جواهر الكلام - ج ٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والمربية وغيرها من الأمور التي يندفع بها الحرج ، فيخرج الخبر المذكور مرجحا للأخير حينئذ ، فتأمل.

وإذا كان مع المصلي ثوبان : أحدهما نجس لا يعلمه بعينه وتعذر التطهير وغير هما ولم يتعد نجاستهما إلى البدن صلى الصلاة الواحدة في كل واحد منهما منفردا على الأظهر الأشهر ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل لا نعرف فيه خلافا إلا من ابني إدريس وسعيد ، وإن حكاه في الخلاف عن قوم من أصحابنا فأوجبوا الصلاة عاريا ، بل قد تشعر بعض العبارات بالإجماع أو استقراره على عدمه ، ولعله كذلك ، استصحابا لبقاء التكليف بثوب طاهر مع إطلاق أدلته ، بل أدلة الصلاة جامعة للشرائط ولا يتم حصول امتثاله إلا بما ذكرنا ، ول‌ مكاتبة صفوان بن يحيى (١) في الحسن أو الصحيح أبا الحسن عليه‌السلام « يسأله عن الرجل كان معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ولم يدر أيهما هو وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال : يصلي فيهما جميعا ».

مع عدم وضوح دليل للخصم سوى ما في المبسوط « روي انه يتركهما ويصلي عريانا » وهو مع قصوره عن الحجية فضلا عن معارضة الحجة المعتضدة بما عرفت لا يعمل به الخصم ، لطرحه الصحاح من الأخبار الآحاد فضلا عن المراسيل.

وسوى ما في السرائر من التعليل له بالاحتياط الذي لا يخفى وضوح فساد دعواه هنا ، إذ لا أقل من احتمال ما ذكرناه.

ومن هنا اعترض على نفسه بكون المشهور أحوط لحصول اليقين له بعد الفراغ بوقوع الصلاة في ثوب طاهر ، لكنه أجاب عن ذلك بوجهين.

حاصل أحدهما انه لا بد عند الشروع في الصلاة من العلم بطهارة الثوب ، وهو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

٢٤١

هنا مفقود ، فلا ثمرة للعلم بعد ذلك ، بل لا بد من الجزم في نية كل عبادة يفعلها ، والصلاة مشروطة بطهارة الثوب ، والمصلي هنا لا يعلم في شي‌ء من صلاتية طهارة ثوبه ، فلا يعلم أن ما يفعله صلاة.

وحاصل ثانيهما أن الواجب عليه انما هي الصلاة واحدة ، ولا يعلم أيتهما هي واجبة فلا يمكنه نية الوجوب الذي هو الوجه في شي‌ء منهما.

وفي الأول منع واضح وإن أراد بالعلم ما يشمل الشرعي ، إذ الشرط الطهارة لا العلم بها ، ولئن سلم من جهة استلزام عدم معلومية حصول الشرط مع التنبه عدم العلم بحصول المشروط المستلزم لعدم إمكان نيته والجزم بحصول القرب به ، فلا نسلم وجوبه في نحو المقام وان قلنا به مع الإمكان ، ولا ينافي ذلك القول ببقاء شرطية طهارة الثوب الواجب تحصيلها بالتكرير ، لإمكانها دونه فيسقط.

فلعل ذا هو الذي أراده المصنف في الرد عليه بمنع كون اليقين بالطهارة شرطا ، بل يكفي عدم العلم بالنجاسة وان كان ظاهر عبارته يوهم غير ذلك مما هو واضح الفساد عندنا.

كما ان منه ظهر لك ما في آخر قول الخصم من دعوى عدم العلم يكون ما يفعله صلاة إذ هي ممنوعة على مدعيها ، بل يعلم أن كلا منهما صلاة ، كما يومي اليه النص والقاعدة السابقتان ، واحدة بالأصالة ، وأخرى بالعارض ، وإن لم يعلم طهارة ثوبه في كل منهما ، لكنه لا ملازمة بين ذلك وبين العلم بكون كل منهما صلاة.

بل من التأمل في هذا ينقدح لك ما في ثاني جوابيه ، ضرورة تمكنه حينئذ من نية الوجوب في كل من الصلاتين وان اختلفا بالأصالة والمفدمية التي لا يجب التعرض لهما في النية لو قلنا باعتبار نية الوجه ، أما على المختار من عدم وجوبها فيسقط الجواب من أصله. إلا أن يقرر بطريق آخر ، كأن يبدل الوجه فيه بالقربة ، فيقال : إنه لا يتمكن من نية‌

٢٤٢

القربة في شي‌ء من صلاتية ، لعدم علمه بالمأمور بها منهما ، لكنه يرجع حينئذ إلى ما سمعته أولا ، أو إلى ما يقرب منه ، وقد عرفت ما فيه.

ونزيد هنا بأنه مشترك الإلزام ، إذ هو مع الصلاة عاريا لا يعلم أنها الصلاة المأمور بها ، لاحتمال تكليفه ما ذكرنا إلا بنص قاطع ونحوه وهما مفقودان باعتراف الخصم ، وبأنه لا مانع من نية التقرب بكل منهما بناء على المختار من وجوب مقدمة الواجب ، بل وعلى غيره في خصوص المقام للحسنة السابقة (١) ولأدلة الاحتياط السالمة عن معارضة اقتضائه عدم الصلاة فيهما مقدمة لامتثال النهي عن الصلاة في الثوب النجس ، إذ قد عرفت غير مرة سقوط الحرمة التشريعية للاحتياط ، دون الذاتية كالمشتبه بالمغصوب والميتة والحرير والذهب ونحوها ، لعدم تصور منشأ الحرمة الذي هو التشريع معه ، وإلا لانسد باب الاحتياط في كثير من المقامات ، كما انه يتعذر وقوع غالب أفراده بناء على ظاهر كلام الخصم من اعتبار الجزم بكون الواقع هو المكلف به أصالة ، مع أن المنقول عنه الموافقة في تكرير الصلاة إلى أربع جهات ، وهي والمقام من واد واحد.

وما يقال : إن الاحتياط هنا بالصلاة بالثوبين وعاريا كي يحصل له اليقين ببراءة ذمته يدفعه حصول الظن الاجتهادي من الأدلة السابقة بفساد القول بتعين الصلاة عاريا ، بل يمكن دعوى القطع به كما ادعاه بعضهم ، بل قد يقال : إنه لا يتصور الاحتياط بذلك بعد فرض الصلاة بالثوبين ، ضرورة حصول القطع بوقوع صلاة مشروعة بثوب طاهر مندرجة تحت الأدلة المقتضية للإجزاء والامتثال المانعة من وقوعها حينئذ عريانا بعد ذلك.

ودعوى ـ أن تلك الصلاة بذلك الثوب الطاهر وإن قلنا بمشروعيتها للاحتياط كعدمها لعدم العلم به ، واحتمال كون التكليف عريانا ـ كما ترى واضحة الفساد ، ولعله لذا لم يقل في السرائر بالاحتياط المذكور مع اعترافه بعدم دليل خاص ألجأه إلى القول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

٢٤٣

بما عرفت ، فكان عليه الأخذ بما تيقن به البراءة ، فلو أن الاحتياط بتكرير الصلاة ثلاثا يمكن عنده لاتجه له القول به لا تعيين الصلاة عاريا ، فتأمل جيدا ، فإنه دقيق وإن كان لا يخلو من بحث ، إلا أن الأمر سهل بعد وضوح المطلوب.

ولا فرق في المختار بين الثوب الواحد المشتبه بمثله أو المتعدد ، والمتعدد المشتبه بمثله أو المتحد ، كما أشار إليه المصنف بقوله وفي الثياب الكثيرة كذلك بل لا أجد فيه خلافا بيننا ، فيكرر الصلاة حتى تيقن براءة الذمة ، ويحصل بتكرير فعلها قدر عدد النجس مع زيادة واحدة كما هو واضح.

ومن هنا أمكن القول بوجوب ذلك حتى لو اشتبه النجس متحدا بل ومتعددا لا يشق التكرير قدره في غير المحصور من الثياب الطاهرة ، لانتفاء المشقة حينئذ التي هي المدار في ارتفاع حكم المقدمة ، بل في كشف اللثام اختياره ، وإن كان لا يخلو من نظر بل منع ، لظهور الأدلة في طهارة أفراد المشتبه بغير المحصور ، بل أغلب ما في أيدي الناس منه فيكفي الصلاة حينئذ بأحدها ، كما لو كان المشتبه من الثياب ما يشق التكرير معه ، أو يتعذر لكثرتها ، إذ المتجه فيه الاكتفاء بالصلاة في أحدها أيضا ، وإن أطلق في المتن إلا أنه يجب تقييده به ، لأنه من المشتبه غير المحصور.

بل لعله يرجع اليه ما في الذكرى من أن التحري وجه للحرج ، بل عن التذكرة الوجه التحري ، دفعا للمشقة على أن يراد بالتحري فيها التخيير ، كما تشهد له بعض الامارات ، لكن في الذخيرة احتمال وجوب التكرير قدر المكنة ، وهو ضعيف ، إلا أن يمنع كونه من غير المحصور وإن قلنا بأن مداره المشقة ، لكن مشقة الاجتناب لا مشقة التكرير ، وهي أعم من الأولى.

وفيه ـ بعد منع اختصاص اعتبار تلك المشقة في الحصر وعدمه ، إذ المعتبر مطلق المشقة الناشئة من الكثرة في تكليف المقدمة تركا أو فعلا ـ ان مفروض المسألة في‌

٢٤٤

ذي المشقة التي صار بسببها غير محصور ، وإلا فلو فرض مشقة ليست كذلك ففيه ما ستعرفه فيما لو ضاق الوقت عن التكرير المبرئ بيقين الذي أشار إليه المصنف باستثنائه مما سبق

فقال : ( إلا أن يتضيق الوقت فيصلي عريانا ) إذ هما من واد واحد عند التأمل وفيه قولان : أحدهما ما اختاره المصنف هنا والعلامة في قواعده تبعا لما عن ابن البراج في جواهره من تعيين الصلاة عاريا ، كما لو لم يجد إلا النجس ، بناء على ذلك فيه ، لتعذر الاحتياط الذي كان مسوغا للصلاة فيه مع عدم ثبوت طهارته شرعا ، فيبقى حينئذ النهي عن الصلاة بالنجس الذي لا يتم إلا باجتناب الثوبين سالما عن المعارض ، وثانيهما تكرير الصلاة فيه بقدر الممكن ، حتى لو لم يمكنه إلا صلاة واحدة صلاها به ، واختاره العلامة في تذكرته وعن نهايته ، والشهيد الأول في ذكراه وعن بيانه ، والثاني في روضه وعن مسالكه ، والمحقق الثاني في جامعه ، والفاضل الهندي في كشفه ، والأردبيلي في مجمعه ، والسيد في مداركه ، والخراساني في ذخيرته ، والبحراني في حدائقه ، استصحابا لما قبل الضيق ، ولأنه أولى من الصلاة عاريا ، لاحتمال مصادفة الطاهر ، وأسهلية فقدان وصف الساتر منه نفسه ، بل أرجحيته لفوات كثير من الواجبات معه دونه ، ولاغتفار النجاسة عند تعذر إزالتها ، ولأولويته من الصلاة بالثوب النجس.

وفي الجميع نظر ، للقطع بسقوط المقدمة لسقوط ذيها المانع من جريان الاستصحاب هنا ، واحتمال كون المستصحب وجوب غير المقدمة ـ بل هو المستفاد من إطلاق الرواية السابقة (١) بل يمكن الاستغناء في الاستدلال بها عن الاستصحاب ، ضرورة ظهورها في عدم اشتراط وجوب الصلاة في أحدهما بوجود الثاني ، بل هي كالعام بالنظر إلى أفراده خصوصا مع تأيدها بعدم سقوط الميسور بالمعسور ـ واضح الفساد ، لوضوح انصراف الوجوب في الرواية المذكورة إلى إرادة المقدمي منه ، بل ينبغي القطع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

٢٤٥

بعدم إرادة غيره فيجري فيه حينئذ ما عرفت ، فتأمل ، ولعدم ثبوت تلك الأولوية شرعا ، إذ احتمال مصادفة الطاهر معارض باحتمال عدمه ، والأسهلية والأرجحية ونحوهما من الأمور الاعتبارية التي لم يقم على اعتبارها شي‌ء من الأدلة الشرعية لا تصلح لإثبات حكم بحيث ينطبق على قواعد الإمامية ، كما يومي اليه عدم التزام معظم الأصحاب بمقتضاهما من تعيين الصلاة بالثوب النجس مع فقد غيره ، ولابتناء الأخيرين على الصلاة بالثوب النجس عند فقد غيره ، وستعرف البحث فيه.

على أن مقتضى إلحاق المقام به ثبوت التخيير ، كما هو المعروف هناك بين القائلين بالصلاة فيه ، بل لم يعرف القول بالتعيين إلا من بعض متأخري المتأخرين الذي يمكن دعوى عدم قدح خلافه في الإجماع ، واحتمال الفرق بينهما بيقين النجاسة وعدمه يدفعه عدم ثبوت اعتباره شرعا ، بل لعل الثابت خلافه من حيث إلحاق المشتبه بالنجس في أكثر الأحكام.

بل قد يقال : إن التخيير هو المتجه هنا وإن لم نقل به هناك ، للفرق الواضح بينهما بيقين النجاسة التي يمكن دعوى مانعيتها فيه للنص أو غيره وعدمه ، فله حينئذ الصلاة عاريا ، لعدم تيسر الساتر المعلوم الطهارة ، والصلاة فيه ، لأنه غير محكوم بنجاسته شرعا حتى يكون مقتضيا للفساد.

بل من هذا الأخير ينقدح وجه الصحة فيما لو صلى لابسا للثوبين المشتبه أحدهما بعد غسل واحد منهما والاستتار به ، لعدم العلم بكون الآخر هو النجس ، والشك في موضوع المانع غير معتبر على الأصح عندنا ، بل هو في الحقيقة كالصلاة بثوب طاهر لاقى أحدهما برطوبة.

واحتمال التمسك باستصحاب منع الصلاة فيهما ، إذ لم يتيقن أن المغسول هو النجس منهما يدفعه عدم اعتبار مثل هذا الاستصحاب ، إذ هو من استصحاب الجنس عند‌

٢٤٦

التأمل ، ولا ينافي ما ذكرنا عدم الخلاف بينهم في تعيين الصلاة بالطاهر لو كان عنده مع المشتبهين ، بل الاتفاق ظاهرا مع ظهور وجهه بل وضوحه ، إذ مرادهم بذلك عدم جواز تكرير الصلاة الذي كان سائغا عند فقد الطاهر ، وعدم جواز الصلاة بالثلاثة مجتمعة ، لا أن المراد الصلاة بالطاهر وأحد المشتبهين كما هو المفروض.

فما في صريح المنتهى وظاهر البيان حينئذ من القول بفساد الصلاة في الفرض المذكور لا يخلو من بحث ، كتمسك الأول له بالاستصحاب المزبور.

نعم قد يكون وجهه اعتبار طهارة مطلق لباس المصلي ولو شرعية ، لا خصوص الساتر منه دون الزائد عليه ، فيكتفى بعدم العلم بنجاسته ، لا أنه يشترط طهارته كالساتر ، وهو جيد وإن كان لا يخلو من بحث أيضا.

لكن على كل حال لا ينافي ما ذكرنا من التخيير في المقام عند التأمل ، إلا أني لم أعرف أحدا صرح به هنا ، كما أني لم أعرف أحدا صرح فيه أيضا باحتمال وجوب الصلاة عليه عاريا وفي بعض الثياب المتمكن من تكرير الصلاة فيها قبل انقضاء الوقت ، إذ هو بعض أفراد ما نحن فيه مع وضوح وجهه ، بناء على عدم جواز الصلاة بالنجس ، بل صرح الشهيد في الذكرى بذلك في نظيره من الفاقد لأحد المشتبهين. فأوجب الصلاة عليه فيه وعاريا ، وان استجود في المدارك والذخيرة الصلاة فيه خاصة ، لكن ذلك بناء منهما على صحة الصلاة في متيقن النجاسة مع التعذر ، وما سمعت مبني على خلافه ، فتأمل.

ثم انه يجب على مكرر الصلاة بالثوبين لتحصيل اليقين مراعاة الترتيب بين الصلوات ان كان ، ضرورة صيرورة الثوبين بمنزلة الثوب الواحد. فلو صلى الظهر حينئذ بأحدهما وصلى العصر بآخر ثم صلى الظهر به وصلى العصر بالأول لم يحكم له بصحة غير الظهر ، لاحتمال كون الطاهر ما صلى به الظهر ثانيا ، فيجب عليه حينئذ صلاة العصر بما صلاها فيه أولا ، ودعوى أن المفسد العلم بخلاف الترتيب لا احتماله واضحة‌

٢٤٧

الفساد لدى من لاحظ ما دل عليه.

أما لو صلى الفرضين بكل منهما معا ففي البيان والمدارك وعن النهاية صحتهما معا ، لحصول الترتيب على كل حال ، إذ الطاهر ان كان الأول فقد وقعا به مترتبين ، وإن كان الثاني فكذلك ، لكن قد يشكل بعدم تصور وقوع نية التقرب منه بالعصر مع تنبهه وعدم غفلته قبل العلم بإحراز شرط صحتها الذي هو وقوعها بعد الظهر الصحيحة ، فالأحوط بل الأقوى وجوب تكرير الظهر أولا ثم فعل العصر ، فتأمل.

ويجب على المكلف أن يلقي الثوب النجس ويصلي عريانا إذا لم يكن معه هناك غيره ولم يمكنه غسله كما في الخلاف والسرائر والإرشاد وعن المبسوط والنهاية والكامل والتحرير ، بل في المدارك وعن الدروس والروض والمسالك نسبته إلى الأكثر ، بل في الذكرى والروضة والذخيرة والحدائق وعن غيرها أنه المشهور ، بل في الرياض نسبته للشهرة العظيمة. بل في الخلاف الإجماع عليه ، وهو الحجة.

مضافا إلى إطلاق النهي (١) عن الصلاة في النجس ، وخصوص‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر الحلبي (٢) « في رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة وليس عليه إلا ثوب واحد فأصاب ثوبه مني : يتيمم ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعا ويصلي ويومي إيماء » ومضمرتي سماعة (٣) المنجبرتين هما وسابقهما بما عرفت ، فلا يقدح قصور السند حينئذ مع إمكان منعه في البعض.

لكن قد يشكل بعدم تحقق الشهرة المدعاة أولا فضلا عن الإجماع المحكي ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب النجاسات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١ و ٣.

٢٤٨

مع احتمال إرادة حاكيه الاجزاء لو صلى عاريا لا الوجوب ، وهو مما لا كلام فيه ، بل في المنتهى أنه يجزئ قولا واحدا ، بل قد يفهم ذلك من المعتبر أيضا ، كما انه ستسمع دعوى الإجماع عليه من غيرهما ، وبموهونيتهما بمصير الفاضلين في المعتبر والمنتهى والمختلف ومن تأخر عنهما إلى التخيير بين الصلاة فيه وعاريا ثانيا ، كالمحكي عن ابن الجنيد ، وبمعارضة تلك بالأقوى سندا والأكثر عددا ، لا أقل من المساواة المستلزمة للجمع بالتخيير المذكور.

منها‌ صحيحة الحلبي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره ، قال : يصلي فيه ، وإذا وجد الماء غسله ».

كخبره الآخر (٢) سأله أيضا « عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله ، قال : يصلي فيه ».

وصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٣) سأل الصادق عليه‌السلام أيضا « عن الرجل يجنب في ثوبه ليس معه غيره ولا يقدر على غسله ، قال : يصلي فيه ».

وصحيح علي بن جعفر (٤) عن أخيه موسى عليهما‌السلام « سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله دم يصلي فيه أو يصلي عريانا؟ قال : إن وجد ماء غسله ، وإن لم يجد ماء صلى فيه ولم يصل عريانا » إلى غير ذلك مؤيدة بأرجحية الصلاة فيه على عدمها ، إذ ليس فيه إلا فوات شرط الطهارة التي لم يعلم شمول أدلتها لمثل المقام إن لم يعلم عدمه ، خصوصا مع القطع بسقوطه بالنسبة للبدن في مثل هذه الضرورة ، بخلاف الصلاة عريانا ، فان فيه فوات الستر أولا ، والركوع والسجود بل والقيام إذا لم يأمن المطلع.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

٢٤٩

ومن هنا مع ظهور رجحان هذه الأخبار القاضي بعدم مكافأة الأولى حتى يجمع بالتخيير ونحوه قال في المدارك تبعا لما في الروضة وعن مجمع البرهان : « إنه لو لا الإجماع لوجب القول بتعيين الصلاة في النجس » بل في كشف اللثام أنه الأقوى كما عن المعالم ، وكأنه لعدم ثبوت الإجماع عندهما ، بل ربما استظهر ذلك من الفقيه أيضا ، حيث انه روى الأخبار الدالة على الصلاة في النجس غير معقب لها بما ينافيها من قول أو رواية.

ويدفع بمنع عدم تحقق الشهرة بعد نقل أولئك الأساطين المذكورين الذين هم أعلم منا بكلمات المتقدمين ، ومصير الفاضلين إلى خلافه ، مع أنه في بعض كتبهما لا يوهنه ، وإن تبعهما من تأخر عنهما ، خصوصا مع عدم عض بعضهم كالشهيد في الذكرى عليه بضرس قاطع ، على أنه يمكن دعوى عدم احتياج بعض تلك الأخبار أو الجميع إلى الانجبار بالاشتهار بدعوى انها من الصحيح ، بناء على كون العدالة من الظنون الاجتهادية ، ومن الموثق ، وهما معا عندنا لا يحتاجان إلى ذلك ، أو بدعوى الاتفاق محصلا على العمل بمضمونها في الجملة الذي يشهد على أنها من المعتبرة عند الجميع.

بل وبمنع عدم تحقق الإجماع بعد عدالة حاكيه ، وكونه مظنة للاطلاع على ما لا يطلع عليه غيره ، والاحتمال المذكور لا ينافي الظهور المزبور ، وليس هو من ظاهر الإجماع الذي ليس بحجة عندنا ، بل هو من ظاهر متن الإجماع الذي هو بعض ظواهر الخطاب المعلوم حجيته.

بل وبمنع أرجحية هذه الأخبار ، إذ الشهرة وموافقة الإطلاقات كتابا وسنة والإجماع المحكي من مثل الشيخ لا يقاومها شي‌ء مما عداها من المرجحات ، ولذا لم يرجحها عليها أحد من معتبري الأصحاب وإلا لم يتجه لهم التخيير المذكور.

وما في كشف اللثام وعن المعالم من القول بتعيين الصلاة لا يلتفت اليه بعد إمكان دعوى مخالفته المحصل من الإجماع فضلا عن محكيه الذي قد عرفته.

٢٥٠

ومنه حينئذ يعلم وجوب صرف هذه الأخبار عن ظاهرها ، وإرادة غيره ، وكونه التخيير بمعنى جواز الفعل والترك ، أو أفضلية الصلاة في الثوب كما صرح بها بعضهم تبعا لما عن ابن الجنيد إن لم نقل إنه من التخيير بين الواجب وعدمه ليس بأولى من إرادة الصلاة فيه لضرورة البرد ونحوه مما يعسر من جهته النزع ، بل هو أولى ، لما فيه من تقليل التجوز ، ضرورة بقاء تلك الأخبار على ظاهرها ، بل وبعض هذه كالمشتمل منها على نفي الصلاة عريانا المراد بها نهي عند التأمل ، مع أنه لم يقل أحد بكراهة الصلاة عريانا ، بل قضية ذلك استعمال أوامر الصلاة عريانا في مجاز بعيد جدا ان لم يكن ممتنعا ، وما فيه من موافقة الاحتياط المعلوم تأكده إن لم نقل بوجوبه في خصوص ما نحن فيه من العبادات ، ولعدم وجود الشاهد على ذلك الجمع ، بخلافه ، فإنه يشهد له‌ صحيح الحلبي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه غيره ، قال : يصلي فيه إذا اضطر اليه ».

ودعوى عدم احتياج الجمع المذكور إلى شاهد كدعوى شهادة هذا المفهوم له الذي هو عبارة عن نفي الوجوب عند عدم الاضطرار ممنوعتان ، سيما الثانية ، لظهور كون المفهوم هنا وإن لم نقل به في سائر المفاهيم عدم الإذن بالصلاة فيه عند عدم الاضطرار لا عدم الوجوب ، ضرورة إرادة دفع توهم السائل الحظر من الإنشاء المستفاد من الخبر ، ولا يرد عليه استلزام ذلك حينئذ الإباحة مع الضرر المعلوم نفيها عقلا ونقلا ، كمعلومية وجوب الصلاة فيه معه كذلك ، لأن المراد هنا الأذن التي لا تنافي الوجوب وإن قلنا بظهور الأمر في مقام توهم الحظر في الإباحة المنافية له ، لكن لخصوص المقام خصوصية واضحة كما لا يخفى على من لاحظ نظائره مما علق الحكم فيه على ضرورة الاضطرار ، فتأمل جيدا فإنه لا يخلو من دقة.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٧.

٢٥١

ومعارضة ذلك كله بدعوى أولوية الجمع بالتخيير لذلك الوجه الاعتباري الذي منه قيل بأفضلية الصلاة في الثوب ، وكذا القول بتعينها فيه أيضا المنافي للإجماع المحكي على لسان جماعة إن لم يكن محصلا مدفوعة بعدم معروفية حكم الأحكام الشرعية ومصالحها.

نعم هذا كله مع إمكان نزعه الثوب ، فـ ( أما ) إن لم يمكنه نزعه ولو لمشقة برد أو نحوه لا تتحمل صلى فيه قولا واحدا ، لعدم سقوط الصلاة بحال ، والصحيح السابق (١) وإطلاق غيره ، بل قد عرفت إمكان تنزيل باقي الأخبار عليه مع نفي الحرج في الدين ، ولكن عن الشيخ في جملة من كتبه ، بل في المدارك والرياض نسبته إلى جمع معه أيضا وان كان لم نتحققه ، بل لم نعرف أحدا غيرهما نسبه إلى غير الشيخ عدا ابن الجنيد أنه أعاد الصلاة إذا تمكن بعد ذلك من غسله ، استصحابا لبقاء التكليف الأول ، ول‌ موثق الساباطي (٢) عن الصادق عليه‌السلام انه سئل « عن رجل ليس عليه إلا ثوب ولا تحل الصلاة فيه وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال : يتيمم ويصلي فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة » المشار إليه في الفقيه على الظاهر بأنه‌ في رواية « يعيد الصلاة إذا وجد ماء غسله وأعاد الصلاة ».

وقيل لا يعيد بل هو المشهور المعروف ، بل لم نتحقق فيه خلافا من غير الشيخ وعن ابن الجنيد وان حكاه في الكتابين السابقين عن جمع وهو الأشبه لقاعدة الاجزاء وأصالة البراءة ، وظواهر الصحاح المتقدمة الواردة في مقام الحاجة ، مع تضمن بعضها الأمر بغسل الثوب خاصة بعد زوال الضرورة من دون تعرض لإعادة الصلاة بالمرة ، فلا بأس حينئذ بحمل الموثق المذكور على الاستحباب كما صرح به جماعة ، وان كان الموثق عندنا حجة في نفسه ، والمعارض كله قابل للتقييد به ، لكنه لإعراض المشهور عنه قصر عن المقاومة ، إلا أنه مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل بمضمونه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٨.

٢٥٢

خصوصا مع احتمال بل ظهور كون الاعراض لعدم القول بحجية الموثق ، بل صرح به غير واحد ، لا أنهم أعرضوا عنه لقوة المعارض عليه ، فتأمل.

وإذ فرغ المصنف من ذكر مباحث التطهير بالماء شرع في باقي المطهرات.

فمنها الشمس وهي إذا جففت البول خاصة أو هو وغيره من النجاسات المشابهة له في عدم بقاء الجرمية كالماء النجس ونحوه على ما ستعرف البحث فيه ، كما أنك تعرفه أيضا في اعتبار كون الإزالة عن الأرض خاصة ، أو هي والبواري والحصر أو غيرها مما لا ينقل طهر موضعه على حسب الطهارة بالماء ، فيجوز التيمم به والسجود عليه ، ولا ينجس لو بوشر برطوبة ، وفاقا للأكثر نقلا في المختلف ، وتحصيلا بل هو المشهور كما في المفاتيح والذخيرة والحدائق وعن المهذب والكفاية والبحار والمعالم وغيرها ، بل عن الأستاذ الأكبر انها شهرة كادت تبلغ الإجماع ، بل في اللوامع أنه مذهب غير الراوندي وصاحب الوسيلة والمحقق في أول كلامه ، بل هو معقد مذهب الإمامية في كشف الحق ، والإجماع في السرائر وموضعين من الخلاف.

وهو الحجة بعد‌ صحيح زرارة (١) « سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلى فيه ، فقال : إذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر » وخبر أبي بكر الحضرمي (٢) عنه عليه‌السلام أيضا المنجبر بما تقدم « يا أبا بكر ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر » بل في الوسائل أنه‌ بهذا الاسناد (٣) عنه عليه‌السلام أنه قال : « كل ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر » المؤيد بما في‌ الفقه الرضوي (٤) « ما وقعت الشمس عليه من الأماكن التي أصابها شي‌ء من النجاسات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٦.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

٢٥٣

مثل البول وغيره طهرتها ، وأما الثياب فلا تطهر إلا بالغسل » بل وب‌ قول الكاظم عليه‌السلام (١) : « حق على الله تعالى أن لا يعصى في دار إلا أضحاها الشمس ليطهرها ».

والمناقشة بعدم إرادة المعنى الشرعي من لفظ الطهارة مدفوعة بما مر غير مرة من إمكان دعوى ثبوت الحقيقة الشرعية فيها في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضلا عن عصر الصادقين عليهما‌السلام على أنه لو سلم عدم ثبوتها فلا ريب في إرادته هنا ، لكونه مجازا راجحا في نفسه ، أو للشهرة والإجماع المتقدمين ، كالمناقشة باحتمال إرادة العفو من الطهارة ، نحو‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « كل يابس ذكي » ضرورة انه مجاز لا دليل عليه ، بل الدليل على خلافه ، وكالمناقشة بعدم دلالة بعضها على تمام المدعى من الأرض وغيرها والبول وغيره ، وتناول الآخر لغيره ، كخبر الحضرمي ، إذ هي واضحة الاندفاع.

فلا يليق بفقيه التوقف في الاستدلال بها لنحو هذه المناقشات الواهية ، سيما بعد اعتضادها‌ بصحيح زرارة وحديد بن حكم الأزدي (٣) جميعا ، قالا : « قلنا لأبي عبد الله عليه‌السلام : السطح يصيبه البول أو يبال عليه يصلى في ذلك المكان ، فقال : إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافا فلا بأس إلا أن يتخذ مبالا ».

وعلي بن جعفر (٤) عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام في حديث قال : « سألته عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل؟ قال : نعم لا بأس ».

كصحيحه الآخر (٥) عنه عليه‌السلام « سألته عن البواري يبل قصبها بماء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٢ من كتاب الجهاد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

٢٥٤

قذر أيصلى عليه؟ قال : إذا يبست فلا بأس ».

وخبر ابن أبي عمير (١) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام « عن البارية يبل قصبها بماء قذر هل تجوز الصلاة عليها؟ فقال : إذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها ».

والمناقشة في الأول ـ باشتماله على الريح ، وفيما بعده بعدم تقييد الجفاف بالشمس ، وفيهما بل وصحيح زرارة الأول باحتمال إرادة ما عدا السجود من الصلاة عليه ، سيما‌ صحيحتي علي بن جعفر ، لأنه نفسه (٢) سأل أخاه عليهما‌السلام « عن البيت والدار لا يصيبهما الشمس ويصيبهما البول ويغتسل فيهما من الجنابة أيصلى فيهما إذا جفا؟ قال : نعم » ومن المعلوم إرادة ذلك منه ، وبعدم الدليل على اشتراط طهارة محل السجود ـ مدفوعة بعدم قدح الأولين في الحجية والإجماع المحكي مستفيضا إن لم يكن متواترا أو محصلا بحيث لا يقدح فيه ما عن الراوندي من جواز السجود على ما جففته الشمس وان لم يطهر على اشتراط طهارة محل السجود ، بل خبر علي بن جعفر الأخير دال عليه أيضا ، كظهور الفاء فيه في صحيح زرارة الأول ، إذ هو كالعلة أو التفريع ، وعدم قدح الثالث في الظهور الناشئ من ترك الاستفصال عن المباشرة بالرطوبة وعدمها وعن السجود عليه وعدمه ، خصوصا إذا ادعي ظهوره في إرادة وقوع تمام الصلاة عليها مباشرة ، أو عدم صدق اللفظ حقيقة على الفرض.

بل قد يشعر أول موثقة الساباطي (٣) بكون المفهوم من قوله « يصلى عليه ولا يصلى عليه » السجود ، قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر ، قال : لا يصلى عليه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥ وهو خبر عمار الساباطي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٤.

٢٥٥

وأعلم موضعه حتى تغسله ، وعن الشمس هل تطهر الأرض؟ قال : إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة ، وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطبا فلا تجوز الصلاة عليه حتى ييبس ، وان كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع ، وإن كان غير الشمس أصابه حتى ييبس فإنه لا يجوز ذلك ».

ضرورة إرادته السجود عليه ، وإلا فلا مانع من الصلاة عليه مع السجود على غيره وإن كان يابسا بغير الشمس ، بل قوله عليه‌السلام فيه : « فالصلاة جائزة » دليل آخر على أصل المطلوب ، خصوصا مع أمره في الصورة الأولى بإعلام الموضع لأجل غسله دونه هنا ، مع ملاحظة مطابقة الجواب للسؤال ، بل عن العلامة أنه بدونه يكون من تأخير البيان عن وقت الحاجة ، كما يشهد له غلبتها عنده ، وإن ناقشه فيه بعضهم بأنه من تأخير البيان عن وقت الخطاب ، بل ناقش في أصل دلالة هذه الموثقة على الطهارة بإشعار مغايرة الجواب للسؤال بعدم الطهارة ، بل قوله عليه‌السلام فيه : « وإن كانت رجلك » إلى آخره كالصريح في عدم حصول الطهارة لما يبسته الشمس بحيث لا تضر مباشرته بالرطوبة ، بناء على وصل قوله عليه‌السلام أخيرا : « وإن كان » بسابقه ، وان الرواية « عين الشمس » بالعين المهملة والنون كما عن بعض النسخ ، بل في حبل البهائي ووافي الكاشاني أنه الصحيح الموجود في النسخ الموثوق بها.

لكن قد تدفع الأولى بغلبة وقت الحاجة عند السؤال ، والثانية بأن الموجود فيما حضرني من نسخة الوسائل كالمحكي عن الاستبصار وبعض كتب فروع الأصحاب وبعض نسخ التهذيب « غير » بالغين المعجمة والراء المهملة ، بل في الذخيرة أنه المظنون صحته ، وكشف اللثام أنه أوضح ، بل فيه ان الأظهر كون الأولى سهوا من النساخ.

٢٥٦

ويؤيده تذكير ضمير الفعل بعده ، ضرورة وجوب التأنيث على الأولى ، فلا ينافي حينئذ ما دل عليه أوله من الطهارة ، بل قد يؤكده ، فتكون الصور المبين حكمها فيه حينئذ ثلاثة.

واحتمال التربيع ـ بجعله مفصولا على أن يكون شرطا جزاؤه « فإنه » فيتعلق حينئذ قوله عليه‌السلام : « وإن كان رجلك » بصورة يبوسة الموضع بالشمس لا رطوبته ، لمعلوميتها من سابقها ـ يدفعه بعد أظهرية الاتصال من الانفصال انه محتمل حينئذ للتعلق بسابقه ـ ولا ينافيه ظهور حكمه منه ، خصوصا في أخبار عمار الغالب اشتمالها على نحو ذلك ، بل قد يمنع ظهور حكمه إن حمل على إرادة بيان صورة جفاف الموضع بالشمس لا على وجه اليبوسة ، بل على وجه لا تصل رطوبته إلى مباشرة ، بناء على عدم حصول الطهارة بذلك ، فتأمل ـ وللتعلق بالصورة السابقة في صدره ، كما يومي اليه لفظ « ذلك » فيه على أن يراد بعدم الصلاة عليه هناك السجود ، وهنا وان لم يسجد ، وان كان الإنصاف أنهما معا بعيدان جدا إن لم يكونا ممنوعين.

لكن عليهما لا يكون فيه دلالة على خلاف المطلوب حتى على رواية الشيخ له في الزيادات بإسقاط قوله عليه‌السلام : « وان كان غير الشمس » إلى آخره. إلا أنه بعد أن عرفت ظهوره من الوجوه السابقة لم يقدح هذا التجشم على بعض التقادير ، بل لا بأس به في مقام الجمع.

بل لو قلنا بسقوط دلالته أصلا كان فيما ذكرناه من الأدلة السابقة المؤيدة والمعتضدة بما عرفت ـ بل وبسهولة الملة وسماحتها ، بل وبنفي العسر والحرج اللازمين على تقدير عدم الطهارة بالإشراق ، بل وبالسيرة من الناس كافة كما في الرياض في جميع الأزمنة على عدم إزالة النجاسة عن مثل الأرض بالماء ، وعلى الاكتفاء بالطهارة بالشمس ،

٢٥٧

بل وبما قيل من عموم ما دل على طهورية الأرض ، ومن أن الشمس من شأنها الإسخان الملطف للأجزاء الرطبة والمصعد لها ، مع إحالة الأرض للأجزاء الباقية اليسيرة ، فتطهر حينئذ ، خصوصا لو قلنا إن الطهارة النظافة والنزاهة الحاصلتان بمجرد زوال القذارة عن المحل ، إلى غير ذلك ـ غنية وكفاية عن غيرها.

فما عن الراوندي ووسيلة الطوسي ومعتبر المصنف من القول بعدم الطهارة وان عفي عنه بالنسبة للسجود دون المباشرة بالرطوبة ونحوها ضعيف جدا ، وإن تبعهم بعض متأخري المتأخرين ، مع عدم ثبوت ذلك عن المعتبر ، وان استجوده بعد أن نقل عدم الطهارة وجواز الصلاة عنهما ، لكن في كلامه ما يقضي بالتردد ، بل الميل إلى الطهارة ، بل هو في مسألة تطهير الأرض بالذنوب كالصريح في المختار ، بل ما حضرني من عبارة الوسيلة صريحة أو كالصريحة في خلاف ما حكي عنها من موافقة الراوندي كما اعترف به في الذخيرة وغيرها ، نعم هي ظاهرة أو صريحة في عدم تأثير الشمس طهارة ولا عفوا ، فيكون ذلك من منفردات الراوندي ، إذ لم نعرف له موافقا صريحا من كبراء الأصحاب حتى ابن الجنيد ، إذ المحكي عنه انه احتاط في تجنب الأرض المجففة بالشمس إلا أن يكون ما يلاقيها من الأعضاء يابسا ، وهو في خلافه أظهر منه في وفاقه.

وكيف كان فلا ريب في ضعفه ، إذ هو ـ مع ما فيه من منافاته لجميع ما دل على اشتراط الطهارة في السجود والتيمم ونحوهما ، بناء على ما عن الراوندي ـ ليس له إلا الأصل الغير الصالح لمعارضة شي‌ء مما سمعت ، بل في الرياض تبعا لغيره المناقشة في جريانه هنا بأن مقتضاه النافع لثمرة النزاع نجاسة الملاقي بالملاقاة ، وهو حسن إن خلا عن المعارض بالمثل ، وليس ، إذ الأصل بقاء طهارة الملاقي ، ولا وجه لترجيح الأول عليه ، بل هو به أولى ، كيف لا والأصل طهارة الأشياء حتى يعلم المسلم بين العلماء ، ودلت‌

٢٥٨

عليه أخبارنا (١) ولا علم هنا بعد تعارض الاستصحابين وتساقطهما ، فلا مخصص للأصالة المزبورة ، بل في المعالم والذخيرة المناقشة في جريانه بالنسبة إلى نفس المتنجس فضلا عن الملاقي وان كانا معا ليسا بشي‌ء عندنا كما مر غير مرة ، سيما الثانية ، إذ مرجعها إلى إنكار حجية الاستصحاب في مثله المعلوم بطلانه في محله ، بل هو في خصوص المقام من الواضحات ، لظهور الأدلة في بقاء ما ثبتت نجاسته أو طهارته إلى حصول مزيلهما شرعا ، بل لا يعقل حصول أحدهما بدونه.

ودعوى تخصيص ذلك في البدن والثوب والآنية دون غيرها مما ثبت نجاسته بالإجماع المعلوم انتفاؤه على الاستمرار في محل النزاع من أغرب الدعاوي ، بل لا يحتاج ردها إلى تشمير ساعد وإن أطنب فيه في الحدائق.

وإلا الموثق (٢) الذي قد عرفت البحث فيه ، وصحيح ابن بزيع (٣) « سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول أو ما أشبهه هل تطهره الشمس من غير ماء؟ قال : كيف يطهر من غير ماء؟ » الواجب طرحه أو حمله على إرادة طهارته بها بعد جفافه بغيرها ، فإنه حينئذ لا بد من ماء ليجف بها ثانيا حتى يطهر ، كما صرح به بعضهم ، بل في الحدائق الظاهر انه المشهور ، وهو كذلك بناء على التحقيق من عموم طهارة الشمس للبول وغيره مما لا يبقى جرمه ، أو على التقية من المحكي عن جمع من العامة ، لقصوره من وجوه عديدة عن مقاومة ما مر من الأدلة المذكورة الظاهرة في المختار ، كظهور الموثق منها وخبري الحضرمي وابن أبي عمير وأحد صحاح علي بن جعفر وأحد معقدي إجماع الخلاف المؤيد بصريح الرضوي ، بل وغيره مما مر في عدم الفرق بين البول وغيره من النجاسات المشابهة له بعدم بقاء الجرمية ، كما هو صريح المتن وجماعة من الأصحاب ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب النجاسات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٧.

٢٥٩

بل الظاهر انه المشهور كما في الحدائق ، بل لا أعرف فيه خلافا من غير المنتهى ، وإن حكي عن المبسوط التصريح بعدم طهارة الخمر ، وان حمله على البول قياس ، لكنه بقرينة ما حكي عنه من التصريح بالتعميم السابق محتمل لكونه مما يبقى جرمه عنده. فلا يكون خلافا في الحكم ، كما ان ما حكي عن المقنعة والنهاية والمراسم والإصباح وغيرها من الاقتصار على البول كذلك ، لاحتمال المثالية كصحيح زرارة ، فما في المنتهى حينئذ من التخصيص بالبول ضعيف جدا ان لم يكن تأويل كلامه إلى المختار.

نعم لا طهارة مع بقاء الجرم كالدم ، كما صرح به في الذكرى والروض والمدارك وغيرها ، بل في الحدائق لا خلاف فيه على الظاهر ، بل في المدارك واللوامع الإجماع على اعتبار زوال الجرم في الطهارة ، واليه يرجع ما عن ابن الجنيد من التصريح بعدم طهارة المجزرة والكنيف ، للأصل وظهور الأدلة في غيره ، بل اعتبار الإشراق في خبر الحضرمي كالصريح في خلافه ، ضرورة عدم تحققه في الفرض ، لحيلولة جرم النجاسة الذي لا يطهر بجفاف الشمس قطعا بل ضرورة.

فلا تثمر يبوسة ما تحته بحرارة الشمس ، كما لا تثمر مع غيره من الحواجب ذوات الظل حتى السحاب ، بل في كشف الأستاذ إلحاق احتراق القرص بذلك ، لعدم صدق الإشراق حينئذ ، واحتمال اعتبار التجفيف دونه مناف لقواعد الإطلاق والتقييد ، ولذا لم يظهر خلاف بين الأصحاب في عدم حصول الطهارة لشيئين متنجسين منفصلين أحدهما غير الآخر ، كحصيرين أو حجرين إذا جمعا ، بل يختص التطهير بالعالي الذي أشرقت عليه الشمس دون الأسفل وان كان جفافه بحرارة الشمس.

بل قد توهم عبارة المنتهى اختصاص التطهير بالظاهر الذي أشرقت عليه الشمس بالنسبة للشي‌ء الواحد كالأرض دون ما جف من الباطن ، وإن كان في غاية الضعف ، للفرق الواضح بينهما بصدق الإشراق على الثاني وان اختص بالظاهر دون الأول.

٢٦٠