جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لبس الحرير والديباج في غير صلاة أو إحرام » الذي هو قاصر عن معارضة ما تقدم حتى الأصل منه من وجوه ، ومحتمل لإرادة الجواز الذي لا كراهة شديدة فيه.

وأما‌ صحيح زرارة (١) « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء ـ إلى أن قال ـ : انما يكره الحرير المحض للرجال والنساء » فلا إشعار فيه بالصلاة ، فهو على تقدير إرادة الحرمة منه من الشواذ التي يجب الاعراض عنها ، وحمله على الصلاة ـ مع أنه من المأول الذي ليس بحجة عندنا ـ ليس بأولى من إرادة الأعم من الحرمة من النهي والكراهة فيه على عموم المجاز ، بل هو أولى من وجوه ، كما أن تناول إطلاق الجواب في صحيح ابن عبد الجبار (٢) وخبر التوقيع الآتي (٣) وخبر عمار (٤) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الثوب يكون علمه ديباجا قال : لا يصلى فيه » إذا قرئ بالبناء للمجهول للمرأة ليس بأولى من تناول إطلاق ما دل على جواز اللبس لها لحال الصلاة ، إذ التعارض من وجه ، ولا ريب في رجحانه عليه لو سلم جمعه لشرائط الحجية من وجوه لا تخفى ، فقاعدة الاشتراك بعد تسليمها يجب الخروج عنها بما ذكرنا ، كما أن تأييده بما في جملة من النصوص (٥) الآتية في محلها من النهي عن إحرامها فيه باعتبار ما دل (٦) على عدم جواز الإحرام إلا بما تصح الصلاة فيه ستعرف ما فيه هناك إن شاء الله.

فمن الغريب بعد ذلك كله الوسوسة فيه من بعض متأخري المتأخرين ، خصوصا إذا قلنا باتحاد موضوع حرمة اللبس والبطلان ، فان عدم الأولى معلوم هنا بالضرورة كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الإحرام من كتاب الحج.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

١٢١

والخنثى المشكل ملحق بها في جواز اللبس على الأقوى ، لأصالة براءة الذمة ، بل وفي الصلاة أيضا عندنا ، لصدق الامتثال ، وعدم العلم بالفساد ، وما ذكره غير واحد من مشايخنا من إلحاقها في الصلاة بأخس الحالين مبني على أصالة الشغل وإجمال العبادة ونحو ذلك مما لا نقول به ، كما هو محرر في محله.

ولا يجب على الولي للطفل والمجنون منعه منه ، بل لا يحرم عليه تمكينه ، للأصل السالم عن المعارض ، لاختصاص أدلة المنع حتى‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « هذان حرام على ذكور أمتي » بالمكلفين ، وليس فيها ما يقضي بالتكليف بعدم لبس الذكرى له في الخارج حتى يجب على الوالي أو على غيره كفاية المنع من وجود ذلك في الخارج نحو ما قلناه في مس كتابة القرآن ، وقول جابر : « كنا ننزعه عن الصبيان ونتركه على الجواري » لا دلالة فيه على فعل ذلك على جهة الوجوب كي يستكشف منه تقرير المعصوم أو أمره ، إذ لعله للتنزه والمبالغة في التورع ، فأصالة البراءة حينئذ بحالها ، لكن لا تصح صلاته فيه بناء على شرعيتها ، ضرورة كون المعتبر فيها ما يعتبر في صلاة المكلف ، ولذا جعلوا مورد البحث في التشريع والتمرين ما لو جاء بها جامعة للشرائط فاقدة للموانع التي تراد من المكلف ، اللهم إلا أن يفرق بين ما كان منشأ الشرطية أو المانعية فيه الحرمة المنتفية في الصبي كالغصب مثلا ونحوه وبين غيره ، فيعتبر الثاني دون الأول ، وفيه بعد التسليم أن ما نحن فيه من الثاني لا الأول ، لما عرفت من ظهور النصوص (٢) في مانعية الحرير للصلاة لا حرمة اللبس.

وفيما لا تتم الصلاة فيه منفردا للرجل المستوي الخلقة ، بل المراد الوسط ، لا أن المراد كل بحسب حاله حتى أنه يجوز لعوج بن عناق ومتعدد العورة ما لا يجوز

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلي.

١٢٢

لغيرهما ، بل لا يجوز لذي العورة الواحدة ما يجوز للوسط ، لعدم الدليل ، بل المنساق إلى الذهن ما ذكرناه كما في غير المقام من الأشبار والذراع ونحوهما ، كما أن المراد عدم التتمة به لصغره لا لرقته ولا لطيه ولا نحوهما ، بل كان كالتكة والقلنسوة تردد واختلاف بين الأصحاب ، إلا أن الأشهر بينهم كما في الوافي والأظهر كما في التنقيح ، وعليه المتأخرين كما في المفاتيح ، وأجلاء الأصحاب كما في حاشية الإرشاد لولد العلي الجواز وفاقا للشيخ وأتباعه والعجلي والآبي والفاضلين والشهيد والكركي والميسي والمنظومة وكشف الأستاذ وغيرهم على ما حكي عن البعض ، بل في شرح الأستاذ انه يظهر من الشهيد الثاني كونه ليس محل كلام كالكف به ، ثم قال : والظاهر من المفيد في المقنعة ذلك أيضا ، بل يظهر منه أن ما لا تتم به الصلاة لا مانع فيه أصلا سواء كان نجسا أو حريرا أو غيرهما ، للأصل والإطلاق ، وقول الصادق عليه‌السلام في خبر الحلبي (١) : « كلما لا تجوز الصلاة فيه فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل ويصلى فيه » المؤيد بحكم الكف به ، وحكم العلم في الثوب ونحوه مما سيأتي ، وبالعفو في النجاسة ، والمناقشة في سنده بأحمد بن هلال يدفعها أولا ما قيل من أن ابن الغضائري لم يتوقف في حديثه عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب ، لأنه قد سمع كتابيهما جل أصحاب الحديث. وثانيا أن التأمل في كلام الأصحاب هنا حتى بعض المانعين يرشد إلى عدم الإشكال في حجيته ، ضرورة كونهم بين عامل به وبين متوقف متردد من جهته وبين مرجح لغيره عليه ، والجميع فرع الحجية ، بل في جملة القائلين به من لا يعمل إلا بالقطعيات كابن إدريس وغيره ممن حكي عنه.

خلافا للصدوق ، بل بالغ فمنع من التكة التي في رأسها الإبريسم ، والجامع وفخر المحققين والمنتهى والمختلف والبيان والموجز ومجمع البرهان والمدارك ورسالة الشيخ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٢.

١٢٣

حسن والكفاية والمفاتيح والرياض على ما حكي عن البعض ، بل قيل : إنه ظاهر الكاتب والمقنعة وجمل العلم والمراسم والوسيلة والغنية والمهذب البارع ، بل عن الشيخ أن له قولا بالمنع إلا أنا لم نتحققه ، كما أنا لم نتحقق النسبة إلى الجامع والفخر ، بل ولا بعض المنسوب إلى ظاهره الذي مستنده في الظاهر إطلاق النهي عن الحرير ، وهو ـ مع إمكان دعوى انصرافه إلى غير محل البحث ـ لا يوثق بظهوره حتى يلحظ كلامه في العفو عن ذلك من حيث النجاسة ، فإنه ربما ذكر ما يغني عن الاستثناء في المقام كما سمعته عن المفيد ، ولم يحضرني جميعها.

وعلى كل حال فدعوى شهرة المنع حينئذ مطلقا أو بين المتقدمين لا تخلو من نظر بل منع ، قطعا للأولى (١) كما لا يخفى على الخبير الممارس ، للعمومات ، ومكاتبة محمد ابن عبد الجبار (٢) المتقدمة سابقا فيما لا يؤكل لحمه ، ومكاتبته الأخرى في الصحيح (٣) قال : « كتبت إلى أبي محمد أسأله هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج فكتب لا تحل الصلاة في حرير محض » وفيه أنا لم نعثر على عموم النهي عن الصلاة في الحرير غير الصحيحين ، وإطلاق حرمة اللبس ـ مع أنها لا تقضي ببطلان الصلاة ـ يمكن صرفه إلى غير ذلك ولو بقرينة باقي النصوص (٤) المصرحة بالثوب ونحوه ، بل الموجود في نصوص الصلاة عدا الصحيحين ذلك ونحوه مما لا يشمل ما نحن فيه ، بل يمكن منه دعوى إرادة الثوب ونحوه من الحرير في الصحيحين إن لم نقل إنه المنساق منه ، كما عن الشهيد والمختلف عند الرد على القاضي الاعتراف به ، ومنه يرتفع الوثوق بخلافه هنا ، بل قيل : إن الحرير المحض لغة هو الثوب المتخذ من الإبريسم أي مع الإطلاق ، ولا‌

__________________

(١) أي للشهرة مطلقا.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الباس المصلي.

١٢٤

ينافيه العرف المظنون حدوثه بنص اللغوي المزبور على ذلك وتركه المعنى العرفي ، لا أقل من أن يكون من تعارض العرف واللغة ، وفي تقديم أيهما بحث معروف ، وربما تقدم اللغة هنا بما سمعته من الانسياق واشتمال غيرهما على الثوب وغير ذلك ، فيكون بناء على ذلك جواب السؤال متروكا فيه ، ولعل تركه لإشعار الحكم بالصحة فيه بالبطلان في غيره ، وهو مناف للتقية ، إذ الصلاة صحيحة عندهم وإن حرم اللبس من غير فرق بين ما تتم فيه الصلاة وغيره ، فعدل الامام عليه‌السلام إلى بيان حرمة الصلاة فيه المسلمة عندهم ، وإن اقتضى ذلك الفساد عندنا دونهم ، بل ربما كان في التعبير بالحل إيماء إلى ذلك ولعل السبب في التجائه عليه‌السلام إلى ذلك زيادة على ما عرفت هو إشعار السؤال أيضا بما ينافي التقية من مفروغية عدم الصلاة في غير التكة والقلنسوة ، والفرض أنها مكاتبة ، وشدة التقية فيها مطلوب ، لكثرة احتمال العوارض فيها ، بل يؤيد ذلك كله ما ذكرناه سابقا في صحيحه (١) السابق مما يشرف على القطع أو الظن الغالب بخروجه مخرج التقية ، فلاحظ وتأمل ، بل قد يومي تكرر الكتابة من الراوي إلى عدم ظهور الجواب عنده في حكم ما يسأل عنه ، بل لعله ظهر له أنه قد صدر منه ذلك للتقية ، ولهذا احتاج إلى تكرار الكتابة تخيلا منه أن المصلحة قد تغيرت ، فيجاب بالواقع لا التقية.

فمن الغريب بعد ذلك كله ما في الرياض من عدم إمكان حملها على التقية باعتبار صراحتها في نفي الصحة المخالفة للعامة ، وأغرب منه الترقي إلى قابلية خبر الحلبي (٢) للحمل على ذلك باعتبار تضمنه صحة الصلاة في الأمور المزبورة ، وهي مذهبهم ، ودلالته على نفي الصحة في غيرها انما هي بالمفهوم الضعيف ، إذ جميعه كما ترى ، كدعواه الشهرة على الإطلاق على المنع ، ومعارضته خبر الحلبي وبالرضوي (٣) الذي قد عرفت عدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام ص ١٦.

١٢٥

حجيته عندنا غير مرة ، وغير ذلك مما أطنب فيه مما لا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، كل ذا مع أن خبر الحلبي مشافهة ومخالف للعامة ، وهذه مكاتبة موافقة لهم ، بل هي عامة تقبل التخصيص به ، وابتناؤها على السبب الخاص لا ينافيه كما أوضحناه سابقا ، بل قد يقال : إن احتمال التخصيص فيها بحمل التكة والقلنسوة فيها على الأعم مما لا تتم الصلاة فيهما ، فيخصان حينئذ بخبر الحلبي ، بل ربما قيل ان : « لا تحل » فيها يراد منه « لا تباح » وهو في الاصطلاح للمتساوي فعلا وتركا ، والقائل بالجواز يقول بالكراهة وإن كان فيه ما فيه ، اللهم إلا أن يريد حمل نفي الحل فيه على القدر المشترك بين الحرمة والكراهة ولو بقرينة خبر الحلبي ، ولعله لذا حكم بها في النافع والتذكرة والمحكي عن المبسوط والنهاية والسرائر ، وإن كان موضوعها في كلامهم التكة والقلنسوة كما عن الكافي مع زيادة الجورب والنعلين والخفين ، لكن مراد الجميع المثال على الظاهر لكن ما لا تتم الصلاة فيه ، ولذا عمم الكراهة في المتن ، بل منه يعلم أن مراد المجوز والمانع ذلك أيضا ، وإن مثل بعضهم بالتكة والقلنسوة ، إذ قد عرفت أن الدليل من الطرفين يقتضي التعميم ، كما أن المراد مما في الإرشاد من جواز التكة والقلنسوة من الحرير والمحكي عن التلخيص من الصلاة فيهما واحد على الظاهر ، واحتمال أعمية الجواز من صحة الصلاة هنا بعيد ، فحينئذ من جوز الصلاة فيما لا تتم به جوز لبسه في غيرها ، ومن منع منه فيها حرم لبسه في غيرها (١).

وكيف كان فالبحث في أن العمامة مما لا تتم الصلاة بها وفي أن مدار العفو كونها في المحال أو مطلقا وغير هما يعرف مما قدمناه في أحكام النجاسات ، نعم ينبغي أن يعلم أن المراد هنا بقرينة التمثيل في النصوص والفتاوى مما لا تتم الصلاة به ما لا يشمل الرقعة‌

__________________

(١) لا يلزم من المنع فيها حرمة لبسه في غيرها لانفكاكهما في غير المأكول فلعله استفاد التلازم في المقام من قرائن خارجية ( منه رحمه‌الله ).

١٢٦

ونحوها للثوب ، ولعله لذا استثناها في فوائد الشرائع ، وإن كان قد يقال بالعفو عنها من غير هذه الجهة كما تسمعه فيما يأتي إن شاء الله ، وربما يومي إلى ما ذكرنا عدم إدراج الأصحاب علم الثوب ونحوه تحت هذه المسألة ، ولا استدلوا بدليلها على تلك ، والزنار في خبر الحلبي (١) يراد به ما يشد به على الوسط ، فهو كالكمرة من الملابس ، نعم قد يقوى الجواز في المنتفع به من الحرير كانتفاعها وإن لم يدخل تحت اسمها لكن بشرط كونه بمقاديرها ، فيعفى حينئذ عن قطعة من الحرير مثلا اتخذت اتخاذ القلنسوة في الانتفاع والفرض أنها بقدر المعتاد منها ، وإن كان هي مع الاسم وعدم تتمة الصلاة بها معفوا عنها ولو خرجت عن المعتاد بالتركيب من طيات متعددة ، هذا.

وليعلم أن المنع في الحرير انما هو من حيث اللبس كما هو ظاهر الأدلة السابقة ، وإلا فـ ( يجوز ) كل ما عداه مما لا يدخل تحت أسمعه ، ومنه الركوب عليه وافتراشه على الأصح وفاقا للأكثر ، بل المشهور نقلا وتحصيلا ، بل في المدارك أنه المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال بعد ذلك : حكى العلامة في المختلف عن بعض المتأخرين القول بالمنع ، وهو مجهول القائل والدليل ، لكن فيه أن ابن حمزة في المحكي عن الوسيلة في آخر كتاب المباحات ممن صرح بالمنع ، قال : « وما يحرم عليه لبسه يحرم فرشه والتدثر به والاتكاء عليه وأسباله سترا » بل عن المبسوط مثل ذلك أيضا ، وتردد فيه في النافع ، نعم هو لا دليل يعتد به عليه ، إذ النصوص السابقة بين صريح في اللبس وبين منساق اليه حتى‌ النبوي (٢) الذي لم نجده مسندا في طرقنا « هذان ـ أي الحرير والذهب ـ محرمان على ذكور أمتي » فالاستدلال حينئذ بعموم تحريمه على الرجال فيه ما لا يخفى ، لما عرفت ، وما عن‌ الفقه الرضوي (٣) « لا تصل على شي‌ء من هذه الأشياء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

١٢٧

إلا ما يصلح لبسه » ـ مع أنه ليس بحجة عندنا ـ قاصر عن معارضة ما سمعت ، مضافا إلى‌ صحيح علي بن جعفر (١) سأل أخاه « عن الفراش الحرير ، ومثله من الديباج ، والمصلى الحرير ، هل يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة؟ قال : يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه » وعدم ذكر التكأة في الجواب غير قادح بعد تنقيح المناط وعدم القول بالفصل ، وإلى‌ خبر مسمع بن عبد الملك البصري (٢) « لا بأس أن يأخذ من ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف ، أو يجعله مصلى يصلي عليه » وحمله وسابقه على إرادة الممتزج مع بعده لا داعي اليه ، على أنه قد عرفت أنا في غنية عن ذلك بالأصل السالم عن المعارض ، إذ المحرم اللبس ، والظاهر عدم صدقه على الالتحاف والتدثر ، خلافا لما عن مجمع البرهان من أنه إن كان عموم يدل على تحريم اللبس حرم التدثر والالتحاف ، وفرق بينهما في المدارك فجوز الالتحاف ومنع التدثر ، لصدق اسم اللبس عليه دونه ، وهو بعد الإغضاء من الفرق بين موضوعيهما كما ترى ، نعم قد يتوقف في صحة الصلاة تحته خصوصا إذا كان هو الساتر ، مع أن الأقوى الصحة إذا كان الساتر غيره ، بل وإن كان هو أيضا لكن على إشكال ، وتوسده كافتراشه ، فما عن المحقق الثاني من التردد فيه في أول كلامه في غير محله ، والله أعلم.

وكذا تجوز الصلاة في ثوب مكفوف به عند الشيخ وأتباعه كما عن المنتهى ، وعليه المتأخرون كما في المفاتيح ، بل في الذكرى والمحكي عن شرح الشيخ نجيب الدين نسبته إلى الأصحاب ، بل فيه أنه لا خلاف فيه إلا من القاضي ، فمنع منه ، قلت : وهو كذلك ، فإنه لم يحك عن غيره إلا المرتضى في بعض مسائله ، والكاتب في ظاهره ، حيث منع من العلم الحرير في الثوب ، مع أنه يمكن فرقه بينهما ولو بالأدلة ،

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

١٢٨

بل يمكن أن لا يريده القاضي من المدبج بالديباج أو الحرير المحض الذي حكي عنه بطلان الصلاة فيه ، ولعله لذا ادعى في الرياض الإجماع عليه ، إذ المرتضى لم يثبت النقل عنه ، نعم مال إليه جماعة من متأخري ، المتأخرين ، منهم الفاضل الأصبهاني وسيد المدارك وغيرهما ممن لا يقدح خلافهم في دعوى الإجماع ، لكن لا ريب في أنه أحوط وإن كان الأول أقوى ، للأصل أو الأصول والإطلاق ، وخبر جراح المدائني (١) « ان الصادق عليه‌السلام كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج ، ويكره لباس الحرير ولباس الوشي ، ويكره الميثرة الحمراء ، فإنها ميثرة إبليس » والعامي عن أسماء (٢) « انه كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبة كسروانية لها لبنة ديباج ، وفرجاها مكفوفان بالديباج وكان يلبسها » وخبر عمر (٣) « وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع » بل لعله المراد من‌ صحيح ابن بزيع (٤) لما سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن الصلاة في ثوب ديباج ، فقال : ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس » كما أنه يمكن استفادته من‌ صحيح صفوان عن يوسف بن إبراهيم (٥) « لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزره وعلمه حريرا ، وانما يكره الحرير المبهم للرجال » ورواه الصدوق بإسناده عن يوسف بن محمد بن إبراهيم ، كصحيحه الآخر عن العيص ابن القاسم عن أبي داود بن يوسف بن إبراهيم (٦) قال : « دخلت على الصادق عليه‌السلام وعلي قباء خز ـ إلى أن قال ـ : علي ثوب أكره لبسه ، قال : وما هو؟ قلت : طيلساني هذا ، قال وما طيلسانك؟ قلت : هو خز ، قال : وما بال الخز؟ قلت :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٩.

(٢) صحيح مسلم ج ٦ ـ ص ١٤٠ المطبوع بالأزهر.

(٣) صحيح مسلم ج ٦ ـ ص ١٤١ المطبوع بالأزهر.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٦.

(٦) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ١٠ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٢ وذيله في الباب ١٦ ـ الحديث ١.

١٢٩

سداه إبريسم ، قال : وما بال الإبريسم؟ لا يكره أن يكون سدى الثوب إبريسم ولا زره ولا علمه ، وانما يكره المصمت من الإبريسم للرجال ولا يكره للنساء » ولو كان الكف بما لا تتم الصلاة به كما هو الغالب ، وقلنا بتناول خبر الحلبي (١) لمثل ذلك لأنه مما لا تتم فيه الصلاة تكثرت الأدلة أو المؤيدات ، بل لعل ما تسمعه مما ورد (٢) من عدم البأس في المحشو بالقز مما يؤيده أيضا ، ضرورة ابتنائه على كونه ليس من الحرير المصمت ، بل قد يؤيده أيضا ما في‌ خبر إسماعيل بن الفضل (٣) الذي تسمعه فيما يأتي عن الصادق عليه‌السلام « عن الثوب يكون فيه الحرير فقال : إن كان فيه خلط فلا بأس » بناء على إرادة المنسوج من الحرير فيه ، كما هو الظاهر المنساق لا الإبريسم ، فإنه لا يسمى حريرا ، فيشمل حينئذ ما نحن فيه ، فتأمل.

والمناقشة ـ بانقطاع الأصل والإطلاقات بعموم النهي (٤) عن الصلاة في الحرير المحض ، وبجهل جراح والقاسم بن سليمان الذي رووا عنه الخبر ، وبمنع الحقيقة الشرعية للفظ الكراهة في المعنى المصطلح ، مع أنها من لفظ جراح ، بل لعل قوله بعده : « ويكره لباس الحرير » مما يعين إرادة الحرمة منه ، وبأن خبر أسماء وعمر من طرق العامة ، وبجهل يوسف ، ومعارضته بخبر عمار (٥) عن الصادق عليه‌السلام « عن الثوب يكون علمه ديباجا قال : لا يصلى فيه » الذي هو أخص منهما ، وبأنه لا تلازم بين الجواز في العلم والجواز في المكفوف ، إذ لعل النساجة لها مدخلية ـ يدفعها منع شمول النهي بعد ظهور « في » في الملابس ، لا أقل من الشك ولو بملاحظة ما سمعته وتسمعه ، وجهل جراح والقاسم غير قادح بعد الانجبار ، خصوصا في مثل المقام الذي هو كالإجماع ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨.

١٣٠

مع أن المحكي عن الصدوق عد جراح من الممدوحين ، وللصدوق اليه طريق ، وقال النجاشي : « يروي عنه جماعة منهم النضر بن سويد » بل عن الأستاذ لعله كثير الرواية ، ورواياته متلقاة بالقبول ، وأما القاسم فللصدوق اليه طريق ويروي عنه النضر بن سويد وأحمد بن محمد والحسين بن سعيد ، وقد قيل فيه إنه صحيح الحديث ، ولفظ الكراهة من الحقيقة الشرعية المفروغ من البحث فيها في زمن الصادقين عليهما‌السلام كما أومأ إليه الشهيد والكركي ، ولا ينافيه قوله : « ويكره لباس الحرير » إذ هو لفظ آخر دلت القرينة على إرادة الحرمة منه ، مع أنه ليس بأولى من أن يقال معلومية إرادة المعنى المصطلح منها في لباس الوشي والميثرة الحمراء مما يؤكد إرادتها في محل النزاع ، لظهور إرادة المعنى الواحد من الجميع ، فيحمل الحرير فيه حينئذ على غير المحض ، بل قد يؤكده عطف لباس الوشي عليه من غير إعادة لفظ الكراهة ، وإن أبيت عن ذلك كله فلا أقل من أن يكون لفظ الكراهة للقدر المشترك تعين إرادة أحد فرديه بالشهرة والإجماع وما سمعته من الأدلة الأخر ، وجراح إن كان ناقلا للفظ فلا بحث ، وإن كان ناقلا بالمعنى فشرطه القطع والإتيان بلفظ مرادف ، والخبر العامي إذا تناقلته الأصحاب في كتبهم وعملوا به لا بأس بالعمل به عندنا ، إذ هو أعظم طرق التبين ، كما يكشف عن ذلك تصفح كلام الأصحاب في القصاص والديات وغيرهما من المقامات ، ويوسف بن إبراهيم لا يقدح جهله بعد أن كان الراوي عنه صفوان بن يحيى الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، وأنه لا يروي إلا عن ثقة ، على أن هذا الخبر قد رواه المحمدون الثلاثة ، وفيهم الصدوق الذي أخذ على نفسه أن لا يروي فيه إلا ما هو حجة بينه وبين ربه ، بل قيل : إن يوسف هذا ملقب بالطاطري ، وقد نقل الشيخ في العدة إجماع الشيعة على العمل بما رواه الطاطريون ، كل ذا مع قطع النظر عن الشهرة العظيمة‌

١٣١

الجابرة وعن باقي الأخبار المعاضدة له في أنه انما يكره الحرير المبهم كخبر زرارة (١) وغيره (٢) ومنهما وغيرهما يضعف خبر عمار عن التخصيص ، خصوصا وإطلاق نفي البأس فيه كالصريح في عدمه بالنسبة للصلاة ، إذ هي أعظم الأحوال وأهمها في نظر السائل والامام عليه‌السلام على أنه يمكن دعوى الإجماع المركب على خلافه ، فحينئذ لا بأس بحمل موثق عمار على الكراهة التي هي مجاز شائع في النهي ، والعلم لا يخص المنسوج ، بل هو العلامة في الثوب من طراز وغيره كما عن المصباح المنير ، مع أن الخبر قد اشتمل على الزر ، وعلل الجواز في الجميع بأنه ليس من الحرير المبهم ، فهو كالصريح في تخصيص المنع بما إذا كان الملبوس حريرا مبهما لا بعضه ، بل قد يدعى أولوية جواز المكفوف من ذي العلم الذي نسج طرائق بعضها من إبريسم محض سدى ولحمة وبعضها من غيره ، كما يظهر من بعضهم تفسيره بذلك ، والعمدة ظهور الخبرين في أن علة الجواز عدم كونه حريرا مبهما ، وهي بعينها جارية في المكفوف.

ومنه يعلم أن المراد من‌ قوله عليه‌السلام (٣) : « لا تصل في حرير محض » ما لا يشمل المكفوف ، ضرورة عدم صدق كونه حريرا محضا ، وكون البعض كذلك لا يقدح ، وإلا لقدح في العلم ونحوه.

ومن ذلك ينقدح جواز الكف بما لا يدخل تحت اسم اللباس لسعته ، كما لعله مقتضى عدم التحديد في المتن والنافع والقواعد والإرشاد والتذكرة والدروس والبيان والذكرى والمحكي عن النهاية والمبسوط والوسيلة والمعتبر والتحرير والمختلف ونهاية الأحكام ، لكن المحقق والشهيد الثاني حداه بأربع أصابع كما عن الفاضل الميسي وصاحب الغرية وإرشاد الجعفرية ، بل عن مجمع البرهان نسبته إلى الشهرة ، بل عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

١٣٢

شرح الشيخ نجيب الدين نسبة ذلك إلى الأصحاب ، وربما كان من معقد ما في المدارك من نسبة القطع به إلى كلام المتأخرين ، وعن رسالة الشيخ حسن حدوه بذلك ، وقد يحتمل رجوع الإطلاق السابق اليه بدعوى أنه المتعارف من الكف ، وعن الصحاح « كفة القميص : ما استدار حول الذيل » بل قد يظهر من استدلال بعض المطلقين على حكم الكف بخبر عمر (١) التحديد بما فيه أيضا ، بل ينبغي الاقتصار حينئذ على المضمومة كما صرح به بعض من سمعت ، لأنها المنساقة منها في التحديد ، بل إن لم يكن مضمومة لم يصدق الكف بقدرها ، على أنها كالتقدير بالأربع هي المتيقن في الحكم المخالف لإطلاق المنع ، بل ينبغي الاقتصار حينئذ على مسمى الكف ، وقد سمعت من الصحاح أنه المستدير حول الذيل ، لكن في المدارك وغيرها انه الذي يجعل في رؤوس الأحكام والذيل وحول الزيق ، ولعل ما في الصحاح تفسير بالأخص ، بل قد يشكل إلحاق اللبنة به التي هي الجيب ، وإن صرح به بعضهم لضعف دليلها ، بل هو من طرق العامة ، ولا شهرة تجبره ، فلا يصح الخروج به عن مقتضى عموم المنع ، لكن لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه ما في ذلك كله ، وان المتجه إن لم ينعقد إجماع على خلافه جواز كل ما لم يكن ملبوسا ، كالمحمول والموضوع على اللباس والجزء كالأعلام والرقاع ما لم تكثر حتى تبعث على الاسم ، والملفوف والمشدود كخرق الجبيرة وعصائب الجروح والقروح وحفيظة المسلوس والمبطون ، والموضوع في البواطن كخرقة المستحاضة وغير ذلك ، فاللبنة والكف بالأزيد من الأربع وغيرهما على حد سواء في الجواز ، بل لو نسج ثوب طرائق أو لفق من قطع متعددة من حرير وغيره صح لبسه والصلاة فيه.

نعم لو كان من قبيل البطانة للقميص لم يصح ، لأنهما ملبوسان وإن وصلت مع الوجه ، وكذا لو كانت إلى نصفه أو خيط ثوب نصفه الأعلى من حرير والأسفل من‌

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٦ ص ١٤١ ـ المطبوع بالأزهر.

١٣٣

غيره أو بالعكس ، فان ذلك كله من لبس الحرير المبهم ، وعدم صدق المتعدد عرفا انما هو للواحدة العرفية ، وإلا فكل منهما قابل لأن يكون لباسا متعددا وإن لم يدخل تحت اسم من أسماء الملبوسات ، إذ ليس المدار عليه ، فتأمل جيدا فإنه نافع دقيق.

ومن ذلك كله ظهر لك أنه لا ينبغي التوقف في الثياب المخيطة بالإبريسم التي يمكن دعوى القطع بخلاف ذلك فيها للسيرة القطعية ، ولا فيما هو مستعمل في زماننا من وضع السفائف والقياطين على أكمام الثياب وعلى الزيق وغير ذلك وإن تعددت وتكثرت ، ولا في مثل العباية القزية المستعملة في زماننا أيضا التي يجعل لها شمسية على يمينها أو عليه وعلى شمالها ، ولا في التكة التي في رأسها الإبريسم ، ولا في غير ذلك مما لا يمكن حصره بناء على المختار بلا خلاف صريح معتد به أجده في شي‌ء من ذلك عدا ما عن الكاتب « لا اختار للرجل الصلاة في الثوب الذي علمه حرير محض » المحتمل لإرادة الكراهة بحمل خبر عمار السابق عليها ، وإلا كان محجوجا بما عرفت ، كالذي في جامع المقاصد من الجزم بمنع الرقعة والوصلة من الإبريسم ، وعدا ما يحكي عن الصدوق من التصريح بالمنع في الأخير ، وربما استنبط منه ومما سلف له انه يمنع في مطلق الحرير المحض ولو خيط الثياب إلا الممتزج سدى ولحمة ، ولم نعرف له دليلا عدا المنع عن الحرير المحض الذي قد عرفت عدم شموله لأمثال ذلك ، إما لاقتضاء الظرفية كونه من الملابس ، خصوصا مع ملاحظة باقي النصوص ، أو لعدم صدق الحرير على نحو الخيوط لغة وعرفا ، لاختصاصه بالمنسوج ، أو لانسياق غيرها منه ، أو لغير ذلك مما لا يخفى بعد ما عرفت.

ومنه يعلم انه إذا مزج الإبريسم والقز بشي‌ء مما يجوز لبسه دون الصلاة فيه كوبر ما لا يؤكل لحمه جاز لبسه دون الصلاة فيه ، وإن كان بشي‌ء مما تجوز فيه الصلاة كالقطن والكتان وغيرهما بأن جعل أحدهما سدى والآخر لحمة حتى خرج عن كونه محضا جاز لبسه والصلاة فيه سواء كان أكثر من الحرير أو أقل منه‌

١٣٤

بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل الثاني منهما مستفيض كالنصوص (١) أو متواتر ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر عبيد بن زرارة (٢) : « لا بأس بالبأس القز إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتان » وقال في خبر إسماعيل بن الفضل (٣) في الثوب يكون فيه الحرير : « إن كان فيه خلط فلا بأس » وفي‌ خبر أبي الحسن الأحمسي (٤) « انه سأل أبو سعيد أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخميصة وأنا عنده سداه إبريسم أيلبسها وكان وجد البرد؟ فأمره أن يلبسها » والخميصة : كساء أسود مربع له علمان ، وقال زرارة (٥) : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخز ، لحمته أو سداه خز ، أو كتان أو قطن ، وانما يكره الحرير المحض للرجال والنساء » وعن الاحتجاج (٦) « ان محمد بن عبد الله ابن جعفر الحميري كتب إلى صاحب الزمان عليه‌السلام يتخذ بأصبهان ثياب فيها عتابية على عمل الوشي من قز وإبريسم هل تجوز الصلاة فيها أم لا؟ فأجاب عليه‌السلام لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان » إلى غير ذلك من النصوص التي تقدم بعضها ، كخبري (٧) يوسف بن إبراهيم وغيره ، وصريح المتن والتذكرة كالمحكي عن الوسيلة والسرائر والمعتبر ونهاية الأحكام الاكتفاء بالمزج بكل محلل تجوز الصلاة فيه من غير فرق بين القطن والكتان وغيرهما ، كما هو مقتضى كل من أطلق الامتزاج ، أو ذكر القطن والكتان بكاف التشبيه ونحوه مما يشعر بإرادة المثال ، بل لعله مراد الجميع وإن لم يأت بالكاف اعتمادا على ظهور الحال ، وعلى معلومية إرادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦ ـ والباب ١٦ الحديث ١ لكن روى الثاني في الوسائل عن أبى داود بن يوسف بن إبراهيم وهو الصحيح كما تقدم نقل الحديث عنه في التعليقة (٦) في ص ١٢٩.

١٣٥

الخروج عن المحضية والابهامية بذلك ، والاقتصار في المحكي عن الخلاف والنهاية والمراسم على القطن والكتان وكشف الالتباس وإرشاد الجعفرية بزيادة الصوف ـ مع أن من المعلوم نصا وفتوى وسيرة الجواز بالخز ، وعن المنتهى الإجماع عليه ـ محمول على إرادة المثال من ذلك ، كما أنه المراد من الاقتصار في المحكي عن المقنع والمقنعة والمبسوط والمهذب والجامع على القطن والكتان والخز ، للمعلوم أيضا من الجواز بالصوف ، فلا ريب في إرادة المثال ، ومن هنا نسب الاجتزاء بمزج كل محلل في التذكرة والمحكي عن المعتبر إلى علمائنا مشعرين بدعوى الإجماع عليه ، مع أن هذه الاقتصارات بمرأى منها ومسمع ، ومن عادتهما وعادة من تأخر عنهما كالشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم التعرض للنادر من خلاف القدماء ، بل لا يتركون احتمال الخلاف.

فما عساه يظهر ـ من بعض متأخري المتأخرين من احتمال الخلاف في المسألة ، وأنها ثلاثية الأقوال أو رباعيتها حتى أنه ذكر مستندا لكل واحد من الثلاثة ، فجعل خبر إسماعيل (١) وما شابهه ولو بالمفهوم دليل الإطلاق ، وخبر زرارة (٢) وما شابهه دليل الاقتصار على الثلاثة : الخز والقطن والكتان ، وخبر التوقيع (٣) وما شابهه دليل الاقتصار على الأخيرين ـ في غير محله قطعا ، بل لا بد من حمل ما في النصوص على إرادة المثال كما سمعته في الفتوى ، وخصا بالمثال لغلبة الامتزاج بهما وبالخز ، وكان ما في زماننا الآن من غلبة الامتزاج بالصوف في العباءة وغيرها حادث ، ولذا ترك التمثيل به ، بل ظاهر المتن وغيره ممن عبر كعبارته ، بل ومن ذكر السدى واللحمة لكن بكاف التشبيه المشعر بالمثال للامتزاج ـ الاجتزاء بمطلق الخلط والامتزاج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨.

١٣٦

الرافعين للمحضية والابهامية والمصمتية من غير فرق بين امتزاج السدى واللحمة وغيره ، لا طلاق خبر إسماعيل المعتضد بمفهوم الحصر والوصف في غيره ، وبالقطع بجواز لبس المنسوج من خيوط اتخذت من القطن والإبريسم مثلا الذي هو أشد امتزاجا من امتزاج السدى واللحمة ، وبنصوص الثوب (١) ذي العلم المتقدمة آنفا التي منها خبر الخميصة (٢) ولعل ذكر السدى واللحمة في بعض النصوص السابقة للتمثيل في رفع الإبهام ، كما يشعر به خبر زرارة المتقدم ، وخص بالتمثيل لغلبة حصول الامتزاج به ، فحينئذ لا ينبغي التوقف في المنسوج من الكلبدون إذا كان مركبا من الفضة والحرير ، ولا في المنسوج طرائق ، ولا في غير ذلك مما هو مخلوط بغير السدى واللحمة : أي ليس السدى بتمامه قطنا أو حريرا مثلا.

وفي كشف اللثام في شرح قول الفاضل في القواعد « ويجوز الممتزج كالسدى واللحمة » قال : « لا المموه بالفضة ، أو المخيط بخيوط من نحو القطن ، أو المخيط مع ثوب من نحوه ، أو الملصق به ، أو المحشو بنحوه ، أو المنسوج طرائق بعضها من الحرير المحض وبعضها من نحو القطن كما هو المتبادر من هذه العبارة الشائعة في الأخبار والفتاوى ، ويؤيده‌ خبر عمار (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الثوب يكون علمه ديباجا قال : لا يصلى فيه » نعم خبر إسماعيل بن الفضل (٤) يشمل ما إذا كان الخليط بعضا من السدى أو اللحمة ، ويحتمله العبارة الشائعة أيضا ، ويؤيده أن المجمع على حرمته وفساد الصلاة فيه هو المحض ، فيحل ما خرج عن اسمه عرفا وتصح الصلاة فيه ، ويؤيده‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ١٢٩ ـ ١٣٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

١٣٧

خبرا يوسف بن إبراهيم (١) المتقدمان آنفا » وفيه انه إن كان المدار على العبارة الشائعة في الأخبار والفتاوى التي ادعى تبادرها فيما عرفت ـ بل صريح النصوص أو ظاهرها اعتبار كون تمام السدى أو اللحمة غير حرير ـ وجب حمل إطلاق خبر إسماعيل ومفهوم الحصر والوصف عليه ، نعم التحقيق ما عرفت من أن هذه العبارة الشائعة مراد منها التمثيل ، كما يشعر به الكاف في عبارة الفاضل وغيره ، بل الظاهر إرادته من الخلط أيضا في خبر إسماعيل ، وإلا فالمدار على المستفاد من مفهوم الحصر والوصف وغيرهما من رفع المحضية والابهامية عرفا الموافق للأصول ، بل والفتاوى مع التأمل والتدبر من رفع المحضية والابهامية عرفا ، فلو فرض الارتفاع بما لا يصدق معه الخلط وإن كان نادرا جاز لبسه والصلاة فيه.

نعم لا عبرة بما لا يرفعها كما في الأمثلة التي ضربها في الكشف عدا المنسوج طرائق منها والمموه إن أراد ما فرضناه من الكلبدون بناء على أنه منسوج من الفضة والحرير ، وكما في الخليط المستهلك الذي لا يرفع صدق كونه لباس حرير محض حقيقة لا على وجه التسامح العرفي الذي هو ليس من الحقائق العرفية ، فلا يجدي الهلاك بالنسبة إلى اسم الحريرية دون المحضية ، وكأن هذا هو مراد من صرح من الأصحاب بعدم اعتبار المستهلك ، وما عساه يظهر من بعض العبارات ـ من أنه لا يجدي المستهلك الذي لا يرفع صدق الحريرية ـ محمول على إرادة ما ذكرنا من الحريرية المحضة ، ودعوى أنه لا استهلاك إلا على وجه التسامح بالنسبة إلى المحضية يدفعها التأمل في مصاديق ذلك عرفا ، وما عن السرائر ـ من أنه يجوز وإن كان أكثر بعد أن يكون منسوبا إليه بالجزئية كعشر وتسع وثمن وأمثال ذلك ـ ليس منعا من فرض الاستهلاك ، بل يمكن أن يكون مراده بذلك اعتبار عدم الاستهلاك كقول غيره : « يجزي ولو كان الخليط عشرا » بل‌

__________________

(١) راجع التعليقة (٧) في ص ١٣٥.

١٣٨

في معقد المحكي من صريح الإجماع في المنتهى وظاهره في المعتبر والتذكرة التصريح باعتبار عدم الاستهلاك المصرح به في عبارات الشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم ممن تأخر عنهم ، نعم مع عدم الاستهلاك لا فرق بين تساوي الخليط وأقليته وأكثريته عندنا ، بل الإجماع صريحا وظاهرا عليه ، وقال أحمد بن محمد بن أبي بصير (١) « سأل الحسين بن قياما أبا الحسن عليه‌السلام عن الثوب الملحم بالقز والقطن والقز أكثر من النصف أيصلى فيه؟ قال : لا بأس قد كان لأبي الحسن عليه‌السلام منه جباب » بل وافقنا على ذلك ابن عباس وجماعة من أهل العلم ، خلافا للشافعي وأبي حنيفة فيحرم إذا كان الحرير أكثر ، ولو تساويا فللشافعي قولان ، والتحقيق ما عرفت ، لكن ينبغي أن يعلم أن المراد بالعشر ونحوه في معاقد الإجماعات السابقة الاكتفاء بمزجهما سدى ولحمة وإن كان القطن الذي هو أحدهما عشرا من الآخر ، لا أن المراد الاجتزاء بعشر أو نصف العشر مثلا من السدى وإن كان اللحمة كلها حريرا ، فيجتزى حينئذ بالثوب المنسوج من الحرير الممتزج بالخليط في حاشيته التي هي نسبتها إلى الجميع عشر أو نصف عشر مع فرض الثوب مثلا في نهاية العرض.

ومن هنا صريح الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح بأن العبرة بصدق الحرير المحض ، فلا ينفع إذا حصل في خصوص الحاشية شي‌ء من الخليط بعد أن يكون الأصل حريرا محضا ، ومما يؤيد أن مرادهم بالعشر ونحوه ما ذكرنا ظهور اتفاقهم على الاجتزاء به ، بل قد عرفت التصريح به من بعضهم مع توقفهم في العلم للثوب الذي هو مع فرض الاجتزاء بذلك لا ينبغي التوقف فيه ، فلا ريب في إرادتهم ما ذكرناه من الامتزاج بأن يكون أحدهما تمام السدى والآخر تمام اللحمة وإن كان نسبة أحدهما إلى الآخر عشرا أو أقل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

١٣٩

نعم التحقيق ما عرفت من دوران الحكم على صدق لباس الحرير المحض وعدمه كما سمعته مفصلا ، بل المدار على غير المقترح من الصدق قطعا ، فلا بأس بالصدق الذي منشأه وضع جديد أو نحوه ، فالعباءة القزية التي لحمتها صوف لا إشكال فيها ، ومن الغريب ما حكاه المحقق الثاني عن بعض الأصحاب من أن العباءة التي سداها قز لا يصلى فيها ، لتسميتها قزية ، إذ هو كما ترى من الأوهام الفاسدة التي لا ينبغي سطرها في كتب الأفاضل.

وأما اللباس المحشو بالإبريسم أو القز ففي الفقيه والتذكرة والدروس وجامع المقاصد وفوائد الشرائع والمسالك والمحكي عن المعتبر والغرية والجعفرية والروض وظاهر الشيخ المنع ، بل قد يظهر من نسبة الخلاف في التذكرة وغيرها إلى غيرنا الإجماع عليه عندنا ، ولعله لصدق المحض والمبهم والمصمت عليه ، ولأنه بتلبده يكون كالبطانة ونحوها من اللباس ، لكن قطع في المفاتيح بالجواز ، ولم يستبعده في الذكرى ، واحتمله في المدارك ، قيل واليه مال مولانا محمد تقي ونقله عن شيخه الفاضل الشوشتري ، ولعله لصحيح الريان بن الصلت (١) « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن لبس فراء السمور والسنجاب والحواصل وما أشبهها والمناطق والكيمخت والمحشو بالقز والخفاف من أصناف الجلود فقال : لا بأس بهذا كله إلا بالثعالب » والحسين بن سعيد (٢) قال : « قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى الرضا عليه‌السلام يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قز فكتب اليه وقرأته لا بأس بالصلاة فيه » وخبر سفيان بن السمط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢ لكن فيه‌ « لبس الفراء والسمور » وفي التهذيب الذي نقل عنه في الوسائل ج ٢ ص ٣٦٩ الرقم ١٥٣٣‌ « لبس فراء السمور ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

١٤٠