جواهر الكلام - ج ٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

صورة النسيان تندرج في خبر ابن رياح على إشكال أيضا من الإجماع المحكي وغيره.

ومن ذلك كله ظهر لك أنه لا إشكال في بطلان صلاة العامد وإن دخل عليه الوقت وهو فيها ، بل هو من الضروريات ، وإلا خرج الوقت عن كونه شرطا ، فليس ما نواه حينئذ من الصلاة المختصة بذلك الوقت. ولا مما يمكن التقرب به إلى الله تعالى ، لكن في كشف اللثام وقد يوهم الصحة النهاية والمهذب وإن كانت ليست مرادة قطعا ، كما هو واضح ، وإلا كان من المقطوع بفساده.

ولو صلى المقلد بالتقليد في الوقت فانكشف الفساد ففي الذكرى « أن الأقرب كونه كالظان ، فيلحقه أحكامه ، لتعبده بذلك ، ولو عارضه أخبار آخر بعدم الدخول فان تساويا أو كان الأول أرجح فلا التفات ، وإن كان الثاني أرجح فحكمه حكم التعارض في القبلة » وهذا منه بناء على الفرق بين المعذورين بالتقليد والاجتهاد ، وأما على ما ذكرنا فهو من أفراد الظن فحكمه شامل له ، وإلا أشكل مساواته له في ذلك ، كما أنه يمكن عدم الالتفات إلى المخبرين بعد البناء على التقليد ، إذ لا ينافيه إخبار غير من قلده بعدم حصول الوقت ، وليس مداره على الترجيح ، فتأمل.

ثم ان الظاهر من إطلاق الفتاوى اعتبار الظن عند التعذر عدم الفرق في ذلك بين وقتي الفريضة والنافلة ، بل يمكن جريان حكم الظن من الصحة لو دخل الوقت وهو فيها وعدمها عليها أيضا ، وإن كان المنساق من النص والفتوى الفريضة ، وكذا الظاهر أيضا أنه كما يعتمد عليه في الدخول يعتمد في الخروج أيضا ، فليس حينئذ له استصحاب ما حصل بالظن من الوقت لو فرض انه ظن خروجه ، تنزيلا للظن هنا في قطع الاستصحاب منزلة العلم ، ولو دخل بالظن فصادف خروج الوقت صحت صلاته كالعكس ، لعدم وجوب نية الأداء والقضاء عندنا ، وعدم قدح نية كل منهما في الآخر ، بل وعلى القول باعتبار نيتهما أيضا ، كما هو ظاهر الذكرى والدروس ، لأنه إنما نوى فرضه من‌

٢٨١

غير فرق في ذلك بين الفراغ والأثناء ، نعم ذكر الإعادة في الجميع احتمالا ، ولا ريب في ضعفه ، والله أعلم.

المسألة ( الرابعة ) التي قد أشبعنا الكلام فيها في مبحث القضاء من الكتاب ، وهي أن الفرائض اليومية مرتبة في القضاء السابقة فواتا فالسابقة فلو دخل في فريضة فذكر أن عليه سابقه عدل بنيته ما دام العدول ممكنا ، وإلا استأنف المرتبة فلاحظ وتأمل جيدا.

المسألة ( الخامسة يكره النوافل المبتدأة عند طلوع الشمس وعند غروبها ) كما هو المشهور بين الأساطين من المتقدمين والمتأخرين شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل هي كذلك في الغنية والمحكي عن الخلاف وظاهر التذكرة ، بل في جامع المقاصد والمحكي عن المنتهى أنه مذهب أهل العلم ، لصحيح ابن مسلم (١) عن الباقر عليه‌السلام « يصلى على الجنازة في كل ساعة ، انها ليست بصلاة ذات ركوع وسجود ، وانما يكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود ، لأنها تغرب بين قرني شيطان ، وتطلع بين قرني شيطان » والمرسل (٢) المنجبر بما عرفت الشاهد مع ذلك لصدق الصحيح السابق أيضا ، قال : « قال رجل لأبي عبد الله عليه‌السلام : الحديث الذي روي عن أبي جعفر عليه‌السلام ان الشمس تطلع بين قرني شيطان قال : نعم إن إبليس لعنه الله اتخذ عرشا بين السماء والأرض ، فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس قال إبليس لشياطينه : إن بني آدم يصلون لي » وحديث المناهي (٣) المروي عن المجالس وغيرها مسندا عن جعفر بن محمد عن آبائه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

(٢) فروع الكافي ج ١ ـ ص ٢٩٠ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

٢٨٢

عليهم‌السلام قال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند قيامها » وفي‌ خبر طويل (١) رواه الصدوق بإسناده عن الحسن عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشتمل على أسرار الفرائض « وأما صلاة الفجر فان الشمس إذا طلعت تطلع على قرن شيطان ، فأمرني ربي عز وجل أن أصلي قبل طلوع الشمس صلاة الغداة ، وقبل أن يسجد لها كافر ، لتسجد أمتي لله عز وجل » وخبر سليمان بن جعفر الجعفري (٢) المروي في الوسائل والبحار عن العلل « سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : لا ينبغي لأحد أن يصلي إذا طلعت الشمس ، لأنها تطلع على قرني شيطان ، فإذا ارتفعت وصفت فارقها ، فتستحب الصلاة ذلك الوقت والقضاء وغير ذلك ، فإذا انتصف النهار قارنها ، فلا ينبغي لأحد أن يصلي في ذلك الوقت ، لأن أبواب السماء قد غلقت ، فإذا زالت الشمس وهبت الريح فارقها » والنبوي (٣) المروي عن المجازات النبوية مرسلا « إذا طلع حاجب الشمس فلا تصلوا حتى تبرز ، وإذا غاب حاجب الشمس فلا تصلوا حتى تغيب » سواء أريد بالحاجب أول ما يبدو أو يغيب منها ، أو الشعاع الذي يكون بين يديها في الحالين.

بل لعل بعض النصوص الدالة على الكراهة في الثالث والرابع والخامس وهو عند قيامها وبعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر دالة عليهما أيضا ، كخبر الحسين ابن مسلم (٤) « قلت لأبي الحسن الثاني عليه‌السلام : أكون في السوق فأعرف الوقت ويضيق علي أن أدخل فأصلي ، قال : إن الشيطان يقارن الشمس في ثلاثة أحوال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

٢٨٣

إذا ذرت وإذا كبدت وإذا غربت ، فصل بعد الزوال ، فان الشيطان يريد أن يوقعك على حد يقطع بك دونه » ضرورة ظهوره في نفسه بقرينة الأمر بها بعد الزوال فضلا عن ملاحظة ما تقدم في إرادة عدم إيقاع الصلاة في أحوال مقارنة الشيطان لها الثلاثة ، عند كونها في الكبد أي الوسط ، وهو معنى قيامها ، وإذا ذرت أي طلعت ، وإذا غربت ، أي صل بعد الزوال والطلوع والغروب ، وإن اقتصر فيه على الأول كما هو واضح ، ولا يقدح في ذلك ظهور سؤاله في الفريضة بعد ظهور الجواب فيما يشمل ما نحن فيه ، وك‌ خبر الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام « لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن الشمس تطلع بين قرني شيطان ، وتغرب بين قرني شيطان ، وقال : لا صلاة بعد العصر حتى تصلى المغرب » إذ لا ريب في ظهوره بقرينة التعليل بل وبدونه في دخول الغاية في حكم المغيا ، وهو المراد بقولنا عند طلوع الشمس ، وأما الغروب فمن الواضح استفادته من الأخير بعد جعل الغاية صلاة المغرب ، ومثله‌ خبر ابن عمار (٢) عن الصادق عليه‌السلام « لا صلاة بعد العصر حتى تصلى المغرب ، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس » والمرسل عن الجعفي « كان الصادق عليه‌السلام يكره أن يصلي من طلوع الشمس إلى أن ترتفع ، وبعد العصر حتى تغرب » إلى غير ذلك.

اللهم إلا أن يقال إن النهي عن الصلاة في هذه الأخبار عن النافلة من حيث تعقيبها لصلاة الفجر والعصر حتى أنه لو فرض عدم فعلهما لم ينه عنها لا من حيث الطلوع والغروب ، كما يومي اليه أيضا جعلهما كما قبلهما مما هو بعد الصلاتين من الزمان في هذا الحكم ، بل هو يومي إلى ذلك وإن لم نقل بكون النهي من حيث الفعل ، بل كان المراد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

٢٨٤

النهي عنها بعد زمان صلاتي الصبح والعصر ، ضرورة عدم إرادة خصوص وقتي الطلوع والغروب من ذلك ، وإلا لم يشرك معهما غيرهما بلفظ « حتى » و « إلى » وفيه أن الأول خلاف ظاهر بعضها كالمشتمل على التعليل بطلوع الشمس بين قرني الشيطان ونحوه ، بل وغيره وإن كان هو خلاف المشهور ، بل في كشف اللثام أن الأصحاب قاطعون به ، ولعله ظاهر الشهيد حيث حكى ظاهر خبر الحلبي وغيره عن بعض العامة خاصة ، بل عن الخلاف الإجماع صريحا على تعلقها بالفعل دون الوقت ، بل عن التذكرة أنه لا يعلم خلافا فيه بينهم فيطول حينئذ وقت الكراهة ويقصر بتعجيل الفريضتين وعدمه ، والثاني لا ينافي استفادة النهي عنهما أيضا ، إذ لا مانع من تعدد الجهة في ذلك.

نعم يمكن إنكار دلالتها على المطلوب بأن المراد بالطلوع الذي نيطت الكراهة به ذهاب الحمرة كما عن المقنعة ، أو أنه يمتد الكراهة منه إلى أن ترتفع الشمس ويقوى سلطانها كما في الروضة والروض والمحكي عن كشف الالتباس مع زيادة ذهاب الحمرة في أول الثلاثة وفي الذكرى في‌ الخبر المروي (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « حتى ترتفع » وعن الحسن بن عيسى جعل الغاية الزوال ، وبالغروب ذهاب الصفرة كما عن المقنعة ، وغياه في الذكرى بذهاب الشفق المشرقي ، قال : ويراد به ميلها إلى الغروب وهو الاصفرار حتى يكمل الغروب ، ولعله هو مراد من عبر بكمال الغروب ، كما أنه قد يشهد له أيضا‌ ما رووه عن عامر بن عقبة (٢) نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصلاة في ثلاث إلى أن قال : وإذا تضيفت‌ أي الشمس للغروب ، أي مالت ، ومنه الضيف ، والذي جعل غاية في النصوص السابقة لكراهة الصلاة بعد العصر‌

__________________

(١) سنن النسائي ج ١ ص ٢٨٠ المطبوعة بالأزهر.

(٢) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٠١ المطبوع بمصر عام ١٣٤٦ لكن رواه عن عقبة ابن عامر وهو الصحيح لعدم وجود عامر بن عقبة في كتب التراجم.

٢٨٥

والصبح بشهادة التبادر نفس طلوع القرص وغروبه ، إذ هو المعنى الحقيقي لهذا اللفظ ، فلا تدل حينئذ هذه النصوص على حكم الوقتين المزبورين ، بل ربما كان في جعلهما غاية شهادة على نفيها قبل ذهاب الحمرة والارتفاع وقوة السلطان ، فتكون منافية لا شاهدة.

وفيه منع الفرق بينهما ، ضرورة اتحاد اللفظ بالنسبة إلى معناه في المقامين ، بل في المروي (١) عن المجازات النبوية المتقدم آنفا ظهور في ذلك ، وان اعتبار تلك الأمور الزائدة لا بد وأن يكون مستفادا من دليل آخر كمرسل الذكرى (٢) وخبر العلل (٣) السابق وغيرهما ، لا من تلك العبارة ، وحينئذ لا ينافي استفادة الكراهة حال الطلوع من هذه النصوص ، والزيادة مما عرفت ، وبه يخرج عن مفهوم الغاية إن قلنا برجحانه عليه ، وإلا كانت الكراهة مخصوصة بحال الطلوع والغروب ، بل عن المهذب التصريح بإرادة غروب نفس القرص احترازا عن الغروب الشرعي الذي هو ذهاب الحمرة ، وإن كان قد يناقش فيه بأن نصوص الغروب الشرعي كشفت عن عدم تحقق الغروب قبل ذهاب الحمرة لا أنه أمر زائد اعتبره الشارع.

وكيف كان فقد ظهر لك دليل الحكم في المقامات الخمسة ، مضافا إلى النصوص الأخر ، خصوصا بالنسبة إلى الثلاثة الأخيرة المشهور فيها الحكم أيضا كالسابقين شهرة عظيمة أيضا نقلا وتحصيلا فتوى ورواية ، بل في الغنية وعن الخلاف وظاهر التذكرة الإجماع عليه ، وبه وبالإجماعات السابقة في الأولين وبالتصريح بها في الصحيح الأول (٤) والمرسل (٥) وإشعار لفظ « لا ينبغي » بها في خبر العلل ، بل هو المنساق من النصوص‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٢) سنن النسائي ج ١ ص ٢٨٠ المطبوعة بالأزهر.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

(٥) فروع الكافي ج ١ ص ٢٩٠ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٧.

٢٨٦

كلها بملاحظة التعليل ونحوه مما يصلح غالبا للكراهة ، وعموم استحباب السجود والركوع لله والذكر ، وأن الصلاة خير موضوع يخرج عن مقتضى ظاهر النهي من الحرمة ، مضافا إلى النصوص (١) الكثيرة المتضمنة لفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الركعتين بعد صلاة العصر ، وأن ذلك كانت عادته ، بل في‌ خبر أبي بكر بن عبد الله بن قيس (٢) عن أبيه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من صلى البردين دخل الجنة يعني بعد الغداة وبعد العصر » وقال الصدوق بعد إيراد هذه النصوص : مرادي بإيراد هذه الأخبار الرد على المخالفين ، لأنهم لا يرون بعد الغداة وبعد العصر صلاة ، فأحببت أن أبين أنهم قد خالفوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله وفعله ، وهو ظاهر أو صريح في اختصاص المخالفين بالحرمة ، وأن القول بها في غاية الضعف ، لكن الظاهر أن هذه النصوص عامية كما هو مقتضى توسط عائشة في كثير منها ، وبه صرح في كشف اللثام.

لكن على كل حال القول بالحرمة في غاية الضعف ، وإن حكي الفتوى بها عن المرتضى في الثلاثة الأول مدعيا عليها الإجماع وعن ظاهر الناصر والحسن والكاتب ، بل والصدوق في العلل فيها وفي الرابع ، وعن الأولين خاصة فيها وفي الخامس ، بل قيل إنه قد يظهر من تعبير الأول منهما بلفظ عندنا الإجماع عليها أيضا ، لكن الجميع كما ترى ، ضرورة كون خلافه مظنة الإجماع ، بل في المختلف رد المرتضى بمخالفة الإجماع ، كما عن كشف الرموز نفي التحريم بالاتفاق ، ومن هنا احتمل بعضهم إرادته صلاة الضحى كي يكون دعواه الإجماع في محلها ، وربما يؤيده أن المحكي عنه ما نصه ، ومما انفردت الإمامية به كراهية صلاة الضحى ، فان التنفل بالصلاة بعد طلوع الشمس إلى الزوال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٠ و ١١ و ١٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٣ من كتاب الصلاة.

٢٨٧

محرمة إلا يوم الجمعة خاصة ، وهو ظاهر في ذلك ، كما أنه يمكن إرادة الكراهة فيه أيضا من نفي الجواز ومن النهي ، ونحوه في عبارات بعض أولئك.

وعلى كل حال فما أبعد ما بينه على تقدير الحرمة وبين الصدوق في نفي الكراهة أصلا عنها عند الطلوع والغروب ، وربما تبعه عليه بعض متأخري المتأخرين ، بل هو ظاهر المحكي عن المفيد في كتابه المسمى بكتاب افعل ولا تفعل ، ولعله‌ للتوقيع (١) الذي رواه الصدوق وغيره ، بل قال الأول : إنه رواه لي جماعة من مشايخنا ، وهو مشعر باستفاضته « وأما ما سألت عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقول الناس : إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان فما أرغم أنف الشيطان بشي‌ء أفضل من الصلاة فصلها وأرغم أنف الشيطان » بل يستفاد منه أيضا حمل نصوص النهي على التقية التي ربما ترجح على الحمل على الكراهة ، ولذا جزم بقربه في الوسائل وغيره ، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه بعد ما عرفت خصوصا بعد التسامح في الكراهة ، مع احتمال إرادة التعريض بهم في التعليل لا المرجوحية ، ومن هنا بالغ المفيد فيما حكي عنه في الإنكار عليهم بذلك ، قال : لأنهم كثيرا ما يخبرون عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتحريم شي‌ء وبعلة تحريمه ، وتلك العلة خطأ لا يجوز أن يتكلم بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يحرم الله شيئا ، فمن ذلك ما أجمعوا عليه من النهي عن الصلاة في وقتي طلوع الشمس وغروبها ، فلولا أن علة النهي أنها تطلع بين قرني شيطان لكان ذلك جائزا ، فإذا كان آخر الحديث موصولا بأوله ، وآخره فاسد فسد الجميع ، وهذا جهل من قائله ، والأنبياء (ع) لا تجهل ، فلما بطلت هذه الرواية بفساد آخر الحديث ثبت أن التطوع جائز فيهما ، ولعله يريد بذلك نفي الحرمة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

٢٨٨

لا الكراهة ، ومع احتمال كونه كلام العمري لا القائم عليه‌السلام ، إذ المروي في الفقيه بإسناده عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي أنه ورد عليه فيما ورد من جواب مسائله من محمد بن عثمان العمري ، وكأنه هو الذي فهمه في المعتبر حيث أسند مضمون التوقيع السابق إلى بعض فضلائنا ، لكن فيه أن المحكي عن إكمال الدين وإتمام النعمة والاحتجاج التصريح بكون الجواب من صاحب الدار عليه‌السلام ، هذا. والمراد بطلوع الشمس وغروبها بين قرني شيطان الكناية عن شدة تسلط الشيطان على بني آدم في هذين الوقتين حتى أغواهم فجعلهم يسجدون لها ، نحو ما ورد في بعض الأراضي أنها مطلع قرن الشيطان ، وقال الطيبي فيما حكي عنه من شرح المشكاة أن فيه وجوها : أحدها انه ينتصف قائما في وجه الشمس عند طلوعها ليكون طلوعها بين قرنيه أي فوديه ، فيكون مستقبلا لمن يسجد للشمس ، فتصير عبادتهم له ، فنهوا عن الصلاة ذلك الوقت مخالفة لعبدة الشيطان ، وثانيها أن يراد بقرينة حزباه اللذان يبعثهما لإغواء الناس ، وزاد في كشف اللثام أو حزباه المتبعون له من عبدة الشمس من الأولين والآخرين ، أو أهل المشرق والمغرب ، أو أهل الشمال والجنوب ، وعبر عن طلوعها وغروبها بين قرون عبدتها بهما بين قرني الشيطان ، وثالثها أنه من باب التمثيل شبه الشيطان فيما يسول لعبدة الشمس ، ويدعوهم إلى معاندة الحق بذوات القرون التي تعالج الأشياء وتدافعها بقرونها ، ورابعها أن يراد بالقرن القوة من قولهم أنا مقرن له أي مطيق ، ومعنى التثنية تضعيف القوة ، كما يقال ما لي بهذا الأمر يد ولا يدان : أي لا قدرة ولا طاقة ، وزاد في الكشف أيضا التعليل بأن قوة ذي القرن بقرنه وذي اليد في يديه ، ومنه (١) ( وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) انتهى. ولعل التأمل في بعض النصوص يشعر ببعض ما ذكرنا ، فتأمل. وعن بعض العامة أن الشيطان يدني رأسه من الشمس في هذه الأوقات ليكون‌

__________________

(١) سورة الزخرف ـ الآية ١٢.

٢٨٩

الساجد للشمس ساجدا له ، وربما يومي اليه‌ ما رووه (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « ان الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان » الحديث. وعلى كل حال فالأمر سهل.

نعم كان على المصنف‌ استثناء يوم الجمعة‌ من الثالث كما فعل غيره ، بل هو المشهور ، بل في جامع المقاصد نسبته إلى أكثر أهل العلم ، بل في الغنية وعن الانتصار والناصرية والخلاف وظاهر المنتهى الإجماع عليه ، بل في كشف اللثام وعن مجمع البرهان كأنه لا خلاف فيه ، ولعله لصحيح علي بن جعفر (٢) عن أخيه موسى عليهما‌السلام « سألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده قال : قبل الأذان » وفي‌ صحيح ابن سنان (٣) « لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة » وعن بعض الشافعية استثناؤه من الأولين أيضا ، لما في‌ بعض الأخبار « ان جهنم تسعر في الأوقات الثلاثة إلا يوم الجمعة » وعن‌ احتجاج الطبرسي (٤) « إن صاحب الزمان عليه‌السلام لما سأله محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أفضل أوقات صلاة جعفر قال : أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة ، وفي أي الأيام شئت وفي أي وقت صليتها من ليل أو نهار فهو جائز » بل قد يفهم منه استثناء صلاة جعفر مطلقا ، كما يشهد له أيضا‌ خبر أبي بصير (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « صل صلاة جعفر في أي وقت شئت من ليل أو نهار » لكن قد يقال بأن صلاة جعفر من ذوات الأسباب على ما ستعرفه‌

__________________

(١) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٠١ المطبوع بمصر عام ١٣٤٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة جعفر عليه‌السلام ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة جعفر عليه‌السلام ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

٢٩٠

من بعضهم من أنه ما اختص بوضع من الشارع لا ما يفعله المكلف من النافلة ، أو يقال إن ذلك لا ينافي الكراهة المراد بها هنا أقلية الثواب في أحد الوجوه لا عدم الانعقاد ، وإن احتمله في المحكي عن التذكرة ونهاية الأحكام إلا أنه في غاية الضعف ، بل هو قول بالحرمة في المعنى ، ضرورة إرادة التشريعية أو كالتشريعية منها.

قال في الذكرى : وعليه يبنى نذر الصلاة في هذه الأوقات ، فعلى قولنا ينعقد ، وعلى المنع جزم الفاضل بعدم انعقاده ، لأنه مرجوح ، ولقائل أن يقول بالصحة أيضا ، لأنه لا يقصر عن نافلة لها سبب ، وهو عنده جائز ، ولأنه جوز إيقاع الصلاة المنذورة في مطلق هذه الأوقات ، قلت : ويمكنه الفرق ، هذا.

وقد يعتذر للمصنف من عدم استثنائه بأن تفصيل الكلام في الجمعة مؤخر في محله ، أو بأن المستفاد من الصحيح الأول صلاة ركعتي الزوال خاصة ، وهي من ذوات الأسباب ، أقصاه أنها تقدمت على سببها ، والبحث في غيرها كما ستعرف ، ولعل الصحيح الثاني منزل على ذلك أيضا ، نعم لو استثنى مطلق الصلاة في هذا الوقت منها كان على المصنف استثناؤه ، وفيه أن إطلاق الاستثناء نصا وفتوى وأصالة الاتصال فيه يقتضي ذلك ، إلا أن يدعى انسياقه إلى المعروف المعهود ، وهو الركعتان ، قال في المحكي عن التذكرة : إن عللنا ذلك بغلبة النعاس ومشقة المراقبة وعدم العلم بدخول الوقت جاز أن يتنفل بأكثر من ركعتين ، وإلا اقتصرنا على المنقول ، ولا يخفى عليك ما في التعليل المزبور كما اعترف به في جامع المقاصد ، ثم قال : الذي يقتضيه النظر أن النص إن اقتضى حصر الجواز في ركعتين اقتصر عليهما ، وإلا فلا ، وقد عرفت أن الأولى الثاني ، هذا. ولكن ظاهر الرياض أن المراد من الاستثناء في عبارة من استثنى نوافل يوم الجمعة مطلقا لا خصوص الركعتين منها ، قال بعد أن ذكر الاستدلال على ذلك : « لا خلاف أجده فيه إلا من إطلاق نحو العبارة ، وليس نصا بل ولا ظاهرا في المخالفة ،

٢٩١

سيما مع إمكان إدراجها في النوافل الراتبة المستثناة ، فإنها منها ، لكونها النوافل النهارية قدمت على الجمعة ، وزيادة الأربع ركعات فيها لا يخرجها عن كونها راتبة » انتهى. وهو جيد لو أن نوافل الجمعة كلها وظيفتها الوقوع في وقت قيام الشمس في الوسط كي يحتاج إلى هذا الاعتذار ، أما إذا كان ما عدا الركعتين منها تقع في محل تكون الشمس فيه في محل العصر كما ستعرفه في محله فهو في غنية عن ذلك ، والأمر سهل.

وكيف كان فـ ( لا بأس بما له سبب كصلاة الزيارة والحاجة و ) قضاء النوافل المرتبة وفاقا للمشهور نقلا وتحصيلا ، بل في الرياض أن عليه عامة المتأخرين ، بل ظاهر « عندنا » في المحكي عن الناصرية الإجماع عليه ، بل في المحكي عن الخلاف الإجماع صريحا عليه ، لكن فيما كره للفعل أي بعد الفجر والعصر ، وعن المنتهى تارة الإجماع على أنه يصلى صلاة الطواف المندوب في أوقات النهي ، وأخرى الإجماع على عدم كراهة قضاء الرواتب بعد العصر ، بل فيه أيضا ، وفي المحكي عن التحرير والسرائر وظاهرية الناصرية والتذكرة الإجماع على قضاء الفرائض ، بل لعله ظاهر كل من حكاه على ما يقتضي التضييق ، كما أن فيه نفي الخلاف بين علماء الإسلام في عدم كراهة صلاة الكسوف في الأوقات الخمسة ، وفيه وفي المحكي عن التذكرة إجماع علماء الإسلام على عدم كراهة صلاة الجنازة بعد العصر وبعد الصبح ، وإجماعنا على عدم كراهتها في الأوقات الثلاثة الأخر ، إلى غير ذلك ، بل لعله مفروغ منه بالنسبة إلى ما عدا التطوع من الفرائض كما لا يخفى على من لاحظ نصوص المقام ، وخبر عبد الرحمن (١) وغيره مما يدل على الكراهة في صلاة الجنازة وغيرها محمول على التقية أو غيرها لا الكراهة ، كأخبار المنع في البعض وإن حملناه في غيره عليها ، لوضوح الفرق بين المقامين بالشهرة وعدمها ، فلا بأس حينئذ في سائر الفرائض حتى المنذورة مثلا قبل حصول سبب الكراهة مع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥ من كتاب الطهارة.

٢٩٢

عدم تقييد النذر به ، ولعله ينزل عليه ما يحكى عن المنتهى أيضا من أنه قد يظهر منه الإجماع على عدم كراهة المنذورة مطلقا ، أما المنذور حاله فلا يخلو من إشكال ، أفرغنا البحث فيه في مقام آخر ، انما الكلام فيما له سبب من التطوع.

ويدل عليه مضافا إلى ما عرفت وإلى الأصل خصوص ما ورد (١) مستفيضا في قضاء النوافل منها وفي ركعتي الطواف الذي يمكن دعوى مساواته للزيارة ، فيستفاد حينئذ من ركعتيه ركعتاها والإحرام وصلاة الغدير والتحية مما هو ظاهر أو صريح في عدمها سيما بالنسبة إلى ما يتعلق بالفعل مع ضميمة عدم القول بالفصل ، ومن الغريب ما في الذخيرة من إنكار ظهور هذه النصوص في نفي الكراهة ، بل قال : إن بينها وبينها تعارض العموم من وجه ، والترجيح محتاج إلى دليل ، إذ لا يخفى على من لاحظها خصوصا المشتمل على التعليل بأنه من سر آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المخزون ونحوه مما هو صريح في التعريض بالمخالفين ظهورها إن لم يكن صراحتها في إرادة نفي ذلك ، وإن كانت مشتملة على الأمر بالفعل ونحوه فقط ، فلاحظ وتأمل ، وإطلاق ما دل على شرعية ذوات الأسباب عند حصول أسبابها الشامل لهذه الأوقات وغيرها ، فان التعارض بينه وبين دليل الكراهة السابق وإن كان من وجه لكن لا ريب في رجحانه عليه بالأصل ، وما دل على رجحان أصل الصلاة ، والشهرة العظيمة والإجماع المحكي والكثرة ، وخصوص نصوص بعض أفراده من قضاء النوافل ونحوها مما يوهن به عموم الكراهة أيضا ، لتخصيصها بتلك قطعا ، لكون التعارض بينها بالخصوص مطلقا لا من وجه ، بل يمكن استفادة استثناء مطلق ذات السبب من خصوص‌ مكاتبة ابن بلال (٢) « في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ومن بعد العصر إلى أن تغيب الشمس ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

٢٩٣

فكتب إلى لا يجوز ذلك إلا للمقتضي ، فاما لغيره فلا » بناء على أن المراد من قضاء النافلة مطلق تأديتها وفعلها ، وان المراد من المقتضي مطلق السبب مقابل غير ذات المقتضي وهي المبتدأة ، فيكون حينئذ صريحا في المطلوب ، وأما احتمال إرادة القضاء من المقتضي فيه فيبعده عدم تعارف هذه اللفظة في هذا المعنى أولا ، وعدم حسن الجواب على هذا التقدير ثانيا ، ضرورة إرادة المقابل للأداء من القضاء في السؤال حينئذ لا مطلق الفعل ، إذ هو أولى من لفظ المقتضي في ذلك ، فتأمل. أو احتمال إرادة مطلق الداعي والمرجح لفعل المكروه ، لمخالفته حينئذ لفتوى الأصحاب كما اعترف به في كشف اللثام ، ومن‌ قول الرضا عليه‌السلام في الجملة في العلل التي رواها الفضل (١) عنه عليه‌السلام : « انما جوزنا الصلاة على الميت قبل المغرب وبعد الفجر لأن هذه الصلاة انما تجب في وقت الحضور والعلة ، وليست هي موقتة كسائر الصلوات ، وإنما هي صلاة تجب في وقت حدث ، والحدث ليس للإنسان فيه اختيار ، وانما هو حق يؤدي ، وجائز أن يؤدي في أي وقت كان إذا لم يكن الحق موقتا » ومن النهي عن التحري في‌ النبوي « لا يتحرى أحدكم بذات السبب هذه الأوقات » إذ لا ريب في إشعاره بعدم البأس إذا لم يتحر ، ومن هنا حكي عن التذكرة وجامع المقاصد التصريح بكراهة التحري المزبور للمرسل المذكور ، ثم قال في الأخير كما عن نهاية الأحكام : ولو تعرض بسبب النافلة في هذه الأوقات كما لو زار مشهدا أو دخل مسجدا لم يكره لصيرورتها ذات سبب ، قلت : وليس هو من التحري بها قطعا ، مضافا إلى ما عرفت من البحث في الجملة في أصل دليل الكراهة ، وأن ظاهر النهي فيه كالتعليل موافق للعامة ، وأن الشهرة هي التي أقامت تلك الأخبار ونزلتها على الكراهة ، فينبغي أن يدور الأمر مدارها ، هذا أقصى ما يقال في وجه الاستثناء المزبور وإن كان فيه ما فيه ، خصوصا مع ملاحظة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤ من كتاب الطهارة.

٢٩٤

ما دل على الكراهة ، وإطلاقه إطلاقا ظاهرا في عدم الفرق بين النوافل ، سيما المشتمل على التعليل بالطلوع والغروب بين قرني شيطان ، وبأن صلاة الجنازة ليست ذات ركوع وسجود ، بل في المحكي عن‌ كتاب الاستخارات لابن طاوس انه روى أحمد بن محمد ابن يحيى (١) عن الصادق عليه‌السلام في الاستخارة بالرقاع « فتوقف إلى أن تحضر صلاة مفروضة فقم فصل ركعتين كما وصفت لك ، ثم صل الصلاة المفروضة ، أو صلهما بعد الفرض ما لم يكن الفجر أو العصر ، فأما الفجر فعليك بالدعاء بعدها إلى أن تنبسط الشمس ثم صلهما ، وأما العصر فصلهما قبلها ثم ادع الله بالخيرة » وهو ظاهر في عدم الفرق كظهور غيره أو صراحته من النصوص الواردة في الطواف ، فلاحظ.

ومن ذلك كله وغيره قال في كشف اللثام تارة : إن الاقتصار على ما نص على جواز فعله في هذه الأوقات أو نص فيه على التعميم حسن إلا أن يثبت الإجماع الذي في الناصريات ، وأخرى انه إن قيل إن ذوات الأسباب ان كانت المبادرة إليها مطلوبة للشارع كالقضاء والتحية لم تكره وإلا كرهت كان متجها ، وقال في الحدائق : إن الاشكال باق فيما عدا القضاء من ذوات الأسباب وركعتي الطواف وصلاة الإحرام ، وكأنه لم يلتفت إلى ما ورد في صلاتي الغدير (٢) والتحية (٣) لعدم نصه على شي‌ء من الأوقات بالخصوص ، كالمحكي عن مجمع البرهان ، قال : الظاهر إما عدم الكراهة مطلقا ، لعدم صحة الدليل الخاص ، أو الكراهة مطلقا سوى الخمس المذكورة في الخبر أي‌ خبر أبي بصير (٤) ونحوه « خمس صلوات يصليهن في كل وقت : صلاة الكسوف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الاستخارة ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

٢٩٥

والصلاة على الميت وصلاة الإحرام والصلاة التي تفوت وصلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى الليل » أو‌ صحيح ابن عمار (١) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : خمس صلوات لا تترك على كل حال : إذا طفت بالبيت وإذا أردت أن تحرم وصلاة الكسوف وإذا نسيت فصل إذا ذكرت وصلاة الجنازة » وهما بمعنى ، وعليهما اقتصر في المحكي عن الهداية والمصباح والوسيلة والجمل والعقود والجامع عدا الأخير ، فزاد تحية المسجد ، وفي الفقيه على ما في‌ صحيح زرارة (٢) « أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة : صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أديتها ، وصلاة ركعتي طواف الفريضة ، وصلاة الكسوف ، والصلاة على الميت ، هذه يصليهن الرجل في الساعات كلها ».

ويمكن إرادة ما يعم الفرض والنفل من الفائتة في هذه الأخبار ، خصوصا الأول ، وخصوصا مع ملاحظة باقي النصوص ، كمكاتبة محمد بن يحيى بن حبيب (٣) للرضا عليه‌السلام « تكون علي الصلاة النافلة متى أقضيها؟ فكتب في أي ساعة شئت من ليل أو نهار » وخبر سليمان بن هارون (٤) عن الصادق عليه‌السلام سأله « عن قضاء الصلاة بعد العصر فقال : إنما هي النوافل فاقضها متى ما شئت » وغيرهما حتى صحيح ابن أبي يعفور (٥) وحسن الحسين بن أبي العلاء (٦) المشتملين على الأمر بقضاء صلاة النهار في أي وقت شاء من ليل أو نهار ، مع إمكان دعوى تناول لفظ صلاة النهار لهما ، بل يمكن دعوى ظهوره في النفل خاصة ، فتأمل. فيتجه حينئذ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٢ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٣ من كتاب الصلاة.

٢٩٦

استثناؤها من الكراهة في هذه الأوقات لذلك ولغيره مما تقدم.

فما عن النهاية من الحكم بكراهته أيضا عند الطلوع والغروب مع تصريحه سابقا باستثناء الخمس التي في خبري أبي بصير (١) ومعاوية بن عمار (٢) لا يخلو من نظر ، كالمحكي عن المفيد مما هو نحو ذلك ، قال : « لا بأس أن يقضي الإنسان نوافله بعد صلاة الغداة إلى أن تطلع الشمس ، وبعد صلاة العصر إلى أن يتغير لونها بالاصفرار ، ولا يجوز ابتداء النوافل ولا قضاء شي‌ء منها عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ـ قال ـ : ويقضي فوائت النوافل في كل وقت ما لم يكن وقت فريضة أو عند طلوع الشمس أو عند غروبها ، ويكره قضاء النوافل عند اصفرار الشمس حتى تغيب ـ قال ـ : ومن حضر بعض المشاهد عند طلوع الشمس وغروبها فليزر ويؤخر صلاة الزيارة حتى تذهب حمرة الشمس عند طلوعها ، وصفرتها عند غروبها » ومثله في ذلك أيضا الشيخ فيما حكي من خلافه ، فإنه فرق أيضا بين الكراهة للفعل وبينها للوقت ، فخص الأولى بالمبتدأة بخلاف الثانية ، فإن الأيام والبلدان والصلوات فيها سواء ، قال : إلا يوم الجمعة ، فله أن يصلي عند قيامها النوافل ، ووافقنا الشافعي في جميع ذلك ، واستثنى من البلدان مكة ، فأجاز الصلاة فيها في أي وقت شاء ، ومن الصلوات ما لها سبب ، وفي أصحابنا من قال الصلوات التي لها سبب مثل ذلك ، ولا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما تقدم ، وأنه لا ينبغي التأمل في البعض كالقضاء ونحوه.

وأغرب منه ما عن الجعفي « وكان يكره يعني الصادق عليه‌السلام أن يصلى من طلوع الشمس حتى ترتفع ، ونصف النهار حتى تزول ، وبعد العصر حتى تغرب ، وحين يقوم الامام يوم الجمعة إلا لمن عليه قضاء فريضة أو نافلة من يوم الجمعة » كما ان ما عن الحسن ـ من أنه لا نافلة بعد طلوع الشمس إلى الزوال ، وبعد العصر إلى أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

٢٩٧

تغيب الشمس إلا قضاء السنة ، فإنه جائز فيهما ، وإلا يوم الجمعة ـ لا يخلو إطلاقه النهي عن النافلة بعد الطلوع إلى الزوال من غرابة في الجملة أيضا ، نعم قد عرفت أن استفادة استثناء جميع ذوات الأسباب من النصوص محل للنظر بل المنع ، وكيف ولم يعرف التعبير بلفظ ذات السبب والمبتدأة كالحكم إلا في لسان الفقهاء ، لكن الأمر بعد أن كان في الكراهة وعدمها سهل.

والمنساق من ذات السبب الصلاة التي شرعت بسبب آخر غير رجحانها نفسها كصلاة الحاجة والاستسقاء والاستخارة والإحرام وغيرها حتى لو كان بفعل المكلف كدخول مسجد أو مشهد ، بل قال الشهيد وغيره فيما حكي عنهم : لو تطهر في هذه الأوقات جاز أن يصلي ركعتين ولا يكون هذا ابتداء ، للحث على الصلاة عقيب الطهارة ، ولأن‌ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما روي (١) انه قال لبلال : « حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دق نعليك بين يدي في الجنة قال : ما عملت عملا أرجى عندي من أنني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ، ما كتب لي أن أصلي ، وأقره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ذلك » وفي كشف اللثام ليسا من النص في ذلك على شي‌ء لاحتمالهما الانتظار إلى زوال الكراهة ، وفيه أنه يكفي النص على التعميم كما اعترف به هو سابقا ، على أنه يمكن أن يكون مراد الشهيد إثبات أنها من ذوات الأسباب بذلك ، فيثبت الحكم حينئذ ولو من غير هذين ، لا ان المراد إثبات الحكم بهما ، بل لعل ذلك هو الظاهر من عبارته ، فلاحظ وتأمل.

نعم قد يناقش بأنه لا دلالة في الحث على نفي الكراهة ، وإلا لنفاها بالنظر إلى أصل النافلة التي ورد فيها أنها خير موضوع ، وان صلاة ركعتين تدخل الرجل الجنة ، إلى غير ذلك ، وبما في الحدائق من أن الخبر المزبور عامي وكذب صريح ، لتضمنه‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٢ ص ١٦٧.

٢٩٨

دخول بلال الجنة قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد بينا ما فيه من المفاسد في مقدمة كتاب السلاسل ، فعدها حينئذ من ذوات الأسباب لذلك لا يخلو من نظر.

وعلى كل حال فما عن جامع المقاصد وفوائد القواعد من أن حاصل المراد بالسبب هو ما خصه الشارع بوضع وشرعية خلاف ما يحدثه المكلف من مطلق النافلة ـ ولعل الذي حمله عليه المقابلة بالمبتدأة التي يصعب إن لم يمنع اندراج مثل ذلك فيها أيضا ـ فهو محل للتأمل ، ضرورة عدم معروفية السبب بهذا المعنى ، وإن كان عليه يندرج في الاستثناء كثير من النوافل ، كصلاة جعفر وغيرها ، بل يمكن دعوى دخول إعادة المنفرد الصبح والعصر جماعة فيها ، والركعتين اللتين حصلا من المسافر إذا ائتم بالحاضر في مثل العصر ، إذ هو مخير بين جعل الأولتين الفريضة والأخيرتين نافلة والعكس كما عن الذكرى التصريح بهما معا ، وإن ناقشه فيهما في الحدائق ، وزاد الأخير إشكالا بعدم الجماعة في النافلة ، وهذا ليس من المواضع المستثناة ، لكن الذي يهون الخطب خلو النصوص عدا ما سمعت من النبوي العامي على الظاهر عن هذين اللفظتين كي يحتاج إلى البحث عن المراد بهما ، انما العمدة النظر إلى دليل الاستثناء ، فان شمل مثل ذلك أخرج عن الكراهة وإن قلنا بظهور ذات السبب في غيرها ، وإلا دخلت وإن كانت من ذات السبب ، وقد عرفته ، فلاحظ وتأمل ، اللهم إلا أن يقال إنه وإن خلت النصوص عنهما ، لكنهما في معقد الإجماع وفي فتاوى الأصحاب التي هي العمدة في المقام من جهة جبر الأخبار بالشهرة وعدمها.

ثم ان المنساق من الأدلة كراهة الشروع في النافلة في هذه الأوقات ، أما لو دخل عليه أحد الأوقات وهو في الأثناء لم يكره إتمامها كما صرح به بعضهم فيما حكي عنه ، حتى لو علم من أول الأمر دخوله عليه كذلك ، بل الظاهر أنه المراد من مثل ما في القواعد ، ويكره ابتداء النوافل عند كذا وكذا إلا ما له سبب ، لظهور الاتصال في‌

٢٩٩

الاستثناء ، إذ لو لم يكن المراد من لفظ الابتداء الشروع كان منقطعا ، أو كان لفظ ابتداء مستدركا كما هو واضح.

ولا يندرج مطلق السجود في الصلاة المنهي عنها قطعا ، ولذا صرح الفاضل فيما حكي من تذكرته بعدم كراهة سجدة الشكر وسجدة التلاوة معللا ذلك بأنهما ليستا بصلاة ، وبأن لهما أسبابا ، وقد يشكل بالنظر إلى الكراهة في الوقت بشمول التعليل المزبور ، وبأنه لا دليل على خروج كل ذي سبب ، إذ قد عرفت ما فيه في النافلة فضلا عن غيرها ، على أن مقتضاه الكراهة في الابتدائي من السجود ، وبأن الموجود في رواية عمار (١) النهي عن فعل سجود السهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ، وإن كان العمل به لا يخلو من إشكال بناء على الفورية في السجود ، ولأنه موافق للعامة.

المسألة السادسة ما يفوت من النوافل ليلا يستحب تعجيله ولو في النهار ، وما يفوت نهارا يستحب تعجيله ولو ليلا ولا ينتظر بها النهار هنا كما لا ينتظر الليل هناك على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، للأمر بالمسارعة (٢) وثبوت ذلك في الفرائض على الوجوب أو الندب إن لم نقل بشمول بعض النصوص لهما ، وخبر محمد ابن مسلم (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ان علي بن الحسين عليهما‌السلام كان إذا فاته شي‌ء من الليل قضاه بالنهار ، وإذا فاته شي‌ء من اليوم قضاه من الغد أو في الجمعة أو في الشهر ، وكان إذا اجتمعت الأشياء عليه قضاها في شعبان حتى يكمل له عمل السنة كلها كاملة » وخبر أبي بصير (٤) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إن قويت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٢) سورة آل عمران ـ الآية ١٢٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

٣٠٠