جواهر الكلام - ج ٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثم يتمشط » إذ هو ظاهر في حرمته ونجاسته عنده قبل ذهاب الثلثين ، كما اعترف به الفاضل المذكور في مصابيحه ، أو انه عثر على ما لم نعثر عليه كما هو مظنة ذلك.

وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه في التمري بعد الأصل والعمومات ، وما سمعته من الإجماعين وغير ذلك ، بل ينبغي القطع بفساده بناء على حليته وعدم حرمته وان لم يذهب ثلثاه بالغليان كما هو الأظهر الأشهر بل المشهور ، بل في الحدائق « انه كاد يكون إجماعا ، بل هو إجماع في الحقيقة ، فإنا لم نقف على قائل بالحرمة ممن تقدمنا من الأصحاب رضوان الله عليهم ، وانما حدث القول بذلك في هذه الأعصار المتأخرة » انتهى. كما عن رسالة مولانا أبي الحسن ورياض المسائل حكاية نفي الخلاف عن بعض الأصحاب ، بل في الأول حكاية الإجماع عن بعض الفضلاء ، بل ربما استظهر نفيه أي الخلاف من اللمعتين وأطعمة المسالك أيضا.

ولا ينافيه تردد الفاضلين بذلك في حدود الشرائع والقواعد ، ولا قولهما : « الأشبه والأقرب » إذ لعله لتعارض الامارات لا لوجود القائل ، بل هو الظاهر منهما سيما الأول ، كما يومي اليه عدم حكاية ذلك في وجه التردد عن أحد من شراح كلامهما للأصول العقلية والشرعية السالمين عن المعارض المعتضدين بالسيرة والعمل من سائر المسلمين في عصرنا هذا الكاشف عما قبله ، ولتعليق الحل والحرمة على الإسكار ولو بالكثير وعدمه في الأخبار (١) المستفيضة جدا ان لم تكن متواترة ، وفيها الصحيح والحسن وغيرهما المتضمنة أسئلتها عن نبيذ التمر وغيره ، حتى انه في‌ خبر ابن وهب (٢) عن الصادق عليه‌السلام « قلت له : إن رجلا من بني عمي من صلحاء مواليك أمرني أن أسألك عن النبيذ فأصفه لك ، فقال عليه‌السلام : أنا أصفه لك ، قال رسول الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

٢١

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كل مسكر حرام ، فما أسكر كثيره فقليله حرام » الحديث.

ودعوى عدم منافاتها لتحقق الإسكار فيه ولو خفيا بغليانه قبل ذهاب ثلثيه ولو باعتبار بعض الأمزجة أو الأمكنة أو الأزمنة أو الأهوية ، ومن جرب ذلك بالكثير منه فوجد خلافه مع الغض عما فيها من الاكتفاء بذلك البعض ، وإجمال الكثرة وغيرهما ممنوعة أشد المنع ، لعدم الشاهد لها من عقل أو شرع أو عرف ، بل لعل الأخيرين شاهدا عدل على خلافها ، إذ الوجدان والعيان على عدم تحقق الإسكار بأكثر ما يستطيع شربه الإنسان ، وترك الشارع بيانه في وقت الحاجة والسؤال مع شدة خفائه إن فرض إسكاره أكبر شاهد على عدمه ، بل كاد يكون خبر محمد بن جعفر (١) عن أبيه (ع) في القوم الذين قدموا من اليمن فأرسلوا وفدا لهم يسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عصير التمر ثم لم يكتفوا بذلك حتى سألوه بأنفسهم صريحا في ذلك سؤالا وجوابا (٢) مع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٦.

(٢) قال : « قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اليمن قوم ، فسألوه عن معالم دينهم فأجابهم فخرج القوم بأجمعهم ، فلما ساروا مرحلة قال بعضهم لبعض : نسينا أن نسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عما هو أهم إلينا. ثم نزل القوم ثم بعثوا وفدا لهم فأتى الوفد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا رسول الله (ص) إن القوم بعثوا بنا إليك يسألونك عن النبيذ ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما النبيذ؟ صفوه لي ، فقالوا : يؤخذ من التمر فينبذ في إناء ثم يصب عليه الماء حتى يمتلئ ويوقد تحته حتى ينطبخ ، فإذا انطبخ أخذوه فألقوه في إناء آخر ثم صبوا عليه ماءا ثم يمرس ثم صفوه بثوب ثم يلقى في إناء ثم يصب عليه من عكر ما كان قبله ثم يهدر ويغلى ثم يسكن على عكره ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا هذا قد أكثرت أفيسكر؟ قال : نعم ، فقال : فكل مسكر حرام ، قال : فخرج الوفد حتى انتهوا إلى أصحابهم فأخبروهم بما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال القوم : ارجعوا بنا إلى رسول الله (ص) حتى نسأله عنها شفاها ولا يكون بيننا وبينه سفير ، فرجع القوم جميعا ، فقالوا : يا رسول الله (ص)

٢٢

وضوح دلالته على أصل المطلوب من وجوه أخر ، فلاحظ.

لا يقال : إنه لعل الشارع قد استغنى عن بيان إسكاره ببيان الحرمة المستفادة من‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (١) : « كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه » وفي‌ خبر ذريح (٢) « إذا نش العصير أو غلى حرم » ونحوهما في إفادة ذلك غيرهما (٣) ومن‌ قوله عليه‌السلام أيضا في موثقة عمار (٤) بعد أن سأله « عن النضوح المعتق كيف يصنع به حتى يحل؟ قال : خذ ماء التمر فأغله حتى يذهب ثلثا ماء التمر » كخبره الآخر (٥) « سألته عن النضوح ، قال : يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، ثم يتمشطن » ومن الأخبار (٦) الدالة على حرمة النبيذ الذي يوضع فيه العكر والقعوة ، فيغلي ويهدر ثم يسكن ، ومن غير ذلك كاشعار خبر (٧) طلب إبليس من حواء في آخر عمر آدم عليه‌السلام بعد أن طرده آدم أن تطعمه من ثمرة الكرم والنخل ، فأطعمته ، إلى آخره ، وغيره.

أو يقال : إن هذه الأدلة وإن لم تفد إسكاره لكن تفيد حرمته ، فيخرج بها عن تلك الأصول والعمومات ، على أن العمدة منها ظواهر ما دل على إباحة غير المسكر ،

__________________

إن أرضنا لأرض دوية ونحن قوم نعمل الزرع ولا نقوى على العمل إلا بالنبيذ ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صفوه لي فوصفوه كما وصفه أصحابهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفيسكر؟ فقالوا : نعم ، قال : كل مسكر حرام ، ( منه رحمه‌الله ).

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٣.

٢٣

ولعلها لا تنافيها لا للعلم لكونه مسكرا بل لأن احتمال ذلك فيه كاف في عدم المنافاة ، ودعوى العلم ـ بعدم الإسكار حتى بالكثير منه ولو لبعض الأمزجة ، بناء على الاكتفاء به فينا فيها حينئذ ـ فرية بينة ، إذ من اختبر ذلك فوجد خلافه.

لأنا نقول : لا دلالة في الحرمة على الإسكار ، لكونها أعم منه كما هو واضح ، كوضوح قصور هذه الأخبار عن إفادة أصل الحرمة أيضا بحيث يخرج بها عن تلك الأصول والعمومات وغيرها المعتضدة بما عرفت ، سيما بعد ابتناء دلالة الصحيح وغيره على تناول لفظ العصير لغة أو شرعا للمستخرج من نحو التمر والزبيب ، وهو محل بحث.

بل بالغ المحدث البحراني في حدائقه بإنكاره ، فقال : إن اللغة والشرع والعرف على خلافه إنما يسمى التمر والزبيب نبيذا ونقيعا مستظهرا ذلك من المصباح المنير ونهاية ابن الأثير والقاموس ومجمع البحرين في مادة عصر ونقع ونبذ ، ومن نحو‌ قول الصادق عليه‌السلام في الصحيح (١) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الخمر من خمسة : العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والتبع من العسل ، والمرز من الشعير ، والنبيذ من التمر » إلى آخره. والأخبار (٢) الواردة في علة الحرمة بعد الغليان قبل ذهاب الثلثين الواردة في خصوص العنب ، ومن شهادة العرف بعدم صدق العصير إلا على الأجسام التي فيها مائية لاستخراج مائها كالعنب والرمان ونحوهما ، بخلاف الأجسام الصلبة التي فيها حلاوة وحموضة وأريد استخراجهما منها بنبذها في الماء ونقعها كما هو المعروف في الصدر الأول أو بغليانها في النار.

وهو وإن أمكن مناقشته في جميع ذلك لكن الإنصاف أنه إن لم يكن حقيقة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة.

٢٤

فيه إلا أنه المنساق الى الذهن من إطلاق الأدلة ، بل هو المتعارف المعهود المعبر عنه فيها تارة بالعصير ، وأخرى بالطلاء ، وثالثة بالبختج ، والذي طفحت الأخبار (١) في حرمته قبل ذهاب الثلثين وفي بيان علة ذلك ، كما هو واضح لمن لاحظها جميعها بتأمل وتدبر ، خصوصا ما ورد (٢) منها في السؤال عن بيعه قبل أن يصير خمرا.

ويؤيده ما قيل من عدم استدلال أحد من الأصحاب كالمصنف والعلامة وغيرهما بهذه الأخبار مع كثرتها واستفاضتها ، وكونها بمرأى منهم ومسمع ، بل لا يبعد كونه كذلك في كلمات الأصحاب ، كما عن القطيفي في الهادي القطع به ، وإن أنكره العلامة الطباطبائي في مصابيحه ، بل قد يظهر منه ذلك حتى بالنسبة للأخبار أيضا ، كصريح المحكي عن مولانا أبي الحسن والأستاذ الأكبر.

لكن التحقيق ما قلناه ولا ينافيه خصوص الصحيح (٣) المسور بـ « كل » الظاهر في تعدد الأفراد بل تكثرها ، وإن علم خروج غير المعتصر من ثمرتي الكرم والنخل بالإجماع وغيره بل الضرورة ، إن لم نقل بتنزيل عموم الصحيح على المتعارف من أفراد العصير ، بل لعل غيرهما لا يسمى عصيرا ، لما فيه على التقدير الأول من كون الخارج أضعاف الداخل ، بل انتهاء التخصيص الى المستنكر المستقبح عرفا ، مع عدم دليل من الأخبار على الإخراج في كثير من أفراده حينئذ ، وعلى الثاني من منافاته للعموم اللغوي أولا ، وعدم تسليم التعارف في الثلاثة ثانيا ، فضلا عن الوضع للقدر المشترك بينها.

ومع ذا فهو ليس بأولى من حمله على إرادة العموم بالنظر الى أفراد العنب وأقسامه والى ما ظهر إسكاره أو اتخذ له وعدمه ، والى ما أخذ من كافر أو مسلم مستحل لما دون الثلثين وعدمه ، والى الممزوج بغيره مع عدم الاستهلاك وعدمه ، الى غير ذلك.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

٢٥

وربما يؤيده تعرض النصوص لحكم العصير في بعض الأحوال المذكورة أو أكثرها ، بل لعل تنزيل الصحيح على ذلك متعين بناء على ما سمعته من معروفية إطلاق العصير على خصوص العنبي ، وأما خبر النضوح (١) فلعل الوجه فيهما إرادة التعليم لدفع الخمرية الحاصلة من إنباذ التمر وإنقاعه ، وذلك لأن النضوح ضرب من الطيب يتخذ من ماء التمر وغيره ، وقد حكي عن بعض الأفاضل في كيفيته أنه ينقعون التمر والسكر والقرنفل والتفاح والزعفران وأشباه ذلك في قارورة فيها قدر مخصوص من ماء ويشد رأسها ويصبرون أياما حتى ينش ويتخمر ، وهو شائع بين نساء الحرمين ، وكيفية تطيب المرأة به أن تحط الأزهار بين شعر رأسها ثم ترشرش به الأزهار لتشتد رائحتها.

قلت : ولذا أمر الصادق عليه‌السلام بإهراقه في البالوعة في‌ خبر عيثمة (٢) قال : « دخلت عليه وعنده نساؤه ، فشم رائحة النضوح ، فقال : ما هذا؟ قالوا : نضوح يجعل فيه الضياح ، فأمر به فأهريق في البالوعة » الحديث. فأراد الإمام عليه‌السلام بذهاب الثلثين زوال الأجزاء المائية التي هي منشأ الاختمار كما في العنب.

ويومي إلى ذلك كله ما عرفته من أن النضوح انما يستعمل في غير المأكول ، ومن اعتبر ذهاب الثلثين انما يعتبرها للأكل ، فيعلم حينئذ إرادة التخلص بذلك عن الخمرية المورثة نجاسة في الشعر وغيره من محال الطيب ، وهو الذي سأل الراوي عن حله ، اللهم إلا أن يكون القائل باعتبار الثلثين اعتبر ذلك بالنسبة للحرمة والنجاسة ، كما لعله الظاهر من المحكي عن بعضهم ، إلا أنك قد عرفت سابقا حكاية الإجماع على الطهارة.

وكيف كان فحمل الخبرين على ما ذكرنا متجه ، لا أقل من الاحتمال المبطل للاستدلال ، نعم هما مشعران بحرمة بل ونجاسة نبيذ التمر إذا طرح فيه بعض الأجسام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٢ والباب ٣٧ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

٢٦

التي تفعل فيه الغليان والنشيش وخروج الزبد ، بل هو النبيذ المسكر المتخذ منه أو الزبيب أو منهما ، بل لعل الثاني يندرج في الفقاع ، بناء على اتخاذه من غير الشعير الذي كان معروفا في ذلك الزمان الذي استفاضت الأخبار (١) أو تواترت بالنهي عنه ، وبما يفيد نجاسته.

بل الظاهر ان منه ما حصل فيه ذلك الغليان فيه بطول المكث أيضا مع كثرة التمر الملقى وقلة الماء مثلا ، كما يشعر به الخبران أيضا ، ويومي اليه جملة من الأخبار ، كخبر الساباطي (٢) المتقدم سابقا في الاستدلال لابن حمزة على نجاسة العصير إذا غلى لنفسه.

و‌خبر أيوب بن راشد (٣) قال : « سمعت أبا البلاد يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام : عن النبيذ ، فقال : لا بأس به ، فقال : إنه يوضع فيه العكر ، فقال عليه‌السلام : بئس الشراب ، ولكن انبذوه غدوة واشربوه بالعشي ، قال : فقلت : جعلت فداك هذا يفسد بطوننا ، قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أفسد لبطنك أن تشرب ما لا يحل لك ».

و‌خبر الكلبي النسابة (٤) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن النبيذ ، فقال : حلال ، قلت : إنا ننبذه فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك ، فقال : شه شه تلك الخمرة المنتنة ، قلت : جعلت فداك فأي نبيذ تعني؟ فقال : إن أهل المدينة شكوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تغير الماء وفساد طبائعهم ، فأمرهم أن ينبذوا ، وكان الرجل منهم يأمر خادمه أن ينبذ له ، فيعمد إلى كف من تمر فيلقيه في الشن ، فمنه شربه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الماء المضاف ـ الحديث ٢ مع اختلاف في الألفاظ.

٢٧

ومنه طهوره ، فقلت : وكم كان عدد التمرات التي كانت تلقى؟ قال : ما يحمل الكف ، قلت : واحدة واثنتين ، فقال : ربما كانت واحدة ، وربما كانت اثنتين ، فقلت : وكم يسع الشن ماء؟ فقال : ما بين الأربعين إلى الثلاثين إلى ما فوق ذلك ، فقلت : بالأرطال فقال : أرطال بمكيال العراق ».

كخبر صفوان الجمال (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك أصف لك النبيذ ، فقال لي : بل أنا أصفه لك ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كل مسكر حرام ، وما أسكر كثيره فقليله حرام ، فقلت له : هذا نبيذ السقاية بفناء الكعبة؟ فقال لي : ليس هكذا كانت السقاية ، انما كانت السقاية زمزم ، أفتدري من أول من غيرها؟ قال : لا ، قال : العباس بن عبد المطلب كانت له حبلة ، أفتدري ما الحبلة؟ قال : الكرم ، كان ينقع الزبيب غدوة ويشربونه بالعشي ، وينقعه بالعشي ويشربونه من الغد ، يريد أن يكسر غلظ الماء عن الناس ، وان هؤلاء قد تعدوا ، فلا تشربه ولا تقربه ».

وخبر حنان بن سدير (٢) عن الصادق عليه‌السلام إلى أن قال فيه : « ما هذا النبيذ الذي أذنت لأبي مريم في شربه أي شي‌ء هو؟ فقال : أما أبي عليه‌السلام فإنه كان يأمر الخادم » فيجي‌ء بقدح ، ويجعل فيه زبيبا ويغسله غسلا نقيا ثم يجعله في إناء ثم يصب عليه ثلاثة مثله أو أربعة ماء ، ثم يجعله بالليل ويشربه بالنهار ، ويجعله بالغداة ويشربه بالعشي ، وكان يأمر الخادم بغسل الإناء في كل ثلاثة أيام لئلا يغتلم ، فان كنتم تريدون النبيذ فهذا هو النبيذ » إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الظاهرة في حرمته بمجرد غليانه بنفسه ونشيشه وخروج زبدة ، ولعلك تسمع بعضها إن شاء الله أيضا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٣ مع اختلاف يسير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٥.

٢٨

ومن هنا يظهر لك انه لا وجه للاستدلال بها على ما نحن فيه من عصير التمر المغلي بالنار ونحوها ، لوضوح عدم اندراجه في شي‌ء منها ، نعم هي كغيرها ظاهرة في حرمة ما قلناه من النبيذ إذا نش وغلى بنفسه وخرج زبدة ولو بطول المكث ، ولا ينافيه ما دل على إباحة غير المسكر ، إذ لعل كثيره كذلك إذا بلغ هذا الحد ، كما هو الظاهر من الأخبار أيضا.

وكان عبارات جملة من الأصحاب ظاهرة فيه ان لم تكن صريحة ، منها عبارة الشيخ في النهاية « لا بأس بشرب النبيذ غير المسكر ، وهو أن ينقع التمر أو الزبيب ثم يشربه ، وهو حلو قبل أن يتغير ـ وقال ـ : ويجوز أن يعمل الإنسان لغيره الأشربة من التمر والزبيب والعسل وغير ذلك ، ويأخذ عليه الأجرة ويسلمها اليه قبل تغيرها » إذ قد اكتفى في تحقق البأس بمجرد التغير ، ومنه ما ذكرنا قطعا.

ومنها ما في الوسيلة « ان النبيذ هو أن يطرح شي‌ء من التمر أو الزبيب في الماء ، فان تغير كان في حكم الخمر ، وان لم يتغير جاز شربه والتوضؤ منه ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء » كالذي في المهذب « يجوز شرب النبيذ الذي لا يسكر ، مثل أن يلقى التمر أو الزبيب في الماء المر أو المالح ، وينقع فيه إلى أن يحلو ، فان تغير لم يجز شربه ».

وفي السرائر « فأما عصير العنب فلا بأس بشربه ما لم يلحقه نشيش بنفسه ، فان لحقه طبخ قبل نشيشه حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه حل شرب الثلث الباقي ، فان لم يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه كان حراما ، وكذلك فيما ينبذ من الثمار في الماء أو اعتصر من الأجسام من الأعصار في جواز شربه ما لم يتغير ، فان تغير بالنشيش لم يشرب ».

وفي الدروس « ولا يحرم المعتصر من الزبيب ما لم يحصل فيه نشيش ، فيحل طبيخ الزبيب على الأصح ، لذهاب ثلثيه بالشمس غالبا ، أو خروجه عن مسمى العنب ، وحرمه بعض مشايخنا المعاصرين » إلى آخره ، بل في آخر كلامه ما هو كالصريح‌

٢٩

في صيرورته بذلك فقاعا.

نعم يظهر منه في اللمعة كحدود الكتاب والقواعد والتحرير والإرشاد وغيرها انفكاك الإسكار عن الغليان بنفسه ونحوه ، ولذا جعلوا مدار الحرمة على الأول دون الثاني ، إلا أنك قد عرفت ظهور الأخبار في حرمته بالثاني ، ولعله لتحقق الإسكار الخفي فيه ولو بالكثير ، بل يقوى في النظر كما لعله الظاهر من عبارة السرائر وغيرها عدم حله بعد ذلك بذهاب الثلثين.

نعم يحل بصيرورته خلا كالخمر ، كما يومي اليه خبر الساباطي (١) المتقدم سابقا في الاستدلال لابن حمزة كخبر الهاشمي (٢) بل يظهر من السرائر والمحكي من عبارة والد الصدوق أيضا ذلك بالنسبة إلى عصير العنب إذا نش بنفسه ، كما هو صريح الوسيلة ، فأحله بذهاب الثلثين ، لكن إطلاق الأصحاب كالنصوص (٣) الحل بذهابهما ينافيه ، اللهم إلا أن ينزل ذلك على خصوص المغلي بالنار مثلا لا بنفسه ، لدخوله تحت الخمر حينئذ ، فلا يطهر به إلا أن صريح جماعة أو كالصريح عدم الفرق في الحل بذلك بين الغليان بالنار ونفسه.

وكيف كان فقد ظهر لك ضعف التمسك بأخبار النبيذ على ما نحن فيه ، كالتمسك بخبر سؤال إبليس من حواء إطعام التمر والكرم (٤) ، بل لعل تأمله يشهد للمطلوب ، فلاحظ وتأمل ، وكذا قد ظهر مما قدمناه سابقا ما في الدعوى الأخيرة من احتمال تحقق الإسكار في المغلي من عصير التمر قبل ذهاب الثلثين ، وان الوجدان وغيره شاهدا عدل على نفيه ، اللهم إلا أن يريد بالكثير ما يشرف الإنسان على الموت ، وهو كما ترى ، فبان بحمد الله حينئذ حل عصير التمر المغلي بالنار وان لم يذهب ثلثاه ، من غير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٣.

٣٠

فرق بين الرطب منه والتمر ، وان حكي عن غاية المرام الفرق ، فجعل الأول خاصة كالعنب ، لكن لم نعرف له مأخذا سوى ما سمعته من التعليل لحل عصير الزبيب بأنه قد ذهب ثلثاه بالشمس ، وهو كما ترى.

خلافا لظاهر الشيخ في التهذيب ومحتمل السرائر أو ظاهرها وعن صريح الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني والسيد نعمة الله ومولانا أبي الحسن والأستاذ الأكبر وغيرهم ، فاعتبروا في حل التمري ذهاب الثلثين كالعنب ، مستظهرا له الأخير من الصدوق والكليني أيضا ، بل ومن غيرهم ، بل قد تعطي بعض كلماته دعوى الاتفاق عليه قبل زمن الفاضلين ، لكنه ليس كذلك على الظاهر ، ولعله أخذه من نصهم على حرمة النبيذ ، وقد عرفت أنه ليس مما نحن فيه ، أو إطلاق بعضهم حرمة العصير ، وقد عرفت أن الظاهر منه العنبي ، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لإتمام الكلام ، وإنهاء المرام في غير المقام ، وان كان قد وفق هنا لذلك المهم من النقض والإبرام على غير أهبه له واستعداد عدا التوكل على رب العباد.

ومنه ظهر ضعف القول بنجاسته حينئذ ، كضعفه بالنسبة للزبيبي أيضا ، للأصل والعمومات وترك الإشارة في شي‌ء من الأدلة إليه ، سيما مع عموم البلوى به وكثرة استعماله ، بل قد يومي التأمل في ترك ذلك في بعضها ، كالمشتمل منها على كيفية عمله إلى عدمه.

ودفع ذلك كله ـ بكونه عنبا جففته الشمس فينجس عصيره حينئذ بناء عليه ، وباستصحاب حكمه حال عنبيته وان تغير الاسم بعد بقاء الحقيقة ، إذ لا تقييد فيما دل على حجيته بعدم تغيره ، بل يشهد لعدمه حكم الحنطة والقطن والطين بعد صيرورتها دقيقا وعجينا وخبزا وغزلا وثوبا ولبنا بل وخزفا وآجرا ، ولا ينافيه معروفية تبعية الأحكام للأسماء ، إذ المراد انتفاء الحكم من جهة الاسم بانتفاء الاسم في مقابلة بطلان القول بالقياس ، أي التعدي عن المسمى الجامع ، أو القول بثبوت حكم حالة سابقه من‌

٣١

أحوال الماهية بثبوته في حالة أخرى لاحقة ، كتحريم الحصرمي بتحريم العنبي ، أو القول بثبوته مع تبدل الحقيقة والماهية كالكلب يصير ملحا ، وإلا فليس المراد انتفاء الحكم بانتفاء التسمية مطلقا ولو بدليل آخر شرعي ، كآية أو إجماع أو استصحاب ، فان التخصيص بالذكر لا يقتضي التخصيص بالحكم إلا بمفهوم اللقب الذي ليس بحجة عندنا ، فالاسم حينئذ كشف عن تعلق الحكم بالماهية والحقيقة التي لم تنتف بانتفائه هنا بشهادة عدم طهر العنب لو تنجس بالزبيبية ـ واضح الفساد ، إذ الأول قياس ، بل من الباطل منه أو راجع إلى الثاني الذي (١) يدفعه أولا منع عدم كون ما نحن فيه من تبدل الحقيقة ، وعدم طهارة العنب المتنجس بالزبيبية لعله لا لعدم انتفاء الحقيقة ، بل لعدم كون مدار نجاسته الاسم حتى يطهر بانتفائه انما هو لكونه جسما لاقى نجاسة فينجس بها ، والجسمية لم تذهب بالزبيبية قطعا ، وكذا البحث في طهارة كل متنجس بالاستحالة ، وثانيا ظهور تعليق الحكم على الاسم في دورانه على مسمى ذلك الاسم ، لا حقيقته المعتورة عليها بسبب أحوالها أسماء مختلفة ، فإن تلك لم يوضع لها اللفظ ، فلا يستفاد حكمها منه ، والأمثلة السابقة مما علم تعلق الحكم فيها على الحقيقة التي لم تنتف بانتفاء الاسم ، ولذا ثبت الحكم فيها مع انتفائه ، بخلاف ما هنا ، فلم يثبت ، وليس من حجية مفهوم اللقب في شي‌ء ، إذ لا دلالة فيه على نفي الحكم عن غير المسمى ، بل هو بحسب الأدلة من الأصول وغيرها ، ومن هنا اشتهر عندهم تبعية الحكم للاسم ، وانه لا استصحاب مع تغير الموضوع ، بل كان جريان الاستصحاب في نحو ما نحن فيه ودعوى شمول أدلته من منكرات أهل هذا الفن ، بل قد يندرج في قسم القياس المحرم.

واحتمال القول ان الاستصحاب انما هو لنفي احتمال مدخلية بقاء مسمى الاسم‌

__________________

(١) ليس في النسخة الأصلية لفظة « الذي » والصحيح ما أثبتناه.

٣٢

وأمثاله في الحكم ، بل لا استصحاب إلا وهو لنفي الشك في اعتبار الحال الأول في العلة التامة للحكم المستصحب يدفعه وضوح الفرق بين الحال المستفاد من تعليق الحكم على الاسم ونحوه وبين غيره ، لظهور دخوله في موضوع الحكم بخلافه.

ومن ذلك كله يظهر لك أنه لا وجه للاستدلال بهذا الاستصحاب على حرمة عصيره في مقابلة المعروف من القول بالحل بين الفاضلين ومن تأخر عنهما ، وان اعتمده العلامة الطباطبائي في مصابيحه في اختياره لها بعد أن تجشم ثبوت شهرة القول بها بين الأصحاب أو بين القدماء كشهرة الحل بين المتأخرين ، حتى انه أنكر على من نسب الحل إلى المشهور على الإطلاق ، وهو وإن كان قد دقق النظر وأجاد ، وجاء بفوق ما هو المراد ، بل بما لم يسبقه إليه أحد من الأطواد.

لكن في جملة مما استنبطه من قول العلماء في تحقيق هذه الشهرة نظر وتأمل ، كما عرفته من النظر في استدلاله عليها بالاستصحاب ، بل واستدلال غيره أيضا عليها بأخبار العصير والنبيذ ونحوهما مما تقدم في التمري ، لما مر فيه ، وكذا استدلال القائلين بالحلية بصحيحة أبي بصير (١) « كان الصادق عليه‌السلام يعجبه الزبيبية » وبذهاب ثلثيه وزيادة بالشمس ، لما في الأولى من إجمال الكيفية المنافي للاستدلال على ما نحن فيه من العصيرية ، ولعدم الاعتداد بالثاني بعد تسليمه إذا لم يتعقب نشيشا وغليانا ، ودعوى حصولهما وصدق مسماهما عرفا ولو في وسط العنب كما ترى ، وقضيته حرمة العنب لو وضع أياما في الشمس قبل أن يصير زبيبا.

نعم يتجه الاستدلال على الثانية بالأصول والعمومات ونحوهما على حسب ما مر في التمري.

كما انه يتجه على الأولى بموثقة الساباطي (٢) « وصف لي الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ١ وفيه « الزبيبة ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٢.

٣٣

المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا ، فقال : تأخذ ربعا من زبيب وتنقيه وتصب عليه اثني عشر رطلا من ماء ، ثم تنقعه ليلة ، فإذا كان أيام الصيف وخشيت أن ينش جعلته في تنور مسجور قليلا حتى لا ينش ، ثم تنزع الماء منه كله حتى إذا أصبحت صببت عليه من الماء بقدر ما يغمره ـ إلى أن قال ـ : ثم تغليه بالنار ، ولا تزال تغليه حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث » الحديث.

كموثقته الأخرى (١) « سئل عن الزبيب كيف طبخه حتى يشرب حلالا ، فقال : تأخذ ربعا من زبيب تطرح عليه اثني عشر رطلا من ماء ، ثم تنقعه ليلة ، فإذا كان من الغد نزعت سلافته ، ثم تصب عليه الماء قدر ما يغمره ، ثم تغليه بالنار غلية ، ثم تنزع ماءه ، فتصبه على الماء الأول ، ثم تطرحه في إناء واحد جميعا ، ثم توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث وتحته النار ، ثم تأخذ رطلا » الحديث.

بل قد يومي اليه مرسلا الهاشمي (٢) وإسحاق بن عمار (٣) عن الصادق عليه‌السلام ونزاع إبليس في الكرم (٤) إلى أن جعل له الثلثان الشامل للعنب والزبيب ، كخبر علي بن جعفر (٥) عن أخيه عليه‌السلام « سألته عن الزبيب هل يصلح أن يطبخ حتى يخرج طعمه ، ثم يؤخذ ذلك الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث ، ثم يرفع ويشرب منه السنة ، قال : لا بأس به ».

بل هو صريح‌ خبر زيد النرسي (٦) وزيد الزراد (٧) عن الصادق عليه‌السلام « في الزبيب يدق ويلقى في القدر ويصب عليه الماء ، قال : حرام إلا أن يذهب ثلثاه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٦) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

(٧) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

٣٤

قلت : الزبيب كما هو يلقى في القدر ، قال : هو كذلك سواء ، إذا أدت الحلاوة إلى الماء فقد فسد ، كلما غلى بنفسه أو بالنار فقد حرم إلا أن يذهب ثلثاه ».

لكن ومع ذلك كله فقطع الأصول والعمومات خصوصا مع ظهور أكثر الأخبار المعتبرة في دوران الحكم على الإسكار وعدمه بمثل هذه لا يخلو من نظر وتأمل ، سيما مع ما في سند الأولى من الترديد بين الإرسال وعدمه ، وفيه وفي سند الثانية من معروفية البحث في « محمد » الواقع في أوائل سند الكافي ، وما قيل في « عمار » من أنه منفرد برواية الغرائب ، ومتنهما من احتمال ما سمعته في النضوح من إرادة تعليم الشرب الذي لا يتغير بالاسكار لو خلط به غيره ، بل ربما يومي اليه ملاحظتهما ، بل كاد يكون ظاهر الثالثة مع ضعف الإيماء فيها إلى ما نحن فيه جدا كالمرسلين وخبر منازعة إبليس بل وخبر علي بن جعفر ، سيما مع قوله : « ويشرب منه السنة » وخبر النرسي والزراد ، مع انه ليس في الكتب الأربعة ، بل عن الشيخ في الفهرست أن لهما أصلين لم يروهما محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، وقال في فهرسته : « لم يروهما محمد بن الحسن بن الوليد ، وكان يقول : هما موضوعان ، وكذلك خالد بن عبد الله بن سدير ، وكان يقول وضع هذه الأصول محمد بن موسى الهمداني » انتهى.

وهو وإن أمكن معارضته برواية ابن أبي عمير لهما ، مع أن في « جش » للنرسي كتاب يرويه جماعة ، وبما عن ابن الغضائري انه غلط أبو جعفر في هذا القول ، فإني رأيت كتبهما مسموعة من محمد بن أبي عمير ، لكن في الخلاصة أنه « وإن كان ما عن الصدوق ليس طعنا في الرجلين إلا أني لما لم أجد لأصحابنا تعديلا لهما ولا طعنا فيهما توقفت عن قبول روايتهما » انتهى.

كل ذا مع عدم تحقق الشهرة الجابرة لشي‌ء من ذلك ، بل لعل الموهنة محققة ، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه بحال.

٣٥

ثم انه لا فرق على الظاهر في العصير بين مزجه بغيره وعدمه ، للصدق والاستصحاب ، بل نسبه في الحدائق إلى إطلاق الأخبار وكلام الأصحاب ، وهو كذلك خصوصا لو مزج بعد الغليان قبل ذهاب الثلثين ، من غير فرق بين عصيري التمر والزبيب والعنبي ، بل في خبر النضوح وذيل الموثقين وغيرهما إيماء إليهما أو ظهور فيه.

نعم قد يقوى في النظر كما عن الأردبيلي الميل اليه عدم البأس في المستهلك منهما ، بل ومن العنبي ، بناء على عدم نجاسته كما فيما يحرم من غيرها ، وإلا لوجب اجتناب شرب الكثير من الماء بوقوع قطرة خمر ونحوه.

لكن قد ينافي ذلك‌ المروي (١) في مستطرفات السرائر من كتاب مسائل الرجال عن أبي الحسن علي بن محمد عليهما‌السلام « ان محمد بن عيسى كتب اليه عندنا طبيخ يجعل فيه الحصرم ، وربما يجعل فيه العصير من العنب ، وانما هو لحم يطبخ به ، وقد روي عنهم عليهم‌السلام في العصير انه إذا جعل على النار لم يشرب حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، فإن الذي يجعل في القدر من العصير بتلك المنزلة ، وقد اجتنبوا أكله إلى أن يستأذن مولانا في ذلك ، فكتب بخطه لا بأس بذلك ».

وربما يؤيده عدم ظهور الأدلة في الممتزج الخارج بالامتزاج إلى اسم آخر بعض أجزائه العصير ، لكن في الحدائق « أن الخبر ظاهر في أن حكم العصير مطبوخا مع غيره حكمه منفردا ، وكان السائل توهم اختصاص الحكم المذكور بالعصير منفردا وشك في جريان ذلك فيه إن طبخ مع غيره ، لأن ظاهر قوله : « يجعل في القدر من العصير بتلك المنزلة » ـ يعني يذهب ثلثاه كما روي ، فأجابه بنفي البأس مع ذهاب الثلثين ـ إشارة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١ وفي الوسائل « محمد ابن علي بن عيسى » وهو الصحيح.

٣٦

إلى أن هذا الحكم ثابت له مطلقا منفردا أو مع غيره » انتهى. وهو لا يخلو من نظر.

هذا كله في الامتزاج بعد تحقق العصيرية في العنب والتمر والزبيب ، أما لو ألقي عنب أو زبيب أو تمر في الماء الملقى فيه غيرها ، فان كان قبل تحقق الإضافة في الماء فالظاهر اتحاد حكمه مع السابق ، بل لعله بعض صور الامتزاج سيما بالنسبة للعنب ، وان كان بعدها ففي اللحوق بالنسبة للأخيرين إشكال ، لظهور الأدلة فيما إذا خرج سلافتهما بالماء المطلق وغلى.

ومنه حينئذ يظهر الإشكال في باقي المائعات ، بل هي أقوى إشكالا منه ، خصوصا في مثل الدهن ، لما‌ ورد (١) « ان الصادق عليه‌السلام أكل دجاجة مملوة خبيصا » وهو كما عن القاموس المعمول من التمر والسمن ، وان كان في ظهوره بما نحن فيه تأمل.

وربما يظهر مما عن العلامة في أجوبة المهنا بن سنان عدم الالتفات إلى التفصيل ، قال بعد أن سئل عن طبخ حب الرمان بالعصير من الزبيب أو العنب ما هذا لفظه : « أما ما سمي عصيرا فالوجه في غليانه اعتبار ذهاب ثلثيه ، وأما الزبيب فالأقرب إباحته مع انضمامه إلى غيره ، لأن الناس في جميع الأزمان والأصقاع يستعملونه من غير إنكار أحد منهم » انتهى. وتمام البحث في تنقيح هذه المسائل في كتاب الأطعمة والأشربة ، نسأل الله التوفيق.

ولا إشكال في طهارة وحل ما اعتصر من المياه من غير ثمرتي الكرم والنخل من الفواكه والثمار والبقول لو نشت وغلت ، وكذا الربوبات والأطعمة المتخذة من غيرها ، بل في مصابيح العلامة الطباطبائي ، إجماع العلماء على ذلك ، للأصل وعمومات الكتاب والسنة ، وعدم السكر بالكثير منهما ، وما ورد من المعتبرة في كثير منها كخبري‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٣.

٣٧

ابن أحمد المكفوف (١) وغيرهما (٢) المذكورة في الكتاب المزبور (٣).

بل وكذا لا إشكال في المعتصر من ثمرة الأول إذا لم يكن زبيبا أو عنبا ولا مسكرا كالحصرم ، للأصول والعمومات ، وان حكي التوقف فيه عن بعض المحدثين من البحرانيين لصدق العصير ، ولما يومي اليه نزاع إبليس مع آدم عليه‌السلام في شجرة الكرم إلى أن جعل له الثلثين الشامل للحصرم ، لكنه في غاية الضعف ، كاحتمال التوقف في عصير المطبوخ من ثمرة النخل إذا لم يكن بسرا أو تمرا ، والله أعلم.

( التاسع الفقاع )

إجماعا محصلا ومنقولا صريحا في الانتصار والمنتهى والتنقيح وجامع المقاصد وعن الخلاف والغنية والمهذب البارع وكشف الالتباس وإرشاد الجعفرية ، وظاهرا في التذكرة وعن المبسوط وغيرهما ، مؤيدا بالحكم بخمريته في المعتبرة المستفيضة (٤) التي كادت تبلغ التواتر ولو كان على وجه المجاز ، بل في بعضها (٥) هو الخمر بعينها ، مضافا الى‌ خبر أبي جميلة البصري (٦) قال : « كنت مع يونس ببغداد ، وأنا أمشي في السوق ، ففتح صاحب الفقاع فقاعه ، فقفز فأصاب يونس فرأيته قد اغتم لذلك حتى زالت الشمس ، فقلت : يا أبا محمد إلا تصلي؟ فقال : ليس أريد أن أصلي حتى أرجع إلى البيت فأغسل هذا الخمر من ثوبي ، فقلت له : هذا رأي رأيته أو شي‌ء ترويه ، فقال : أخبرني هشام بن الحكم أنه سأل الصادق عليه‌السلام عن الفقاع ، فقال : لا تشربه فإنه خمر مجهول ، فإذا أصاب ثوبك فاغسله ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٣) أي كتاب الأطعمة ( منه رحمه‌الله ).

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٨.

(٦) التهذيب ـ ج ١ ص ٢٨٢ من طبعة النجف.

٣٨

وضعف سنده بعد انجباره بما عرفت غير قادح ، فما في المدرك من التأمل والتوقف فيه لذلك في غير محله ، كالمحكي عن الجعفي بحل بعض الفقاع المستلزم لطهارته حينئذ ، لكن يمكن تنزيله على غير ما نحن فيه ، كما يومي اليه ما في الذكرى « انه نادر لا عبرة به ، مع منع تسمية ما وصفه فقاعا » انتهى.

والمرجع فيه كأمثاله العرف والعادة التي لم يعلم حدوثهما ولو بسبب العلم بحدوث خصوصية هذا الشراب ، لكنه في مجمع البحرين « انه شي‌ء يشرب يتخذ من ماء الشعير فقط ، وليس بمسكر » كما عن المدنيات « انه شراب معمول من الشعير » وفي الانتصار « انه كان يعمل منه ومن القمح » وعن مقداديات الشهيد « كان قديما يتخذ من الشعير غالبا ، ويصنع حتى يحصل فيه النشيش والقفزان ، وكأنه الآن يتخذ من الزبيب ويحصل فيه هاتان الخاصتان ».

قلت : ربما يشكل حينئذ جريان حكم الفقاع عليه من حيث الفقاعية بعدم تناول الإطلاق له وعدم انصرافه اليه بعد فرض اعتياد غيره سابقا ، نعم قد يحكم بنجاسته بناء على ما قدمناه سابقا في العصير ، والتسمية بعد العلم بالحدوث لا تجدي.

ودعوى انها كاشفة عن وضع اللفظ للقدر المشترك قديما ، فلا يقدح عدم وجود هذا الفرد في ذلك الزمان لا شاهد عليها ، بل قد يجري هذا الإشكال أيضا في المشكوك في وجوده في ذلك الزمان ، للشك في تناول الإطلاق له حينئذ ، بل أصالة تأخر الحادث تقضي بعدم وجوده فيه ، والتمسك في وجوده سابقا بوجوده لاحقا راجع الى الاستصحاب المعكوس ، كالتمسك بصحة الإطلاق لا حقا فيه وفي معلوم الحدوث أيضا عليه سابقا ، وأصالة الحقيقة منضمة إلى أصالة عدم الاشتراك والنقل لا صلاحية لها في إثبات ما نحن فيه ، فتأمل جيدا فان المقام من المشكلات مع انه كثير الثمرات.

وكذا قد يشكل ما في جامع المقاصد وكذا الروض من أن المراد بالفقاع المتخذ‌

٣٩

من ماء الشعير كما ذكره المرتضى ، لكن ما يوجد في أسواق أهل السنة يحكم بنجاسته إذا لم يعلم أصله ، عملا بإطلاق التسمية ، انتهى. بأن إطلاق التسمية بعد فرض تحقق الفردين الطاهر والنجس لا يجدي في تنجيس مستصحب الطهارة بل ولا خصوص الفقاع ، إذ هو من مشتبه الموضوع حينئذ ، وأصالة الحقيقة بعد تسليم جريانها هنا لا مدخلية لها فيما نحن فيه.

وكذا قد يشكل إطلاقهم نجاسة الفقاع وحرمته بصحيحة ابن أبي عمير (١) عن مرازم قال : « كان يعمل لأبي الحسن عليه‌السلام الفقاع في منزله » قال محمد ابن أحمد : قال أبو أحمد يعني ابن أبي عمير : « ولم يعمل فقاع يغلي » وخبر عثمان (٢) قال : « كتب عبد الله بن محمد الرازي إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام إن رأيت أن تفسر لي الفقاع فإنه قد اشتبه علينا ، أمكروه هو بعد غليانه أم قبله؟ فكتب اليه لا تقرب الفقاع إلا ما لم تضري آنيته وكان جديدا ، فأعاد الكتاب اليه اني كتبت أسأل عن الفقاع ما لم يغل ، فأتاني أن أشربه ما كان في إناء جديد وغير ضار ، ولم أعرف حد الضراوة والجديد ، وسأل أن يفسر ذلك له ، وهل يجوز شرب ما يعمل في الغظارة والزجاج والخشب ونحوه من الأواني؟ فكتب يفعل الفقاع في الزجاج وفي الفخار الجديد إلى قدر ثلاث عملات ، ثم لا تعد منه بعد ثلاث عملات إلا في إناء جديد ، والخشب مثل ذلك » الحديث. حيث أنبأ عن حلية بعض أفراد الفقاع.

قلت : لكن قد يدفع بمنع تسمية نحو ذلك فقاعا حقيقة ، لاعتبار النشيش والقفزان بنفسه في مفهومه ، كما انه قد يمنع صدقه على ما يستعمله الأطباء في زماننا هذا من ماء الشعير ، لعدم وجود خاصيتيه فيه على الظاهر.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٢.

٤٠