جواهر الكلام - ج ٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

واللفظ للأول « لكل صلاة وقتان ، وأول الوقتين أفضلهما ، ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا ، ولكنه وقت من شغل أو نسي أو سهى أو نام » وفي‌ الموثق (١) « في الرجل إذا غلبته عينه أو عاقه أمر ان يصلي المكتوبة من الفجر إلى أن تطلع الشمس » وخبر يزيد بن خليفة (٢) « وقت الفجر حين يبدو حتى يضي‌ء » وخبر أبي بصير (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم متى يحرم عليه الطعام؟ فقال : إذا كان الفجر كالقبطية البيضاء ، قلت : فمتى تحل الصلاة؟ فقال : إذا كان كذلك ، فقلت : ألست في وقت من تلك الساعة إلى أن تطلع الشمس؟ فقال : لا ، انما نعدها صلاة الصبيان ، ثم قال : إنه لم يكن يحمد الرجل أن يصلي في المسجد ثم يرجع فينبه أهله وصبيانه » وهي كما ترى ظاهرة في رجحان المبادرة ومرجوحية التأخير ، لتصريحه في الصحيحين بالأفضلية ، والتعبير بلفظ « لا ينبغي » و « لم يكن يحمد » وإطلاق الشغل ونحوها ، فهي نفسها أدلة على المطلوب عند الانصاف مع قطع النظر عما يعارضها ، فلا ريب حينئذ في ضعف ما عن المبسوط والتهذيب والنهاية والخلاف والاستبصار والوسيلة من أنه إلى ظهور الحمرة المشرقية ، ومنها إلى طلوع الشمس للمضطر إن أراد الوجوب حقيقة ، كالمنقول عن الشافعي وجميع أصحابه إلا الاصطخر لي ، فقال : بفوات الوقت رأسا إذا أسفر.

وقد ظهر لك مما ذكرناه كله شرح قول المصنف وكذا من غروب الشمس إلى ذهاب الحمرة للمغرب ، وللعشاء من ذهاب الحمرة إلى ثلث الليل للمختار ، وما زاد عليه حتى ينتصف الليل للمضطر ، وقيل إلى طلوع الفجر ، وما بين طلوع الفجر إلى طلوع الحمرة للمختار في الصبح ، وما زاد على ذلك حتى تطلع الشمس للمعذور فلا حاجة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

١٦١

إلى الإعادة ، ثم قال وعندي أن ذلك التحديد كله الذي خصوا به المختار في الظهرين والعشاءين والصبح للفضيلة لا أنه ينتهي أصل الوقت بانتهائه ، وهو ظاهر في تعدد وقت الفضيلة بالنسبة إلى الظهرين ، لأنه قد ذكر اختلاف التحديد فيهما.

وتحقيق البحث في جميع ذلك عندنا أن منتهى فضيلة الظهر المثل ، والعصر المثلان ، للصحاح المستفيضة (١) الدالة على تحديد الوقت الأول للظهر بالقامة ، وللعصر بالقامتين التي بينا وجه دلالتها فيما تقدم من قول المصنف : « والمماثلة بين الفي‌ء الزائد » إلى آخره. بل وذكرنا هناك أيضا غير ذلك مما يدل على المطلوب من أخبار المثل (٢) وغيرها المحمولة على الفضل كما عرفت ، وما في‌ خبر أحمد بن عمر (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سأله عن وقت الظهر والعصر فقال : وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة ونصف إلى قامتين » محمول على إرادة بيان وقت الفرضين ، وإن لم يذكر العصر في الجواب اعتمادا على السؤال ، أو أن المراد بالقامة فيه الذراع ، أو غير ذلك ، وإلا كان مطرحا.

ثم لا فرق في الوقت المزبور بين القيظ والشتاء وإن اختص السؤال في موثق زرارة (٤) بالأول ، إلا أن إطلاق الجواب وعدم القائل بالفرق وبعض أخبار القامة (٥) المصرحة بالتسوية بين الشتاء والصيف تدل على عدم الفرق بينهما ، نعم يستفاد من جملة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ و ١٠ و ٢٧ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ و ٣١ من كتاب الصلاة والمستدرك ـ الباب ٩ منها ـ الحديث ١٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ ونصه‌ « وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة ، ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٧ من كتاب الصلاة.

١٦٢

من النصوص (١) المروية في طرقنا وطرقهم استحباب الإبراد بها في الصيف ، واحتمال حمل جميع أخبار المثل والقامة على التقية ممكن ، بل قوي ، بل مال إليه في البحار ، ولعله لاشتهار ذلك بينهم ، وإشعار تأخيره عليه‌السلام الجواب لزرارة ، وإسناد القامة والقامتين إلى فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر جبرئيل عليه‌السلام ، بل كان تعبيرهم عليهم‌السلام بها مع تفسيرهم لها بالذراع والذراعين وأن ذلك في كتاب علي عليه‌السلام كالصريح في إرادة الإيهام عليهم بالتعبير بها ، وإلا فالمراد منها الذراع ، وإشعار‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي خديجة (٢) لما سأله إنسان عن صلاة بعض الأصحاب الظهر ، والآخر العصر في وقت واحد : « أنا أمرتهم بهذا ، لو صلوا على وقت واحد عرفوا فأخذوا برقابهم » وظهور أمره عليه‌السلام لزرارة (٣) بالصلاة للمثل والمثلين في ذلك ، إذ لم يقل أحد إن الفضل فيهما ، بل أقصاه أنهما نهاية الفضل ، بل لعل ما قبلهما أفضل منهما كما ستسمع ، وقول الراوي (٤) لخبر زرارة : « إني لم أسمع أحدا من أصحابنا يفعل ذلك غيره وغير ابن بكير » وظهور‌ خبر ابن أبي عمير (٥) المروي عن رجال الكشي عن الصادق عليه‌السلام في أن أمره لزرارة بذلك كان لبعض المصالح التي هو يعلمها ، قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : كيف تركت زرارة؟ فقلت : تركته لا يصلي العصر حتى تغيب الشمس ، قال : فأنت رسولي إليه فقل له : فليصل في مواقيت أصحابه ، فإني قد حرقت ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ و ٤ والمستدرك الباب ٧ منها ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣١ من كتاب الصلاة.

(٥) رجال الكشي ص ٩٥ وقطعه في الوسائل في الباب ٩ من أبواب المواقيت الحديث ١٤ من كتاب الصلاة.

١٦٣

قال : فأبلغته ذلك فقال : أنا والله أعلم أنك لم تكذب عليه ، ولكن أمرني بشي‌ء فأكره أن أدعه » قال في البحار : النسخ هنا مختلفة ، ففي بعضها بالحاء المهملة والفاء على البناء على المجهول من التفعيل ، أي غيرت عن هذا الرأي ، فاني أمرته بالتأخير لمصلحة ، والآن قد تغيرت المصلحة ، ويؤيده أن في بعض النسخ صرفت بالصاد المهملة بهذا المعنى ، وفي بعضها بالحاء والقاف كناية عن شدة التأثر والحزن ، أي حزنت لفعله ذلك ، وفي خبر آخر (١) من أخبار زرارة « فحرجت » من الحرج وهو الضيق ، وعلى التقادير الظاهر أن قول الراوي حتى تغيب الشمس مبني على المبالغة والمجاز أي شارفت الغروب ، إذ كان يصليها للمثلين اللذين هما المساء ، وكان المصلحة في أمر زرارة وابن بكير بذلك هي رفع تهمته عليه‌السلام بخلاف ما هم عليه من الوقت ، لاشتهارهما في صحبة الصادق عليه‌السلام ومعروفيتهما من بين أصحابه بمعرفة أقواله.

لكن الشهرة العظيمة بين الأصحاب ـ سيما مع ما قيل من أن الحمل على التقية إذا تعذر غيرها من الاحتمالات ، لاستبعاد خفائها على الخاصة والبطانة التي كانوا يعرفونها بمجرد نقل بعض الرواة لهم خبرا حتى قالوا له : أعطاك من جراب النورة ، وكون الحكم استحبابيا وغير ذلك ـ يقتضي المصير إلى الأول ، وعلى كل حال فالظاهر رجحان ما قبله عليه خصوصا في غير أيام الصيف ، بل وفيها ، لعدم اقتضاء الإبراد المثل ، ولكن ومع ذلك فالإنصاف أن الثاني قوي جدا كما ستعرف ، بل قبله بكثير يتحقق.

ومن هنا كان ظاهر المصنف وغيره تعدد وقت الفضيلة ، بل هو صريح المجلسي وإن كان ذكره بصورة الاحتمال ، قال : والمثل والمثلان وقت للفضيلة بعد الذراع والذراعين : أي إذا أخرت الظهر عن الأربعة أقدام فينبغي أن لا يؤخر عن السبعة التي هي المثل ، وإذا أخرت العصر عن الثمانية فينبغي أن لا تؤخر عن الأربعة عشر‌

__________________

(١) الاستبصار ج ١ ص ٢٤٨ الرقم ٨٩١ من طبع الحديث.

١٦٤

أعني المثلين ، فالأصل من الأوقات الأقدام ، لكن لا بمعنى أن الظهر لا يقدم على القدمين ، بل بمعنى أن النافلة لا توقع بعد القدمين ، وكذا نافلة العصر لا يأتي بها بعد الأربعة أقدام ، فأما العصر فيجوز تقديمها قبل مضي الأربعة إذا فرغ من النافلة قبلها ، بل التقديم فيهما أفضل ، وأما آخر وقت فضيلة العصر فله مراتب : الأولى ستة أقدام ، والثانية قدمان ونصف ، والثالثة ثمانية أقدام ، والرابعة المثلان على احتمال ، فإذا رجعت إلى الأخبار الواردة في هذا الباب لا يبقى لك ريب في تعين هذا الوجه في الجمع بينها ، ومما يؤيده مرسلة يونس (١) المتقدمة سابقا في المماثلة ، وهو جيد وإن كان فيما ذكره من الترتيب مناقشة في الجملة ، لكن لا ريب في تفاوت وقت الفضيلة ، وبه يجمع حينئذ بين النصوص ، ضرورة ظهور التنافي بينها في ذلك ، واحتمال عدمه ـ بدعوى حمل أخبار التحديد بالذراع والذراعين والقدمين والأربعة وبأداء النوافل طالت أو قصرت على إرادة بيان أول الوقت الأول للمتنفل لا آخره كما يومي اليه ما دل من النصوص (٢) على اقتطاع ذلك للنافلة ، وانه يتنفل إلى أن يبلغ الفي‌ء ذلك فيتركها ويصلي الفريضة المؤيد باستبعاد كون الوقت الأول للظهر مقدار أربع ركعات من آخر القدمين أو بعدهما ، والعصر كذلك من آخر الأقدام الأربعة أو بعدها ـ يدفعه ظهور بعضها أو صراحته في خروج الوقت أيضا بذلك ، كقوله عليه‌السلام في خبر الكرخي (٣) : « آخر وقت الظهر الأربعة » وبعض أخبار مجي‌ء جبرئيل عليه‌السلام (٤) إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحدود الأوقات « فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ، ثم أتاه حين زاد في الظل قدمان فأمره فصلى العصر ، ثم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ و ١٨ و ٢٥ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣٠ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

١٦٥

أتاه في الغد حين زاد في الظل قدمان فأمره فصلى الظهر ، ثم أتاه حين زاد في الظل أربعة أقدام فأمره فصلى العصر ، ثم قال : ما بينهما وقت » وغيرهما المحمولة على الفضل والاستحباب في الوقت الأول وغيرهما ، بل هو إن تم ففي البعض خاصة لا الجميع كما لا يخفى على من لاحظ النصوص.

فالأولى حينئذ الجمع بين النصوص بما ذكرنا ، إذ المستفاد من بعضها الاستحباب في أول الوقت ، كقول الباقر عليه‌السلام (١) : « أحب الوقت إلى الله عز وجل أوله حين يدخل وقت الصلاة » والرضا عليه‌السلام (٢) « إذا دخل الوقت عليك فصلهما فإنك ما تدري ما يكون » وغيرهما مما اشتمل على محبة الله التعجيل (٣) ونحوه ، بل في‌ خبر أبي بصير (٤) منها ذكر أبو عبد الله عليه‌السلام « فقلت : كيف أصنع بالثماني ركعات؟ قال : خفف ما استطعت » واليه أشار العلامة الطباطبائي بقوله :

والفضل في الأول للمعجل

وفي الأخير لمداني الأول

إذ المراد بالأول والأخير في كلامه الوقت الأول والوقت الأخير ومن آخر (٥) بعد الفراغ من النافلة طالت أو قصرت ، لكن في‌ خبر زرارة (٦) منها « أكره لك أن تتخذه وقتا دائما » ولعله لخصوص زرارة ، ويقرب من هذه الأخبار ما ورد (٧) من التحديد بالقدم للظهر وقدم للعصر ، بل‌ في بعضها (٨) « أن ذلك أحب إلى » ومن ثالث (٩) الذراع والذراعان والقدمان والأربعة من زوال الشمس على وجه لا على أنه البداية فقط ، بل‌ في بعضها (١٠) « إني أحب أن يكون فراغك من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٢ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٠ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣٢.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٠.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٩ من كتاب الصلاة.

١٦٦

الظهر والشمس على قدمين والعصر على أربعة » ومن رابع (١) الذراع للظهر ، وشطره للعصر ، ومن خامس (٢) أربعة أقدام للظهر ، ومن بعدها للعصر ، ومن سادس أن نهاية الفضل في الظهر المثل ، ومنه إلى المثلين فصل العصر ، وبه صرح العلامة الطباطبائي في منظومته ، فقال :

والحد في الظهر لوقت الفضل

إلى بلوغ الظل قدر المثل

ومنه للمثلين وقت العصر

على الأحق عندنا بالنصر

بل صرح فيما بعد كالروضة وغيرها بأنه لا فضل في تقديمه على المثل ، وستسمع تمام البحث فيه إن شاء الله ، ومن سابع (٣) ان آخر وقت العصر ستة أقدام ونصف ، ومن ثامن (٤) ان من تركها إلى الستة فذلك المضيع ، لكن‌ في أكثر النصوص (٥) « انه من تركها حتى تصفر أو تغيب » وفي بعضها (٦) « ما خدعوك فيه من شي‌ء فلا يخدعونك في العصر ، صلها والشمس بيضاء نقية » وفي آخر (٧) المروي عن المجالس عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « صلوا بهم العصر والشمس بيضاء حية في عضو من النهار حين يسار فيها فرسخان » هذا.

وقد يحتمل أن منتهى الفضل الذراع والذراعان بسبب تظافر أخبارهما أو تواترها ، وظهور قصدهم عليهم‌السلام التعريض بما عليه العامة العمياء من تأخير العصر كثيرا ، وأنهم أخطأوا في فهم القامة والقامتين ، لأنهما الذراع والذراعان في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٦ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣٠ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ و ٧ و ١٠ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٣ لكن رواه عن نهج البلاغة.

١٦٧

كتاب علي عليه‌السلام ، فيطابق ما كان يفعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقياس في جدار المسجد ، وبسبب ما سمعته عند ما حكيناه عن المجلسي ، وان الأخبار (١) الواردة في أن المدار على الفراغ من السبحة مقصود منها ما هو الغالب المتعارف من الفراغ منها قبل الذراع والذراعين ، وأنه لا ينبغي تأخير الصلاة انتظار الذراع والذراعين كما يفهم من سياق بعضها ، لا أن المقصود منها كون المدار على الفراغ من النافلة وان تجاوز هذا المقدار حتى بلغ المثل والمثلين ، وكيف وقد سمعت الحث على فعل العصر قبل الستة أقدام ، وأن من أخرها إليه هو المضيع ، ومن ذلك كله وغيره يظهر لك قوة ما سمعته من المجلسي ، والله أعلم.

وللمغرب إلى غيبوبة الشفق ، ودونه إلى الربع ، ودونه إلى الثلث ، ودونه إلى النصف ، وللعشاء من سقوط الشفق إلى الربع ، ودونه الثلث ، ودونه النصف ، والمراد بالشفق الحمرة المغربية ، وليس الضوء والبياض منه ، وإلا لكان إلى ثلث الليل تقريبا ، وللصبح عند طلوع الفجر الذي تشهده ملائكة الليل والنهار ، ويمتد من أول طلوعه إلى أن يتجلل الصبح السماء ويتحقق الاسفار ويتأكد الغلس بها كما صرحت به النصوص (٢) وهو أول طلوع الفجر ، قال الصادق (ع) بعد أن سئل عن أفضل المواقيت (٣) في الفجر مع طلوع الفجر ، إن الله تبارك وتعالى يقول (٤) ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار ، فإذا صلى العبد صلاة الصبح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٢ والباب ٢٨ الحديث ٣ والمستدرك ـ الباب ٩ منها ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٤) سورة الإسراء ـ الآية ٨٠.

١٦٨

مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين ، أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار » وفي‌ خبر الخلقاني (١) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « كان يصلي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أول ما يبدو قبل أن يستعرض ، وكان يقول : وقرآن الفجر » إلى آخره. وما في المحكي عن‌ دعائم الإسلام (٢) عن الصادق عليه‌السلام « أن أول وقت صلاة الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق ، وآخر وقتها أن يحمر أفق المغرب ، وذلك قبل أن يبدو قرن الشمس من أفق المشرق بشي‌ء ، ولا ينبغي تأخيرها إلى هذا الوقت لغير عذر ، وأول الوقت أفضل » محمول على إرادة بيان وقت الاجزائي لا الفضيلي كما يومي اليه ما في آخره ، وقال في البحار : اعتبار احمرار المغرب غريب ، وقد جرب أنه إذا وصلت الحمرة إلى أفق المغرب يطلع قرن الشمس ، ومنه يظهر ما في المحكي عن‌ فقه الرضا عليه‌السلام (٣) من أن « أول وقت الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق ، وهو بياض كبياض النهار ، وآخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في أفق المغرب ، وقد رخص للعليل والمسافر والمضطر إلى قبل طلوع الشمس » وكيف كان فقد عرفت التحقيق وكان الأصحاب استفادوا من الاسفار والتجلل ونحوهما ظهور الحمرة المشرقية ، فجعلوها هي الغاية في وقت الفضيلة وإن لم نجدها في النصوص ، والأمر سهل.

وأما الجمع بين أخبار الظهرين بإرادة الذراع من القامة لما عرفته سابقا من النصوص المتضمنة لذلك ، أو بأن المراد مثل الباقي من الظل ، وهو مختلف ، ولذا اختلفت النصوص في التقدير المزبور ففيهما ما عرفته سابقا مفصلا ، بل الثاني منهما مقطوع بفساده كما لا يخفى على من لاحظ ما تقدم عند قوله : « والمماثلة » إلى آخره. مع أن الأول منهما لا يجمع سائر ما سمعته من الاختلاف ، ولا يتم في بعض النصوص المعلوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) المستدرك ـ الباب ٢٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) المستدرك ـ الباب ٢٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

١٦٩

إرادة قامة الإنسان منها ، نعم ربما جمع بينها بحمل هذا الاختلاف على الاختلاف في أداء النافلة بحسب البطء والسرعة الطبيعيين والتخفيف والتطويل بشهادة ما دل على اقتطاع هذا الوقت من الفريضة لها ، وانه إذا زالت الشمس لم يمنعك من صلاة الظهر إلا سبحتها طالت أو قصرت ، وكذلك العصر ، وستعرف تمام الكلام فيه ، ويقرب منه حمل ما جاء بالمثل على من أراد التطويل بكثرة الدعاء ونحو ذلك ، وبالقدمين على من يريد التخفيف ، ونحوه ما عساه يقال من أن هذا الاختلاف لاختلاف الاعتبارات والجهات والمصالح والضمائم الراجحة ، فتأمل جيدا.

هذا كله في وقت الفرائض‌ وأما وقت النوافل اليومية‌ فـ ( للظهر ) من حين تحقق الزوال وتبينه ، وعليه يحمل خبر الأصبغ (١) إلى أن يبلغ زيادة الفي‌ء قدمين أي سبعي الشاخص وللعصر أربعة أقدام أي أربعة أسباعه ، وهما الذراع والذراعان كما هو معلوم ، ويومي اليه‌ صحيح زرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام « سألته عن وقت الظهر فقال : ذراع من زوال الشمس ، ووقت العصر ذراعان من وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس » وربما كان بينهما تفاوت ما ، ولعله لذا جمع بينهما أبو علي فيما حكي عنه ، فقال : يستحب للحاضر أن يقدم بعد الزوال وقبل فريضة الظهر شيئا من التطوع إلى أن تزول الشمس قدما أو ذراعا من وقت زوالها وقيل والقائل السيد أبو المكارم والحلي فيما حكي عنه والفاضلان والعلّيان على ما حكي عن الميسي منهما ، ومال اليه الشهيدان ، بل هو صريح الثاني منهما ، بل هو ظاهر المبسوط والتهذيب والمحكي عن الإصباح ، إذ في الأول والثالث الامتداد إلى أن يبقى إلى آخر الوقت قدر أداء الفريضة ، والظاهر إرادتهما وقت المختار ، فيكون حينئذ عين المحكي‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

١٧٠

عن الجمل والعقود والمهذب والجامع ، بل في ظاهر الغنية الإجماع عليه ما دام وقت الاختيار أو الفضل على القولين باقيا وهو المثل والمثلان وقيل والقائل غير معروف باسمه ونسبه كما اعترف به جماعة يمتد وقتها بامتداد وقت الفريضة للاجزاء ، ولعله الحلبي في الكافي كما قيل ، لكن المحكي عنه كما عرفته أن آخر وقت الظهر عنده للمضطر المثل ، ولغيره أربعة أقدام.

وعلى كل حال فـ ( ـالأول أشهر ) بل هو المشهور فتوى ورواية نقلا وتحصيلا ، بل قد يشعر بعض ما حكي من عبارات الخلاف الإجماع عليه ، للنصوص (١) المستفيضة غاية الاستفاضة ، بل لعلها متواترة ، بل في‌ صحيح ابن مسكان عن زرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام بعد أن ذكر الذراع والذراعين « أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لم جعل ذلك؟ قال : لمكان النافلة ، فإن لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي الفي‌ء ذراعا ، فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة » ونحوه غيره ، وفي التهذيب قال ابن مسكان : « وحدثني بالذراع والذراعين سليمان بن خالد وأبو بصير المرادي وحسين صاحب القلانس وابن أبي يعفور ومن لا أحصيه منهم » وكان المراد أنه أمر بفعل الفريضة دون النافلة ، أو من غير تأخير إذا بلغ الفي‌ء ذراعا أو ذراعين ، لئلا يفعل النافلة في وقت الفريضة ، أو أنه أمر بتأخير الفريضة ذراعا مثلا لئلا يكون وقت النافلة وقتا للفريضة ، فيلزم فعلها في وقتها ، أو الأمران معا ، أو أن المراد أنه جعل ذلك وقتا للنافلة كي لا يكون فعلها فيه من التطوع وقت الفريضة ، كما يومي اليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٨ و ٢٥ و ٢٦ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

١٧١

خبر إسحاق بن عمار (١) « وانما جعل الذراع والذراعان لئلا يكون تطوع في وقت الفريضة » وان احتمل أيضا أحد الوجوه السابقة ، بل يمكن تنزيل ما في‌ موثق إسماعيل الجعفي (٢) عن الباقر عليه‌السلام أيضا « أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لم؟ قال : لمكان الفريضة لئلا يؤخذ من وقت هذه ويدخل في وقت هذه » على ما ذكرنا أيضا إذا جعل الإشارة فيه للفريضة ونافلتها ، فيكون المعنى حينئذ أنه لا يجوز تأخير نوافلهما إليهما لئلا يؤخذ من وقت الفريضة للنافلة ، أو أنه آخر وقتهما إلى المقدارين لتقع النوافل قبل وقتهما ، وإن أمكن أن يراد منه أن التحديد بين الفريضتين للتمايز لئلا يؤخذ من وقت إحداهما ويدخل في وقت الأخرى ، أو أنه لا ينبغي تقديم الفريضتين لئلا يقعا في وقت النافلة ، لكنهما كما ترى غير صالحين أن يكونا حكمة وعلة لذلك.

وكيف كان فالنصوص ظاهرة وصريحة في التحديد المزبور ، بل في بعضها تصريح بالمنع عن النافلة بعد ذلك كما سمعت وتسمع فيما لو زاحمت النافلة الفريضة ، فالأقوى حينئذ الاقتصار في توقيتهما على ذلك ، وبناء صحة فعلهما ولو قضاء على ما ستعرفه من حكم التطوع في وقت الفريضة.

وأما القول بالامتداد للمثل والمثلين فلم نجد له شاهدا سوى الإجماع المحكي في الغنية الذي هو مع شهادة التتبع بخلافه لا يحصل منه الظن ، لمعارضته بما هو أقوى منه ، وسوى إطلاق الأمر بالنوافل الذي لا يدل عليه بالخصوص ، ويجب الخروج عنه بما عرفت ، وسوى النصوص (٣) المستفيضة الدالة على أن المدار على فعل النافلة طالت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٦ من كتاب الصلاة لكن رواه عن إسحاق عن إسماعيل الجعفي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٩ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

١٧٢

أو قصرت ، بل‌ قال الحارث بن المغيرة وعمر بن حنظلة ومنصور بن حازم في خبر ابن مسكان (١) عنهم جميعا : « كنا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع ، فقال لنا أبو عبد الله عليه‌السلام : ألا أنبئكم بأبين من هذا؟ قال : قلنا : بلى جعلنا فداك ، فقال : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلا أن بين يديها سبحة ، وذلك إليك إن شئت طولت وإن شئت قصرت » ونحوه غيره : بل‌ في خبر أحمد بن محمد بن يحيى (٢) التصريح بعدم اعتبار الأقدام ، قال : « كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه‌السلام روي عن آبائك القدم والقدمين والأربع والقامة والقامتين وظل مثلك والذراع والذراعين ، فكتب عليه‌السلام لا القدم ولا القدمين ، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة ، وهي ثمان ركعات إن شئت طولت وإن شئت قصرت ثم صل الظهر » وهي كالأول أيضا لا تدل على خصوص المثل والمثلين ، بل قضيتها وإن زاد ، فالأولى حملها على إرادة بيان المتعارف في وقوع النافلة ، وأن ما ورد من التحديد بالقدمين والأربعة لأطول ما تقع فيه ، فيكون المقصود منه رفع ما يوهمه التحديد المزبور من لزوم الانتظار حتى لو فرغ منها قبل ذلك ، لا أن المراد الاذن في تطويلها زائدا على ذلك.

ولقد أجاد الشيخ بعد نقله هذه المكاتبة في قوله : « إنما نفى القدم والقدمين لئلا يظن أن ذلك وقت لا يجوز غيره » على أنها معارضة بمكاتبة عبد الله بن محمد (٣) « جعلت فداك روى أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام انهما قالا : إذا زالت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة ، وجملة « قال : قلنا : جعلنا فداك » ليس في الوسائل والكافي وانما ذكرت في الاستبصار.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٣ لكن رواه عن محمد بن أحمد بن يحيى.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٨ من كتاب الصلاة.

١٧٣

الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا أن بين يديها سبحة ، إن شئت طولت وإن شئت قصرت ، وروى بعض مواليك عنهما أن وقت الظهر على قدمين من الزوال ، ووقت العصر على أربعة أقدام من الزوال ، فان صليت قبل ذلك لم يجزك ، وبعضهم يقول : يجزئ ولكن الفضل في انتظار القدمين والأربعة أقدام ، وقد أحببت جعلت فداك أن أعرف موضع الفضل في الوقت ، فكتب القدمان والأربعة صواب جميعا » وهو كالصريح فيما ذكرنا من أن المقصود بتلك الأخبار رفع توهم لزوم مراعاة الحد المزبور ، كما يومي اليه ما في الخبر الأول‌ « كنا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع » وما في هذا الخبر أيضا حيث نقل عن بعض مواليه أنه لا يجزئ التقديم على القدمين.

وسوى (١) ما في المعتبر من الاستدلال عليه بما في‌ خبر زرارة (٢) وعبد الله ابن سنان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « كان حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قامة ، فإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر ، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر » بناء على أن الحائط كان ذراعا ، قال : فحينئذ ما روي من القامة والقامتين جار هذا المجرى ، للنصوص (٤) الدالة على إرادة الذراع من القامة ، وبهذا الاعتبار يعود كلام الشيخ لفظيا ، وفيه منع أن الحائط كان مقدار ذراع ، بل في ذيل هذا الخبر لفظ « من » ولفظ « من » في صدره ما يدل (٥) بظاهره على خلاف ذلك وانه كان قامة إنسان كما صرح به في المحكي عن فقه الرضا عليه‌السلام (٦) ويومي اليه زيادة على ذلك ذكر استحباب ذلك في أحكام المساجد تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

__________________

(١) قوله قدس‌سره : « وسوى ما في المعتبر » إلخ عطف على قوله : « سوى الإجماع ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٥ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٢ و ١٣ و ١٤ و ٢٤.

(٥) هكذا في النسخة الأصلية والأولى أن يكتب لفظ « مما يدل » بدل « ما يدل ».

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام ص ٣.

١٧٤

وإطلاق لفظ القامة مرادا بها الذراع في بعض الأحوال لا يقتضي حملها عليه ومخالفة ما هو المنساق منها أينما وقعت.

ولقد أجاد في الذكرى حيث قال : « ومن أين يعلم أن هذه القامة مفسرة لتلك القامة؟ والظاهر تغايرهما بدليل قوله : « فإذا مضى من فيئه ذراع » ولو كان الذراع نفس القامة لم يكن للفظ « من » هنا معنى » قلت : بل يأباه‌ خبر إسماعيل الجعفي (١) أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام المسؤول فيه عن اختلاف الجدار قصرا وطولا بعد التحديد بالذراع من فيئه والذراعين ، فقال : « كان جدار مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ قامة » وهو كما ترى بعيد عن حمل القامة على الذراع كما أشرنا إليه سابقا ، على أن ذلك بعد التسليم يقتضي أفضلية وقوع الظهر للمثل والعصر للمثلين من غيرهما من الأوقات ، لاستمرار مواظبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه ، وكأنه مقطوع بعدمه بملاحظة نصوص الأقدام (٢) وغيرها التي لا تنطبق على ما ذكره ، مع أنها واضحة الانطباق على الذراع والذراعين كما عرفته سابقا ، بل هو كذلك بالنسبة إلى الظهر.

وسوى ما في الروضة من أن المنقول من فعل النبي والأئمة عليهم‌السلام وغيرهم من السلف فعل نافلة صلاة العصر قبل الفريضة متصلة بها ، وعلى تقدير الأقدام لا يجتمع فعل صلاة العصر في وقت فضيلتها الذي هو بعد المثل ، وفعل النافلة متصلة بها ، بل لا بد من الانفصال ، ثم قال : والمروي (٣) ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتبع الظهر من سنة العصر ويؤخر الباقي إلى أن يريد صلاة العصر ، وربما أتبعها بأربع وست وأخر الباقي ، وهو السر في اختلاف المسلمين في أعداد نافلتيهما ، ولكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ و ٢٠ و ٢٨ و ٢٩ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

١٧٥

أهل البيت عليهم‌السلام أدرى بما فيه ، وفيه مع اختصاصه ببعض نافلة العصر منع اعتبار التأخير عن المثل في فضيلة العصر ، بل ظاهر نصوص الأذرع والأقدام وغيرهما خلافه ، وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت عادته فعلها بالأربعة أقدام من قامة الإنسان ، ونصوص القامة مع موافقتها للمحكي عن الشافعي وأصحابه يمكن أن يراد منها الذراع كما كشفت عنه النصوص الأخر ، وانه كان متعارفا إطلاقها على الذراع من ظل قامة الإنسان ، بل هو كاد يكون صريح مرسلة يونس الطويلة (١) ودعوى ضعف النصوص المتضمنة لذلك ، فلا يخرج بسببها عن المنساق إلى الذهن عند الإطلاق يدفعها شهادة القرائن بصحتها كذكرها في الكتب المعتمدة وتعددها ، ورواية أمثال هؤلاء الأعيان لها ، وفيهم بعض من روى القامة والقامتين كعمر بن حنظلة ، ومعروفية قصد التعريض بها على العامة حيث فهموا من القامة خلاف ذلك ، على انها انما تضمنت بيان الموضوع الذي يكتفى فيه بالظن أو ما هو حكمه حكم الموضوع ، وقوله (ع) في بعض أخبار القامة والقامتين (٢) : « وذلك المساء » مشيرا إلى القامتين لا يستلزم إرادة قامة الإنسان ، لمنع عدم صدقه مع مضي الذراعين ، وكون الشاخص الذي يقاس به الوقت في ذلك معروفا بالذراع ـ فإذا أريد من القامة ذلك رجع إلى المثل والمثلين أيضا ـ يدفعه عدم ظهور في أخبار القامة ، بل ولا إشعار بإرادة التقدير بها بالنسبة إلى مثل هذا الشاخص ، إذ يمكن إرادة التقدير بها بالنسبة إلى ظل الإنسان ، وقوله عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٣) : « كم القامة؟ » فقال : ذراع ، إن قامة رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت ذراعا » لا دلالة فيه على التقدير بها من ظل الرحل ، بل أقصاه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٤ من كتاب الصلاة.

١٧٦

الدلالة على إرادة ذراع من لفظ القامة ، وتأخير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعض نافلة العصر إلى أن يريد صلاتها لا يقتضي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصليها بعد المثل حتى يستلزم وقوعها بعد المثل ، بل لعله كان يؤخر العصر إلى بلوغ الظل أربعة أقدام ، ضرورة زيادة هذا الوقت على فعل النافلة ، إذ الظاهر انه كان يبلغ ساعة نجومية تقريبا ، كما أن القدمين الأولين كذلك ، وستسمع إن شاء الله تمام البحث في ذلك.

وسوى ما يقال : من إن الحكمة في توسعة الفضل إلى المثل والمثلين بسبب النافلة كي يمتد وقتها ، وفيه منع واضح ، بل هو قول بغير علم ، وتقول على الشارع بغير إذن.

ومن ذلك كله يظهر لك ضعف القول الثالث ، أي امتداد وقت النافلة بامتداد وقت إجزاء الفريضة وإن مال إليه في الذخيرة ، إذ هو ـ مع أنه مجهول القائل كما قيل ، ولعله كذلك ، لأنه لم ينسب إلا إلى الحلبي ، وقد عرفت أنه انما قال بالامتداد إلى آخر الوقت ، وإن آخر الوقت عنده الأربعة للمختار ، والمثل للمضطر ، ولعله لذا نفي الخلاف في المحكي عن السرائر عن خروج وقت النافلة إذا صار المثل والمثلان ـ لا شاهد له ، بل الشواهد على خلافه ، والأخبار (١) الدالة على كون النافلة بمنزلة الهدية ، فكل وقت صالح لها ـ مع قصورها عن المقاومة لغيرها من وجوه ، ومقطوعية عدم العمل على ظاهرها مطلقا ـ يمكن تنزيلها على إرادة عدم سقوط النافلة بخروج وقتها ، بل غيره صالح لفعلها كالفرائض ولو قضاء ، لأنها بمنزلة الهدية ، وليست هي كباقي النوافل الموقتة التي تذهب بذهاب وقتها ، لا أن المراد منها صلاحية سائر الأوقات لأدائها ، وكيف والنصوص يمكن دعوى تواترها في كونها موقتة ، وأن وقتها غير ذلك ، ومن العجيب استفادة جواز تقديم النوافل على أوقاتها من هذه الأخبار التي وصفها في المعتبر بالندرة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ و ٧ و ٨ من كتاب الصلاة.

١٧٧

وفي الذكرى بعدم الشهرة كما ستسمعه إن شاء الله. وأما ما في‌ موثق سماعة (١) عن الصادق عليه‌السلام ـ الذي ذكره بعض الأصحاب في مسألة التطوع وقت الفريضة « والفضل إذا صلى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ، فيكون فضل أول الوقت للفريضة ، وليس بمحظور عليه أن يصلي النوافل من أول الوقت إلى قريب من آخر الوقت » قيل : وكذا رواه في‌ الكافي (٢) بتفاوت ما ، وفيه « موسع أن يصلي الإنسان في أول دخول وقت الفريضة بالنوافل إلا أن يخاف فوت الفريضة » ـ فمع احتمال إرادة وقت الفضل لا الاجزاء كما يومي اليه صدره ظاهر أو صريح في خروج ذلك عن التوظيف الذي هو محل النزاع ، بل أقصاه الدلالة على جواز التطوع في وقت الفريضة ولو على جهة القضاء للنوافل ، أو صلاة غير الرواتب ، وهي مسألة أخرى تسمع الكلام فيها إن شاء الله وفيما يعارض هذا الخبر والترجيح بينهما.

ثم ان ظاهر أكثر النصوص إن لم يكن جميعها اختصاص النافلة بالقدمين والأربعة بمعنى فعل الفريضة بعد القدمين والأربعة ، لا أنه يستثنى منها مقدار فعلهما أيضا حتى يكون القدمان وقتا للظهر ونافلتها ، والأربعة كذلك ، نعم يستفاد من النصوص (٣) استحباب تعجيل النافلة وتخفيفها ما استطاع محافظة على أول الوقت ، ومكاتبة عبد الله ابن محمد (٤) سؤالها يدل على استحباب انتظار القدمين والأربعة لا جوابها ، كما أن قوله في‌ مكاتبة محمد بن الفرج (٥) المضمرة « إذا زالت الشمس فصل سبحتك ، وأحب أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين ، ثم صل سبحتك ، وأحب أن يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام » محمول على إرادة عدم الزيادة لا النقيصة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ و ٣٧ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٨ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٩ من كتاب الصلاة.

١٧٨

وإلا فهي أشد حبا كما يظهر من النصوص الأخر (١) ومواظبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ذلك كما يظهر من أخبار الجدار (٢) وغيرها لعلها كانت لحكمة أخرى من اجتماع الناس أو قصد إظهار التوسعة أو غير ذلك مما هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والله أعلم به ، هذا على المختار من التقدير بالأقدام.

أما على المثل فعن المبسوط استثناء قدر الفريضتين كما في معقد إجماع الغنية وما حكي عن المهذب وغيره ، وكأنه متعين بناء على أنهما غاية المختار ، ضرورة عدم جواز تأخيرهما عنهما اختيارا ، اللهم إلا أن يجعلا لابتداء تضيقه ، وهو خلاف ظاهرهم هناك ، لكن في المسالك أن ظاهر الأصحاب أن الوقت بأجمعه للنافلة ، ويحتمل استثناء قدر الفريضة ، وفي الذكرى وغيرها ردا على ما سمعته عن المبسوط أن الأخبار لا تساعده ، لكنهما معا محل للنظر ، نعم في مفتاح الكرامة أن الشيخ في المبسوط والجمل والإصباح لم يستثن قدر فريضة العصر من المثل ، قال في المبسوط : « ونوافل العصر ما بين الفراغ من فريضة الظهر إلى خروج وقت المختار » قلت : يمكن منع ظهور العبارة فيما ذكر ، ولو سلم حكم عليها غيرها من عباراته ، وكذلك النصوص أيضا إن كانت مثلها ، خصوصا بعد ما كان في‌ قوية سماعة (٣) منها « وليس بمحظور عليه أن يصلي النوافل من أول الوقت إلى قريب من آخره » والأمر عندنا سهل بعد أن عرفت ضعف تحديد النوافل بذلك ، والله أعلم.

وعلى كل حال فان خرج وقت النافلة وقد تلبس منها أي النافلة ولو بركعة زاحم بها الفريضة وأتمها في وقتها أداء كما في الدروس والذكرى والبيان تنزيلا لها منزلة صلاة واحدة أدرك ركعة واحدة منها مخففة جمعا بين الحقين ومحافظة على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

١٧٩

أول الوقت للفريضة الذي من أجله أمر بالتخفيف ما استطاع حال عدم المزاحمة فضلا عنها ، والمراد بتخفيفها هنا الاقتصار فيها على أقل المجزئ كالحمد وتسبيحة واحدة في الركوع والسجود كما عن جماعة التصريح به ، بل مر سابقا في‌ بعض النصوص (١) الآمرة بركعتين خفيفتين بين المغرب أنه قيل : يا رسول الله « ما معنى خفيفتين؟ قال : يقرأ فيهما الحمد وحدها » كما انه ورد ذلك في صلاة الليل (٢) أيضا ، بل ربما حكي عن بعض المتأخرين إيتار الصلاة جالسا لو تأدى التخفيف به ، وكأنه مال إليه في المدارك وإن كان فيه نظر ، ولذا تأمل فيه في المسالك ، بل ربما تأمل بعض الناس في أصل اعتبار التخفيف ، لإطلاق النص وبعض الفتاوى ، وفيه أنه يمكن إشعار القدم ونصفه في الموثق (٣) بالتخفيف ، على أن فيه مسارعة إلى فعل الواجب ، هذا كله بناء على عدم حرمة التطوع وقت الفريضة وعلى عدم حرمة تأخير الفريضة عن الوقت الأول ، وإلا فعليهما يتعين القول بالتخفيف ، خصوصا على الأول اقتصارا على المتيقن ، سيما مع قصور الموثق عن المقاومة لو كان فيه دلالة.

وإن لم يكن صلى شيئا بدأ بالفريضة وترك النافلة بلا خلاف أجده فيه سيما بين المتأخرين ، بل عن مجمع البرهان الإجماع عليه ، لقوله عليه‌السلام (٤) : « من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله » والنهي عن التطوع وقت الفريضة (٥) ولما يأتي في مزاحمة صلاة الليل الصبح ، ولما في‌ موثق الساباطي (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ مع اختلاف في اللفظ.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

١٨٠