جواهر الكلام - ج ٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وكيف كان فمعرفة الزوال معه تكون بحدوث الظل ، وتركه المصنف لندرته ، على أن النصوص لم يذكر فيها إلا الزيادة ، ففي‌ مرفوعة سماعة (١) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « جعلت فداك متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يمينا وشمالا كأنه يطلب شيئا ، فلما رأيت ذلك تناولت عودا فقلت : هذا تطلب ، قال ، نعم ، فأخذ العود فنصب بحيال الشمس ثم قال : إن الشمس إذا طلعت كان الفي‌ء طويلا ، ثم لا يزال ينقص حتى تزول ، فإذا زالت زاد ، فإذا استبنت الزيادة فصل الظهر » وفي‌ خبر علي ابن أبي حمزة (٢) « ذكر عند أبي عبد الله عليه‌السلام ـ أيضا ـ زوال الشمس فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : تأخذ عودا طوله ثلاثة أشبار ، وإن زاد فهو أبين ، فيقام فما دام ترى الظل ينقص فلم تزل ، فإذا زاد الظل بعد النقصان فقد زالت » وفي‌ مرسل الفقيه (٣) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « تبيان زوال الشمس أن تأخذ عودا طوله ذراع وأربع أصابع ، فتجعل أربع أصابع في الأرض ، فإذا نقص الظل حتى يبلغ غايته ثم زاد فقد زالت الشمس ، وتفتح أبواب السماء وتهب الرياح وتقضى الحوائج العظام » فلذلك اقتصر المصنف عليها تبعا للنصوص ، على أن معرفة الزوال بالزيادة فيما لا ينعدم الظل فيه تستلزم معرفته بالحدوث بعد العدم ضرورة ، إذ ليست الزيادة إلا من جهة ميل الشمس عن دائرة نصف النهار الموهومة المتوسطة بين نقطتي الجنوب والشمال ، وهو كما انه سبب للزيادة المزبورة سبب للحدوث ، بل الزيادة في الحقيقة حدوث الظل ، والأمر في ذلك سهل.

وهذه العلامة ـ مع أنها لا خلاف فيها بين الأصحاب ، ودلت عليها النصوص السابقة ، ويشهد بها الاعتبار ـ تامة النفع يتساوى فيها العامي والعالم ، إذ ليس هي إلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

١٠١

وضع مقياس في الأرض بأي طور كان ، والأولى فيه ما سمعته في الخبر ، ثم يخط على آخر ظله وينتظر هل ينقص أو يزيد ، فان نقص لم تزل حتى يأخذ بالزيادة ، نعم عن الروض تقييد الظل بالمبسوط ليخرج الظل المنكوس ، قال : « وهو المأخوذ من المقاييس الموازية للأفق ، فإن زيادته تحصل في أول النهار وتنتهي عند انتهاء نقص المبسوط ، فهو ضده ، فلا بد من الاحتراز عنه » إلى آخره. وكأنه لمعلوميته ترك التقييد لإخراجه نصا وفتوى ، لكن من المعلوم ان الزوال ليس عبارة عن هذه الزيادة والحدوث ، إذ هو ميل الشمس عن دائرة نصف النهار إلى جهة المغرب ، وهما في الظل ، فإطلاق الزوال عليهما توسع باعتبار دلالتهما عليه واستلزامهما له التي لا ينبغي الشك فيها ، ضرورة العلم بتحققه بتحققهما. أما أنهما يدلان على ابتدائية الزوال بحيث لم يتحقق قبل ذلك فقد يناقش فيها ، بل في المقاصد العلية أن تحقق الزيادة بعد انتهاء النقصان لا يظهر إلا بعد مضي نحو ساعة من أول الوقت ، ومن هنا قيل : إن الأولى من ذلك في معرفته استخراج خط نصف النهار على سطح الأرض بنحو الدائرة الهندية (١) التي نص عليها غير واحد من الأصحاب أو الأسطرلاب ، فإذا وصل ظل الشاخص اليه كانت الشمس على دائرة نصف النهار لم تزل بعد ، فإذا خرج الظل عنه إلى جهة المشرق فقد تحقق زوالها ، وهو ميلها عن تلك الدائرة إلى جهة المغرب ، وكيفية الأولى أن تساوي موضعا من الأرض مثلا بحيث يكون خاليا من الارتفاع والانخفاض ، وتدير عليه دائرة بأي بعد شئت ، وتنصب على مركزها مقياسا مخروطا محدد الرأس ، يكون طوله قدر ربع الدائرة تقريبا نصبا مستقيما بحيث يحدث عن جوانبه زوايا قوائم ، ويعرف ذلك بأن يقدر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة من ثلاثة مواضع ، فان تساوت الأبعاد فهو عمود ، ثم تنتظر وصول رأس الظل إلى محيط الدائرة يريد الدخول فيها فتعلم عليه‌

__________________

(١) وفي النسخة الأصلية « الهندسية ».

١٠٢

علامة ، ثم تنتظر خروجه بعد الزوال عن محيط الدائرة فتعلم عليه عند إرادته الخروج من المحيط علامة ، ثم تصل ما بين العلامتين بخط مستقيم ، وتنصف ذلك الخط ، ثم تصل ما بين مركز الدائرة ومنتصف ذلك الخط بخط ، فهو خط نصف النهار ، ضرورة اتحاد زمان سير الشمس عند الدخول والخروج ، فإذا أردت معرفة الزوال في غير يوم العمل تنظر إلى ظل المقياس. فمتى وصل إلى هذا الخط كانت الشمس في وسط السماء لم تزل ، فإذا ابتدأ رأس الظل يخرج عنه فقد زالت.

وقال الكاشاني في الوافي : ربما لا يستقيم هذا الطريق في بعض الأحيان ، بل يحتاج إلى تعديل حتى يستقيم ، إلا أن الأمر فيه سهل ، والطريق الأسهل في استخراج هذا الخط الذي لا يحتاج إلى كثير آلة ان يخط على رأس ظل الشاقول أي المقياس المزبور خطا عند طلوعها ، وعند غروبها آخر ، فان اتصلا خطا واحدا نصف ذلك الخط بخط آخر على القوائم ، وإن تقاطعا نصف الزاوية التي حصلت من تقاطعهما بخط فالخط المنصف في الصورتين هو خط نصف النهار ، قلت : ويمكن استخراجه بغير ذلك ، انما الكلام في اعتبار مثل هذا الميل في دخول الوقت بعد أن علقه الشارع على الزوال الذي يراد منه ظهوره لغالب الأفراد حتى انه أخذ فيه استبانته كما سمعته في الخبر السابق ، وأناطه بتلك الزيادة التي لا تخفى على أحد على ما هي عادته في إناطة أكثر الأحكام المترتبة على بعض الأمور الخفية بالأمور الجلية كي لا يوقع عباده في شبهة كما سمعته في خبر الفجر ، بل أمر بالتربص وصلاة ركعتين ونحوهما انتظارا لتحققه ، فلعل الأحوط مراعاة تلك العلامة المنصوصة في معرفة الزوال وإن تأخر تحققها عن ميل الشمس عن خط نصف النهار بزمان ، خصوصا والاستصحاب وشغل الذمة وغيرهما موافقة لها والله أعلم.

وأما معرفة الزوال بالعلامة الثانية التي ذكرها المصنف بقوله أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن مما يلي الأنف لمن يستقبل القبلة من أهل العراق فقد ذكرها‌

١٠٣

غيره من الأصحاب ، بل في جامع المقاصد نسبتها إليهم ، لكن مع التقييد بما سمعت ، ولعله مراد المصنف كما صرح به في المعتبر وإن أطلق هنا كالفاضل في الإرشاد ، اعتمادا على الظهور أو على العهدية ، لأنها قبلته ، بل في المدارك وعن غيرها تقييده أيضا بمن كان قبلته نقطة الجنوب منهم كأطرافه الغربية دون أوساطه وأطرافه الشرقية ، فان قبلتهم تميل عن نقطة الجنوب ، لكن عن شرح الرسالة أن هذه العلامة لأوساط العراق كالمشهدين الشريفين على مشرفهما السلام وبغداد والكوفة والحلة ، ولعل الأولى جعل الضابط ما كان منها على نقطة الجنوب كما عن الفاضل الميسي ، وإن كان مثل له أيضا بأطراف العراق كالموصل وما والاها ، قال : « أما غيره فإنه وإن كان كذلك إلا أنه لا يعلم إلا بعد زمان كثير » وفيه أن المدار إذا كان على استقبال نقطة الجنوب فلا يتفاوت الحال بين من كان قبلته عليها أو منحرفة عنها ، والتمثيل بقبلة العراق بناء على أنها عليها ، وإلا فلا خصوصية لها كما أومأ إليه في الذكرى بقوله لمن يستقبل قبلة العراق ، ضرورة ظهوره في أنه وإن لم يكن قبلته كأهل العراق ، نعم قال المحقق الثاني : « الظاهر أنه صحيح فيما يلي هذا الجانب من خط الاستواء » ولعله لعدم تمكن استقبال هذه النقطة من الجنوب لغيرهم ، كما أن الظاهر مساواة غير أهل العراق لهم إذا أمكن معرفة قدر التفاوت بين القبلتين وانتظر ميل الشمس إلى ذلك المقدار كما أومأ إليه الفاضل فيما حكي عنه من أن قبلة الشام يمكن تبين الزوال بها إذا صارت الشمس في طرف الحاجب مما يلي الإذن.

لكن الانصاف كما اعترف هو به أيضا أنها غير منضبطة ، لعسر معرفة قدر التفاوت تحقيقا ، بل ربما قيل بعدم انضباط هذه العلامة لو جعل المدار على استقبال القبلة للعراقي ، لا ما ذكرناه من استقبال نقطة الجنوب ، لاتساع جهة البعيد عن القبلة ،

١٠٤

بل في حاشية الإرشاد للمحقق الثاني كما عن الروض أنه لا يظهر له الميل إلا بعد زمن كثير ، ولعله لذا قيد العلامة المزبورة في المنتهى والنهاية بمن كان بمكة مستقبل الركن العراقي ليضيق المجال ويتحقق الحال ، لكن في فوائد الشرائع أنه إن كان المراد أن ذلك علامة لأول الزوال فليس كذلك ، لاحتياجه إلى زمن كثير أيضا ، وإن أراد أنه دليل على حصول الزوال في الجملة فهو حق ، إلا أنه لا يختص بمكة ، بل زاد في جامع المقاصد أن الركن العراقي الذي فيه الحجر ليس قبلة أهل العراق كما هو معلوم ، بل قبلتهم الباب والمقام ، فمن توجه اليه لم تصر الشمس على حاجبه الأيمن إلا بعد زمن كثير ، ولعله لما حكي عن الروض من أنه أي الركن ليس موضوعا على نقطة الشمال حتى يكون استقباله موجبا لاستقبال نقطة الجنوب والوقوف على خط نصف النهار ، وانما هو بين المشرق والشمال ، فوصول الشمس اليه يوجب زيادة ميل عن خط نصف النهار كما لا يخفى.

وأنت خبير ان كثيرا من الكلام في المقام مما ذكرناه وما لم نذكره خارج عن الفائدة ، بل يقرب أن يكون مناقشة في عبارة أو مثال مع العلم بالمراد ، لما عرفت أن المدار في هذه العلامة ميل الشمس من نقطة دائرة نصف النهار المستخرج بالدائرة الهندية أو غيرها ، فان كانت قبلة أهل العراق عليه كما هو مقتضى بعض علاماتها الآتية تحقق الزوال بمجرد الميل عن القبلة ، ويتحقق ذلك في زمن قصير يقرب من زيادة الظل بعد نقصه كما اعترف به ثاني الشهيدين فيما حكي عن روضه ، وإلا كما يقتضيه البعض الآخر من علاماتها لم يتحقق ، ولا يكون هو المدار ، بل هو النقطة السابقة ، ولا مدخلية لمن كان في مكة أو بعيدا عنها بعد أن علمت أن المدار ما ذكرناه ، وإن ذكر القبلة انما هو لأنها على النقطة السابقة ، ووجه دلالتها على الزوال حينئذ واضح لتحقق انحراف الشمس عن دائرة نصف النهار ، مضافا إلى ظهور اتفاق الأصحاب عليها كما أومأ إليه ثاني المحققين ، بل في المبسوط انه قد روي أن من يتوجه إلى الركن العراقي إذا استقبل ووجد الشمس‌

١٠٥

على حاجبه الأيمن علم أنها قد زالت ، وهو مشعر بتعرض الأخبار لهذه العلامة وإن كنا لم نجد ذلك فيما حضرنا من الكتب المعدة لها عدا ما رواه في‌ الوسائل (١) عن مجالسه مسندا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « ان رجلا سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أوقات الصلاة فقال : أتاني جبرئيل فأراني وقت الصلاة حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن » وليس فيها تقييد ذلك بالركن العراقي ، والأمر سهل بعد وضوح الحال ، وكون المزاد معرفة الزوال بأي طريق يكون ولو ظنا إن قلنا باعتباره ، وإلا فلا بد من القطع كيف اتفق كما هو مقتضى الأصول وبعض النصوص (٢) وأدلة الاحتياط ، خصوصا فيما اشتغلت الذمة فيه ، ولا ينافيه الأمر بالصلاة (٣) عند صياح الديك ثلاثا ولاء أو مطلقا بعد أن كان موردها يوم الغيم الذي يكتفى فيه بالظن كما ستسمع البحث فيه مفصلا إن شاء الله ، وربما كان طرق أخر أيضا لاستخراج الزوال ، والمدار ما ذكرنا ، ولا بأس بتفاوت علامات الزوال بالنسبة إلى معرفة أوله أو ما بعده في الجملة ، كما أنه لا بأس بتلازمها بعد اختلاف الناس فيما يتيسر له منها وفي إرادة معرفة أوله أو ما بعده في الجملة ، كما هو واضح.

ويعلم الغروب أي غروب الشمس الذي هو أول وقت صلاة المغرب إجماعا في الغنية والذكرى وكشف اللثام وعن الخلاف ونهاية الأحكام وكشف الالتباس ، بل في المعتبر وعن التذكرة بإجماع العلماء ، بل عن المنتهى انه قول كل من يحفظ عنه العلم ، بل هو من ضروريات الدين باستتار نفس القرص خاصة عن نظر ذلك المكلف فيما يراه من الأفق الذي لم يعلم حيلولة جبل ونحوه بينه وبينه ، كما هو المحكي عن الكاتب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

١٠٦

والصدوق في العلل وظاهر الفقيه وابن أبي عقيل والمرتضى والشيخ وسلار والقاضي ، ومال إليه جماعة من متأخري المتأخرين كسيِّد المدارك والخراساني والكاشاني والمدقق الشيخ حسن وتلميذه فيما حكي عنهما والأستاذ الأكبر ، للنصوص المستفيضة غاية الاستفاضة وفيها الصحيح وغيره ، بل ربما ادعي تواترها المتضمنة تعليق الصلاة والإفطار على غيبوبة الشمس ، وانه بذلك يدخل وقت المغرب ، بل في بعضها التصريح بغيبوبة القرص كصحيح عبد الله بن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام « وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها » والصحيح الآخر الذي رواه المشايخ الثلاثة ، بل الصدوق منهم بأسانيد متعددة عن زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك ، وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا » وغيرهما ، بل في بعضها التصريح بأن الذي علينا أن نصلي إذا غربت وإن كانت طالعة على قوم آخرين كخبر عبيد بن زرارة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سمعته يقول : صحبني رجل كان يمسي المغرب ويغلس بالفجر ، وكنت أنا أصلي المغرب إذا غربت الشمس ، وأصلي الفجر إذا استبان لي الفجر ، فقال لي الرجل : ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع؟ فإن الشمس تطلع على قوم قبلنا ، وتغرب عنا وهي طالعة على آخرين بعد ، قال : فقلت : إنما علينا أن نصلي إذا وجبت الشمس عنا وإذا طلع الفجر عندنا ، ليس علينا إلا ذاك ، وعلى أولئك أن يصلوا إذا غربت عنهم » بل في آخر منها التصريح بأن الحد في غيبوبتها عدم رؤياها لو نظرت كمرسل ابن الحكم (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام « انه سئل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٦ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٧ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٢ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٥ من كتاب الصلاة.

١٠٧

عن وقت المغرب فقال : إذا غاب كرسيها ، قلت : وما كرسيها؟ قال : قرصها ، فقلت : متى يغيب قرصها؟ قال : إذا نظرت اليه فلم تره » فيكون الضمير في كرسيها راجعا إلى الشمس بمعنى الضوء ، لإطلاقها عليه وعلى الجرم وعليهما مشبها للقرص بالكرسي للضوء لتمكنه فيه ، بل‌ خبر الربيع بن سليمان وأبان بن أرقم وغيرهما المروي (١) عن المجالس كالصريح في نفي اعتبار الحمرة ، قالوا : « أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بواد الأخضر إذا نحن برجل يصلي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس فوجدنا في أنفسنا فجعل يصلي ونحن ندعو عليه حتى صلى ركعة ونحن ندعو عليه ، ونقول : هذا من شباب أهل المدينة ، فلما أتيناه إذا هو أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام فنزلنا فصلينا معه وقد فاتتنا ركعة ، فلما قضينا الصلاة قمنا اليه فقلنا جعلنا فداك هذه الساعة تصلي ، فقال : إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت » وخبر يحيى الخثعمي (٢) قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي المغرب ويصلي معه حي من الأنصار يقال لهم بنو سلمة ، منازلهم على نصف ميل ، فيصلون معه ثم ينصرفون إلى منازلهم وهم يرون مواضع نبلهم » ويقرب منه ما دل (٣) على النهي عن صعود الجبل لتبين سقوط الشمس ، خصوصا‌ خبر الشحام (٤) قال : « صعدت مرة على جبل أبي قبيس أو غيره والناس يصلون المغرب فرأيت الشمس لم تغب ، انما توارت خلف الجبل عن الناس ، فلقيت أبا عبد الله عليه‌السلام فأخبرته بذلك فقال لي : ولم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت ، انما تصليها إذا لم ترها خلف الجبل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة لكن رواه عن محمد بن يحيى الخثعمي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة وليس فيه كلمة « أو غيره ».

١٠٨

غابت أو غارت ما لم يتجللها سحاب أو ظلمة تظلها ، وانما عليك مشرقك ومغربك » إلى غير ذلك من النصوص.

وقيل بذهاب الحمرة من المشرق وهو الأشهر بل في كشف اللثام انه مذهب المعظم ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا فتوى وعملا شهرة عظيمة سيما بين المتأخرين ، بل في الرياض أن عليه عامتهم إلا من ندر ، بل في المعتبر أن عليه عمل الأصحاب كما عن التذكرة ، بل عن السرائر الإجماع عليه ، بل في شرح المقدس البغدادي أن عليه أكثر المتقدمين وعامة المتأخرين ، بل كاد يكون في سواد الإمامية ضرورة يعرفون بها ، بل في المحكي عن السيد الداماد أن عليه العمل عند أصحابنا وعند أساطين الإلهيين والرياضيين من حكماء يونان كما ستسمع كلامه بتمامه عند الفراغ من البحث في الأقوال المتعلقة في الظهرين ، بل لعله مذهب ابن أبي عقيل أيضا وإن ظن خلافه ، لقوله فيما حكي عنه : « أول وقت المغرب سقوط القرص ، وعلامة ذلك أن يسود أفق السماء من المشرق ، وذلك إقبال الليل ، وتقوية الظلمة في الجو ، واشتباك النجوم » بل لعله مذهب الإسكافي أيضا ، لأنه قال فيما حكي عنه : أول وقت المغرب وقوع اليقين بغيبوبة قرصها عن النظر ، لما ستعرفه من أن اعتبار المشهور ذهابها للدلالة على غيبوبة القرص نفسه عن تمام أفق الأرض المستوية ، وإلا فالجميع اتفقوا على دخول وقت المغرب بغيبوبة الشمس ، ولعله يريد بقوله عن النظر نظر الجميع بحيث يشمل من لم يكن حائلا بينه وبين الأفق ، ومن ذلك يعلم أنه لا صراحة في المحكي عن هداية الصدوق والمرتضى أيضا وسلار والقاضي في المهذب وشرح الجمل ، لأنهم إنما عبروا بذلك خاصة ، بل حكى في التنقيح عن المفيد والمرتضى وسلار والشيخ القول المشهور ، ولعله أخذه من غير مقام ، وإلا فالإنصاف أنه لا صراحة في العبارة بأحد الأمرين ، خصوصا الأول ، سيما ولم يقيدوا ذلك عن النظر كما فعل الإسكافي ، بل ولا ظهور عند التأمل ، نعم صرح المرتضى‌

١٠٩

منهم فيما حكي من كلامه بعدم اعتبار النجوم الثلاثة في دخول الوقت ، ونحن نقول به وإن كان اعتبارها لازما للقول بذهاب الحمرة أو قريبا منه ، ومنه يعلم حينئذ أنه مذهب الصدوقين في الرسالة والمقنع ، لاعتبارهما فيما حكي عنهما ذلك ، بل لعل ذلك قرينة على عبارته في الهداية ، ولم يتعرض في فقيهه كما قيل سوى انه ذكر أخبار دخول المغرب بغيبوبة الشمس خاصة ، وهو لا صراحة فيه ، بل ولا دلالة إلا بمعونة ما ذكره في أول كتابه الذي قيل إنه عدل عنه ، على أنه أورد هنا خبر بكر بن محمد (١) الآتي الذي هو كالصريح في عدم اعتبار غيبوبة القرص ، بل لعله صريح في اعتبار الحمرة كما ستعرف ، بل عن بعض الاستدلال به عليها.

وأما الشيخ فعن ظاهر السرائر انه موافق للمشهور في جميع كتبه ، بل في مفتاح الكرامة أنه صريح الاستبصار وإن نسب إليه جماعة الخلاف فيه ، وكأنهم لم يلحظوا تمام كلامه فيه ، ونحوه في الرياض ، ولا صراحة في مبسوطة بالخلاف ، بل لعله إلى المشهور أقرب ، خصوصا إن قلنا إن الاحتياط في عبارته للوجوب كما هي عادته في الاستدلال به في العبادات ، فيقلّ الخلاف صريحا حينئذ ، بل ينحصر بين القدماء في المحكي عن علل الصدوق ، ولم يحضرنا عبارته فيها ، وليس النقل كالعيان ، وهو نادر بينهم كندرة من عرفته من متأخري المتأخرين بينهم ، على أنهم أو أكثرهم ممن لا يبالي بالشهرة كائنة ما كانت في جنب الخبر الصحيح ، كما يشهد له ما في هذا المقام الذي قارب أن يكون ضروريا في زماننا ، بل لعله كذلك ، بل يمكن دعواها الزمن السابق أيضا كما يومي اليه خبر الربيع وابن أرقم السابق (٢) بل سواد المخالفين يعرفون ذلك منا فضلا عن الموافقين ، كما أن سوادنا بالعكس حتى أنهم إذا أرادوا معرفة الرجل من أي الفريقين امتحن بصلاته وإفطاره ، فالعجب من هؤلاء المتأخرين كيف أعرضوا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٣ من كتاب الصلاة.

١١٠

عن ذلك ومالوا إلى القول الآخر مستندين إلى كثرة أخباره وصحتها عكس القول الآخر ، ولم يعلموا أن ذلك في الحقيقة والنظر الصحيح شاهد عليهم لا لهم ، لأن أمر التقية في المقام يقضي بورود أكثر من تلك النصوص ، ضرورة كونه من الأمور الظاهرة التي تتكرر في كل يوم ، ولا يسع التخفي فيها ، فحفظوا أنفسهم وشيعتهم بذلك ، فكثرة النصوص فيه دون الآخر أكبر شاهد على ما قلنا ، وخصوصا وقد كان في الشيعة سابقا من لا يحافظ على التقية ، ويفضح نفسه وإخوانه وإمامه ، ولقد تأذى الصادق عليه‌السلام منهم حتى ألجأوه إلى التقية في قوله وفعله ، قال عليه‌السلام في خبر جارود (١) : « يا جارود ينصحون فلا يقبلون ، وإذا سمعوا بشي‌ء نادوا به ، أو حدثوا بشي‌ء أذاعوه ، قلت لهم : مسوا بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم ، فأنا الآن أصليها إذا سقط القرص » على أنهم عليهم‌السلام لم يألوا جهدا هنا في إظهار الحق وبيان الواقع تصريحا وكناية.

ومن الغريب ما عن بعض الناس من دعوى قلة أخبار المشهور وضعفها حتى أنه تعجب ممن أمر بالاحتياط أو غيره لكثرة الأخبار الدالة على المشهور ، إذ لا يخفى على من لاحظ الوافي والوسائل في المقام وفي الحج والصوم بلوغها إلى أول العقود أو أزيد ، وفيها الصريح والصحيح أو الموثق وغيرهما ، ففي موثق يونس بن يعقوب (٢) كما في شرح المقدس البغدادي أو صحيحه كما في مفتاح الكرامة « قلت للصادق عليه‌السلام : متى الإفاضة من عرفات؟ قال : إذا ذهبت الحمرة من هاهنا ، وأشار بيده إلى المشرق » وفي‌ صحيح زرارة (٣) « سئل الباقر عليه‌السلام عن وقت إفطار الصائم فقال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٥ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ـ الحديث ٢ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ـ الحديث ٣.

١١١

حين يبدو ثلاثة أنجم » ضرورة مناسبته لذهاب الحمرة دون القرص ، كصحيح بكر بن محمد (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « سأله سائل عن وقت المغرب قال : إن الله يقول في كتابه لإبراهيم عليه‌السلام (٢) ( فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً ) فهذا أول الوقت ، وآخر ذلك غيبوبة الشفق » وصحيح إسماعيل بن همام (٣) قال : « رأيت الرضا عليه‌السلام وكنا عنده لم نصل المغرب حتى ظهرت النجوم ، قال : فصلى بنا على باب دار ابن أبي محمود » وكونه حكاية فعل فلعله عليه‌السلام فعل ذلك لعذر لا لأنه وقت موظف قد يدفعه ـ بعد أصالة عدم العذر خصوصا مع عدم ذكر الراوي ـ ظهور نقل الراوي عنه ذلك في الثاني ، ويؤيده ما ستسمعه من فقه الرضا عليه‌السلام (٤) وخبر محمد بن علي (٥) قال : « صحبت الرضا عليه‌السلام في السفر فرأيته يصلي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعني السواد » فان استمراره عليه‌السلام عليه ظاهر فيما قلناه ، كما انه يدفع احتمال تأخيره للاستحباب ما ستعرفه إن شاء الله عن قريب ، ومرسل ابن أبي عمير (٦) الذي هو بقوة المسند عن الصادق عليه‌السلام « وقت سقوط القرص ووقت الإفطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق ، فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص » ومرسل ابن أشيم (٧) عنه عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٢) سورة الأنعام ـ الآية ٧٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

١١٢

أيضا قال : « سمعته يقول : وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق ، أو تدري كيف ذلك؟ قلت : لا ، قال : لأن المشرق مطل على المغرب هكذا ، ورفع يمينه فوق يساره ، فإذا غابت من هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا » وخبر يزيد بن معاوية (١) عن الباقر عليه‌السلام الذي رواه الكليني والشيخ بغير واحد من الأسانيد ، بل في بعضها من أصحاب الإجماع الذين لا يلتفت إلى من بعدهم في وجه ، بل لعل التأمل فيه يورث الفقيه الماهر قطعا بصحته بالمعنى القديم ، لكثرة القرائن الدالة على ذلك ، قال : « إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من ناحية المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها » وموثق عمار الساباطي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام المروي في التهذيب بل ومستطرفات السرائر عن كتاب محمد بن علي بن محبوب قال : « إنما أمرت أبا الخطاب أن يصلي المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس ، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب ، وكان يصلي حين يغيب الشفق » وخبر محمد بن شريح (٣) بل في المعتبر أنه رواه جماعة منهم محمد بن شريح عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن وقت المغرب فقال : إذا تغيرت الحمرة في الأفق وذهبت الصفرة » وخبر يعقوب ابن شعيب (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال لي : مسوا بالمغرب قليلا ، فان الشمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا » وخبر أبان بن تغلب (٥) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « أي ساعة كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوتر؟

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ لكن رواه في الوسائل عن بريد بن معاوية وفي الاستبصار ج ١ ص ٢٦٥ ـ الرقم ٩٥٧ من طبعة النجف عن يزيد بن معاوية.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٠ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٢ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٣ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

١١٣

فقال : على مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب » والمحكي عن‌ فقه الرضا عليه‌السلام (١) « أول وقت المغرب سقوط القرص إلى مغيب الشفق ـ إلى أن قال ـ : والدليل على غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق ، وفي الغيم سواد المحاجر ، وقد كثرت الروايات في وقت المغرب وسقوط القرص ، والعمل من ذلك على سواد المشرق إلى حد الرأس » قيل : وأراد بسواد المحاجر سواد الأفق أعلاه وأسفله مع سائر جوانبه ، من حيث أن ذلك انما يكون بزوال الحمرة من جانب المشرق بالكلية وميلها إلى جانب المغرب ، ويدل عليه‌ قوله عليه‌السلام بعد ذلك : « والعمل من ذلك على سواد المشرق إلى حد الرأس » وخبر عبد الله بن وضاح (٢) قال : « كتبت إلى العبد الصالح عليه‌السلام يتوارى القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعا وتستر عنا الشمس وترتفع فوق الليل حمرة ويؤذن عندنا المؤذنون ، فأصلي حينئذ وأفطر إن كنت صائما أو انتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الليل؟ فكتب إلى أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائط لدينك » ضرورة أن قوله عليه‌السلام : « أرى » إلى آخره. إما لعلمه بابتلاء السائل بها أو لأنه عليه‌السلام اتقى من الأمر به ، لا للاحتياط ، وإلا فالإمام لا يأمر عند السؤال عن الحكم الشرعي بالاحتياط ، إذ هو طريق الجاهل بالحكم لا الامام عليه‌السلام كما هو واضح ، على أن الاحتياط هنا في فراغ الذمة المشغولة بيقين مع استصحاب النهار ، وهو واجب لا يجوز تركه.

على أنه قد يمنع صراحة لفظ الاحتياط بالاستحباب بل ظهوره ، لأن ذلك انما هو بالاصطلاح المتأخر بين الأصحاب ، وإلا فالاحتياط هو الاستظهار والأخذ بالأوثق ، بل قيل هو كذلك في كلمة متقدمي الأصحاب ، فاستفادة استحباب التأخير إلى زوال‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٤ من كتاب الصلاة.

١١٤

الحمرة من هذا الخبر ـ حتى جعل هو ، وخبر شهاب بن عبد ربه (١) عن الصادق عليه‌السلام انه قال : « يا شهاب اني أحب إذا صليت المغرب أن أرى في السماء كوكبا » شاهدا للجمع بين النصوص بحمل الأولى على دخول الوقت ، والثانية على استحباب التأخير إلى زوال الحمرة ـ كما ترى ، على أن خبر شهاب ـ مع ضعف سنده ، وعدم صراحته في ذلك ، واحتمال أن إظهاره ذلك بعنوان المحبة للتقية وغير ذلك ـ غير مقبول الشهادة على إرادة الاستحباب من تلك النصوص المعتضدة بما عرفت من الأصل والشغل والشهرة العظيمة والموافقة لما سمعت من آي الكتاب ، والمخالفة للعامة ، والمشتملة على التعليل بكون المشرق مطلا على المغرب ، وبأن الشمس تغيب عندكم قبل أن تغيب عندنا ، بل بعضها كالمشتمل على التعليل المزبور ونحوه غير قابل للحمل عليه ، بل لعل الجميع كذلك ، نظرا إلى ما دل على ضيق وقت المغرب ، وأنه ليس لها إلا وقت واحد ، ونحو ذلك كما سيمر عليك بعضه إن شاء الله مما هو ظاهر أو صريح في فضل صلاة المغرب بأول دخول وقتها.

بل في بعض النصوص (٢) لعن من أخر صلاة المغرب طلبا لفضلها ، وإن كان قد يقال : إن ذلك تعريض بأبي الخطاب وأصحابه الذين أفسدوا أهل الكوفة ، وقد تظافرت النصوص بلعنهم ، ففي‌ خبر القاسم بن سالم (٣) عن الصادق عليه‌السلام قال : « ذكر أبا الخطاب فلعنه ، وقال : إنه لم يكن يحفظ شيئا حدثته ، ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غابت له الشمس في مكان كذا وكذا وصلى المغرب بالشجرة وبينهما ستة أميال فأخبرته بذلك في السفر فوضعه في الحضر » وفي‌ خبر زرارة (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٧ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٣ من كتاب الصلاة.

١١٥

عنه عليه‌السلام قال في حديث : « أما أبو الخطاب فكذاب ـ وقال ـ : إني أمرته أن لا يصلي هو وأصحابه المغرب حتى يروا كوكب كذا يقال له القيداني والله ان ذلك الكوكب ما أعرفه » وفي‌ مرسل سعيد بن جناح (١) عن الرضا عليه‌السلام « ان أبا الخطاب قد كان أفسد عامة أهل الكوفة ، وكانوا لا يصلون المغرب حتى يغيب الشفق ، وانما ذلك للمسافر والخائف ولصاحب الحاجة » وفي‌ خبر الشحام (٢) قال : « قال رجل لأبي عبد الله عليه‌السلام : أؤخر المغرب حتى تشتبك النجوم فقال : خطابية ، ان جبرئيل نزل بها على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين سقط القرص » إلى غير ذلك مما سيمر عليك بعضه إن شاء الله.

وكيف كان فمن الواضح بعد حمل هذه النصوص على الاستحباب إن لم يكن فساده ، وأولى منه بمراتب حمل أكثر تلك النصوص على ما أشارت إليه هذه النصوص من أن ذهاب الحمرة علامة على غيبوبة القرص من تمام الأفق ، وبه تخرج حينئذ عن أصل المعارضة ، بناء على أنها كالمجمل وهذه كالمبين ، وإلا كانت من المطلق والمقيد ، وكأن الذي ألجأهم صلوات الله وسلامه عليهم إلى كثرة التعبير به لأصحابهم هو الجمع بين الواقع وبين ما تتأدى به التقية مع بيان كذب أبي الخطاب وشدة افترائه اعتمادا على ما ذكروه من تمام التفصيل في النصوص الأخر ، مضافا إلى الاعتبار ، ضرورة عدم بقاء الحرمة المشرقية مع فرض سقوط قرص الشمس عن الأفق ، لأنه إن كان يبقى للشمس شعاع بعد سقوطها عن الأفق فهو في مقابلها من جهة الغرب لا الشرق ، واحتمال أن العبرة بسقوطها عن أفق الناظر لا تمام الأفق مقطوع بعدمه ، خصوصا بعد قوله‌ عليه‌السلام : « فإنها تغيب عندكم قبل ما تغيب عندنا » وقوله عليه‌السلام : « فإنها تغيب من شرق الأرض وغربها » على أن المنساق من الغروب سقوطها عن تمام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٩ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٨ من كتاب الصلاة.

١١٦

الأفق ، وهو انما يكون متأخرا عن خفائها عن العين بسبب اختلاف الأرض وكروية الماء كما صرح به في المقاصد العلية ، وما في الذخيرة ـ من أن غيبوبة الشمس عن الأفق الحقيقي في الأرض المستوية حسا انما يتحقق بعد غيبوبتها عن الحس بمقدار دقيقة تقريبا ، وهو أقل من ذهاب الحمرة ، فكيف يناط به ـ يدفعه بعد تسليمه أنه لا قائل بالفصل ، وانه قدر مجهول غير منضبط لا يمكن إحالة عامة المكلفين عليه ، وسيما العوام منهم ، على أنك ستعرف إن شاء الله أن الحمرة علامة لليقين بالمغرب لا أن زوالها غروب ، فتأمل. وقوله عليه‌السلام في خبر الشحام السابق : « انما عليك مشرقك ومغربك » لا بد من تنزيله على أمر آخر من التقية ونحوها عندنا وعند الخصم ، ضرورة عدم اكتفائه في سقوط القرص بمجرد عدم رؤياها وان علم ان هناك حائلا يحتمل استتارها به أو يعلم ، ولعل تعنيف الشحام على صنعه وتجسسه الذي هو مثار الفتنة ، بل قد يومي صدره إلى ذلك ، على أنه يمكن نهيه له عن التجسس بعد زوال الحمرة كما يومي اليه‌ قوله (ع) : « وانما عليك مشرقك ومغربك » إذ لو كان المراد ذهاب القرص لم يكن لذكر المشرق ثمرة ، واحتمال أنه ذكره لصلاة الفجر بعيد.

وأما مرسل ابن الحكم السابق فهو ـ مع أنه لا جابر له ، ومحتمل لإرادة أنك إذا لم ترها ولا أثرها كالحمرة ونحوها أو لم ترها إذا لم تحتمل الحائل بينك وبين الأفق أو غير ذلك ـ محمول على التقية كالخبرين اللذين بعده ، خصوصا بعد إنكار الجماعة السابقين على أبي عبد الله عليه‌السلام ذلك ، وخصوصا بعد ما قيل من رواية العامة نحو خبر الخثعمي عن جابر (١) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على أن قضيتها كغيرها من بعض النصوص دخول الوقت بزوال القرص عن النظر وإن بقي ضوؤه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٠ من كتاب الصلاة لكن رواه في الوسائل عن عمرو بن شمر عن جابر.

١١٧

على الجدران والمنارة والجبال ونحوها ، وهو وإن كان صريح المبسوط انه مما يتفرع على هذا القول ، بل في الرياض أنه هو القول المقابل للمشهور وان ما عداه محدث ، إلا أنه مع كونه خلاف ما يظهر من بعض أهل هذا القول أيضا كالخراساني بالنسبة إلى العمران في غاية الوضوح من الفساد ، وإلا لزم اختلاف الوقت باختلاف أمكنة الناظرين سفلا وعلوا من البئر إلى المنارة ، على أن من المقطوع به عدم صدق غيبتها عن النظر مع رؤية ضوئها على قلل الجبال كما هو واضح.

ومنه يعلم حينئذ تعين قول المشهور بناء على أن المقابل له هذا القول الذي هو واضح الفساد ، وان اعتبار بعض المتأخرين ذهاب الشعاع قول محدث ، فتأمل جيدا. كما أن منه يعلم إمكان الاستدلال على المختار أيضا بخبر الهاشمي (١) عن الصادق عليه‌السلام وان استدل به للأول قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي المغرب حين تغيب الشمس حيث يغيب حاجبها » لأن المراد بالحاجب الضوء كما قيل ، وفي بعض النسخ « حاجها » من دون الموحدة ، قال الكاشاني : « لعل المراد بحاجها ضوؤها الذي في نواحيها ، فان حجاب الشمس يقال لضوئها ، وحاجها لنواحيها » إلى آخره. فظهر لك من ذلك كله ان تلك النصوص بين ما هو في الحقيقة لنا لا علينا ، وهو المتضمن دخول الوقت بغيبوبة القرص ، ولعله الأكثر ، لما عرفت من أن المراد به عن تمام الأفق ، ولا يكون إلا بعد ذهاب الحمرة كما صرحت به النصوص السابقة ، وبين ما لا جابر لسنده ومحمول على التقية.

فلا ريب حينئذ في رجحان هذه النصوص عليها من وجوه لا تخفى ، بل كان المسألة من القطعيات وإن كنا قد أطنبنا الكلام فيها ، لميل بعض الأعاظم ممن قارب عصرنا إلى ذلك القول النادر لبعض ما تقدم الذي قد عرفت ما فيه ، ولأنه لو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢٧ من كتاب الصلاة.

١١٨

اعتبرت الحمرة المشرقية من حيث دلالتها على زوال القرص في الغروب لاعتبرت المغربية بالنسبة إلى الطلوع المعلوم خلافه ، وفيه أولا ما قيل من أنه لا يرد على من التزم ذلك كثاني الشهيدين في المقاصد العلية ، قال : وانما كان زوال الحمرة علامة على الغروب لأن الاعتبار في طلوعها وغروبها لما كان بالأفق الحقيقي لا المحسوس ، وكان طلوعها يتحقق قبل بروزها بزمن طويل غالبا ، ومن ثم اعتبر لها أهل الميقات مقدارا في الطلوع يعلم به وان لم يشاهدها ، فكذلك القول في غروبها ، لعدم الفرق ، لكنك خبير أنه لا صراحة في كلامه بأن ظهور الحمرة في المغرب علامة على طلوعها بحيث تقع الصلاة بعد ذلك قضاء ، بل أقصاه الحكم بالطلوع قبل البروز للعين ، لا أن علامة ذلك ظهور الحمرة ، نعم في كشف اللثام عند بيان آخر وقت الصبح « ثم إذا كان زوال الحمرة من المشرق علامة غروب الشمس فالظاهر أن ظهورها في المغرب علامة طلوعها ، وقد روي (١) ذلك عن الرضا عليه‌السلام » وكأنه أشار إلى ما في المحكي عن فقه الرضا عليه‌السلام من أن آخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في أفق المغرب ، وقد رخص للعليل والمسافر والمضطر إلى ما قبل طلوع الشمس ، وهو مع عدم حجيته عندنا محمول على إرادة الكراهة في شدة التأخير ، بل رخصته لمن عرفت دليل على بقاء الوقت ، ونحوه ما في المحكي عن‌ دعائم الإسلام (٢) عن الصادق عليه‌السلام « ان آخر الوقت أن يحمر أفق المغرب ، وذلك قبل أن يبدو قرن الشمس بشي‌ء » قال في البحار : اعتبار احمرار المغرب غريب ، وقد جرب انه إذا وصلت الحمرة إلى أفق المغرب يطلع قرن الشمس. وثانيا إمكان الفرق بين الحمرتين ، خصوصا بعد‌ قوله عليه‌السلام : « إن المشرق مطل على المغرب » فإنه قد يكون ذلك سببا لدلالة الحمرة على عدم الغروب بخلاف الطلوع ، فلعل الحمرة المغربية حينه كالحمرة المشرقية الحاصلة قبل الطلوع بزمان كثير‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ٢٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) المستدرك ـ الباب ٢٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

١١٩

مرتفعة عن الأفق التي هي أشبه شي‌ء بالشفق المغربي الحاصل بعد غروب الشمس وإن تفاوتا في طول الزمان وقصره من جهة ظهور المشرق وانخفاض المغرب. وثالثا أنه اجتهاد في مقابلة النص ، فلعل الشارع لم يعتبر ذلك الطلوع في صلاة الفجر ، واعتبره في المغرب ، والمنع من عدم اعتباره في الفجر ـ لخبر الرضا عليه‌السلام ولأن الشارع علق الحكم على الطلوع المتحقق بظهور الحمرة ، ولم يصرح بأن المراد رؤية نفس القرص ـ يدفعه ـ مع أن ذلك المعاصر لا يقول به ـ عدم اعتبار ما أرسله عن الرضا عليه‌السلام في قطع الاستصحاب وغيره ، والقطع بعدم اكتفاء الشارع في هذا المعنى الذي ينساق إلى الذهن خلافه بمثل هذه العبارة من غير إشارة في شي‌ء من النصوص الواردة فيه اليه كالفتاوى ، بل تركهم له فيه بعد ذكرهم إياه في المغرب كالصريح في عدم اعتباره ، لا أنه قرينة على إرادته كما هو واضح ، ورابعا ما في الرياض من أن ذهاب الحمرة من المشرق علامة على تيقن الغروب الذي هو المعيار في صحة الصلاة ، وانقطاع استصحاب عدم الغروب ، والمفرغ للذمة بيقين لا أنه نفس الغروب ، فلا يرد النقض حينئذ بظهور الحمرة المغربية بالنسبة للطلوع ، إذ أقصاه حصول الشك بذلك في طلوع الشمس على الأفق المشرقي ، وهو لا يقطع يقين الوقت ، بل لا يقطعه إلا الطلوع الحسي ، إذ الأمر فيه على العكس من الأول ، وهو جيد لولا ظهور النصوص والفتاوى بكون الحمرة علامة للغروب نفسه لا يقينه ، نعم هو على كل حال مؤيد بالأصل والاحتياط ، بل مقتضاهما ومرسل ابن أبي عمير السابق (١) والرضوي (٢) التأخير حتى تذهب الحمرة إلى أن تجاوز سمت الرأس كما صرح به ثاني الشهيدين والفاضل الهندي بل والكليني‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

١٢٠