جواهر الكلام - ج ٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كما لا يخفى على من لاحظهما ، فاحتمال إرادة نافلة المغرب من ذلك خصوصا خبر ذات الآيتين في غاية الضعف ، وإن كان ربما يؤيده ما سمعته من الأخبار المشتملة على عدد ما يصليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيره من الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام مما هو ظاهر أو صريح في عدد لا يندرج فيه الركعتان المزبورتان ، واحتمال عدم فعلهم عليهم‌السلام لها يدفعه أنهم أولى من غيرهم بما يأمرون به ، ويحثون عليه ، وينهون عن تركه ، بل قد يؤيده أيضا حرمة التطوع في وقت الفريضة إلا الرواتب ، إذ لا ريب كما قيل في خروج وقت المغرب بالفراغ منها مع نافلتها لو فعلت بتؤدة (١) ودخول وقت العشاء بذهاب الشفق حينئذ ، بل لو سلم عدم ذهابه إلا أنه لا إشكال عندنا في جواز إيقاع صلاة العشاء قبل ، لتظافر الأخبار (٢) بدخول وقت المغرب والعشاء بغروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه ، قصارى ما هناك خروج راتبة المغرب دون غيرها ، فصلاة الغفيلة فيه حينئذ تطوع في وقت الفريضة ، وفيه أولا أن الظاهر كون المراد بالنصوص السابقة بيان تمام ما يقع منه من الرواتب المعروفة المشهورة التي لها تعلق بالفرائض لا حصر جميع ما يقع منهم من الصلاة ، وكيف وقد ورد (٣) عنهم أنهم عليهم‌السلام يصلون في اليوم والليلة ألف ركعة. وثانيا ما قيل من أن اسم الوقت إذا أطلق فإنما يراد ما ضرب لها وحدت به في الاختيار من غيبوبة الشفق لا ما رخص فيه لذوي الأعذار وإن خفت أو في الأسفار ، والذي دل على دخول وقت الثانية بالفراغ من الأولى انما جاء في الثاني دون لأول ردا على أهل الخلاف في منعهم من الجمع ردا على الله ورسوله ( صلى الله بثقل « مجمع البحرين » ‌

__________________

(١) التؤدة بضم التاء كهمزة من الوئيد وهي السكون والرزانة والتأني والمشي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أعداد الفرائض.

٤١

عليه وآله ) ولذلك تظافرت النصوص به ، لأن (١) ذلك هو الوقت الموظف لها بحيث يحرم فيه التطوع ، فتأمل جيدا. وثالثا أنه كما خرجت الرواتب بالدليل فكذا الغفيلة ، لتظافر النصوص باستحبابها.

انما البحث حينئذ في المراد بقول عليه‌السلام : « ما بين المغرب والعشاء » فهل هو فعلهما ، فتصح حينئذ وإن وقعت بعد أن يذهب الشفق ، أو وقت فضيلتهما ، فلا تصح حينئذ إلا قبل ذهابه؟ فيشكل حينئذ بأنه لا يتسع لهما ولنافلة المغرب والفريضة ، خصوصا إذا صلى الأخيران بتؤدة ، وقد يقال إن الظاهر الأول لكن لا على أن المراد الجواز وإن اتفق تأخير العشاء إلى آخر وقت الاجزاء ، بل هو مبني على الغالب من عاداتهم قديما من أنهم كانوا إذا فرغوا من المغرب ونافلتها انفضوا إلى منازلهم حتى إذا ذهب الشفق ونادى المؤذن بالصلاة أقبل الناس يتسارعون ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرغب في تأخيرها في الجملة مراعاة للناس لاشتغالهم بالعشاء وقضاء الحاجة وتجديد الطهارة والاستراحة ونحو ذلك ، ويمكث صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيما يفرغوا ويجتمعوا حتى نادى جفاتهم نام الناس والصبيان.

فمن المحتمل انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ندبهم إلى التطوع في هذا الوقت بهذه الصلاة وغيرها ، كصلاة الوصية التي رواها‌ الشيخ في مصباحه (٢) عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أوصيكم بركعتين بين العشاءين يقرأ في الأولى الحمد وإذا زلزلت ثلاث عشرة مرة ، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة ، فإن من فعل ذلك كل شهر كان من المتقين ، فان فعل كل سنة مرة كتب من المحسنين ، فان فعل في كل جمعة مرة كتب من المصلين ، فان فعل ذلك في كل‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية وبهامشها « لا أن ».

(٢) مصباح المتهجد للشيخ ص ٧٦.

٤٢

ليلة زاحمني في الجنة ، ولم يحص ثوابه إلا الله » وكركعتين أخريين‌ رواهما (١) هو فيه أيضا « يقرأ في الأولى منهما الحمد وعشر آيات من أول البقرة وآية السخرة ( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ) إلى قوله ( يَعْقِلُونَ ) ، وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة ، وفي الثانية الحمد وآية الكرسي وآخر سورة البقرة ( لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ ) إلى آخرها ، وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة ، ويدعو بعدها بما أحب ، ثم يقول ـ إلى آخره ـ ويقول عشر مرات أستجير بالله من النار ، وعشر مرات أسأل الله الجنة ، وعشر مرات أسأل الله الحور العين » وكأربع ركعات أخر هو رواها (٢) فيه أيضا « يقرأ في كل ركعة الحمد مرة ، وخمسين مرة قل هو الله أحد » قال : « روي أن من فعل ذلك انفتل من صلاته وليس بينه وبين الله تعالى ذنب إلا وقد غفر له » وكعشر ركعات هو‌ رواها (٣) فيه أيضا « يقرأ في كل ركعة الحمد مرة ، وقل هو الله أحد مرة قبل أن يتكلم إذا فرغ من نوافل المغرب ، فإنه يعدل عتق عشر رقاب » إلى غير ذلك مما هو لأجل تأخير العشاء وعدم الغفلة والنوم قبل صلاتها.

بل قد يستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ولو بركعتين خفيفتين » استحباب ما يتمكن من النوافل كما صرح به في المصباح أيضا ، وإلا لو أريد بما بين العشاءين الوقت لم يسع لذلك كله قطعا ، بل ولا أكثره ، وقد يناقش بأن فعل ذلك كله لا يسعه ما تعارف من الفصل بين الفريضتين أيضا ولو بعد ذهاب الشفق في الجملة ، بل هو يقضي بتأخير العشاء إلى غير المتعارف قطعا ، خصوصا إذا فعل مع ذلك ما رواه الشيخ (٤) في كيفية أداء الراتبة وما يقال فيها وقبلها وبعدها ، ومن الغريب أنه هو‌

__________________

(١) مصباح المتهجد للشيخ ص ٧٦.

(٢) مصباح المتهجد للشيخ ص ٧٧.

(٣) مصباح المتهجد للشيخ ص ٧٧.

(٤) مصباح المتهجد للشيخ ص ٢٠.

٤٣

رحمه‌الله قال بعد أن روى ذلك كله : « فإذا غاب الشفق فأذن للعشاء الآخرة » إلى آخره. وظاهره إيقاع ذلك كله قبل ذهاب الشفق ، وقد عرفت أنه لا يسعه الأول فضلا عن الثاني ، اللهم إلا أن يريد بالأذان بعد غيبوبة الشفق ولو مع فاصل طويل لا ابتداء غيبوبته ، ويدفع بأن ذلك وارد على الغالب في عادة الناس من عدم فعل الجميع ، بل الأوحدي منهم انما يفعل البعض ، فهو نظير ما ورد من المستحبات في الليل والنهار مما يقطع الواقف عليها بعدم سعتهما له ، ولا مخلص منه إلا بما ذكرنا ، أو يدفع بالتزام تأخير العشاء إلى مضي الثلث من الليل كما هو المحكي عن فعل الرضا عليه‌السلام ، والله أعلم ، ولقد طال بنا الخطاب حتى خرجنا عما عزمنا عليه من وضع الكتاب ، والإنسان ذو شؤون ، والحديث ذو شجون.

وكيف كان فظاهر تقييد المصنف العدد المذكور بالحضر أنها ليست كذلك في غيره ، وهو كذلك ، إذ تسقط في السفر نوافل الظهر والعصر بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به غير واحد ، بل في صريح الروضة وظاهر السرائر أو صريحها وعن الخلاف وغيره الإجماع عليه ، كظاهر الذكرى وعن المعتبر والمنتهى ، بل والأمالي حيث نسبه إلى دين الإمامية ، وهو الحجة ، مضافا إلى النصوص المعتبرة المستفيضة المروية في الكتب الأربع وغيرها ، فمنها‌ خبر أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام « الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء إلا المغرب ، فان بعدها أربع ركعات ، لا تدعهن في سفر ولا حضر ، وليس عليك قضاء صلاة النهار ، وصل صلاة الليل واقضه » ونحوه غيره (٢) بل في‌ خبر أبي يحيى الحناط (٣) النص على نافلة النهار ، قال : « سألت الصادق عليه‌السلام عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال : يا بني لو صلحت النافلة بالنهار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أعداد الفرائض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٤.

٤٤

في السفر تمت الفريضة » كصحيح ابن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن الصلاة تطوعا في السفر قال : لا تصل قبل الركعتين ولا بعدهما شيئا نهارا » إلى غير ذلك من النصوص ، لكن ظاهر بعضها إن لم يكن صريحه اختصاص ذلك بنوافل النهار ، وإن كان في اندراج مثل الأربعة الزائدة يوم الجمعة فيها نظر وتأمل كما عن الحواشي المنسوبة إلى الشهيد من الإطلاق ، ومن احتمال انصرافه إلى غيرها ، ولعل الظاهر من الأخبار الأول ، فتأمل.

وعلى كل حال فظاهر الأدلة نافلة النهار دون نافلة الليل والفجر المدسوسة بها ، وهو كذلك بلا خلاف أجده فيه فيما عدا الوتيرة ، بل قد سمعت التصريح في خبر أبي بصير السابق بعدم سقوط نافلة المغرب ، والنهي عن تركها سفرا وحضرا ، ونحوه غيره كخبر الحرث بن المغيرة (٢) وخبر سماعة (٣) وخبر أبي الحرث (٤) وغيرها (٥) بل في‌ خبر رجاء بن أبي الضحاك (٦) عن الرضا عليه‌السلام التصريح بعدم سقوط غيرها أيضا ، قال : « كان في السفر يصلي فرائضه ركعتين ركعتين إلا المغرب ، فإنه كان يصليها ثلاثا ، وكان لا يدع نافلتها ، ولا يدع صلاة الليل والشفع والوتر وركعتي الفجر في سفر ولا حضر ، وكان لا يصلي من نوافل النهار في السفر شيئا » وفي‌ خبر آخر (٧) « كان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر ولا حضر » إلى غير ذلك من النصوص التي لا فائدة في ذكرها ، إذ قد عرفت أنه لا خلاف بين الأصحاب في عدم سقوط نافلة المغرب والليل والفجر.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٨.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١.

٤٥

ولكن الكلام في الوتيرة خاصة من نوافل الليل ، فالمشهور كما حكاه غير واحد السقوط ، بل في الرياض انها شهرة كادت تكون إجماعا ، بل عن المنتهى نسبته إلى ظاهر علمائنا مشعرا بالإجماع عليه ، كظاهر الغنية ، بل هو صريح السرائر ، لإطلاق‌ بعض النصوص (١) « ان الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء » مع اقتصار آخر (٢) على استثناء المغرب خاصة ، فإن بعدها أربع ركعات ، ولإشعار خبر أبي يحيى الحناط المتقدم باستلزام مشروعية النافلة الإتمام ، بل أوضح منه إشعار‌ خبر الفضل بن شاذان (٣) المشتمل على العلل التي سمعها من الرضا عليه‌السلام ، قال فيه : « انما قصرت الصلاة في السفر لأن الصلاة المفروضة أولا انما هي عشر ركعات ، والسبع انما زيدت فيها ، فخفف الله عز وجل عن العبد تلك الزيادة لموضع سفره وتعبه ونصبه واشتغاله بأمر نفسه وظعنه وإقامته لئلا يشتغل عما لا بد منه من معيشته ، رحمة من الله عز وجل ، وتعطفا عليه إلا صلاة المغرب ، فإنها لم تقصر ، لأنها صلاة مقصرة في الأصل ، قال : وانما ترك تطوع النهار ولم يترك تطوع الليل لأن كل صلاة لا يقصر فيها فلا يقصر فيما بعدها من التطوع ، وكذلك الغداة لا تقصير فيها فلا تقصير فيما قبلها من التطوع » بل وأوضح منهما إشعارا‌ مرسل ابن مهزيار (٤) المروي عن المحاسن عن الصادق عليه‌السلام « ما بال صلاة المغرب لم يقصر فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السفر والحضر ولا في نافلتها؟ فقال : لأن الصلاة كانت ركعتين ركعتين فأضاف إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى كل ركعتين ركعتين ، ووضعهما عن المسافر ، وأقر المغرب على وجهها في السفر والحضر ، ولم يقصر في ركعتي الفجر أن يكون تمام الصلاة سبع عشرة ركعة في السفر والحضر » بل يؤيد ذلك كله تعارف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١٠.

٤٦

السؤال عن عدم سقوط نافلة المغرب دونها ، ولو أنها غير ساقطة لكانت كذلك ، بل هي أولى لقصر فريضتها.

مع أنه لم يقع السؤال عنها إلا في‌ خبر الفضل بن شاذان (١) عن الرضا عليه‌السلام « انما صارت العشاء مقصورة وليس تترك ركعتاها لأنهما زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوع » ومنه لخصوصيته وتعليله واعتباره سنده ـ إذ ليس فيه إلا عبد الواحد وعلي بن محمد ، وهما كما قيل شيخا إجازة ، ومن الأصل والإطلاق والرضوي (٢) « والنوافل في السفر أربع ركعات بعد المغرب ، وركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس » إلى آخره. وخبر ابن الضحاك (٣) المروي عن العيون عن الرضا عليه‌السلام المشتمل على أحكام كثيرة مفتى بها عند الفقهاء كما قيل ، ومنها أنه كان يصلي الوتيرة في السفر ، والتسامح في السنن ، وتقييد بعض النصوص الساقط من النافلة بالنهار (٤) واشتمال آخر (٥) على الأمر بصلاة الليل وقضائها مقابل صلاة النهار مما يشعر بإرادة مطلق ما يصلى بالليل لا خصوص الثلاثة عشر ، وظهور الأخبار السابقة في أن الساقط انما هو الراتب ، والوتيرة ليست منها ، بل زيدت إما لتدارك الوتر كما دلت عليه بعض النصوص (٦) أو لإكمال العدد كما دل عليه آخر (٧) مما عرفته سابقا ، فلا دلالة حينئذ في أكثر الأخبار السابقة إن لم يكن جميعها ، كما أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٣.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام ص ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٨ لكن رواه في الوسائل عن ابن أبي الضحاك وهو الصحيح كما تقدم في ص ٤٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٨.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٣.

٤٧

قد يقال بعدم دلالة الإطلاق السابق أيضا بعد ظهوره بملاحظة غيره من الأخبار في إرادة الظهرين من صلاة السفر التي نفي الشي‌ء قبلها وبعدها ، بل ربما يجزم به باعتبار أن صلاة العشاء قبلها نافلة المغرب ، اللهم إلا أن يراد ليس قبلها لها ، فتأمل. وإجماع السرائر ممنوع عليه كما عن كشف الرموز ، ومعارض بمثله كما ستعرف ـ كان ظاهر جماعة الترد في الحكم ، بل هو صريح آخر ، بل عن الشيخ في النهاية وأبي العباس في المهذب التصريح بعدم سقوطها ، بل عن الخلاف لا تسقط عن المسافر نوافل الليل إجماعا ، بل عن الأمالي من دين الإمامية انه لا يسقط من نوافل الليل شي‌ء وقواه الشهيدان في الذكرى والروضة ، بل مال إليه في الذخيرة ، واستجوده في المدارك لولا ضعف خبر ابن أبي الضحاك السابق بعبد الواحد وعلي بن محمد كما عن شيخه ذلك أيضا لكن قال : لولا الإجماع.

وفيه أن الخبر الأول قاصر عن معارضة ما سمعته من الأدلة السابقة من وجوه ، منها إعراض الأكثر عنه بل الجميع إلا النادر ، بل قيل : إن الشيخ قد رجع عنه في جملة من كتبه كالحائريات والجمل والعقود والمبسوط ، والشهيد وإن قواه في الذكرى لكن قال : إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه مشعرا بنوع تردد فيه ، مع أن ظاهر عبارته في اللمعة والدروس القول بالسقوط ، مضافا إلى ما سمعته من دعوى الإجماع صريحا وظاهرا التي يشهد لها التتبع ، فمنه الآبي لها في غير محله ، كمعارضتها بدعوى الإجماع من الخلاف والأمالي الموهونة بذهاب المشهور ، وأي شهرة نقلا وتحصيلا إلى السقوط ، فهي أولى بالمنع ، مع الإغضاء عن إفادة عبارة الأمالي الإجماع ، بل قد يدعى عدم اندراج الوتيرة في نوافل الليل التي هي المعقد كعبارة الخلاف ، بل هي أولى ، إذ هي أضعف منها عموما وخصوصا ، مع دعوى الإجماع فيها التي يبعد إرادته لما يشملها ،

٤٨

كيف ومظنة الإجماع العكس.

ومنها القصور في السند بعبد الواحد وعلي الذين لم ينص على توثيقهما ، وكونهما شيخي إجازة لا يستلزمها ، كالقول بأن الحكم مستحب يتسامح فيه ، فلا بأس بالقصور المزبور ، ضرورة منع التسامح في المقام كما في الرياض ، قال : « لأن الظاهر من السقوط في النصوص والفتاوى الحرمة ، بل صريح كتابي الحديث للشيخ عدم الاستحباب ، فيكون تشريعا محرما ، والتسامح المزبور عند من يقول به حيث لا يحتمل التحريم ، وإلا فلا تسامح قولا واحدا ، وليس في النصوص (١) الدالة على تسويغ قضاء النوافل النهارية في الليل دلالة على مشروعيتها نهارا حتى تجعل دليلا ، على أن المراد بالسقوط حيث يطلق الرخصة في الترك ورفع تأكد الاستحباب ، ولو سلمت فهي معارضة ببعض الروايات (٢) السابقة الدالة على عدم صلاحية النافلة في السفر كعدم صلاحية الفريضة ، وعدم الصلاح يرادف الفساد لغة بل وعرفا مع شهادة المساق بذلك » وهو وإن كان جيدا إلا أنه قد يناقش بأن الذي يمنع جريان التسامح هو احتمال الحرمة الغير التشريعية لا هي ، وإلا فلا ينفك المستحب المتسامح فيه عن احتمالها الذي لا يلتفت اليه بعد‌ عموم « من بلغه » (٣) وغيره من أدلة التسامح ، بل يمكن منع أصل التشريع بعد فرض أن العبد جاء به لاحتمال انه مراد للسيد ، فتأمل. اللهم إلا أن يدعى ظهور النصوص والفتاوى في غير الحرمة التشريعية هنا ، أو يفرق بين التشريعية التي منشأها عدم الدليل المعتبر على المشروعية مثلا مع قطع النظر عن دليل التسامح ، وبين التشريعية التي منشأها مخالفة النهي عن الفعل كصلاة الحائض ونحوها ، وما نحن فيه من الثاني لا الأول.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أعداد الفرائض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ـ ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

٤٩

وأما خبر ابن أبي الضحاك فلم أجد ذلك فيه فيما حضرني من نسخة العيون ، بل الموجود خلافه ، والرضوي ليس بحجة عندنا.

والتقييد بالنهار في النصوص السابقة ـ مع أنه في كلام السائل في البعض ، وفي آخر في كلام الامام عليه‌السلام تبعا للسائل ، ومبني على حجية مثله ، وعمومه قابل للتخصيص أو التقييد بما عرفته من الأدلة كالأصل والإطلاق السابقين ، وكون الحكمة في الوتيرة التدارك أو الإكمال ـ لا ينافي كونها من الرواتب ، خصوصا بعد ذكر النصوص والفتاوى لها في ضمنها وإدراجها إياها فيها حتى صارت بسببها الصلاة إحدى وخمسين ، على أنه لا يعارض الدليل الخاص على سقوطها من الإجماع وغيره مما عرفت ، وبذلك كله ظهر لك ما في أدلة عدم السقوط ، وأن الأولى خلافه ، ومن هنا قال المصنف على الأظهر والله أعلم.

ثم ان ظاهر المصنف كغيره سقوط النوافل المزبورة حتى في الأماكن الأربعة ، وفيه نظر إذا اختار المكلف إيقاع فرائضه على وجه التمام الذي هو مستلزم لصلاحية الإتيان بالنافلة ، بل لعل من التمام صحة فعلها ، ولذا صرح بعضهم كالشهيد وغيره بعدم السقوط حينئذ ، بل عن الشيخ نجيب الدين بن نما عن شيخه ابن إدريس أنه لا فرق بين أن يتم الفريضة أولا ، ولا بين أن يصلي الفريضة خارجا عنها والنافلة فيها أو يصليهما معا فيها ، ولعله لما أشرنا إليه من تبعيتها لصلاحية الإتمام في الفريضة لا لوقوعه منه ، كما يومي اليه خبر الحناط (١) المتقدم ، فما في المدارك وغيره ـ من أنه مشكل إذا صلى الفريضة خارجا عنها خصوصا مع تأخر النافلة أو مع تقدمها إذا كان من نيته صلاة الفريضة خارجا عنها ـ قد يدفع بما عرفت ، فتأمل.

ومن ذلك تعرف أن الظاهر عدم سقوط النافلة عن المسافر الذي هو بحكم الحاضر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٤.

٥٠

ككثير السفر ونحوه ، بل في ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه ، لما سمعت من أن صلاحية النافلة يتبع صلاحية الإتمام ، كما أن سقوطها يتبع تعين القصر حتى إذا لم يكن مسافرا ، كما إذا صلى قصرا للخوف ، وبه صرح في الدروس (١).

وكذا تعرف أيضا عدم سقوط النافلة عمن دخل وقتها عليه وهو حاضر وإن كان من نيته السفر بعدها والصلاة قصرا في الطريق ، وربما يومي اليه في الجملة‌ الموثق (٢) عن الصادق عليه‌السلام « سئل عن الرجل إذا زالت الشمس وهو في منزله ثم يخرج في سفر فقال : يبدأ فيصليها ، ثم يصلي الأولى بتقصير ركعتين » الحديث. هذا.

وظاهر الفتاوى وكثير من النصوص السابقة أيضا سقوط ما عرفت من النوافل أداء ، ولا ملازمة بينه وبين القضاء حتى لو كان الأداء محرما ، إذ هو بفرض جديد كصوم الحائض ، نعم ظاهر خبر سيف التمار (٣) عن الصادق عليه‌السلام سقوطه أيضا كالأداء ، قال : « قال بعض أصحابنا : إنا كنا نقضي صلاة النهار إذا نزلنا بين المغرب والعشاء الآخرة ، فقال : لا ، الله أعلم بعباده حين رخص لهم ، انما فرض الله على المسافر ركعتين لا قبلهما ولا بعدهما شي‌ء إلا صلاة الليل على بعيرك حيث توجه بك » كخبر العامري (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « وليس عليك قضاء صلاة النهار ، وصل صلاة الليل واقضه » ونحوه خبر أبي بصير (٥) عن الصادق عليه‌السلام وغيره (٦)

__________________

(١) نظر فيه ولم يصرح بالسقوط ( منه رحمه‌الله ).

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١ وفي الوسائل « يبدأ بالزوال فيصليها ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٧ لكن رواه عن أبي بصير ولم نعثر على خبر العامري بهذا المضمون.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٤.

٥١

والمراد منه نفي الاستحباب لا نفي الوجوب قطعا ، وفي‌ خبر ابن حنظلة (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك إني سألتك عن قضاء صلاة النهار بالليل في السفر فقلت : لا تقضها ، وسألك أصحابنا فقلت : اقضوا ، فقال : أفأقول لهم : لا تصلوا؟ وإني أكره أن أقول لهم : لا تصلوا ، والله ما ذاك عليهم » وفي‌ خبر حنان ابن سدير (٢) قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : كان أبي يقضي في السفر نوافل النهار بالليل ، ولا يتم صلاة فريضة » ومعاوية بن عمار (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقضي صلاة النهار بالليل في السفر فقال : نعم ، قال إسماعيل بن جابر : أقضي صلاة النهار بالليل في السفر فقال : لا ، فقال : إنك قلت : نعم ، فقال : إن ذلك يطيق وأنت لا تطيق ».

وربما جمع بين هذه الأخبار بأنه لا إثم في القضاء وإن لم يكن مسنونا ، وهو كما ترى ، أو بالحمل على نفي التأكيد ، أو بأن المراد بعد حمل خبر ابن سدير على الإنكار أنه لو صلوها بنية القضاء كانت نفلا مطلقا إذا لم يكن القضاء مشروعا ، فلعل الامام عليه‌السلام لم ينههم عن ذلك لذلك ، كما أومأ إليه في خبر ابن حنظلة السابق ، فتأمل جيدا.

والنوافل كلها موقتها وغير موقتها ركعتان بتشهد وتسليم بعدهما إلا ما ستعرف مما قام عليه الدليل ، ضرورة أن كيفية العبادة توقيفية كأصلها ، والثابت من فعلهم وقولهم : عليهم‌السلام إنها ركعتان ، ففي‌ خبر أبي بصير (٤) المروي في كتاب حريز عن الباقر عليه‌السلام « وافصل بين كل ركعتين من نوافلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٤ لكن رواه عن حنان بن سدير عن الصادق عليه‌السلام.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٣.

٥٢

بالتسليم » وخبر علي بن جعفر (١) المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل يصلي النافلة أيصلح له أن يصلي أربع ركعات لا يسلم بينهن؟ قال : لا إلا أن يسلم بين كل ركعتين » والمناقشة باحتمال إرادة الرواتب ونحوها خاصة من النافلة يدفعها ظهور اللفظ أولا ، والانجبار بالفتوى ثانيا ، بل هو المعروف بين الأصحاب كما اعترف به في المدارك ، بل في السرائر وعن إرشاد الجعفرية ان عليه الإجماع كظاهر الغنية ، وفي المحكي عن الخلاف « ينبغي أن يتشهد بين كل ركعتين ، وأن لا يزاد على الركعتين إجماعا ، وإن زاد خالف السنة ـ ثم قال أيضا ـ : وأما عندنا في كون الواحدة صلاة صحيحة فالأولى أن نقول لا يجوز ، لأنه لا دليل في الشرع على ذلك ، وروى ابن مسعود (٢) « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن البتراء أي الركعة الواحدة » بل لا أجد في ذلك خلافا صريحا بيننا » نعم قد يشم من عدم الترجيح في الذكرى ـ ومن نسبة عدم جواز الزيادة على اثنتين إلى مبسوط الشيخ أو اليه وابن إدريس في المحكي عن تحرير الفاضل وتذكرته وعدم جواز الاقتصار على الركعة إلى الشيخ في الذكرى والمحكي عن التذكرة أيضا والمنتهى ولفظ الأشبه والأقرب ونحوهما في كلام بعضهم ونحو ذلك ـ نوع تردد فيه ، بل في المحكي عن المنتهى والتذكرة « الأفضل في النوافل أن تصلي كل ركعتين بتشهد واحد ويسلم بعده » وهو كالصريح في مفضولية غيره ، مع أن في الأول منهما بعد ذلك ان الذي ثبت فعله من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه كان يصلي مثنى مثنى فيجب اتباعه ، وعن الغرية « منع أكثر علمائنا من الزيادة على الركعتين في تطوع الليل » وهو أيضا مشعر بوجود المخالف إلا أنا لم نتحققه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢.

(٢) نقل الشوكانى في نيل الأوطار ج ٣ ص ٢٨ عن محمد بن كعب القرظي « ان النبي (ص) نهى عن البتيراء ».

٥٣

نعم قال المقدس الأردبيلي في المحكي عن مجمعه : « إن الدليل على عدم الزيادة والنقيصة غير ظاهر ، وما رأيت دليلا صريحا على ذلك ، نعم ذلك مذكور في كلام الأصحاب ، والحكم به مشكل ، لعموم مشروعية الصلاة ، وصدق التعريف المشهور على الواحدة والأربع ، ولهذا جوزوا نذر الوتر وصلاة الأعرابي مع القيد اتفاقا ، وعلى الظاهر في غيرهما ، وترددوا في كونهما فردي المنذورة المطلقة أم لا ، ولو كان ذلك حقا لما كان لقولهم هذا معنى ، ويؤيده صلاة الاحتياط فإنها قد تقع ندبا مع الوحدة ، فيحتمل أن يكون مرادهم الأفضل والأولى ـ إلى أن قال ـ : أو أن مرادهم بقولهم كل النوافل أنهم لم يجدوا فيها ما هو ركعة أو أزيد من ركعتين سوى الوتر وصلاة الأعرابي » إلى آخره. وهو عجيب إذ عدم الدليل بعد التسليم كاف في العدم ، وعموم مشروعية الصلاة لا يثبت الكيفية من الكمية ونحوها قطعا ، وصدق التعريف ـ مع ان المقصود منه ضبط المشروع من الصلاة في الجملة لا أن المراد به كل ما صدق عليه ذلك ، فهو مشروع وصلاة قطعا ـ غير مجد ، على أن الاستناد اليه مع التصريح من المعرفين وغيرهم بخلافه غريب ، وأغرب منه الاستناد إلى جواز نذر الوتر وصلاة الأعرابي بعد ثبوتهما بالدليل ، وأطرف شي‌ء دعواه الظهور في غيرهما ، وهو عين المتنازع فيه ، واستدلاله بترددهم في كون الوتر وصلاة الأعرابي فردي المنذورة المطلقة أم لا ، وهو عند التأمل عليه لا له ، وتأييده ذلك بصلاة الاحتياط ، وهو ثابت بالدليل ، مع انها ليست مبنية على النفل من أول وهلة ، وذكره الاحتمالين المزبورين في كلام الأصحاب ، وهو مناف لتصريحهم كما لا يخفى على من لاحظ كلامهم ، بل لعله غير محتاج إلى ملاحظة ، لأنه المعروف من مذهبهم وطريقتهم وعملهم الذي يقطع بأنه مأخوذ من أئمتهم عليهم‌السلام ، انما يعرف من الشافعي كما حكي عنه أنه جوز الصلاة بأي عدة شاء أربعا وستا وثمانيا وعشرا شفعا أو وترا ، قال : « وإذا زاد على مثنى فالأولى أن يتشهد عقيب كل‌

٥٤

ركعتين ، فان لم يفعل وتشهد في أخراهن مرة واحدة أجزأه » وعن الإملاء « إن صلى بغير إحصاء جاز » وهو المحكي عن مالك ، وأما أبو حنيفة فقيل : إنه وافقنا في بعض أقواله على المنع عن الواحدة ، لكن قال : الأفضل أربعا أربعا ليلا أو نهارا ، وإلا فأصحابنا لم يعرف بينهم إلا ما ذكرنا ، حتى أنه لشهرة ذلك بينهم ومعروفيته لم يحتاجوا في تنزيل إطلاق ما ورد من الأمر بالنافلة بل وإن كان بعدد مخصوص منها كأربع أو ثمان أو عشر أو غير ذلك على إرادة كل ركعتين بتسليم إلى دليل خاص.

بل لعل ترك التعرض له في أكثر النصوص خصوصا المتضمن منها للأمر بالأعداد المخصوصة أوضح قرينة على معروفية ذلك ومعلوميته واستغنائه عن التصريح ، وانه لو أريد خلافه لنص عليه كالوتر وصلاة الأعرابي فإن الأول ليس بركعتين إجماعا عندنا محصلا ومنقولا ونصوصا (١) متواترة ، إذ هو إما موصول بالشفع على أن يكون ثلاث ركعات بتسليمة كما هو مذهب أبي حنيفة وبعض ، بل ربما مال اليه بعض المتأخرين من أصحابنا ، لكن على جهة التخيير كما ستعرفه مفصلا ، أو مفصول عنه على أن يكون ركعة واحدة كما هو المشهور بين الأصحاب نقلا في الذكرى وتحصيلا ، بل فيها أنه أشهر الروايات ، بل في المدارك وعن غيره انه المعروف من مذهب الأصحاب بل عن المنتهى انه مذهب علمائنا ، قال فيه : « واثنتان للشفع يسلم فيهما ثم يوتر بواحدة ذهب إليه علماؤنا ـ إلى أن قال ـ : وعثمان وسعد وزيد بن ثابت وابن عباس وأبو عمر وابن زبير وأبو موسى وعائشة وسعيد بن المسيب وعطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأحمد وأبو ثور » وفي المحكي عن التذكرة « الوتر عندنا واحد لا يزاد عليها ، وما يصلى قبلها ليس من الوتر » وحكى القول بذلك أيضا عن جماعة ممن سمعت ، وكشف اللثام « ان الوتر عندنا واحدة » بل في المحكي عن الخلاف صريح الإجماع عليه ، كما عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض.

٥٥

الأمالي « الشفع ركعتان ، والوتر ركعة واحدة من دين الإمامية » فيكون حينئذ الشفع اسما للركعتين ، والوتر للواحدة ، وهو إطلاق معروف بين الأصحاب قدمائهم ومتأخريهم ، بل الظاهر انه حقيقة متشرعية ان لم تكن شرعية.

ومن العجيب ما في المدارك وغيرها من أن المستفاد من الروايات الصحيحة أن الوتر اسم للركعات الثلاثة لا الركعة الواحدة الواقعة بعد الشفع كما يوجد في عبارات المتأخرين ، وكأنه لم يلحظ ما وقفنا عليه أو نقل لنا من عبارات القدماء كالفقيه والهداية والأمالي والمقنع والمقنعة والنهاية والخلاف والمصباح وجمل العلم والعمل والمراسم والكافي والوسيلة والغنية والسرائر وغيرها من تصانيفهم.

والأصل في ذلك ورود الشفع والوتر بهذا المعنى في الأخبار المستفيضة ، بل وفي الكتاب العزيز على ما روي في بعض تلك الأخبار ، فعن كتاب‌ دعائم الإسلام (١) عن الصادق عليه‌السلام في قول الله عز وجل (٢) : « ( وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ) : الشفع الركعتان ، والوتر الواحدة التي يقنت فيها » وعن‌ تفسير علي بن إبراهيم (٣) « الشفع ركعتان والوتر ركعة » ولا ينافيه التفسير في بعض الأخبار بالخلق والخالق (٤) أو بالحسنين وأمير المؤمنين عليهم‌السلام (٥) أو بيومي التروية وعرفة (٦) أو غير ذلك ، كما يشهد له قوله تعالى (٧) ( وَلَيالٍ عَشْرٍ ) فان المراد بها عشر ذي الحجة كما عن المشهور ، إذ الكتاب يحتمل الوجوه المختلفة والبطون المتعددة ، وإن كان الأوفق باللغة إرادة‌

__________________

(١) البحار ـ ج ١٨ ـ ص ٥٧٤ من طبعة الكمباني.

(٢) سورة الفجر ـ الآية ٢.

(٣) تفسير الصافي سورة الفجر ـ الآية ٢.

(٤) مجمع البيان ـ سورة الفجر ـ الآية ٢ ـ ص ٤٨٥ من طبعة صيدا.

(٥) تفسير الصافي سورة الفجر ـ الآية ٢.

(٦) تفسير الصافي سورة الفجر ـ الآية ٢.

(٧) سورة الفجر ـ الآية ١.

٥٦

الشفع والوتر من كل شي‌ء ، كما يقرب منه ما عن‌ مجمع الطبرسي (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « ان الشفع والوتر هما الصلاة ، منها شفع ومنها وتر » بل لعل مراده ما ذكرنا مع حمل ذلك منه على بيان الأفراد دون تعيين المراد ، بل يمكن حمل الأخبار السابقة على ذلك أيضا ، فتخرج الآية حينئذ عن الدلالة على المطلوب ، لكن الخبرين الأولين وإن حملا أيضا على بيان الأفراد دالان عليه ، كخبر الفضل بن شاذان (٢) المروي عن العيون عن الرضا عليه‌السلام في بيان شرائع الإسلام « والسنة من الصلاة أربع وثلاثون ـ إلى أن قال ـ : والشفع والوتر ثلاث ركعات يسلم بعد ركعتين » وخبر الأعمش (٣) المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام في حديث شرائع الدين « والسنة أربع وثلاثون ـ إلى أن قال ـ : والشفع ركعتان ، والوتر ركعة » قيل ونحوه المرسل عن تحف العقول (٤) وعن الرضا عليه‌السلام في المروي (٥) عن روضة الواعظين « عليكم بصلاة الليل ، فما من عبد يقوم آخر الليل فيصلي ثمان ركعات وركعتي الشفع وركعة الوتر واستغفر الله في قنوته سبعين مرة إلا أجير من عذاب القبر ومن عذاب النار ، ومد له في عمره ، ووسع له في معيشته » وخبر عبد الرحمن بن كثير (٦) عن الصادق عليه‌السلام المروي عن جنة الأمان عن تتمات المصباح لابن طاوس « كان أبي يقرأ في الشفع والوتر بالتوحيد » وفي‌ المروي عن فقه الرضا عليه‌السلام (٧) « وتقرأ في ركعتي الشفع في الأولى سبح اسم ، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون ،

__________________

(١) أرسله الطبرسي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسيره ذيل سورة الفجر وأسنده الفخر الرازي في تفسيره ج ٨ ص ٥٥٨ وكذا ابن كثير ج ٤ ص ٥٠٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢٣.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ١٦.

(٦) المستدرك ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام ص ١٣.

٥٧

وفي الوتر قل هو الله أحد » والمرسل « كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفصل بين الشفع والوتر » وآخر (١) « كان الرضا عليه‌السلام يسلم بين الشفع والوتر ويقنت فيهما » وثالث (٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « الوتر بركعة من آخر الليل » ورابع (٣) انه (ص) قال : « صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة » وخامس (٤) انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « كان بالليل يصلي أحد عشر ركعة ، يسلم بين كل ركعتين ، ويوتر بواحدة » والحسن كالصحيح (٥) عن الصادق عليه‌السلام المروي في باب التفويض من أصول الكافي في حديث طويل « والنافلة إحدى وخمسون ركعة ، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر » وخبر أبي بصير (٦) عنه عليه‌السلام أيضا المروي عن العلل « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر ، قال : قلت : تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة قال : نعم ، إنهما بركعة ، فمن صلاها ثم حدث به حدث الموت مات على وتر ، وإن لم يحدث به حدث الموت صلى الوتر في آخر الليل ».

والعجب مما يحكى عن بعض المتبحرين من المحدثين قدس‌سره من أنه لم يرد بذلك خبر أصلا إلا حديث رجاء (٧) ورده بالضعف والشذوذ ، ولعل عذره تفرق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢٤.

(٢) صحيح النسائي ج ٣ ـ ص ٢٣٣ المطبوع بالأزهر عام ١٣٤٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١.

(٤) سنن البيهقي ج ٢ ص ٤٨٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢ وفيه‌ « والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ». (٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٨.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢٤.

٥٨

الأخبار المذكورة في كتب الأصحاب ، وخروج أكثرها عن الكتب الأربعة التي عليها مدار النظر في الغالب.

نعم الأشهر في الروايات إطلاق الوتر على الركعات الثلاث ، وهي المفردة والركعتان قبلها ، بل لعلها تجاوزت حد المتواتر ، وفي مفتاح الكرامة « انها ربما نافت على أربعين خبرا » إلى آخره. لكن هي أنواع.

منها ما اشتمل على تحديد الوتر بالثلاث ، كصحيح أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام « والوتر ثلاث ركعات مفصولة » وصحيحه الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « الوتر ثلاث ركعات ، اثنتين مفصولة ، وواحدة » وموثق سليمان بن خالد (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « الوتر ثلاث ركعات ، تفصل بينهن وتقرأ فيهن جميعا بقل هو الله أحد » وموثق أبي بصير (٤) في قضاء الوتر « الوتر ثلاث ركعات إلى زوال الشمس ، فإذا زالت فأربع ركعات » وان كان ذيله محمولا على التقية ، فإن الوتر يقضى عندنا وترا أبدا كما نطقت به الصحاح المستفيضة (٥).

ومنها ما استعمل فيه الوتر مع التصريح بإرادة الثلاث من غير تحديد فيه ، كصحيح معاوية بن عمار (٦) قال : « قال لي : اقرأ في الوتر في ثلاثهن بقل هو الله أحد وسلم في الركعتين » وصحيح عبد الله بن سنان (٧) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوتر ما يقرأ فيهن جميعا؟ قال : بقل هو الله أحد ، قلت : في ثلاثهن قال : نعم » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب قضاء الصلوات.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٧.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

٥٩

و‌صحيح ابن الحجاج (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ـ أيضا ـ عن القراءة في الوتر فقال : كان بيني وبين أبي باب فكان إذا صلى يقرأ في الوتر قل هو الله أحد في ثلاثهن » وصحيح يعقوب بن يقطين (٢) « سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن القراءة في الوتر وقلت : إن بعضا روى قل هو الله أحد في الثلاث ، وبعضا روى المعوذتين ، وفي الثالثة قل هو الله أحد فقال : اعمل بالمعوذتين وقل هو الله أحد » وصحيح أبي ولاد الحناط (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا بأس أن يصلي الرجل الركعتين من الوتر ثم ينصرف فيقضي حاجته ثم يرجع فيصلي ركعة » وصحيحه الآخر (٤) « سألته ـ أيضا ـ عن التسليم في ركعتي الوتر فقال : نعم ، وان كانت لك حاجة فاخرج واقضها ثم عد واركع ركعة » وموثق سليمان بن خالد (٥) عن الصادق عليه‌السلام « ثم الوتر ثلاث ركعات تقرأ فيها جميعا قل هو الله أحد ، وتفصل بينهن » وموثق حنان (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي ثمان ركعات ـ إلى أن قال ـ : وثلاث الوتر » وخبر البزنطي (٧) عن أبي الحسن عليه‌السلام « انه عقد بيده الزوال ثمانية ـ إلى أن قال ـ : والوتر ثلاثا » وفي المحكي‌ (٨) عن فقه الرضا عليه‌السلام « وثلاث ركعات الوتر ، وهي صلاة الراغبين ».

ومنها ما يفهم إرادة الثلاث منه بمعونة القرائن ، كصحيحتي الحلبي (٩) ومعاوية بن وهب (١٠) المتضمنتين لتفريق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لصلواته ثلاث أوقات ، وقتين للثمان ، ووقت للوتر وركعتي الفجر ، والأخبار المستفيضة الدالة على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٦.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٧.

(٨) المستدرك ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٤.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٦٠