جواهر الكلام - ج ٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أي القطرات الواقعة ، وإلا فهو في حكم المنقطع كما صرح به الطباطبائي في مصابيحه ، بل ظاهره فيها انه من المسلمات ، فإنه بعد أن ذكر حكم ماء المطر بعد الانقطاع من النجاسة لو كان قليلا وعدمها لو كان كرا واستدل عليه بالإجماع والأخبار قال : « والمراد بانقطاع المطر انقطاع تقاطره من السماء لا مطلقا ، فلو انقطع كذلك ثم تقاطر في سقف أو جدار فبحكم الواقف ، وكذا لو جرى من جبل أو أرض منحدرة بعد سكون المطر ، ويحصل الانقطاع في القطرات النازلة بملاقاتها لجسم ولو قبل الاستقرار على الأرض ، فلو لاقت في الجو شيئا ثم سقطت على نجس نجست بالملاقاة ما لم تتقوّ باتصالها بالنازل بعدها » انتهى ، وهو كما ترى صريح في مخالفة ما ذكرنا.

وتظهر الثمرة معه في أمور عديدة : ( منها ) ما نحن فيه ، فإنه بناء عليه لا ينقطع حكم الجريان من القطرات الواقعة على الماء النجس ، بخلافه على الوجه الآخر.

و ( منها ) ان الماء المجتمع من المطر إذا كان فيه عين نجاسة لم ينجس شي‌ء لاقاه ما دامت السماء تكف وإن اتفق إصابته حال عدم وقوع قطرات عليه ، بخلافه على الآخر ، فان المتجه عليه النجاسة وإن أصابه حال وقوع التقاطر عليه فضلا عن غيره ، إذ القطرات النازلة وإن كانت بحكم الجاري لكنها بعد وقوعها وملاقاتها للجسم صارت مثله بحكم الواقف ، فلا يتقوى بها ، والفرض وجود عين النجاسة من عذرة ونحوها فيه.

و ( منها ) انه يتم بناء عليه ما ذكره في الذخيرة والحدائق من تقوي الماء القليل من غير المطر الطاهر بالتقاطر عليه بحيث لا ينفعل بالملاقاة ، بناء على المشهور من عدم اعتبار الجريان في مساواته للجاري ، بخلافه عليه ، إذ أقصاه عليه أنه ينجس ويطهر لا أنه لا ينجس بالملاقاة ، اللهم إلا أن يقال فيه وفيما تقدم انه يكتفى في الاتصال بالجاري بنحو ذلك ، فترتفع الثمرة حينئذ بيننا في جملة من المقامات ، أو يقال إن ذلك كله من أحكام الملاقاة الأولى التي هي بحكم الجاري ، إنما البحث في الملاقاة الثانية.

٣٢١

و ( منها ) ما ذكره في كلامه من تنجس القطرة في ثاني الوقوعين بالملاقاة ، بخلافه عندنا ، إلى غير ذلك من الأمور التي تظهر بالتأمل.

كما أنه بالتأمل في أخبار المقام يظهر دليل ما ذكرنا من عدم انقطاع حكم الجاري عنه بمجرد ملاقاته لجسم من الأجسام حتى خبري الميزابين المروي أحدهما (١) في الحسن عن الصادق عليه‌السلام « في ميزابين سالا : أحدهما بول والآخر ماء المطر فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضره ذلك » ويقرب منه ثانيهما (٢) وإن كان الوجه تنزيلهما على الاستهلاك ، بل مرسل الكاهلي وخبر أبي بصير المتقدمان آنفا كالصريحين فيه ، بل وخبر هشام بن سالم كذلك ، بل وغيره بل جميع ما ورد فيما نحن فيه ظاهر في مساواته لحكم الجاري بعد وقوعه وملاقاته لكونه ماء مطر ، لا لاتصاله بماء المطر كما ذكره المحقق المذكور ، مضافا إلى استصحاب حكم الجاري نفسه فضلا عن الطهارة.

وكأنه ألجأه إليه رحمه‌الله ـ بعد الاقتصار على المتيقن من تخصيص قاعدة القليل بالمتيقن من ماء الغيث ، بل قد يدعى ظهوره في النازل من السحاب نفسه ـ انه لا وجه لجريان حكم الجاري عليه بعد ملاقاته ، وإلا لزم أن لا ينجس ما دامت السماء تكف وان أحيز في آنية وقطع عن التقاطر ، وهو ضروري الفساد ، ويدفعه أنه لا تلازم ، إذ لعل الضابط ما ذكرناه ، فتأمل جيدا فإن المسألة من مزال الأقدام ، ومحتاجة بعد ذلك إلى مزيد كلام لا يسعه المقام ، إذ هي ليست محررة في كلام أحد من الأعلام ، بل لم يتعرض لها سوى العلامة المزبور في الكتاب المذكور ، وأما غيره فأطلق ، بل هو نفسه في منظومته كذلك أيضا.

نعم قد يظهر ما قلناه من مجموع ما في كشف الأستاذ هنا الذي منه قوله :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الماء المطلق ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الماء المطلق ـ الحديث ٦.

٣٢٢

« ولو ترشح ماء مما يقع على نجاسة العين مع بقاء التقاطر فلا بأس به ـ ثم قال ـ : وهو عاصم لما اتصل به من الماء ، مطهر لما وقع فيه ، معصوم لا ينجس إلا بالتغير » إلى غير ذلك من عباراته ، فلاحظ وتأمل ، بل ربما يظهر منه الميل إلى كون المتقاطر من النافذ في السقف منه بحكم الجاري أو الشك فيه ، حيث قال : « وما يشك في صدق اسم المطر عليه كالقطرة والقطرتين ، وما يتكون من الأنجرة السماوية من بعض القطرات ، وما حجبه عن السماء حاجب كبعض الغمام الداخل في بعض البيوت المبنية على رؤوس الجبال ، وما تقاطر من السقف بعد نفوذه في أعماقه إن لم يدخل في عموم‌ قوله عليه‌السلام (١) : « له مادة » فلا يحكم عليه بحكمه » انتهى.

وهو جيد وإن أمكن المناقشة في المذكور ثالثا في كلامه بمنع الشك فيه بمجرد حجبه عن السماء ، لكن الأمر سهل بعد ظهور كلامه الأول فيما سمعت المتجه بناء عليه استثناء ماء الغيث من قاعدة القليل ، سواء قلنا بتساوي الورودين في الانفعال وعدمه ، إذ ماء الغيث عندنا أعم من النازل والمجتمع منه على الأرض مع بقاء التقاطر بخلافه على غيره ، فإنه لا يتجه استثناؤه حينئذ إلا على تقدير القول بالتساوي وإلا فعلى القول بعدمه لا وجه لاستثنائه ، لعدم تصور الغيث غالبا إلا واردا ، لأنه عليه عبارة عن القطرات النازلة.

وإن أمكن أن يناقش في الأول بأنه عليه لم يظهر فرق حينئذ بين ماء الغيث نفسه وبين غيره إذا كان يتقاطر عليه كالمجتمع من ماء المطر حينئذ ، كما أنه قد يوجه الاستثناء على الثاني أيضا بأن طهارة الماء الوارد على القول به مخصوصة بالوارد المتميز عن المورود عليه بعد الورود ، فأما غير المتميز كالوارد على الماء النجس فإنه ينجس به على القولين ، لاتحاد حكم الماءين المختلطين على الوجه الرافع للتمييز ، فيتجه حينئذ استثناء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الماء المطلق ـ الحديث ٦.

٣٢٣

ماء الغيث ، ضرورة عدم كونه كذلك إذا لاقى الماء النجس ، ولذا وجب ( عدم كونه كذلك إذا لاقى الماء النجس ) (١) الحكم حينئذ بطهارته مع اتصاله به ، فيستثنى حينئذ من قاعدة القليل لذلك ، فتأمل جيدا.

ثم ان كيفية التطهير بالغيث ككيفية التطهير بالجاري لا يحتاج إلى عصر أو تعدد أو نحوهما ولا نجاسة في غسالته وإن كان قليلا ، بخلاف الماء القليل غيره الذي يغسل به النجاسة فإنه نجس على الأشهر بين المتأخرين ، بل المشهور سواء كان في الغسلة الأولى أو الثانية ، وسواء كان متلونا بالنجاسة أو لم يكن ، وسواء بقي على المغسول عين النجاسة أو نقي بل وكذا القول في غسالة الإناء على الأظهر عند المصنف لا عند الشيخ ، فحكم بطهارة الغسلتين في إناء الولوغ ، والثانية في غيره على ما حكي عنه ، بل ولا عندنا لما تقدم سابقا أن الأظهر طهارة ما له مدخلية في نفس تطهير المتنجس من ماء الغسالة من غير فرق بين الإناء وغيره ، والغسلة الأخيرة وغيرها ، بناء على مدخليتهما معا في الطهارة ، وإلا اختص الحكم المذكور بالأخيرة كما قواه العلامة الطباطبائي فيما حضرني من نسخة منظومته ، فقال :

وطهر ما يعقبه طهر المحل

عندي قوي وعلى المنع العمل

وقد تقدم البحث في ذلك مفصلا بحمد الله وبركة محمد وأهل بيته ( صلوات الله عليهم ) فراجع وتأمل.

ومنه يظهر لك وجه ما في الخلاف والسرائر واللوامع ، بل هو كصريح مجمع البرهان وظاهر الذكرى بل والمدارك من تطهير الأرض النجسة بالبول كما في الأولين أو به وبغيره كما هو ظاهر غيرهما ، بل وهما إن حمل البول فيهما على المثال بالماء القليل في ذنوب ونحوه الغالب القاهر ، واليه أشار المصنف بقوله وقيل في الذنوب‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح حذف ما بين القوسين.

٣٢٤

بفتح الذال الذي هو في الأصل كما في مجمع البحرين الدلو العظيم ، ولا يقال لها ذنوب إلا وفيها ماء ، وكانوا يستقون فيها لكل واحد ذنوب ، فجعل الذنوب النصيب ، كما عن القاموس انه الدلو فيها ماء أو الملائي أو دون الملائي إذا ألقي على نجاسة على الأرض يطهر الأرض مع بقائه على طهارته ضرورة وضوحه بناء على طهارة الغسالة مطلقا بل وعلى القول بطهارة الأخيرة خاصة إذا فرض نجاسة الأرض بما لا يحتاج إلى التعدد ، بل وبه أيضا مع جفاف الغسلة الأولى مثلا ، لأن أقصاه صيرورة الأرض نجسة بها أيضا مع النجاسة الأولى ، فتطهر هما الغسلة الثانية حينئذ ، بناء على عدم اعتبار التعدد في طهارة المتنجس بماء الغسالة وإن كان غسالة واجب التعدد ، بل يمكن القول بإمكان التطهر في الفرض وإن لم نقل بطهارة الغسالة ، لطهورية الماء وتحقق صدق الغسل الذي هو بالنسبة إلى كل شي‌ء بحسبه ، والحرج لعدم تيسر غيره في أكثر الأمكنة ، وإمكان كون ماء الغسالة كالمتخلف في كثير الحشو ونحوه ، وخلو الأدلة عن نفيه مع غلبة وقوعه وقلة التمكن من الماء الكثير في الأزمنة السالفة.

وإشعار قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (١) وخبر أبي بصير (٢) بعد سؤاله عن الصلاة في البيع والكنائس وبيوت المجوس : « رش وصل » بناء على الظاهر منه من كون ذلك للتطهير لا تعبدا أو زوال النفرة أو دفع الوسواس بفعل ما ينبغي أن يزيده ، كاشعار تعليل طهارة السطح بماء الغيث في صحيح هشام المتقدم سابقا بأن « ما أصابه من الماء أكثر » إن لم يجعل اللام فيه للعهد الخارجي أو بمنزلته ، وتعليل طهارة ماء الاستنجاء بأنه أكثر من القذر ، والنبوي المروي في الخلاف والسرائر وغيرهما ، بل وصف بالمشهور في مجمع البرهان وعن الموجز والبيان ، والمقبول في الذكرى.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب مكان المصلى ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب مكان المصلى ـ الحديث ٣.

٣٢٥

بل يشهد له‌ رواية ابن إدريس (١) له مرسلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستدلا به على المختار ، مع أنه لا يعمل بالصحيح من أخبار الآحاد فضلا عن مثله « دخل أعرابي المسجد ، فقال : اللهم ارحمني ومحمدا ، ولا ترحم معنا أحدا ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعجزت واسعا ، قال : فما لبث أن بال في ناحية المسجد ، وكأنهم عجلوا اليه ، فنهاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه ، ثم قال : اعلموا ويسروا ولا تعسروا ».

والمناقشة فيه بعدم حجيته ـ إذ هو من طرق العامة بل راويه أبو هريرة منهم الذي قد نقل عن أبي حنيفة الاعتراف بكذبه ورد رواياته ، بل عن بعضهم أنهم لا يقبلون رواياته في معالم الحلال والحرام ، وانما يقبلونها في مثل أخبار الجنة والنار ـ يدفعه إمكان دعوى الانجبار بما تقدم سابقا ، بل يمكن دعوى الشهرة على مضمونه إذا لوحظ القائلون بطهارة الغسالة.

كما أنه لا داعي ولا مقتضي للمناقشة في متنه وتأويله بما هو مخالف لظاهرة من احتمال كرية الذنوب وإرادة الرطوبة له بعد أن جف للتطهير بالشمس ، وإزالة نفس العين بالصب لذلك وحجرية الأرض وصلابتها مع انحدارها إلى خارج المسجد ، إذ لا بحث في إمكان طهارتها حينئذ وإن نجس ذلك المحل الذي ينتهي اليه ماء الغسالة ، إنما البحث في الرخوة التي لا ينفصل تمام الغسالة منها.

بل ظاهر المصنف في المعتبر إمكان تطهير هذه أيضا إذا فرض انحدارها وإمكان إغمارها بالماء بحيث ينتهي منها إلى المحل الآخر وإن تخلف منه فيها ما تخلف ، فإنه بعد أن رد على الشيخ دعواه وعارض مستنده برواية ابن معقل (٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) عمدة القاري في شرح البخاري للعيني ج ١ ص ٨٨٤.

(٢) كنز العمال ـ ج ٥ ـ ص ٨٤ الرقم ١٧٥٣.

٣٢٦

انه قال في الحكاية السابقة : « خذوا ما بال عليه من التراب وأهريقوا مكانه » المعلوم قصورها عن معارضة ذلك من وجوه قال : « فالوجه أن طهارة الأرض بجريان الماء عليها والمطر أو تطلع الشمس عليه حتى يجف أو تغسل بما يغمرها لم يجر إلى موضع آخر فيكون ما انتهى اليه نجسا » انتهى. ودعوى إرادته الصلبة لا شاهد عليها بل ظاهر كلامه يأباها.

بل ظاهر النراقي في اللوامع نسبة ذلك إلى غير المصنف من القائلين بعدم طهارة الأرض بالقليل ، حيث قال فيها : « من لا يطهر الأرض بالقليل فالتطهير عنده بجريان أحد الثلاثة مع الغلبة المهلكة ، أو بوقوع الشمس عليه حتى يجف ، أو بأخذ ما قطع بنجاسته من التراب ، أو بصب ماء يغمرها ثم إجراؤه إلى موضع آخر فينجس ذلك الموضع ، أو بتطيينه بطين طاهر » إلى آخره. وإن كان الثالث والأخير ليس من التطهر حقيقة ، لكن على هذا ينحصر النزاع بين المصنف مثلا والشيخ بالنظر إلى قابلية التطهير في الأرض الرخوة غير المنحدرة التي لا يمكن إجراء ماء الغسالة عنها إلى محل آخر ، وإلا فالنزاع معه في الأرض المنحدرة نفسها والصلبة أيضا من غير هذه الجهة ، كطهارة الماء وعدمها ، بل قد يقال : إن المتجه بناء على ما سمعته من المصنف القول بالطهارة في الأرض المستوية أيضا كما حكي عن أبي حنيفة باعتبار رسوب ماء الغسالة فيها إلى الباطن فيطهر حينئذ هذا الظاهر الذي انفصل عنه الماء ، بل لا فرق عند التأمل بين الانفصال بالإجراء ونحوه المذكور في كلامه وبينه.

إلا أن الانصاف ان المعروف بين القائلين بنجاسة الغسالة وعدم قابلية الأرض للطهارة بالقليل عدم الفرق بين المستوية الرخوة والمنحدرة ، إذ المانع عندهم عدم انفصال ماء الغسالة المحكوم بنجاسته ، وإن أمكن مناقشتهم في ذلك ، كما يظهر لك من المباحث السابقة عند البحث عن طهارة ما لا يعصر ويرسب فيه ماء الغسالة الذي ما نحن فيه جزئي من جزئياته ، فلاحظ وتأمل.

٣٢٧

كما انه ينبغي لك ملاحظة ما في السرائر ، فإنه وإن وافقنا في الطهارة بالقليل لكن وقع فيها على الظاهر ما هو محل للنظر بل المنع ، كقوله بتعدد الذنوب على عدد تعدد البائلين المحكي في الذكرى عن الشيخ أيضا ، والأمر سهل ، والله ورسوله والأئمة ( صلوات الله عليهم ) أعلم بذلك كله.

( القول في الآنية‌ )

( ولا يجوز الأكل والشرب من آنية من ذهب أو فضة ) إجماعا منا بل وعن كل من يحفظ عنه العلم عدا داود ، فحرم الشرب خاصة ، محصلا ومنقولا مستفيضا إن لم يكن متواترا كالنصوص به من الطرفين.

ف‌ في النبوي (١) من طريقهم « لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ».

والمرتضوي (٢) « الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ».

وفي‌ الحسن أو الصحيح (٣) من طريقنا عن الصادق عليه‌السلام « لا تأكل في آنية من فضة ولا في آنية مفضضة ».

كقوله عليه‌السلام في خبر داود بن سرحان (٤) : « لا تأكل في آنية الذهب والفضة ».

__________________

(١) كنز العمال ـ ج ٨ ـ ص ١٦ ـ الرقم ٣٦٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤ لكن رواه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

٣٢٨

و‌عن الباقر عليه‌السلام في خبر ابن مسلم (١) أو صحيحه لما قيل إن الصدوق رواه عن أبان عنه الظاهر منه انه ابن عثمان ، وطريقه اليه صحيح « انه عليه‌السلام نهى عن آنية الذهب والفضة ».

كخبر المناهي المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفقيه (٢) وعن الكاظم عليه‌السلام في خبر موسى بن بكير (٣) انه قال : « آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون » إلى غير ذلك ، فما عن الخلاف من إطلاق كراهة استعمالهما يراد به ما في المعتبر والمختلف والذكرى الحرمة قطعا.

كصحيح ابن بزيع (٤) « سألت الرضا عليه‌السلام عن آنية الذهب والفضة فكرههما ، فقلت : روي أنه كان لأبي الحسن عليه‌السلام مرآة ملبسة فضة ، فقال : لا والله انما كانت لها حلقة من فضة وهي عندي ، ثم قال : إن العباس حين عذر عمل له قضيب ملبس من فضة من نحو ما يعمل للصبيان يكون فضته نحوا من عشرة دراهم ، فأمر به أبو الحسن عليه‌السلام فكسر ».

وخبر بريد (٥) عن الصادق عليه‌السلام « انه كره الشرب في الفضة والقدح المفضض ، وكذلك أن يدهن في مدهن مفضض ، والمشط كذلك ».

وموثق ابن مهران (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « لا ينبغي الشرب في آنية الذهب والفضة ».

وخبر يونس بن يعقوب (٧) عن أخيه قال : « كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤ لكن رواه عن موسى بن بكر وهو الصحيح.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٦.

٣٢٩

فاستسقى ماء فأتي بقدح فيه من صفر ، فقال رجل : إن عباد بن كثير يكره الشرب في الصفر ، فقال : لا بأس به ، فقال عليه‌السلام للرجل : إلا سألته أذهب أم فضة؟ » الحديث. وإن استبعد في كشف اللثام ذلك من عبارته ، بل في المجمع أنه لولا الإجماع لكان القول بالكراهة حسنا ، ولعله لحمل النهي على ما سمعت ، وهو لا يخلو من وجه لو كان لفظ الكراهة صريحا في غير الحرمة في العرف السابق ، ولم يظهر من السياق ونحوه إرادتها منها هنا.

بل وقد يستفاد من خبر ابن مسلم والمناهي بعد إرادة مطلق الاستعمال من النهي عن الآنية فيها كما هو الظاهر ولو بملاحظة الحكمة وعدم تبادر الخصوصية والقرينة عليها ، بل وخبر موسى بن بكير أيضا بل وصحيح ابن بزيع أيضا أنه لا يجوز استعمالها في غير ذلك مما لا يندرج في الأكل والشرب ، خصوصا بعد انجبار ذلك كانجبار السند بالشهرة بين الأصحاب ، بل لا أجد فيه خلافا ، بل في الحدائق نفي الخلاف عنه لا وجدانه ، كما أن معقد نفيه في كشف الرموز الاستعمال ، بل في التحرير تعقيب حرمة الاستعمال غير الأكل والشرب بعندنا مشعرا بالإجماع عليه ، بل في المنتهى عند علمائنا والشافعي ومالك ، بل معقد إجماع اللوامع الاستعمال ، بل في التذكرة « يحرم استعمال المتخذ من الذهب والفضة في أكل وشرب وغيرهما عند علمائنا أجمع ، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وعامة العلماء والشافعي في الجديد ».

فاقتصار بعضهم كما عن الصدوق والمفيد وسلار والشيخ في النهاية على الأكل والشرب لا يصغى اليه إن أرادوا الحصر.

كما أنه يجب طرح أو تأويل‌ صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما‌السلام (١) قال : « سألته عن المرآة هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة فضة؟ قال : نعم إنما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

٣٣٠

يكره ما يشرب به » الحديث. بل هو ظاهر في غير ما نحن فيه.

نعم لا يحرم ما فيها من المأكول والمشروب قطعا ، وفاقا للأكثر للأصل السالم عن المعارض ، ضرورة عدم استلزام حرمة الاستعمال بل الأكل الذي هو عبارة عن الازدراد المنهي عنه في الأخبار ذلك ، إذ حرمته من حيث كونه أكلا في الآنية واستعمالا لها لا ينافي حلية ذاته الثابتة بأدلتها ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يجرجر في بطنه » (١) مع أنه غير ثابت في طرقنا لا بد من إرادة المجاز منه ، لتعذر الحقيقة أي يوجب له بسبب تناوله من الآنية النار ، فلا يجب حينئذ عليه استفراغه وإن تمكن منه ، بل في كشف الأستاذ « ولا وضعه من فيه بل ولا إلغائه من يده بعد التوبة والندم على إشكال ».

فما عن المفيد بل في الذكرى أنه يلوح من كلام أبي الصلاح من الحرمة ضعيف ، أو أنه يريد ما وجهه به في الحدائق من إرادة حرمة الأكل بمعنى الازدراد ، للنهي عن ذلك ، فيكون المأكول حينئذ محرما كالحق الشرعي المأخوذ بحكم حاكم الجور الذي ورد فيه (٢) أنه سحت ، إذ قد عرفت أن ذلك لا يقتضي الحرمة الذاتية التي يراد بها كون الأكل منهيا عنه لنفسه كالميتة ولحم الخنزير ونحوهما لا من جهة أخرى ، وعين المال المملوك المأخوذ بحكم حاكم الجور حرمته كحرمة الأكل في الآنية قطعا لا ذاتية ، فليس هو أوضح منها حتى يستفاد من حكمه حكمها.

ودعوى أن الآنية والأخذ بحكم حاكم الجور من الأشياء المنقحة لموضوع الحرمة الشرعية لا أنها جهات خارجية ، بل هي في الحقيقة كالموت للحيوان والسكر للخل والنجاسة للمائع ونحو ذلك واضحة المنع على مدعيها ، بل يمكن تقريره في سائر المحرمات عارضا‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٤٠ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٢) أصول الكافي ـ ج ١ ص ٦٧ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٤.

٣٣١

حتى وطء الزوجة في الحيض وهو معلوم الفساد.

هذا كله بعد تسليم حرمة الأكل بمعنى المضغ والازدراد ، أما لو قلنا إن المحرم نفس التناول خاصة حتى في مثل الأكل والشرب تنزيلا للنهي عنهما على إرادة الاستعمال ، ضرورة عدم الفرق بينهما وبين غيرهما من أنواع الاستعمال فلا وجه لتصور الحرمة حينئذ في نفس المأكول والمشروب ، بل هذا هو ظاهر الأصحاب كما يومي اليه حكمهم بصحة الطهارة من الآنية مع التمكن من ماء غيره ، كالإناء المغصوب من غير خلاف يعرف فيه بينهم بل ظاهر معتبر المصنف حيث نسب الخلاف فيه لبعض الحنابلة الإجماع عليه ، معللين ذلك بأن المحرم الانتزاع ، وهو أمر خارج عن الطهارة ، كما لو جعلت مصبا لماء الطهارة.

نعم جعل في المنتهى البطلان وجها معللا له بما يقضي بإرادته ما لو انحصر الماء في الآنية ، فيكون البطلان حينئذ لعدم تصور الأمر بالطهارة بعد توقفها على المقدمة المحرمة ، فيكون فرضه حينئذ التيمم ، لأن المنع الشرعي كالعقلي ، وهو أمر غير ما نحن فيه ، ومن هنا استجوده في المدارك وتبعه في الذخيرة ، وهو لا يخلو من وجه ، لكن ينبغي تقييده مع ذلك بما إذا لم يتمكن من إفراغ ذلك الماء في آنية أخرى مثلا ، وإلا كان كالمتمكن من الماء الآخر ، بل في كشف اللثام التردد في أصل حرمة الاغتراف منها للطهارة أو صب ما فيها على الأعضاء ، لأنهما من الإفراغ الذي لا دليل على حرمته وإن أمكن منعه عليه ، ضرورة عدم اندراجه في الإفراغ ، إذ ليس هو كل نقل ، كضرورة اندراجه في الاستعمال ، بل لو كان قد قصد الإفراغ أيضا لكن بالاستعمال الخاص لم ترتفع الحرمة ، وإلا لحل كثير من وجوه الانتفاع بل جميعها لذلك ، بل التحقيق أن الأكل والطهارة ونحوهما من الآنية استعمال لها بنفس أفعال الطهارة وبالمضغ والازدراد لا مجرد النقل ، كما يشهد لذلك ملاحظة العرف.

ومن هنا حكم العلامتان في المنظومة والكشف بفساد الطهارة ، بل صرح الثاني‌

٣٣٢

بعدم الفرق بين رمس العضو والاغتسال مرتمسا والتناول باليد والآلة ، فما يظهر من الأصحاب حينئذ أن المحرم نفس النقل والانتزاع لا غير ليس في محله ، فضلا عن ما سمعته من كشف اللثام الذي ينبغي العجب من صدوره من مثله ، لما عرفت من وضوح الفرق عرفا بين التفريغ والاستعمال والنقل هنا من الثاني ، إذ مبنى استعماله في الوضوء ومعناه عرفا ذلك كالأكل ، فإن النقل باليد من الإناء إلى المضغ ليس من التفريغ قطعا.

نعم قد يقال هو منه بالنسبة للشرب إذا كانت الآنية مما تستعمل بالشرب من دون نقل منها ، فلو وضع حينئذ ما فيها في يده بقصد التفريغ ولو للشرب لم يكن ذلك الشرب استعمالا لها فيه ، فالواجب حينئذ ملاحظة العرف في صدق استعمالها في الشي‌ء ، فإنه مختلف جدا باختلاف المستعمل فيه ، بل والمستعمل بالفتح من الإبريق والقمقمة ونحوهما ، بل والقصد أيضا فتأمل.

وما يقال : ـ إنه ليس في الأدلة نهي عن الوضوء مثلا في الآنية أو عن استعمالها في الوضوء حتى يقال : إن المفهوم من الوضوء بها واستعمالها فيه هو تمام ذلك من الانتزاع وغيره ، بل الموجود في الأدلة النهي عن الآنية ، وهو كما يحتمل إرادة الوضوء بها مثلا واستعمالها فيه يحتمل إرادة النهي عن نفس نقل ما فيها وانتزاعه للوضوء أو غيره ، فيكون المنهي عنه النقل حينئذ خاصة يدفعه انه وإن لم يكن ذلك في الأدلة صريحا لكنه المفهوم المتبادر منها ، خصوصا بعد اشتمالها على النهي عن الأكل والشرب فيها المتفق بين الأصحاب على عدم الفرق بينهما وبين غيرهما في كيفية الحرمة ، إذ قد سمعت معقد الإجماع المحكي بل الإجماعات على حرمة غير الأكل والشرب ، فإنه كالصريح في اتحادهما بذلك ، كما هو واضح ، فيكون حينئذ بمنزلة قوله : لا تأكل في الآنية ولا تشرب فيها ولا تتوضأ فيها ولا تغتسل فيها ونحو ذلك ، على أنه يكفي في ثبوت المطلق نفس معقد الإجماع المذكور ، وخصوصا ما تقدم من التذكرة ، فيتجه‌

٣٣٣

حينئذ التعليل بأن معنى استعمالها في الوضوء ذلك.

ولعله من هنا يمكن الفرق بين الإناء المغصوب وبين ما نحن فيه وإن ساوى بينهما في الفساد العلامتان المذكوران ، كما أن غيرهما ساوى بينهما في عدمه ، فيحكم بصحة الوضوء منه دونه ، لعدم النهي في شي‌ء من الأدلة عن استعماله في الوضوء أو الانتفاع به فيه أو عن الوضوء فيه ليتم ذلك فيه ، بل ليس إلا حرمة التصرف في مال الغير المعلومة عقلا ونقلا ، وليس من التصرف في الإناء مثلا غسل الوجه بالماء المملوك المنتزع من الإناء المغصوب قطعا ، وإن صدق استعمال الإناء في الوضوء ، لكن ذلك لا يقتضي فسادا بدون نهي عنه ، فهو حينئذ كسقف البيت وسور الدار المغصوبين ، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه.

والمرجع في الإناء والآنية والأواني إلى العرف كما صرح به غير واحد ، وإن قال في المصباح المنير : « أن الإناء والآنية كالوعاء والأوعية وزنا ومعنى » إذ هو إما تفسير بالأعم كما هي عادة أهل اللغة ، أو أنه يقدم العرف عليه بناء على ذلك لكن فيما تعارضا فيه مما كان ظرفا ووعاء إلا أنه يسلب عنه اسم الآنية عرفا ، أما ما توافقا فيه أو استقل هو عن العرف بأن كان من الظروف والأوعية ولم يسلب عنه الاسم لكن لم يتنقح لدينا إطلاق عرف زماننا عليه ، لقلة استعمال هذا اللفظ فيه ، أو غير ذلك فالظاهر ثبوت الحرمة ، فالقليان حينئذ ورأسها ورأس الشطب وما يجعل موضعا له وقراب السيف والخنجر والسكين وبيت السهام وظروف الغالية والكحل والعنبر والمعجون والتتن والتنباك والأفيون والمشكاة والمجامر والمحابر ونحوها من المحرم ، وفاقا لصريح الطباطبائي في منظومته في أكثر ذلك أو جميعه ، بل والتذكرة والذكرى والحدائق وان اقتصروا على التصريح بظرف الغالية والمكحلة ، وخلافا لصريح الأستاذ في كشفه في جميع ذلك وزيادة ، بل والنراقي في لوامعه وان اقتصر على التصريح‌

٣٣٤

بالمكحلة وظرف الغالية والدواة ، والمعاصر في رياضة وان اقتصر على التصريح بالأولين لكن ظاهرهما بل صريحهما العموم ، لصدق الاسم أو لعدم صحة السلب.

ودعوى الشك في الصدق أو الإرادة ـ بل ظهور عدمها لندرتها وعدم اعتيادها ، والمجاز خير من الاشتراك ، والأصل الإباحة ، مضافا إلى‌ الصحيح (١) « عن التعويذ يعلق على الحائض ، فقال : نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة من حديد » وإلى ما اشتهر مما ورد في حرز الجواد ـ يدفعها منع الشك في الصدق أولا ، وعدم قادحيته بعد ما عرفت ثانيا ، كمنع الشك في الإرادة ثالثا ، لمنع الندرة في الإطلاق الموجبة لذلك ، وإن كان الكثير المتداول عند أغلب الناس لأواني المستعملة في المأكل والمشرب ونحوهما وصغر الحجم ونحوه لا تأثير له في ذلك ، وأولوية المجاز انما هي من الاشتراك اللفظي لا المعنوي ، بل لعله من أفراد أصالة الحقيقة في الإطلاق.

على أنه يمكن منع كون ما نحن فيه من المطلق الذي ينصرف إلى المعتاد ، إذ قوله فيها لا تأكل في آنية الذهب ونحوه مما لا تفاوت في شموله بين المعتاد وغيره ، لكونه من العموم اللغوي فضلا عن تعميم معاقد الإجماعات ، بل لعل ملاحظة الأخبار نفسها خصوصا صحيح ابن بزيع تعطي تعميم المراد بالآنية لغير المعتاد ، كما اعترف به الأستاذ الأكبر في حاشيته على المدارك.

وأما صحيح التعويذ المعتضد بالمشتهر من حرز الجواد فيدفعه أولا إمكان الفرق بينه وبين غيره بصحة سلب الاسم عنه دونه كما اعترف به الأستاذ في كشفه ، وثانيا تسليمه لكن لا يجوز التعدي من غير التعويذ (٢) ونحوه إلى غيره مما يطلق عليه اسم الآنية ، بل ولا من الفضة إلى الذهب فيه ، كما هو ظاهر العلامة الطباطبائي في منظومته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح إسقاط لفظة « غير ».

٣٣٥

فيهما معا ، وهو لا يخلو من قوة.

وعليه يكون بعض ما في كشف الأستاذ ـ من أن المعتبر في الآنية الظرفية ، وأن يكون المظروف معرضا للرفع والوضع ، فموضع فص الخاتم وإن عظم وعكوز الرمح وضبة السيف والمجوف من حلي الامرأة المعد لوضع شي‌ء فيه للتلذذ بصوته ومحل العوذة وقاب الساعة وآنية جعلت لظاهر أخرى بمنزلة الثوب مع الوضع على عدم الانفصال ليس منها إلى أن قال : وأن يكون له أسفل يمسك ما يوضع فيه ، وحواشي كذلك ، فلو خلي كالقناديل والمشكاة والمحرمات والسفرة والطبق لم يكن منها ـ محلا للنظر والتأمل كما انه قد يناقش في اعتبار الظرفية وعدم التشبيك ووجود الحواشي بالكفكير والمصفاة والصينية الكبيرة التي هي بمنزلة السفرة فضلا عن الطبق ونحوه ، كما اعترف به الطباطبائي في منظومته بشهادة العرف بل واللغة ، نعم هو جيد في مثل فص الخاتم وعكوز الرمح ونحوهما من الملصق الملازم لصوقا يصير الجميع بسببه كأنه شي‌ء واحد لا ظرفا ومظروفا ، بل يصح سلب الاسم عنه قطعا ، بل هو كالأواني المفضضة التي ستعرف أن حكمها الكراهة ، إذ لا ريب في أنه من أفراد التفضيض التلبيس والكسوة للقليل من الإناء بالصياغة ، بل وللكثير منه في وجه ، وإن تنظر فيه الطباطبائي في منظومته ، بل وللجميع في آخر أيضا ، لعدم صدق الإناء مع صدق المفضض ، وإن جزم العلامة المذكور في منظومته بالمنع ، تمسكا بأن الكاسي إناء مستقل ، لكنه لا يخلو من نظر ، لما عرفت من عدم صدق الإناء على مثله ، وإن كان قد يشكل ذلك كله أو أكثره بصحيح ابن بزيع المشتمل على المرآة والقضيب الملبسين فضة فضلا عن الأواني الملبسة ، إذ هي كالآنية في الآنية إلا أنه لما لم يكن فيه صراحة بالحرمة بل ولا ظهور حمله غير واحد من الأصحاب على الكراهة ، وهو في محله.

٣٣٦

وأما حلي المرأة المجوف من الخلخال ونحوه فان سلب عنه اسم الآنية جاز ، وإلا فلا ، إذ لا فرق في الحرمة بين الرجال والنساء ، لا طلاق الأدلة ، بل عليه الإجماع في الذكرى وجامع المقاصد وعن غيرهما.

وجيد أيضا في عده القناديل من غير الأواني لشهادة العرف له ، لا انها منها كما في ظاهر المنظومة ، ولكنها استثنيت للسيرة المستمرة في جعلها شعارا للمشهد والمسجد من فضة وعسجد ، بناء على مساواة التزيين ونحوه للاستعمال في الحرمة ، أو أنه منه ، إذ لا شاهد عليه ، بل الشاهد على خلافه ، وإلا فلو سلم أنها من الأواني لم يكن لاستثنائها وجه ، لحدوث تلك السيرة ، واستغناء تعظيم شعائر الله بمحللاته عن محرماته.

ومن هنا تعرف انه متى كان شي‌ء مما يزين به مشهد أو مسجد مما يسمى إناء من مبخرة ونحوها دخل في المحرم من ذلك ، نعم لا بأس به إذا لم يكن منها ، كما انه لا بأس بذلك أيضا في غيرها كما نص عليه الفاضلان وغيرهما ، بل لا أجد فيه خلافا ، بل في اللوامع الظاهر وفاقهم عليه ، للأصل والعمومات وخصوص ما ورد من الطريقين في حلق درع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات الفضول وحلقة قصعته وقبضة سيفه وحلية ذات الفقار وأنف عرفجة ومرآة الكاظم عليه‌السلام والسلسلة للقدح المنكسر عوض الشعب.

بل‌ قال الصادق عليه‌السلام في صحيحة معاوية (١) لما سأله عن الشرب في قدح من ماء فيه ضبة من فضة : « لا بأس إلا أن تكره الفضة فتنزعها ».

وفي‌ حسن ابن سنان (٢) « ليس بتحلية السيف بالذهب والفضة بأس ».

وفي‌ خبر ابن سرحان (٣) « ليس في تحلية المصاحف والسيوف بالذهب والفضة بأس ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ٣.

٣٣٧

و‌عنه عليه‌السلام أيضا (١) « انه كان نعل سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوائمه فضة ، وبين ذلك حلق من فضة ، ولدرعه ثلاث حلقات من فضة ، حلقة قدامها ، واثنتان خلفها ».

وروي (٢) انه « عرض عليه عليه‌السلام أيضا قرآن معشر بالذهب ، وفي آخره سورة مكتوبة بالذهب ، فلم يعب سوى كتابة القرآن بالذهب ، وقال : لا يعجبني أن يكتب القرآن إلا بالسواد ».

وعنه عليه‌السلام أيضا (٣) انه قال : « كان برة (٤) ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فضة ».

لكن في‌ خبر الفضيل بن يسار ـ (٥) « سألت الصادق عليه‌السلام عن السرير فيه الذهب أيصلح إمساكه في البيت؟ فقال : إن كان ذهبا فلا ، وإن كان ماء الذهب فلا بأس ».

وفي‌ صحيح علي بن جعفر (٦) عن أخيه عليهما‌السلام « سألته عن السرج واللجام فيه الفضة أيركب به؟ قال : إن كان مموها لا يقدر على نزعه فلا بأس ، وإلا فلا يركب به ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أحكام الدواب في السفر وغيره ـ الحديث ٢ من كتاب الحج.

(٤) البرة بالضم وخفة الراء : الحلقة التي توضع في أنف البعير وهي الخزامة ( مجمع البحرين ) ثم ذكر الحديث.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٦.

٣٣٨

وفي صحيح ابن بزيع (١) المتقدم سابقا مما سمعته من كسر القضيب وإنكار المرآة الملبسة فضة.

وفي‌ خبر عمرو بن أبي المقدام (٢) « رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام أتي بقدح فيه ماء فيه ضبة من فضة ، فرأيته ينزعها بأسنانه ».

وفي‌ خبر بريد (٣) عن الصادق عليه‌السلام « انه كره الشرب في القدح المفضض ، وكذلك أن يدهن في مدهن مفضض ، والمشط كذلك » ـ ما قد يوهم المنافاة للأخبار الأول ، ومن هنا جمع بينهما في الحدائق بالكراهة في الآلات وإن تفاوتت شدة وضعفا في مواردها ، إلا انه يمكن مناقشته بعدم مساعدة النصوص والفتاوى له على هذا الإطلاق ، فاحتمال الاقتصار على مضمونها ، أو التعدي منها إلى مطلق الملبس أو ما عدا السيف منه ولو بضبة دون غيره إذا كان يسيرا كالحلقة ونحوها ، وقد يأتي في المفضض ما له نفع ، والأمر سهل بعد الاتفاق ظاهرا على عدم الحرمة إلا ما حكي عن العلامة من حرمة المموه بالذهب إذا انفصل منه شي‌ء في العرض على النار ، بل حكاه في اللوامع عنه في الفضة أيضا موافقا له فيهما ، بل قال : وهذا التفصيل آت في المفضض والمذهب ، لترادفهما له ، ولا ريب في ضعفه بعد ما عرفت ، وإن كان قد يشهد له بعض ما تقدم ، كما أن ما فيها والمدارك من تحريم زخرفة الحيطان والسقوف بهما حاكيين ذلك عن الحلي وخلافه عن الخلاف ضعيف جدا ، لعدم الدليل القاطع للأصل والعمومات والسيرة في نحو المشاهد بل وغيرها.

ودعوى انه تضييع للمال وصرف له في غير الأغراض الصحيحة ، فيكون إسرافا في محل المنع ، إذ التلذذ في الملابس والمساكن ونحوها من أعظم الأغراض التي خلق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

٣٣٩

المال لها ، على أنه قد تعرض مقاصد عظيمة كتعظيم شعائر الدين وإرغام أنف أعدائه ونحو ذلك ، فتأمل.

ويكره استعمال الإناء المفضض على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل في الحدائق عليه عامة المتأخرين ومتأخريهم ، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما حكي عن الخلاف ، حيث سوى بينه وبين أواني الذهب والفضة في الكراهة التي صرح غير واحد من الأصحاب بإرادته الحرمة منها هناك ، مع أنه محتمل لخلاف ذلك ، إذ استبعاد إرادته حقيقتها فيهما كاستبعاد إرادته الحرمة هنا ، فالأولى حينئذ بعد صرف كلامه عن ظاهره إرادته القدر المشترك على كل من المقامين حسب ما تسمعه من الأخبار ، وإلا فهو ضعيف ، للأصل.

وصحيح عبد الله بن سنان (١) « لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضض ، واعزل فمك عن موضع الفضة ».

وصحيحة معاوية بن وهب المتقدم سابقا ، إذ ذو الضبة من المفضض كما صرح به في كشف اللثام كباقي أنواع الملبس ، بل ومنه المنبت ، بل في كشف الأستاذ أن منه المموه ، وإن كان لا يخلو من نظر ، بل وخبر بريد المتقدم آنفا أيضا على ما عن الصدوق من الزيادة فيه « فان لم يجد بدا من الشراب في القدح المفضض عدل بفمه عن موضع المفضض » وهو ظاهر أو صريح في إرادة القدر المشترك من الكراهة في أوله ، بل لعل ذلك هو معناها الحقيقي في العرف السابق ، فلا وجه للاستدلال به للشيخ حينئذ باعتبار معلومية إرادة الحرمة بالنسبة للمعطوف عليه ، كخبر الحلبي (٢) « كره ـ أي الصادق عليه‌السلام ـ آنية الذهب والفضة والآنية المفضضة ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١٠.

٣٤٠