جواهر الكلام - ج ٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كان الأحوط فعلهما بعيد الفجر ، وأحوط منه قبل الفجر ، والله أعلم.

ويجوز أن يقضى الفرائض الخمس في كل وقت ما لم يتضيق وقت الفريضة الحاضرة نصا وإجماعا وكذا يصلى بقية الصلوات المفروضات لوجود المقتضي وارتفاع المانع وتصلى النوافل ما لم يدخل وقت الفريضة وكذا قضاؤها بلا خلاف ولا إشكال ، لإطلاق الأدلة وعمومها ، أما إذا دخل فالأقوى في النظر جوازه أيضا وفاقا للشهيد والمحقق الثاني والكاشاني والخراساني وظاهر القاضي فيما حكي عنه والمدارك وربما مال إليه في كشف اللثام ، بل لعله مذهب الكليني وغيره ممن روى أخبار الجواز ، بل في الدروس أنه الأشهر ، بل عن التذكرة نفي العلم بالخلاف عن عدم كراهية التنفل قبل العصر والصبح لمن لم يصلهما ، ولعله من التطوع وقت الفريضة ، بل قيل إنه قد يفهم ذلك من إجماع الخلاف هناك وشهرة المنتهى القريبة من الإجماع ، وستسمعه إن شاء الله ، للأصل وإطلاق الأمر بها (١) وعمومات (٢) قضاء الرواتب منها متى شاء التي اعترف في الرياض بتكثرها كثرة قريبة من التواتر ، وأن فيها الصحاح وغيرها ، ولإشعار التعريض (٣) بين النفل والإتمام في صلاة الاحتياط ، بل قد تتمحض للأول كما إذا ظهر التمام في أثنائها ، ولكثير من النصوص المتفرقة في الأبواب وكتب الأدعية في خصوص بعض نوافل في أوقات الفرائض ، مثل الصلوات الواردة (٤) بين الظهرين خصوصا يوم الجمعة ، وبين المغرب والعشاء مطلقا كالغفيلة (٥) وغيرها مما عرفت ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أعداد الفرائض من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣ و ٢ من كتاب الصلاة.

(٤) مصباح المتهجد ـ ص ٢٦٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة من كتاب الصلاة.

٢٤١

أو في بعض الأزمنة كشهر رمضان (١) وليالي الجمع (٢) وغيرها كثرة يعسر استقصاؤها ، ويبعد معها دعوى اختصاصها ككثير من النصوص المتقدمة سابقا في الرواتب ، ومزاحمتها للفرائض ، خصوصا مع اختلافها في تحديد أوقاتها والأمر بها في أوقات الفرائض من دون تحديد بأمر منضبط صالح لإناطة الحرمة ، وغير ذلك مما يظهر منه التسامح والتساهل فيه ظهورا تاما ، ضرورة عدم اعتيادهم عليهم‌السلام أمثاله في الحرمة ، ولا الاكتفاء في بيانها بنحو ما ستعرفه مما هو في نفسه غير صالح لإفادتها ، فضلا عنه بملاحظة معارضه ، خصوصا مثل الحرمة في المقام التي ربما يستغربها أذهان العوام من جهة جواز تأخير الفريضة للاشتغال ببعض المباحات بل المكروهات وعدمه للاشتغال بالنوافل التي ورد (٣) الحث الشديد والترغيب البالغ والتأكيد على فعلها أداء وقضاء ، وأنها من الصلاة التي هي خير موضوع ، وقرة عين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخير العمل ، وأفضل ما يتقرب به العبد ، وغير ذلك مما إذا سمعه المكلف لم يخطر في باله المنع عنها بوجه من الوجوه ، بل أذهان الخواص أيضا.

ولذا استدل في كشف اللثام على الجواز هنا بالأولوية ، قال : ولجواز التأخير من غير اشتغال بصلاة ، فمعها أولى ، وإن كان في دعوى القطع بالأولوية المزبورة كي تكون مثمرة نظر واضح ، اللهم إلا أن يدعى حصوله بملاحظة ما ذكرنا وغيره من القرائن الكثيرة التي منها أنه لو كان الحكم كذلك لاشتهر بين جميع المتشرعة الرواة والمتفقهة والمقلدة وأتباعهم غاية الاشتهار ، بل كانت الخطباء خطبت به على رؤوس المنابر ، وحذرت منه ، لأنه مظنة وقوع الناس فيه ، بل من المقطوع به بسبب ما اشتهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ و ١٨ و ١٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض.

٢٤٢

من أمر الصلاة والحث عليها كما هو واضح ، ولأن‌ سماعة (١) سأل الصادق عليه‌السلام في موثقه المروي في الكتب الثلاثة « عن الرجل يأتي المسجد وقد صلى أهله أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوع؟ فقال : إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة ، وإن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة ، وهو حق الله ، ثم ليتطوع بما شاء ، الأمر موسع أن يصلي الإنسان في أول دخول وقت الفريضة النوافل إلا أن يخاف فوت الفريضة ، والفضل إذا صلى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ، ليكون فضل أول الوقت للفريضة ، وليس بمحظور عليه أن يصلي النوافل من أول الوقت إلى قريب من آخر الوقت » وهو دال على المطلوب من وجوه حتى صدره مع التأمل ، فلا يقدح فيه حينئذ احتمال كون قوله عليه‌السلام : « والفضل » إلى آخره من الكليني ، مع أنه خلاف الظاهر.

و‌ابن مسلم في الحسن كالصحيح (٢) قال الصادق عليه‌السلام أيضا : « إذا دخل وقت الفريضة أتنفل أو أبدأ بالفريضة قال : إن الفضل أن تبدأ بالفريضة » الحديث. والمناقشة فيه بأن الفضل يجامع الوجوب إذ هو غير الأفضل كما ترى ، وقال عليه‌السلام أيضا في خبر عمار (٣) : « إذا أردت أن تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصل شيئا حتى تبدأ فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة ، ثم اقض ما شئت » ول‌ خبر منهال (٤) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوقت الذي لا ينبغي لي إذا جاء الزوال ـ أي نافلته كما أطلق كذلك في غيره ـ قال : ذراع أو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة وفيه « الذراع الى مثله ».

٢٤٣

مثله » فان في قوله فيه « لا ينبغي » إشعارا بالجواز مع تقرير الامام عليه‌السلام إياه ، بل وفي ترديده عليه‌السلام بين الذراع والمثل ، وإن قال في الوافي : أراد به ما يقرب منه ، فإنه يتفاوت بتطويل النافلة وتقصيرها ، ومثله‌ صحيح عمر بن يزيد (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال : إذا أخذ المقيم في الإقامة ، فقال له : إن الناس يختلفون في الإقامة ، قال : المقيم الذي تصلي معه » بل مقتضاه أن أصل الرواية بلفظ « لا ينبغي » أو بمعناه المشعر بعدم الحرمة ، وليس المراد من قوله : « يروون » العامة ، إذ الظاهر كما يستفاد من غيره من الأخبار عدم وجود رواية لهم بهذا المعنى ، على أن في تحديد ذلك كخبر إسحاق بن عمار (٢) المتقدم في ركعتي الفجر بما إذا أخذ المقيم المختلف غاية الاختلاف كما اعترف به السائل إيماء ظاهرا إلى عدم الحرمة ، بل وفي جوابه عليه‌السلام أخيرا بأنه المقيم الذي تصلي معه ، وهو غير مضبوط أيضا في نفسه باعتبار الأحوال والأوقات ، مع اقتضائه اختلاف التحديد بحسب اختلاف المكلفين فيمن يصلون معه.

ولموثق إسحاق بن عمار (٣) « قلت : أصلي في وقت فريضة نافلة ، قال : نعم في أول الوقت إذا كنت مع إمام يقتدى به ، فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة » بناء على إرادته وقت فضيلة الفريضة بعد مضي وقت النافلة كما هو المعهود من هذا الإطلاق في غيره من النصوص ، بل ينبغي الجزم بها هنا بملاحظة تفصيله في الجواب ، أو يريد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

٢٤٤

نافلة غير الراتبة كما يومي اليه تنكيرها ، ول‌ موثق أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام « إن فاتك شي‌ء من تطوع النهار والليل فاقضه عند زوال الشمس ، وبعد الظهر عند العصر ، وبعد المغرب ، وبعد العتمة ، ومن آخر السحر » بل لعله قرينة على إرادة التطوع من صلاة النهار أيضا في‌ صحيح ابن مسلم (٢) « سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار قال : يقضيها إن شاء بعد المغرب ، وإن شاء بعد العشاء » والحسن كالصحيح (٣) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال : متى شاء ، إن شاء بعد المغرب ، وإن شاء بعد العشاء » بل ينبغي الجزم به بناء على المضايقة في قضاء الفرائض وترتب الحواضر عليها ، للقطع حينئذ بعدم إرادته منهما ، على أن في ترك الاستفصال فيه كفاية ، ول‌ خبر علي بن جعفر (٤) المروي عن قرب الاسناد عن أخيه موسى عليهما‌السلام « سألته عن رجل نسي صلاة الليل والوتر ويذكر إذا قام في صلاة الزوال قال : ابتدأ بالظهر ، فإذا صلى صلاة الظهر صلى صلاة الليل ، وأوتر ما بينه وبين صلاة العصر أو متى أحب » ول‌ صحيح سليمان بن خالد (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل دخل المسجد وافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلي إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة قال : فليصل ركعتين ، ثم ليستأنف الصلاة مع الامام ، ولتكن الركعتان تطوعا » وللصحيح (٦) عن الصادق عليه‌السلام « إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاتهم فان كانت الأولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأولتين ، وإن كانت العصر فليجعل الأولين نافلة والأخيرتين فريضة ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٠ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

٢٤٥

قال في كشف اللثام : فان هذه النافلة إما قضاء أو ابتداء ، فإذا جاز ابتداء النافلة وقت الفريضة فقضاؤها أولى ، ثم قال : وفيه أنه لإدراك فضيلة الجماعة مع التجنب عن التنفل بعد العصر لكراهته ، ثم النافلة ليست إلا الفريضة المعادة ، لكن قد يناقش بإطلاق الخصم المنع ، وكراهة العبادة لا تقدم على الحرمة ، وكون النافلة ليست إلا الفريضة المعادة ـ لأن الفرض بقاء العصر على المسافر وقد جعلها في الركعتين الأخيرتين ، فما صلاة من الركعتين الأولين نفلا ليس إلا الفريضة المعادة ، لعدم صلاحية الجماعة في غيرها ، وإلا كان من الشواذ التي يجب طرحها ـ لا يقتضي تخصيصا لأدلة حرمة التطوع في وقت الفريضة بعد أن أطلقت الفتوى بمضمونها ، وما في الرياض ـ من أنه لا ربط لهذا الصحيح في المقام بناء على إرادة الفريضة المعادة ، كما لا ربط للصحيح الذي قبله به أيضا ، لكن هذه النافلة مستثناة إجماعا كما سيأتي في محله إن شاء الله ـ يدفعه أنه لا إجماع قطعا على خصوص مضمون الصحيح المزبور ، وضرورة أن ما ذكروه في بحث الجماعة من استحباب الإعادة لمن صلى وحده أعم من ذلك ومما لا يستلزم تطوعا في وقت فريضة ، كما إذا كان قد صلى الفرضين ، أو أنه جعل ما فعله منفردا نافلة على أحد الوجهين المذكورين هناك ، أو غير ذلك ، على أنك قد عرفت إطلاق المانع ، وعدم إشعار في كلامه باستثناء مثل ذلك ، كما أنه لا إشعار في الأدلة الدالة على الجواز كهذين الصحيحين (١) وغيرهما به أيضا ، فجعلهما مخصصين ليس بأولى مما ستسمعه من حمل النهي عن التطوع على بيان المرجوحية ونحوها مما لا ينافيهما ، بل هذا أولى قطعا ، كما أن تلك النصوص الدالة على مشروعية جملة من النوافل في أوقات الفرائض التي أشرنا إليها في أول البحث كذلك أيضا ، فما في الرياض ـ من أنها لا ربط لها بالمقام أيضا ، لأنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١ والباب ١٨ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

٢٤٦

ارتضاها الأصحاب واستثنوها بالخصوص ـ كما ترى ، على أن أكثرها لم يتعرض لها الأصحاب في كتب الفقه ، وما تعرضوا له كالغفيلة ربما شكك فيها بعضهم ، على أن خلو هذه الأدلة وغيرها ـ مع تعددها وكثرتها عن الإشارة بوجه من الوجوه إلى التخصيص ، وانه مستثنى من تلك الكلية ـ أكبر شاهد عند الفقيه الماهر على عدمه وعدم إرادة المنع من هذا النهي والنفي ، خصوصا مع عدم صراحة شي‌ء مما ذكر في أدلة المنع فيه كي يرتكب لأجله أمثال ذلك ، إذ هو ليس إلا أخبار (١) الذراع والذراعين المتقدمة في نوافل الزوال التي لا صراحة فيها في الحرمة ، لاحتمال كون التقدير لرفع الكراهة ، وللجمع بين فضيلتي الفريضة والنافلة ، ومفهوم قوله في بعضها (٢) : « فان لك » إلى آخره. مع أنه ضعيف جدا يمكن إرادة الرخصة المجردة عن تفويت فضيلة أول وقت الفريضة وعن المرجوحية منه ، وإلا بعض النصوص المتقدمة في ركعتي الفجر التي قد عرفت معارضته فيها بما هو أقوى منه ، وأنه لم يفت به هناك إلا النادر ، بل هي عند التأمل الجيد شاهدة للمختار هنا ، ضرورة موافقة مضمونها للنصوص المذكورة هنا حتى في معظم الألفاظ كقوله عليه‌السلام (٣) : « لا صلاة نافلة حتى تبدأ بالمكتوبة » وغيره من أمر المقايسة ونحوها ، والفرض إرادة الكراهة منها هناك حتى من الخصم ، إذ لم يحك الفتوى بها إلا من الإسكافي والشيخ ، بل قد عرفت أن الطباطبائي نفي الخلاف هناك أصلا ، فليكن المراد الكراهة هنا كذلك.

ومنه يعلم حال استدلالهم هنا‌ بالمروي (٤) عن حبل المتين وغيره الموصوف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ و ١٨ و ١٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة وليس فيه لفظة « فان ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

٢٤٧

بالصحة وإن لم نتحققها عن زرارة قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام أصلي نافلة وعليَّ فريضة أو في وقت فريضة قال : لا ، إنه لا يصلى نافلة في وقت فريضة ، أرأيت لو كان عليك صوم من شهر رمضان كان لك أن تتطوع حتى تقضيه؟ قال : قلت : لا ، قال : فكذلك الصلاة ، قال : فقايسني وما كان يقايسني » إذ هو مثل صحيحه المتقدم في ركعتي الفجر الذي قد عرفت تنزيله على غير الحرمة عند أكثر الأصحاب ، وأن المقايسة تعليما لزرارة كيفية البحث معهم لو أرادوا إنكار المرجوحية ، أو أرادوا لزوم الإتيان ببعض النوافل في أوقات الفرائض كنافلة الفجر ، أو نحو ذلك ، بل لعله هو ذلك الخبر ، ورواه هؤلاء بالمعنى كما يومي اليه عدم وجوده في الكتب الأربع ، فدعوى صراحة هذين الصحيحين في الحرمة من جهة المقايسة والتنظير بما هي معلومة فيه ـ بل في الرياض الإجماع عليها فيه على وجه لا يمكن حملها على الكراهة ـ في غاية الغرابة بعد أن وافق في ركعتي الفجر اللتين ورد فيهما أحد هذين الصحيحين على جواز وقوعهما بعد الفجر ، خصوصا والمعلوم أن المراد بهذا القياس الذي بطلانه من ضروريات مذهبهم مجرد الإلزام به ، وأن مقتضاه الحرمة على مذاقهم ، بل لعل المراد التبكيت به في بادئ النظر ، وإلا فالمقيس النافلة في وقت الفريضة الظاهرة في الحاضرة سيما مع قرينة السؤال ، والمقاس عليه التطوع بالصوم لمن عليه قضاء شهر رمضان ، وكان الذي ينبغي قياس الشق الأول من السؤال عليه ، اللهم إلا أن يريد به من دخل عليه نفس شهر رمضان كما فهمه في الذخيرة مع حمل القضاء فيه على مطلق الفعل والتأدية على ما هو المعروف في النصوص لا المقابل للأداء المشهور في لسان المتشرعة ، لكن فيه حينئذ أنه أيضا غير تام باعتبار عدم التمكن من الجمع بين النفل والفرض في أيام شهر رمضان بخلاف ما نحن فيه من الصلاة ، ومن هنا يعلم كون المراد منه الإلزام في بادئ النظر ، والله أعلم.

٢٤٨

وسوى‌ موثق ابن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قال لي رجل من أهل المدينة : يا أبا جعفر مالي لا أراك تتطوع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس؟ فقلت : إنا إذا أردنا أن نتطوع كان تطوعنا في غير وقت فريضة ، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوع » وهو ـ مع قراءة ما بعد « لا » فعلا لا اسما منصوبا كما يشهد له السياق ـ لا صراحة فيه بالحرمة ، بل ولا ظهور ، بل لو قرئ اسما كان المراد منه بمعونة السياق أيضا ذلك ، مضافا إلى تعارف هذا التركيب في نفي الكمال ، وإلى إرادته من دخول الوقت شروع المؤذن في الأذان ، وهو لا يقول به الخصم ، كما أنه لا يقول في شمول النهي لمثل الرواتب التي هي المراد على الظاهر بهذا الخبر قبل مضي أوقاتها ، وليس هو المانع هنا ، بل شروع المؤذن في الأذان ، مع أنه جعل الحد لركعتي الفجر في خبر إسحاق ابن عمار المتقدم (٢) قول المؤذن : « قد قامت الصلاة » فتأمل جيدا. وسوى بعض النصوص (٣) التي ستعرف حالها في التطوع لمن عليه فائتة.

ومن ذلك كله يعلم الحال في‌ خبر أبي بكر (٤) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « إذا دخل وقت صلاة مفروضة فلا تطوع » بل وخبر أديم بن الحر (٥) عن الصادق عليه‌السلام « لا يتنفل الرجل إذا دخل وقت فريضة ـ إلى أن قال ـ : إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها » إذ هما مع قصور سنديهما غير صريحين أيضا ، فلا بأس بحمل النهي والأمر فيهما وفي غيرهما كصحيحي زرارة (٦) أيضا المروية أحدهما في مستطرفات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ والباب ٦١ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

٢٤٩

السرائر خصوصا بقرينة ما ذكرناه من الأدلة على الكراهة والندب الذين هما من أشهر المجازات فيهما ، بل ادعي مساواتهما للحقيقة ، ويكون الحاصل ترجيح مراعاة فضل أول الوقت للفريضة الذي هو كفضل الآخرة على الدنيا ، بل خير للمؤمن من ماله وولده ، بل لا يقابله شي‌ء أبدا ، مع أنه لا بدل له ، إذ غيره إما أدنى منه فضلا ، أو لا فضل فيه أصلا على النافلة التي لها بدل ، وهو القضاء ، بل لعله أرجح منها ببعض الاعتبارات التي لا تنافي قاعدة رجحان الأداء على القضاء ، ولهذا أمر‌ أبو جعفر عليه‌السلام نجبة بهما (١) قال : « قلت له : تدركني الصلاة فأبدأ بالنافلة فقال : لا ، ولكن ابدأ بالمكتوبة واقض النافلة » ولعل هذا وشبهه هو السر في النهي عن التطوع في أوقات الفرائض كما صرح به في الجملة موثق سماعة المتقدم (٢) بل يومي اليه ظهور نصوص المنع أو أكثرها في إرادة الوقت الفضيلي من وقت الفريضة لا ما يشمل الاجزائي ، وهو مضعف آخر لدلالتها على ما يقول الخصم.

بل قد يومي اليه زيادة على ذلك وعلى خبر نجبة المتقدم آنفا‌ خبر زياد بن أبي عتاب (٣) قال : « سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها ، فلا يضرك أن تترك ما قبلها من النوافل » إذ الظاهر منه إرادة إمكان جبر ضرر الترك بالقضاء ، بخلاف عدم البدأة بالمكتوبة في أول الوقت ، فإنه ضرر لا جابر له ، بل لعل في هذا التعليل في الخبر المزبور إشعارا أيضا بالمختار ، بل ما‌ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤) في النهج « لا قربة بالنوافل إذا أضرت بالفرائض » وقوله عليه‌السلام (٥) أيضا : « إذا أضرت النوافل بالفرائض فارفضوها » مبني على ذلك أو نحوه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

٢٥٠

فمن العجيب بعد ذلك كله المبالغة في الإنكار من فاضل الرياض لهذا القول ، فتارة بدعوى الإجماع الممنوع أشد المنع عليه على خلافه ، مع أنه لم يدعه أحد قبله ، نعم ظاهر المعتبر نسبته إلى علمائنا مشعرا به ، مع أن الظاهر عدم إرادته منه ذلك ، بل مقصوده ذكر الشيخين وابني حمزة وإدريس إياه ، كما حكى عنهم غيره ذلك أيضا ، وزاد نسبته له وللفاضل في أكثر كتبه ، ومن المعلوم عدم بلوغ ذلك حد الشهرة فضلا عن الإجماع كما هو واضح ، وأخرى بحمل نصوصه على التقية مستنبطا لها من صحيحي المقايسة (١) وموثق ابن مسلم (٢) المتقدمة التي هي في غاية البعد بالنسبة إلى أخبارهم كما اعترف هو بذلك في ركعتي الفجر ، وأنها لا ترتكب إلا عند الضرورات ، مع إمكان دعوى قرائن هنا تنفيها أيضا ، وأنهم عليهم‌السلام لم يستعملوا التقية كما أومأ إليه موثق ابن مسلم المزبور ، إما لظهور القياس الذي يمكن أن يفحم به الخصم أو لغيره ، على أنه يمكن كون مذهبهم في ذلك الجواز من غير كراهة ، وأنه لا فرق بينهما في وقت الفريضة وعدمها ، فتأبى حينئذ الحمل عليها ، ضرورة صراحة بعضها وظهور آخر بخلافه ، وثالثة بدعوى القصور في أسانيد البعض الذي هو غير قادح مع التعاضد المزبور وكفاية البعض الآخر ، ورابعة بدعوى عدم مقاومتها لأدلة المنع من وجوه كالشهرة ونحوها ، وقد عرفت أنها أولى منها بعدم المقاومة من وجوه لا تخفى عليك بعد الإحاطة بجميع ما ذكرنا أو بعضه ، لا أقل من اقتضاء العمل بتلك طرح هذه أو كالطرح بخلاف العكس ، فإن الكراهة مجاز شائع.

كما أنه لا يخفى عليك أولوية جواز التطوع لمن عليه فائتة بناء على المواسعة من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة والمستدرك ـ الباب ٤٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

٢٥١

الحاضرة ، بل لعل الجواز ظاهر المتن والقواعد ، بل صرح به الصدوق في ركعتي الصبح الفائتة مع الفريضة ، بل حكاه في الذخيرة عن ابن الجنيد والشهيدين ، بل لعله ظاهر الكليني أيضا وغيره ممن روى أخبار نوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، خصوصا مع قوله كالصدوق فيما حكي عنهما أن الله أنام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن صلاة الصبح رحمة للأمة ، بل لعله ظاهر الأكثر أيضا كما اعترف به في كشف اللثام ، حيث اعتبروا في الرخصة عدم دخول وقت الفريضة الذي هو ظاهر في الحاضرة ، بل لعل أكثر النصوص كذلك ، فيستفاد منها حينئذ ولو بالمفهوم جوازه في غيرها ، مضافا إلى بعض الأدلة التي مرت عليك سابقا ، كعمومات القضاء في أي ساعة وغيرها ، وإلى خصوص‌ خبر أبي بصير (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس فقال : يصلي الركعتين ثم يصلي الغداة » والأخبار (٢) المشتملة على رقود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن صلاة الصبح ونافلتها ، وأنه قضاهما مقدما للنافلة على الفريضة ، سيما‌ صحيح زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام منها المشتمل على قصته مع الحكم ابن عتيبة وأصحابه ، وأنه لما ذكر له قضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك قال له : نقضت حديثك الأول مشيرا به إلى ما رواه زرارة لهم أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى تبدأ بالمكتوبة » فحكى ذلك لأبي جعفر عليه‌السلام فقال له : « ألا أخبرتهم أنه قد فاته الوقتان جميعا ، وأن ذلك كان قضاء من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

والمناقشة في هذه الأخبار باحتمال كون الركعتين اللتين صلاهما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ و ٢ من كتاب الصلاة والمستدرك ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

٢٥٢

فريضة فائتة لا نافلة ، وبمنافاتها لمرتبة النبوة يدفعها ظهور بعضها أو جميعها بل صراحة آخر في التطوع ، وعدم إحاطة العقل بحكم ذلك ومصالحه ، وقد ذكرنا بعض الكلام فيه في باب القضاء ، ولعله لذا لم أقف على راد لها من هذه الجهة كما اعترف به في الذكرى ، ونحوها المناقشة فيه وفي سابقه أيضا باحتمال حملها على منتظر الجماعة المغتفر له ذلك بالنسبة إلى الحاضرة فضلا عن الفائتة ، ضرورة عدم إشعار في خبر أبي بصير بذلك ، بل لعل ظاهره خلافه ، لعدم تعارف انعقاد الجماعة للقضاء ، خصوصا عند طلوع الشمس ، والتأخير في هذه النصوص من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا من المأمومين ، وفي استحبابه لانتظار الجماعة كالمأمومين نوع تأمل وإن نص عليه بعضهم فيما يأتي ، إلا أنه على كل حال فالتأخير في نفسه مستحب ، وهو غير التنفل ، كما هو مضمون هذه النصوص ، بل في بعضها انه هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرهم بصلاة الركعتين ، لكن في الرياض بعد أن اعترف أن ظاهر النافع وغيره من الجماعة الجواز قال : « إن الأشهر الأظهر عدم الفرق وانه يحرم عليه أيضا ذلك ـ إلى أن قال ـ : وبالجملة لم يعرف قائل بالفرق بين المسألتين فيما أجده » وفيه أنه وإن كان المتجه على مذهبه من المضايقة عدم الجواز ، بل وأولى من الحاضرة ، إلا أن ظاهر دعواه عدم الفرق ، والفارق بين المسألتين حتى على المواسعة تبعا للشهيد الثاني في الروض محل منع ، وإن كان القول بعدم الجواز أيضا من القائلين بعدمه في الحاضرة ممكنا أيضا ، بل حكى عن النهاية والمنتهى والتذكرة التصريح به ، بل عن حواشي الشهيد في بحث القضاء سأله أي فخر المحققين على الظاهر هل هنا خلاف أي في عدم جواز النافلة لمن عليه فريضة؟ فقال : لا ، لعموم لا صلاة لمن عليه صلاة ، بل عن جماعة كثيرين التصريح أيضا في بحث القضاء بأن من تلبس في نافلة ثم ذكر أن عليه فريضة أبطلها واستأنف ، بل قيل : إنه يظهر من القواعد الإجماع على ذلك.

٢٥٣

ولعله يومي إلى المنع أيضا صحيح زرارة (١) المشتمل على المقايسة ، بل قد يدعى إيماء الجواب فيه إلى تناول لفظ وقت الفريضة للفائتة أيضا ، وخبر آخر (٢) له أيضا « لا يتطوع بركعة حتى يقضى الفريضة كلها » والمرسل (٣) « لا صلاة لمن عليه صلاة » وخبر يعقوب بن شعيب (٤) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس ، أيصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ فقال : يصلي حين يستيقظ ، قال : يوتر أو يصلي الركعتين؟ قال : يبدأ بالفريضة » لكن قد عرفت الكلام في صحيح زرارة ، بل قد عرفت إمكان اختصاص الثاني منهما فضلا عن الأول بالحاضرة كما مال إليه في الذخيرة ، قال : وقوله فيه : « عليَّ فريضة » وإن كان ظاهره عموم القضاء والأداء لكن وقوع الرواية على هذا الوجه غير معلوم لمكان الترديد ، وعلى هذا يكون المراد من شهر رمضان الأداء وإن كان فيه نظر واضح ، لظهوره في أن « أو » فيه لتقسيم المسؤول عنه لا للترديد في السؤال ، فالأولى حينئذ دعوى اختصاص الجواب بالحاضرة كما سمعته منا سابقا ، وأما خبره الآخر فمع معارضته بغيره ، خصوصا ما دل على افتتاح القضاء بركعتين تطوعا كموثق سماعة (٥) المتقدم سابقا ، وجريان بعض ما ذكرنا في الحاضرة فيه يمكن إرادة الفعل من لفظ القضاء فيه ، كما أنه يمكن حمل النفي فيه على إرادة الكمال من جهة شدة استحباب المبادرة إلى الفائتة.

ومنه يعلم الحال في المرسل الذي بعده ، سيما مع عدم القائل بعمومه ، وطعن فيه في الروض بأنه لم يثبته الأصحاب من طريقهم ، وانما أورده الشيخ في المبسوط والخلاف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٢٥٤

ولم يذكره في كتابي الأخبار ، بل ويعلم الحال أيضا في خبر يعقوب بن شعيب ، ولا ينافيهما وقوع ذلك من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ضرورة اختلاف ذلك باختلاف المرجحات ، فتارة يرجح مثلا المبادرة ، وأخرى التطوع لمكان انتظار الجماعة مثلا ، أو غيرها من المرجحات الأخر ، وعلى هذا يمكن التوقف في الكراهة هنا فضلا عن أصل الجواز ، وإن ذكرها غير واحد من الأصحاب حملا لهذا النهي والنفي عليها ، إلا أنه يمكن استفادة عدمها من صحيح زرارة المشتمل على قصة الحكم بن عتيبة ، ضرورة ظهور كلام الامام عليه‌السلام بل صراحته في عدم اندراج حكم الفائتة في الحاضرة ، والفرض أن حكمها الكراهة على المختار ، فليس إلا نفيها هنا ، كي يتجه الفرق بينهما ، إذ احتمال الشدة والضعف في غاية البعد ، والأمر سهل ، خصوصا في مثل هذه الكراهة المتعلقة بالعبادة ، هذا.

وينبغي القطع بانتفائها فضلا عن الحرمة في التطوع لمن كان عليه قضاء للغير بإجارة ، لانصراف الأدلة عدا المرسل الذي لم يجسر على الفتوى بمجرده إلى غيره ، خصوصا بعد ما عرفت من شدة المبالغة في أمر التطوع والحث عليه ، على أن مقتضاه ذلك أيضا في كل من اشتغلت ذمته بصلاة بنذر أو أمر سيد أو والد أو إجارة على عمل اشترطت صحته بها ، أو تعارف دخولها فيه ، أو غير ذلك ، وهو في غاية الإشكال ، خصوصا إذا أريد من الصلاة المنفية ما يشمل الرواتب في مواقيتها ، اقتصارا فيها على مزاحمتها لخصوص فرائضها دون غيرها ، والاعتماد في جميع ذلك على عموم مثل هذا المرسل كما ترى ، بل هو أشبه شي‌ء بدعوى جريان جميع ما ذكرناه من البحث في غير الصلاة من التطوعات مما هو معلوم خلافه ، اعتمادا على نفيه الشامل لجميع الأفراد في وقت الفريضة.

نعم لا ينبغي الفرق في الحكم المزبور كراهة أو تحريما بين ذوات الأسباب وغيرها كما صرح به في الروضة ، ولا بين الرواتب وغيرها كما صرح به في غيرها إلا‌

٢٥٥

في الوقت الذي اقتطعه الشارع لها من وقت الفريضة ، لتواتر الأخبار (١) به بل كاد يكون من الضروريات ، ولعله هو الذي يريده البعض في استثناء الرواتب من هذا الحكم لا مطلقا ، ضرورة صيرورتها في غيره قضاء ، فيندرج في تلك الأدلة المزبورة السالمة عن المعارض المذكور فيه ، بل في كثير منها أو بعضها إرادة الرواتب ، وإلا كان من الأقوال الغريبة ، وما أبعد ما بينه حينئذ وبين ما يحكى عن البعض هنا من ترجيح فعل الفريضة في أول الوقت على فعل النافلة ، تمسكا ببعض النصوص (٢) السابقة الآمرة بفعل الفريضة فيه وقضاء النافلة بعد ذلك وإن اشتركا معا في الغرابة ، أما الأول فلما عرفت ، وأما الثاني فلتواتر النصوص (٣) عنهم (ع) فعلا وقولا بخلافه ، كالسيرة القطعية وفتاوى علماء الملة الحنيفية ، فيكون المراد حينئذ من أول الوقت المزبور بالنسبة إلى المتنفل ما بعد وقت النافلة كالذراع والذراعين ونحوهما ، والله أعلم.

ولو نذر التطوع أو وجب عليه بسبب من الأسباب خرج عن موضوع المسألة ، لتغير الوصف الذي هو المدار ، إذ احتمال الاكتفاء بما كان عليه قبل الوصف من التطوع في غاية البعد ، نعم ينبغي تقييد النذر مثلا بما إذا لم يقيده في وقت ما هو متلبس به من الحاضرة أو الفائتة ، بل نذره مطلقا وإن كان قد صدر النذر منه في وقت خطابه بهما إلا أنه أوقعه مطلقا ، واحتمال الاجتزاء به حتى مع التقييد المزبور لتغير الوصف أيضا يدفعه منع تأثير النذر لزومه كي يتبدل الوصف ، لاشتراطه بالمشروعية قبل النذر ، وهي مفقودة في المقيد ضرورة بناء على الحرمة ، فتأمل جيدا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ و ١٨ و ١٩ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ و ١٨ و ١٩ من كتاب الصلاة.

٢٥٦

( وأما ) النظر في ( أحكامها )

أي المواقيت الذي هو أحد شقي المقدمة الثانية ففيها مسائل‌ قد تقدم الكلام مفصلا في باب الحيض في معظم ما يتعلق بـ ( الأولى ) وهي إذا حصل للمكلف أحد الأعذار المانعة من التكليف بـ ( الصلاة كالجنون والحيض ) والإغماء ونحوها وقد مضى من الوقت مقدار أقل الواجب من الطهارة المكلف بها في مثل ذلك الوقت خاصة أو هي مع سائر الشرائط ومقدار أداء الفريضة كذلك ولم يكن قد فعل وجب عليه قضاؤها بلا خلاف ولا إشكال ويسقط القضاء إذا كان دون ذلك على الأظهر الأشهر ، بل المشهور بل المجمع عليه نقلا إن لم يكن تحصيلا ، خلافا للمحكي عن ظاهر ابني الجنيد وبابويه والمرتضى ، ولا فرق في ذلك بين أول الوقت وأثنائه بمعنى أنه لو أفاق المجنون مثلا في الأثناء ثم جن أو أغمي عليه في الوقت اعتبر في وجوب القضاء عليه اتساع زمن الإقامة لإدراك الصلاة والطهارة أو سائر الشرائط ولو زال المانع فإن أدرك من آخر الوقت ما يسع الطهارة خاصة أو مع سائر الشرائط على القولين ومسمى ال ركعة من الفريضة الذي يحصل برفع الرأس من السجدة الأخيرة على الأصح كما تسمع الكلام فيه في مبحث الخلل من الكتاب لزمه أداؤها وفعلها لعموم « من أدرك » وغيره مما هو مذكور في باب الحيض ، فلاحظ ويكون بذلك مؤديا لا قاضيا ولا ملفقا على الأظهر الأشهر بل المشهور ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد كون الصلاة على ما افتتحت عليه ، وبعد وجود خاصية الأداء فيه. ضرورة ظهور نص إدراك الركعة وغيره مما دل على الحكم المزبور في ذلك ، أقصاه صيرورة الخارج وقتا اضطراريا ، وفي أنه بمنزلة الاختياري المقتضية بإطلاقها المشاركة في الأحكام التي منها نية الأداء ، وإنكار ظهور النص المزبور فيما ذكرنا مكابرة ، بل يكفي فيه أن إدراك القضاء لا يشترط فيه إدراك‌

٢٥٧

الركعة ، وأن أخبار القضاء (١) لا تشمله ، بل ولا صالحة لتناوله بالخصوص ، كما يشهد له القطع حتى من الخصم بعدم جريان جميع أحكام القضاء عدا النية عليه أو أكثرها ، بخلاف ما لو أدرك أقل من ركعة فإنها جميعها من الترتيب على الفائتة السابقة وغيره جارية عليها ، إذ لا خلاف عندنا كما في كشف اللثام في كونها حينئذ قضاء.

خلافا للمحكي عن المرتضى فقضاء ، لأن خروج الجزء يوجب خروج المجموع ، ولأن الركعة المدركة وقعت في وقت الركعة الثانية عند التحليل ، ولصدق عدم فعلها في الوقت مع ملاحظة التمام ، بل بها يصدق الفوات أيضا ، وللمحكي عن غيره فركبها منهما ، نظرا إلى كونها كذلك في الواقع ، فهو مقتضى العدل فيها ، فيجدد النية حينئذ في الركعة الثانية ، أو يكتفي بالتوزيع في ابتداء النية ، وهما معا ضعيفان ، لما عرفت من ظهور الأدلة في أن دخول هذا الجزء موجب لدخول الجميع لا العكس ، والأولى والثانية وقعتا في الوقت وما هو بمنزلته شرعا ، فلا يقدح الصدق المزبور بعد كون المراد منه الوقت حقيقة لا ما يشمل ما كان بمنزلته ، وإلا كان كاذبا ، ومن ذلك ظهر فساد التلفيق المزبور ، بل يمكن دعوى عدم مشروعية مثله ، ضرورة كون المستفاد من الأدلة إما قضائية وإما أدائية ، لكن يسهل الخطب في ذلك عدم فائدة معتد بها عدا الالتزام بيمين ونحوه معلقا على الأداء والقضاء ، إذ التعرض في النية لأحد الأمرين غير واجب عندنا ، وترتب الفائتة السابقة عليها كما في كشف اللثام والذكرى وحواشي الشهيد الثاني على القواعد مقطوع بعدمه وإن قلنا إنها قضاء ، للإجماع كما في المدارك على تقديم المدرك من وقتها ركعة عليها على كل حال.

وحينئذ فـ ( لو أهمل ) ولم يفعل مع الإدراك المذكور ولم يطرأ في الوقت المسقط من الجنون أو الحيض قضى واجبا على الأقوال الثلاثة ، ووجهه واضح ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قضاء الصلوات من كتاب الصلاة.

٢٥٨

ولو أدرك قبل الغروب أو قبل انتصاف الليل إحدى الفريضتين لزمته تلك لا غير لاستحالة التكليف بهما معا في وقت لا يسعهما ، ولأن المختار عندنا اختصاص الوقت من الأخير في الأخيرة ، فلو أدرك قبل الغروب مقدار أربع ركعات خاصة في الحضر أو ركعتين في السفر وجبت العصر خاصة عندنا ، وهو مع وضوحه منصوص (١) وللشافعي فيما حكي عنه قول بوجوبهما إذا أدرك ركعة من العصر ، وآخر إذا أدرك ركعة وتكبيرة ، وآخر إذا أدرك الطهارة وركعة ، والكل باطل عندنا وإن كان ربما توهم بعض النصوص (٢) وجوبهما بإدراك شي‌ء من اليوم ، وحملت على إدراك وقتهما ، وكان إطلاق المصنف إحداهما ظاهر في القول بالاشتراك ، بناء على مشروعية التخيير له بين الفرضين على هذا التقدير ، إلا أن يريد إحداهما المعينة ، لكن هي الأولى على الاشتراك كما جزم به في المدارك لسبقها ، وتوقف صحة الثانية عليها عند التذكر ، والثانية على الاختصاص ، فالإطلاق حينئذ يتأتى على المذهبين.

وإن أدرك الطهارة وخمس ركعات قبل المغرب لزمته الفريضتان لعموم (٣) « من أدرك » وغيره مما مر في باب الحيض ، لكن مقدار الأربع من الخمس في الأصل للظهر ، أو مقدار ما عدا الأولى للعصر وإن زاحمها الظهر فيها وجهان كما في القواعد وغيرها من الخلاف السابق ، إذ على القول بأداء الجميع يكون مقدار ثلاث وقتا اضطراريا للظهر ، وعلى الآخرين للعصر ، قيل : وتظهر الفائدة في المغرب والعشاء ، فعلى الأول يجبان معا لو أدرك أربع ركعات من الانتصاف كما عن بعض العامة التصريح به ، مخرجا له على أنه إذا أدرك خمسا من الظهرين مثلا تكون الأربع للظهر لسبقها ، ووجوب تقديمها عند الجمع ، ولأنه لو لم يدرك سوى ركعة لم يجب الظهر ، ولو أدرك أربعة معها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ الحديث ٦ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ الحديث ٧ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

٢٥٩

وجبت ، فدل على أن الأربع لها ، وعارضوه بأن الظهر هنا تابعة للعصر في الوقت واللزوم ، فإذا اقتضى الحال إدراك الصلاتين وجب أن يكون الأكثر في مقابلة المتبوع والأقل في مقابلة التابع ، فيكون الأربع للعصر.

ولا يخفى عليك أن هذه الخرافات لا تناسب مذهب الإمامية المهتدين بأنوار الأئمة الهداة (ع) ، وكان الحري بأصحابنا عدم ذكرها منسوبة إليهم في كتبهم فضلا عن ذكرها فيما لهم من الاحتمالات ، أما أولا فلأن ما دل على اختصاص العصر بأربع للحاضر مثلا يجب أن لا يخرج ذلك الوقت عن الوقتية باعتبار ما ، ووقوع شي‌ء من الظهر فيه لا يصيره وقتا له ، كما في ثلاث العصر وواحدة الصبح بعد طلوع الشمس ، ففي الفرض أدرك ركعة من آخر وقت الظهر فاستتبعت ثلاثا من وقت العصر ، لقوله عليه‌السلام : « من أدرك » كما أن العصر استتبعت ثلاثا من وقت المغرب لذلك ولعله هو الذي يريده في المدارك بقوله : « إن الحكم بتقديم الأولى يستدعي كون ذلك القدر من الزمان الواقعة فيه وقتا لها قطعا ، وإن كان بعضه وقتا للعصر لولا إدراك الركعة ، لا أنه يريد كون مقدار الأربع للظهر مثلا محافظة على الوقت المضروب لها شرعا ، إذ التحقيق كما عرفت أن الأربع الأخيرة للعصر وإن زاحمها الظهر بثلاث منها ، فصار في حكم وقتها ، مضافا إلى نصهم عليهم‌السلام (١) على ذلك فيه في العشاء ، ومنه يستفاد اختصاص العصر بها أيضا ، مع أنه منصوص (٢) أيضا.

وأما ثانيا فلأنه لو سلمنا أن الأربع للظهر مثلا فلا ريب أيضا في اشتراطه ببقاء ركعة ، أما في مثل أربعة العشاء فلم يبق للمغرب شي‌ء كي يحتمل كون الثلاث لها ، نعم بناء على اشتراك الوقت يمكن دعوى وجوبهما معا حينئذ ، لتمكنه منهما معا أداء على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

٢٦٠