جواهر الكلام - ج ٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ثم انه لا يخفى عدم دوران الحكم نجاسة وحرمة على الإسكار كما صرح به بعضهم ، ويعطيه ظاهر آخرين ، لا طلاق الأدلة وترك الاستفصال فيها سيما بعد الاستفصال عنه بالنسبة للنبيذ ، نعم لا يبعد كون ذلك منشأهما عند الشارع ولو بالكثير منه في بعض الأحوال ، والله أعلم.

( العاشر الكافر )

إجماعا في التهذيب والانتصار والغنية والسرائر والمنتهى وغيرها وظاهر التذكرة بل في الأول من المسلمين ، لكن لعله يريد النجاسة في الجملة ، لنص الآية الشريفة (١) وان كانت العامة يؤلونها بالحكمية لا العينية ، نعم هي كذلك عندنا من غير فرق بين اليهود والنصارى وغيرهم ، كما هو صريح معقد إجماع المرتضى وظاهر غيره بل صريحه ، ولا بين المشرك وغيره ، ولا بين الأصلي والمرتد ، ولعل ما عن غرية المفيد من الكراهة في خصوص اليهود والنصارى يريد بها الحرمة ، كما يؤيده اختياره لها في أكثر كتبه على ما قيل ، وعدم معروفية حكاية خلافه كنقل الإجماع من تلامذته ، مع انه المؤسس للمذهب.

وما عن موضع من نهاية الشيخ ـ « ويكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفار إلى طعامه فيأكل معه ، فان دعاه فليأمر بغسل يديه ثم يأكل معه إن شاء » ـ محمول كما عن نكت المصنف على المؤاكلة باليابس أو الضرورة ، وغسل اليد لزوال الاستقذار النفساني الذي يعرض من ملاقاة النجاسة ، أو على ما ذكره ابن إدريس في السرائر من أنه أورد الرواية الشاذة إيرادا لا اعتقادا ، ويؤيدهما ـ مضافا إلى نفي الخلاف بيننا في نجاسة غير اليهود والنصارى من المصنف في المعتبر وغيره ـ تصريحه قبل ذلك فيها ، بل قيل في غير موضع منها بنجاسة الكفار على اختلاف مللهم.

__________________

(١) سورة التوبة الآية ـ ٢٨.

٤١

وأما ما عن مختصر ابن الجنيد ـ من أنه لو تجنب من أكل ما صنعه أهل الكتاب من ذبائحهم وفي آنيتهم ، وكذلك ما وضع في أواني مستحل الميتة ومؤاكلتهم ما لم يتيقن طهارة أوانيهم وأيديهم كان أحوط ـ فهو ـ مع عدم صراحته أيضا بل ولا ظهوره عند التأمل ـ غير قادح فيما ذكرنا بعد مرفوضية أقواله عندنا ، لما قيل من عمله بالقياس ، كالمحكي عن ابن أبي عقيل من عدم نجاسة سؤر اليهود والنصارى ، مع أنه لعله لعدم نجاسة القليل عنده بالملاقاة ، إذ السؤر عند الفقهاء على ما قيل الماء القليل الذي لاقاه فم حيوان أو جسمه ، بل قد يشعر تخصيصه عدم النجاسة بالسؤر بموافقته فيها في غيره ، فلا خلاف حينئذ يعتد به بيننا في الحكم المزبور ، بل لعله من ضروريات مذهبنا.

ولقد أجاد الأستاذ الأكبر بقوله : « إن ذلك شعار الشيعة ، يعرفه منهم علماء العامة وعوامهم ونساؤهم وصبيانهم ، بل وأهل الكتاب فضلا عن الخاصة ».

ويدل عليه مضافا إلى ذلك قوله تعالى (١) ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) المتمم دلالتها ـ حيث تضمنت لفظ النجس الذي لم يعلم إرادة المعنى الاصطلاحي منه ، أو اختصت بالمشرك ـ بظهور إرادة الاصطلاحي هنا ولو بالقرائن الكثيرة التي منها تفريع عدم قربهم المساجد الذي لا يتجه إلا عليه ، على أن النجاسة اللغوية مع منع تحققها في المترفين منهم ليست من الوظائف الربانية ، واحتمال إرادة الخبث الباطني من النجاسة ـ كما اختاره بعض الناس ممن لا نصيب له في مذاق الفقه تبعا للعامة العمياء ـ ضروري الفساد ، مع أنها ليست من المعاني المعهودة المعروفة للفظ النجاسة.

وبعدم القول بالفصل بين المشرك وغيره منهم ، كالمحكي في الغنية والرياض إن لم نقل بتعارف مطلق الكافر من المشرك ، أو لما يشمل اليهود والنصارى ، لقوله تعالى (٢) : « ( وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ) ـ إلى قوله تعالى : ـ ( عَمّا يُشْرِكُونَ ) » ولما يشعر به‌

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٢٨.

(٢) سورة التوبة ـ الآية ٣٠.

٤٢

قوله تعالى لعيسى (ع) (١) ( أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ؟ ) من شركهم أيضا ولقولهم (٢) أيضا : « إنه ( ثالِثُ ثَلاثَةٍ ) » المشعر بكونه عند اليهود ثاني اثنين ، وغير ذلك.

وكذلك المجوس ، لما قيل إنهم يقولون بإلهية يزدان والنور والظلمة ، كتتمة ما دل على نجاسة المجوس به أيضا من صحيح علي بن جعفر (٣) ومحمد بن مسلم (٤) وموثق سعيد الأعرج (٥) وغيرها (٦) وما دل على نجاسة خصوص اليهود والنصارى أيضا من المعتبرة (٧) وهي وإن كان في مقابلها أخبار (٨) دالة على الطهارة ، وفيها الصحيح وغيره ، بل هي أوضح من تلك دلالة ، بل لولا معلومية الحكم بين الإمامية وظهور بعضها في التقية لاتجه العمل بها ، لكن لا ينبغي أن يصغى إليها في مقابلة ما تقدم ، وإن أطنب بعض الأصحاب في البحث عنها وتجشم محامل لها يرجح الطرح عليها فضلا عن التقية.

كما انه لا ينبغي الإصغاء للاستدلال على الطهارة أيضا بقوله تعالى (٩) ( وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ، وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) بعد ورود الأخبار المعتبرة (١٠) وفيها الصحيح والموثق وغيرهما ، بإرادة العدس والحبوب والبقول من الطعام ، سيما مع تأييدها بما عن المصباح المنير أنه « إذا أطلق أهل الحجاز الطعام عنوا به البر خاصة » وما عن‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ١١٦.

(٢) سورة المائدة ـ الآية ٧٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٨ وليس فيه سؤال عن المجوسي.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب النجاسات.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب النجاسات.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٩) سورة المائدة ـ الآية ٧.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١ و ٦ والباب ٢٧ الحديث ٤٦ من كتاب الصيد والذبائح.

٤٣

المغرب « أن الطعام اسم لما يؤكل ، وقد غلب على البر » بل عن ابن الأثير عن الخليل « ان الغالب في كلام العرب أنه البر خاصة » إلى غير ذلك مما حكي عنهم مما يقتضي اختصاصه بالبر.

وقد يشهد له‌ حديث أبي سعيد (١) « كنا نخرج الصدقة الفطرة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاعا من طعام أو صاعا من شعير » لكن قد ينافي ذلك إضافة الطعام إلى الذين أوتوا الكتاب ، فمن هنا كان حمل الطعام في الآية الكريمة على مضمون الأخبار السابقة متجها ، بل لا يبعد إرادة طعامهم المنزل عليهم ، كالمن والسلوى ، والذي دعا الله لهم موسى بأن تنبته الأرض لهم من العدس والفوم ونحوهما ، وكيف كان فتطويل البحث في المقام تضييع للأيام في غير ما أعدها له الملك العلام.

ويلحق بالكافر ما تولد منه ، كما في ظاهر الموجز وصريح التذكرة والذكرى وكشف الالتباس وشرح المفاتيح للأستاذ ومنظومة الطباطبائي وعن المبسوط والإيضاح ونهاية الأحكام ، بل لا أجد فيه خلافا ، بل في شرح الأستاذ نسبته للأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه حتى لو بلغ مجنونا ، وهو الحجة إن تم في قطع الأصول والعمومات ، ولعله كذلك ، كما يومي اليه تسالمهم على نحوه من أحكام التبعية فيه وفي ولد المسلم ، كالأسر والاسترقاق ونحوهما ، كذكر الحكم به هنا ممن تعرض له على جهة الجزم والقطع من غير تردد وإشكال ، كباقي المسائل المسلمة عدا العلامة في النهاية ، فقال : « الأقرب التبعية » مما يشعر بعدم قطعية الحكم عنده ، ولعله لذا وسوس فيه بعض متأخري المتأخرين ، إلا أنه في غير محله ، لعدم قدح ذلك في القطع بالتبعية المذكورة المستفاد مما عرفت.

بل في النصوص إشارة اليه ، كصحيح عبد الله بن سنان (٢) « سأل الصادق‌

__________________

(١) تيسير الوصول ـ ج ٢ ـ ص ١٣٠ وفيه‌ « كنا نخرج زكاة الفطرة. ». (٢) البحار ـ ج ٥ ص ٢٩٥ المطبوعة بطهران عام ١٢٧٦.

٤٤

عليه‌السلام عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث ، قال : كفار ، والله أعلم بما كانوا عاملين ، يدخلون مداخل آبائهم » وخبر وهب بن وهب (١) عن جعفر ابن محمد عن أبيه عليهما‌السلام « أولاد المشركين مع آبائهم في النار ، وأولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة » كالمرسل عن الكافي (٢) « فأما أطفال المؤمنين فإنهم يلحقون آباءهم ، وأولاد المشركين يلحقون آباءهم ، وهو قول الله عز وجل (٣) ( بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) » الآية.

ولا ينافي ذلك ما ورد في غير واحد من الأخبار (٤) من تأجيج النار للأطفال في يوم القيامة فيؤمرون بالدخول إليها ليعرف المطيع منهم والعاصي ، لا مكان حملها كما في الحدائق ـ بعد تسليم العمل بها ، لمنافاتها للطف ، ولما قد يدعى القطع به من انقطاع التكليف في تلك الدار ـ على كون الداخلين أطفال المؤمنين ، والممتنعين أطفال الكافرين ، وعلى تنزيل هذا الاختبار والامتحان لغير أولاد المشركين والمؤمنين ، بل هو لأطفال المسلمين الذين يحاسبون آباؤهم ، وأما أولئك فينساقون إلى الجنة والنار تبعا لآبائهم من غير حساب ، كما مال إليه في الحدائق ، وعن الوافي الجمع بينها بحمل الأولى على الإلحاق في عالم البرزخ ، والثانية على عالم القيامة ، وعلى كل حال فلا ينافي ذلك الاستدلال بها على ما تقدم. نعم قد يناقش في دلالتها على المطلوب من جهة أخرى.

والانصاف ان العمدة الإجماع السابق في إثبات الحكم المذكور ، وإلا فالاستدلال عليه بذلك ، أو بنجاسة أصلية ، وباستصحاب نجاسته حال كونه نطفة ، وبقوله تعالى (٥) :

__________________

(١) البحار ـ ج ٥ ص ٢٩٤ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٦.

(٢) فروع الكافي ـ باب الأطفال ـ من كتاب الجنائز ـ الحديث ٣.

(٣) سورة الطور ـ الآية ٢١.

(٤) البحار ـ الباب ـ ١٣ من أبواب العدل ـ الحديث ٢ و ٣ و ٧ من كتاب العدل والمعاد.

(٥) سورة نوح عليه‌السلام ـ الآية ٢٨.

٤٥

( لا يَلِدُوا إِلاّ فاجِراً كَفّاراً ) ونحوها كما ترى ، سيما بعد‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « كل مولود يولد على الفطرة ».

نعم قد يمنع الإجماع المزبور في المتولد منهما بغير النكاح الصحيح في حقه ، اقتصارا على المتيقن منه في قطع الأصول والعمومات ، وان كان لا يخلو من إشكال ، كما يمنع فيما لو كان أحد أبويه مسلما ، لتبعيته للأشرف حينئذ ، بل في شرح الأستاذ « انه الظاهر منهم ، للأصل وغيره من الإجماع والأخبار » انتهى.

ولو جن بعد بلوغه عاقلا في فسحة النظر ففي طهارته وجهان ، أقواهما نعم ، للأصل والعموم السالمين عن معارضة التبعية بعد معلومية انقطاعها بالبلوغ عاقلا ، فلا استصحاب لحكمها ، بل لعل استصحاب الطهارة حينئذ متجه ، بناء على حصولها له في فسحة النظر كما هو الأقوى ، للأصل وعدم صدق الكافر ، إذ ضابطه من خرج عن الإسلام بأن وصف غيره ولو بالارتداد أو من انتحله ولكن جحد ما يعلم من الدين ضرورة كالخوارج والغلاة كما في الإرشاد والدروس والذكرى والبيان والروض والروضة ، بل لا أجد فيه خلافا ، بل تحقق الكفر بالأول إجماعي أو ضروري بل وبالثاني أيضا ، بناء على أن سببية الكفر لاستلزامه إنكار الدين ، وإلا فلا دليل على تحقق الكفر به لنفسه ، ومن هنا لم يحكم بالكفر بإنكار جديد الإسلام وبعيد الدار ونحوهما ، بل وكل من علم أن إنكاره لشبهة ، بل قيل وكل من احتمل وقوع الشبهة في حقه ، لعدم ثبوت الاستلزام المذكور في شي‌ء منها الذي هو المدار في حصوله ، ولذا لو تحقق ولو بإنكار غير الضروري كالمقطوع به بالنظر حكم بكفر منكره أيضا مع فرض قطعه به ، ولعل مرادهم بالضروري ما يشمل ذلك على إرادة اليقيني ولو بالبرهان ، أو أن تخصيصهم الحكم بالضروري باعتبار الحكم الظاهري بكفره إذا كان ناشيا في بلاد‌

__________________

(١) أصول الكافي ـ ج ٢ ص ١٣ من طبعة طهران.

٤٦

الإسلام مما لا يحتمل الشبهة في حقه ، فبمجرد ظهور الإنكار منه يحكم بكفره ، بخلاف النظري فلا يحكم بكفره بمجرد ذلك حتى يعلم انه أنكر حال كونه قاطعا به.

وعليه ينزل إطلاق ما عن صلاة الروض من الحكم بكفر منكر المجمع عليه كالضروري ، والى بعض ما ذكرنا يومي تقييد كشف اللثام كفر منكر الضروري بما إذا علم انه من ضرورياته ، كما أن أكثره صريح ما في مجمع البرهان « المراد بالضروري الذي يكفر منكره الذي ثبت عنده يقينا انه من الدين ولو بالبرهان وان لم يكن مجمعا عليه ، إذ الظاهر من دليل كفره هو إنكار الشريعة وإنكار صدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثلا في ذلك الأمر مع ثبوته يقينا ، وليس كل من أنكر مجمعا عليه يكفر ، بل المدار على حصول العلم والإنكار وعدمه ، إلا أنه لما كان حصوله في الضروري غالبا جعل ذلك المدار ، وحكموا به » انتهى.

قلت : لكن قد يقال : إن ذلك كله مناف لما عساه يظهر من الأصحاب كالمصنف وغيره خصوصا من عبر بالإنكار منهم ، وان كان الظاهر إرادته منه الجحود هنا من تسبيب إنكار الضروري الكفر لنفسه ، حيث أناطوه به ، حتى نقل عن غير واحد منهم ظهور الإجماع عليه من غير إشارة منهم إلى الاستلزام المذكور ، بل ظاهر عطفهم إياه على السبب الأول للكفر عدمه ، بل اقتصر بعضهم في ضابط أصل الكافر عليه ، لاندراج الأول فيه عند التأمل ، إلى غير ذلك مما يشهد لكون مرادهم تسبيبه الكفر نفسه.

كما أنه قد يشهد له أيضا‌ مكاتبة عبد الرحيم القصير (١) للصادق عليه‌السلام المروية في باب الايمان والكفر من الكافي قال فيها : « لا يخرجه أي المسلم الى الكفر إلا الجحود والاستحلال ، ان يقول للحلال هذا حرام ، وللحرام هذا حلال ، ودان‌

__________________

(١) أصول الكافي ـ ج ٢ ص ٢٧ من طبعة طهران.

٤٧

بذلك ، فعندها يكون خارجا عن الإسلام والايمان داخلا في الكفر ، وكان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة وأحدث في الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة وعن الحرم ، فضربت عنقه » الحديث.

مضافا الى إطلاق كثير من النصوص (١) المتفرقة في الأبواب وترك الاستفصال في جملة منها مع الحكم بكفر منكر الضروري بمجرد إنكاره من غير تربص في حاله أنه لشبهة أم لا ، ومع ذلك كله فلعل وجهة أن إنكار الضروري ممن لا ينبغي خفاء الضرورة عليه ـ كالمتولد في بلاد الإسلام حتى شاب ـ إنكار للشريعة والدين ، واحتمال الشبهة في حقه بل وتحققها بحيث علمنا انه لم يكن ذلك منه لإنكار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الصانع غير مجد ، إذ هو في الحقيقة كمن أظهر إنكار النبي بلسانه عنادا وكان معتقدا نبوته بجنانه ، لأن إنكاره ذلك الضروري بمنزلة قوله : إن هذا الدين ليس بحق ، فلا يجدي اعتقاده حقيته.

ويؤيد ذلك حكمهم بكفر الخوارج ونحوهم ممن هو مندرج في هذا القسم ، واستحقاقهم القتل وغيره من أحكام الكفار مع العلم اليقيني بأن منهم إن لم يكن جميعهم من لم يدخله شك في ربه أو نبيه فضلا عن إنكاره لهما بقلبه.

فدعوى ان إنكار الضروري يثبت الكفر إن استلزم إنكار النبي مثلا ، فمتى علم أن ذلك كان لشبهة وإلا فاعتقاده بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثلا ثابت لم يحكم بكفره لا شاهد عليها ، بل هي مخالفة لظاهر الأصحاب ، وكان منشأها عدم وضوح دليل الكفر بدونها على مدعيها ، وقد عرفت ان ذلك الإنكار المستلزم في نفسه لإنكار ذلك الدين وان لم يكن كذلك عند المنكر بدليل تسالم الأصحاب على ثبوت الكفر به.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

٤٨

نعم لو كان المنكر بعيدا عن بلاد الإسلام بحيث يمكن في حقه خفاء الضرورة لم يحكم بكفره بمجرد ذلك ، ولعله ينزل عليه التقييد السابق في كشف اللثام ، فلا ينافي ما ذكرنا ، كما انه يحتمل تنزيل ما تقدم من مجمع البرهان على إرادة لزوم إنكار الضروري لإنكار الشريعة في نفسه وحد ذاته وان لم يكن عند المنكر ، فلا ينافيه أيضا وان كان احتمال ذلك في كلامه بعيدا بل ممتنعا ، أما لو أصر بعد الظهور والاطلاع وان كان لشبهة ألجأته إليه حكم بكفره ، لعدم معذوريته ، وظهور تقصيره في دفع تلك الشبهة ، كمن أنكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثلا لشبهة.

فالحاصل انه متى كان الحكم المنكر في حد ذاته ضروريا من ضروريات الدين ثبت الكفر بإنكاره ممن اطلع على ضروريته عند أهل الدين ، سواء كان ذلك الإنكار لسانا خاصة عنادا أو لسانا وجنانا.

ومنه يظهر الفرق حينئذ بين الضروري وغيره من القطعي كالمجمع عليه ونحوه ، فإنه لا يثبت الكفر بالثاني إلا مع حصول العلم ثم الإنكار ، بخلافه في الضروري فيثبت وان لم يكن إنكاره كذلك.

وقد يؤيد ذلك كله ما حكاه شيخنا في مفتاح الكرامة ، قال : وهنا كلام في أن جحود الضروري كفر في نفسه أو لأنه يكشف عن إنكاره النبوة مثلا ، ظاهر هم الأول ، واحتمل الأستاذ الثاني ، قال : « فعليه لو احتمل وقوع الشبهة عليه لم يحكم بكفره ، إلا أن الخروج عن مذاق الأصحاب مما لا ينبغي » انتهى.

قلت : وهذا من أستاذه اعتراف بما ذكرناه من مراد الأصحاب ، حتى أنه ذكر ما ينافيه بصورة الاحتمال ، ثم كر عنه ، ويؤيده قرائن كثيرة تشهد على إرادتهم ذلك لا يسع المقام تعدادها ، خصوصا مع ملاحظة باب الحدود ، ففي القواعد هناك أنه يحصل الارتداد إما بالفعل ، وإما بالقول كاللفظ الدال بصريحه على جحد ما علم‌

٤٩

ثبوته من دين الإسلام ضرورة ، وعلى اعتقاد ما يحرم اعتقاده بالضرورة من دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سواء كان القول عنادا أو اعتقادا أو استهزاء ، إلا أنا قد بلينا في عصرنا هذا في بلدنا هذه بمن يدعى القطع واليقين بأن مراد الأصحاب ذلك الاحتمال بحيث لا يسمع كلاما من أحد ولا رشدا ممن أرشد ، ولو أن ذلك كان منه بعد التأمل والنظر لكان حقيقا بأن يعذر ، والله أعلم.

وكيف كان فلا كلام في نجاسة ما في المتن من الفرقتين كما في جامع المقاصد وعن الدلائل ، بل عن الأخير والروض الإجماع عليهما ، وهو كذلك.

أما الخوارج ـ فكفرهم بانكارهم جملة من الضروريات كاستحلالهم قتل أمير المؤمنين عليه‌السلام ومن معه من المسلمين ، وحكمهم بتكفيرهم بمجرد التحكيم ـ فيدل عليها جميع ما دل على نجاسة الكافرين من الإجماع وغيره ، ومع ذا ففي المرسل (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصفهم « انهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرامي » كما‌ عن الفضل « دخل على أبي جعفر عليه‌السلام رجل محصور عظيم البطن ، فجلس معه على سريره ، فحياه ورحب به ، فلما قام قال : هذا من الخوارج كما هو ، قال : قلت : مشرك ، فقال : مشرك والله مشرك ».

وأما الغلاة ـ وهم الذين تجاوزوا الحد في الأئمة (ع) حتى ادعوا فيهم الربوبية ، قيل : وقد يطلق الغلو على من قال بإلهية أحد من الناس ـ فظاهر المصنف بل صريحه كغيره من الأصحاب أن كفرهم بإنكار الضروري أيضا ، ولعله لعدم نفيهم أصل الإلهية والصانع ، وانما ادعوا أن أمير المؤمنين عليه‌السلام مثلا هو الصانع فأنكروا ما علم بطلانه بالضرورة من الدين ، وبالأدلة العقلية والبراهين مما يجب عنه تنزيه رب العالمين‌

__________________

(١) سفينة البحار ـ ج ١ ص ٣٨٣.

٥٠

مما اتصف به سيدنا ومولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لكن في كشف الغطاء للأستاذ المعتبر أنهم من الكافرين بالذات لا لإنكارهم بعض الضروريات ، كأتباع مسيلمة الكذاب ، إذ هم لخصوص الصانع والنبي (ص) من النفاة ، وان أثبتوا في الجملة الربوبية والنبوة للغير ، وهو جيد في الثاني لا يخلو من تأمل في الأول يعرف مما تقدم.

إلا أنه على كل حال لا كلام في نجاستهم وكفرهم كما في جامع المقاصد وعن الدلائل ، بل عن الأخير والروض الإجماع عليه ، قلت : وهو كذلك ، بل يدل عليه جميع ما دل على نجاسة الكافر ، مضافا إلى ما عن‌ الكشي (١) في ترجمة فارس بن حاتم الغالي عن أبي الحسن عليه‌السلام انه قال : « توقوا مساورته ».

ويلحق بهم عبدة الأوثان والكواكب والدهرية ونحوهم ممن زعم ان مثل ذلك الصانع ، لمساواتهم لهم من تلك الجهة ، نعم لو أثبتوا مع ذلك صانعا معها كانوا من المشركين لا من قبيل الغلاة ، كما أنهم لو أثبتوا مع عبادتهم إياها صانعا لها كانوا ممن كفر بإنكار بعض الضروريات.

وأطلق في المنتهى والدروس وظاهر القواعد وعن المبسوط والتحرير نجاسة المجسمة ، وقضيته عدم الفرق بين المجسمة حقيقة وهم القائلون بكونه جسما كالأجسام وبين المجسمة بالتسمية أي القائلين بأنه جسم لا كالأجسام ، بل به صرح في جامع المقاصد ، كما أنه كاد يكون صريح الروض أيضا ، بل في آخر عبارة الأول انه لا كلام في نجاسة المجسمة ، وفي الثاني لا ريب في نجاسة القسم الأول منهم ، لكن قيده في البيان والمسالك بالحقيقة ، وقضيته طهارة المجسمة بالتسمية ، وهو الأقوى. للأصل والعمومات واستصحاب طهارة الملاقي ، وما دل على طهارة المسلمين المتحقق إسلامهم بابراز الشهادتين‌

__________________

(١) رواه المامقاني في تنقيح المقال في ترجمة فارس بن حاتم عن الكشي وفيه « مشاورته » بدل « مساورته ».

٥١

السالمة عن معارضة ما يقتضي الكفر المنجس ، ودعوى أنهم ممن أنكر ضروريات لاعتقادهم الجسمية ، وكل جسم محدث واضحة المنع هنا ، لعدم استلزام خصوص هذه الدعوى من الجسمية ذلك عند المدعي ، بل وفي الواقع ، بل قيل إنهم موافقون لأهل الحق في العقيدة ، وانما تجوزوا في التسمية كإطلاق اليد.

ويؤيده ما اشتهر من نسبة ذلك إلى هشام بن الحكم ، وهو من أجلاء أصحابنا ومتكلميهم ، وعن المرتضى في الشافي « فأما ما رمي به هشام بن الحكم من القول بالتجسيم فالظاهر من الحكاية عنه القول بجسم لا كالأجسام ، ولا خلاف في أن هذا القول ليس بتشبيه ولا ناقض لأصل ولا معترض على فرع ، وانه غلط في عبارة يرجع في إثباتها ونفيها إلى اللغة ، وأكثر أصحابنا يقولون : إنه أورد ذلك على سبيل المعارضة للمعتزلة ، فقال لهم ، إذا قلتم إن القديم تعالى شأنه شي‌ء لا كالأشياء فقولوا : إنه جسم لا كالأجسام » انتهى.

قلت : بل قد يمنع كفرهم حتى لو سلم استلزام تلك الدعوى الحدوث في نفس الأمر ، إلا أنهم لم يعترفوا به بزعمهم ، إذ المدار في إنكار الضروري التصريح به لا اللزوم الذي لم يعترف به الخصم.

ومنه يعرف وجه طهارة المجسمة ولو بالحقيقة أيضا إذا لم يعترفوا بذلك اللزوم ، لاتحادهما حينئذ في المقتضي وعدم المانع ، ولذا كان ظاهر المعتبر والتذكرة بل كاد يكون صريح الثاني كنهاية الأحكام والذكرى بل هو صريح الأخير طهارة المجسمة من غير تقييد له بالتسمية ، بل لعل ما تقدم من البيان والمسالك من التقييد بالحقيقة راجع اليه على أن يراد به نجاسة خصوص المجسمة القائلين بأنه كسائر الأجسام في الحقيقة ولوازمها من الحدوث والافتقار لا من يلزمهم ذلك وهم له منكرون ، وأولئك لا كلام في كفرهم عند الجميع لا من حيث القول بالتجسيم ، بل من حيث الحدوث والافتقار ونحوهما مما علم‌

٥٢

بطلانه من الدين ضرورة ، وعليه حينئذ يحمل ما ورد بكفر المشبهة ، كقول الرضا عليه‌السلام (١) : « من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر » بناء على أن المجسمة من المشبهة ، إذ هم على ما في قواعد العقائد وشرحها الذين قالوا : إن الله تعالى في جهة الفوق ، ويمكن أن يرى كما ترى الأجسام ، وقد نص على نجاستهم في البيان وعن المبسوط والتحرير والمنتهى لكن مع التقييد في البيان بالحقيقة كالمجسمة ، فيبقى من قال بالتجسيم أو التشبيه مجردا عن دعوى الحدوث ونحوه على مقتضى أصل الطهارة وعموماتها وما دل على طهارة المسلم ، اللهم إلا أن يدعى أن القول بهما في نفسه وحد ذاته من دون نظر إلى لازمه قد علم بطلانه بالضرورة من الدين ، وفيه منع ، سيما بعد توهمه من ظواهر الكتاب والسنة ، كقوله تعالى (٢) ( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) ونحوه ، أو يدعى ضرورية استلزام تلك الدعوى الحدوث ونحوه بحيث لا يسمع إنكاره ، وفيه منع أيضا ، وان كان ربما يؤيده ما سمعته من إطلاق كفر المشبهة مع عدم معروفية اعترافهم بما أورد عليهم من اقتضاء ذلك الحدوث ونحوه ، بل المعلوم منهم إنكاره.

نعم جوزوا إمكان الرؤية ونحوها مما لم يكن ضروري البطلان ، إلا انه قد يحمل ذلك على إرادة الكفر في الآخرة لا الدنيا ، تحكيما لما دل على حصول الإسلام بالشهادتين عليه ، لموافقته لظاهر الأصحاب هنا من انحصار سبب كفر المسلم بإنكار الضروري المفروض الانتفاء هنا ، فيكون المدار حينئذ في كفر هذه الفرق من المسلمين انهم إن صرحوا بالتزام ما يرد على مذاهبهم مما علم بطلانه بالضرورة من الدين أو كانت نفس دعواهم كذلك حكم بكفرهم ، وإلا فلا ، من غير فرق بين المجسمة وغيرهم ، والظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٥ من كتاب الحدود والتعزيرات.

(٢) سورة طه ـ الآية ٤.

٥٣

ان التجسيم والتشبيه من حيث هما ليسا مما علم بطلانهما كذلك.

وأما المجبرة فعن المبسوط نجاستهم ، وربما مال إليه في كشف اللثام ، وهو لا يخلو من وجه ، لقول الرضا عليه‌السلام السابق ، كقوله عليه‌السلام (١) : « القائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك » وقول الصادق عليه‌السلام (٢) : « ان الناس في القدر على ثلاثة أوجه : رجل يزعم أن الله تعالى أجبر الناس على المعاصي فهذا قد أظلم الله في حكمه ، فهو كافر ، ورجل يزعم أن الأمر مفوض إليهم ، فهذا قد أوهن الله في سلطانه ، فهو كافر » الخبر.

ولاستتباعه لإبطال النبوات والتكاليف رأسا ، وإبطال كثير مما علم من الدين ضرورة ، فكفرهم أوضح من غيرهم إلا أن يكونوا من الحمق بحيث لا يتفطنون لذلك ، فهم ليسوا من الناس في شي‌ء.

ولقوله تعالى (٣) ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا ، وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْ‌ءٍ ، كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّى ) ( ذاقُوا بَأْسَنا ) إذ ذلك مذهبهم بعينه.

لكن قد يناقش في ضرورية بطلان نفس ما ذهبوا اليه بموافقته لكثير من ظواهر الكتاب والسنة ، بل قيل : ورد (٤) في بعض الأخبار والأدعية أنه خالق الخير والشر ، وبتعارض أدلة العقل في ثبوت الاختيار للعبد وعدمه مع صعوبة إدراك ما ورد (٥) عن العترة عليهم‌السلام من الأمر بين أمرين ، بل قيل : إن ما ذكر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٤ ـ ١٠ من كتاب الحدود والتعزيرات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٤ ـ ١٠ من كتاب الحدود والتعزيرات.

(٣) سورة الأنعام ـ الآية ١٤٩.

(٤) أصول الكافي ـ ج ١ ص ١٥٤ من طبعة طهران.

(٥) أصول الكافي ـ ج ١ ص ١٥٥ من طبعة طهران.

٥٤

في بيانه يرجع إلى التجبير أو التفويض.

كما أنه قد يناقش في تكفيرهم لاستلزام مذهبهم إنكار الضروري وإن لم يكن هو كذلك من تنزيهه تعالى عن القبيح والنقص وغيره بما قد عرفت من أن المدار على الإنكار صريحا لا لازما لم يعترف به ذلك المدعي لأمور تخيل صحتها ، إلا أن يعلم منه معرفته بطلانها ، وانه يذكرها عنادا ، وإلا فهو معترف بتلك اللوازم باطنا.

ومن هنا ضعف القول بالنجاسة في المنتهى والذكرى وجامع المقاصد وعن اللمعة ، واستقرب الطهارة في ظاهر التذكرة والنهاية والقواعد أو صريحها ، بل هو ظاهر المصنف في المعتبر ، بل لم أجد موافقا صريحا للشيخ على ذلك.

ويؤيده بعد الأصل والعمومات وما دل على طهارة المسلمين استمرار السيرة المظنون أو المعلوم أنها في زمن المعصوم على عدم اجتناب سؤر المخالفين ، وأكثرهم المجبرة ، بل لعل غيرهم قد انقرض في بعض الطبقات ، فينزل حينئذ ما ورد بكفرهم على الأخروي ، وإلا فهم على الطهارة في الدنيا ، وهو الأقوى ، ما لم يعترفوا ببعض ما يلزمونه مما هو مخالف لضرورة الدين.

ومن ذلك كله يعلم الحال في المفوضة ، لكن عن الأستاذ « أن ظاهر الفقهاء طهارتهم ، وان كان في الأخبار (١) تصريح بشركهم وكفرهم » انتهى.

ولعلك بعد الاطلاع على ما عرفت تستغني عن إطالة الكلام في أحوال الفرق المخالفة من المسلمين ، إذ الضابط في كفرهم إنكار ضروري الدين أو ما نص على كفرهم منها.

نعم هو لا يندرج فيه الساب منهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام عليه‌السلام أو الزهراء عليها‌السلام أو الهاتك لحرمة الإسلام بقول أو فعل ، لكن لم أعرف من نص على نجاستهم هنا عدا شيخنا في كشف الغطاء ، وهو جيد في الثاني‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٤ و ١٠ و ٣١.

٥٥

لما يأتي إن شاء الله من تحقق الارتداد به ، كما نص عليه هناك في القواعد ، ولا يخلو من تأمل في بادئ النظر في الأول إذا فرض عدم دخوله في الناصب ، خصوصا في سب غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعدم الدليل الصالح لقطع الأصول والعمومات وما دل على طهارة المسلمين ، واستحقاقه القتل كما نص عليه المصنف وغيره في الحدود أعم من الحكم بكفره المستلزم لنجاسته ، إذ لعله لكونه حدا من الحدود ، كما يقتل مرتكب الكبائر في الثالثة وغيره ، بل قد يظهر من القواعد بل والكتاب هناك ان قتله له لا للارتداد ، لذكرهما له ملحقا بحد القذف مع عدم ذكر أولهما له في أسباب الارتداد ، لكن قد يكون مندرجا عندهم في الهاتك لحرمة الإسلام ، كما هو الظاهر ، بل ينبغي القطع به عند التأمل ، وفي الانتصار ان سب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعيبه والوقيعة فيه ردة من المسلم بلا شك ، وحينئذ يكون كالسابق أو في الناصب ، بناء على تحقق مسمى العداوة عرفا بذلك.

وربما يلحق بهم سب بقية المعصومين من الأنبياء السابقين والملائكة المقربين (ع) وأولى منه الضرب والإهانة والقتل ونحو ذلك ، وكذا لا يندرج في الضابط المذكور معتقد خلاف الحق من فرق المسلمين ، كجاحد النص على أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو في محله ، لأن الأقوى طهارتهم في مثل هذه الأعصار وان كان عند ظهور صاحب الأمر (ع) بأبي وأمي يعاملهم معاملة الكفار ، كما أن الله تعالى شأنه يعاملهم كذلك بعد مفارقة أرواحهم أبدانهم ، وفاقا للمشهور بين الأصحاب ، سيما المتأخرين نقلا وتحصيلا ، بل يمكن تحصيل الإجماع كما عن الأستاذ انه معلوم ، بل لعله ضروري المذهب للسيرة القاطعة من سائر الفرقة المحقة في سائر الأعصار والأمصار ، وللقطع بمخالطة الأئمة المرضيين عليهم‌السلام وأصحابهم لهم حتى لرؤسائهم ومؤسسي مذهبهم على وجه‌

٥٦

يقطع بعدم كونه للتقية ، مع أن الأصل عدمها فيه ، وإلا لعلم كما علم ما هو أعظم منه من السب والبراءة ونحوهما.

ولذا حكى الإجماع في كشف اللثام والرياض على عدم احتراز الأئمة عليهم‌السلام وأصحابهم عنهم في شي‌ء من الأزمنة وهو الحجة بعد الأصل بل الأصول فيهم وفيما يلاقيهم والعمومات وشدة العسر والحرج على تقدير النجاسة المنفيين بالعقل والآية (١) والرواية (٢) وللنصوص (٣) المستفيضة بل المتواترة في حل ما يوجد في أسواق المسلمين والطهارة مع القطع بندرة الإمامية في جميع الأزمنة سيما أزمنة صدور تلك النصوص فضلا عن أن يكون لهم سوق يكون موردا لتلك الأحكام المزبورة ، فهو من أقوى الأدلة على طهارة هؤلاء الكفرة ، وإن كانوا في المعنى أنجس من الكلاب الممطورة.

ولانحصار مقتضى النجاسة في كفرهم بذلك ، وقد ثبت ضده ، وهو صفة الإسلام بشهادة ما دل على حصوله بابراز الشهادتين من الأخبار ، كخبر سفيان بن السمط (٤) المروي هو وما يأتي بعده أيضا في باب الكفر والايمان من الكافي ، قال : « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإسلام والايمان ما الفرق بينهما؟ فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، ثم التقيا في الطريق وقد أزف من الرجل الرحيل ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : كأنه قد أزف منك الرحيل ، فقال : نعم ، فقال : فالقني في البيت ، فلقيه فسأله عن الإسلام والايمان ما الفرق بينهما؟ فقال : الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإقام الصلاة ، وإيتاء‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٨١ ـ وسورة المائدة ـ الآية ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات.

(٤) أصول الكافي ـ ج ٢ ص ٢٤ من طبعة طهران.

٥٧

الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ، وقال : الايمان معرفة هذا الأمر مع هذا ، فإن أقر بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلما وكان ضالا ».

وخبر سماعة (١) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عن الإسلام والايمان أهما مختلفان؟ فقال : الايمان يشارك الإسلام ، والإسلام لا يشارك الايمان ، فقلت : فصفهما لي ، فقال : الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله ، والتصديق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس ، والايمان الهدى ، وما ثبت في القلوب من صفة الإسلام ، وما ظهر من العمل » إلى آخره.

وخبر حمران بن أعين أو صحيحه (٢) عن الباقر عليه‌السلام قال : « سمعته يقول : الايمان ما استقر في القلب ، وأفضى به إلى الله تعالى عز وجل ، وصدق العمل بالطاعة ، والتسليم لأمره ، والإسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث وجاز النكاح ، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج ، فخرجوا بذلك من الكفر ، وأضيفوا إلى الإيمان ـ إلى أن قال فيه ـ : قلت : فهل للمؤمن على المسلم فضل في شي‌ء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك؟ فقال : لا ، هما يجريان في ذلك مجرى واحد ، ولكن للمؤمن فضل على المسلم في أعمالهما ، وما يتقربان به إلى الله عز وجل ».

والحديث طويل ، فيدخلون حينئذ تحت ما دل على طهارة المسلمين ، مضافا إلى ما في هذه كغيرها من الأخبار أيضا من ظهور إناطة سائر الأحكام الدنيوية التي منها الطهارة على الإسلام المزبور ، وكذا يندرجون حينئذ فيما دل على عدم خروج المسلم عن الإسلام إلى الكفر إلا بالجحود وإنكار الضروري مثلا ، كقول الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) أصول الكافي ـ ج ٢ ص ٢٥ ـ ٢٦ من طبعة طهران.

(٢) أصول الكافي ـ ج ٢ ص ٢٥ ـ ٢٦ من طبعة طهران.

٥٨

في مكاتبة عبد الرحيم القصير (١) المروية في الباب المذكور أيضا من الكافي « لا يخرجه إلى الكفر إلا الجحود والاستحلال ، أن يقول للحلال هذا حرام ، وللحرام هذا حلال ، ودان بذلك فعندها يكون خارجا عن الإسلام والايمان ، داخلا في الكفر ، وكان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة وأحدث في الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه ، وصار إلى النار » الحديث.

بل قد يندرجون أيضا تحت ما دل على طهارة المؤمنين بالمعنى المعروف سابقا للايمان ، وهو التصديق الباطني بمضمون الشهادتين ، كما يستفاد من التأمل والنظر في الأخبار ، خصوصا ما ورد في تفسير قوله تعالى (٢) ( قالَتِ الْأَعْرابُ : آمَنّا ، قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ) وان خرجوا عن الايمان بالمعنى الحادث أي الإقرار بالولاية ، فيكون الإسلام حينئذ عبارة عن إظهار الشهادتين والتلبس بشعار المسلمين وإن كان باطنه واعتقاده فاسدا ، وهو المسمى بالمنافق ، بل في شرح المفاتيح للأستاذ أن الأخبار بذلك متواترة ، والكفر عبارة عن عدم ذلك.

وعليه يبني الاستدلال من غير واحد من الأصحاب على المرتضى ومن تبعه ممن نجّس معتقد خلاف الحق بالمعلوم من سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام وغيرهم ومخالطتهم ومساورتهم لفلان وفلانة وفلان وفلان وفلان من شياطين المنافقين حتى ورد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يغتسل مع فلانة بإناء واحد.

فتحصل حينئذ انه قد يطلق الإسلام على ما يرادف الايمان ، وعلى المصدق بغير الولاية ، وعلى مجرد إظهار الشهادتين ، ويقابله الكفر في الثلاثة ، كما انه يطلق المؤمن على الأول وعلى المصدق بالولاية.

__________________

(١) أصول الكافي ـ ج ٢ ص ٢٧ من طبعة طهران.

(٢) سورة الحجرات ـ الآية ١٤.

٥٩

فلعل ما ورد في الأخبار الكثيرة ـ من تكفير منكر علي (ع) ، لأنه العلم الذي نصبه الله بينه وبين عباده (١) وانه باب من أبواب الجنة من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا (٢) وتكفير منكر مطلق الامام (٣) وان « من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » (٤) ـ محمول على إرادة الكافر في مقابل المؤمن بالمعنى الثاني ، ونجاسته بهذا المعنى محل البحث ، إذ العمدة في دليلها عموم معاقد الإجماعات السابقة ، ومن المعلوم إرادة غيره منها ، وكيف لا والمشهور هنا شهرة كادت تكون إجماعا بل هي كذلك كما عرفت على الطهارة ، على أن ما فيها من العموم اللغوي انما يراد به عموم أفراد معنى من معاني الكفر لا عموم معانيه.

نعم هو بالمعنى المزبور أخبث باطنا منه بغيره ، بل أشد عقابا ، كما يشير اليه‌ قول الصادق عليه‌السلام (٥) : « أهل الشام شر من أهل الروم ، وأهل المدينة شر من أهل مكة ، وأهل مكة يكفرون بالله جهرة » كقول أحدهما عليهما‌السلام (٦) : « إن أهل مكة يكفرون بالله تعالى جهرة ، وأهل المدينة أخبث منهم سبعين ضعفا ».

بل هو المعلوم من مذهب الشيعة ، كما علم منه ثبوت كفرين عندهم دنيوي وأخروي ، وخلاف نادر منهم لو تحقق غير قادح أو محمول على إرادة تنزيله منزلة الكافر فيما يتعلق بالأمور الأخروية من شدة العذاب والخلود فيه ، كما هو ظاهر المنساق إلى الذهن من ملاحظتها ، بل من أعطى النظر والتأمل فيها يقطع بإرادتهم عليهم‌السلام بيان دفع وهم احتمال حصول ثواب لهم ، أو مرتبة أخروية ، أو امتياز عن الكفار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٤٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٤٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ١٨.

(٤) الغدير للأمينى ـ ج ١٠ ص ٣٦٠ المطبوع بطهران عن شرح المقاصد للتفتازاني ج ٢ ص ٢٧٥.

(٥) أصول الكافي ـ ج ٢ ص ٤٠٩ ـ ٤١٠ من طبعة طهران.

(٦) أصول الكافي ـ ج ٢ ص ٤٠٩ ـ ٤١٠ من طبعة طهران.

٦٠