جواهر الكلام - ج ٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بذلك ، كظهور أسئلتها في معروفية إزالة آثار النجاسات ، وخبر أبي يزيد (١) القمي المروي في الكافي والتهذيب ، بل وعن العلل مع اختلاف في بعض رجال السند عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام « سألته عن جلود الدراش التي يتخذ منها الخفاف ، قال : لا تصل فيها فإنها تدبغ بخرء الكلاب ».

وفيه منع ذلك الاستظهار على مدعيه فضلا عن أن يعارض ما عرفت من الإجماع وغيره ، كمنع جواز الركون إلى الخبر المذكور في معارضته ذلك أيضا بعد ضعف سنده في الكتب الثلاثة بأحمد بن محمد السياري ، إذ هو كما في جش وعن الفهرست ضعيف الحديث فاسد المذهب ، ذكر ذلك الحسين بن عبد الله مجوف الرواية كثير المراسيل ، ودلالته بعدم موافقته لمختار الخصم من العفو عن متعذر الإزالة أو عسرها فلا بأس حينئذ بحمله على الكراهة ، أو إرادة قبل الغسل أو غيرهما.

نعم لو كان المتغير باللون أو الرائحة الماء الذي يغسل به النجاسة المباشر للمغسول المتخلف بعضه فيه نجس الثوب حينئذ به.

ثم المدار في معرفة ما أشرنا إليه سابقا من اشتباه بعض الأعيان بالألوان العرف لا عسر الإزالة وعدمها ، إذ قد تكون بعض الألوان المجردة عن ممازجة شي‌ء من الأعيان سهلة الإزالة جدا ، فإنها لا تجب إزالتها أيضا ، لما سمعته من الأدلة السابقة ، فسقط نفع ما في جامع المقاصد حيث قال بعد أن ذكر العفو عن اللون العسر الإزالة تبعا للفاضل : « والمراد العسر عادة ، فلو كان بحيث يزول بمبالغة كثيرة لم يجب ، وهل يتعين له نحو الأشنان والصابون أم يتحقق بمجرد الغسل بالماء إذا لم يزل به؟ كل محتمل ، والأصل يقتضي الثاني ، والاحتياط الأول » انتهى. بناء على ما عرفته من مختارنا ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١ رواه في الوسائل عن أبي يزيد القسمي وهو الصحيح.

٢٠١

وإذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوب الإنسان وكان رطبا رطوبة تنتقل بالملاقاة أو كان أحدها كذلك غسل موضع الملاقاة من الثوب واجبا كباقي النجاسات ، لانتقال حكم النجاسة الثابتة في هذه الثلاثة بالأدلة السابقة بذلك إجماعا محصلا ومنقولا ونصوصا (١) مستفيضة بل ضرورة من المذهب أو الدين ، كما أن الإجماع بقسميه أيضا ، والنصوص (٢) والاستصحاب وغيرها على توقف زوال حكم النجاسة هنا على الغسل ، فلا يكفي النضح أو الرش ونحوهما مما لا يصدق عليه مسمى الغسل من غير فرق بين سائر أفراد الكلب ، فما في الفقيه من الاكتفاء بالرش للثوب من خصوص ملاقاة كلب الصيد ضعيف جدا ، إذ لا نعرف له موافقا ولا دليلا ، بل الأدلة من إطلاق الخبر وغيرها على خلافه ، كما أن ما في الجامع من انه روي ان كلب الصيد لا يرش من ملاقاته رطبا زيادة على ما ذكره الصدوق لا ينبغي الالتفات إليه ، ضرورة أنها من الشواذ إن ثبت بعد ما عرفت.

وأما إن كان الثوب يابسا كالملاقي له منها رشه بالماء استحبابا كما هو المشهور بين الأصحاب ، بل لا خلاف يعتد به في رجحان الرش في الجملة في الأنواع الثلاثة وأفرادها ، وان كان ظاهر الفقيه نفيه بملاقاة كلب الصيد ، لكن الإجماع إن لم يكن محصلا وإلا فهو محكي نصا في المعتبر ، وظاهرا في غيره على ما يقتضي خلافه ، كالأخبار التي سيمر عليك بعضها ، مع أنا لم نعثر له على مستمسك.

كما أنه لا خلاف يعتد به أيضا في كون ذلك على جهة الندب ، وان كان صريح الوسيلة وظاهر الجامع وعن المراسم الوجوب في الثلاثة كصريح النهاية وظاهر المقنعة في الأولين ، والفقيه في الأول غير كلب الصيد منه ، بل عن الثالث زيادة الفأرة والوزغة ، كما في الأول والرابع زيادتهما مع الثعلب والأرنب ، لكن في ظاهر المعتبر بل صريحه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ و ١٣ و ١٤ ـ من أبواب النجاسات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ و ١٣ و ١٤ ـ من أبواب النجاسات.

٢٠٢

الإجماع على استحبابه في محل البحث ، ولعله كذلك للإجماع المحكي في المختلف وكشف اللثام وعن الذخيرة والدلائل.

بل قد يدعى تحصيله على عدم تعدي النجاسة مع اليبوسة ، كالموثقة (١) الدالة على ان « كل يابس ذكي » المعتضدة بالاستصحاب وغيره ، وإمكان إرادتهم التعبد الذي لا ينافي ذلك كله لا التنجيس يأباه ملاحظة كلماتهم وذكرهم له في مقام بيان التطهير وأحكام النجاسة ، واستغراب التعبدية في مثله بحيث لا مدخلية له في سائر ما يشترط بالطهارة ، وإن احتمله في المعالم بل أصر عليه في الحدائق ، تمسكا بظاهر مستند هذا الحكم من الأوامر.

كقول الصادق عليه‌السلام في صحيح البقباق (٢) : « إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن مسه جافا فأصب عليه الماء ».

وقوله عليه‌السلام في مرسل حريز (٣) : « إذا مس ثوبك كلب فان كان يابسا فانضحه ، وإن كان رطبا فاغسله » وبمعناه خبر علي (٤) عنه عليه‌السلام أيضا ، كمضمره (٥) « سألته عن خنزير أصاب ثوبا وهو جاف ، هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال : نعم ينضحه بالماء ثم يصلي فيه » بل عن قرب الاسناد روايته مسندا إلى موسى بن جعفر عليهما‌السلام.

وصحيح أخيه (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع به؟ قال : إن كان دخل في صلاته فليمض ، وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه ، إلا أن يكون فيه أثر فيغسله ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

٢٠٣

و‌صحيح الحلبي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في ثوب المجوسي ، فقال : يرش بالماء » الحديث.

إلا أنه لا يخفى عليك وجوب حملها على إرادة الندب بقرينة ما سمعت من إجماع المعتبر المعتضد بغيره ، سيما حمل الأمر بالرش على الندب في غير ذلك من المواضع الوارد فيها حتى من الخصم على الظاهر ، حيث لم ينقل عنه الوجوب ، بل في المعالم أن ظاهر الأصحاب الإطباق على استحبابها ، على أن خبري الخنزير الأولين ينافيان إرادة التعبد ، كما أنه ينافيه مقابلة النضح ونحوه فيها بالغسل المعلوم عدم إرادته منه.

ودعوى ظهوره من خبر الخنزير الثالث للأمر بالمضي فيه مع الدخول ممنوعة ، إذ لعله لكونه مستحبا لا يقطع له الصلاة ، بل قد يؤيده الأمر به على تقدير عدم الدخول ، إذ لا مدخلية له على فرض التعبد ، ولعل الاستثناء فيه يراد منه وجوب الغسل على تقدير الدخول ، وعدمه بمعنى أنه يقطع الصلاة ويبطلها على الأول كما هو الغالب من عدم تيسر الغسل فيها ، فلا ينافي حينئذ ما دل على بطلان صلاة ناسي النجاسة الذاكر في الأثناء حتى يحتاج إلى تأويل الخبر وصرفه عن ظاهره بإرادة الجاهل بوجود الأثر وان علم الملاقاة ، لكونها أعم منه ، فلا تمنعه من التمسك بأصالة الطهارة حتى دخل ثم علم.

وما يقال ـ من أن التعبد لا بد من ارتكابه هنا في هذه الأوامر حتى على تقدير الندب أيضا لعدم تصوره بالنسبة للطهارة والنجاسة ، فابقاؤها على ظاهرها من الوجوب أولى حينئذ ـ يدفعه منع عدم تصوره على إرادة رفع الأثر الحاصل من ملاقاتها يابسة ، وان كان لم يعتبر الشارع هذا الأثر في صحة المشروط بالطهارة ، بل جعل رفعه مستحبا فيها ، فهو كأثر النجاسة في الجملة ومن قبيله ، لكنه لم يصل إلى حد وجوب الإزالة ، فتأمل جيدا فإنه دقيق.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

٢٠٤

فاتضح لك من ذلك كله حمل الأمر في الأخبار السابقة على الندب ، كوجه فتوى المشهور بذلك ، لكن قد يشكل بأنها قد اشتملت على النضح والصب ، وهما خصوصا الثاني غير الرش المأمور به في الفتوى ، وبأنها لا تدل على استحباب ذلك في مطلق الكافر ، إذ ليس إلا الخبر الأخير الخاص بالمجوسي.

ويدفع الأول بدعوى إرادة الرش من النضح ، بل ترادفه معه ، كما يشهد له ما عن الصحاح والقاموس النضح الرش ، واستدل الأصحاب بأخباره عليه ، بل قد يراد بالصب ذلك أيضا كما يومي اليه التعبير بالنضح في بعض أخبار بول الصبي المعلوم ان حكمه الصب ، وما عن بعض الأصحاب التعبير فيه أي بول الصبي أيضا بالرش ، بل هو قريب جدا بناء على ما في حواشي القواعد من تفسير الرش بأن يستوعب جميع أجزاء المحل بالماء ولا يخرج ، وانه به افترق عن الغسل ، لما قد عرفت من تفسير الصب بذلك ، مع احتمال الاجتزاء هنا في تحصيل الوظيفة بكل منهما ، بل قد يدعى أولويته باعتبار أبلغيته في المراد ، إلا أنه يبعده اتفاق عبارات الأصحاب حتى معقد الإجماع السابق على عدم التعبير به في المقام ، وانه كالمطلق بالنسبة للنضح والرش ، واستحسانه من جهة الأبلغية لا مدخلية له في الأحكام الشرعية التي يقصر العقل عن إدراك بعض حكمها ومصالحها.

والثاني بإلغاء الخصوصية بين المجوسي وغيره ، خصوصا مع ملاحظة الإجماع السابق وكون الحكم مما يتسامح فيه.

والمراد باليابس في المتن وغيره ما يشمل الندى الذي لا تنتقل منه رطوبة بملاقاته ، لعدم حصول وصف التنجس به ، كما صرح به العلامة الطباطبائي في منظومته للأصل ، وصدق الجاف عليه ، ومفهوم صحيح البقباق السابق ، بل قد يظهر من التأمل فيه إرادة منتقل الرطوبة من الرطب في غيره من الأخبار وغير منتقلها من اليابس ، فلا وجه‌

٢٠٥

لاحتمال القول بحصول النجاسة في الفرض تمسكا بإطلاق بعض الأدلة المرتبة ذلك على الملاقاة بعد الاقتصار على خروج المتيقن ، وبمفهوم تعليق النضح ونحوه المحمول على الاستحباب المستفاد منه عدم التنجيس على اليابس الممنوع صدقه على المفروض ، إذ هما كما ترى.

هذا كله في الثوب الملاقي للثلاثة المذكورة وأما البحث في البدن إذا كان ملاقيا لها في غسل من ملاقاتها إن كانت رطبة أو كان هو رطبا قطعا ، لعين ما مر في الثوب وقيل يجب أن يمسح بالتراب إن كان يابسا ولم يثبت ما يدل على استحبابه فضلا عن وجوبه كما اعترف به جماعة وان كان هو صريح الوسيلة وظاهر النهاية والمقنعة ، بل في الأولين زيادة الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة ، كما في الثالث زيادة الأخيرين ، بل عن المبسوط استحباب ذلك من كل نجاسة يابسة ، لكن قد تنزل عباراتهم على الاستحباب ، ويكتفى في ثبوته بفتوى مثلهم به للتسامح فيه.

بل قد يستدل على خصوص الكافر بخبر القلانسي (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ألقى الذمي فيصافحني ، قال : امسحها بالتراب وبالحائط ، قلت : فالناصب قال : اغسلها » بعد إلغاء خصوصية الذمي كخصوصية المصافحة ، وان اقتصر عليهما مع زيادة الناصب في النهاية ، وعليها في المقنعة ، بل لا بأس بالتعدي منه إلى أخويه الكلب والخنزير ان لم يكن إلى سائر النجاسات ، ولا ينافي الأمر بالغسل من مصافحة اليهودي والنصراني في خبر آخر (٢) استحباب المسح المذكور خصوصا لو حمل على الرطوبة ، نعم قد يظهر من الخبر السابق استحباب خصوص الغسل في خصوص الناصب دون المسح ، والأمر سهل.

لكن كان على المصنف ذكر استحباب نضح الثوب والبدن من البول المظنون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

٢٠٦

إصابته لهما أو المشكوك ، والمني والدم كذلك بالنسبة للثوب ، للنصوص (١) الواردة في ذلك ، بل قد يتعدى منها إلى كل نجاسة كذلك في الثوب أو البدن.

واحتمال إشكاله ـ بأنه لا يلائم ضوابط الاحتياط ، إذ لا بد فيه من الإتيان بعمل النجاسة المتحققة من الغسل والعصر ونحوهما حتى انه يفيد التخلص منها لو كانت في الواقع مصيبة ـ يدفعه إمكان القول بالتزام ارتفاعها بالنضح إذا كانت موهومة ، ولا استبعاد في التزام حكمين للنجاسة تابعين للوهم والعلم ، أو القول باستحبابه تعبدا لا لإزالتها مع فرضها حتى يكون من الاحتياط ، أو القول بكون المراد والمطلوب بالرش والنضح دفع زوال النفرة الحاصلة من ذلك الوهم الذي قد يترتب على مراعاته الوسواس المأمور بالتجنب عنه ، لكن على كل حال كان على المصنف أن يذكره.

كما انه كان عليه ذكر استحبابه بالنسبة للثوب أيضا من الفأرة الرطبة التي لم ير أثرها عليه ، وإلا فيستحب غسله لا نضحه ، ومن المذي ومن أبوال الدواب والبغال والحمير مع شك الإصابة ، وإلا فيستحب غسله ، ومن بول البعير والشاة ومن العرق مع الجنابة ، ومما يجده ذو الجرح في المقعدة بعد الاستنجاء من الصفرة من المقعدة ، وغير ذلك من الأمور المذكورة في النصوص وبعض كلمات الأصحاب المعلوم عدم وجوبها وان كانت بلفظ الأوامر ، كما هو واضح لا يحتاج إلى بيان.

وإذا أخل المصلي المختار بإزالة النجاسات الغير المعفو عنها عن ثوبه أو بدنه ونحوهما مما تشترط طهارته في صحة الصلاة ، فإن كان عالما بها وبحكمها أعاد في الوقت وخارجه لما عرفته سابقا من اشتراط صحة الصلاة بذلك إجماعا محصلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٦ ـ والباب ١٦ الحديث ٤ والباب ٣٧ الحديث ١.

٢٠٧

ومنقولا ، ونصوصا (١) مستفيضة إن لم تكن متواترة ، بل هي كذلك معنى كما لا يخفى على السارد لها بعد جمع شتاتها ، بل وكذا مع الجهل بالحكم ولو لنسيانه كما صرح به بعضهم هنا ، لا طلاق النصوص والفتاوى ، بل لعلهما أوضح شمولا لها من صورة العلم ، خصوصا النصوص ، ضرورة وضوح بطلان الصلاة منه لو قلنا بتصور وقوعها من مثله ، فحملها عليه حينئذ بيان للبديهيات.

ولا ينافي ذلك معذورية بعض أفراده بالنسبة للمؤاخذة والعقاب كالجاهل الذي لم يتنبه لاحتمال مدخلية ذلك في الصلاة ، إذ لا ملازمة بينها وبين ما نحن فيه من القضاء والإعادة المترتبين على عدم الإتيان بالصلاة المطلوبة وفواتها المتحقق كل منهما مع الجهل المذكور.

ودعوى منع كون المطلوبة حال الجهل فاقدة النجاسة ـ لقبح تكليف الغافل وما لا يطاق ، كدعوى منع عدم مطلوبيتها مع النجاسة حاله بدليل عقابه لو تركها ، فيقتضي الأمر بها حينئذ الاجزاء ـ كما ترى واضحتا الفساد ، ضرورة أن غفلة العبد ولو كان معذورا فيها لا تقتضي تغيير محبوبية المكلف به ومطلوبيته في نفسه وحد ذاته للسيد ، كما أن عقابه ومؤاخذته للعبد على ترك غير المطلوب والمحبوب للسيد من حيث إقدامه على ترك ما تخيله مطلوبا ومحبوبا لا يقتضي صيرورته مطلوبا ومرادا للسيد في نفسه وحد ذاته حتى يجزئ عن ذلك الذي اقتضت الحكمة والمصلحة طلبه وإرادته.

فما اختلج المقدس الأردبيلي ـ من الشبهة في المقام ، خصوصا بالنسبة إلى التكليف بالقضاء خارج الوقت ، بل سرت منه إلى جماعة من الأعلام بل منهم من أصر على عدم الإعادة أيضا في خصوص الجاهل غير المتنبه ، كما أن منهم من أصر على عدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب النجاسات.

٢٠٨

القضاء عليه ، بل في المدارك وغيرها الإصرار على عدم مؤاخذة المتنبه على ترك ذلك المجهول لديه ، وان كان يعاقب على تركه النظر والبحث والسؤال ـ ليس في محله.

بل التحقيق ما عرفت من وجوب القضاء والإعادة عليه مطلقا ، والمؤاخذة والعقاب على نفس المكلف به مع التنبه والتفطن وتركه السؤال والبحث ، لمنع قبح تكليف مثله به ، وإلا لم يكن الكفار مكلفين بالفروع ، نعم هو قبيح قطعا مع الجهل الساذج ، لكنه لا ينفي القضاء والإعادة كما سمعت من غير فرق في ذلك كله بين الجهل بحكم النجاسة من الاشتراط المذكور أو الجهل بأصل النجاسة : أي بكون الدم مثلا نجسا ، كما هو واضح ، فتأمل.

فان لم يعلم بأصل عروض النجاسة حين الفعل وقبله ثم علم بعد الصلاة بسبقها عليها لم يجب عليه القضاء لو كان ذلك بعد خروج الوقت بلا خلاف كما في السرائر والتنقيح وكشف الرموز ، بل في المدارك والذخيرة والحدائق ان ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه ، بل في الغنية والمفاتيح واللوامع وعن المهذب الإجماع عليه.

فما عساه توهمه عبارة المنتهى وغيره من وجود خلاف فيه كظاهر الخلاف بل صريحه لم نتحققه ، وإن احتمله في كشف اللثام من عبارة المقنعة في بعض الأحوال ، كما أنا لم نتحقق لاحتمال وجوبه وجها فضلا عن القول به بعد الإجماع المحكي على لسان من عرفت ان لم يكن محصلا المعتضد بنفي الخلاف وأصالة البراءة ، وفحوى ما دل (١) على عدم الإعادة في الوقت ، بل منه ما هو شامل لما نحن فيه ، بل لعل أكثرها كذلك بناء على شمول نفي الإعادة للقضاء في الأخبار (٢) ، وباقتضاء الأمر بالصلاة اعتمادا على استصحاب الطهارة الإجزاء هنا ، لعدم ظهور تناول أدلة اشتراط إزالة النجاسة لمثل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب النجاسات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

٢٠٩

المقام ، بل ظاهرها انها شرط علمي.

بل منها ما هو كالصريح في ذلك كصحيح زرارة (١) عن الباقر عليه‌السلام المعلل عدم إعادة الصلاة على من نظر ثوبه قبل الصلاة فلم ير فيه شيئا ، ثم رآه بعدها بأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا ، إلى آخره.

ومنه كغيره يستفاد أن عدم وجوب القضاء لصحة الصلاة السابقة ، كما هو معقد إجماع المفاتيح لا انه ساقط عنه وان لم يحكم بصحة تلك الصلاة ، واستبعاده بناء على وجوب الإعادة لو علم في الوقت باستلزامه توقف الصحة على المراعاة شبه الفضولي في المعاملات المستبعد وقوع مثله في العبادات استبعاد لغير البعيد بعد قضاء الدليل ، خصوصا مع عدم توقف نفس الصحة واقعا هنا على ذلك ، وإن توقف الحكم بها ، ضرورة علم خالق السماوات بعلم المكلف في الوقت وعدمه ، فهي أول صدورها إما مقبولة أو مردودة في الواقع من غير توقف على شي‌ء ، إذ علمه في الوقت بناء على تسبيبه الإعادة لا يورث بطلانها من حينه ، بل بسببه انكشف له عدم صحتها سابقا ، هذا.

مع ان الأقوى عدم وجوب الإعادة عليه في الوقت أيضا لو علم بعد الفراغ ، فيرتفع الإشكال حينئذ من أصله ، وفاقا للمشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، لصدق الامتثال المستلزم للاجزاء ، والمعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة.

منها‌ صحيح عبد الرحمن (٢) « سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته؟ فقال : إن كان لم يعلم فلا يعيد ».

وخبر أبي بصير (٣) سأله أيضا « عن رجل يصلي وفي ثوبه جنابة أو دم حتى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

٢١٠

فرغ من صلاته ثم علم ، قال : مضت صلاته ولا شي‌ء عليه ».

وحسن ابن سنان أو صحيحه (١) سأله أيضا « عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم ، قال : إن كان علم أنه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلي ثم صلى فيه ولم يغسله فعليه أن يعيد ما صلى ، وإن كان لم يعلم به فليس عليه إعادة » الحديث.

وقول الباقر عليه‌السلام في صحيح الجعفي (٢) في الدم يكون في الثوب : « إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته ، وإن لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد صلاته » كقولهما عليهما‌السلام في صحيح ابن مسلم (٣) : « إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك الإعادة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك ، وكذلك البول » إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة ، وفيها الصحيح الصريح أو كالصريح وغيره.

وقيل يعيد في الوقت كما هو خيرة النهاية في باب المياه منها ، والغنية والنافع والقواعد وظاهر جامع المقاصد والروض والمسالك وعن المبسوط والمهذب ونهاية الأحكام والمختلف ، بل في ظاهر الغنية الإجماع عليه لأصالة الشغل وانتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

وللجمع بين الأخبار السابقة وبين‌ صحيح وهب بن عبد ربه (٤) عن الصادق عليه‌السلام « في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم بها صاحبه فيصلي فيه ثم يعلم بعد ، قال : يعيد إذا لم يكن علم ».

وخبر أبي بصير (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « سأله عن رجل صلى وفي ثوبه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٩.

٢١١

بول أو جنابة ، فقال : علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم » بحملهما على الوقت ، والأولى على خارجه.

ولا ريب ان الأول أظهر منه ، لانقطاع الأصل بما عرفت ، ومنع الشرطية حال الجهل ، وتوقف الجمع المذكور بعد إمكان منع قبول بعض الأخبار السابقة له إن لم يكن جميعها بدعوى الظهور في الوقت على التكافؤ أولا ـ المعلوم عدمه هنا سندا وعددا وعملا بل ودلالة ، لاحتمالها الإنكار والاستحباب والنسيان حين الصلاة وان كانت معلومة قبلها ، والأول غير ما نحن فيه من الجنابة في الثوب المختص التي توجب غسلا ، وسقوط حرف النهي من الراوي كما يؤيده عدم وضوح معنى الشرطية بدونه ، وان كانت تحتمل إرادة التصريح بالشرط تنصيصا على الحكم عنده ، دفعا لتوهم الخلاف ، ويعلم الحكم في خلافه بالأولى أو إرادة إذا لم يكن علم حتى أتم الصلاة ، فإنه إن علم فيها قطعها واستأنف ولا إعادة ، بل ربما احتمل كون الشرط من الراوي أكد به سؤاله فيما إذا لم يكن علم ، كعدم وضوح معنى الشرطية في الثاني أيضا إلا على إرادة عليه الإعادة إذا علم كان علم به أو لم يعلم ، أو على أن يكون قوله عليه‌السلام : « علم أو لم يعلم » تقسيما ثم ابتدأ فقال : عليه الإعادة إذا كان علم ـ وعلى الشاهد ثانيا.

ودعوى أنه الإجماع على عدم الإعادة خارجا يدفعها عدم صلاحيته لصرف الدال بظاهره على نفيها في الوقت حتى يكون صالحا للشهادة ، وإن صلح لصرف الدال بظاهره عليها مطلقا.

بل وأظهر مما احتمله الشهيد في الذكرى وان لم نقل انه إحداث قول ثالث من التفصيل بين من اجتهد قبل الصلاة في البحث عن طهارة ثوبه وغيره ، فلا يعيد الأول ويعيد الثاني ، بل ربما مال إليه في الدروس ، كما انه قواه في الحدائق بل ادعى فيها ظهور عبارة المقنعة في ذلك ، كظاهر إقرار الشيخ واستدلاله لها في التهذيب ، قال فيها بعد‌

٢١٢

أن ذكر وجوب الإعادة على من ظن أنه على طهارة ثم انكشف فساد ظنه ما نصه : وكذلك من صلى في الثوب وظن أنه طاهر ثم عرف بعد ذلك أنه كان نجسا ففرط في صلاته من غير تأمل له أعاد الصلاة ، بل في‌ الفقيه روي (١) في المني انه « إن كان الرجل جنبا قام ونظر وطلب ولم يجد شيئا فلا شي‌ء عليه ، وإن كان لم ينظر فعليه أن يغسله ويعيد صلاته ».

لكن ومع ذا فقد استظهر في اللوامع انه خرق للإجماع ، لعدم فرق الأصحاب في جاهل النجاسة بين من نظر وتأمل وغيره ، كالأدلة السابقة ، فاحتمال التصرف فيها حينئذ ـ بحمل الدال منها على عدم الإعادة على الثاني وعلى الإعادة على الأول (٢) بشهادة مرسل الصدوق.

ومفهوم‌ صحيح ابن مسلم (٣) عن الصادق عليه‌السلام « انه ذكر المني فشدده وجعله أشد من البول ـ ثم قال ـ : إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل الصلاة فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك ، وكذلك البول » كخبري ميمون الصيقل (٤) وميسر (٥) عنه عليه‌السلام أيضا.

قال في الأول : « قلت له : رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل فلما أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة ، فقال : الحمد لله الذي لم يدع شيئا إلا وله حد ، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه ، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح‌ « على عدم الإعادة على الأول وعلى الإعادة على الثاني ». (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

٢١٣

و‌ قال في الثاني : « آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله فأصلي فيه فإذا هو يابس ، قال : أعد صلاتك ، أما انك لو كنت غسلته أنت لم يكن عليك شي‌ء » ـ يدفعه قصور الشاهد سندا في البعض ، ودلالة في الآخر عن قابلية ذلك ، خصوصا بعد ما عرفت من دعوى ظهور الإجماع على عدم الفرق ، وبعد إمكان دعوى ظهور أخبار عدم الإعادة في غير المتفحص عن طهارة ثوبه وبدنه ، لأنه المتعارف من أحوال الناس ، كإمكان دعوى قصور دلالة الصحيح الأول بخروج الشرط فيه مخرج الغالب القاضي بعدم اعتبار مفهومه ، بل الجميع عن تمام الدعوى من تعميم الحكم لسائر النجاسات ، كتعميمه لما قام معه شاهد يورث الظن أو الشك بحصول النجاسة وما لم يقم ، مع أنه لا دلالة فيها على غير المني أو هو مع البول ، إلا أن يتمم بظهور عدم الفرق ، كما انها لا دلالة فيها على إعادة من لم يقم له شاهد بالنجاسة ففرط في النظر.

لكن الانصاف كون الأحوط مع ذلك كله الإعادة ، خصوصا مع قيام الشاهد ففرط في النظر والبحث ، بل لعل القول به فيه لا يخلو من قوة ، ولا ينافيه ظهور الأدلة في جواز تعويله على أصالة الطهارة واستصحابها.

بل هو صريح‌ صحيح زرارة (١) « فهل علي إن شككت في أنه أصابه شي‌ء أن أنظر فيه؟ قال : لا ، ولكنك انما تريد أن تذهب عنك الشك الذي في نفسك » الحديث.

ضرورة عدم ملازمة جواز التعويل لعدم وجوب الإعادة لو تبين الخلاف بعد ذلك.

وإن كان ربما يومي اليه التعليل في‌ صحيح زرارة (٢) « قلت : فان ظننت أنه أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت ، قال : تغسله ولا تعيد ، قلت : لم ذاك؟ قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا » الحديث. إلا أنه يمكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

٢١٤

تنزيله على خصوص مورده الذي قد حصل فيه النظر والاجتهاد ، فتأمل جيدا.

ثم انه بناء على التفصيل المذكور هل يختص الحكم بالإعادة أو يشملها مع القضاء؟ ظاهر الشهيد الأول ، ومحتمل أو ظاهر عبارة المفيد الثاني ، وهو أحوط ، بل يشهد له خبر ميمون السابق (١) كما انه قد يقال أيضا بناء على المختار من عدم إعادة الجاهل مطلقا : إن المراد العفو من حيث الجهل بمانعية النجاسة دون غيرها من الموانع المتصفة بها ، ككونها فضلة ما لا يؤكل لحمه ، ونحوه كدم غير المأكول ومنيه وبوله وخرئه فتعاد الصلاة حينئذ من هذه الحيثية لا للنجاسة إن قلنا بمساواة الجاهل بها للعامد.

لكنه لا يخلو من نظر بل منع يعرف مما تقدم لنا في نظائره ، وان كان ظاهر الأستاذ في كشفه هنا ذلك ، بل صحيح عبد الرحمن (٢) المتقدم سابقا كالصريح في خلافه ، إذ احتمال تنزيله على إرادة نفي الإعادة من حيث النجاسة وان وجبت من حيث كونه فضلة كلب كما ترى ، كما أن ما ذكره في الكشف أيضا ـ من الإشكال في إلحاق الجهل بموضوع العفو لزعم القلة فيما يعفى عن قليله ، أو زعم أنه مما يعفى عن قليله أو عن أصله أو عن محله أو عن أهله كالمربية ، أو لزعم اضطراره ، أو أنه من بول الطفل مع الإتيان بالصب عليه ، أو أنه من غير المحصور فظهر منه ، أو أنه من المشتبه الخارج بعد أحد الاستبراءين ، أو أن النجاسة ليست بولا فغسلها مرة واحدة فظهرت بولا بالجهل بأصل موضوع النجاسة ، بل صرح بقوة الفساد في جميع ذلك ـ لا يخلو بعضه من نظر وتأمل.

نعم لا يلحق بالجاهل ناسي النجاسة فلم يذكرها إلا بعد الصلاة ، فإن الأقوى فيه الإعادة وقتا وخارجا كما عساه الظاهر من المتن ، وفاقا للمشهور بين الأصحاب قديما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

٢١٥

وحديثا نقلا وتحصيلا ، بل في السرائر نفي الخلاف عنه في موضعين مستثنيا في أحدهما ما في استبصار الشيخ خاصة من بين كتبه المعد لذكر أوجه الجمع بين الأخبار ، وان لم تكن على طريق الفتوى والاختيار من القول بالإعادة في الوقت دون خارجه ، بل في الغنية وعن شرح الجمل للقاضي الإجماع عليه ، وهو بعد اعتضاده بنفي الخلاف السابق وشهادة التتبع له الحجة ، مضافا إلى أصالة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، وإطلاق ما دل من الأخبار (١) الكثيرة جدا التي تقدم بعضها آنفا ، وآخر في قدر الدرهم من الدم على الإعادة مع العلم بالنجاسة الشامل لصورة النسيان ، بل لعلها أظهر في الاندراج من صورة العمد ، وخصوص المعتبرة (٢) ـ المستفيضة جدا ان لم تكن متواترة المذكور جملة منها في نسيان الاستنجاء.

ومنها‌ صحيح ابن أبي يعفور (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلى أيعيد صلاته؟ قال : يغسله ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة ».

كمضمر زرارة في الصحيح (٤) بل عن العلل إسناده إلى أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من مني فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا وصليت ، ثم اني ذكرت بعد ذلك ، قال : تعيد الصلاة وتغسله » الحديث.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب النجاسات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

٢١٦

و‌موثق سماعة (١) عن الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلي ، قال : يعيد صلاته كي يهتم بالشي‌ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه ».

كقوله عليه‌السلام أيضا في خبر أبي بصير (٢) « إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه ، وإن هو علم قبل أن يصلي فنسي وصلى فيه فعليه الإعادة » كالأمر بها في غيره من خبري ابن زياد (٣) وميمون (٤) الواردين في الناسي قدر النكتة من البول حتى صلى ، ومرسلة ابن بكير (٥) وموثقة سماعة (٦) وصحيحة ابن أبي نصر (٧) وزرارة (٨) وغيرها من الأخبار الكثيرة الواردة في نسيان غسل مخرج البول أو الاستنجاء حتى صلى ، فأمر فيها بالغسل والإعادة.

فما عن الشيخ في بعض أقواله من القول بعدم الإعادة مطلقا ضعيف جدا ، مع أنه غير ثابت عنه ، بل الثابت خلافه ، وان استحسنه في المعتبر ، بل جزم به في المدارك لأصالة الأجزاء التي يجب الخروج عنها ببعض ما تقدم لو سلم صحة التمسك بها هنا ، ورفع الخطأ والنسيان عن الأمة المخصص بما عرفت ، أو المحمول على رفع الإثم والمؤاخذة.

وصحيح العلاء (٩) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصيب ثوبه الشي‌ء فينجسه فينسى أن يغسله وصلى فيه ثم ذكر أنه لم يكن غسله أيعيد الصلاة؟ قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب نواقض الوضوء الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ الحديث ٥.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب نواقض الوضوء الحديث ٣.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب نواقض الوضوء الحديث ٧.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣ رواه في الوسائل عن العلاء عن ابى العلاء.

٢١٧

لا يعيد قد مضت صلاته وكتبت له » القاصر عن المقاومة من وجوه ، بل في التهذيب انه شاذ لا يعارض الأخبار التي ذكرناها ، فلا وجه لحمل تلك الأخبار الكثيرة المنجبرة بالعمل من الطائفة على الاستحباب من جهته.

وإن أمكن تأييده باعتضاده بضعيفة ابن سالم (١) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يتوضأ وينسى أن يغسل ذكره وقد بال ، فقال : يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة ».

وخبر ابن أبي نصر (٢) قال له أيضا : « إني صليت فذكرت أني لم أغسل ذكري بعد ما صليت أفأعيد؟ قال : لا ».

وموثقة عمار (٣) سمعه أيضا يقول عليه‌السلام : « لو أن رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلي لم يعد الصلاة ».

وخبر علي بن جعفر (٤) عن أخيه موسى عليهما‌السلام « سألته عن رجل ذكر وهو في صلاته أنه لم يستنج من الخلاء قال : ينصرف ويستنجي من الخلاء ويعيد الصلاة ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك ، ولا إعادة عليه » إلا أنه ـ مع عدم صراحة بعضها ، لاحتمال إرادة الاستنجاء من خصوص الغائط بخصوص الماء ، ومعارضتها بمثلها المتقدم في ذلك ـ يجب الخروج عنها بعد إعراض الأصحاب الذين هم أعرف بمعنى الخطاب الوارد في السنة والكتاب ، ولذا أمرنا بالأخذ بما اشتهر بينهم عند اشتباه الآثار وتصادم الأخبار.

وكذا القول بوجوب الإعادة في الوقت وعدمها في خارجه كما عن الشيخ في الاستبصار خاصة ، وتبعه الفاضل في بعض كتبه ، جمعا بين الأخبار بشهادة‌ خبر علي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ الحديث ٤.

٢١٨

ابن مهزيار (١) قال : « كتب اليه سليمان بن رشيد انه بال في ظلمة الليل وأنه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه أصابه ولم يره ، وأنه مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله وتمسح بدهن ، فمسح به كفيه ووجهه ورأسه ، ثم توضأ وضوء الصلاة فصلى ، فأجابه بجواب قرأته بخطه أما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشي‌ء إلا ما تحقق ، فان تحققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات التي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها ، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل أن الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت ، وإذا كان جنبا أو على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته ، لأن الثوب خلاف الجسد ، واعمل على ذلك إن شاء الله » مؤيدا بدعوى ظهور أخبار الإعادة في الوقت ، بل هو المتعارف منها.

وفيه ـ مع مكاتبة شاهده وإضماره وقلة العامل به ، إذ لم يحك إلا عن الشيخ في استبصاره الذي لم يعده للفتوى ، وإلا فالمحكي عنه في سائر كتبه موافقة المشهور ، وتبعه الفاضل في بعض كتبه ، فمن العجيب ما في الحدائق من حكاية شهرته بين المتأخرين وشدة ما في متنه من الاجمال ، بل الاشكال كما اعترف به غير واحد بل في الوافي أنه يشبه أن يكون قد وقع فيه غلط من النساخ ، ومنع دعوى ظهور أخبار الإعادة في الوقت ، لحدوث هذا الاصطلاح في لسان أهل الأصول الممنوع حمل الأخبار عليه ـ انه لا يتم في نحو‌ صحيح علي بن جعفر (٢) عن أخيه المروي عن قرب الاسناد وكتاب المسائل له « سألته عن الرجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟ فقال : إن كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلي ولا ينقص منه شي‌ء ، وإن كان رآه وقد صلى فليعتد بتلك الصلاة ثم ليغسله » الصريح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١٠.

٢١٩

في القضاء الشامل بإطلاقه لصورة النسيان ان لم تكن هي الظاهر منه.

كغيره الصريح في النسيان الظاهر في القضاء ، كموثق سماعة (١) المعلل للإعادة بالعقوبة.

بل‌ حسن ابن مسلم أو صحيحه (٢) كالصريح في ذلك أيضا وإن كان ظاهرا في النسيان ولو بإطلاقه ، قال فيه : « وإذا كنت قد رأيته ـ أي الدم ـ وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه » إذ الظاهر إرادة ما يزيد على صلاة الفريضة ، بل الخمس المفروضة ، كما هو واضح.

فظهر لك انه لا مناص عن القول المشهور من الإعادة مع النسيان في الوقت والقضاء في خارجه.

ومنه نسيان عين المتنجس وان بقي على العلم بالنجاسة على الأقوى وإن كان القول بلحوقه بجاهل الموضوع لا يخلو من وجه ، بل في كشف الأستاذ انه وجه قوي.

وكذا منه نسيان كون النجاسة مما تحتاج إلى عدد في الغسل ، أو أنها مما لا يعفى عن قليلها ، أو لا يكتفى فيها بالصب ونحو ذلك مما قدمنا الإشارة إليه في ذيل مسألة الجاهل.

بل منه أيضا أو بحكمه الذاكر للنجاسة في أثناء الصلاة كما صرح به في كشف اللثام والرياض وعن الأستاذ الأكبر ، لأصالة الشغل ، وانتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، وظهور ما دل (٣) على إعادة الذاكر بعد الفراغ في عدم كون النسيان عذرا في ارتفاع الشرط المزبور ، فيستوي الكل والبعض حينئذ في ذلك ، ضرورة تساويهما فيه ، واحتمال الفرق وتصوير إمكانه لا يرفع الظهور المذكور ، ولذا بنى ما نحن فيه في كشف اللثام على ما تقدم من الأقوال الثلاثة في المسألة السابقة ، وقد عرفت أن الأقوى فيها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

٢٢٠