جواهر الكلام - ج ٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والميسي فيما حكي عنهما ، وربما يومي اليه خبر أبان بن تغلب (١) وخبر محمد بن شريح (٢) بل لعله ظاهر كل ما دل على اعتبار ذهاب الحمرة من المشرق ، ضرورة إرادة ربع الفلك منه ، فيعتبر حينئذ ذهابها منه تماما من غير فرق بين ما يكون أمام المستقبل أو على جانبه ، ولا ريب في أنه أحوط ، بل لعل الاحتياط التأخير أيضا في بعض أيام الغيم عن ذهاب الحمرة التي تعلو ما كان منه في جانب الشرق إذا احتمل أنها من شعاع القرص ، والله أعلم.

هذا كله فيما يتحقق به زوال الشمس وغروبها وذكر مواقيت الصلوات على الاجمال ، أما التفصيل فالمشهور نقلا كما في المفاتيح وعن غيرها وتحصيلا أن لكل صلاة وقتين ، بل الظاهر انه مجمع عليه ، بل عن ناصريات المرتضى دعواه عليه وإن قيل إنه حكى القاضي عن بعض أصحابنا قولا بأن للمغرب وقتا واحدا عند الغروب ، لصحيح الشحام (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت المغرب فقال : إن جبرئيل عليه‌السلام أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكل صلاة بوقتين غير صلاة المغرب ، فان وقتها واحد ، وإن وقتها وجوبها » وصحيح أديم بن الحر (٤) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن جبرئيل أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصلوات كلها ، فجعل لكل صلاة وقتين إلا المغرب ، فإنه جعل لها وقتا واحدا » وعن الكافي (٥) انه رواه زرارة والفضيل ، قالا : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : إن لكل صلاة وقتين غير المغرب ، فان وقتها واحد ، ووقتها وجوبها ، ووقت فوتها سقوط الشفق » وغيرها من النصوص.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

١٢١

إلا أنه قول نادر بين الطائفة مجهول القائل يجب على الفقيه طرحه وعدم الالتفات اليه إن أراد باتحاد وقتها عدم وقت آخر لها في جميع الأحوال الاختيارية والاضطرارية ، إذ هو ـ مع مخالفته لخصوص ما دل على تثنية الوقت للمغرب كخبر ذريح (١) ولعموم ما دل عليها لكل صلاة الذي يقصر حكم هذا الخاص عليه بسبب اعتضاده بظاهر الكتاب والسنة والفتاوى وغيرها ـ مخالف لخصوص المستفيضة أو المتواترة الدالة على صحة فعلها في الجملة بعد الوقت المزبور ، بل وكذا إن أريد بالاتحاد المذكور عدم اتساع الوقت الأول الذي هو للفضيلة أو للمختار ، وانه ليس إلا مقدار أدائها من أول الغروب ، إذ ظاهر النصوص والفتاوى أيضا امتداده إلى ذهاب الحمرة المغربية المسماة بالشفق ، ففي‌ خبر إسماعيل بن جابر (٢) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن وقت المغرب قال : ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق » وفي‌ خبر إسماعيل بن مهران (٣) عن الرضا عليه‌السلام « ان وقت المغرب ضيق ، وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى البياض في أفق المغرب » إلى غير ذلك من النصوص التي مرت عليك بعضها ، ويمر عليك آخر إن شاء الله.

نعم لا سعة فيه كالظهرين لما عرفته من أن ابتداء زوال القرص أو ذهاب الحمرة المشرقية إلى ما يسامت الرأس ، وآخره ذهاب الشفق ، قال الكليني في الجمع بين روايتي الاتحاد والتثنية في المغرب : « أنه لأن المغرب يحصل بذهاب الحمرة إلى ما يسامت الرأس ، والشفق هو الحمرة المغربية ، وليس بين هذين الذهابين إلا قدر ما يصلى المغرب ونوافلها بتؤدة ، وقد تفقدت ذلك غير مرة » قيل ولذا تجوز في التعبير عنه بالاتحاد ، وهو جيد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٩ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

١٢٢

بناء على أن متعلق التثنية في غيرها الفضيلي كما يومي اليه بعض النصوص المتضمنة لمجي‌ء جبرئيل (ع) بالوقتين كي يصح حينئذ استثناؤها بالخصوص من هذا الحكم لا هو والاجزائي كما هو ظاهر الفتاوى ، بل هو صريح بعضهم ، ومن هنا قال الأستاذ الأكبر بعد نقله الكلام المزبور عن الكليني : قضية قوله هذا أن المغرب بعد سقوط الشفق لا وقت لها أصلا كما سننقله عن الخلاف وغيره ، وأما على طريقة الأصحاب فلا يتمشى هذا التوجيه ، لأن المغرب وقتا بعد سقوط الشفق قطعا ، سواء قلنا إنه وقت إجزاء أو اضطرار ، إلا أن يقال : إن سائر الصلوات لها ثلاث أوقات : وقت الفضيلة ووقت الاجزاء ووقت الاضطرار ، بخلاف المغرب ، فان لها وقتين : وقت الفضيلة والاجزاء ، وكان وقت الاضطرار ليس بوقت حقيقة ، قلت : وهو كما ترى بعيد مخالف لظاهر الأكثر ، ولعله لذا حمل بعضهم هذه النصوص على استحباب المبادرة إلى فعلها ، وهو غير الأول ، لكن فيه أنه لا وجه حينئذ لاستثنائها من بين الفرائض ، ضرورة اشتراك الكل في هذا المعنى ، اللهم إلا أن يراد أنها أشد من غيرها طلبا بالنسبة إلى إيقاعها في الفضيلي من الوقتين ، وان إرادة المبادرة إليها بالسرعة إلى أدائها آكد من غيرها باعتبار ضيق وقتها الفضيلي وعدم سعته.

وكيف كان فالأمر سهل بعد وضوح الحال لديك ، انما الكلام في تحديد أواخر أوقات الصلوات ، إذ قد عرفت مبتدأة فيها جميعها ، والتحقيق امتداده للمختار في الظهرين إلى غروب الشمس ، بناء على الاشتراك ، وإلا فالظهر خاصة إلى ما قبله بأربع ركعات ، وفي العشاءين إلى انتصاف الليل كذلك ، وفي الصبح إلى طلوع الشمس كما هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا قديما وحديثا فتوى وعملا من السواد والعلماء ، بل استقر المذهب عليه في هذه الأزمنة ، بل ستعرف أن الخلاف فيه لفظي وإن توهم أنه معنوي ، بل في الغنية وعن السرائر الإجماع عليه ، بل عن الناصريات‌

١٢٣

ذلك أيضا في الجملة ، للأصل في وجه ، وقوله تعالى (١) ( أَقِمِ الصَّلاةَ ) سواء فسر الدلوك بالزوال كما هو مستفاد من النصوص (٢) بل حكي عن تصريح جماعة من أهل اللغة أيضا ، بل في الذخيرة أن أكثر التابعين والمفسرين عليه ، ونحوه في التنقيح ، فيكون حينئذ دالا على التوسعة المزبورة في الأربع بناء على أن الغسق النصف لا أول الظلمة ، وإلا كان دالا على الظهرين خاصة ، وعلى كل حال فالمراد الدلالة ولو بضميمة عدم القول بالفصل المحكي عن المنتهى ، إذ لا مجال لاحتمال انتهاء الوقت مثلا بالمثلين ، لعدم صدق توسعة الوقت للمجموع حينئذ من الدلوك إلى غسق الليل ، ضرورة توقفه على قابلية تمام الوقت لواحدة من أجزاء المجموع ، وهو لا يكون في الظهرين مثلا إلا بتوسعتهما معا أو العصر خاصة إلى المغرب ، ويتم بعدم القول بالفصل ، أو فسر بالغروب ، لدلالته حينئذ على التوسعة في المغرب والعشاء أو الأخير خاصة من غير تقييد بالضرورة ، هذا كله مع قطع النظر عن ملاحظة تفسيره بما في‌ صحيحي زرارة (٣) وعبيد ابنه (٤) عن الباقر وولده الصادق عليهما‌السلام قال في الثاني منهما : « ان الله افترض أربع صلوات أول وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل ، منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه ».

والنصوص المستفيضة بل هي متواترة معنى في الدلالة على ذلك ، منها ما ورد في أفضلية الوقت الأول الظاهر في جواز غيره ، وإن كان فيه ترك الأفضل ، والدال منها‌

__________________

(١) سورة الإسراء ـ الآية ٨٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ و ٤ و ١٠ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

١٢٤

على المطلوب على اختلافها في الدلالة يقرب من اثني عشر خبرا ، بل في بعضها التصريح بذلك ، كصحيح زرارة (١) قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : أحب الوقت إلى الله عز وجل أوله حين يدخل وقت الصلاة ، فصل الفريضة ، فان لم تفعل فإنك في وقت منهما حتى تغيب الشمس » وما في وافي الكاشاني من أنه لا دلالة لأن ما يفعله المختار أفضل مما يفعله المضطر أبدا ، وكما أن العبد بقدر التقصير متعرض للمقت من مولاه كذلك بقدر حرمانه عن الفضائل مستوجب للبعد عنه ، نعم إذا كان الله هو الذي عرضه للحرمان فلا يعاقبه عليه ، لأن ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر ـ بعد الإغضاء عما في دعوى أفضلية فعل المختار على المضطر مع عدم زيادة له اختيارية ، بل هو محض اتفاق اختص به عن المضطر الذي كان اضطراره من أمر سماوي مثلا ، وعما في تشبيهه الحرمان بالتأخير ـ يدفعه انه خلاف ظاهر إطلاق الأفضلية المقتضية اتحاد حالتي المكلف كما في غيره من المستحبات ، على أن الغرض من هذه النصوص الحث والترغيب في فعل الصلاة في الوقت الأول من حيث أن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في الوقت الآخر ، ولا يتصور ذلك في شأن المعذور ، لأن عذره يمنعه عن إدراك الوقت الأول ، فلا ريب حينئذ في بعد الاحتمال المزبور.

كما ان احتمال إرادة أول الوقت من الأفضلية المزبورة ـ ضرورة اتساع الوقت الأول في الجملة ، لإتمام الوقت الأول بالنسبة إلى الآخر الذي هو الاجزاء عند المشهور كما يومي اليه التعليل في بعضها (٢) بمحبة الله تعالى من الخير ما يعجل ، ونحوه ، بل يشهد له أيضا إضافة الأول إلى الوقت في بعضها لا وصف الوقت به كي يراد به الأفضلية بالنسبة إلى الوقت الآخر ليثبت المطلوب ، بل قد يشهد له نصوص (٣) إشارة جبرئيل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ و ٨ و ١٢ من كتاب الصلاة.

١٢٥

على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأوقات ، ضرورة ظهورها خصوصا بمعونة خبر زرارة (١) منها المشتمل على اختلافه مع حمران في إرادة ما جاء به للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اليوم الأول بالوقت الأول ، وما جاء به في اليوم الثاني بالوقت الثاني ، وهو انما جاءه في اليوم الأول حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ، وفي اليوم الثاني حين زاد الظل قامة ، والعصر في اليوم الأول بثاني وقت الظهر ، وفي اليوم الثاني حين زاد الظل قامتين ، والمغرب في اليومين بوقت واحد ، والعشاء عند سقوط الشفق وعند ذهاب ثلث الليل ، والصبح حين طلوع الفجر وحين تنوره ، ثم قال : ما بينهما وقت ، ونحوه غيره ، لكن بإبدال القامة بالذراع ، وآخر مع إبدال القامة والقامتين بالقدمين والأربعة ـ يدفعه ملاحظة النصوص ، خصوصا المتضمنة تثنية الوقت للصلاة ، وان أفضلهما أولهما ، والتعليل بمحبة الله التعجيل كما ينطبق على أول الوقت الأول بالنسبة إلى آخره وغيره من الأوقات ينطبق أيضا على تمامه بالنسبة إلى الوقت الثاني ، فيستفاد منه حينئذ الحث على المواظبة على أوائل الأوقات والأوقات الأوائل كما اعترف به الكاشاني في الوافي ، فلا تنافي الإضافة حينئذ أيضا ، لظهورها أيضا في مفضولية غير أول الوقت الأول وغيره من أوائل الوقت الثاني وغيره ، كما يشهد له‌ صحيح زرارة (٢) قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلحك الله وقت كل صلاة أول الوقت أفضل أو وسطه أو آخره ، فقال : أوله ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن الله يحب من الخير ما يعجل ».

على أن بعض النصوص التي أضيف الأول فيها إلى الوقت يمكن كونها من إضافة الصفة إلى موصوفها ، بل ربما كان فيه ما يشهد لذلك كخبر عبد الله بن سنان (٣) عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت الحديث ١٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت الحديث ١٣ من كتاب الصلاة.

١٢٦

أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سمعته يقول : لكل صلاة وقتان ، وأول الوقت أفضله ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا في عذر من غير علة » وأخبار إشارة جبرئيل لا دلالة فيها على تحديد أواخر الأوقات الأواخر ، بل أقصاها تحديد أواخر الأوائل بأوائل الأواخر ، على أن الخصم يوافق على سعة الوقت للمضطر ، ومن هنا قال بعض من وافقهم على تثنية الوقت للمختار والمضطر لا للفضل والاجزاء بعد ذكره هذه النصوص : انما اقتصر فيها على بيان أوائل الأوقات ولم يتعرض لأواخرها ، لأن أواخر الأوقات الأوائل تعرف من أوائل الأوقات الأواخر ، وأواخر الأواخر كانت معلومة من غيرها ، أو نقول لم يؤت للأواخر بتحديد تام ، لأنها ليست بأوقات حقيقية ، وانما هي رخص لذوي الأعذار كخارج الأوقات لبعضهم ، وانما أتي بأوائلها ليتبين بها أواخر الأوائل التي كان بيانها من المهمات ، وأهمل أواخرها لأنها تضييع للصلاة كما يأتي في الأخبار ، وعلى الثاني لا خفاء في قوله (ع) : « وما بينهما وقت » أو « ما بين هذين الوقتين وقت » وأما على الأول فلا بد من تأويل بأن يقال يعني بذلك أن ما بينهما وبين نهايتهما وقت ، وبالجملة لا تستقيم هذه الأخبار إلا بتأويل ، وهو في غاية الجودة ، وان كان احتماله الثاني فيه ما لا يخفى.

ومنها مرسل داود بن فرقد المتقدم سابقا (١) ومنها‌ خبر معمر بن يحيى (٢) قال : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : وقت العصر إلى غروب الشمس » ومنها‌ خبر عبيد بن زرارة (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت الظهر‌

__________________

(١) ذكر صدرها في الوسائل في الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ وذيلها في الباب ١٧ منها ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٣ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

١٢٧

والعصر فقال : إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين الظهر والعصر جميعا إلا أن هذه قبل هذه ، ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس » ومنها‌ خبره الآخر (١) عن الصادق عليه‌السلام « إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلا أن هذه قبل هذه » ومنها‌ خبر داود الصرمي (٢) قال : « كنت عند أبي الحسن الثالث عليه‌السلام يوما فجلس يحدث حتى غابت الشمس ثم دعا بشمع وهو جالس يتحدث ، فلما خرجت من البيت نظرت وقد غاب الشفق قبل أن يصلي المغرب ، ثم دعا بالماء فتوضأ وصلى » ومنها‌ خبرا عمر بن يزيد (٣) قال في أحدهما : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أكون مع هؤلاء وأنصرف من عندهم عند المغرب ، فأمر بالمساجد فأقيمت الصلاة فإن أنا نزلت أصلي معهم لم أتمكن من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة ، فقال : ائت منزلك وانزع ثيابك ، وإن أردت أن تتوضأ فتوضأ وصل ، فإنك في وقت إلى ربع الليل » ومنها‌ صحيح زرارة (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس » ومنها ما دل (٥) على جواز تأخير الصائم الصلاة في الصورتين المشهورتين ، ومنها‌ الموثق أيضا (٦) عن الصادق عليه‌السلام « لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ، لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٤ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٠ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ و ١١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب آداب الصائم ـ من كتاب الصوم.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

١٢٨

ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر » وخبر ربعي (١) عن الصادق عليه‌السلام « إنا لنقدم ونؤخر ، وليس كما يقال من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك ، وانما الرخصة للناسي والمريض والمدنف والمسافر والنائم » بناء على انه كله من مقول القول المنفي ، ومنها النصوص (٢) المتضمنة تحديد العشاء إلى نصف الليل ، إلى غير ذلك من النصوص المروية في الكتب المعتبرة المنجبرة بالفتوى والعمل التي منها الواردة في الحائض (٣) وغيرها الممنوع إرادة الخصوصية منها للعذر كما لا يخفى على من لاحظها وسياقها ، ومنها‌ خبر أبي بصير (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لولا أني أخاف أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل ، وأنت في رخصة إلى نصف الليل ، وهو غسق الليل ، فإذا مضى الغسق نادى ملكان من رقد عن صلاة المكتوبة فلا رقدت عيناه » وخبره الآخر (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « لو لا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى نصف الليل » والمرسل (٦) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « إذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى نصف الليل » والآخر (٧) عن أبي جعفر عليه‌السلام « ملك موكل يقول من نام عن العشاء الآخرة إلى نصف الليل فلا أنام الله عينيه » وفي‌ خبر عبيد بن زرارة (٨) عنه عليه‌السلام أيضا « وقت الصلاتين إلى نصف الليل » إلى غير ذلك من النصوص‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ و ٤ و ٦ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ الحديث ٧ و ١٠ و ١١ و ١٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٤ من كتاب الصلاة.

١٢٩

التي هي أكثر من أن تحصى ، وفي كثير منها (١) الدلالة على عدم اعتبار ذهاب الشفق المغربي في وقت العشاء ، كما ان في جملة منها التصريح بذلك ، كخبر زرارة (٢) « سألت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما‌السلام عن الرجل يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق فقال : لا بأس » وغيره مما ستسمعه إن شاء الله.

ولكن مع ذلك كله قال آخرون وهم الشيخ في المبسوط والمحكي عن خلافه وجمله وسلار في المراسم وابن حمزة في الوسيلة والقاضي ما بين الزوال حتى يصير ظل كل شي‌ء مثله وقت للظهر للمختار ، وللعصر من حين يمكن الفراغ من الظهر حتى يصير الظل مثليه للمختار أيضا دون المعذور والمضطر ، فيمتد الوقت لهما إلى الغروب ، قال في المبسوط : « والأعذار أربعة أقسام : السفر والمطر والمرض وأشغال يضر به تركها في باب الدين أو الدنيا ، والضرورات خمسة : الكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ والحائض إذا طهرت والمجنون إذا أفاق وكذلك المغمى عليه » والأولى تفسير الضرورة بما لا يتمكن معه من الصلاة في الوقت الأول ، والعذر ما تضمن جلب نفع أو دفع ضرر ، سواء تعلق بأمر الدين أو الدنيا ، لأصالة عدم كون غير الوقت المزبور وقتا للمختار المقطوعة ببعض ما سمعته فضلا عن جميعه ، ول‌ صحيح ابن سنان (٣) عن الصادق عليه‌السلام في حديث « لكل صلاة وقتان ، وأول الوقتين أفضلهما ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا ، ولكنه وقت من شغل أو نسي أو سهى أو نام ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر أو علة » ونحوه صحيحه الآخر (٤) عنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٣ من كتاب الصلاة وفيه‌ « إلا في عذر من غير علة » كما تقدم في ص ١٢٧.

١٣٠

عليه‌السلام مع حذف قوله عليه‌السلام : « ولا ينبغي » إلى قوله عليه‌السلام : « وليس » منه ، والنبوي (١) الذي أرسله الصدوق عن الصادق عليه‌السلام أيضا « أوله رضوان الله ، وآخره عفو الله ، والعفو لا يكون إلا عن ذنب » وخبر الساباطي (٢) المروي عن المجالس عنه عليه‌السلام أيضا في حديث « ومن صلاها بعد وقتها من غير علة فلم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة ، وهي تهتف به ضيعتني ضيعك الله كما ضيعتني ، ولا رعاك الله كما لم ترعني » والمروي (٣) عن تفسير علي بن إبراهيم مرسلا عن الصادق عليه‌السلام في قول الله عز وجل (٤) ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) قال : « تأخير الصلاة عن أول الوقت لغير عذر » إلى غير ذلك ، بناء على أن المراد بأول الوقت الوقت الأول ، وانه للظهر بلوغ الظل المثل ، وللعصر المثلين ، لصحيح أحمد (٥) « سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب قامة للظهر ، وقامة للعصر » وزرارة (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت الصلاة الظهر في القيظ فلم يجبني ، فلما أن كان بعد ذلك قال لعمرو بن سعيد بن هلال : إن زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أخبره فحرجت من ذلك ، فاقرأه مني السلام وقل له : إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر ، وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر » وخبر محمد بن حكيم (٧) قال : « سمعت العبد الصالح عليه‌السلام وهو يقول : إن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٦ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٧ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٠ من كتاب الصلاة.

(٤) سورة الماعون ـ الآية ٤ و ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٠ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة وفيه « قال لعمر بن سعيد » وهو سهو والصحيح لعمرو بن سعيد كما في الاستبصار.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٧.

١٣١

أول وقت الظهر زوال الشمس ، وآخر وقتها قامة من الزوال ، وأول وقت العصر قامة ، وآخر وقتها قامتان ، قلت : في الشتاء والصيف سواء قال : نعم » وأحمد بن عمر (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « سألته عن وقت الظهر والعصر فقال : وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة ، ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين » وموثق معاوية بن وهب (٢) المتضمن إشارة جبرئيل بالأوقات ، وأما الامتداد للعذر فلبعض ما ورد (٣) في الحائض إذا طهرت قبل المغرب ، وقوله عليه‌السلام فيما تقدم : « من غير عذر وعلة » وإطلاق باقي النصوص المنزلة على ذلك بعد معارضتها بما سمعت.

وفيه ـ مع قصور أدلته عن المقاومة لبعض ما عرفت فضلا عن جميعه سندا وعددا ودلالة وسماحة وسهولة ، وموافقة الكتاب ، ومخالفة للعامة العمياء ، والشهرة العظيمة فتوى وعملا التي كادت تكون إجماعا ، بل عرفت دعواه من المرتضى والحلبي والحلي فيما حكي عنهم ، وغير ذلك ، ومع الإغضاء عن معارضتها بأخبار الأذرع والأقدام ـ انه لا دلالة في صحيحه الأول ، بل في الأفضلية المذكورة فيه ولفظ « لا ينبغي » ظهور في عدمه ، واحتمال إرادة عدم الجواز منه لا المرجوحية بقرينة قوله : « وليس » فيه بأولى من العكس ، بل لعله هو قرينة على صحيحه الآخر وإن لم يكن فيه إلا لفظ « ليس » والمنساق إلى الذهن من مرسل الصدوق لو قلنا بأن تتمته من الامام لا من الصدوق إرادة المبالغة في مرجوحية التأخير لا المعصية التي يستحق عليها العذاب ، وانه بحيث يستحق إطلاق اسم الذنب عليه كما ورد (٤) في ترك النافلة أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١.

١٣٢

معصية ، فالعفو حينئذ لترك الأولى كما في قوله تعالى (١) ( عَفَا اللهُ عَنْكَ ) والذنب له أيضا كما في قوله تعالى (٢) أيضا ( لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) قيل : ويمكن حمل الحديث على إرادة السببية للرضوان والعفو ، بناء على قاعدة التكفير كما ذهب إليه أصحابنا ، فلا يكون حجة لهذا القول ، بل يكون بالدلالة على خلافه أشبه ، ضرورة كون المراد حينئذ منه أن الصلاة في أول الوقت سبب لرضوان الله من العبد وتكفير المعاصي ، وفي آخره ليست إلا سببا للعفو عن المعاصي التي اقترفها العبد سابقا ، ولا يترتب عليها رضوان ، مضافا إلى ما ستسمعه من التهذيب ، وإلى أنه لا جابر له ، كخبر المجالس المحتمل لإرادة ما خرج من الوقت من قوله عليه‌السلام : « بعد » فيه ولترتب ما ذكر فيه على عدم إقامة الحدود ، على أن بعض ما ورد في المرجوحات أعظم من ذلك ، ومرسل علي بن إبراهيم مع عدم الجابر له وورد مثله في بعض المكروهات قد يراد به من يعتاد تأخيرها تساهلا بأمرها واستخفافا بما وعد لها وتوعد عليها ، كل ذلك بعد الإغضاء عما في إرادة مقدار المثل من أول الوقت ، وعن غيره مما هو واضح ، وصحيح أحمد ـ مع ابتنائه كغيره من أخبار القامة على إرادة المثل والمثلين المخالف لظاهر ما دل على أنها الذراع والذراعان ـ لا دلالة فيه على أن ذلك لفضيلته أو لاختيارية ، وخبر زرارة ـ مع أن سنده ليس بتلك المكانة ، لأن الناقل له عمرو بن سعيد ، ودال على الأمر بوقوع الصلاة بعد بلوغ المثل لا أنه الغاية كما هو المدعى ، وفيه تأخير البيان عن وقت الحاجة أو السؤال ـ خاص بالقيظ ، والظاهر أنه صدر منه عليه‌السلام ذلك تفسيرا للإيراد الوارد بها كما يومي اليه‌ خبر زرارة (٣) المروي عن كتاب الكشي‌

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٤٣.

(٢) سورة الفتح ـ الآية ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣١ من كتاب الصلاة.

١٣٣

قال : « دخل زرارة على أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنكم قلتم لنا صلوا الظهر والعصر على ذراع وذراعين ، ثم قلتم أبردوا بها في الصيف ، فكيف الإبراد بها؟ وفتح الراحة ليكتب ما يقول فلم يجبه أبو عبد الله عليه‌السلام بشي‌ء ، فأطبق الراحة فقال : إنما علينا أن نسألكم وأنتم أعلم بما عليكم ، وخرج ودخل أبو بصير على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : إن زرارة سألني عن شي‌ء فلم أجبه وقد ضقت من ذلك فاذهب أنت رسولي إليه ، فقل له : صل الظهر في الصيف إذا كان ظلك مثلك ، والعصر إذا كان مثليك ، وكان زرارة هكذا يصلي في الصيف ، ولم أسمع أحدا من أصحابنا يفعل ذلك غيره وغير ابن بكير » وهو ظاهر في أن زرارة لم يكن مراده بسؤاله حد الإجزاء لصلاة الظهر ، وفي هذا الخبر دلالة على تفسير الأمر بالإبراد الوارد في بعض النصوص (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما عرفت ، خلافا للمحكي عن الصدوق من تفسيره بإرادة الاستعجال بها من البرد ، وخبرا محمد وأحمد ـ مع ما فيهما أيضا من بعض المناقشات السابقة ومخالفتهما لما يقوله الخصم ـ لا صراحة فيهما ، بل ولا ظهور في الاختياري خاصة ، بل إرادة الفضيلي منهما أولى من وجوه ، وكذا خبر إشارة جبرئيل عليه‌السلام مع دلالته على الفعل بعد القامة ، وأما قوله عليه‌السلام فيه : « وما بينهما وقت » مشعرا بعدم الوقت في غيره لا بد من تأويله عندنا وعند الخصم ، وحمله على الفضيلة أولى من الاضطرار كما هو واضح.

كل ذلك مع ما في تعداده العذر والضرورة من الإجمال الذي لا ينبغي توقيت مثل الصلاة به ، بل لو أنصف المتأمل فيما ورد من النصوص الدالة على جواز التأخير لأحد أفراد العذر والضرورة لعلم منه نفسه فضلا عن غيره أن ذلك وقت للصلاة أيضا ، إلا أنه لشدة أمرها وأنها عمود الأعمال لا ينبغي تأخيرها عن وقتها الفضيلي إلا لعذر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ و ٤ من كتاب الصلاة.

١٣٤

أو ضرورة. لا أن الوقت قد انقضى ، وهذا توقيت آخر لهذا الصنف من المكلفين ، وإلا لوجب على الشارع تفسير العذر والضرورة التي يسوغ تأخير الصلاة لأجلها ، وتحديد الوقت وضبطه ، ولشاع ذلك وذاع ، لتكرر الصلاة وعظم أمرها ووجود الداعي لمعرفة مواقيتها ، لا أنه يكتفي في ذلك بمثل هذه العبارات المجملة التي لا يكتفى فيها بالنسبة إلى الأقل من الصلاة فضلا عنها ، بل المستفاد من الأخبار الاكتفاء بأدنى عذر في التأخير ، فعند التأمل الصادق ذلك هو الدليل على المطلوب ، لأن مطلق الواجب فضلا عن الصلاة لا يسوغ تفويته إلا لضرورة ، بل ظني أن المخالف مراده ذلك أيضا ، وإن عبر بما يقرب من مضامين النصوص لقدمه ومعروفية التعبير في تلك الأوقات بمثل ذلك.

ويؤيده ما في التهذيب قال : « إذا كان أول الوقت أفضل ولم يكن هناك منع ولا عذر فإنه يجب فعلها فيه ، ومن لم يفعلها فيه استحق اللوم والتعنيف ، وهو مرادنا بالوجوب ، ولم نرد به هاهنا ما يستحق بتركه العقاب ، لأن الوجوب على ضروب عندنا منها ما يستحق تاركه العقاب ، ومنها ما يكون الأولى فعله ولا يستحق بالإخلال به العقاب وان كان يستحق به ضرب من اللوم والعتب » وقال في المبسوط في آخر الفصل : « إن الوقت الأول أفضل من الوسط والآخر غير انه لا يستحق عقابا ولا ذما وإن كان تاركا فضلا إذا كان لغير عذر » ومن العجيب بعد ذلك نسبة هذا القول إلى الشيخ في جميع كتبه ، وقال فيما حكي من نهايته : « لا يجوز لمن ليس له عذر أن يؤخر الصلاة من أول وقتها إلى آخره مع الاختيار ، فإن أخرها كان مهملا لفضيلة عظيمة وإن لم يستحق العقاب ، لأن الله تعالى قد عفا له عن ذلك » قيل : ونحوه عن القاضي في شرح الجمل ، وقال فيما حكي عن عمل يوم وليلة أيضا : « لا ينبغي أن يصلى آخر الوقت إلا عند الضرورة ، لأن الوقت الأول أفضل » وهي كما ترى صريحة فيما ذكرنا ، ولعل‌

١٣٥

المراد من غيرها ذلك أيضا وإن عبر بلفظ لا يجوز ويجب ونحوهما ، ولقد أجاد الطباطبائي في قوله :

والكل منها فله وقتان

للأول الفضل ويجزي الثاني

حال اختيار والخلاف قد وقع

في ظاهر اللفظ وفي المعنى ارتفع

على أنا لم نقف في النصوص على التصريح بتمام التفصيل المزبور من أنه إلى المثل وقت للمختار وبعده وقت للمضطر والمعذور ، وان العذر والضرورة عبارة عما عرفت ، ولعله لذا كان المحكي عن الخلاف والجمل والقاضي إطلاق تحديد الوقت بالمثل من غير تقييد بالمختار ، وظاهرهما خروجه بذلك مطلقا ، وهو وإن كان أضعف من سابقه إلا أنه ربما يوافقه ظاهر بعض النصوص.

ومن العجيب بعد ذلك كله ترجيح بعض متأخري المتأخرين القول المذكور بصراحة أخباره ، وأنه لا معارض لها إلا الإطلاقات التي يمكن إرادة تحديد مطلق الوقت للمضطر والمختار منها ، ضرورة صدق اسم المجموع وقتا للفريضة بهذا الاعتبار ، كما يشهد له‌ خبر إبراهيم الكرخي (١) « سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام ـ إلى أن قال ـ : فقلت متى يخرج وقت العصر؟ فقال : وقت العصر إلى أن تغرب الشمس ، وذلك من علة ، وهو تضييع » الحديث. إذ أنت خبير أن ذلك متجه لو حصلت المكافاة ، وقد عرفت عدمها من وجوه ، بل يمكن دعوى خروج المسألة من حيز الظنيات ودخولها في قسم القطعيات ، ولقد كان الحري بنا ترك التعرض لسائر الخلافات الواقعة في تحديد الأوقات ، خصوصا بعد ما عرفت من تلك العبارات ، على أنه قليل الفائدة جدا ، إذ هي إما نية الأداء والقضاء ، والحق عندنا عدم لزوم التعرض لهما ، بل لو قلنا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣٠ من كتاب الصلاة.

١٣٦

به فالظاهر عدمه هنا ، لما في المصابيح من أنه لا خلاف في أنه لو صلى المختار في الوقت الثاني كان مؤديا للصلاة إلا من العماني ، وأما العقاب في التأخير فقد قيل أيضا : إنه لا خلاف في سقوطه عنه بالفعل في الوقت الثاني إلا من العماني أيضا ، نعم إن كانت فهي في مجرد استحقاق العقاب بالتأخير وإن عفي عنه وعدمه ، وفيما لو اخترم في الوقت الثاني قبل أدائها ، فيعصي حينئذ عليه دون المختار ، ونحو ذلك ، إلا أنه لما ذكرها المصنف وجب التعرض لها ولو على الإجمال.

وكيف كان فـ ( المماثلة ) المتقدمة المعتبرة غاية للاختيار أو الفضيلة انما هي بين الفي‌ء الزائد وبين ما بقي من الظل الأول عند الشيخ في التهذيب وفخر المحققين فيما حكي عن إيضاحه ، بل نسبه إلى كثير من الأصحاب وإن كنا لم نتحققه وقيل بل بلوغ الفي‌ء الزائد مثل الشخص المنصوب مقياسا للوقت ، والقائل الأكثر كما في المعتبر وجامع المقاصد وعن غيرهما ، بل المشهور كما في الذكرى وكشف اللثام والمصابيح‌ للنبوي المرسل (١) الذي رواه العلامة على ما قيل قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « جاءني جبرئيل عليه‌السلام عند الباب مرتين ، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس ، وصلى بي العصر حين كان كل شي‌ء بقدر ظله ، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان كل شي‌ء بقدر ظله ، وصلى بي العصر حين كان ظل كل شي‌ء مثليه ، ثم التفت إلى فقال : يا محمد (ص) هذا وقت الأنبياء من قبلك ، والوقت فيما بين هذين الوقتين » ولقوله عليه‌السلام في الموثق (٢) والخبر (٣) السابقين « إذا كان ظلك مثلك » إذ احتمال إرادة ظلك الذي حصل بعد الزيادة مثل ظلك عند انتهاء النقصان كما ترى ، على أنه‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٤ من كتاب الصلاة مع اختلاف يسير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣١ من كتاب الصلاة.

١٣٧

في‌ بعض النصوص (١) « ظل مثلك » بالإضافة ، والاحتمال المزبور فيه ممتنع ، بل هو كذلك في الأول أيضا ، خصوصا بناء على ما قيل من موافقة هذه النصوص للمعتبرة المستفيضة الدالة على تحديد الوقت الأول للظهر بالقامة وللعصر بالقامتين ، كخبر أحمد ابن عمر منها (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام الذي فيه « وقت الظهر إذا زالت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة » الحديث. وخبر يزيد بن خليفة (٣) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال عليه‌السلام : إذن لا يكذب علينا قلت : ذكر أنك قلت : إن أول صلاة افترضها الله عز وجل على نبيه (ص) الظهر ، وهو قول الله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ ) الآية. فإذا زالت لم يمنعك إلا سبحتك ، ثم لا تزال في وقت الظهر إلى أن يصير الظل قامة ، وهو آخر الوقت ، فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر ، فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين ، وذلك المساء » وخبر معاوية بن وهب (٤) المتضمن مجي‌ء جبرئيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمواقيت ، قال فيه : « ثم أتاه حين زاد الظل قامة ، فأمره فصلى الظهر ، ثم أتاه حين زاد الظل قامتين ، فأمره فصلى العصر » وغيرها ، والمراد بالقامة فيها قامة الإنسان كما هو المنساق من لفظ القامة دون قدر الذراع والذراعين وإن ورد تفسيرها به في بعض الأخبار ، كخبر ابن حنظلة (٥) قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : القامة والقامتان الذراع والذراعان في كتاب علي عليه‌السلام » وخبر علي بن أبي حمزة (٦) عنه عليه‌السلام أيضا قال له أبو بصير : « كم القامة فقال ذراع ، إن قامة رحل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٢ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٤ من كتاب الصلاة.

١٣٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت ذراعا » إلا أنه لا تصلح لدفع ذلك الانسباق الحاصل منها في تلك النصوص ، خصوصا مع تضمن الخبر المتقدم أن آخر القامتين هو وقت المساء ، ومع ما‌ في بعض النصوص (١) « ان حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قدر قامة ، وإذا كان الفي‌ء ذراعا صلى الظهر ، وإذا كان ذراعين صلى العصر » والمراد قامة الإنسان قطعا.

فيعلم منه أنه ليس عرفا مشهورا في ذلك الوقت وإن كان ذلك كله لا يخلو من نظر تعرفه ، على أن الشائع في الشاخص الذي يجعل مقياسا لمعرفة الوقت أن يكون قدر ذراع تقريبا ، وقد أشير إليه في بعض النصوص (٢) السابقة في معرفة الزوال ، فلو أريد بالقامة والقامتين الذراع والذراعان كما ورد به التحديد كان مرجع التحديد بهما إلى المثل والمثلين للشخص كما ذكرنا.

ولاستلزام (٣) الأول عدم الوقت مع انعدام الظل وقصره على وجه يقطع بعدمه ، كما لو كان الباقي منه يسيرا جدا لا يسع الفرض فضلا عنه وعن نافلته ، وشدة التفاوت بينه وبين باقي النصوص المستفاد منها تحديد آخر الوقت ، والاختلاف الفاحش في الوقت بحسب اختلاف الباقي في الأزمنة والأمكنة ، وهو ـ مع أنه لا معنى للتوقيت بغير المنضبط ، ولعله لذلك أو غيره قال في فوائد القواعد فيما حكي عنه : إنه قول شنيع ـ مناف لظاهر الأدلة ، ولصريح خبر محمد بن حكيم (٤) المساوي بين الشتاء والصيف ، بل في المصابيح انه لم يقل أحد بالفرق بين الأزمنة في تحديد الأوقات ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٣) لا يخفى ان كلمة « ولاستلزام » عطف على قوله : « للنبوي المرسل » المتقدم في الصحيفة ١٣٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٧ من كتاب الصلاة.

١٣٩

ودعوى رفع الاختلاف المزبور بأن القليل الباقي مثلا في الصيف يساوي الكثير الباقي في الشتاء من جهة البطء والسرعة يشهد الوجدان بخلافها ، مع أنها لا ترفع الاختلاف في الأمكنة كما هو واضح.

ولاستبعاد (١) إرادة الشارع مثل ذلك مع عدم ضبط الباقي الذي قد عرفت اختلافه وعدم التعبير عنه بعبارة صريحة أو ظاهرة كالصريحة فضلا عن التعبير عنه بما عرفت ، ودعوى استفادته مما في بعض النصوص (٢) ـ وكثير من الفتاوى من التقدير بصيرورة ظل كل شي‌ء مثله ، لعود الضمير فيه إلى الظل لا الشي‌ء ، ومن‌ مرسلة يونس (٣) « سألت الصادق عليه‌السلام عما جاء في الحديث ان صل الظهر إذا كانت الشمس قامة وقامتين وذراعا وذراعين وقدما وقدمين من هذا ومن هذا؟ فمتى هذا؟ وكيف هذا؟ وقد يكون الظل في بعض الأوقات نصف قدم ، قال : انما قال : ظل القامة ولم يقل قامة الظل ، وذلك أن ظل القامة يختلف ، مرة يكثر ، ومرة يقل ، والقامة قامة أبدا لا تختلف ، ثم قال : ذراع وذراعان وقدم وقدمان ، فصار ذراع وذراعان تفسير القامة والقامتين في الزمان الذي يكون فيه ظل القامة ذراعا وظل القامتين ذراعين ، فيكون ظل القامة والقامتين والذراع والذراعين متفقين في كل زمان معروفين مفسرا أحدهما بالآخر مسددا به ، فإذا كان الزمان يكون فيه ظل القامة ذراعا كان الوقت ذراعا من ظل القامة وكانت القامة ذراعا من الظل ، فإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين فهذا تفسير القامة والقامتين » وذلك لأن السائل‌

__________________

(١) لا يخفى ان كلمة « ولاستبعاد » عطف على قوله : « للنبوي المرسل » المتقدم في الصحيفة ١٣٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣٢ من كتاب الصلاة.

١٤٠