النهي إلى آخره ، ومراده من التعلق بالعبادة رجوع النهي إلى جزئها أو شرطها الذي ينافي النهي تحققه باعتبار دخول صفة المأمورية في الشرط كما كشف عنه ما سمعته من كلامه ، نعم يتوجه عليه أنه ليس في الأدلة ما يستفاد منه اعتبار الصفة المزبورة في الشرط المقتضية على تقديرها بطلان صلاة من أجبر شخصا على تستيره بقبض إزار ونحوه إلى تمام الصلاة أو بعضها ، ودعوى استفادتها من مجرد الأمر بها للصلاة ـ كما هو الظاهر من جعله ذلك كالقاعدة ، وإلا لاستند إلى خصوص الأدلة في المقام ـ في غاية المنع ، ضرورة كونه أعم من ذلك ، فلعل مطلق الستر شرط العبادة وإن كان لا يؤمر إلا بالمحلل منه لا أن الشرط الستر المأمور به ، فالمحرم حينئذ يتحقق به الشرط دون الأمر حتى لو كان دليل الشرطية منحصرا في الأمر ، ضرورة ظهوره في الحكم الوضعي الذي هو غير مقيد بالتكليفي ، اللهم إلا أن يقال : إنه هو المتيقن من الشرط ، وغيره محل شك ، وليس في الأدلة إطلاق يقضي باجزاء الستر كيفما كان ، بل قد يقال إنه الموافق لقوله : صل واستتر للصلاة الذي فرض عدم غيره من النصوص ، إذ لا تكليف إلا بخطاب الشارع ، وقولهم شرط ومانع انما هو أسماء للمحصل منه ، وإلا فالمدار على امتثال نفس الخطاب ، ولا ريب في عدمه في محل البحث ، لعدم اندراجه تحت الأمر بالاستتار قطعا وإن لم يكن الأمر عبادة ، لكن فيه أن المتجه عندنا الصحة فيما شك في شرطيته ، تمسكا بإطلاق أوامر الصلاة ، والأمر بالاستتار منصرف كما في‌

١٤٦

نظائره إلى إرادة بيان الشرطية ، ولذا لا يقدح فيه الوقوع عن غفلة ونحوها ، فتأمل جيدا ، اللهم إلا أن يدعى الشك في كون ذلك مرادا من الإطلاق بحيث يشكل التمسك به عليه ، لكنه كما ترى.

فالإنصاف كون المسألة جميعا من واد واحد بحسب القاعدة ، إذ احتمال الفرق بين الساتر وغيره مبني على ما هو ممنوع ، أو خروج عن محل البحث ، كدعوى ظهور نصوص الشرطية في المحلل ، أو أن الأمر به للصلاة يقضي بذلك ، أو أن الستر المقارن للصلاة من جملة أجزائها كما هو ظاهر عبارة المحقق إن لم تنزل على ما عرفت ، أو غير ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما سمعت ، فان قلنا باتحاد كون الصلاة وكون التصرف اتجه المنع في الجميع ، وإلا فلا.

ولعل عدم الاتحاد لا يخلو من قوة ، وذلك لأن المتصور في لبس المغصوب ثلاثة محرمات :

أو لها أصل الغصب ، وهو لا يقضي بالفساد إلا على مسألة الضد كما عرفته سابقا.

وثانيها لبسه بمعنى ملابسته ، وهو لا يقضي بالفساد أيضا ، ضرورة عدم كون اللبس أحد أجزاء الصلاة ، إذ هو يرجع إلى حرمة كونه عليك لا كونك فيه ، ومن هنا كان المتجه الصحة في كل ما حرم لبسه كلباس الشهرة وغيرها ، خلافا للأستاذ في كشفه ، فقال في الشرائط : السابع أن لا يكون محرما من جهة خصوص الزي كلباس الرجال للنساء وبالعكس ، ولباس الشهرة البالغة حد النقص والفضيحة ، والحاصل أن كلما عرضت له صفة التحريم من الوجوه لا تصح به الصلاة على الأقوى ، وكأنه إن أراد الأعم من الساتر بناه على اتحاد الكون المحرم والواجب ، لكن قد يستظهر من اقتصار الأصحاب على اشتراط ما عدا ذلك عدم البأس في ذلك ، وأنه ليس من الاتحاد في شي‌ء ،

١٤٧

وفي‌ خبر يونس بن يعقوب (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلي وعليه البرطلة فقال : لا يضره » وبه أفتى الشهيد في الذكرى ، والبرطلة بالتخفيف وقد تشدد قلنسوة ، ولعلها من لباس الشهرة لبعض الناس ، وفي‌ صحيح العيص (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلي في ثوب المرأة وفي إزارها ويعتم بخمارها قال : نعم إذا كانت مأمونة » وهو محتمل للصلاة فيه لا على وجه زي النساء حتى يكون محرما ، لكنه غير خفي عليك أنا في غنية عن إثبات الصحة به بإطلاق الأدلة السالم عن المعارض ، نعم في خصوص الساتر منه البحث السابق ، وقد عرفت أن التحقيق كونه كغيره بالنسبة إلى القاعدة ، والظاهر عدم اقتضائها الفساد هنا كما أوضحناه في الذهب ، ضرورة عدم اتحاد اللبس مع شي‌ء من أجزاء الصلاة ، إذ ليس القيام والركوع والسجود أفرادا له ، بل هي أفعال تقارنه ، فحرمة الملابسة حينئذ حالها لا تقتضي حرمة في شي‌ء منها ، ولعله لذلك بنى في الرياض البطلان في الذهب مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة على مسألة الضد مع قوله بالبطلان في المغصوب للاتحاد ، وليس إلا للفرق بينهما ، فظهر حينئذ أنه لا اقتضاء البطلان في المغصوب من حيث اللبس.

وثالثها تحريكه بالقيام والركوع والسجود ونحوها ، ولا ريب في حرمة ذلك ، لكن قد يمنع اتحاده مع الأفعال المزبورة التي هي حركات للبدن وتصرف فيه من غير توقف على حركات اللباس ، نعم تحريكه مقارن لها ، فهو محرم حالها لا أنها هي هو ، ضرورة كون المتحرك أمرين متغايرين هما البدن واللباس ، والفرق بينه وبين المكان واضح بمعلومية ضرورية الجسم وأكوانه للمكان ، بخلاف اللباس المعلوم كونه ليس من ضرورياته ، وما يتراءى في بادئ النظر ـ من أن هذه الأفعال نفسها تصرف في اللباس ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

١٤٨

وحرمة التصرف في مال الغير من الضروريات ـ يرفعه التأمل الجيد فيما ذكرناه ، وأن مرجع هذا التصرف إلى التحريك المزبور ، وليس المدار على إطلاق التصرف فيه في العرف الذي لم يلتفت إلى التحليل المذكور ، ومن ذلك يظهر لك الحال في حمل المغصوب الذي أبطل الصلاة به أيضا جماعة ، بناء منهم إما على مسألة الضد أو على الاتحاد المذكور ، وفيهما معا ما عرفت ، فالمتجه فيه حينئذ الصحة إن لم يقم إجماع أو غيره من الأدلة المعتبرة ، والظاهر عدم قيام شي‌ء منها له ، لأن المتعرض له بعض المتأخرين كالفاضل وبعض من تأخر عنه ، خصوصا مع ذكر بعضهم المستند لذلك مما عرفت فساده ، نعم يمكن دعوى تحققه في الساتر منه بل وفي غيره ، لكن قد يورث التردد فيه الاستدلال عليه من جماعة بما سمعت النظر فيه من مسألة الضد والاتحاد ونحوهما ، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه في مثل المقام الذي قد يقال فيه إنه لا أقل من الشك ، لجميع ما سمعته سابقا في تناول الإطلاقات المقتضية للصحة لمثله ، فيبقى شغل الذمة مستصحبا.

هذا كله في العالم بالغصب وحرمته ، أما الجاهل بهما أو بالأول منهما فالوجه فيه الصحة ، لعدم النهي المقتضي للفساد بسبب اتحاد الكونين ، أو لانتفاء الشرط الذي هو الستر المأمور به ، وكذا لو جهل بها خاصة جهلا يعذر به كغير المتنبه بغير تقصير منه ، بخلاف غير المعذور منه الذي هو كالعالم في العقاب الذي عليه يترتب الفساد هنا ، واحتمال انحصار إثمه بترك السؤال خاصة ، فلا عقاب عليه في الخصوصيات قد بينا ضعفه سابقا ، وإطلاق بعضهم البطلان هنا لجهل الحرمة كإطلاق عدمه من آخر محمول على التفصيل المزبور ، وجهل البطلان هنا لا أثر له كنسيانه ، لأن المدار على علم الحرمة كما هو واضح ، ولعله المراد من إطلاق بعضهم البطلان مع العلم بالغصب وإن جهل الحكم أو هو مع الحرمة إذا لم يكن معذورا ، والجهل بأسباب الغصب وما في حكمه من أحكام المعاملات ونحوها لا يعذر فيه إلا غير المقصر ، كالجهل بالحرمة الذي منه أو في حكمه‌

١٤٩

نسيان الحرمة أيضا ، ضرورة كونه بنسيانه رجع إلى الجهل.

ولعله لذا قال في البيان وعن كشف الالتباس والمقاصد العلية وروض الجنان من أن ناسي الحكم كجاهله ، بخلاف نسيان الغاصب ، من غير الغاصب ، فإنه عذر قطعا ، لعدم تكليفه بعدمه ، للأصل وعدم القدرة عادة في أكثر أفراده ، فلا نهي حينئذ يعارض الاجزاء الحاصل بامتثال الأمر بالصلاة مستترا حتى يحكم عليه ، أو تحتاج الصحة إلى شي‌ء غير الأمر ، وليس ، والفرض انحصار مقتضى الفساد بالنهي ، أما الغاصب فلا ريب في عذرية غير المقدور منه عادة بالنسبة اليه ، وعلى فرض خروجه مطلقا عن القدرة فهو عذر مطلقا ، فتصح صلاته حينئذ ولا إعادة عليه في الوقت ولا في خارجه ، لما عرفت وفاقا للبيان وجامع المقاصد وحاشية الإرشاد والمحكي عن ابن إدريس والمنتهى وإرشاد الجعفرية ، وخلافا للقواعد والتذكرة والمحكي عن نهاية الأحكام والإيضاح والموجز الحاوي وروض الجنان ، بل قيل : إنه مقتضى إطلاق الفتاوى ، فيعيد في الوقت بل وخارجه على الظاهر من إطلاقهم الإعادة ، والدروس وظاهر الذكرى والمحكي عن المختلف ، فيعيد في الوقت لا في خارجه ، إذ ليس للأول إلا أنه كالمصلي عاريا ، لأن هذا الستر كالعري وكالتستر بالظلمة وباليد وبالنجس ، وأنه مفرط بالنسيان ، لأنه قادر على التكرار الموجب للتذكار ، وأنه لما علم كان حكمه المنع من الصلاة ، والأصل بقاؤه ، ولم يعلم زواله بالنسيان.

وفي الأول أن الفرق واضح بعدم حصول الشرط في المشبه به ، وحصوله في المشبه ، ضرورة عدم المانع شرعا ، لصلاحية الامتثال به ، ودعوى أن أوامر الستر تنصرف إلى المحلل يدفعها ـ مع أن فرض البحث كون الفساد من النهي الذي لا يجامع الأمر ـ أنه محلل له واقعا ما دام الوصف وان ضمن الأجرة ، إذ لا ينبغي بالمباح إلا ما لا عقاب على فعله ، فان قيل : إن المراد انصراف أوامر الستر إلى غير هذا الفرد‌

١٥٠

كانت دعوى بلا شاهد ، بل اتفاقهم ظاهرا في الحكم بالصحة مع الجهل هنا وفي المكان وغيرهما مما يشهد بخلافها ، إذ ليس الجهل إلا عدم العلم كالنسيان مما رفع المؤاخذة عليه.

وفي الثاني ما في جامع المقاصد لا نسلم أن التكرار الموجب للتذكار يمنع عروض النسيان ، والوجدان يشهد بخلافه ، قلت : على أنه يفرض البحث في غير المفرط بسبب الاشتغال بواجب مضيق أهم منه ، أو بغير ذلك ، بل قد يقال بعدم المؤاخذة له حال النسيان وإن فرط حتى نسي ، لخبر الرفع (١) وللإجماع في جامع المقاصد على عدم الإثم على الناسي ، والعقاب على التفريط حتى نسي لا يستلزمه بعد تحققه المقتضي لاندراجه في موضوع خبر الرفع ، كالمضطر باختياره.

وفي الثالث أن الاستصحاب لا وجه له هنا بعد معلومية كون الفساد للنهي المنتفي في محل البحث ، فلا حاجة حينئذ إلى الاستناد في قطعه إلى خبر الرفع بمحله على رفع جميع الأحكام التي منها عدم الإعادة ، لأنه أقرب المجازات ، أو على إرادة إلغاء الفعل الحاصل معه من الرفع ، فلو ثبت له شي‌ء من الأحكام لم يصدق إلغاؤه كي يناقش في الأول بمنع إرادة العموم المستلزم زيادة الإضمار ، وفي الثاني بأن صحة الصلاة معه تستلزم ثبوت حكم له ، فلا يصدق الرفع الكلي ويحتاج في الدفع إلى ما أطنب به في جامع المقاصد من « أن زيادة الإضمار في اللفظ لا المدلول ، فلو كان أحد اللفظين أشمل وهما في اللفظ سواء لم يتحقق الزيادة ، بل زيادة الإضمار لازمة له بتقدير بعض الأحكام ، بخلاف تقدير لفظ « من » دون « بعض » على أن الاقتصار على الأقل إذا كان بمرتبة واحدة ، فلو اقتضى المقام الأكثر وجب المصير اليه ، وليس المراد رفع جميع الأحكام حتى المترتبة على النسيان باعتبار كونه عذرا ، بل المراد رفع الأحكام المترتبة على الفعل إذا وقع عمدا ، فان المعنى والله أعلم اغتفر لأمتي الأمر الممنوع منه إذا كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس ـ من كتاب الجهاد.

١٥١

خطأً أو نسيانا حتى كأنه لم يكن ، فلا يتعلق به شي‌ء من أحكام عمده ، ولو قدرنا أن المراد رفع جميع الأحكام فإنما يرفع الحكم الممكن رفعه لا مطلقا ، وما ذكره غير ممكن الرفع ، لامتناع الخلو عن جميع الأحكام الشرعية » إلى آخره. مع انه لا يخلو بعض كلامه من نظر ، والعمدة ما ذكرنا.

وليس لما في المختلف سوى ما حكي عنه من أنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فلم يخرج عن العهدة ، فيعيد في الوقت لا في خارجه ، لأن القضاء محتاج إلى أمر جديد ، وفيه أن مقتضى الأدلة السابقة الاشتراط بعدم العلم بالغصب لا عدم الغصب ، فهو حينئذ على وجه ، ولو لم تكن على وجهها فهي فائتة ، ومن فاتته فريضة فليقضها إجماعا ونصا (١) ولعله لذا عدل عنه في الذكرى إلى الاستدلال بأن السبب وهو الوقت قائم ، ولم يتيقن الخروج عن العهدة ، بخلاف ما بعد الوقت ، لزوال السبب ، والقضاء يحتاج إلى أمر جديد ، وإن كان فيه ما فيه أيضا ، وعلى كل حال فلا وجه للتفصيل المزبور ، كما أنه لا وجه لما في كشف اللثام من أنه يمكن الفرق بين العالم بالغصب عند اللبس الناسي له عند الصلاة وبين الناسي له عند اللبس ، لتفريط الأول ابتداء واستدامة دون الثاني ، ضرورة أنه لو أثر ذلك لأثر أصل التفريط بالغصب في الثاني أيضا ، فتأمل.

ولو أذن صاحبه لغير الغاصب أوله في الانتفاع به فضلا عن خصوص الصلاة فيه جازت الصلاة فيه وصحت بلا إشكال ولا خلاف ، لعدم حرمة التصرف عليه كي يقتضي ذلك البطلان ، وقول المصنف مع تحقق الغصبية محمول على إرادة الضمان ، أو على إرادة أن العين باقية على الغصب بسبب منع يد المالك عنها وإن كان اللبس والحركات مأذونا فيها ، فان هذا الاذن لا ينافي الغصب للعين بالمعنى المذكور ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قضاء الصلوات.

١٥٢

أو على إرادة تحقق الغصب في غير ما أذن له فيه ، أو غير ذلك مما لا يقتضي الغصب فيما أذن له فيه ، ضرورة امتناع اجتماعهما ، كما هو واضح ، وفي جواز رجوعه عن الاذن في أثناء الصلاة مع اقتضاء النزع البطلان وجوه ، ثالثها التفصيل بين الاذن باللبس وبين الاذن بخصوص الصلاة فيه ، فيجوز في الأول لا الثاني ، تسمع تمام البحث فيها في المكان إن شاء الله ، كما أنك تسمع فيه إن شاء الله غير ذلك مما له تعلق في المقام.

ولو أذن مطلقا بأن قال : أذنت في الصلاة فيه أو لكل أحد جاز لغير الغاصب قطعا ، أما له فلا ، عملا على الظاهر من حاله المستفاد من عادة غالب الناس من الحقد على الغاصب وميل النفس إلى مؤاخذته والانتقام منه ، فيقيد به المطلق ويخص به العام بلا خلاف أجده بين من تعرض له ، كالفاضل والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم ، ومرجعه إلى ظن إرادة غيره من العام والمطلق ، فيكون حينئذ هو المدار وجودا وعدما ، إذ لا ريب في اختلافه باختلاف الأشخاص وكيفيات الغصب وغير ذلك ، نعم قد يتوقف في الخروج عن ظاهر اللفظ بمثل هذا الظن ، خصوصا في تخصيص العام الذي يمكن دعوى تعبدية العمل بظاهره ، إلا أن يعارض بظاهر آخر علم حجيته ، بل قد يمنع حصول الظن مع التصريح بالعموم اللغوي خصوصا إذا أكده ، فتأمل جيدا.

المسألة السادسة لا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم كالشمشك بضم الأولين وسكون الثالث ، وقيل بضم الأول وكسر الثاني ، لكن في كشف اللثام ولعله ليس بصواب ـ عند أكثر القدماء كما في المفاتيح ، وكبراء الأصحاب كما في جامع المقاصد ، بل الأشهر كما في البيان ، بل المشهور كما في المسالك والروضة وحكاه الفاضلان وغيرهما عن الشيخين في المقنعة والنهاية ، بل في المدارك زيادة ابن البراج وسلار ، لكن المحكي عنهم جميعا والجامع في كشف اللثام لا تجوز في الشمشك والنعل السندي مع استثناء الصلاة على الموتى من سلار ، ولا يظهر منه إلا النهي عنهما بخصوصهما ، فقد لا يكون لسترهما ظهر‌

١٥٣

القدم كما ظنه الفاضلان وغيرهما ممن سمعت حتى نسبه إلى الشهرة ونحوها ، بل لورود خبر (١) بهما كما عن الوسيلة ، أو لأنه لا يمكن معهما الاعتماد على الرجلين في القيام أو على أصابعهما أو إبهاميهما على الأرض عند السجود ، نعم هذا التعميم خيرة المصنف والفاضل في بعض كتبه والشهيد والمحكي عن السرائر ، خلافا للفاضل في بعض آخر من كتبه والمحقق الثاني والفاضل الميسي والشهيد الثاني وسبطه والكاشاني فالكراهة ، كما عن المبسوط والوسيلة والإصباح لكن مع عدم التعميم المزبور ، بل خصوصا بالشمشك والنعل السندي ، وعن مجمع البرهان والبحار والكفاية الجواز من غير تعرض للكراهة ، وفي الروضة أن الجواز قوي متين ، ولم يتعرض له في الدروس ، وضعف ما في المعتبر من دليل المنع في الذكرى.

وكيف كان فلا ريب في أن الأقوى الجواز ، لإطلاق أوامر الصلاة ، وإطلاق جوازها في النعل ، والتوقيع (٢) المروي عن الاحتجاج وغيره « إنّ محمد بن عبد الله ابن جعفر الحميري كتب إلى صاحب الزمان عليه‌السلام يسأله هل يجوز للرجل أن يصلي وفي رجليه بطيط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟ فوقع عليه‌السلام جائز » بناء على إرادة العظمين من الكعبين فيه ، بل وعلى إرادة قبتي القدم منهما إن قلنا بأن موضوع البحث ما يستر ظهر القدم بعضا أو كلا كما فهمه في حاشية الإرشاد وإن كان خلاف ظاهر هم ، والبطيط رأس الخف بلا ساق ، كأنه سمي به تشبيها بالبط ، وغير ذلك مما هو سالم عن معارض معتد به ، إذ ليس إلا ما في المعتبر من عدم فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة والتابعين ، يعني (٣) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « صلوا كما رأيتموني أصلي » والمرسل (٤) في الوسيلة « روي أن الصلاة محظورة في الشمشك والنعل السندية » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٣) هكذا في النسخة الأصلية والظاهر زيادة كلمة « يعني ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

١٥٤

و‌خبر سيف بن عميرة (١) « لا يصلى على جنازة بحذاء » مع أن صلاتها أوسع من غيرها.

والجميع كما ترى ، إذ الأول شهادة على نفي غير محصور ، إذ من الذي أحاط علما بأنهم كانوا لا يصلون فيه ، واحتمال كون المراد منه الدليل الثاني ـ فيكون المراد أنه يجب أن يصلى كما رأوه يصلي ، فلا يجوز أن يصلى إلا فيما رؤي يصلي فيه ، أو رأى غيره فأقره عليه ، فيكفي في المنع حينئذ عدم العلم بصلاتهم فيه ـ يدفعه أولا أنهما دليلان مستقلان لا يدخل أحدهما في الآخر ، ضرورة رجوع الأول منهما إلى أدلة التأسي المطلقة ، والثاني إلى خصوص الخبر المزبور ، وثانيا أن المراد بالخبر بعد التسليم وجوب الصلاة عليهم كصلاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي رأوها منه ، فكل فعل فيها أولها وترك كذلك يجب فعله وتركه ، أما إذا كان محتملا لعدم اعتياده لهم فإنه ليس لباس العرب والحجاز فليس مما رأوه تركه للصلاة ، إذ ذاك انما يعلم باستمرار نزعه لها ، بل في جامع المقاصد لو علم نزعهم له حال الصلاة لم يكن دالا على ذلك لأعميته منه ومن الاستحباب ، وإن كان قد يناقش بمنافاته الخبر المزبور ، بل والدليل التأسي السابق الذي لا يفرق فيه بين الفعل والترك ، اللهم إلا أن يعتبر في مفهومه معرفة الوجه كما هو ظاهر كلام الأصوليين.

وفي الثاني ـ بعد تسليم حجية مثله مما لم نجده مسندا في طرقنا ، مضافا إلى ما عرفت ـ ما في كشف اللثام ، قال : « إنه ظاهر في إرادة أجزاء الصلاة وكيفياتها لا كيفيات شروطها » قلت : « بل لو كان المراد من هذا الخبر تناول اعتبار كل ما تركه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صحة الصلاة وإن لم يعلم كونه لها لكان مقتضاه ثبوت فقه جديد لا يقول به أحد من الإمامية بل ولا من المسلمين ، وليس هو من التخصيص قطعا بناء على جوازه وإن كان أضعاف الداخل ، بل هو مما لم يرد فيه العموم أصلا كما ذكرنا ، ولعله إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

١٥٥

ذلك يرجع ما عن المختلف من الجواب بأن المراد المتابعة في الأفعال والأذكار لا في الجميع ، إذ لا بد من مفارقة بين المثلين وإلا اتحدا ، يعني لا في التروك ، وإلا لم تجز الصلاة إلا في عين ما صلى فيه من اللباس والمكان والزمان ، لأنه (ص) تارك للصلاة في غيرها وإن قال : لا بد من المتابعة في ترك نوع ما تركه لزم أن لا تجوز الصلاة إلا في الأنواع التي صلى فيها من الألبسة ، فلم يجز في غيرها ولا يقول به ، واحتمال أن له أن يقول لا بد من المماثلة في كيفية الستر لا كيفيات الألبسة في أنفسها ولا في أنواعها يدفعه ما عرفت ، مع أنه تشهي وتحكم.

وفي الثالث أنه ـ مع عدم حجية مثله ، وعدم اقتضائه التعميم الذي في المتن وغيره ، وعدم العمل به ممن أرسله ـ لا يصلح معارضا لما سمعت ، ودعوى جبر سنده ودلالته بالشهرة كما ترى.

وفي الرابع ـ مع قصوره أيضا ـ أنه غير معمول بظاهره كما ستعرفه إنشاء الله في صلاة الجنازة كي يستفاد من فحواه ما نحن فيه ، ودعوى أن المراد من هذه الأدلة منضمة إلى الشهرة حصول الشك ، فيجب حينئذ اجتنابه تحصيلا ليقين البراءة يدفعها أنها قاصرة عن إفادة الشك أيضا حتى الشهرة بين القدماء وبعض المتأخرين في خصوص الشمشك والنعل السندي لو قلنا بتحققها بذهاب من عرفت بعد نفي إرادتهم الكراهة من نفي الجواز كما وقع لهم ، لمعارضتها بالشهرة المتأخرة وغيرها مما سمعت ، على أنه قد عرفت غير مرة عدم شرطية المشكوك فيها عندنا ، فلا محيص عن القول بالجواز.

نعم لا يبعد الكراهة في خصوص الشمشك والنعل السندي تنزيلا لمرسل ابن حمزة (١) عليها ، ولو جعلناهما فيه مثالا لكل ما يستر ظهر القدم أو قلنا بالاكتفاء فيها بالتفصي عن شبهة الخلاف أو بفتوى الفقيه أمكن القول بالتعميم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

١٥٦

ثم ان الظاهر كما عرفت اختصاص البحث منعا أو كراهة بما يستر تمام ظهر القدم ، أما ما ستر بعضه فينبغي القطع في جوازه ، لكن في حاشية الإرشاد للكركي التعميم في الكراهة ، كما عن البحار أنه لا يبعد شموله لما يستر أكثر ظهر القدم ، ولعلهما أخذا ذلك من التمثيل بالشمشك والنعل السندية ، وهما غير ساترين تمام ظهر القدم على الظاهر ، وكأن المجلسي رحمه‌الله لحظ في اقتصاره على إلحاق الأكثر إنهما ـ خصوصا الشمشك بناء على أنه المشاية البغدادية كما عن مجمع البحرين نسبته الى بعضهم ، ولعلها المسماة عندنا الآن باليمني ـ يستران الأكثر ، وهو كما ترى خروج عن ظاهر عبارات الأصحاب بالتهجس ، نعم يمكن إلحاق ما استغرق تمام الظهر ولم يستر لعدم كثافته أو لأن فيه بعض الخروق التي لم تخرجه عن اسم الساتر ، بل جزم به الأستاذ في كشفه ، بل يمكن القول بعدم المداقة في استيعاب تمام الظهر ، والظاهر أن المراد المتخذ لباسا كذلك ، فلا يشمل الستر بخرقة ونحوها ، ولو خيط بغيره من السروال ونحوه أمكن ارتفاع الكراهة والحرمة ، بخلاف الملبوس معه من غير خياطة وإن كان متصلا به.

وكيف كان فـ ( يجوز ) بلا كراهة فيما له ساق كالخف والجورب إجماعا بقسميه ونصوصا (١) والمراد من كون الساق له أنه يغطى بعض الساق ، لكن يكفي فيه مسمى تغطية بعض الساق لا أن المراد وضعه على أن له ساقا وان كان لبسه من لا يغطى به بعض ساقه ، مع احتماله ويكون المدار على الوضع ، لكن يشكل بأن مقتضاه المنع أو الكراهة من الصلاة فيما لا ساق له لمن يغطى به بعض ساقه لصغر قدمه ، ولعلنا نلتزمه ، وأولى بالجواز الصلاة بذي الساق الذي لم تحصل فيه التغطية الفعلية لعارض في ساقه من كف ونحوه ، فتأمل.

ويستحب في النعل العربية إجماعا محكيا إن لم يكن محصلا صريحا وظاهرا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب النجاسات.

١٥٧

للنصوص الكثيرة (١) حتى أن في بعضها‌ عن الرضا عليه‌السلام (٢) « وأفضل موضع القدمين للصلاة النعلان » لكنها مطلقة نزلها الأصحاب على العربية للانسياق من الإطلاق ، ولأنها هي التي لا تمنع من السجود على الإبهامين وغيره مما يعتبر في الصلاة ، لا لتعارف اللبس الذي لا يقضي بتعارف الإطلاق ، إلا أن الانصاف عدم خلوه من إشكال ، ولذا عمم الحكم في المدارك والمحكي عن البحار ، ويؤيده التسامح ، نعم ينبغي استثناء النعال الملس المسماة بالممسوحة ، وكأنها لعدم تخصيرها ، وللمبالغة في النهي عنها في النصوص (٣) كالنعل السوداء (٤) المضعفة للبصر والمرخية للذكر والمورثة للهم ، عكس الصفراء التي‌ « لم يزل لابسها مسرورا حتى يبليها » (٥) بل ان كانت مائلة إلى البياض‌ « لم يعدم مالا وولدا » (٦) كما أن البيضاء‌ « لم يبلها حتى يكتسب مالا من حيث لا يحتسب (٧).

المسألة السابعة كل ما عدا ما ذكرناه من الذهب ولباس الشهرة وغيرهما مما حرم لبسه وذكره المصنف تصح الصلاة فيه بشرط أن يكون مملوكا عينا ومنفعة أو منفعة غير ممنوع من التصرف فيه برهن أو غيره أو مأذونا فيه عموما أو خصوصا منطوقا أو مفهوما ، بل لو أفادت القرائن القطعية الرضا الفعلي جاز أيضا ، إذ احتمال التعبد بالألفاظ مقطوع بعدمه ، بل يمكن دعوى القطع من النصوص (٨) والسيرة القطعية وغيرها الاكتفاء بها في تحصيل الرضا التقديري ، بمعنى أنه لو علم بذلك لرضي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة.

(٥) ـ الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب مكان المصلى.

١٥٨

به ، أما القرائن المفيدة ظنا بالاذن الفعلية أو الاذن التقديرية فتسمع البحث فيها في المكان إن شاء الله ، وكان اشتراط المصنف ذلك هنا مع تقديمه حكم المغصوب الذي قد يظن أن غيره ليس إلا المملوك أو المأذون فيه ، فيندرج حينئذ فيما ذكره ، لأعمية غير المغصوب من ذلك كالمشتري بالبيع الفاسد وغيره مما لا يندرج تحت اسم المغصوب عرفا وإن كان هو بحكمه شرعا في عدم جواز الصلاة فيه لفقده الملك والاذن وغيره. وأما اشتراط أن يكون طاهرا فهو مفروغ منه في الجملة وانما لم نذكره هنا لأنه قد بينا حكم الصلاة في الثوب النجس مفصلا في كتاب الطهارة ، ومنه يعلم اشتراط الطهارة ، فلاحظ وتأمل.

وكيف كان فـ ( يجوز )للرجل أن يصلي في ثوب واحد قولا واحدا ونصوصا (١) وما في بعض النصوص (٢) من الأمر بلبس ثوبين محمول على الاستحباب ، كآخر (٣) الدال على وضع شي‌ء على منكبيه إذا صلى بالسراويل ، ضرورة كون المستفاد من الأصل والنصوص (٤) والفتاوى وجوب ستر العورة خاصة للرجل في الصلاة من غير مدخلية للاتحاد والتعدد ، فلو تستر حينئذ بمجموع ثوبين كل منهما غير ساتر بانفراده جاز كالثوب الواحد الساتر بلا خلاف أجده ، عدا ما عساه يظهر مما في المقنعة « لا تجوز في قميص شف لرقته حتى يكون تحته غيره كالمئزر والسراويل أو قميص سواه غير شفاف » وهو ـ مع أنه قد لا يريد الاشتراط بحيث لا يجوز في الفرض ـ ضعيف محجوج بالمستفاد نصا وفتوى من إجزاء مطلق الستر من غير اشتراط أمر زائد ، مضافا إلى الأصل ، وإطلاق مرفوع أحمد بن حماد (٥) الآتي مراد منه ما لا يشمل ذلك قطعا ، فليس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ و ٢٢ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

١٥٩

الشرط حينئذ إلا سترها.

نعم في اعتبار سترها حتى حجمها خلاف بين الأصحاب ، خيرة الفاضلين والذكرى والمحكي عن ابن فهد والصيمري والبحار والمدارك والمنظومة على ما حكي عن البعض الثاني ، للأصل وتحقق الستر ، ولتجويز الصلاة في قميص واحد إذا كان كثيفا في صحيح محمد بن مسلم وحسنه (١) والكثافة لا تفيد إلا ستر اللون ، ولأن جسد المرأة كله عورة ، فلو وجب ستر الحجم وجب فيه ، وهو معلوم البطلان في الصلاة فضلا عن غيرها ، خصوصا في الإحرام ونحوه ، ول‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر عبيد الله الواقفي (٢) لما أطلى فقيل له : رأيت الذي تكره ، فقال : « كلا ان النورة سترة » بل‌ فيه أيضا انه عليه‌السلام « كان يطلي عانته وما يليها ، ثم يلف إزاره على أطراف إحليله ، ثم كان يدعو القائد فيطلي سائر جسده » ول‌ مرسل محمد بن عمر (٣) « ان أبا جعفر عليه‌السلام تنور فلما أن أطبقت النورة على بدنه ألقى المئزر ، فقيل له في ذلك ، فقال : أما علمت أن النورة قد أطبقت العورة ».

لكن قد يناقش في ذلك كله بمنع تحقق الستر المطلق ، لا المقيد باللون مثلا عرفا بدون الحجم ، إذ المراد به الشبح الذي يرى من خلف الثوب من غير تمييز للونه ، لا أن المراد به شكله الذي يرى مع الثوب حال لفه به مثلا ، فان ذلك لا يمنع تحقق الستر قطعا ، انما البحث في الأول الذي هو عند التأمل الجيد أبصار لنفس البشرة من خلل الساتر وإن لم يتميز لونها ، ضرورة عدم كون المتستر به صقيلا ترتسم فيه صورته ، أو يحدث به ظل كي يكون هذا المرئي مثاله أو ظله ، بل ليس هو إلا نفس الجسم ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

١٦٠