جواهر الكلام - ج ٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

جواز تقديم صلاة الليل والوتر وتأخيرهما لذوي الأعذار ، كصحيح سليمان بن خالد (١) وحسنة عبد الله بن سنان (٢) ورواية عمر بن يزيد (٣) ورواية أبي جرير القمي (٤) ورواية الحلبي (٥) وخبر يعقوب بن سالم (٦) وغيرها من الأخبار التي قوبل فيها الوتر بصلاة الليل التي هي الثمان ، أو وسطت بينها وبين ركعتي الفجر ، فان المعلوم بقرينة المقابلة أن المراد بها الثلاث دون الواحد ، فهذه الأخبار وما في معناها وجملتها خمسون حديثا أو أكثر قد تضمنت إطلاق الوتر على الركعات الثلاث وتحديده بها ، وقد علم منها ومن الروايات المتقدمة التي استعمل فيها الوتر في الركعة الواحدة وروده فيها بالمعنيين ، واستفاضة النقل بهما ، وان كان استعماله في الثلاث أكثر وأغلب ، وقد اجتمع الأمران في بعض الأخبار ، كما انه ورد استعمال الوتر في روايات العامة في الواحدة والثلاث والخمس والسبع (٧) واستفادوا منها كون الوتر هي صلاة الليل المقطوعة على وتر في آخرها ، وربما احتمله بعض أخبارنا أيضا ، والأمر في ذلك سهل.

انما الكلام في تعيين المعنى الحقيقي للوتر شرعا بحيث إذا أطلق يحمل عليه ، وقد اختلف فيه أصحابنا وغيرهم بعد الاتفاق من الجميع على نقله عن معناه الأصلي ووضعه للصلاة ، وعدم خروجه من صلاة الليل على أقوال ، أحدها وهو ظاهر الأكثر من علمائنا انه حقيقة في الركعة الواحدة التي هي آخر صلاة الليل ، بل عن جملة من كتبهم تحديد الوتر بها وتحديدها به ، بل قد سمعت فيما تقدم معقد صريح الإجماع وظاهره من الصدوق والشيخ والفاضل وغيرهم مما هو صريح أو كالصريح في انه حقيقة عندهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٠ من كتاب الصلاة.

(٧) صحيح النسائي ج ٣ ص ٢٣٨ المطبوع بالأزهر عام ١٣٤٨.

٦١

في الركعة الواحدة ، وقد يشهد له مضافا إلى ذلك وإلى ما عرفته من الاستعمال في كثير من الأخبار‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « الوتر ركعة من آخر الليل » بل وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن الوتر صلاة واحدة » لكن بناء على ما عندنا من أن الثلاث صلاتان إذ لا يكون حينئذ وترا إلا باعتبار انضمام إحدى الصلاتين إلى الأخرى ، وبهذا الاعتبار يمكن صيرورتها وترا مع جميع الصلوات التي قبلها ، بل صيرورة جميع الصلوات وترا ، والظاهر من تسمية الوتر بهذا الاسم كونها وترا بنفسها لا باعتبار أمر آخر كما هو واضح.

نعم لو قلنا بمقالة أبي حنيفة ومن تابعه من أن الوتر ثلاث ركعات موصولة بتسليمة واحدة أمكن حينئذ المناقشة في الاستدلال بالخبر المزبور ، لكنه في غاية الضعف عندنا ، للنصوص السابقة وغيرها مما يمكن دعوى تواترها في ذلك ، بل قد يقطع من لاحظها وما اشتملت عليه من الأمر بإيقاظ الراقد ونفي البأس عن الكلام والشرب وقضاء الحاجة والنكاح ونحو ذلك بين الركعتين والركعة ، وكثرة السؤال عن ذلك بأن المراد منها التعريض بأبي حنيفة وأصحابه القائلين بالوصل ، بل يمكن أيضا تحصيل الإجماع على خلافه ، بل قد سمعت دعواه ممن تقدم.

وربما يشهد له التتبع ، إذ لم نجد فيه خلافا من أحد إلا من بعض متأخري المتأخرين ، فخير بين الفصل والوصل جمعا بين الأخبار السابقة وبين‌ خبر كردويه الهمداني (٢) « سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن الوتر فقال : صله » بشهادة‌ خبر منصور (٣) عن مولى لأبي جعفر عليه‌السلام قال : « ركعتا الوتر إن شاء تكلم بينهما وبين الثالثة وإن شاء لم يفعل » وصحيحتي معاوية بن عمار (٤) ويعقوب بن‌

__________________

(١) صحيح النسائي ـ ج ٣ ص ٢٣٣ المطبوع بالأزهر ـ عام ١٣٤٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١٧.

٦٢

شعيب (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التسليم في ركعتي الوتر فقال عليه‌السلام : إن شئت سلمت وإن شئت لم تسلم ».

وهو في غاية الضعف ، ضرورة قصور الخبر الأول عن المقاومة لما تقدم من وجوه ، خصوصا بعد موافقته لمذهب أبي حنيفة ، وعدم صراحة الأمر بالوصل فيه في عدم التسليم على الركعتين ، والجمع فرع المكافاة ، على أن خبر التخيير الأول مع إرساله بل وإضماره في وجه لا صراحة فيه أيضا بعدم التسليم ، وأما الصحيحتان فقد حملهما الشيخ تارة على أن المراد بالتسليم فيهما قوله : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين دون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لعدم وجوبهما معا في الخروج من الصلاة ، وأخرى على أن المراد به ما يستباح به من الكلام وغيره تسمية للمسبب باسم السبب ، وثالثة على التقية ، ولعله أولى من الأولين ، ولا ينافيه وجوب الوصل عند أبي حنيفة لا التخيير ، لعدم انحصار مذاهبهم فيه أولا ، بل لعل مقتضى الحمل المزبور من الشيخ وجود قول لهم بالتخيير ، وهو أعلم من غيره بهم ، وإمكان منع اعتبار وجود قول لهم في ورود الأخبار مورد التقية ثانيا ، كما ذهب اليه بعض الأفاضل ، ويومي اليه‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « أنا أوقعت الاختلاف بينكم كي لا تعرفوا فتؤخذوا » أو لأن ذلك أقرب في دفع التقية من تعيين الفصل ، فلعل المقام كان يمكن رفعه بذلك ، فذكره عليه‌السلام واقتصر عليه ولم يأمر بالوصل ، أو غير ذلك ، وإن أبيت ذلك كله فلا بد من الطرح قطعا ، لوضوح الضعف عن المقاومة لبعض ما ذكرنا فضلا عن جميعه ، واحتمال تأييده بالأخبار المعتبرة المستفيضة جدا المتضمنة لإطلاق الوتر على الثلاث باعتبار إشعارها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١٦.

(٢) علل الشرائع ج ٢ ـ باب ـ ١٣١ ـ « العلة التي من أجلها حرم الله عز وجل الكبائر » الحديث ١٥.

٦٣

بالوصل يدفعه ـ مع انها معارضة بالأخبار المتضمنة لإطلاقه على الواحدة باعتبار إشعارها أيضا بالانفصال ـ انه لا تلازم بين الإطلاق على الثلاث والوصل ، إذ يمكن كون الوتر اسما للثلاثة المفصولة كما صرح به في بعض الأخبار السابقة ، ويمكن كونه اسما للثالثة الموصولة ، ويقوى في ظني أن كثرة إطلاق الوتر على الثلاث في تلك الأخبار وتحديده بها لإيهام الاتصال تقية.

ومنه يظهر ضعف دعوى انه حقيقة في الثلاث ، وهو القول الثاني كما في المدارك والذخيرة وعن الفاضل البهائي والمدقق محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني وغير واحد من شراح الحديث وأبي حنيفة وأصحاب الرأي ، بل قيل : إنهم حكوا ذلك عن علي عليه‌السلام وعمر وأبي وأنس وابن مسعود وأبي أمامة وعمر بن عبد العزيز ، لكثرة الاستعمال ، ولما‌ ورد (١) من طريق العامة والخاصة « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يوتر بثلاث ركعات » وللتحديد بالثلاث في النصوص السابقة ، وفيه أن الكثرة ليست من أمارات الحقيقة خصوصا بعد أن كان الداعي في هذا الاستعمال ما ذكرناه من إبهام الاتصال تقية ، ومنه يظهر ضعف الاستدلال بالآخرين.

ويؤيد ما ذكرنا مضافا إلى ما سمعت أنه لا إشكال في أن الوتر في عرف المتشرعة اسم للركعة الواحدة كما ظهر لك مما تقدم ، ويشهد به استعمالهم الشائع المعروف زيادة على نص الفقهاء منهم ، فيكون في عرف الشارع كذلك ، وإلا لزم النقل المخالف للأصل والظاهر أيضا ، لاقتضائه هجر الحقيقة الشرعية في عرف المتشرعة ، وهو مستبعد جدا ، فإن الحقائق الشرعية حقائق في عرف المتشرعة ، ولا يكاد يوجد شي‌ء نقله‌

__________________

(١) صحيح النسائي ج ٣ ص ٢٣٥ ـ المطبوع بالأزهر عام ١٣٤٨ ومستدرك الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٦٤

الفقهاء إلى معنى آخر ، وقد ذكر علماء الأصول في تحرير محل النزاع في الحقيقة الشرعية ان موضع الخلاف هي الألفاظ المتداولة على لسان المتشرعة التي هي حقائق عندهم في معانيها الشرعية ، ومقتضى ذلك أن كل حقيقة شرعية حقيقة في عرف المتشرعة ، فلو كان الوتر حقيقة في غير الواحدة في عرف الشارع لزم أن يكون كذلك في عرف المتشرعة ، والمعلوم من حالهم خلاف ذلك.

فالأقوى حينئذ القول الأول ، ودونه في القوة ـ وان كان هو أقوى من الثاني إلا أنه لم نجد قائلا به بخلاف الثاني ـ احتمال اشتراط لفظ الوتر بين الكل والجزء ، للاستعمال فيهما على وجه يمكن دعوى استفادة كونه حقيقة في كل منهما.

وكيف كان فأقوال أصحابنا منحصرة في القولين وان كانت الاحتمالات ثلاثة ، نعم يحكى عن الزهري من العامة انه في شهر رمضان ثلاث ركعات وفي غيره ركعة واحدة ، ولا شاهد له من الأخبار ، بل قيل ولم يوافقه على ذلك أحد من الفقهاء ، وعن الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنهما ان الوتر كل فرد من صلاة الليل من الواحدة إلى الإحدى عشر ، أقله الأول ، وأكثره الثاني ، وما بينهما من الأفراد مترتبة في الفضل ، وأدنى الكمال هو الثلاث ، وأفضل منه الخمس ، ثم السبع ، ثم التسع ، ثم الإحدى عشر ، ولا يجوز الزيادة عليها ، استنادا إلى الجمع بين ما‌ روي (١) عنه (ص) انه قال : « الوتر حق على كل مسلم ، فمن أحب أن يوتر بسبع فليفعل ، ومن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل » وما‌ روي (٢) أيضا « انه (ص) كان يوتر بأربع وثلاث ، وست وثلاث ، وثمان وثلاث ،

__________________

(١) رواه أبو داود في سننه ـ ج ٢ ص ٨٥ ـ وليس فيه جملة‌ « فمن أحب أن يوتر بسبع فليفعل ». (٢) سنن البيهقي ـ ج ٣ ص ٢٨.

٦٥

وعشر وثلاث ، ولم يكن يوتر بأنقص من سبع ولا بأكثر من ثلاث عشر » وحملا للركعتين في الخبر الثاني على سنة العشاء ، فإنها عندهم ركعتان ، أو افتتاح الوتر ، وهي ركعتان خفيفتان ، لما‌ روي (١) « انه (ص) كان يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة ، يسلم بين كل ركعتين ، ويوتر بواحدة » ويحكى أيضا عن مالك بن أنس وابن عباس في إحدى الروايتين ان الوتر ركعة قبلها شفع منفصل عنها ، أقله ركعتان ، ولا حد لأكثره ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة يوتر لك ما صليت » وعن الثوري وإسحاق أنه ثلاث وخمس وسبع وتسع وأحد عشر لا ينقص عن الثلاث ولا يزيد على الإحدى عشر ، استنادا إلى ما مر في نفي الأكثر ، وإلى ما‌ روي « انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يوتر بثلاث » في نفي الأقل.

ويسهل الخطب ان هذه الأقوال الأربعة مع وضوح ضعفها لم يذهب إليها أحد من أصحابنا ، بل هي أقوال العامة ورواياتهم ، وموضع الخلاف تعيين المعنى الموضوع له الوتر شرعا ، وقد عرفت التحقيق فيه ، والحمد لله.

كما انك عرفت عدم الاشكال عندنا في مفصولية الشفع عن الوتر بالتسليم ، وقضيته استحباب القنوت في الركعة الثانية منهما ، لعموم ما دل (٣) على استحبابه في كل صلاة فريضة وتطوع من نصوص وإجماعات ، وخصوص‌ خبر رجاء بن الضحاك (٤) عن الرضا عليه‌السلام « انه كان يقنت في الثانية من الشفع قبل الركوع ، قال : فإذا‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٢ ص ٤٨٦.

(٢) صحيح النسائي ج ٣ ص ٢٣٣ المطبوع بالأزهر عام ١٣٤٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القنوت.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢٤ لكن رواه عن ابن أبي الضحاك وهو الصحيح.

٦٦

سلم قام فصلى ركعة الوتر ـ إلى أن قال ـ : وقنت قبل الركوع وبعد القراءة ، ويقول في قنوته » إلى آخره. المنجبر ضعفه بالعمل ، بل قيل : إنه نص عليه أكثر الأصحاب ، بل لم يعرف الخلاف فيه إلا من المحكي عن البهائي كما اعترف هو به ، قال في حاشية مفتاح الفلاح : « القنوت في الوتر انما هو في الثالثة ، وأما الأوليان المسماتان بالشفع فلا قنوت فيهما » واستدل على ذلك بصحيح ابن سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « القنوت في المغرب في الركعة الثانية ، وفي العشاء والغداة مثل ذلك ، وفي الوتر في الركعة الثالثة » قال : « وهذه الفائدة لم ينبه عليها علماؤنا » وربما تبعه عليه بعض متأخري المتأخرين ، بل عساه يفهم أيضا من مطاوي كلام سيد المدارك ، إلا أنه لا ريب في ضعفه ، ضرورة قصور الخبر عن معارضة ما سمعت من وجوه ، خصوصا مع احتماله التقية من أبي حنيفة وأتباعه ، بل الظاهر ان ذلك منه عليه‌السلام إيهاما لدفعها ، لا أن المراد عدم القنوت في الثانية ، إذ لا ريب في إشعاره باتصال الوتر وأن القنوت في الثالثة ، أو يكون المراد أن الوتر فيه قنوت في الثالثة مع الثانية بخلاف الصلوات الأول ، فإن فيها قنوتا واحدا في الركعة الثانية ، فيراد من الوتر حينئذ الركعات الثلاثة وإن كانت مفصولة ، كما سمعته سابقا في الإطلاقات السابقة ، وخصه بالتنبيه دون القنوت في الثانية لخفائه باعتبار اشتهار أن القنوت في الركعتين ، أو لبيان أن الركعة الثالثة صلاة مستقلة عن الأولين مفصولة عنهما ، قيل أو يكون المراد الاخبار بالمغرب عن القنوت لا أنه ظرف لغو وكذا الوتر ، فيكون التقدير القنوت في المغرب لا في غيرها حال كونه في الثانية ، والقنوت في الوتر لا في غيرها حال كونه في الركعة الثالثة ، على قياس‌ قوله عليه‌السلام في خبر وهب (٢) : « القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٢.

٦٧

والوتر والغداة » وغيره من الأخبار ، فيحمل حينئذ حصر القنوت في ذلك على التأكد أو على التقية ، ضرورة ثبوته في جميع الصلوات ، وهو كما ترى مع بعده لا يدفع ضيما ، إذ أقصى المراد منه نفي الدلالة على عدم القنوت في ثانية الوتر الذي مبناه حصر القنوت في الثالثة لو جعل خبرا له ، وفيه انه مع ذلك هو دال بسبب التقييد بالحال المزبورة خصوصا مع عدم ذكره للثانية المذكورة في الفرائض السابقة ، فتأمل جيدا ، أو يكون المراد إذا صلاها موصولة للتقية يقنت في الثالثة لها أيضا ، لأنه الكيفية المنقولة عنهم في فعل الوتر ، على أنه ربما نوقش في سند الخبر المزبور أيضا بأنه رواه في الاستبصار عن فضالة عن ابن مسكان ، وهو لا يروي عنه ، وان ابن سنان وإن كان المنساق منه عبد الله إلا أنه يحتمل كونه محمدا باعتبار أنه لم يصرح به فيه.

وبالجملة لا ينبغي التأمل في ضعف ذلك ، بل احتمال زيادة القنوتات ـ على أن تكون ثلاثة في الثلاث ركعات كما حكي عن تصريح جماعة كثيرة به منهم المصنف في المعتبر ، أو اثنان منهما في ثانية الشفع ، أحدهما قبل الركوع ، والآخر بعد الركوع ، والثالث في الركعة الثالثة كما عساه في بالي عن بعض الناس ـ أقرب من احتمال النقيصة وجعل القنوت واحدا فقط في الوتر ، وإن كنا لم نعثر لهم على دليل واضح ، وما في بعض الأخبار (١) من الأمر بالدعاء قبل الركوع وبعده لا يستلزم القنوت الذي يراد منه الكيفية الخاصة من رفع اليدين ونحوه لا المعنى اللغوي ، لكن على كل حال فالقول باتحاد القنوت مع فرض أنهما صلاتان مستقلتان في غاية الضعف كما هو واضح ، وقد يأتي لهذا تتمة إن شاء الله في بحث القنوت.

وأما صلاة الأعرابي ففي السرائر « ان فيها رواية إن ثبتت لا تتعدى » إلى آخره.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤.

٦٨

وقد أرسلها‌ الشيخ في المصباح (١) عن زيد بن ثابت قال : « أتى رجل من الأعراب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله إنا نكون في هذه البادية بعيدا من المدينة ، ولا نقدر أن نأتيك في كل جمعة ، فدلني على عمل فيه فضل صلاة الجمعة ، إذا مضيت إلى أهلي خبرتهم به ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كان ارتفاع النهار فصل ركعتين تقرأ في أول ركعة الحمد مرة وقل أعوذ برب الفلق سبع مرات ، واقرأ في الثانية الحمد مرة واحدة وقل أعوذ برب الناس سبع مرات ، فإذا سلمت فاقرأ آية الكرسي سبع مرات ، ثم قم فصل ثماني ركعات بتسليمتين ، واقرأ في كل ركعة منها الحمد مرة وإذا جاء نصر الله والفتح مرة وقل هو الله أحد خمسا وعشرين مرة ، فإذا فرغت من صلاتك فقل : سبحان الله رب العرش الكريم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم سبعين مرة ، فو الذي اصطفاني بالنبوة ما من مؤمن ولا مؤمنة يصلي هذه الصلاة يوم الجمعة كما أقول إلا وأنا ضامن له الجنة ، ولا يقوم من مقامه حتى يغفر له ذنوبه ولأبويه ذنوبهما » وظاهره أنها عشر ركعات بثلاث تسليمات ، وقال غير واحد : إنها كالصبح والظهرين ، فإن أراد به ما ذكرنا كان جيدا ، وان أراد بحيث يشمل التشهد الوسط في الرباعيتين منها ونحوه كما يفهم من الروضة طولب بدليل ذلك.

وكيف كان فقد أفتى بمضمون الخبر المزبور المشهور كما قيل ، وفي مفتاح الكرامة قد استثناها جمهور الأصحاب ، قلت : بل لا أجد أحدا أنكرها على البت ، ولعله بذلك ينجبر المرسل المذكور المعتضد بمرسل السرائر خصوصا مع التسامح في أدلة السنن ، إذ احتمال المناقشة فيه هنا ـ بأنه انما يجري فيما كان كليه مشروعا دون خصوصيته كالدعاء والذكر وصلاة ركعتين في وقت خاص أو مكان خاص أو نحو ذلك ، فيكفي حينئذ‌

__________________

(١) مصباح المتهجد للشيخ ـ ص ٢٢٢.

٦٩

في ثبوتها الضعيف والمرسل ونحوهما ، لا إذا كان الأصل أيضا غير ثابت كما في المقام ـ يدفعه إطلاق دليل التسامح ، كقوله عليه‌السلام (١) : « من بلغه » ونحوه ، نعم قد يناقش فيه بأنه خاص فيما لا يكون في الأدلة معارض له يقتضي الحرمة نحو ما نحن فيه ، لما سمعته سابقا من الأدلة على حرمة الزيادة على ركعتين في النوافل ، لكن قد يدفعها ـ بعد الإغضاء عما فيها نفسها ، ضرورة إمكان دعوى عدم اعتبار ذلك في التسامح ، لعموم دليله أو إطلاقه ، فهو في الحقيقة حينئذ الحاكم على دليل الحرمة ، خصوصا مثل هذه الحرمة التي لا تزيد على حرمة التشريع ، لا نفس الخبر الضعيف مثلا ، فتأمل ـ عدم قصور الخبر المزبور بعد انجباره بما عرفت عن تقييد دليل الحرمة أو تخصيصه لو سلم وجود دليل هناك كذلك ، وإلا لو قلنا إن الدليل في المسألة السابقة عدم ثبوت مشروعية الزائد وان قصر عن الركعتين لا ثبوت عدم وانه هو المنشأ للإجماع السابق ارتفع الاشكال من أصله ، وكان تردد غير واحد من المتأخرين فيها في غير محله ، بل لعله الآن هو كذلك أيضا ، إذ هو انما صدر ممن لا يرى التسامح المزبور ، أو لا يرى العمل بالضعيف المنجبر بفتوى المشهور ، أو لا يرى العمل بأصل أخبار الآحاد ، اللهم إلا أن يناقش في تحقق شهرة معتد بها بحيث تجبر الخبر المذكور.

ومنه يعلم أن الأحوط ترك هذه الصلاة ، وأولى منها في ذلك غيرها من بعض الصلوات التي ذكرها الشيخ في مصباحه وابن طاوس فيما حكي عنه في تتمات المصباح لترك المشهور استثناءها ، فما عن الموجز وشرحه من استثناء صلاة إحدى عشرة ركعة بتسليمة واحدة ليلة الجمعة ، وصلاة أربع ركعات بتسليمة واحدة ليلتها أيضا محل للنظر والتأمل ، خصوصا ولم نقف للأولى على مستند أصلا ، وعدم صراحة دليل الثانية ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

٧٠

إذ هو ما أرسله‌ الشيخ (١) في المصباح أيضا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من صلى ليلة الجمعة أربع ركعات لا يفرق بينهن » إلى آخره. ضرورة احتماله عدم التفريق بالتعقيب ونحوه ، وأما ما عن علي بن بابويه من أن صلاة العيد بغير خطبة أربع بتسليمة فستعرف ما فيه هناك إن شاء الله ، على أنه ليست من النوافل الأصلية ، كما انك عرفت ما في المحكي عن ولده من أن صلاة التسبيح أربع ركعات بتسليمة ، لأنه كان مشروحا قبل المقام ، والله أعلم وسنذكر ويذكر المصنف تفصيل باقي الصلوات في مواضعها إن شاء الله فانتظر وارتقب.

( المقدمة الثانية في المواقيت‌ )

للصلوات الخمس ونوافلها ، إذ هي من الواجب والمندوب الموقتين نصا وإجماعا ، بل هو في الفرائض من ضروريات الدين ، ومما دل (٢) عليه الكتاب المبين ، وتواترت فيه سنة سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى ورد فيها من الحث على المحافظة على مواقيتهن ما فيه بلاغ للمؤمنين وشفاء للمتقين الذين هم على صلاتهم يحافظون وليسوا من الساهين الغافلين (٣) وان‌ « من أقام حدودهن وحافظ على مواقيتهن لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة ، ومن لم يقم حدودهن ولم يحافظ على مواقيتهن لقي الله ولا عهد له ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له (٤) و‌ « ما من عبد اهتم بمواقيت الصلاة ومواضع الشمس إلا ضمنت له الروح عند الموت وانقطاع الهموم والأحزان والنجاة من النار (٥) كنا مرة رعاة الإبل فصرنا اليوم رعاة الشمس ، » و‌ « ان الصلاة إذا‌

__________________

(١) مصباح المتهجد للشيخ ص ١٨١.

(٢) سورة الإسراء ـ الآية ٨٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٥) البحار ـ ج ١٨ ـ ص ٤٨ من طبعة الكمباني.

٧١

ارتفعت في أول وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة تقول : حفظتني حفظك الله ، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول : ضيعتني ضيعك الله (١) » وما من أهل بيت مدر ولا شعر في بر ولا بحر إلا ويتصفحهم ملك الموت في كل يوم خمس مرات عند مواقيت الصلاة ، فيلقن من يواظب عليها عند مواقيتها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينحي عنه جنود إبليس (٢) و‌ « ما من يوم سحاب يخفى فيه على الناس وقت الزوال إلا كان من الله للشمس زجرة حتى تبدو ، فيحتج على أهل كل قرية من اهتم بصلاته ومن ضيعها (٣) وانه‌ « لا يزال الشيطان هائبا لابن آدم ذعرا منه ما صلى الصلوات الخمس لوقتهن ، فإذا ضيعهن اجتزأ عليه فأدخله في العظائم (٤) » وانه‌ « لا ينال شفاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غدا من أخر الصلاة المفروضة بعد وقتها (٥) وان الصلاة عند المواقيت أحد الثلاثة التي يمتحن الشيعة بها (٦) وان أحب الأعمال إلى الله الصلاة للمواقيت ، ثم بر الوالدين ، ثم الجهاد في سبيل الله (٧) وان‌ « في الديك الأبيض خمس خصال من خصال الأنبياء : معرفته بأوقات الصلوات والغيرة والسخاوة والشجاعة وكثرة الطروقة » فتعلموها منه (٨) وفي‌ خبر زرارة (٩) عن أبي جعفر عليه‌السلام المروي عن العلل « لا تحتقرن بالبول ولا تتهاون به ولا بصلاتك ، فان رسول الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ و ٥ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٢ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢١ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٦ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٧ من كتاب الصلاة.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٨ من كتاب الصلاة.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٧.

٧٢

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال عند موته : ليس مني من استخف بصلاته ولا يرد علي الحوض لا والله » الحديث.

والظاهر ان المراد تمام الوقت لا أوله مع احتماله بل تعينه في بعض النصوص (١) وحمل ذلك على المبالغة في تأكد استحباب أول الوقت وكراهة التأخير عنه ، وربما جاء أعظم من ذلك في ترك بعض المندوبات كغسل الجمعة الذي ورد فيه‌ « انه ملعون من تركه » وغيره ، وحينئذ فقول الصادق عليه‌السلام (٢) : « إذا صليت في السفر شيئا من الصلوات في غير وقتها فلا يضرك » لا يراد منه التأخير عن تمام الوقت لعذر فيصير قضاء كما حمله الشيخ ، بل المراد منه أول الوقت الذي هو أفضل الوقتين ، وورد (٣) في فضله أيضا من الأخبار عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام ما يغني عن تكلف الاعتبار وما هو البشرى لأولي الأبصار ، وان الصلوات المفروضات في أول وقتها إذا أقيم حدودها أطيب ريحا من قضيب الآس حين يؤخذ من شجره في طيبه وريحه وطراوته فعليكم بالوقت الأول (٤) وقال الصادق عليه‌السلام (٥) : « انه إذا دخل وقت صلاة فتحت أبواب السماء لصعود الأعمال ، فما أحب أن يصعد عمل قبل عملي ، ولا يكتب في الصحيفة أحد أول مني » و‌ « ان الله يحب من الخير ما يعجل » (٦) و‌ « ان فضل الوقت الأول على الآخر خير للرجل من ولده وماله » (٧) و‌ « ان فضله عليه كفضل الآخرة على الدنيا » (٨) و‌ « اوله رضوان الله كما أن الآخر عفو الله ، والعفو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٢ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٤ من كتاب الصلاة.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٥ من كتاب الصلاة.

٧٣

لا يكون إلا عن ذنب » (١) إلى غير ذلك.

مضافا إلى ما ورد في فضل انتظار الصلاة حتى يؤديها في أول وقتها ، فعن الصادق عليه‌السلام (٢) « انه كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من حبس نفسه على صلاة فريضة ينتظر وقتها فصلاها في أول وقتها فأتم ركوعها وسجودها وخشوعها ثم مجد الله عز وجل وعظمه وحمده حتى يدخل وقت صلاة أخرى لم يلغ بينهما كتب الله له كأجر الحاج المعتمر ، وكان من أهل عليين » و‌ « ان الرجل إذا دخل المسجد فصلى وعقب انتظارا للصلاة الأخرى فهو ضيف الله ، وحق على الله أن يكرم ضيفه » (٣) و‌ « انه ما دام ينتظر في عبادة ما لم يغتب » (٤) و‌ « ان انتظار الصلاة بعد الصلاة كنز من كنوز الجنة » (٥) وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وان ترهب أمتي القعود في المساجد انتظار الصلاة بعد الصلاة » (٦) وقال (ص) أيضا : « يا أبا ذر ان الله يعطيك ما دمت جالسا في المسجد بكل نفس تتنفس فيه درجة في الجنة ، وتصلي عليك الملائكة ، ويكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات ، ويمحى عنك عشر سيئات ، يا أبا ذر أتعلم في أي شي‌ء نزلت هذه الآية (٧) ( اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )؟ قلت : لا ، قال : في انتظار الصلاة خلف الصلاة » (٨) الحديث.

وكيف كان فيقع النظر في مقاديرها وأحكامها ، أما الأول فما بين زوال الشمس الذي ستعرفه إلى غروبها وقت للظهر والعصر وإن كان يختص الظهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٦ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٧) سورة آل عمران ـ الآية ٢٠٠.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

٧٤

من أوله بمقدار أدائها بحيث لا يصح العصر فيه بحال من الأحوال وكذا العصر يختص من آخره بحيث لا يصح الظهر فيه بحال من الأحوال بمقدار أدائها وأما ما بينهما من الوقت فـ ( مشترك )بين الفرضين يصحان معا فيه ، نعم يجب الترتيب بينهما في بعض الأحوال كما ستعرف ، كل ذلك على المشهور بين الأصحاب ، بل لا خلاف في كون الزوال مبدأ صلاة الظهر بين المسلمين كما عن المرتضى وغيره الاعتراف به عدا ما يحكى عن ابن عباس والحسن والشعبي من جواز تقديمها للمسافر عليه بقليل ، وهو بعد انقراضه لا يقدح في إجماع من عداهم من المسلمين ان لم يكن ضروريا من ضروريات الدين.

فما في‌ صحيح الفضلاء عن الباقر والصادق عليهما‌السلام (١) ـ من أن « وقت الظهر بعد الزوال قدمان ، ووقت العصر بعد ذلك قدمان » وصحيح زرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام « ان وقت الظهر بعد ذراع من زوال الشمس ، ووقت العصر ذراعين من وقت الظهر ، فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس » بل عن‌ ابن مسكان (٣) انه قال : « حدثني بالذراع والذراعين سليمان بن خالد وأبو بصير المرادي وحسين صاحب القلانس وابن أبي يعفور ومن لا أحصيه منهم » وخبر عبد الله بن سنان (٤) « انه كان حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يظلل قامة ، وكان إذا كان الفي‌ء ذراعا وهو قدر مربض عنز صلى الظهر ، فإذا كان ضعف ذلك صلى العصر » ونحوه غيره ، وخبر إسماعيل الجعفي (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كان في‌ء الجدار ذراعا صلى الظهر ، وإذا كان ذراعين صلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

٧٥

العصر ، قلت : إن الجدار يختلف ، بعضها قصير وبعضها طويل ، فقال : كان جدار مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ قامة » وخبر إسماعيل بن عبد الخالق (١) عن الصادق عليه‌السلام « ان وقت الظهر بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في يوم الجمعة أو في السفر ، فان وقتها حين تزول الشمس » ومضمر ابن أبي نصر (٢) « سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب قامة للظهر وقامة للعصر » وخبر عمر بن سعيد ابن هلال (٣) عن الصادق عليه‌السلام قال له : « قل لزرارة : إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر ، وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر » وخبر سعيد الأعرج (٤) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال : بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في السفر أو يوم الجمعة ، فإن وقتها إذا زالت » وخبر ابن شعيب (٥) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن صلاة الظهر فقال : إذا كان الفي‌ء ذراعا ، قلت : ذراعا من أي شي‌ء؟ قال : ذراعا من فيئك ، قلت : فالعصر قال : الشطر من ذلك ، قلت : هذا شبر قال : أو ليس شبر كثيرا؟ » وخبر زرارة (٦) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « وقت الظهر على ذراع » وخبر ذريح المحاربي (٧) قال : « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام أناس وأنا حاضر ـ إلى أن قال ـ : فقال بعض القوم : إنا نصلي الأولى إذا كانت على قدمين ، والعصر على أربعة أقدام ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : النصف من ذلك أحب إلى » وخبر أبي بصير (٨) عن الصادق عليه‌السلام « الصلاة في الحضر ثمان ركعات إذا زالت الشمس ما بينك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٠ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٥ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٦ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٧ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٠ من كتاب الصلاة.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢١ من كتاب الصلاة.

٧٦

وبين أن يذهب ثلثا القامة ، فإذا ذهب ثلثا القامة بدأت بالفريضة » وخبر عبيد بن زرارة (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أفضل وقت الظهر قال : ذراع بعد الزوال ، قال : قلت : في الشتاء والصيف سواء قال : نعم » وخبر ابن بكير (٢) قال : « دخل زرارة على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : إنكم قلتم لنا في الظهر والعصر على ذراع وذراعين ، ثم قلتم : أبردوا بها في الصيف ، فكيف الإبراد بها؟ وفتح الراحة ليكتب ما يقول فلم يجبه أبو عبد الله عليه‌السلام بشي‌ء فأطبق الراحة وقال : إنا علينا أن نسألكم وأنتم أعلم بما عليكم ، وخرج ودخل أبو بصير على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : إن زرارة سألني عن شي‌ء فلم أجبه وقد ضقت من ذلك فاذهب أنت رسولي إليه فقل له : صل الظهر في الصيف إذا كان ظلك مثلك ، والعصر إذا كان مثليك ، وكان زرارة هكذا يصلي في الصيف ، ولم أسمع أحدا من أصحابنا يفعل ذلك غيره وغير ابن بكير » إلى غير ذلك ـ محمول على إرادة الرخصة للمتنفل في تأخير الظهر هذا المقدار ، وانه لا يتوهم حرمته للنهي عن التطوع وقت الفريضة كما يومي اليه الأمر بالظهر عند الزوال حيث لا تشرع النافلة فيه كالسفر ويوم الجمعة ، وفي‌ خبر زرارة (٣) قال : « قال لي : أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قال : قلت : لم؟ قال : لمكان الفريضة ، لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يبلغ ذراعا ، فإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة » وفي‌ خبر محمد بن مسلم (٤) « وانما أخرت الظهر ذراعا من عند الزوال من أجل صلاة الأوابين » لا أن المراد أن ذلك وقت الظهر بحيث لو أعرض المكلف وأراد فعلها وترك النافلة لم يكن مجزيا ، ضرورة مخالفته لإجماع المسلمين وللكتاب المبين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٨ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

٧٧

وللمتواتر من سنة سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وما يفهم من‌ خبر عبد الله بن محمد (١) ـ من وقوع الخلاف في ذلك قديما قال : « كتبت اليه جعلت فداك روى أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام انهما قالا : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا أن بين يديها سبحة ، إن شئت طولت وإن شئت قصرت ، وروى بعض مواليك عنهما أن وقت الظهر على قدمين من الزوال ، ووقت العصر على أربعة أقدام من الزوال ، فان صليت قبل ذلك لم يجزك ، وبعضهم يقول يجزئ ولكن الفضل في انتظار القدمين والأربعة ، وقد أحببت جعلت فداك أن أعرف موضع الفضل في الوقت ، فكتب عليه‌السلام القدمان والأربعة أقدام صواب جميعا » ـ لا بد من حمله على ما لا يخالف ذلك من إرادة إيهام ما رووه ذلك ، أو إرادة نفي الاجزاء في الفضل ، وإن كان قد ينافيه قوله بعده : « وبعضهم » إلى آخره أو غيره كما هو واضح.

بل قد يقال بوقوع الظهر في وقت فضيلته لو صليت عند الزوال وان استلزم ترك راجح آخر أي النافلة ، بخلاف ما إذا جاء بها ثم فعل الظهر على الذراع والذراعين مثلا ، فإنه جمع بين الراجحين حينئذ والفضيلتين ، ولا ينافيه الأمر المحمول على الفضل بإيقاع الظهر على الذراع مثلا ، ولا إضافة الوقت إلى الظهر مرادا به الذراع ، ولا فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها كذلك ، ولا غير ذلك مما هو ظاهر في أن ابتداء وقت الظهر الذراع المحمول كما عرفت على الفضيلة ، ضرورة ابتناء ذلك كله على عدم ترك الناس النافلة ، وانه لا بد من فعلهم لها ، بل في عدم تعرض النصوص لفعل الظهر على تقدير عدم فعل النافلة إشعار ظاهر بتأكد فعل النافلة تأكيدا بليغا ، وجعله كالمفروغ منه الذي لا ينبغي أن يفرض عدمه حتى يتعرض للحكم على تقديره ، بل لعل قول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٨ من كتاب الصلاة.

٧٨

الصادق عليه‌السلام في خبر عبيد بن زرارة ذراع بعد الزوال جواب سؤاله عن فضل وقت الظهر كذلك أيضا لا مطلقا ، حتى أن من صلاها قبل ذلك بأن ترك نافلة لم تقع منه في وقت فضيلتها ، بل وكذا‌ قوله عليه‌السلام في مكاتبة محمد بن الفرج (١) : « وأحب أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين » إلى آخره غيره من الأخبار ، فيكون حينئذ ابتداء فضيلة الظهر من حين الزوال للمتنفل وغيره ، كما هو ظاهر كثير من النصوص أو صريحها والفتاوى ، بل لم نقف على من جعل ابتداء وقت فضيلة الظهر غيره.

بل لعل الجميع اتفقوا على أن أول الوقت الأول للظهر ذلك وان اختلفوا بعد ذلك أن الوقت الأول للفضيلة والثاني للإجزاء ، أو أن الأول للمختار والثاني للمضطر ستعرف البحث فيه ، ويشهد له ما دل (٢) من النصوص على أن أول الوقت أفضله ، كاد يكون صريح بعضها ، بل ونصوص القامة والمثل وغيرهما ، ضرورة إرادة تحديد الوقت الأول منهما بأنه من أول الزوال حتى يبلغ الظل المثل أو القامة ، لكن ومع ذلك كله فقد يناقش بأن ظاهر نصوص الذراع والقدمين ونحوهما على كثرتها أن ابتداء وقت الظهر الذراع أو قبله بحيث يحصل الفراغ منه على ذراع ، إلا أنه لما انعقد الإجماع على جواز الإيقاع بعد الزوال بلا فصل حملنا تلك النصوص على إرادة الفضيلة ، مقتضاه ان الفضل إيقاع الظهر على ذلك المقدار من الوقت كما عساه صريح بعضها ، ومكاتبة عبد الله بن محمد كالصريحة في ذلك ، لأن جوابه عليه‌السلام انما كان بأن القدمين والأربعة صواب جميعا ، والفرض ان الصورة الثانية من السؤال انما هي في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٩ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

٧٩

أفضلية الانتظار ، بل ما دل (١) من النصوص على اقتطاع هذا المقدار من الوقت لمكان النافلة دال عليه أيضا ، ضرورة أن المراد بذلك صيرورة مثل هذا الوقت وقتا للنافلة ، كي لا يقال تطوع في وقت الفريضة كما صرح به في بعض النصوص (٢) ولا يتم ذلك بعد أن انعقد الإجماع على صحة الفريضة فيه إلا بأن يراد اقتطاعه من وقت الفضيلة ، وان الفضيلة انما يكون ابتداؤها بعد هذا الزمان ، فيصح أن يقال توسعا ان النافلة ليست في وقت الفريضة ، لأن المدار على وقتها الفضيلي دون مطلق الصحة وان لم تكن على وجه الفضل والرجحان ، نعم ينبغي أن يخص ذلك بمن تشرع منه النافلة وخوطب بها وان لم يكن عازما على فعلها لا مطلقا ، لتصريح الأخبار (٣) في المسافر ونحوه ممن لا نافلة عليه بعد الزوال بأن وقت الظهر بالنسبة إليه عند الزوال ، ولعل فيه إيماء أيضا إلى محل البحث ، فتأمل.

وكيف كان فلا ريب أنه الأحوط في تحصيل الفضيلة وإن كان في تعينه نظر ، خصوصا مع استلزامه فوات فضيلة المبادرة والمسارعة ، فتأمل جيدا فاني لم أجد من تصدى لتحرير المسألة على وجه شافي ، نعم قد يظهر من الكاشاني في الوافي والمدقق الشيخ حسن في المنتقى على ما قيل الثاني كما عن صاحب الذخيرة الأول ، وعن الناصريات الإجماع على قول الناصر : أفضل الأوقات أولها كلها ، بل نقل الإجماع غير واحد على ذلك عند ذكرهم المواضع المرخص فيها بالتأخير عن أول الوقت.

وأما أن آخره في الجملة الغروب أو قبله بمقدار أداء العصر فلا خلاف معتد به‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ والباب ٨ ـ الحديث ٩ و ١٥ من كتاب الصلاة.

٨٠