جواهر الكلام - ج ٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لما سأل عن اختلاف الراوية في تحديد الظهر والعصر وأنه جاء من هذا القبيل مرة ، ومن هذا القبيل مرة أخرى ففي أي وقت يكون هذا؟ وكيف يمكن أن يكون هذا في وقت يتفق فيه كون الظل الباقي نصف قدم؟ وامتداده إلى القامة والقامتين يفضى إلى توسعة كثيرة في الوقت ، أو أن المراد « من هذا » بالفتح على معنى « ما » كما اعترف المجلسي بكثرة استعمالها في ذلك ، أو على معنى من صاحب الحكم الأول ومن صاحب الحكم الثاني؟ وكيف كان فأجابه عليه‌السلام بأن المراد ظل القامة لإقامة الظل ، أي أطلق القامة في الخبر المسؤول عنه وأريد منها الباقي من ظلها عند الزوال مجازا ، سواء كان ذراعا أو أقل أو أكثر ، والتحديد حينئذ انما هو بصيرورة الفي‌ء الزائد مثل الظل الباقي المعبر عنه بالقامة ، وحاصل المعنى أنه إذا كانت الشمس مقدار القامة فصل الظهر ، ومقدار القامتين فصل العصر ، واختلاف الأخبار حينئذ بالذراع والذراعين والقدم والقدمين انما هو لاختلاف ذلك الباقي من الظل المعبر عنه بالقامة ، فتارة يكون قدما ، وتارة يكون ذراعا ، وتارة يكون أزيد ، وتارة يكون أقل ، ولذا اختلفت الأخبار في هذا التقدير ، فهي في الحقيقة تفصيل لذلك المجمل ـ يدفعها ـ مع انه خلاف المنساق من مرجع الضمير ، خصوصا مع قرب لفظ الشي‌ء اليه ، ووضوح المعنى على تقديره من غير حاجة إلى تقدير بخلافه على الأول ـ ضرورة توقف صحة المعنى على إرادة صيرورة ظل كل شي‌ء الحادث مثل الظل الباقي عند الزوال ، مع انه قد لا يبقى ظل أصلا ، ومرسلة يونس ـ مع إرسالها وإجمالها بل إشكالها من حيث أنه ليس في الخبر ذكر الظل أصلا لا بإضافته إلى القامة ولا بالعكس ، فقوله : « انما قال ظل القامة » إلى آخره. غير منطبق ، ومن انه لم يتضح وجه تعجب السائل من كون الظل في بعض الأوقات نصف قدم هو ما سمعته ، أو لأن التقدير بصيرورة الفي‌ء مثل الظل يقتضي قصرا فاحشا في الوقت ، أو لما قيل من أن ذلك يقتضي الاختلاف في وقت الفضيلة ،

١٤١

خصوصا إذا قلنا : إن السائل فهم من القامة ونحوها بلوغ مجموع الظل الحادث والباقي قامة ، ولذا جاء الإشكال في الجمع بينه وبين أخبار الذراع والقدم ، وفي اختلاف وقت الفضيلة حينئذ اختلافا فاحشا ، ومن أن ما ذكره إن تم في بعضها فلا يتم في قوله أخيرا : « فإذا كان » إلى آخره. بل هو ظاهر أو صريح في خلافه ، وغير ذلك ، ومن عدم تعارف إطلاق لفظ القامة على ذلك الظل ، بل هي إما قامة الإنسان كما قلناه سابقا ، أو مقدار الذراع كما هو مضمون الأخبار السابقة ، ومن غير ذلك ـ لا تدل على مطلوبه ، ضرورة كونها في بيان أول الوقت الأول ، والمطلوب آخره.

ومن ذلك وغيره قد يسلك في تفسيرها طريق آخر ، وحاصله أنه قد تقرر كون قامة كل إنسان سبعة أقدام بإقدامه ، وثلاث أذرع ونصف بذراعه ، فلذلك يعبر عن السبع بالقدم ، وعن طول الشاخص الذي يقاس به الوقت بالقامة وإن كان في غير الإنسان ، وقد جرت العادة بأن تكون قامة الشاخص الذي يجعل مقياسا لمعرفة الوقت ذراعا كما أشارت إليه بعض النصوص (١) فلأجل ذلك كثيرا ما يعبر عن القامة بالذراع ، وعن الذراع بالقامة ، وربما يعبر عن الظل الباقي عند الزوال من الشاخص بالقامة أيضا ، وكأنه كان اصطلاحا معهودا ، وبناء هذا الحديث على إرادة هذا المعنى أي الشاخص الذي هو ذراع كما ستطلع عليه.

ثم ان كلا من هذه الألفاظ قد يستعمل لتعريف آخر وقتي فضيلتهما كما في بعض النصوص (٢) وكلما يستعمل لتعريف الأول فالمراد به مقدار سبعي الشاخص ، وكلما يستعمل لتعريف الآخر فالمراد به مقدار تمام الشاخص ، ففي الأول يراد بالقامة الذراع ، وفي الثاني بالعكس ، وربما يستعمل لتعريف الأخير لفظة ظل مثلك وظل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

١٤٢

مثليك ، ويراد بالمثل القامة ، والظل قد يطلق على ما يبقى عند الزوال خاصة ، وقد يطلق على ما يزيد بعد ذلك فحسب الذي يقال له الفي‌ء ، من « فاء يفي‌ء » إذا رجع ، وقد يطلق على مجموع الأمرين ، وإن كان ربما قيل نقلا عن إرشاد الجعفرية إن الظل ما يكون من أول النهار إلى زوال الشمس ، والفي‌ء من حين الزوال إلى الغروب ، واليه يرجع ما في حواشي الشهيد من أن الظل ما تنسخه الشمس ، والفي‌ء ما ينسخ الشمس ، إلا أن الانصاف عدم التزام ذلك في الإطلاقات كما لا يخفى ، بل لا يبعد أنه في العرف للأعم منهما.

ثم ان اشتراك هذه الألفاظ بين هذه المعاني صار سببا لاشتباه الأمر في المقام ، وحينئذ فيكون مراد السائل أنه ما معنى ما جاء في الحديث من تحديد أول وقت الظهر والعصر تارة بصيرورة الظل قامة وقامتين ، وأخرى بصيرورته ذراعا وذراعين ، وأخرى قدما وقدمين ، وجاء من هذا القبيل مرة ، ومن هذا أخرى؟ فمتى هذا الوقت الذي يعبر عنه بألفاظ متباينة المعاني؟ وكيف يصح التعبير عن شي‌ء واحد بمعاني متعددة ، مع أن الظل الباقي عند الزوال قد لا يزيد على نصف القدم؟ فلا بد من مضي مدة مديدة حتى يصير مثل قامة الشخص ، فكيف يصح تحديد أول الوقت بمضي مثل هذه المدة الطويلة من الزوال ، فأجاب عليه‌السلام بأن المراد بالقامة التي يجد بها أول الوقت التي هي بإزاء الذراع ليس قامة الشخص الذي هو شي‌ء ثابت غير مختلف ، بل المراد مقدار ظلها الذي يبقى على الأرض عند الزوال الذي يعبر عنه بظل القامة ، وهو يختلف بحسب الأزمنة والبلاد ، مرة يكثر ، ومرة يقل ، وانما يطلق عليه القامة في زمان يكون مقداره ذراعا ، فإذا زاد الفي‌ء أعني الذي يزيد من الظل بعد الزوال بمقدار ذراع حتى صار مساويا للظل فهو أول الوقت للظهر ، وإذا زاد ذراعين فهو أول الوقت للعصر ، وأما‌ قوله عليه‌السلام : « فإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر » إلى آخره. فمعناه أن الوقت انما يضبط حينئذ بالذراع والذراعين خاصة دون القامة والقامتين ، وأما‌

١٤٣

التحديد بالقدم فأكثر ما جاء في الحديث فإنما جاء بالقدمين والأربعة ، وهو مساو للتحديد بالذراع والذراعين ، وما جاء نادرا بالقدم والقدمين فإنما أريد بذلك تخفيف النافلة وتعجيل الفريضة طلبا لفضل أول الوقت فالأول ، ولعله عليه‌السلام لم يتعرض للقدم عند تفصيل الجواب لما استشعر من السائل عدم اهتمامه بذلك ، وانه انما كان أكثر اهتمامه بتفسير القامة وطلب العلة في تأخير أول الوقت إلى ذلك المقدار ، وحينئذ لا يكون في الخبر غبار ولا إجمال ولا شي‌ء مما يرد على تفسير الشيخ له وإن رده غير واحد من الأصحاب لذلك ، نعم يصير جزئيا مختصا بزمان خاص ومخاطب مخصوص ، ولا بأس بذلك.

فان قيل : اختلاف وقتي النافلة في الطول والقصر بحسب الأزمنة والبلاد وتفاوت حد أول وقتي الفريضتين التابع لذلك لازم على أي التقادير ، لما هو معلوم من سرعة تزايد الفي‌ء تارة ، وبطئه أخرى ، فالذراع حيث يكون الباقي من الظل قليلا غيره إذا كان كثيرا ، قلنا : نعم ذلك كذلك ولا بأس به ، لأنه تابع لطول اليوم وقصره كسائر الأوقات في الأيام والليالي ، كما انه لا يكون هذا الخبر حينئذ منافيا للمختار بوجه من الوجوه ، ضرورة كونه حينئذ كأخبار الذراع ونحوه مما هو وارد في تحديد أول الوقت الأول لا آخره كي ينافي المثل والمثلين كما ستعرفه مفصلا.

وكيف كان فابتداء التقدير انما هو من أول الفي‌ء الحادث لا منه ومن الظل الباقي ، بل لم يقل أحد بذلك ، بل عن الخلاف نفي الخلاف في ذلك ، نعم ربما ذكره بعضهم احتمالا معترفا بعدم القائل به في قولهم : « يصير ظل كل شي‌ء مثله » وفيه انه يلزم عليه الاضطراب والاختلاف المترتبان على قول الشيخ أيضا كما هو واضح ، بل قد يدفع بعض الاختلاف المترتب على كلام الشيخ بأن قصر الظل في بعض الأماكن‌

١٤٤

وطوله في آخر لا يتفاوت بالنسبة إلى صيرورة الفي‌ء مثله ، ففي مقام يكون مثل الظل القصير يكون كذلك في المقام الآخر ، ضرورة كون المتجدد كالباقي ، بخلاف هذا القول ، وعلى كل حال فهو واضح الضعف بالنسبة إلى المختار ، فينبغي إرصاد رأس الظل الباقي عند الزوال حتى لا يختلط السابق والحادث.

وأما بقية الأقوال في أصل المسألة التي وعدنا بذكرها على الاجمال فمنها ما أشار إليه المصنف أيضا بقوله وقيل : أربعة أقدام للظهر ، وثمان للعصر ، هذا للمختار ، وما زاد على ذلك حتى تغرب الشمس وقت لذوي الأعذار وإن كنا لم نقف على قائله مصرحا بجميع ذلك ، بل ولا من نسب إليه في الكتب المعدة لمثله ، نعم حكي عن مصباح السيد والنهاية وعمل يوم وليلة وموضع من التهذيب تحديد وقت الظهر خاصة للمختار بذلك من غير تصريح بالعصر أصلا ، بل ولا من السيد منهم بامتداد وقت العذر في الظهر إلى المغرب ، وردد فيما حكي من مصباح الشيخ ومختصره والاقتصاد بين ذلك وبين المثل للمختار ، وهو عند التحقيق راجع إلى القول بالمثل ، فيجري فيه ما عرفته ، لكن على كل حال لا يخفى عليك ضعفه بعد ما سمعته سابقا من النصوص وغيرها ، بل يمكن دعوى تحصيل القطع بخلافه من ملاحظة الفتاوى والنصوص على اختلافها ، ومن الغريب انه على كثرتها وشدة اختلافها لم نعثر على ما يدل منها على تمام هذا القول ، نعم‌ خبر الكرخي (١) منها وغيره يدل على خصوص الظهر قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام : متى يدخل وقت الظهر؟ قال : إذا زالت الشمس ، فقلت : متى يخرج وقتها؟ فقال : من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام ، وان وقت الظهر ضيق ليس كغيره ، قلت : فمتى يدخل وقت العصر؟ فقال : إن آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر ، فقلت : متى يخرج وقت العصر ، فقال : وقت العصر إلى أن تغرب الشمس ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣٠ من كتاب الصلاة.

١٤٥

وذلك من علة ، وهو تضييع ، فقلت له : لو أن رجلا صلى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام أكان عندك غير مؤد لها؟ فقال : إن كان تعمد ذلك ليخالف السنة والوقت لم تقبل منه ، كما لو أن رجلا أخر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس متعمدا من غير علة لم يقبل منه ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وقت للصلوات المفروضات أوقاتا وحدودا في سنته ، فمن رغب عن سنة من سننه الموجبات كان كمن رغب عن فرائض الله تعالى » وخبر الفضل بن يونس (١) « سألت أبا الحسن الأول عليه‌السلام المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟ قال : إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلي إلا العصر ، لأن وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم ، وخرج الوقت وهي في الدم ».

والأول ـ مع الطعن في سنده بجهالة إبراهيم ، واشتماله على ما اتفق الأصحاب على خلافه من أن أول وقت العصر آخر وقت الظهر ، وعدم تضمنه تمام الدعوى ، بل فيه ما يخالفها ، وظهوره في عدم صحة صلاة الظهر للمعذور أيضا بعد الوقت المزبور ، لتخصيصه ذلك بالعصر ، وقصوره عن معارضة غيره من وجوه ـ غير صريح في ذلك خصوصا بعد اعتباره في عدم القبول تعمد التأخير بقصد مخالفة السنة في الوقت لا بقصد الرخصة في التأخير ، وبعد التعبير عنه في ذيله بكونه سنة من سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يبعد حينئذ حمل الخبر المزبور على إرادة الوقت الفضيلي من أوقات الفضيلة ، ضرورة تفاوتها في الدرجات. وأما الثاني ـ فمع أن سنده ليس بتلك المكانة ، ومخالفته للمعروف من مذهب الخصم ، بل المجمع عليه ظاهرا من امتداد الوقت للعذر الذي أحد أفراده الحيض كما عرفت ، وما يحكى عن التهذيبين من التصريح بمضمون الخبر المذكور لا يقدح في الاتفاق ظاهرا ، خصوصا في مثل الكتابين ، واحتمال كون المراد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ الحديث ٢.

١٤٦

منه وإن بعد خروج وقت الظهر وبقاء وقت اختصاص العصر ، وعدم اشتماله على تمام الدعوى ، بل لا يدل على خصوص الظهر ، إذ لعل للحائض خصوصية ، ومعارضته بخصوص موثقة عبد الله بن سنان (١) وغيرها مما دل على وجوب الفرضين عليها إذا طهرت وكان الوقت يسعهما الذي هو أرجح منها من وجوه ، أحدها الاعتضاد بالمشهور شهرة عظيمة ، ولذا لم يصح الجمع بينهما بالحمل على الاستحباب وإن مال اليه بعض متأخري المتأخرين بعد أن قدم رجلا وأخر أخرى واضطرب أشد اضطراب ، وما ذاك إلا للخلل في الطريقة ـ قاصر عن معارضة ما عرفته من الأدلة من وجوه لا تخفى بعد الإحاطة بما تقدم.

ومنها ما في المقنعة من أن وقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يرجع الفي‌ء سبعي الشاخص ، والعصر إلى أن يتغير لون الشمس باصفرارها للغروب ، وللمضطر والناسي إلى الغروب ، ولم أعرف له دليلا من الأخبار على كثرتها وشدة اختلافها ، بل في كثير منها ـ كثرة تقرب إلى حد التواتر معنى ، بل لعلها كذلك ـ ما يقتضي خلافه ، وأخبار الذراع والقدمين ـ مع أن ظاهرها وقوع الفريضة بعد مضيهما لا أنهما الآخر كما هو ظاهر أول عبارته فيها ، نعم كلامه بعد ذلك ظاهر أو صريح في إرادة الأول ـ كادت تكون صريحة في إرادة بيان أول الوقت للمتنفل ، بل في جملة منها التصريح بذلك ، كما أن في بعضها التصريح بالأفضلية ، نعم يحكى عن الفقه الرضوي (٢) الذي لم تثبت حجيته عندنا فضلا عن صلاحيته لمعارضة مثل المقام ما يوافقه بالنسبة إلى الظهر ، كما انه في كشف اللثام عن الهداية روايته مرسلا عن الصادق عليه‌السلام (٣) ولعله توهمه من أخبار الذراع والقدمين ، وأما ما دل (٤) على موتورية من أخر العصر حتى تصفر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ الحديث ١٠.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٣) الهداية ص ٢٩ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ و ٧ و ١٠ من كتاب الصلاة.

١٤٧

الشمس من النصوص فمع أنه لا دلالة فيه على تمام المدعي فهي في الدلالة على خلاف المطلوب أظهر ، إذ الموتور كما فسر في هذه النصوص من ضيع ماله وأهله في الجنة ، فيبقى يتضيف فيها ولا أهل ولا مال عنده ، وهو انما يناسب ترتبه على فوات الفضيلة لا على المعصية ، كما هو واضح.

واحتج له في‌ المختلف بالصحيح (١) عن الفقيه عليه‌السلام « آخر وقت العصر ستة أقدام ونصف » قال : وهو إشارة إلى الاصفرار ، لأن الظل إلى آخر النهار ينقسم سبعة أقسام ، وهو كما ترى ، ومن ذلك كله يظهر ما في القول المنسوب إلى الحسن بن عيسى الذي هو أحد الأقوال في المسألة أيضا من أن أول وقت الظهر زوال الشمس إلى أن ينتهي الظل ذراعا واحدا أو قدمين من ظل قامته بعد الزوال ، فان تجاوز ذلك فقد دخل الوقت الآخر ، وان العصر يمتد وقتها إلى أن ينتهي الظل ذراعين بعد زوال الشمس ، فإذا جاوز ذلك فقد دخل الوقت الآخر ، ضرورة اتحاده مع قول المفيد بالنسبة إلى الظهر ، وترديده بين الذراع والقدمين لا يصلح فارقا بعد معلومية اتحادهما ، ويتأتى عليه بالنسبة إلى العصر نحو ما ذكرناه في الظهر.

وكذا يظهر لك مما قدمناه سابقا ما في المنسوب إلى النهاية والتهذيب من أن آخر وقت الظهر للمعذور اصفرار الشمس ، على أنه لا دليل عليه ، بل لعل مراده منه الغروب كما يومي اليه استدلاله عليه في التهذيب بأخباره ، وأما ما يحكى عن أبي الصلاح ـ من أن آخر وقت المختار الأفضل للظهر أن يبلغ الظل سبعي القائم ، وآخر وقت الاجزاء أن يبلغ الظل أربعة أسباعه ، وآخر وقت المضطر أن يصير الظل مثله ـ فهو مع مخالفته لنصوص التثنية بمكانة من الضعف ومنافاة للنصوص ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه بالنسبة للشق الثالث من دعواه ، كما أنه يمكن دعوى تواتر النصوص بخلاف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

١٤٨

الشق الأول منها ، لما عرفت من دلالة كثير منها على أن ابتداء فضيلته للمتنفل ذلك لا انتهاءه ، وأما الشق الثاني فهو وإن دل عليه خبر الكرخي (١) وغيره مما عرفته دليلا للقول المذكور في المتن ، إلا أنه يجري فيه ما سمعته سابقا ، ومثله في الضعف ما يحكى عن السيد من امتداد العصر للمختار حتى يصير الظل ستة أقدام ، وإن كان قد يشهد له‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر سليمان بن خالد (٢) : « العصر على ذراعين ، فمن تركها حتى تصير على ستة أقدام فذلك المضيع » وفي‌ خبر أبي بصير (٣) « صل العصر يوم الجمعة على ستة أقدام » لكنه لا يقاس في جنب ما يدل على خلافه ، بل خبره الثاني مع اختصاصه في يوم الجمعة الذي لا نافلة فيه يقضي بوقوع الصلاة فيه على الستة ، لا أنها الغاية ، بل خبره الأول الدال على أن المؤخر مضيع ظاهر في عدم إرادة الحتم والإلزام ، خصوصا مع ملاحظة ما دل من باقي النصوص على أن جزاء المضيع صيرورته موتور الأهل والمال في الجنة.

وكيف كان فالظاهر امتداد وقت الاجزاء اختيارا أو اضطرارا إلى دخول وقت صلاة المغرب ، وهو عندنا كما عرفت سقوط الحمرة المشرقية لا القرص ، للأصل في وجه ، وظاهر الآية والنصوص التي تقدم بعضها الدالة على الامتداد إلى الغروب ، بناء على ما سمعته هناك من أنه انما يتحقق بزوال الحمرة ، لا أنه مقدمة لليقين كما عرفت البحث فيه ، بل وعلى تقديره أيضا ، ضرورة جريان الاستصحاب مع الشك في حصول مصداق الغاية ، بل الظاهر أنا في غنية عن ذلك ، لظهور بعض النصوص المزبورة في أن المراد من الغروب الذي هو غاية العصر أول وقت صلاة المغرب ، فلا مجال حينئذ لاحتمال إرادة سقوط القرص فيه دون الحمرة ، كي يبقى ما بين السقوطين واسطة بين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣٠ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

١٤٩

الصلاتين ، ولقد أجاد السيد الداماد فيما حكاه عنه في بحار الأنوار ، حيث قال : « إن ما في أكثر رواياتنا عن أئمتنا المعصومين عليهم‌السلام وما عليه العمل عند أصحابنا رضي الله تعالى عنهم إجماعا هو أن زمان ما بين الفجر إلى طلوع الشمس من النهار ومعدود من ساعاته ، وكذلك زمان غروب الشمس إلى ذهاب الحمرة من جانب المشرق ، فان ذلك إمارة غروبها في أفق المغرب ، فالنهار الشرعي في باب الصلاة والصوم وسائر الأبواب من طلوع الفجر إلى ذهاب الحمرة المشرقية ، وهذا هو المعتبر والمعول عليه عند أساطين الإلهيين والرياضيين من حكماء يونان » انتهى.

وأما المغرب فقد عرفت البحث في أوله ، كما أنك عرفت ما يدل على أن آخره الانتصاف من غير تقييد بالاضطرار من الآية والنصوص (١) والإجماع المحكي المؤيدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، بل لعلها كذلك ، وبمخالفة العامة وموافقة السهولة والسماحة ، والمناقشة في بعضها بإرادة امتداد مجموع الصلاتين إلى الانتصاف الذي يكفي في صدقه امتداد العشاء ـ مع انها خلاف الظاهر سيما في المشتمل منها على قوله عليه‌السلام : « إلا أن هذه قبل هذه » بل كادت تكون خلاف صريح البعض كمعتبرة داود بن فرقد (٢) ـ يمكن دفعها بعدم القول بالفصل ، إذ لم يقل أحد بامتداد وقت العشاء اختيارا إلى ذلك دون المغرب ، ومنه حينئذ ينقدح الاستدلال بما دل عليه في العشاء متمما بما عرفت ، كما أنه يمكن الاستدلال عليه أيضا بما عرفته في الظهرين من امتداد وقتهما اختيارا إلى الغروب ، بناء على عدم القول بالفصل بينهما وبين العشاءين كما عن المصنف والفاضل دعواه ، بل وبما عرفته سابقا أيضا من النصوص (٣) الظاهرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ والباب ١٦ ـ الحديث ٢٤ والباب ١٩ ـ الحديث ٣ والمستدرك ـ الباب ١٤ منها الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

١٥٠

في جواز تأخير المغرب عن الشفق اختيارا. ولبعض الأعذار التي لا يصلح تأخير الواجب عن وقته لأجلها متمما بأنه متى ثبت ذلك إلى النصف ، إذ لا قائل بجواز تأخيره عنه اختيارا وعدم امتداده اليه ، خلافا للمحكي عن الهداية والناصريات والخلاف والمصباح للشيخ والجمل وعمل يوم وليلة والمراسم ، فآخره غيبوبة الشفق المغربي ، والظاهر إرادتهم بالنسبة إلى المختار لا مطلقا ، كما قيده به في المحكي عن المقنعة والمبسوط والتهذيب والوسيلة والكاتب والكافيين والاستبصار ومصباح السيد والإصباح والاقتصاد والنهاية ، أما المضطر فالى ربع الليل كما فيما عدا الأول والأخير ، أما فيهما فالاقتصار على ذكر المسافر ، ولعلهما أراد المثال ، فيتحد حينئذ مع سابقهما ، للجمع بين ما دل صريحا أو ظاهرا على أن آخره سقوط الشفق من النصوص المستفيضة (١) التي فيها الصحيح وغيره المؤيدة بما دل (٢) على أن غايته اشتباك النجوم ، وبين ما دل على أن آخره الربع ، كخبر عمر بن يزيد (٣) وغيره بشهادة جملة من النصوص ، كقول الصادق عليه‌السلام في خبر عمر بن يزيد (٤) أيضا « إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل ، قال : قال لي وهو شاهد في بلده » وفي‌ خبره الآخر (٥) « وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل » والرضا عليه‌السلام في جواب مكاتبة إسماعيل بن مهران (٦) « ذكر أصحابنا أنه إذا زالت الشمس دخل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ و ٣ و ٤ و ١٤ وغيرها من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٠ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٦) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٤ وذيله في الباب ١٨ منها ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

١٥١

وقت الظهر والعصر ، وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء إلا أن هذه قبل هذه في السفر والحضر ، وان وقت المغرب إلى ربع الليل ، فكتب كذلك الوقت غير أن وقت المغرب ضيق ، وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى البياض في أفق المغرب » بناء على أن المراد من قوله عليه‌السلام : « كذلك » جميع ما في سؤال الكاتب ، وأن المراد بقوله : « غير » التنبيه على وقت اختيارية ، فتأمل. وبشهادة النصوص (١) الكثيرة جدا المتضمنة تخصيص الرخصة في تأخيره عن الشفق في العذر والعلة والسفر والحاجة ونحو ذلك وإن لم يذكر فيها الغاية أنها الربع أو الأكثر ، لأن الظاهر تنزيلها على الربع الذي تضمنته النصوص السابقة (٢).

وفيه ـ مع استلزامه طرح النصوص (٣) المتضمنة للنصف والثلث ، ضرورة عدم العمل بشي‌ء منها في شي‌ء من الأقوال السابقة التي ذكرناها ، نعم في البحار عن المنتهى انه حكي عن الشيخ ومصباح السيد امتداد وقت المضطر إلى ما قبل النصف بأربع ركعات ـ انه لا يخفى رجحان ما تقدم من الأخبار (٤) بالموافقة لظاهر الكتاب وللشهرة العظيمة والإجماع المحكي المؤيد بما عرفته فيما تقدم ، وبالمخالفة للعامة وبسهولة الملة وسماحتها وغير ذلك عليها ، خصوصا مع ملاحظة اختلافها بالربع والثلث واشتباك النجوم وعدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٩ والباب ١٩ الحديث ١٣ و ١٥ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ و ٥ و ٨ و ١١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٤ والباب ١٩ الحديث ١ و ٣ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

١٥٢

تقدير الضرورة فيها ، بل تارة يذكر فيها العلة ، وأخرى العذر ، وأخرى الحاجة ، وأخرى السفر ، بل في تضمنها نفسها بعض الأعذار التي لا تصلح أن تكون سببا لتأخير مطلق الواجب عن وقته ـ فضلا عن مثل الصلاة ، وفضلا عن مثل صلاة المغرب ـ أقوى دلالة على المطلوب ، إلى غير ذلك من القرائن والأمارات التي يمكن أن تشرف الفقيه على القطع ، بل قد عرفت في الظهرين ما يدل على المطلوب بوجوه ، بل عرفت ما يمكن بسببه جعل النزاع لفظيا ، وأن مرادهم من الوجوب شدة الاستحباب ، ومن عدم الجواز شدة الكراهة ، إذ لا ينبغي أن ينكر أن الأولى لصاحب الدين السالك مسلك المتقين عدم التأخير لغير عذر أصلا ، إذ ليس هو حينئذ إلا من المتساهلين في سنة سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصوصا في صلاة المغرب التي بتأخيرها لغير عذر يشبه أبا الخطاب وأصحابه لعنهم الله الذين أفسدوا أهل الكوفة ، واستفاضت النصوص (١) بلعنهم والبراءة منهم ، إذ كانوا لا يصلون المغرب حتى تشتبك النجوم ويغيب الشفق.

وأما العشاء فقد مر فيما سبق ما يدل (٢) على دخول وقته قبل ذهاب الشفق المغربي ، وعدم اعتباره فيه ، سواء قلنا بالاشتراك أو بالاختصاص ، بل أدلة الطرفين من تلك حجة على من اعتبره فيه ، مضافا إلى ما سمعته سابقا من المختلف وإلى إجماعي الغنية والسرائر كما حكي عن ثانيهما المؤيدين بالشهرة العظيمة ، بل هي إجماع من المتأخرين ، بل لعله كذلك عند المتقدمين أيضا ، بناء على ما سمعته في الظهرين من تعبيرهم عن الاستحباب المؤكد بالوجوب ، وإن حكوه هنا عن الشيخين وسلار بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٢ و ١٧ و ١٩ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

١٥٣

والحسن في أحد النقلين ، بل في خلاف ثاني الشيخين الإجماع عليه لكن في غير المعذور فيقدم ، كما حكي عن الشيخين منهم التصريح به ، ولعله للنصوص المستفيضة (١) التي هي حجة على من عداهما ممن أطلق ، كسلار والحسن كما حكي وإن جعله أولهما في المراسم رواية ، بل على الثاني منهما في الكتاب الذي أطلق فيه المتضمنة نفي البأس عن تقديمه في السفر والليلة المظلمة والريح والمطر ، وان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيره من الأئمة عليهم‌السلام فعل ذلك ، إذ طرحها رأسا كما يوهمه إطلاق من أطلق لا وجه له ، فيحمل حينئذ ما يستفاد من النصوص المستفيضة الأخر (٢) من أن ابتداء وقتها ذهاب الشفق ، كخبر مجي‌ء جبرئيل عليه‌السلام إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيره من الأخبار على غير المعذور.

لكنه كما ترى يرد عليه أيضا ذلك بنفسه ، ضرورة انه وإن قلنا بالتفصيل المزبور يستلزم الاعراض عن الأدلة الكثيرة جدا ، بل لعل النصوص منها متواترة ، مع تأيدها بالشهرة العظيمة وظاهر الكتاب ومخالفة العامة وغير ذلك ، بل مستلزم أيضا طرح بعض الأخبار التي هي ظاهرة ، بل بعضها صريح في جواز التقديم من غير عذر ، كخبر زرارة (٣) وغيره (٤) بل لعل ما ورد (٥) في الرخصة بالجمع يدل عليه أيضا ، إذ حمله على وقوع المغرب قبل الذهاب والعشاء بعده لا دليل عليه ، بل لعل شدة الحث على أول وقت المغرب يدل على خلافه ، وقال الحلبيان في‌ الموثق (٦) « كنا نختصم في الطريق في الصلاة صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، وكان منا من يضيق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ ـ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

١٥٤

بذلك صدره ، فدخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق فقال : لا بأس بذلك ، قلنا : وأي شي‌ء الشفق؟ قال : الحمرة » وقوله فيه : « في الطريق » بعد أن كان ظرفا للتخاصم ، وإطلاق السؤال لا يفيد التقييد بالسفر ، وسأل إسحاق بن عمار (١) الصادق عليه‌السلام أيضا في الموثق « عن الجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علة فقال : لا بأس » بل حكى‌ زرارة (٢) في الموثق عن الصادق عليه‌السلام أيضا « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى بالناس المغرب والعشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة ، قال : وانما فعل ذلك ليتسع الوقت على أمته » وحملها على ما يحكى عن تهذيب الشيخ من جواز الدخول فيه إذا علم غيبوبة الشفق في الأثناء كما ترى ، وليس بأولى من حمل تلك النصوص على الفضل خاصة في التأخير ، أو مع كراهة التقديم كما عن المصنف وجماعة ، بل هو أولى من وجوه لا تخفى ، أو التقية من المحكي عن الجمهور كافة.

فلا ريب حينئذ في وضوح ضعف القول المزبور وضوحا لا يحتاج إلى إكثار من الأدلة ، كوضوح ضعف القول بأن آخره الثلث مطلقا كما هو مقتضى إطلاق المحكي عن الهداية والمقنعة والخلاف والمصباح ومختصره والجمل والاقتصاد وعمل يوم وليلة والقاضي ، وإن جعل الأخير النصف قولا ، والشيخ فيما عدا الأخير رواية ، أو للمختار خاصة ، وللمضطر النصف كما عن ثقة الإسلام والشيخ في كتابي الحديث والمبسوط والطوسي في الوسيلة أو آخره للمضطر الثلث كما عن النهاية من غير تحديد للمختار ، أو الربع للمختار خاصة من غير تحديد للمضطر كما عن الحسن بن عيسى ، أو مع التحديد له بالنصف كما عن التقي ، وفي‌ مضمر معاوية بن عمار (٣) « ان وقت العشاء الآخرة إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

١٥٥

ثلث الليل » والحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام « العتمة إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل ، وذلك التضييع » و‌ « جاء جبرئيل عليه‌السلام للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل وقال : ما بينهما وقت » (٢).

لكن لا يخفى عليك أنه لا يسوغ للفقيه الالتفات إلى هذه في مقابلة ما دل على النصف من النصوص التي يمكن دعوى تواترها ، بل هي كذلك ، والكتاب والإجماع المحكي المؤيد بالشهرة العظيمة التي يمكن دعوى بلوغها حد الإجماع ، بل لعلها كذلك ، خصوصا بعد ما عرفت سابقا من ظهور عبارات القدماء في غير الوجوب المصطلح ، بل كثيرا ما يوافق تعبيرهم ما في النصوص ، فيتعين مرادهم بالمراد من الخبر ، فأفضل أحوال هذه الأخبار الحمل على الندب ونحوه ، كما يومي اليه ما في‌ جملة من النصوص (٣) من أنه « لو لا أني أخاف أن أشق على أمتي لأخرت العتمة إلى ثلث الليل » وما أبعد ما بين هذه الأقوال وبين ما حكاه في ظاهر الرياض عن بعضهم تبعا للمفاتيح من امتداد وقت العشاءين اختيارا إلى طلوع الفجر وإن كنا لم نعرف قائله إلا ما ستسمعه من بعض عبارات الشيخ ، نعم ظاهر المحكي عن الفقيه الامتداد للمضطر في الفرضين كما اعتمده في موضع من المدارك ، وجعله في خصوص النائم والناسي وجها قويا في آخر ، واستحسنه الكاشاني ، بل جزم به بعض علمائنا المعاصرين ، بل هو ظاهر المحكي من بعض عبارات الخلاف أيضا ، فإنه بعد أن ذكر سابقا أن الأظهر من مذهب أصحابنا أن آخر وقت العشاء الآخرة إذا ذهب ثلث الليل وقد روي نصف الليل ، وقد روي إلى طلوع الفجر قال : « إذا أدرك بمقدار ما يصلى فيه خمس ركعات قبل الغروب لزمه الصلاتان بلا خلاف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ و ١٠ و ١٢ من كتاب الصلاة.

١٥٦

وإن لحق أقل من ذلك لم يلزمه الظهر عندنا ، وكذلك القول في المغرب والعشاء الآخر قبل طلوع الفجر » بل ظاهره كما ترى نفي الخلاف فيه ، ولعل الشهيد في الذكرى أراد هذا فيما حكاه عن موضع من الخلاف من أنه لا خلاف بين أهل العلم في أن أصحاب الأعذار إذا أدرك أحدهم قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة لزمه العشاء الآخرة ، وقال فيما حكى عن المبسوط بعد أن ذكر أن وقت الضرورة يمتد في المغرب إلى ربع الليل ، وفي العشاء الآخرة إلى نصف الليل ، وفي أصحابنا من قال إلى طلوع الفجر قال : « إذا لحق قبل الفجر مقدار ما يصلى ركعة أو أربع ركعات صلى العشاء الآخرة ، وإذا لحق مقدار ما يصلى خمس ركعات صلى المغرب معها استحبابا ، وانما يلزمه وجوبا إذا لحق قبل نصف الليل بمقدار ما يصلى فيه أربع ركعات أو قبل أن يمضي ربعه مقدار ما يصلى معه ثلاث ركعات » والموجود فيما حضرني من نسخته « فأما من يجب عليه القضاء من أصحاب الأعذار والضرورات فانا نقول هاهنا عليه القضاء إذا لحق قبل الفجر » إلى آخر ما سمعت ، وهي كما ترى ، وقال المصنف في المعتبر : « وقت الضرورة في العشاء من النصف إلى طلوع الفجر ».

وكيف كان فالقول به لا يخلو من قوة ، لقول الصادق عليه‌السلام في الصحيح (١) : « إن نام الرجل ولم يصل صلاة العشاء والمغرب أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلي كلتيهما فليصلهما ، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة » وخبر عبد الله بن سنان (٢) « إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر ، وإن طهرت من آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء » ونحوه خبرا الدجاجي (٣) وعمر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ الحديث ١١ وفي الوسائل « الزجاجي » كما في الاستبصار ولكن في النسخة الأصلية من الإستبصار المقروة على شيخنا الحجة المجلسي عليه الرحمة « الدجاجي » كما أشير إليه في الاستبصار ج ١ ص ١٤٣ في التعليقة (١) من طبعة النجف.

١٥٧

ابن حنظلة (١) مؤيدا بخبر عبيد بن زرارة المتقدم (٢) « لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ، ولا صلاة الفجر حتى يطلع الشمس » وحمل هذه النصوص على الاستحباب كما سمعته من المبسوط لا شاهد عليه ، نعم ربما قيل بالاقتصار على مضامينها من غير تجاوز إلى مطلق المضطر والمعذور فضلا عمن أخر ذلك عمدا ، اللهم إلا أن يقال بمعونة ما سمعته من نفي الخلاف من الشيخ وخبر عبيد ، وملاحظة ما ورد في غيره من المضطرين بناء على القول به ، واستبعاد التوقيت لخصوص بعض الأحوال ، ولما سمعته من مذهب أهل الاضطرار في غير المقام ، ونحو ذلك يقوى الظن بعدم الفرق بين المضطرين ، بل يقوى أنه لو أخر عمدا أيضا يصلي أداء كما سمعته سابقا من القائلين بالاضطرار.

بل ربما يستفاد من جملة من نصوص الانتصاف المشتملة على دعاء الملك على النائم بعدم رقود عينيه (٣) وعلى أنه يصبح صائما عقوبة له (٤) ونحو ذلك كراهية التأخير إلى ما بعد الانتصاف كراهية شديدة ، لغلبة التعبير بنحو ذلك عن المكروهات ، ومن هذا وغيره يظهر لك وجه ما عرفته من القول السابق الذي قلنا إنا لم نتحقق قائله.

لكن ومع ذلك كله فالحكم من أصله لا يخلو من إشكال ، لمعارضة هذه النصوص ـ بعد ضعف سند الأخير منها ، واحتمال إرادة دخول وقت صلاة الليل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ و ٧ والباب ٢٩ ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

١٥٨

وفواتها منه ، كاحتمال إرادة القضاء من أخبار الحائض (١) خصوصا بناء على المضايقة ، واحتمال الصحيح الأول ما قبل النصف وإن كان بعيدا جدا ـ بما دل (٢) على أن لكل صلاة وقتين ، الظاهر في نفي الثالث ، ودعوى أن هذا ليس من التوقيت بل هو رخصة لخصوص هؤلاء ـ ولذا لا يجوز تعمد التأخير إليه إجماعا ، ولو كان وقتا مضروبا كالوقتين لجاز التأخير إليه مثلهما ، يدفعها أنه لا معنى للتوقيت إلا صحة الفعل فيه أداء ولو في بعض الأحوال ، فكونه لا يجوز التأخير إليه عمدا لا ينافي وقتيته ، كما هو ظاهر القائلين بأن الوقت الثاني في غيره للمضطرين ، فإنهم لا يجوزون التأخير إليه عمدا وإن كان هو وقتا عندهم ، نعم هو كذلك عند خصوص القائلين بأن الثاني إجزائي. وبالآية والنصوص (٣) المتكثرة التي جعلت الغاية النصف ، بل في المرفوعة (٤) منها التصريح بالقضاء لمن نام عن صلاة العشاء إلى النصف ، وفي‌ خبر سهل بن المغيرة (٥) « أنه يصبح صائما عقوبة له » ودعوى إرادة ما يتناول الأداء من القضاء فيها لا شاهد لها ، مضافا إلى موافقة تلك النصوص للفقهاء الأربعة كما حكاه في الروض عنهم ، وإن اختلفوا في أنه وقت اختيار أو اضطرار ، فظهر حينئذ ضعفها عن مقاومة تلك الأدلة من وجوه.

ومن هنا جزم في الرياض تبعا لغيره من المحققين بعدم العمل بها ، بل لعله ظاهر كل من اقتصر على النصف وما دونه في الغاية من الأصحاب ، وهم الأكثر ، ومنه ينقدح حينئذ مضعف آخر لهذه النصوص ، وهو الإعراض ، إذ الذي عمل بها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ و ١١ و ١٣ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ و ٤ و ٦ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة لكن رواه عن عبد الله بن المغيرة وهو الصحيح.

١٥٩

آحاد من بعض الأعصار على وجل وريبة ، فلا ريب أن الأحوط عدم التعرض لنية الأداء والقضاء ، كما أن الأحوط عدم التأخير عما بعد النصف إلى الصبح وإن قلنا بالمواسعة في القضاء.

وأما الصبح فقد عرفت أوله سابقا ، كما أنك عرفت في أول البحث ما يدل على امتداده للمختار إلى طلوع الشمس ، كما هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا شهرة عظيمة ، بل قد عرفت دعوى أبي المكارم وتلميذه الإجماع التي يشهد لها التتبع ، وهو الحجة ، مضافا إلى ما تقدم من تلك النصوص عموما وخصوصا ، بل قد تضمن جملة منها كخبر الأصبغ (١) وموثق الساباطي (٢) « انه متى أدرك ركعة وجبت الصلاة تامة » وإن كان في دلالته على المطلوب نظر ، إذ للخصم تسليمه مع تخصيصه بصورة الاضطرار ، واحتمال التمسك بإطلاقها يدفعه أنه لا بد من حمل هذه النصوص على إرادة الاضطرار ، ضرورة عدم جواز التأخير إلى مقدار الركعة اختيارا عند القائلين بامتداد وقت الإجزاء ، لظهور الأدلة في فعل تمام الصلاة في الوقت لا بعضها ، مع إشعار لفظ « أدرك » في الاضطرار ، نعم الظاهر تناولها للمؤخر عمدا ، فيصلي حينئذ أداء وإن أثم بالتأخير ، فلا تدل حينئذ على التوسعة اختيارا إلى طلوع الشمس ، اللهم إلا أن يدعى ظهورها في أن المشروع للاضطرار تنزيل خارج الوقت منزلة الوقت بسبب إدراك الركعة ، فيعلم منه أن إدراك الركعتين قبل طلوع الشمس إدراك لها في وقتها ، بل ذلك كاد يكون صريح قوله : « من الوقت » فيه ، فتأمل جيدا.

على أنا في غنية عن ذلك كله بما عرفت من الأدلة السالمة عن معارض معتد به ، إذ ليس هو إلا‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيحي ابن سنان (٣) والحلبي (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

١٦٠