جواهر الكلام - ج ٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

سمعته سابقا من المناقشة في إجماع الأمالي وغيره ، إذ هي لو سلمنا دفعها أو دفع بعضها فلا ريب في أنها تورث وهنا في تلك الأدلة.

ولعله لهذا اضطراب الأمر على بعض الأصحاب فلم يرجح أحد القولين بل اقتصر على نقلهما ، كالمحكي عن الإيضاح وغاية المرام وكشف الالتباس وتلخيص التلخيص بل والتحرير والتلخيص على ما حكي ، فلا أقل من ذلك كله الشك في خروج هذا الخاص عن تلك العمومات التي هي كالصريحة فيه المعتضدة بالاحتياط الذي إن لم نقل بوجوب مراعاته في الفراغ من الشغل اليقيني فلا ريب في رجحانه.

وقد يذب عنه بمنع تحقق الشهرة وإن حكيت ، لأن التتبع يشهد بأن جماعة ممن نسب اليه ذلك لا تصريح له فيه ، نعم أطلق المنع مما لا يؤكل لحمه ، ومن هنا حكاه في كشف اللثام عن ظاهر الجمل والاقتصاد والمصباح ومختصره والسيد وأبي علي والحلبيين والمفيد ، بل من لاحظ الخلاف علم أنه مائل إلى الجواز لا العدم ، لأنه بعد الحكم بالمنع فيما لا يؤكل قال : ورويت رخصة في جواز الصلاة في الفنك والسمور والسنجاب ، والأحوط ما قلناه ، لا أقل من أن يكون غير معلوم الحال ، ولذا اقتصر في الكشف على ذكر انه احتاط فيه ، ومن الغريب دعوى تناول إجماعه لذلك ، والصدوق رحمه‌الله قد صرح بالجواز فلا يلتفت إلى إطلاق بعض كلماته ، بل جماعة ممن نسب اليه المنع قد صرح بورود الرخصة فيه ، منهم الديلمي ويحيى بن سعيد وعلي بن بابويه ، فبناء على عمله بها وإرادته ذلك على الإطلاق لا في حال الضرورة يكون ممن قال بالجواز ، وليس في التذكرة وكشف الرموز إلا أنه أحوط.

وبالجملة من تتبع كلمات الأصحاب مع التأمل علم الفرق بين الشهرتين ، وعلم ما في دعوى كونه من معقد إجماع الغنية والخلاف ، بل ونفي الخلاف في السرائر مع أنه لو كان مرادا أمكن له دعوى كونه مما تبين الخطأ فيه ، والرضوي ليس حجة عندنا ، مع‌

١٠١

أنه مصرح بالرخصة أيضا ، فلا شك حينئذ في خروجه عن العمومات المزبورة ، لا أقل من الشك في تناولها له ، فتبقى الصحة حينئذ على مقتضى الإطلاقات ، لأصالة عدم مانعية المشكوك فيه عندنا ، فالجواز حينئذ لا ريب في أنه أقوى ، بل قد يتوقف في الكراهة فيه فضلا عن المنع وإن حكي عن ابن حمزة القول بها ومال إليها في الرياض ، لكن لا دليل ، إذ إرادة القدر المشترك من العمومات لا قرينة عليه ، بل هي على خلافه ، نعم الأولى والأحوط الترك خروجا عن شبهة الخلاف نصا وفتوى.

ثم من المعلوم انه على تقدير الجواز الظاهر عدم الفرق بين الجلد نفسه والوبر ، لأنه مقتضى الأدلة السابقة ولو بضميمة‌ قوله عليه‌السلام (١) في الخز : « إذا حل وبره حل جلده » ومن هنا نص المصنف على الفرو ، بل لعله ظاهر الجميع لإطلاق السنجاب ، وجمع المبسوط وغيره له مع الحواصل ، وغير ذلك ، وأما المانعون ففي كشف اللثام أن ما عدا السرائر والنهاية يعم الجلد والوبر ، قلت : وهو المتجه ، لأنه مقتضى العمومات ، وكذا من المعلوم اعتبار التذكية فيه ، لأنه من ذي النفس ، فمع عدمها يندرج فيما دل على المنع من الميتة ، مضافا إلى ما في بعض النصوص (٢) السابقة الذي ينبغي تنزيل إطلاق الآخر عليه ، لكن يد المسلم تكفي في الحكم بتذكيته كغيرها من الامارات السابقة ، فلا عبرة بما اشتهر بين التجار والمسافرين من أنه غير مذكى ما لم يحصل منه علم بذلك ، فيحرم حينئذ كما هو واضح ، فظهر حينئذ من ذلك كله أن المستثنى عندنا من الكلية المزبورة الخز والسنجاب وبرا وجلدا.

وأما الصلاة في الثعالب والأرانب ففيها روايتان (٣) أصحهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب لباس المصلي.

١٠٢

وأشبههما وأشهرهما المنع بل لم يعمل برواية الجواز أحد كما اعترف به في التنقيح ، بل والمحكي عن المهذب ، بل في كشف الرموز الإجماع عليه ، بل حكاه أيضا عن علم الهدى والشيخ ، ولعله لذا قال في الدروس والبيان : إن رواية الجواز مهجورة ، مضافا إلى ما سمعته سابقا في الخز المغشوش بوبرهما ، وعن مجمع البرهان أنه ورد في المنع أربعة عشر حديثا ، قلت : بل يمكن دعوى تواتر رواية المنع (١) في الثعالب ، وفيها الصحيح الصريح وغيره ، فمن العجيب بعد ذلك كله ما في المدارك حيث أنه ذكر منها صحيح ابن مهزيار (٢) الوارد في التكك والجوارب من وبر الأرانب المتقدم سابقا ، وصحيح ابن مسلم (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن جلود الثعالب فقال : ما أحب أن أصلي فيها » ثم قال : وبإزاء هاتين الروايتين أخبار كثيرة دالة على الجواز ، كصحيحة الحلبي (٤) وصحيحة علي بن يقطين (٥) وصحيحة جميل (٦) ثم حكى عن المعتبر أنه قال : واعلم أن المشهور في فتوى الأصحاب المنع مما عدا السنجاب ووبر الخز ، والعمل به احتياط في الدين ، وقال بعد أن أورد روايتي الحلبي وعلي بن يقطين : وطريق هذين الخبرين أقوى من ذلك الطريق ، ولو عمل بها عامل جاز ، وعلى الأول عمل الظاهرين من الأصحاب منضما إلى الاحتياط للعبادة ، ثم قال : قلت : ومن هنا يظهر أن قول المصنف « أصحهما المنع » غير جيد ، ولو قال أشهرهما المنع كما ذكر في النافع كان أولى ، والمسألة قوية الإشكال من حيث صحة أخبار الجواز واستفاضتها واشتهار القول بالمنع بين الأصحاب ، بل إجماعهم عليه بحسب الظاهر ، وإن كان ما ذكره في المعتبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤ و ٦ و ٧ وغيرها.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٩.

١٠٣

لا يخلو من قرب.

إذ فيه ما لا يخفى ، بل لو لا الوثوق بعدالته وكمال تقواه لأمكن كونه من التدليس المحرم ، ضرورة استفاضة المنع في الثعالب ، مع أنه لم يذكر منها إلا صحيح ابن مسلم الذي ظاهره الجواز ، وترك موثق ابن بكير (١) أو صحيحه الذي هو عنده من الصريح باعتبار بناء العام فيه على السبب الخاص ، وصحيح ابن راشد (٢) وعلي بن مهزيار (٣) وصحيح الريان بن الصلت (٤) وخبر ابن أبي زيد (٥) وخبر الوليد بن أبان (٦) وخبر بشر بن بشار (٧) ومقاتل بن مقاتل (٨) وغيرهم ، بل قد سمعت الاعتراف عن أستاذه بأنها تبلغ أربعة عشر خبرا ، على أن ظاهره عدم الفرق بين الثعالب والأرانب في قوة الإشكال ، مع انه لم يذكر خبرا دالا على الجواز فيه بالخصوص ، بل ولا وقفنا نحن عليه بالنسبة إلى الجلود إلا ما في مكاتبة محمد بن إبراهيم (٩) من الكراهة في جلد الأرانب ، وهي مع عدم جمعها لشرائط الحجية يراد الحرمة من لفظ الكراهة فيها قطعا ، وأما وبره ففيه صحيح محمد بن عبد الجبار (١٠) المتقدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤ لكن عن بشير ابن بشار.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٤.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

١٠٤

سابقا ما فيه عند البحث عن حكم ما لا تتم الصلاة فيه ، بل تقدم هناك ما يعارضه من خبر إبراهيم بن عقبة (١) وغيره ، كما أنه تقدم في الخز خبر الغش بوبر الأرانب (٢) وما فيه.

كل ذا مع أن صحيح علي بن يقطين الذي ذكره في اللباس لا الصلاة حتى يعارض ما دل على المنع منها فيه ، ولو أريد ذلك منه فلا ريب في حمله على التقية ، لما فيه من نفي البأس عن جميع الجلود الذي علم من ضرورة مذهب الشيعة خلافه ، مع أن علي بن يقطين كان من الوزراء الذين لا بد لهم من التقية ، بل ظاهر صحيح الحلبي أيضا ذلك باعتبار اشتماله على قول السائل : « وأشباهه » كجميع الجلود في السابق ، على أن في صحته إشكالا ، وهو محتمل لإرادة نفي البأس عن الصلاة في الأول ، لأنه أفرد الضمير فيه ، لا أقل من أن يكون قصد الاجمال بذلك من جهة التقية ، ضرورة حصوله بتعدد المرجع ولا قرينة ، وإلا لقال : لا بأس بالصلاة فيها ، وأما صحيحة جميل فقد يتوقف في صحتها ، لأن الشيخ على ما قيل رواها بسند آخر عن جميل عن الحسين بن شهاب عن الصادق عليه‌السلام ، والظاهر أن الروايتين واحدة ، وإلا كان اللازم عليه أن يذكر لهذا الراوي روايته عن الصادق عليه‌السلام بلا واسطة ، ولراوي الأولى رواية بالواسطة كما هو الظاهر من حالهم ، ولو قلنا بعدم ظهور الاتحاد فظهور التعدد محل نظر ، وكيف كان فثبوت العدالة بالنسبة إلى الجميع لا يخلو من شك ، ولو سلم فهي لا تعارض ما عرفت من وجوه ، بل يمكن كون اشتراط نفي البأس فيها بالتذكية كناية عن عدم الجواز ، لاستحالة تحقق الشرط بناء على اعتبار المأكولية فيها ، كما نص عليه الصادق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب لباس المصلي.

١٠٥

عليه‌السلام في خبر علي بن أبي حمزة (١) على ما سمعته سابقا من الفاضلين ، ومنه يعلم الوجه حينئذ في جملة من النصوص في غير المقام أيضا ، فلا بد من طرحها أو حملها على التقية ، ومن الغريب ما في المعتبر من تجويز العمل بها بعد أمرهم عليهم‌السلام بطرح أمثالها وعدم الالتفات إليها ، وكأنه رحمه‌الله هو الذي أوقع هؤلاء في هذه الوسوسات فيما هو عندنا الآن من الضروريات ، والحمد لله رب الأرضين والسماوات.

وقد ظهر من هذا كله أن الكلية السابقة بحالها بالنسبة إلى الثعالب والأرانب جلدا ووبرا وغيرهما من الأجزاء ، أما الفنك والسمور والحواصل الخوارزمية ففي جملة من النصوص (٢) جواز الصلاة فيها ، وفيها الصحيح وغيره ، بل في كشف اللثام لم أظفر بخبر معارض للجواز في خصوص الفنك ، وإن كان قد يناقش فيه بأن المنع منه كصريح موثق ابن بكير الذي هو الأصل في الباب ، بل ربما عد من الصريح باعتبار ابتنائه على السبب الخاص ، بل لعل خبر بشر بن بشار (٣) أيضا كذلك ، وإن اقتصر في النهي فيه على الثعالب والسمور ، إلا أنه بقرينة تقدم الاذن فيه في السنجاب والحواصل يراد منه غيرهما (٤) مما وقع في السؤال ، ومنه الفنك ، بل لعل خبر محمد بن علي بن عيسى (٥) المروي عن مستطرفات السرائر كالصريح في عدم جواز الصلاة لغير الضرورة من التقية ونحوها ، بناء على إرادة المنع من نفي الحب فيه ، كما في‌ صحيح ابن مسلم (٦)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ و ٤ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤ لكن رواه عن بشير بن بشار.

(٤) في النسخة الأصلية « وغيرها » والصحيح ما أثبتناه.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

١٠٦

وأنه عبر بذلك للتقية ، قال فيه : « كتبت إلى الشيخ يعني الهادي عليه‌السلام أسأله عن الصلاة في الوبر أيّ أصنافه أصلح؟ فأجاب لا أحب الصلاة في شي‌ء منه ، قال : فرددت الجواب انا مع قوم في تقية ، وبلادنا بلاد لا يمكن أحدا أن يسافر منها بلاد وبر ، ولا يأمن على نفسه إن هو نزع وبره ، وليس يمكن للناس ما يمكن للأئمة عليهم‌السلام فما الذي ترى أن نعمل به في هذا الباب ، قال : فرجع الجواب إلى تلبس الفنك والسمور » وكان نظر الشيخ في النهاية إلى هذا الخبر ، فجوز الصلاة في وبريهما اضطرارا ، ولا بأس به ، بل لا يبعد ذلك في جلديهما كما هو ظاهر المحكي عن الوسيلة حيث أطلق جواز الصلاة فيهما اضطرارا ، ولعله نزل أخبار الجواز على ذلك.

ومنه يعلم حينئذ أولوية تقديمهما في حال الضرورة على غيرهما مع التعارض ، وربما يشم أولوية الفنك من السمور للتصريح في كثير من النصوص (١) بالمنع منه دونه ، فلم نجد تصريحا بالمنع منه عدا ما عرفت ، وإن كان يحتمل لكثرة استعماله في ذلك الوقت ، وكيف كان فلا يجوز فيهما اختيارا وفاقا للمشهور ، بل في المفاتيح الإجماع عليه ، كما أن في الدروس والبيان ان رواية الجواز متروكة ، ولعلهما لم يفهما العمل من قول علي بن بابويه في الرسالة المتقدم آنفا ، ولا مما عن المبسوط « وردت فيهما رخصة » والأصل المنع كالخلاف ، لكن فيه والأحوط المنع ، والمراسم وردت الرخصة فيهما ، بل قد سمعت ما عن الأمالي ان من دين الإمامية الرخصة فيهما بحمل الرخصة في كلامهم على الجواز بعد النهي لضرورة لا الرخصة الاختيارية ، أو على إرادة الرواية وإن لم يفت بها ، أو أن عملهم خاصة لا يرفع المتروكية ولا يمنع الإجماع ، أو غير ذلك ، لكن من الغريب نقل هذا الاتفاق في المفاتيح فيهما دون الثعالب ، بل فيها أن منهم من كرهها ، والتتبع يشهد بخطئه في ذلك ، وعلى كل حال فرواية الجواز فيهما قاصرة عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢ و ٤ و ٥.

١٠٧

معارف دليل المنع من وجوه ، خصوصا السمور الذي روي المنع فيه بالخصوص ، بل في خبر سعد بن سعد (١) عن الرضا عليه‌السلام ما يقضي بأنه من السباع التي عدم الجواز فيها قطعي أو ضروري ، كما يومي اليه ما سمعته في السنجاب من تعليل الجواز فيه بأنه لا يأكل اللحم.

بل من ذلك يعلم وجه المنع في الحواصل زيادة على عموم المنع فيما لا يؤكل لحمه ، لأن الظاهر انها من سباع الطير كما ذكروه في تفسيرها من أنها طيور لها حواصل عظيمة تعرف بالبجع والكي بضم الكاف وجمل الماء ، طعامها اللحم والسمك يعمل من جلودها بعد نزع الريش مع بقاء الوبر ، ويتخذ منه الفراء ، وقد ينسج من أوبارها الثوب ، مع أن رواية الجواز هي خبر داود الصرمي عن بشير بن بشار (٢) وهما معا لم ينص على توثيقهما ، على أنها مضمرة ، وإن قيل : إنها في مستطرفات السرائر مسندة إلى علي ابن محمد عليهما‌السلام ، وفيها أيضا تصاد في بلاد الشرك أو بلاد الإسلام ، مع أن الأولى ميتة ، وأما‌ صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (٣) « سألته عن اللحاف من الثعالب أو الخوارزمية أيصلى فيها أم لا؟ قال : إن كان ذكيا فلا بأس » ففي الوافي أن الذي وجدناه في نسخ التهذيب « أو الجرذ منه » قيل بكسر الجيم وتقديم المهملة على المعجمة من لباس النساء ، وعلى هذا فلا شاهد فيه ، لكن قال : وفي الاستبصار « أو الخوارزمية » وكأنها الصحيح ، فيكون المراد بها الحواصل ، قلت : يحتمل العكس ، وعلى كل حال يكون الخبر مضطربا ، وحجية مثله ـ خصوصا في نحو المقام ، وخصوصا مع اشتماله على الثعالب التي قد عرفت الحال فيها ـ كما ترى ، ولم أعثر على غير هما مما يدل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١١.

١٠٨

على الجواز ، وما عن الخرائج من‌ توقيع الناحية المقدسة لأحمد بن أبي روح (١) « وسألت ما يحل أن يصلى فيه من الوبر والسمور والسنجاب والفنك والدلق والحواصل ، فأما السمور والثعالب فحرام عليك وعلى غيرك الصلاة فيه ، ويحل لك جلود المأكول من اللحم إذا لم يكن فيه غيره ، وإن لم يكن لك ما يصلى فيه فالحواصل جائز لك أن تصلي فيه » فهو خاص بعدم الساتر من غيرها ، كالذي في كشف اللثام عن بعض الكتب (٢) عن الرضا عليه‌السلام « وقد تجوز الصلاة فيما لم تنتبه الأرض ولم يحل أكله مثل السنجاب والفنك والسمور والحواصل إذا كان مما لا يجوز في مثله وحده الصلاة » خاص بما لا تتم الصلاة به ، والتيمم بعدم القول بالفصل ليس أولى من العكس ، فلا محيص حينئذ عن القول بعدم الجواز الموافق للإطلاقات والعمومات ومعاقد الإجماعات ، خصوصا ولم يعرف الخلاف في ذلك إلا من الشيخ والإصباح والجامع والوسيلة ، مع أن الأخير قيده بالخوارزمية موافقة لما سمعته من النص ، والأولون أطلقوا ، ولم نعرف لهم دليلا بل ولا موافقا سوى ما عن المراسم من أنه وردت رخصة في الحواصل ، وفيه الاحتمال السابق ، فمن الغريب دعوى الشيخ في المبسوط عدم الخلاف في الجواز ، ومنه يعرف ما في منظومة الطباطبائي من الجواز للنص والإجماع المنقول ، فإن أراد ما في المبسوط فاعتماده عليه فضلا عن تسميته إجماعا غريب ، وإن أراد غيره فلم نعثر عليه ، وأما النص فهو مقيد بالخوارزمية ، فكان عليه التقييد به ، مع أنه من الغريب على طريقته العمل بمثله ، خصوصا بعد ما في الدروس والبيان من أن رواية الجواز مهجورة ، والله أعلم.

المسألة الرابعة لا يجوز لبس الذهب للرجل إجماعا أو ضرورة ، ولا الصلاة في الساتر منه بلا خلاف أجده ، بل ولا فيما تتم الصلاة به منه وإن لم يقع به الستر فعلا ،

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

١٠٩

كما عن الشيخ نجيب الدين الاعتراف به ، قال : « يشترط أن لا يكون لباس الرجل في الصلاة ذهبا بلا خلاف » وما في المحكي عن الألفية والمقاصد العلية ورسالة صاحب المعالم « يشترط في الساتر أن لا يكون ذهبا » لا يراد منه الجواز في غيره ، بل قد يظهر من منظومة العلامة الطباطبائي عدم الخلاف في مطلق الملبوس من الذهب ولو خاتما ، ولعله كذلك ، وإن كان قد تردد فيه في المحكي عن المنتهى والمعتبر ، بل في الأول التردد في غير الساتر من الثوب المنسوج بالذهب والمموه به وفي المنطقة ، لكن قرب البطلان ، لأن الصلاة فيه استعمال له ، والنهي في العبادة يدل على الفساد ، ومثله لا يعد خلافا ، بل قد يناقش في دليله المقتضي للبطلان في كل ما حرم لبسه من الذهب وغيره بأنه لا تلازم بين الحرمة والبطلان إلا إذا أريد من اللبس الكون فيه ، كما هو ظاهره أو صريحه في التذكرة ، فيتجه البطلان حينئذ كالصلاة في المكان المغصوب ، بناء على المعلوم من مذهب الإمامية من عدم جواز اجتماع الأمر والنهي ، لكن قد يمنع ، للفرق الواضح بين حرمة اللبس وبين الكون في المكان المغصوب بعدم رجوع الأول إلى النهي عن شي‌ء من أجزاء الصلاة ، فإن اللبس أمر مغاير للأجزاء بخلاف الثاني.

نعم لو قلنا باقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن الضد أمكن ذلك ، لأنه مأمور بالنزع من غير فرق بين الساتر وغيره مع استلزام نزعه ما يبطل الصلاة كالفعل الكثير وزوال الطمأنينة ، كما أنه يمكن البطلان فيما يحصل به الستر فعلا منه وإن لم نقل بذلك ، لكونه من موارد اجتماع الأمر والنهي عندنا ، لعدم الفرق بين الواجب الأصلي والمقدمي في ذلك ، بناء على وجوب مقدمة الواجب شرعا ، أو على أن الأمر بالستر في الصلاة قد تحقق ، فلا يتحقق في المنهي عنه ، وليس هو كقطع المسافة للحج الذي علم إرادة التوصل منه صرفا بحيث لا يقدح اجتماعه مع المحرم ، مع أن المتجه بناء على وجوب المقدمة شرعا التزام انه حرام سقط به الواجب لا أنه مما اجتمعا فيه.

١١٠

والمناقشة بأنه يلتزم بنحوه في المقام أيضا يدفعها إمكان الفرق بينهما أولا بظهور أدلة الشرطية هنا فيما لا يشمل مثل هذا الستر ، فالبطلان حينئذ لعدم تحقق الشرط بخلاف مثال القطع الذي لا مدخلية له في الصحة ، وثانيا بأنه لما أمر بالستر للصلاة كان الشرط الستر المأمور به ، ولا ريب في عدم حصوله في الفرض ، ضرورة كون الحاصل منه في الخارج فردا للبس المحرم ، فلا يتحقق كونه المأمور به ، لعدم اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد شخصي من غير فرق بين العبادة وغيرها ، فلم يحصل الشرط للصلاة ، فتبطل كما تسمعه إن شاء الله في الاستتار بالمغصوب ، ولعل ما ذكرناه أولا يرجع إلى هذا ، ومن ذلك كله يظهر لك ما في كشف اللثام ، فان الجمع بين أطراف كلامه محتاج إلى تأمل ، بل لعل كلامه في المغصوب كالصريح فيما ينافي أول كلامه هنا ، فلاحظ وتأمل.

كما أنه ظهر لك وجه البطلان لو كان هو الساتر من غير جهة اتحاد الكون ، إلا أنه على كل حال لا ريب في أولوية الاستناد هنا إلى النصوص الدالة على الحكم في جميع أفراد الدعوى ، ففي موثق عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام « لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه ، لأنه من لباس أهل الجنة » وفي‌ خبر موسى بن أكيل (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « جعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه » وفي‌ خبر جابر الجعفي (٣) المروي عن الخصال عن أبي جعفر عليه‌السلام « يجوز للمرأة لبس الديباج ـ إلى أن قال ـ : ويجوز أن تتختم بالذهب وتصلي فيه ، وحرم ذلك على الرجال » والمناقشة في السند أو الدلالة أو فيهما مدفوعة بالانجبار بالشهرة العظيمة أو الإجماع كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

١١١

نعم قد يتوقف في المذهب تمويها أو غيره باعتبار انسياق لباس خصوص الذهب من الأدلة ، لا أقل من أن يكون مشكوكا فيه منها ، فينبغي الاقتصار على المتيقن فيما خالف الأصل ، خصوصا ولا جابر للنصوص هنا ، لاختلاف الأصحاب فيه ، ففي الغنية « تكره الصلاة في المذهب والملحم بالذهب بدليل الإجماع المشار اليه » وفي الإشارة « وكما يستحب صلاة المصلي في ثياب البيض القطن والكتان كذلك تكره في المصبوغ منها ، وتتأكد في السود والحمر ، وفي الملحم بذهب أو حرير » وفي المحكي عن الوسيلة « والمموه من الخاتم والمجرى فيه الذهب والمصوغ من النقدين على وجه لا يتميز والمدروس من الطراز مع بقاء أثره حل للرجال » وعن الحلبي « وتكره الصلاة في الثوب المصبوغ ، وأشده كراهية الأسود ، ثم الأحمر المشبع والمذهب والموشح والملحم بالحرير والذهب » واختاره العلامة الطباطبائي في المنظومة ، بل لعله ظاهر من اقتصر على اشتراط أن لا يكون من ذهب.

خلافا للفاضل والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم على ما حكي عن البعض فالبطلان مطلقا ، ولعله لإطلاق النصوص السابقة ، خصوصا في المنسوخ الذي هو جزء لباس ، بل قد يدعى أن المراد من النهي في النصوص أمثال ذلك ، لعدم تعارف لباس ساتر مثلا منه خالص ، فالمراد حينئذ ما تعارف اتخاذه منه من حلي أو نسج أو تمويه أو نحو ذلك ، لكن قد يناقش بأنه مجاز في لفظ « في » لا قرينة عليه ولو تعذر الحقيقة كما سمعته فيما لا يؤكل لحمه ، اللهم إلا أن يدعى أن ذلك كله من مصداق « في » حقيقة ، أو أن القرينة تعارف لباس الذهب على النحو المزبور ، ومن هنا جزم الأستاذ في كشفه بالبطلان ، فقال : « الشرط الثالث أن لا يكون هو أو جزؤه ولو جزئيا أو طليه مما يعد لباسا أو فيما يعد لباسا أو لبسا ولو مجازا بالنسبة إلى الذهب ، من الذهب ، إذ لبسه ليس‌

١١٢

على نحو لبس الثياب ، إذ لا يعرف ثوب مصوغ منه ، فلبسه إما بالمزج أو التذهب أو التحلي أو التزيين بخاتم ونحوه » وإن كان لا يخلو من مناقشة في الجملة ، لكن لا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى.

نعم ينبغي الجزم بعدم البأس في المحمول منه سواء في ذلك المسكوك وغيره ، والمتخذ للنفقة وغيره ، لعدم تناول الأدلة السابقة له حتى خبر النميري (١) فيبقى على الأصل ، بل قد يؤيده إطلاق الأمر للحاج بشد هميان نفقته على بطنه مع غلبة كونها دنانير ، وما تسمعه من جواز ضب الأسنان به ، والسيرة المستمرة ، وظهور تلك النصوص في أن المبطل للصلاة ما يحرم لبسه منه ، ضرورة انسياق وحدة الموضوع في اللبس والصلاة منها ، ولذا قيل : إن لبسه في الصلاة يجمع ثلاثة آثام لحرمة لبسه في نفسه وللصلاة ذاتا وتشريعا ، وإن كان لا يخلو من نظر ، وعلى كل حال فمن هذا الأخير يستفاد حينئذ عدم البطلان فيما جاز منه وإن سمي لبسا عرفا ، كالسيوف المحلاة به والخناجر وغيرها من أنواع السلاح ونحوه مما دلت النصوص على نفي البأس عنه ، كخبر داود (٢) عن الصادق عليه‌السلام « ليس بتحلية المصاحف والسيوف بالذهب والفضة بأس » وعبد الله بن سنان (٣) « ليس بتحلية السيف بأس بالذهب والفضة » وبه جزم الأستاذ في كشفه ، بل لم أعرف من تردد في المحمول منه عدا الأستاذ الأكبر في أول كلامه لخبر النميري ، واحتمال صدق « في » على نحو ما ادعى في غير المأكول ، مع أن ظاهره العدم أيضا بعد ذلك ، وهو الوجه ، بل ينبغي الجزم بعدم البأس في شد الأسنان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

١١٣

به ، إما لعدم اندراجه في النصوص السابقة ، أو لما في‌ صحيح ابن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « ان أسنانه استرخت فشدها بالذهب » وفي‌ خبر عبد الله بن سنان (٢) المروي عن مكارم الأخلاق للطبرسي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الرجل ينفصم سنه أيصلح له أن يشدها بالذهب؟ وإن سقطت أيصلح أن يجعل مكانها سن شاة؟ قال : نعم إن شاء ليشدها بعد أن تكون ذكية » وكان اعتبار التذكية فيه كخبري الحلبي (٣) عنه عليه‌السلام لما يستصحبها من اللحم ، واحتمال أن الجواب فيه للثاني دون الأول بعيد ، ولعله لذا جزم به الأستاذ في كشفه ، بل زاد على ذلك ، فقال : « والضب للأسنان أو بعض الأعضاء والوجود في البواطن لا بأس به » والله أعلم.

وكذا لا يجوز لبس الحرير المحض للرجال إجماعا من المسلمين ولا الصلاة فيه عندنا إذا كان مما تتم به الصلاة ، سواء كان ساترا أم لا كما في الذكرى وكشف اللثام ، بل هو مقتضى إطلاق معقد الإجماع في الخلاف والتذكرة ، والمحكي عن كشف الالتباس والمنتهى على البطلان به ، بل عن الأخير في أثناء عبارته التصريح به ناسبا له إلى علمائنا ، ولعله كذلك ، لما عرفته في الذهب وإن كان لا ينطبق على تمام المدعى إلا على وجه سمعت البحث فيه ، وللنصوص المستفيضة المعتبرة ولو بضميمة ما سمعت ، ففي‌ مكاتبة ابن عبد الجبار (٤) إلى أبي محمد عليه‌السلام « عن الصلاة في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج فكتب لا تحل الصلاة في حرير محض » ونحوها مكاتبته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢ و ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٢.

١١٤

الأخرى (١) المتقدمة سابقا ، وسأل أبو الحارث (٢) الرضا عليه‌السلام « هل يصلي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال : لا » ونحوه خبر إسماعيل بن سعد الأحوص (٣) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المطلوب منطوقا أو مفهوما.

فما في‌ خبر ابن بزيع (٤) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصلاة في ثوب ديباج فقال : ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس » يجب طرحه أو حمله على التقية ، لأن المشهور عندهم صحتها وإن حرم اللبس ، أو على إرادة الممتزج بالحرير من الديباج فيه ، كما يومي اليه مقابلته بالحرير المحض في الخبر السابق وغيره ، وعن المغرب الديباج الثوب الذي سداه أو لحمته إبريسم ، وعندهم اسم للمنقش ، والجمع : ديابيج ، وعن النخعي انه كان له طيلسان مدبج أي أطرافه مزينة بالديباج ، أو على غير ذلك مما لا ينافي ما ذكرناه.

فعدم الجواز حينئذ في الصلاة وغيرها لا ريب فيه إلا في حال الحرب وعند الضرورة كالبرد المانع من نزعه فيجوز لبسه حينئذ بلا خلاف أجده ، بل في الذكرى وظاهر المدارك وصريح المحكي عن المعتبر وكشف الالتباس الإجماع عليه ، كصريح جامع المقاصد في الأول ، وظاهره والمحكي عن المنتهى وصريح التذكرة في الثاني ، وقال الصادق عليه‌السلام في خبر إسماعيل بن الفضل (٥) : « لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير إلا في الحرب » ومرسل ابن بكير (٦) « لا يبلس الرجل الحرير والديباج إلا في الحرب » ول‌ سماعة بن مهران (٧) لما سأله عن لباس الحرير والديباج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٣.

١١٥

« أما في الحرب فلا بأس وإن كان فيه تماثيل » إلى غير ذلك مما ورد في الحرب.

أما الضرورة فمع معلومية إباحة المحظورات عند الضرورات يدل عليها عموم (١) قولهم عليهم‌السلام : « وليس شي‌ء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر اليه » و‌ « كلما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر » (٢) و‌ « رفع عن أمتي ما لا يطيقون » (٣) ونحو ذلك مما دل على دفع الضرر من العقل والنقل ، وتقدمه على غيره من الواجبات ، ولا إشكال حينئذ في صحة الصلاة معها ، لعدم سقوطها بحال ، والبحث في وجوب التأخير مع العلم بالزوال أو رجائه وعدمه ما سمعته مكررا في غيره من ذوي الأعذار ، فلا وجه لإعادته ، كما أنه لا وجه للبحث عن الضرورة ، إذ هي كغيرها من الضرورات التي يسقط بها التكليف في الواجبات والمحرمات ، وربما كان دفع القمل والحكة ونحوهما منها إذا كانا بحيث لا يتحملان عادة ، ولعله لذا رخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) عبد الرحمن بن عوف والزبير في لبسه لما شكيا من القمل.

ومن الغريب ما عن المعتبر من أن الأقوى عدم التعدية إلى غيرهما وإن وجه بأنه مبني على ما ذهب إليه في أصوله من عدم حجية منصوص العلة إلا أن يكون هناك شاهد حال دال بالقطع على سقوط اعتبار ما عدا تلك العلة حتى يصير برهانا. إذ فيه أن الدليل ما عرفته لا العلة المزبورة ، نعم لو أراد عدم التعدية من حيث القمل وإن لم يبلغ حد الضرورة اتجه ذلك ، لعدم العلم بكيفية ثبوت ذي العلة ، بل لم أعثر على الخبر المزبور مسندا من طرقنا وإن اشتهر نقله في كتب أصحابنا ، قال في الفقيه : لم يطلق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٦ و ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس ـ من كتاب الجهاد.

(٤) صحيح مسلم ج ٦ ـ ص ١٤٣ ـ المطبوع بالأزهر.

١١٦

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبس الحرير لأحد من الرجال إلا لعبد الرحمن بن عوف ، وذلك انه كان رجلا قملا ، ولا ريب في إرادة وصوله إلى حد الضرورة المبيحة ، وإلا ثبت جوازه لغير الأمرين المذكورين المنافي لظاهر النصوص والفتاوى ، بل ربما أدرج أولهما في ثانيهما ، وإن كان هو خلاف ظاهر العطف في كلام الأكثر ، بل وخلاف إطلاق النصوص ، نعم ينبغي الفرق بين ضرورة القمل ونحوه وضرورة البرد مثلا بجواز الصلاة فيه في الثانية دون الأولى ، لعدم خوف ضرر القمل بلبس غيره حال الصلاة خاصة ، بخلاف البرد المفروض التضرر بنزعه معه ولو حال الصلاة خاصة ، أما لو فرض العكس انعكس الحكم ، وبالجملة فالمدار على الضرورة حال الصلاة ، واحتمال الاكتفاء في رفع مانعيته للصلاة بجواز لبسه للضرورة لا للتلازم بين البطلان وحرمة اللبس ، والجواز والصحة ، ضرورة تعقل الانفكاك ، بل لدعوى ظهور النصوص والفتاوى في اتحاد موضوع الحرمة والبطلان والصحة والجواز واضح المنع ، بل يمكن القول بوجوب ساتر آخر ولو فوقه في صورة جوازه للضرورة ، إذ هي ترفع مانعيته لا تثبت (١) صلاحيته ، لتحقق الساتر المأمور به الذي علم من الأدلة كونه غير حرير ، لعدم اقتضاء دليلها ذلك ، ونحوه يأتي في الحرب أيضا ، ودعوى التلازم بين رفع المانعية هنا وبين تحقق الشرطية التي هي مطلق التستر يمكن منعها ، لظهور‌ قوله عليه‌السلام في التوقيع (٢) : « لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان » وغيره في خلافه بعد حمل ذلك فيه على المثال لكل ما تجوز الصلاة فيه ، ولو سلم في المقام أمكن منعه في غيره من محال الضرورة كالمأكولية ونحوها ، فتأمل جيدا فإن المسألة عامة نافعة.

وليس من الضرورة عدم الساتر غيره بلا خلاف أجده فيه ، بل في الذكرى وغيرها‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح « لأنها تثبت ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٨.

١١٧

ما قد يشعر بالإجماع عليه ، فيصلي حينئذ عاريا وإن فاته من الأركان ما لم يفته لو صلى فيه ، لإطلاق النهي ، فوجوده كعدمه حينئذ ، فيشمله حينئذ ما دل (١) على كيفية صلاة فاقد الساتر ، ودعوى أن ما دل (٢) على وجوب الركوع ونحوه يشرع الصلاة في الحرير مقدمة لحصوله كما ترى ، ولو سلم أن بين الأدلة التعارض من وجه كان الترجيح لما ذكرنا قطعا ، فتأمل.

ولو اضطر إلى لبسه أو النجس بناء على عدم الاذن في النجس مطلقا إلا للضرورة أمكن ترجيحه على الحرير بأن مانعه عرضي بخلاف الحرير ، وبأن في الحرير حرمة اللبس وليس في النجس ذلك ، واحتمال معارضة ذلك بأهونية حرمته من النجس ، ولذا جوز في الحرب ، وبأنه خص جواز لبسه للضرورة في الفتاوى ، وهو أولى مما بقي تحت الضرورة الكلية ، ولعله بهذا الاعتبار يرجح الفنك والسمور على غيرهما مما لا يؤكل ، لما سمعته من النص عليهما بالخصوص للضرورة ، كما أنه بالاعتبار الأول يعلم ترجيح النجس على غير المأكول ، وبالثاني ترجيح غير المأكول على الحرير ، والمدار في الترجيح على تعدد جهة النهي وعلى شدة المبغوضية ونحو ذلك مما يساعد عليه العقل ، أما غيرهما من الاعتبارات فيقوى عدم اعتبارها ، ولعل هذا هو الذي أراده العلامة الطباطبائي بقوله :

وفي اضطرار استبح ما منعا

وأخر المغصوب حيث وقعا

وأنت في الباقي على الخيار

وقد يرى الترتيب باعتبار

ولعله منه ترجيح الفنك بكثرة ما دل على جوازه أو الحواصل بناء على المنع منها بأنه قد ذهب جماعة إلى جوازها اختيارا ونحو ذلك مما لا يرجع إلى شي‌ء معتبر شرعا أو عقلا بحيث يصلح للوجوب.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الركوع.

١١٨

ثم إن إطلاق الحرب في النصوص يقضي بعدم اختصاص الرخصة فيه بكونه بطانة للدرع ، ليدفع ضرر زرده عند الحركة ، كما عساه يتوهم من تعليل بعضهم بذلك ، مع أنه علل أيضا بأنه يحصل به قوة القلب ونحوه مما لا يخصه ، وما عن المراسم « وكذلك رخص للمحارب أن يصلي وعليه درع إبريسم » كالمحكي عن الجامع يراد منه الثواب ، وما في كشف اللثام من أن المراد بطانة الدرع بعيد ، وعليه فقد لا يريد الاختصاص ، نعم الظاهر اختصاص الرخصة في الجائز من الحرب ولو للدفع عما له الدفع دونه ، لأنه المنساق ، واحتمال التخصيص بالجهاد مع الإمام أو مأذونه بعيد ، ولعل التقييد في كشف اللثام بالحرب في سبيل الله يرجع إلى ما ذكرنا ، والمدار على صدق كونه في الحرب عرفا ، والظاهر تحقق ذلك في الاشراف والاستعداد ونحوهما ، فلا يعتبر فعلية القتال ، ولا يكفي المقدمات البعيدة.

والمراد استثناء حال الحرب من حرمة اللبس وبطلان الصلاة معا كما هو ظاهر المتن أو صريحه ، بل وغيره من كلمات الأصحاب ، ولعله لإطلاق نفي البأس حاله في النصوص السابقة المرجحة على إطلاق النهي عن الصلاة فيه بفهم الأصحاب ، ومناسبة التخفيف الذي هو الحكمة في الرخصة ، وبغير ذلك ، فلا يقدح حينئذ كون التعارض بينهما من وجه ، فتصح الصلاة فيه حينئذ حال الحرب وإن أمكنه النزع بمقدار الصلاة ، لما عرفت من إطلاق النص والفتوى ، فما عساه يظهره مما عن المبسوط « فإن فاجأته أمور لا يمكنه معها نزعه في حال الحرب لم يكن به بأس » من اعتبار عدم التمكن ضعيف ، أو لا يريده ، والله أعلم.

هذا كله في الرجال وإلا فـ ( يجوز ) لبسه للنساء من حيث كونه لبسا إجماعا أو ضرورة من المذهب بل الدين ، بل مطلقا في حال الصلاة وغيرها على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل في حاشية الأستاذ الأكبر والمحكي عن شرح الشيخ‌

١١٩

نجيب الدين أن عليه عمل الناس في الأعصار والأمصار ، بل في الذكرى وغيرها أن عليه فتوى الأصحاب مشعرا بدعواه ، ولعله كذلك ، إذ لم أجد فيه خلافا إلا من الصدوق رحمه‌الله ، فلم يجوزها لهن فيه (١) وحكي عن أبي الصلاح ولم أتحققه ، وربما مال اليه المقدس الأردبيلي والفاضل البهائي ، وخلاف مثلهم لا يقدح في دعواه ، وكأنه من جملة الأحكام التي استغنت بشهرتها عن ورود النصوص فيها بالخصوص ، مع أن أكثر ما ورد بالمنع من الصلاة لا يخلو من إشعار بالاختصاص بالرجل ، كصحيح إسماعيل بن سعد (٢) وخبر أبي الحارث (٣) بل وصحيح ابن عبد الجبار (٤) الذي ذكر فيه القلنسوة التي هي من خواص الرجال ، وإن كان هو لا يخصص الجواب ، وك خبر الحلبي (٥) المذكور فيه مع ذلك لفظ « ويصلى فيه » الظاهر فيهم أيضا ، بل قصر السؤال في بعض النصوص (٦) على الرجل كالصريح في ذلك ، ضرورة أولوية النساء منهم في السؤال باعتبار حلية لبسه لهن المقتضية بالاستصحاب ، وبإطلاق ما دل عليها من النصوص (٧) منطوقا أو مفهوما ، كالمنطوق جوازه في الصلاة أيضا ، مضافا إلى أصالة عدم المانعية ، ومرسل ابن بكير (٨) « النساء يلبس الحرير والديباج إلا في الإحرام » الذي هو بقرينة الاستثناء كالصريح في ذلك ، على أنه لم نقف على شاهد.

لدعوى الصدوق بالخصوص إلا‌ خبر جابر الجعفي (٩) المروي عن الخصال « يجوز للمرأة‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح « فلم يجوز لهن فيها ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١ و ٧ والباب ١٢ ـ من الحديث ١ و ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

١٢٠