جواهر الكلام - ج ٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الإعادة وقتا وخارجا ، بل التعليل للإعادة في بعض أخبارها كموثق سماعة (١) بالعقوبة للنسيان شامل للفرض المذكور ، بل سؤاله عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلي كذلك أيضا ، لمنع إرادة تمام الصلاة من المضارع بعد « حتى » كغيره من الأخبار.

مضافا إلى‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن محبوب (٢) المروي في السرائر عن كتاب المشيخة لا بن محبوب : « إن كنت رأيت دما في ثوبك قبل أن تصلي فلم تغسله ثم رأيته بعد وأنت في صلاتك فانصرف واغسله وأعد صلاتك ».

والكاظم عليه‌السلام في صحيح علي أخيه (٣) بعد أن سأله عن رجل ذكر وهو في صلاته انه لم يستنج من الخلاء « ينصرف ويستنجي من الخلاء ويعيد الصلاة » الحديث.

والتعليل في‌ مضمر زرارة (٤) الطويل المسند إلى أبي جعفر عليه‌السلام عن العلل قال فيه : « قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال : تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته ، وإن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة ، لأنك لا تدري لعله شي‌ء أوقع عليك ، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك » إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة بإطلاقها منطوقا ومفهوما على المطلوب كما لا يخفى على الناظر فيها مع التأمل السالمة عن معارضة غيرها (٥) الظاهر في الجاهل.

نعم‌ سأل علي بن جعفر أخاه عليهما‌السلام في الصحيح (٦) « عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع به؟ قال : إن دخل في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٠.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

٢٢١

صلاته فليمض ، وإن لم يكن دخل في الصلاة فلينضح ما أصاب إلا أن يكون فيه أثر فيغسله » وهو قد يتوهم منه المنافاة لذلك ، لكنه محتمل لإرادة الأمر بالمضي في صلاته لاحتمال اليبوسة أو العلم بها ، ولذا قال عليه‌السلام : « فلينضح ما أصاب » ولا يدفعه قوله عليه‌السلام : « إلا أن يكون أثر فيغسله » لاحتمال إرادة وجوب غسله حينئذ دخل في الصلاة أولا ، وإلا لم يقل أحد بجواز المضي في الصلاة بعد العلم بالنجاسة من غير غسل أو إبدال أو نحوهما.

ثم لا فرق فيما ذكرنا من وجوب الاستيناف بين ضيق الوقت وسعته للأدلة السابقة القاضية بكونه كالذاكر بعد الصلاة الذي يجب عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه.

نعم قد يقال بالفرق بينهما في الجملة إن قلنا بعدم إعادة الناسي مطلقا ، ضرورة أن المتجه عليه حينئذ في الفرض مع سعة الوقت طرح الثوب أو تطهيره ونحوهما بعد الذكر إن أمكن بلا فعل مناف للصلاة وإلا استأنف ، أما مع الضيق فقد يقال بإلقائه وإتمام الصلاة عاريا كفاقد الساتر الطاهر ابتداء لمساواة حكم البعض للكل.

كما انه قد يقال ذلك أيضا إن قلنا بوجوب الإعادة على الناسي في الوقت دون خارجه ، فان المتجه عليه حينئذ أيضا الاستيناف مع السعة ، أما مع الضيق فيحتمل كونه كالذاكر بعد خروج الوقت ، فلا قضاء كما هو الفرض ولا أداء ، لعدم إمكانه إلا بإتمام ذلك الفعل المحكوم بفساد بعضه بالذكر في الوقت ، اللهم إلا أن يستثنى ذلك من إفساد الذكر في الوقت ، أو يخص عدم وجوب القضاء بخصوص الذاكر بعد الوقت ، لكن في كشف اللثام أنه يطرح الثوب إن أمكن بلا فعل المنافي ، وإلا فإشكال ، وفيه بحث يعرف مما سمعت.

هذا كله في الذاكر للنجاسة في الأثناء‌ وأما لو رأى النجاسة وهو في الصلاة وقد علم سبقها عليها فـ ( ـالمتجه ) مع سعة الوقت بناء على المختار من عدم إعادة الجاهل‌

٢٢٢

وقتا وخارجا أنه إن أمكنه إلقاء الثوب وستر العورة بغيره أو تطهيره ونحوهما بلا فعل ينافي الصلاة وجب عليه ذلك وأتم ، وإن تعذر إلا بما يبطلها من كلام ونحوه استأنف الصلاة من رأس بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بين أجلاء القائلين بمعذورية الجاهل مطلقا إلى ما بعد الفراغ ، بل في المبسوط والنهاية التصريح بنحو ذلك هنا مع قوله فيهما بإعادة الجاهل في الوقت ، وإن استوجه المصنف والشهيد وغيرهما الاستيناف مطلقا بناء عليه ، لكن ناقشهم فيه بعض الناس بعدم التلازم بين المقامين ، وهو متجه إن أريد إمكان التفرقة بدليل شرعي معتبر ، أما بدونه فقد يمنع ، لظهور القول بإعادة الجاهل في عدم كون الجهل عذرا لإسقاط الشرط الذي هو بالنسبة للجميع والبعض على حد سواء ، ضرورة تساويهما في دليل شرطيته ، فيشتركان حينئذ في عدم عذريته كاشتراكهما في عذريته ، بناء على المختار من معذورية الجاهل المستفاد منها تساوي الكل والبعض فيه إن لم يكن أولى ، فيصح حينئذ ذلك البعض الذي وقع فيه قبل العلم به ، فمع إمكان الإزالة أو الإبدال أو التطهير من غير فعل مبطل للصلاة من كلام ونحوه بعد العلم تسلم الصلاة من عروض مفسد شرعي لها حينئذ ولو بالتلفيق من الأمرين ، ولذا لم يعرف في ذلك خلاف بين الأصحاب على هذا التقدير ، بل نفى الاشكال عنه في الذكرى ، ونسبه إلى الوضوح في مجمع البرهان.

مع أن فيه جمعا بين إطلاق ما دل على الإتمام من‌ موثق داود بن سرحان (١) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يصلي فأبصر في ثوبه دما ، قال : يتم ».

وخبر ابن محبوب (٢) المروي في مستطرفات السرائر من كتاب المشيخة عن ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام قال : « إن رأيت في ثوبك دما وأنت تصلي ولم تكن رأيته قبل ذلك فأتم صلاتك ، فإذا انصرفت فاغسله » الحديث.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

٢٢٣

وبين إطلاق ما دل على الاستيناف من‌ خبر أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به ، قال : عليه أن يبتدئ الصلاة » وصحيحة ابن مسلم (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة » الحديث.

وصحيح زرارة (٣) الطويل قال فيه : « قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة قال : تنقض الصلاة وتعيد الصلاة إن شككت في موضع منه ثم رأيته » بحمل الأولى على إرادة المضي بعد طرح النجس مثلا مع الاستتار بغيره ، أو تطهيره مع عدم فعل مناف للصلاة ، والثانية على إرادة الاستيناف مع عدم إمكان شي‌ء مما تقدم إلا بفعل المنافي كما هو الغالب.

والشاهد ـ مضافا إلى ظهور التلازم المتقدم بين القول بمعذورية الجاهل وبين ذلك هنا المؤيد بفتوى الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه ، وبكون ما نحن فيه بعد ما عرفت كمن عرضت له النجاسة في الأثناء أو لم يعلم بسبقها الذي ستسمع اتفاق النصوص والفتاوى على التفصيل المتقدم فيه ، بل لعل بعض أفراده مما نحن فيه ، كالعالم بالعروض في الأثناء متقدما على حال الرؤية لها ، كما سيتضح لك فيما يأتي ـ حسن ابن مسلم (٤) قلت له : « الدم يكون في الثوب وأنا في الصلاة ، قال : إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل ، وإن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم ، وما كان أقل من ذلك فليس بشي‌ء رأيته أو لم تره ، وإذا كنت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٦ مع اختلاف يسير.

٢٢٤

قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه » فان الأمر بالطرح فيه المحمول على الوجوب لا يتم إلا على تفصيل الأصحاب ، ولا ينافيه الشرط الثاني بعد تقييده المضي وعدم الإعادة بما لم يزد على مقدار الدرهم ، بل مفهومه شاهد على الشق الثاني من تفصيل الأصحاب ، وهو عدم المضي مع عدم إمكان الطرح لعدم ساتر غيره أو لغير ذلك مما يبطل الصلاة.

نعم قد ينافيه بناء على رواية الشيخ له بزيادة الواو قبل قوله عليه‌السلام : « وما لم يزد » وحذف « وما كان أقل من ذلك » لكن مع كون الكليني أضبط يدفعه اتفاق الأصحاب ظاهرا بل واقعا كما اعترف به في الحدائق على عدم جواز المضي في الصلاة بالنجس ، فيكون مطرحا لا ينافي الاستدلال بصدره على الشق الأول.

فدعوى سقوط الاستدلال به من بعض متأخري الأصحاب لما في متنه من هذا الاضطراب بمعزل عن الصواب.

كما أن ما في المدارك ـ بعد ذكره بعض الأخبار الدالة على الاستيناف ثم هذا الحسن وصحيح علي بن جعفر في الخنزير « يصيب » المتقدم آنفا في المسألة السابقة من أن مقتضى هاتين الروايتين وجوب المضي في الصلاة لكنه اعتبر في الأولى طرح الثوب النجس إذا كان عليه غيره ، والجمع بين الروايات يتحقق بحمل ما تضمن الأمر بالاستيناف على الاستحباب ، وإن جاز المضي في الصلاة مع طرح الثوب النجس إذا كان عليه غيره ، وإلا مضى مطلقا ، ولا بأس بالمصير إلى ذلك وإن كان الاستيناف مطلقا أولى ـ ينبغي القطع بفساده ، إذ هو ـ مع مخالفته لإجماع الأصحاب ظاهرا على عدم جواز الإتمام بالثوب النجس مع التمكن من غيره بقطع الصلاة ، وعدم مدخلية صحيح ابن جعفر فيما نحن فيه ، إذ محله الناسي ـ تصرف في النصوص من غير شاهد على إذن المالك به.

٢٢٥

وكذا ما في الرياض تبعا لها وللمفاتيح من الميل إلى القول بالاستيناف مطلقا وان تمكن من الطرح ونحوه ، بل ظاهر أول كلامه أو صريحه الجزم به ، لا طلاق الأمر به في الأخبار السابقة المنزل بمعونة فتوى الأصحاب وغيرها مما سمعت على تعذر الإزالة والتطهير ونحوهما من غير فعل مناف ، بل قيل إنه الغالب الذي ينصرف إليه الإطلاق ، ولما قد يشعر به التعليل السابق في صحيح زرارة الذي يجب الإعراض عنه ، أو تنزيله على ما لا ينافي المطلوب في مقابلة ما عرفت.

إذ هو مع كونه محجوجا بما سمعت كاد يكون خرقا للإجماع ، إذ لم نعرف أحدا قال بمعذورية الجاهل إلى ما بعد الفراغ وأوجب الاستئناف هنا.

وكأن الذي ألجأه إلى ذلك اعتراف صاحب الذخيرة بالعجز عن دليل تفصيل الأصحاب هنا بذلك ، وقد عرفته بما لا مزيد عليه ، على أنه يكفي فيه ظهور اتفاقهم عليه مع مراعاة القواعد فضلا عن غيره.

كما أنك بالتأمل فيما ذكرنا تعرف كثير خبط لبعض متأخري المتأخرين في أدلة المسألة من ذكرهم أخبار النسيان هنا وغيره ، والله أعلم.

وكذا يعرف منه وضوح جريان التفصيل في عروض النجاسة في الأثناء أو لم يعلم سبقها ، ولذا لم أجد فيه خلافا هنا ، بل الظاهر أنه إجماعي كما اعترف بهما بعضهم.

نعم في المدارك والذخيرة عن المعتبر الجزم بالاستيناف مطلقا بناء على عدم معذورية الجاهل ، وناقشاه فيه بما تقدم سابقا الذي قد عرفت ما فيه ، مع زيادة عدم صراحة ما في المعتبر بما حكياه عنه هنا.

لكن بعد فرض صحة هذا النقل عنه قد يتوجه عليه هنا احتمال الفرق بين المقامين من غير الجهة التي ذكراها بعدم القطع بوقوع شي‌ء من أفعال الصلاة حال النجاسة فيما نحن فيه ، للعلم بالحدوث في الأول ، وأصالة التأخر المستلزمة له في الثاني ،

٢٢٦

بخلاف ذلك المقام ، فيتجه التفصيل المذكور هنا وان قال بالإعادة هناك ، اللهم إلا أن يفرض في المقام العلم بسبق النجاسة على حال العلم بها وان كان في أثناء الصلاة ، كما لو رآها في الركعة الثالثة وعلم بأن ابتداء عروضها له في الركعة الأولى ، فيتجه حينئذ البناء المحكي عن المصنف إلا أن المحكي عن الشيخ هنا موافقة الأصحاب في التفصيل كالمسألة السابقة.

وكيف كان فالحجة عليه بناء على المختار من معذورية الجاهل بعد إمكان تحصيل الإجماع عليه هنا ما عرفته سابقا من وجود مقتضي الصحة مع إمكان الإزالة من غير فعل مبطل وارتفاع المانع ، بل ينبغي القطع به هنا في بعض صور المسألة ، كالعالم بالعروض عند حصوله قبل وقوع شي‌ء من أجزاء الصلاة معه ، ضرورة عدم كون عروض النجاسة من المبطلات القهرية كالحدث ونحوه ، وإطلاق الحسنة السابقة الآمرة بالطرح ، وصحيح زرارة السابق المشتمل على التعليل بأنه « لعله شي‌ء أوقع عليك ».

والصحاح المستفيضة الواردة في الرعاف ، منها‌ صحيحة معاوية بن وهب (١) « سأل الصادق عليه‌السلام عن الرعاف أينقض الوضوء؟ فقال : لو أن رجلا رعف في صلاته وكان عنده ماء أو من يشير اليه بماء فتناوله فمال برأسه فغسله فليبن على صلاته ولا يقطعها ».

وصحيح ابن مسلم (٢) « سأل الباقر عليه‌السلام عن الرجل يأخذه الرعاف أو القي‌ء في الصلاة كيف يصنع؟ فقال : ينفتل فيغسل أنفه ويعود في صلاته ، فان تكلم فليعد صلاته ، وليس عليه وضوء ».

وصحيح إسماعيل بن عبد الخالق (٣) « سألته عن الرجل يكون في جماعة من القوم يصلي بهم المكتوبة فيعرض له رعاف كيف يصنع؟ قال : يخرج ، فان وجد ماء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١٢.

٢٢٧

قبل أن يتكلم فليغسل الرعاف ثم ليعد وليبن على صلاته ».

ولا يقدح ظهور الإطلاق الأخير ، بل وسابقه في الغسل والبناء وان استلزم مبطلا غير الكلام من الاستدبار ونحوه بعد عدم علم قائل به من الأصحاب كما اعترف به في الذخيرة ، بل في الرياض الإجماع على خلافه ، لوجوب تقييده حينئذ بما لم يستلزم ذلك ، أو حمله عليه ، ترجيحا لما دل (١) على بطلان الصلاة بها.

كما انه لا يقدح ظهور إطلاق بعض أدلة المضي في البناء من دون طرح للنجس أو إزالة للنجاسة بعد الإجماع أيضا كما عرفته سابقا وغيره على خلاف ذلك ، وفي المنتهى « لا يقطع الصلاة رعاف ، ولو جاء الرعاف أزاله وأتم الصلاة ما لم يفعل المنافي عند علمائنا » وفي التذكرة « لا يقطع الصلاة رعاف ، ولو عرض أزاله وأتم الصلاة ما لم يحتج إلى فعل كثير أو استدبار ، لأن ذلك ليس بناقض للطهارة ، وهو إجماعي منا ، والأصل يعطيه » إلى غير ذلك مما هو نص في المطلوب.

فلا إشكال حينئذ بحمد الله في المسألة ، بل هي من الواضحات ، كوضوح الصحة بناء على ما سمعت أيضا لو علم بوقوع نجاسة عليه في الأثناء ثم زالت بمزيل معتبر ، لكن في المعتبر وغيره استقبال الصلاة بناء على قول الشيخ بعدم معذورية الجاهل في الوقت ، وفيه المناقشة السابقة من بعضهم التي قد عرفت ما فيها ، نعم قد يتوجه عليه ما سمعته آنفا في بعض أفراد الفرض الذي يعرف بالتأمل فيما ذكرنا.

أما لو رأى النجاسة بعد الفراغ من الصلاة واحتمل حدوثها بعدها فالصلاة صحيحة من غير خلاف نعرفه بين أهل العلم كما في المنتهى ، بل هو إجماع كما في المعتبر ، لأصالة الصحة والتأخر والبراءة ، بل لعله من الشك بعد الفراغ المعلوم عدم الالتفات إليه.

بقي الكلام فيما لو علم بها في الأثناء لكن مع ضيق الوقت عن الإزالة والاستيناف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ و ٣ ـ من أبواب قواطع الصلاة.

٢٢٨

علم السبق مع ذلك أولا ، والمتجه بناء على المختار من معذوريته فيما وقع من أبعاض الصلاة الإتمام وعدم الالتفات إلى النجاسة ، كما صرح به في الذكرى والبيان وجامع المقاصد وغيرها ، بل لا أجد فيه خلافا يعتد به ، للقطع بسقوط شرطيتها عند الضيق ، وعدم سقوط الصلاة في الوقت لذلك ، تحكيما لما دل (١) على وجوبها وعدم سقوطها بحال على دليل الشرطية (٢) كما في غيرها من الشرائط بل الواجبات من غير خلاف نعرفه فيه ، بل لعله من الاجماعيات بل الضروريات ، وقد عرفت غير مرة أن البعض كالكل في جميع ذلك ، لاتحاد الدليل ، بل هذا الكل في التحقيق عبارة عن الأبعاض المجتمعة.

نعم لو فرض النجاسة المتعذرة الزوال بالساتر فهل يتعين عليه الإتمام به أو عاريا؟ وجهان بل قولان ، ستعرف التحقيق فيهما ، وهو أمر خارج عما نحن فيه.

لكن في المدارك بعد أن حكى عن البيان القطع بالاستمرار ، والذكرى الميل اليه موجها له باستلزام الاستيناف القضاء المنفي قال : « ويشكل بانتفاء ما يدل على بطلان اللازم ، مع إطلاق الأمر بالاستيناف المتناول لهذه الصورة ، والحق بناء هذه المسألة على أن ضيق الوقت عن إزالة النجاسة هل يقتضي انتفاء شرطيتها أم لا ، بمعنى أن المكلف إذا كان على ثوبه أو بدنه نجاسة وهو قادر على الإزالة لكن إذا اشتغل بها خرج الوقت فهل يسقط وجوب الإزالة ويتعين فعل الصلاة بالنجاسة ، أو يتعين عليه الإزالة والقضاء؟ وهي مسألة مشكلة من حيث إطلاق النصوص المتضمنة لإعادة الصلاة مع النجاسة المتناول لهذه الصورة ، ومن أن وجوب الصلوات الخمس في الأوقات المعينة قطعي ، واشتراطها بإزالة النجاسة على هذا الوجه غير معلوم ، فلا يترك لأجله المعلوم ، وقد سبق نظير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٢ و ٦ و ٧ و ٨ و ١١ ـ من أبواب أعداد الفرائض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ١.

٢٢٩

المسألة في التيمم لضيق الوقت عن المائية » انتهى.

وهو من غرائب الكلام ، إذ لم نعرف أحدا قال أو احتمل تقديم مراعاة إزالة النجاسة أو الساتر أو القبلة أو نحوها على وجوب أداء الصلاة في الوقت المعلوم كتابا وسنة بل ضرورة ، بل الإجماع على خلافه كما اعترف به في الحدائق ، بل الضرورة في غيرها ، ولا تقاس على فاقد الطهورين أو من ضاق عليه الوقت من المائية ، على أنك قد عرفت التحقيق في الثاني ، وأما إشكاله توجيه الذكرى بالإطلاق ففيه أنه غير منصرف إلى مثله من الأفراد النادرة قطعا.

نعم قد يرد على التوجيه المذكور عدم استلزامه القضاء ، أو عدم البأس به بناء على القول بعدم معذورية الجاهل مطلقا أو في الوقت ، ضرورة كونه حينئذ كالناسي الذاكر في الأثناء الذي تقدم البحث فيه.

فالأوجه حينئذ توجيه الاستمرار وعدم الاستيناف بعدم مقتضي الفساد بناء على المختار من معذورية الجاهل في الوقت وخارجه ، لا بالاستلزام المذكور ، ولعله يريد به ذلك ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

والمحمول بناء على اشتراط طهارته كالساتر مع الجهل قطعا على المختار من معذوريته فيه ، لأولويته منه ، أما على غير المختار فيشكل مساواته له في عدم العذر حينئذ باختصاص النصوص به دونه ، لكن قد يدفع بأنه وإن كان ظاهر النصوص الاختصاص إلا أن عدم المعذورية مقتضى أصالة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، فيساويه حينئذ لذلك دونها.

ومنه يعلم الحكم في الناسي ، ولعله لذا استغنى الأصحاب عن التعرض له بذكر حكم الساتر ، إلحاقا به في جميع ما تقدم من صور الجهل والنسيان ، وإن كان بعضها لا يخلو من نظر.

٢٣٠

والمربية للصبي إذا لم يكن لها إلا ثوب واحد غسلته من بوله في كل يوم مرة وصلت به وان تنجس به بعده على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل لا أعرف فيه خلافا كما اعترف به في الحدائق وعن الدلائل إلا ممن لا يعتد بخلافه في إمكان تحصيل الإجماع ممن عادته الخلاف لخلل في الطريقة ، كصاحبي المعالم والمدارك والذخيرة بعد اعتراف الأخيرين بأنه مذهب الشيخ وعامة المتأخرين ، تبعا لتوقف الأردبيلي فيه من ضعف مستنده الذي هو‌ خبر أبي حفص (١) عن الصادق عليه‌السلام « سئل عن امرأة ليس لها إلا قميص واحد ولها مولود فيبول عليها كيف تصنع؟ قال : تغسل القميص في اليوم مرة » باشتراك أبي حفص بين الثقة وغيره ، وتضعيف العلامة محمد بن يحيى المعاذي من رجال سنده ، ومساواته دم القروح والجروح والسلس في عسر الإزالة ومشقتها لتكرير البول ، فكما وجب اتباع الرواية هناك لهما فكذا هنا باقتضاء ذلك دوران الحكم مداره ، كما في سائر التكاليف من غير خصوصية لما نحن فيه ، وبمنع كونهما المستند في حكم المذكورات وان ذكرا تأييدا لدليله الصالح لإثباته بخلافه هنا.

وفيه انه بعد تسليم عدم إمكان دفعه ولو على الظنون الاجتهادية غير قادح بعد الانجبار بأدنى مراتب الاشتهار فضلا عن أن يكون كالشمس في رابعة النهار ، وبما تسمعه من خبر الخصي (٢) ومن ذلك يظهر ما في الأخير ، كما أن سابقه بعد الإغضاء عما فيه في الجملة لا يتم على تقدير إرادة الحرج النوعي.

نعم ينبغي الاقتصار في هذا الحكم المخالف للأصل على مورد النص ، فلا يتعدى من المربية إلى المربي وفاقا لصريح جماعة وظاهر آخرين ، بل لعله ظاهر الأكثر ، وخلافا للفاضل في قواعده وعن تذكرته ، والشهيد الأول في بيانه وذكراه ، والثاني في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ الحديث ٨.

٢٣١

المسالك ، وإن عللوه بدعوى القطع باشتراكهما في علة الحكم ، وهي المشقة من غير مدخلية للأنوثة ، لكنه كما ترى.

ولا من الثوب إلى البدن جمودا على ظاهر النص والفتوى مع عدم القطع بالمساواة أو القطع بعدمها ، فما عن بعض المتأخرين ولعله السيد حسن أحد مشايخ شيخنا الشهيد الثاني من الإلحاق ليس بشي‌ء ، وكأنه لغلبة تعديه من الثوب إلى البدن ، بل يشق التحرز عنه مع خلو الخبر عن الأمر بتطهيره لكل صلاة ، بل قد يشعر عدم الأمر فيه بالتحفظ عن الثوب المتنجس به وغسل البدن منه خصوصا في أيام الصيف الغالب فيها العرق ، بل ومطلق الأيام ، ضرورة احتياجها لمزاولته برطوبة في الاستنجاء والاغتسال ونحوهما بالعفو عن ذلك كله.

وفيه ان الثاني خارج عن محل النزاع ، إذ البحث في إلحاق البدن بالثوب في الحكم المذكور لا العفو عن تعدي نجاسة الثوب بسبب المباشرة بعرق ونحوه ، إذ هو قد يحتمل كما سمعته في نظائره كدم القروح ونحوها لما تقدم من عدم زيادة الفرع على أصله وغيره ، إلا أنه قد يفرق بينهما بإطلاق العفو هناك وتقييده بالغسل في كل يوم مرة هنا ، فيتجه القول حينئذ بغسل البدن كل يوم مرة تبعا لأصله المتنجس بسببه ، اللهم إلا أن يستفاد من عدم الأمر به عدمه ، لكن على كل حال هو غير ما نحن فيه من مساواة البدن للثوب في خصوص البول.

وأن الأول بعد إمكان منعه يقضي بالعفو مطلقا عن البول في البدن لا بالمساواة للثوب في الغسل كل يوم مرة ، إلا أن يدعى استفادة ذلك من الذكر في الثوب ، وان ترك التعرض له في الخبر ، للعلم بعدم زيادته عليه ، وهو ممنوع ، كمنع دلالة عدم التعرض للبدن على العفو عنه ، إذ لعله إيكال إلى إطلاق الأدلة وعموماتها ، فتأمل.

٢٣٢

ولا بالبول الغائط فضلا عن الدم ونحوه وإن أوهمته بعض العبارات كالمتن ونحوه ، حيث لم يخص النجاسة فيها بالبول ، بل في كشف اللثام لم يخصوا الحكم به بضمير الجمع الظاهر في الأكثر إن لم يكن الجميع ، بل في جامع المقاصد التصريح بأنه ربما كني بالبول عن النجاسة الأخرى كما هو قاعدة لسان العرب في ارتكاب الكناية فيما يستهجن التصريح به مما يشعر باحتماله إلحاق الغائط به ، بل عن ظاهر الشهيد القول به ، بل عن التذكرة ونهاية الأحكام استشكاله أولا من اختصاص النص بالبول ، ومن الاشتراك في المشقة ، ثم استقراب الثاني ثانيا ، لكن ضعف الجميع واضح ، إذ دعوى الكناية مجاز لا قرينة عليه ، كما ان دعوى الاشتراك المذكور لا تجدي إلا بعد القطع بالعلية والمساواة فيها ، وهو واضح المنع.

ولا من ذات الثوب الواحد إلى ذات الأثواب المتعددة مع عدم الحاجة إلى لبسها مجتمعة ، وفاقا لصريح جماعة وظاهر أخرى ، وقوفا على ظاهر النص ، ولانتفاء المشقة حينئذ ، بل قد يظهر من المتن وغيره عدم الفرق في ذلك بين حاجة لبسها جميعها وعدمه ، فلا يجري الحكم المذكور مع التعدد حينئذ مطلقا ، لكنه لا يخلو من تأمل وبحث ، لصيرورة التعدد كالاتحاد في الفرض المذكور.

وأشكل منه احتمال عدم جريان الحكم في ذات الثوب الواحد القادرة على شراء غيره أو استئجاره أو إعارته في الروض وكشف اللثام وغيرهما ، بل عن المعالم حكاية القول به عن جماعة من المتأخرين ، لانتفاء المشقة حينئذ ، لكن النص كما ترى مطلق وخال عن التعليل بها حتى يعلم من انتفائها انتفاؤه.

وأوضح منه إشكالا احتمال عدم جريانه في المربية للمتعدد في الروض والذخيرة والحدائق ، بل ظاهر الرياض أو صريحه القول به ، لقوة النجاسة وكثرتها ، وظهور النص في الواحد ، ضرورة زيادة المشقة به ، وعدم ظهور النص في كون الوحدة شرطا وان‌

٢٣٣

قلنا بكون تنوينه لها لا للتمكن ، بل ظاهره عدمه ، بل ينبغي القطع بشموله لذات الولدين مع فرض تنجس ثوبها ببول أحدهما ، إذ وجود الآخر لا يمنع من الصدق بل وان تنجس ببولهما ، لفهم الأولوية أو المثالية من مثل هذا التركيب ، أو للصدق عرفا ، ولعله الذي أومأ إليه في كشف اللثام ، حيث جزم بعدم الفرق بين الواحد والمتعدد كالمسالك وعن الذكرى والدروس معللا له بعموم الخبر وان لم يعم المولود ، لكنه لا يخلو من نوع تأمل ، ولذا جزم به في كشف اللثام والمسالك وعن الذكرى والدروس.

كما أن ظاهر المولود فيه الشمول للصبي والصبية كما صرح به الشهيدان في الذكرى والمسالك ، بل في الذخيرة وعن المعالم نسبته إلى أكثر المتأخرين ، بل في المدارك ينبغي القطع به ، خلافا لظاهر المتن وصريح غيره فالصبي خاصة ، بل في كشف اللثام نسبته إلى الشيخ والأكثر ، بل في جامع المقاصد نسبته إلى فهم الأصحاب ، لمنع الشمول ، أو الشك فيه ، أو لتبادر الصبي ، وللفرق بين بوليهما في شدة النجاسة وغيرها ، وفيه منع الأولين وعدم قادحية الأخير ، بعد فرض كون المستند ما عرفته من شمول النص لا الإلحاق.

ثم ان ظاهر النص والفتوى هنا تعين الغسل وان كان المربي صبيا لم يتغذ بالطعام الذي اكتفي في تطهير بوله في غير ثوب المربية بالصب كما عن العلامة التصريح به ، وتبعه بعض من تأخر عنه ، بل في الحدائق الاتفاق عليه ، ولعله للفرق بينها وبين غيرها باكتفائها بالمرة التي لا يشق كونها غسلا معها بخلاف غيرها المحتاج إلى تكرر الإزالة كلما أصابه المناسب للاكتفاء بالصب فيه.

لكن لا يخفى عليك عدم صلاحيته مرجحا لأحد الدليلين المتعارضين بالعموم من وجه ، ضرورة تناول ما دل على الاكتفاء بالصب لبول الصبي للمربية وغيرها ،

٢٣٤

كإطلاق ما دل (١) على الغسل في المربية لما كان مولودها صبيا أو أنثى ، بناء على المختار من شمول النص لهما وللصبي المتغذي بالطعام وغيره ، بل قد يقوى في النظر رجحان ذلك الإطلاق من حيث كونه مساقا لبيان حكم بول الصبي ومقصودا به ذلك.

بل في بعض أدلته التعليل الظاهر في الشمول كمال الظهور ، بخلاف هذا الإطلاق ، فإن المقصود منه بيان المرة لا كونه غسلا أو صبا ، كما يومي اليه ترك ذكر غسلتي البول أو صبتيه.

بل يمكن أن يكون التعبير هنا بالغسل لكونه القدر المشترك بين بول الصبي والصبية والمتغذي بالطعام وغيره ، إذ الصب فرد من الغسل قطعا.

بل قد يقال : إنه يغاير الغسل حيث يقابل به ، وإلا فهو مندرج في إطلاقه ، فلا تنافي حينئذ بين الإطلاقين ، لكون المراد حينئذ بيان الغسل في الجملة مرة ، وإلا فالتفصيل بالصب في غير المتغذي والغسل فيه والصبية وتكرار الغسل والصب ونحوهما من الأحكام الأخر موكول إلى الأدلة الأخر.

ولعله لذلك كله احتمل في كشف اللثام الاكتفاء بالصب هنا في كل يوم مرة من بول الصبي غير المتغذي ترجيحا لذلك الإطلاق ، وهو قوي.

بل قد يؤيده انه المناسب لما هنا من التخفيف والامتنان بالحكم المذكور.

والمراد باليوم ما يشمل الليل إما لما في المنتهى من ان اسمه يطلق على النهار والليل أو للتبعية والتغليب المفهومين هنا بقرينة تسالم الأصحاب ظاهرا على الاجتزاء بالمرة في اليوم ، وإن توقف بعض الناس ، لكن قد يقال : إن منشأ ذلك التسالم ظهور النص في عدم وجوب الغسل عليها في شي‌ء من الأوقات إلا كل يوم مرة من غير حاجة إلى دعوى العموم المذكور حقيقة أو مجازا المستلزم لجواز إيقاع الغسل ليلا ، والاكتفاء به‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

٢٣٥

له وللنهار كالعكس ، مع إمكان دعوى ظهور النص والفتوى في تعيينه باليوم ، وإن كان لا يخلو من بحث.

نعم قضية إطلاقهما تخييرها أي ساعة منه شاءت كما صرح به غير واحد ، لكن في جامع المقاصد « ان الظاهر اعتبار كون الغسل في وقت الصلاة ، لأن الأمر بالغسل يقتضي الوجوب ، ولا وجوب في غير وقت الصلاة ، ولو جعلته آخر النهار كان أولى لتصلي فيه أربع صلوات » إلى آخره. وتبعه في اللوامع ، بل في التذكرة احتمال وجوب تأخيره مع تأخير الظهرين ، لتمكنها حينئذ من جمع أربع صلوات في طهارة ، فهو أولى من تقديمه للصبح خاصة ، وان كان هذا الاحتمال ضعيفا جدا ، لعدم صلاحية التعليل المذكور مقيدا لا طلاق النص والفتوى.

نعم يمكن جعله وجها للأولوية والرجحان لا على جهة الوجوب كما سمعت التصريح به في جامع المقاصد ، وتبعه الشهيد الثاني في روضه ، والفاضل الهندي في كشفه وغيرهما ، وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله وإن جعلت تلك الغسلة في آخر النهار أمام صلاة الظهر كان حسنا بل لم يعض في المنتهى عليه بضرس قاطع مع التسامح في دليل الاستحباب ، فقال : ولو قيل باستحباب جعل الغسل آخر النهار لتوقع الصلوات الأربع في الطهارة كان حسنا كضعف ما تقدم في جامع المقاصد من اعتبار كون الغسل في وقت صلاة للتعليل السابق ، لإمكان منع ظهور مثل هذا الأمر هنا ، خصوصا إذا كان بالعبارة المذكورة في إرادة الوجوب الشرعي ، بل الظاهر منه إرادة حكم وضعي ، وهو توقف الصحة على الغسل في كل يوم مرة ، وان سلم فلا دلالة فيه على عدم اعتبار الغسل وعدم صلاحيته مقدمة لو وقع قبل وقت الوجوب ، إذ الأمر الظاهر في الوجوب لا يصلح لتخصيص مقدمية مثل هذا الغسل المستفادة من إطلاق متعلق الأمر المذكور بما بعد الوقت على معنى عدم اعتباره لو وقع قبله ، ضرورة عدم استلزام اختصاص الحكم‌

٢٣٦

التكليفي في وقت اختصاص الوضعي به أيضا وان استفيدا معا من عبارة واحدة ، على انه قد يمنع اختصاص وجوب المقدمة هنا بما بعد الوقت وإن قلنا به في إزالة النجاسات ، لإطلاق الأمر هنا السالم عن معارضة الإجماع المدعى هناك أو غيره على اختصاص الوجوب فيها بما بعده ، إذ لعل هذه المقدمة لا على نحو غيرها من المقدمات ، لعدم قصد الطهارة بهذا الغسل للصلاة ، كما يومي اليه تصريح جماعة حتى هذا المدعي نفسه بعدم وجوب إيقاع الصلاة بعده بلا فاصل وان يبس الثوب وتمكنت من لبسه.

بل لا أعرف فيه خلافا سوى ما في المدارك فأوجب وقوعها بعده مع التمكن من لبسه ، نعم توقف فيه في الحدائق ، كما انه نظر فيه في الذخيرة ، وهو ضعيف لا دليل عليه ، بل ظاهر الدليل خلافه ، فلها التأخير حينئذ زمانا تعلم في العادة عدم بقائه على الطهارة فيها ، كما هو قضية إطلاق النص ، ولا استبعاد حينئذ منه في توسعة وقت وجوب هذه المقدمة تمام اليوم من غير فرق بين وقوعه قبل الصلاة أو بعدها.

وما عساه يقال : إنه لا يعقل وجوب شرط قبل وجوب مشروطه ولو توسعا يدفعه أولا منع عدم تسليم ذلك بعد ثبوته بدليل مستقل غير وجوب المشروط ، وثانيا إمكان الفرق بينه وبين غيره من الشرائط التي يراد تقدمها على مشروطها.

بل قد يقال وإن قلنا : إن هذا الشرط منها أيضا : إن المراد الفرائض الخمس من اليوم المذكور في النص على إرادة طلب الغسل مرة لكل خمس ، فلا فرق حينئذ بين غسله ابتداء النهار وإيقاع الخمس به ، أو قبل وقت الظهرين وإيقاعهما مع العشاءين والصبح الآتي به ، أو بعده وإيقاع العشاءين به مع الصبح والظهرين الآتية ، وإن كان قضية ذلك عدم الفرق بين وقوعه ليلا أو نهارا حينئذ.

كما ان قضيته انتهاء الرخصة بانتهاء الخمس ، فلو أوقعه مثلا قبل الظهرين ثم صلاهما والعشاءين والصبح به لم يكن له بعد ذلك صلاة ظهري اليوم اللاحق قبل وقوعه ،

٢٣٧

لكن لا بأس بالتزامهما بعد منع ظهور النص في خلافهما على تقدير سبق المعنى المذكور منه إلى الذهن.

أو يقال : إن المراد طلب غسل الثوب مرة ثم تصلي بها إلى أن يدور ذلك الزمان الذي وقع الغسل فيه ، فكل صلاة خوطب بها في أثناء ذلك الزمان كان لها صلاتها دون غيرها ، بل لا مانع من إرادة ذلك من اليوم.

كما انه لا بأس بالتزام ما يقتضيه كل من هذين الوجهين من وجوب قضاء سائر فرائض ذلك اليوم إذا أخل بالغسل ، لا انه يختص في آخر الفرائض وان صرح به في المدارك والذخيرة معللين له بأنها محل التضييق ، لجواز تأخير الغسل إلى ذلك الوقت لكنه مع إجمال الأخيرة في كلامهما ظاهر البناء على خلاف ما ذكرناه من الوجهين ، بل مرادهما والله أعلم إيجاب وقوعه في كل يوم مرة من غير مدخلية لها فيما تقدمها من الصلوات ، وإن توقف صحة آخر الصلوات عليها.

ولعل المراد بآخر الصلوات بناء على ذلك وعلى وجوب وقوعه في وقت صلاة من اليوم فريضة العصر حينئذ ، لأنها هي التي يحصل الإخلال عندها ، ويتضيق وقت الغسل قبلها ، إذ بعدها لم تبق صلاة واجبة في ذلك اليوم ليتجه وجوب الغسل عندها ، لكن على هذا ينبغي وجوب قضاء صلاة العشاءين حينئذ ، اللهم إلا أن يدعى عدم مدخلية الغسل لهما ، وهو كما ترى ، بل أصل الدعوى أوضح منه فسادا ، بل قد يقال بوجوب قضاء سائر صلوات ذلك اليوم وان لم نقل بالوجهين السابقين على معنى شرطية هذا الغسل وإن تأخر ، فينكشف حينئذ بتركه في ذلك اليوم عدم صحة الصلاة السابقة فضلا عن اللاحقة ، كبعض أغسال المستحاضة لبعض ما شرط به ، فتأمل جيدا.

ولا فرق في المربية بالنسبة إلى سائر ما تقدم بين أن تكون أما أو غيرها من مستأجرة أو متبرعة وحرة وأمة وان كان ظاهر النص خلاف ذلك ، لكن لا يلتفت‌

٢٣٨

اليه بعد القطع بعدم الفرق ، بل يمكن إنكار ظهوره أيضا ، بل لا يبعد في النظر جريان الأحكام المذكورة مع تعدد المربية بعد فرض الصدق على كل منهما ، وخلو النص عن تعليق الحكم على وصف المربية لا يمنع من دوران الحكم بعد انسباقه إلى الذهن من قوله : « لها مولود » منجبرا بظاهر الفتوى أو صريحها.

وهل يتسرى العفو المزبور مع الوفاء بالشرط المذكور إلى غير صلوات الخمس من قضاء الفرائض والصلاة بإجارة ونحوها؟ لا يبعد ذلك ، لا طلاق النص والفتوى كما عن نهاية الأحكام قربه بعد الاشكال فيه ، وإن نص على خصوص القضاء ، لكن الظاهر عدم إرادته الاختصاص به.

ولا يلحق بالمربية غيرها فيما تقدم من الأحكام المحتاج ثبوتها إلى دليل غير الحرج ، للأصل من غير فرق بين الخصي المتواتر بوله وغيره ، وإن ورد في الأول ما يقتضيه ، كمكاتبة عبد الرحيم القصير (١) قال : « كتبت إلى أبي الحسن الأول عليه‌السلام أسأله عن خصي يبول فيلقى من ذلك شدة ، ويرى البلل بعد البلل ، فقال : يتوضأ وينضح ثوبه في النهار مرة واحدة » إلا أنه بعد ضعف سنده بل ودلالته مع عدم الجابر كان كالذي لم يرد فيه ذلك.

لكن في الذكرى وعن الدروس « وعفي عن خصي تواتر بوله بعد غسل ثوبه مرة في النهار وإن ضعفت الرواية عن الكاظم عليه‌السلام للحرج » بل في المنتهى بعد اعترافه بضعف الخبر قال : « لكن العمل بمضمونه أولى لما فيه من الرخصة عند المشقة » بل قد يظهر من المعتبر الميل إلى ذلك أيضا وان اعترف بضعف الراوي المذكور ، بل صرح بعدم العمل بروايته ، لكنه قال بعد ذلك : « وربما صير إليها أي الرواية السابقة دفعا للحرج » بل عن الفقيه رواية الخبر المذكور سابقا مع ضمانه في أوله أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ الحديث ٨.

٢٣٩

لا يورد فيه إلا ما يعمل به ، بل قد يظهر من التذكرة العمل بها في الجملة فإنه وإن صرح بضعفها وأوجب تكرير الغسل لكنه قال : فان تعسر عمل بمضمون الرواية دفعا للمشقة ، ولعله لذلك كله نسب العفو عن ثوب الخصي بعد الغسل مرة في الذخيرة إلى جماعة من الأصحاب.

إلا أنه لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الاعتراف بقصور الخبر (١) عن إثبات الحكم المذكور سندا بل ودلالة ، بل في الحدائق ما حاصله « ان الأظهر طرحه والرجوع إلى الأصول وقواعد النجاسات من جهة إجمال المراد به ، لاحتماله بولية البلل المذكور فيه ، فيراد بالأمر بالوضوء فيه حينئذ غسل الثوب مرتين من البول الخارج منه معتدلا ، وبالنضح غسله من ذلك البلل ، فيكون من قبيل المربية حينئذ ، فيعتبر فيه ما تقدم فيها من اتحاد الثوب ونحوه ، والظاهر بعده ، فإنه على هذا التقدير يكون من قبيل المسلوس الذي حكمه وضع الخريطة ، واحتماله البلل المشتبه الذي لم يعلم كونه بولا ، فيكون الأمر بالنضح فيه دفعا للنجاسة المحتملة على نحو ما سمعته سابقا من المقامات التي يستحب ذلك له ، بل يحتمل الأمر بالنضح فيه إرادة رطوبة الثوب ، ليتمكن من جعل استناد البلل اليه ، فيكون من الحيل الشرعية التي سبق نظيرها ».

وان كان جميع ما ذكره كما ترى خصوصا بعض ما ذكره أولا ، فإنه واضح الفساد كوضوح فساد الاستناد إلى الحرج ممن عرفت في إثبات الحكم المذكور ، ضرورة عدم صلاحيته لإثبات خصوص الحكم المزبور ، إذ أقصاه رفع التكليف المستلزم للحرج لا إثبات قسم آخر خاص منه مع تعدد أفراد ما يندفع به الحرج ، اللهم إلا أن يقال : إنه بعد أن يرتفع التكليف بتكرر الإزالة للحرج يدور الحكم بين السقوط بالمرة والمسلوس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ الحديث ٨.

٢٤٠