جواهر الكلام - ج ٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بعد شهادة التتبع منا وممن عرفت له ، بل قد يشعر أيضا نسبة الخلاف فيه في المعتبر والمنتهى إلى أبي حنيفة وغيره من أهل الخلاف بالإجماع عليه بيننا.

مضافا إلى‌ حسن الحلبي أو صحيحه (١) « سأل الصادق عليه‌السلام عن بول الصبي ، فقال : تصب عليه الماء ، فان كان قد أكل فاغسله غسلا ، والغلام والجارية في ذلك شرع سواء » كالرضوي (٢) بل والمروي عن كشف الغمة وغيره (٣) بل‌ عن العامة روايته أيضا معتمدين عليه بحسب الظاهر عن زينب بنت جحش (٤) قالت : « كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما فجاء الحسين عليه‌السلام فجعلت أعلله لئلا يوقظه ثم غفلت عنه ، فدخل ـ إلى أن قالت ـ : فاستيقظ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يبول على صدره ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعي ابني حتى يفرغ من بوله ، وقال : لا تزرموا بول ابني ، ثم دعا بماء فصب عليه ، ثم قال : يجزئ الصب على بول الغلام ، ويغسل بول الجارية » الحديث.

كالمروي عن‌ معاني الأخبار (٥) مسندا « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتي بالحسن بن علي عليهما‌السلام فوضع في حجره فبال ، فأخذه فقال : لا تزرموا ابني ، ثم دعا بماء فصب عليه ».

بل لعل‌ خبر السكوني (٦) المروي في الفقيه والتهذيب وعن المقنع والعلل « ان عليا عليه‌السلام قال : لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ، لأن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

(٤) كنز العمال ـ ج ٥ ص ١٢٨ ـ الرقم ٢٦٤٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

١٦١

لبنها يخرج من مثانة أمها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا من بوله قبل أن يطعم ، لأن لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين ».

كالمروي عن‌ لبانة بنت الحارث (١) قالت : « كان الحسن بن علي عليهما‌السلام في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبال عليه ، فقلت : أعطني إزارك لأغسله ، فقال : إنما يغسل من بول الأنثى » دال على المطلوب ، بل أدل من غيره ، للقطع بإرادة الزائد على الصب من نفي الغسل فيهما ، إذ قد علمت سابقا الإجماع على نجاسته إلا ممن لا يعتد بخلافه فيه.

وبذلك كله يقيد ويخص إطلاق وعموم ما دل على وجوب الغسل الزائد على الصب من البول ، لا أنه لا عموم أو إطلاق في الأخبار ليتناول ما نحن فيه ، فيبقى على أصل البراءة ونحوها كما في المدارك ، ضرورة وجدان كل منهما فيها خصوصا الثاني ، إذ التحقيق كون المفرد المعرف للطبيعة ، كما أنه به أيضا يجب طرح مضمر سماعة (٢) الدال على غسل الثوب من بول الصبي أو حمل الغسل فيه على الصب أو الصبي على المتغذي ، أو غير ذلك من التقية والندب أو غيرهما مما ستسمع ، كحسنة ابن أبي العلاء (٣) عن الصادق عليه‌السلام « في بول الصبي يصب عليه الماء ثم يعصر ».

بل قد تحتمل إرادة العصر للتجفيف لا التطهير ، أو ما في المدارك من احتمال كونه لإخراج عين النجاسة من الثوب ، فان ذلك واجب عند من قال بنجاسة هذا البول ، وإن كان لا يخلو من نظر ، لإمكان منع وجوب الإخراج ، بل يكفي الاستهلاك بالصب ، لإطلاق النصوص والفتاوى.

نعم يعتبر في الصب استيعاب الماء لمحل البول وما رسب فيه ، فلا يكفي مجرد‌

__________________

(١) تيسير الوصول ـ ج ٣ ص ٥٧ عن لبابة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

١٦٢

الإصابة كالرش من غير استيعاب ، بل في المدارك انه مما قطع به الأصحاب ، بل لعله أيضا معقد إجماع الخلاف ، ولا ينافيه ما في التذكرة من حكاية قول لنا بالاكتفاء بالرش ، لأنه قال بعده : فيجب فيه التعميم ، فلا يكفي إصابة الرش بعض مورد النجاسة.

فيعلم منه حينئذ عدم إرادة الرش بالمعنى المنافي لذلك ، بل لعله بالمعنى المذكور كالصب حينئذ ، اللهم إلا أن يقال بعدم اعتبار نفوذ الماء إلى المحال التي رسب فيها البول في مفهوم الرش وان عم ظواهر المحل ، فينافي ما تقدم حينئذ وان كان هو ضعيفا في نفسه لا دليل يعتد به عليه ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، ضرورة عدم زوال حكم النجاسة من دون مباشرة المطهر ، بل قد يشكل الاكتفاء بالرش وان ساوى الصب في الاستيعاب للظاهر وغيره باستصحاب حكم النجاسة مع الأمر بالصب في النص والفتوى ، وعدم ظهور الحكمة في أمر التطهير ، على أن في الصب من اتصال الأجزاء والغلبة والقاهرية ما لا يوجد في الرش ، لكن تبادر إرادة عدم وجوب العلاج والاحتيال بالدلك والغمز والتقلب وغيرها من الأمر بالصب مقابل الغسل يدفع احتمال توقف التطهير على خصوصيته ، فلا يبعد حينئذ الاكتفاء بالرش المساوي للصب في الاستيعاب للظاهر والباطن والغلبة والقاهرية ونحوها مما له مدخلية في التطهير.

اللهم إلا أن يمنع تسمية مثله غسلا ، فانا وإن اكتفينا بالصب في بول الصبي لكن لا بد من تحقق مسمى الغسل ، فلا يكتفى بمجرد استيعاب المطهر للمطهر من دون جريان ونحوه المعتبر عرفا في مفهوم الغسل في الوضوء والأغسال ونحوهما ، لاستصحاب حكم النجاسة مع الأمر بغسل النجاسات في الروايات ، بل في خصوص بول الصبي نفسه ، كما في موثقة سماعة (١) وغيرها (٢) مما ورد في ثوب المربية وغيره ، فالجمع بينهما يقتضي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١ والباب ٣ منها.

١٦٣

وجوب الغسل لكن بمجرد الصب لا الغسل المعتبر في باقي إزالة النجاسات المحتاج إلى العلاج والاحتيال في إزالة أعيانها ، بل هو كغسل الوضوءات والأغسال ونحوها مما لا يراد منه إزالة شي‌ء ، بل قد يدعى لزوم ذلك للصب غالبا.

ودعوى منافاة ذلك لا طلاق النصوص والفتاوى الاكتفاء بالصب مقابل الغسل الصادق بدون ذلك وبدون انفصال الماء وعدمه ، بل وبدون الاستيعاب يدفعها ما سمعته سابقا من ظهور كون المراد بذلك عدم العلاج والاحتيال المعتبرين في إزالة غيره من النجاسات ، لا أن المراد مجرد تحقق الصب ، وإلا فقد ورد الاكتفاء بالصب أيضا في غسل الجسد من البول معللا ذلك بأنه ماء لا يحتاج إلى دلك ونحوه ، مع انه من الواضح اعتبار مسمى الغسل فيه.

فما في جامع المقاصد وتبعه عليه غيره من عدم اعتبار الجريان على محل البول في محل المنع ، نعم لا يعتبر الانفصال فيه كما في جامع المقاصد وغيره ، بل في المدارك أنه مما قطع به الأصحاب ، كما أنه لعله بعض معقد إجماع الخلاف أيضا ، لا طلاق الصب ، ولأن مقابلته بالغسل بناء على أن حده الانفصال كما عن الخلاف ونهاية الأحكام صريحة في نفي اعتباره.

لكن قد يقال بعد انصراف المقابلة المذكورة كالأمر بالصب إلى ما سمعت : باعتبار الانفصال ، بناء على اعتباره في باقي النجاسات لا لتوقف مسمى الغسل عليه بل لإمكان فهم اعتباره في خصوص غسل النجاسات من جهة احتمال إرادة انفصال النجاسة أو حكمها بانفصال الماء ، بل لعل المراد من غسل النجاسات انما هو إزالة النجاسة بهذه الكيفية كالأوساخ ، بل في الرياض تعليله أيضا بنجاسة الغسالة وعدم وجوب العصر أعم من عدم لزوم الانفصال ، إذ قد يراد بغير العصر من وجوه الانفصال.

قلت : لكن ظهور الأدلة ـ من النصوص وغيرها كما لا يخفى على من لاحظها‌

١٦٤

في خفة هذه النجاسة والتساهل في أمرها ، وأنه لذلك خالفت غيرها من النجاسات ، مضافا إلى ظاهر الإجماع السابق وغيره ـ يمنع اعتبار أصل الانفصال في الجملة ، فضلا عنه على الوجه الذي ذكره في الرياض ، بل ينبغي القطع بعدمه ، ضرورة مساواتها حينئذ لغيرها من النجاسات في وجوب إخراج غسالتها ، وإن كانت بغير العصر وهي بالعصر ، إلا أن ذلك من الواضح عدم صلاحيته فارقا ، على أن خصوصية العصر غير مرادة في باقي النجاسات قطعا ، انما المراد إخراج غسالتها به أو بغيره.

فالأقوى حينئذ عدم اعتبار الانفصال مطلقا ، وبه يمتاز حينئذ عن بول البالغ بناء على عدم وجوب العصر فيه ، لطهارة الغسالة أو غيرها ، أو يقال : إنه يمتاز بعدم اعتبار العلاج فيه والاحتياج لإخراج نفس العين مع وجودها ، بل يكفي في طهرها امتزاجها بالماء بخلافه في البالغ ، وهو جيد وإن كان لا يخلو من نوع تأمل.

لكن على كل حال ما في كشف الأستاذ أنه لا فرق بين بول الصبي وغيره فيما لا يرسب فيه الغسالة باعتبار وجوب الغسل مرتين في كل منهما لا يخلو من نظر ، لإمكان الفرق باعتبار الفصل في الثاني دون الأول ، إذ قد عرفت أن الأقوى عدم اعتباره فيه ، وانه بذلك امتاز عن البالغ.

نعم استثنى من ذلك في المدارك والذخيرة ما إذا توقف إزالة عين النجاسة عليه مع احتمال عدمه أيضا فيهما ، لا طلاق النص ، وان اعترضهما في شرح المفاتيح بأن الإطلاق لا يثمر مع العلم بالنجاسة ، ووجود عين النجس ، وبقائه في الثوب ، وعدم استهلاكه بمجرد الملاقاة للماء ، فان نجس العين بمجرد إصابة الماء كيف يصير منقلبا ، ومع عدم الانقلاب كيف يصير طاهرا.

لكنك خبير بما في الجميع مما عرفت سابقا من ظهور الأدلة بطهر مثل هذا البول باستيعاب الماء محل البول ، وغلبته عليه واستهلاكه به وان لم ينفصل ، ولا استبعاد في‌

١٦٥

ذلك شرعا بوجه من الوجوه ، فلا فرق حينئذ بين الاكتفاء (١) بالصب على المتنجس به بين ما يعصر وما لا يعصر ، وبين ما يرسب فيه الغسالة وما لا يرسب ، أرضا كان أو غيرها.

نعم قد يقال بنجاسة المنفصل من ماء غسالته ولو بعصر وإن لم نقل باشتراطه ، بناء على نجاسة الغسالة ، لا طلاق دليلها عندهم الشامل للمقام كما اختاره الأستاذ في كشفه ، لكن الأقوى طهارتها عليه أيضا ، واستثنائها من ذلك كالمختلف بعد العصر ، كما هو ظاهر النصوص والفتاوى ، وفحوى عدم اشتراط الانفصال كظهور خفة حكم هذه النجاسة ، واستبعاد اختلاف حكم الماء الواحد بالنسبة إلى طهارته ونجاسته ، بمعنى إن خرج كان نجسا وإلا كان طاهرا ، وغير ذلك.

نعم لا يبعد جريان حكم بول الصبي على ما تنجس به من المائعات وغيرها كالماء ونحوه ، فيجزئ الصب على المتنجس بالمتنجس به بعد إخراج العين أو استهلاكها بناء على الاكتفاء ، لعدم زيادة الفرع عن أصله ، وظهور انتقال حكم النجاسة إلى المتنجس لا أزيد.

نعم لو أصابه نجاسة أخرى غير بول الصبي أو اختلط ببول الصبي نجاسة غيره لم يجر عليه الحكم المذكور على إشكال فيما لو اختلط معه ما لا يخرج المتنجس به عن صدق نجاسته ببول الصبي ، كالقليل جدا من بول البالغ مثلا ، وخصوصا لو كان المباشر لبول الصبي نجسا حكما ، لمنع تأثير النجس في النجس حكما مع عدم بقاء اسم المؤثر ، وكذا الإشكال في جريان حكم بول الصبي على بوله إذا كان ولد كافر وإن كان الأقوى فيه ذلك أيضا كما في نظائره.

نعم قد يشكل فيه وولد المسلم فيما لو كان يتغذى بلبن كافرة بفحوى تعليل خبر‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح « في الاكتفاء ».

١٦٦

السكوني (١) وعدم انصراف الإطلاق ، كالمتغذي بلبن الخنزيرة مثلا ، فلعل الأقوى فيه عدم الإلحاق اقتصارا على المتيقن.

وكيف كان فيختص الحكم المذكور بالصبي خاصة دون الصبية ، وفاقا للمشهور ، بل لعله لا خلاف فيه ، لاحتمال حمل عبارة الصدوقين التي ظن ذلك منها حيث كانتا كحسنة الحلبي والرضوي المتقدمين على إرادة مساواة الجارية مطلقا للصبي بعد الأكل ، خصوصا إن قلنا بجريان مثل هذا التركيب مجرى القيد المتعقب بجمل متعددة يقتصر فيه على المتيقن : أي الأخيرة فقط ، لا أقل من أن تكون الشهرة العظيمة على الاختصاص بل في مفتاح الكرامة عن المختلف الإجماع عليه وان لم أجده فيما حضرني من نسخته ، وخبر السكوني وزينب بنت جحش ولبانة بنت الحارث المتقدمة آنفا قرينة على رجوع ذلك في الحسنة إلى الأخيرة خاصة ، وعلى بقاء بول الصبية مندرجا تحت إطلاق أدلة البول واستصحاب بقاء نجاسته.

فما في الحدائق من الميل إلى المساواة متعجبا من إعراض الأصحاب عن ذلك مع أنه مضمون الحسنة التي هي مستند أصل الحكم في الصبي في غير محله.

والخنثى المشكل بل والممسوح كالأنثى ، للاستصحاب.

والمراد بالصبي من لم يأكل الطعام أكلا مستندا إلى شهوته وإرادته أي متغذيا به ، كما هو المستفاد من حسنة الحلبي وخبر السكوني المتقدمين ، فلا عبرة بالأكل نادرا أو دواء ونحوهما ، وإلا لم يتحقق موضوع المسألة ، لاستحباب تحنيك الولد بالتمر كما في المنتهى وغيره.

نعم لا فرق فيما ذكرنا بين الحولين وما زاد عليهما ، فمتى أكل الأكل المذكور قبلهما خرج عن الحكم المزبور ، كما انه إذا لم يأكل كذلك بعدهما بقي على الحكم الأول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

١٦٧

لا طلاق الخبرين ، بل تعليل خبر السكوني.

فما في السرائر من تحديد الصبي الرضيع بمن لم يبلغ سنتين لا يخلو من تأمل ، بل في المعتبر أنه مجازف ، ويمكن أن يريد الرضيع الذي لم يبلغهما وان كان ينافيه كلامه في باب البئر ، فلا مخالفة حينئذ إلا فيمن لم يتغذ بالطعام بعدهما ، ولعل وجهه من موافقته للاحتياط تحديد مدة الرضاع بالحولين شرعا مع ندرة بقائه أزيد منهما عرفا ، بل منع تسميته رضيعا ، فلا عبرة بمن لم يأكل بعد الحولين ، بل لعل التحديد في الخبرين منزل على ذلك.

كما انه يرجع اليه ما في جامع المقاصد والروض وعن المسالك من أن المراد بالرضيع الذي لم يغتذ بغير اللبن بحيث يزيد على اللبن أو يساويه ، ولم يتجاوز سن الرضاعة أي الحولين كما في صريح الثاني ، وهو لا يخلو من وجه كما عرفت ، لكن تقييدهما التغذي بالمساواة أو الزيادة لا يخلو من نظر بل منع ، لصدق الأكل والتغذي وان نقص عنه.

نعم قد يقال بعدم العبرة بأكله أصلا قبل الحولين كما هو صريح السرائر في باب البئر ومحتمله هنا ، إلا أنك قد عرفت منافاته لإطلاق الخبرين ، وان كان ربما يوجه بنحو ما سمعت من كون المراد فيهما مدة الرضاع ، بل قد يشعر به خبر زينب بنت جحش المتقدم من حيث نسبة الدخول ونحوه إلى الحسين عليه‌السلام المشعر بتجاوز عمر الحسين عليه‌السلام الستة أشهر وزيادة ، مع ظهور ما يحكى في أمر ولادته وزمان فطامه في تغذيه بغير اللبن بعدها ، فتأمل جيدا.

وإذا علم النجاسة وموضع النجاسة من الثوب والبدن ونحوهما غسل وجوبا لما تجب الإزالة له مما تقدم ، أما لو ظن النجاسة أي تنجس الثوب والبدن فظاهر النهاية وعن صريح الحلبي وجوب الغسل لابتناء أكثر الأحكام على الظنون ،

١٦٨

وامتناع ترجيح المرجوح ، والاحتياط في بعض الصور.

وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (١) بعد أن سأله أبوه سنان « عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل لحم الخنزير ويشرب الخمر فيرده ، أيصلي فيه قبل أن يغسله؟ قال : لا يصلي فيه حتى يغسله ».

كالمروي (٢) عن مستطرفات السرائر من كتاب البزنطي « سألته عن رجل يشتري ثوبا من السوق لا يدري لمن كان يصلح له الصلاة فيه ، قال : إن اشتراه من مسلم فليصل فيه ، وان كان اشتراه من نصراني فلا يلبسه ولا يصلي فيه حتى يغسله ».

كخبر علي بن جعفر (٣) عن أخيه موسى المتضمن نحو ذلك أيضا ، بل وغيرهما مما دل (٤) على اجتناب الفراء المأخوذة من أهل العراق ، لأنهم يستحلون الميتة ، ويزعمون أن دباغها ذكاتها.

وهو ضعيف جدا مع عدم الاستناد إلى سبب شرعي ، بل واضح الفساد كأدلته ، لمخالفته لقاعدة اليقين والأصل والأخبار الحاكمة بالطهارة إلى حصول العلم بالنجاسة.

كقول الصادق عليه‌السلام في خبر حماد (٥) : « الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس » وفي‌ موثقة عمار (٦) « كل شي‌ء نظيف حتى تعلم أنه قذر ».

وقول علي عليه‌السلام في خبر حفص بن غياث (٧) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام : « ما أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم أعلم ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢ وفي الوسائل « الحبري » بدل « الخنزير ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الماء المطلق ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

١٦٩

بل‌ صحيح ابن سنان (١) كالصريح في ذلك « سأل أبوه الصادق عليه‌السلام وهو حاضر اني أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده علي فأغسله قبل أن أصلي فيه ، قال : صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنك أعرته إياه وهو طاهر ، ولم تتيقن أنه نجسه » الحديث.

كمضمر زرارة في الصحيح (٢) بل عن العلل إسناده إلى أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قلت : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره ـ إلى أن قال ـ : قلت : فان ظنت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فيه فرأيت فيه ، قال : تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : ولم ذاك؟ قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبدا » إلى غير ذلك من الأخبار البالغة أعلى مراتب الاستفاضة إن لم تكن متواترة معنى ، لاختلاف أنواع دلالتها على عدم حصول النجاسة بمثل الظن المزبور ، بل في بعضها المدح على عدم الاعتناء به ، كالتوبيخ في آخر (٣) على الاعتداد به معللا ذلك بأن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ، إن الدين أوسع من ذلك.

لكن مع ذا لا بأس بالاحتياط خروجا عن شبهة الخلاف إن لم يكن مقطوعا بفساده ، بل يمكن الحكم باستحبابه ، للأخبار السابقة التي يشهد على تنزيلها على ذلك رواية‌ علي بن بزاز (٤) عن أبيه قال : « سألت جعفر بن محمد عليهما‌السلام عن الثوب يعمله أهل الكتاب أصلي فيه قبل أن أغسله ، قال : لا بأس ، وان يغسل أحب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥ لكن رواه في الوسائل عن أبي علي البزاز عن أبيه.

١٧٠

إلى » وغيره مما يستفاد منه رجحان الاستظهار في الطهارة في الجملة مما دل (١) على استحباب اجتناب سؤر الحائض المتهمة بالنجاسة ، بل كل من كان متهما بذلك ، فاحتمال عدم مشروعية هذا الاستظهار لظهور الأدلة في توسعة أمر الطهارة كما ترى ، بل ينبغي القطع بفساده إن أريد منه الحرمة إن لم يقصد به المستظهر قربة ، بل أراد إراقة الماء على يده مثلا لزوال نجاستها ان كان واقعا فيها نجاسة ، للأصل السالم عن المعارض ، والسيرة القاطعة وغيرهما.

نعم قد يكون ذلك مرجوحا بالنسبة إلى عدمه إذا احتمل ترتب الوسواس عليه ، كما أنه يحرم لو كان مقدمة له أو هو منشأه.

أما لو كان منشأ الظن سببا شرعيا كخبر العدل ففي المعتبر والمنتهى وموضع من التذكرة وظاهر القواعد أو صريحها وجامع المقاصد وعن المبسوط والخلاف والموجز وشرحه والإيضاح وغيرها عدم القبول ، كما عن ظاهر المختلف أيضا ، سواء ذكر ما تنجس به الشي‌ء أولا ، كما صرح به بعضهم ، وهو ظاهر آخر ، لا طلاقه كاطلاقهم ذلك أيضا فيما قبل الاستعمال وبعده ، للأصل وقاعدة اليقين واعتبار العلم في الأخبار السابقة ، ومفهوم ما تسمعه من خبري البينة (٢).

لكن قد يشكل بعموم بعض ما دل على حجية خبر العدل ، بل قد يستفاد من الأخبار تنزيله منزلة العلم ، مثل ما دل (٣) على ثبوت عزل الوكالة به مع اشتراط الأصحاب حصوله بالعلم ، وما دل (٤) على جواز وطء الأمة إذا كان البائع عدلا قد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأسئار.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٢ والباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الوكالة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.

١٧١

أخبر بالاستبراء ، وما دل (١) على دخول الوقت المشروط بالعلم بأذان العدل العارف ، وغير ذلك ، بل ثبوت الأحكام الشرعية به أكبر شاهد على ذلك.

بل يمكن بالتأمل في الأخبار كخبر اللمعة (٢) المتقدم في غسل الجنابة ، وخبر النهي (٣) عن إعلام المصلي بكون الدم في ثوبه المتقدم في النجاسات وغيرها استفادة تنزيل خبر العدل منزلة اليقين ، والاكتفاء به على وجه الضابط والقاعدة في كل موضوع لم يثبت كونه من الشهادة المعتبر فيها التعدد ، بل لعل ثبوت أصل النجاسة به دون التنجس مع انه ليس من الشهادة في شي‌ء متنافيان ، إذ هو أيضا فيه قاطع لقاعدة اليقين ولاعتبار العلم وغيرهما ، ومنه يعلم حينئذ تنزيله منزلتهما في المقامين.

ودعوى تسليمه في أصل النجاسة دون التنجيس تحكم من غير حاكم ، فلا جهة حينئذ للقول بكون التعارض بين ما دل على اعتبار العلم في النجاسة وبين ما دل على حجية قبول خبر العدل من وجه ، ولا مرجح ، فيبقى على أصل الطهارة ، إذ قد عرفت تحكيمه في أصل النجاسة القاضي بتنزيله منزلة العلم واليقين في التنجس أيضا ، لاتحاد مدركهما ، ولعله لذلك كله كان خيرة ظاهر موضع من التذكرة القبول ، كما انه عنه في النهاية احتماله ، ومال إليه في الحدائق ، إلا أن الانصاف بقاء المسألة في حيز الإشكال ، لإمكان التأمل والنظر في سائر ما تقدم من المقال بمنع بعضه وعدم ثبوت المطلوب بالآخر.

نعم ينبغي القطع بقبول البينة في ذلك كما صرح به في بعض الكتب السابقة ، وحكي عن آخر ، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن القاضي وعن ظاهر عبارة الكاتب والشيخ ، ولا ريب في ضعفه ، لظهور تنزيلها منزلته في الشرع ، إذ هي من باب الأسباب لا مدخلية للظن في اعتبارها ، كظهور استحقاق الرد أو الفسخ والمطالبة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

١٧٢

بالأرش لو ثبت بالبينة نجاسة الدهن المبيع ونحوه ، واحتمال عدم التلازم بين استحقاق الرد وثبوت النجاسة وجريان أحكامها لا يصغى اليه.

نعم قد يقال هنا بعدم الاكتفاء بالشاهد الواحد ، لمعارضة حق الغير واستحقاق الرد ونحوه من الدعاوي التي لا تثبت به وان قلنا بالاكتفاء به حيث لا يكون كذلك ، بل يمكن دعوى ثبوت النجاسة هنا بخبره دون استحقاق الرد ، لكنه لا يخلو من تأمل ، وللمروي (١) عن التهذيب والكافي بسنديهما عن الصادق عليه‌السلام في الجبن ، قال : « كل شي‌ء حلال لك حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك أن فيه ميتة » كالآخر (٢) عنهما أيضا عن الصادق عليه‌السلام « كل شي‌ء لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه ، فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ـ إلى أن قال ـ : والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البينة » ومفهومهما قاض بعدم ثبوت النجاسة بالشاهد الواحد كما أشرنا إليه سابقا.

لكن قد يجاب بمنع عموم المفهوم فيه كالمنطوق ، أو يلتزم ذلك في موردهما مما كان عليه ظاهر قول أو فعل مسلم مستلزم للطهارة من بيعه أو أكله ، فلا يكتفى بالواحد ، لأنه فيه يكون من قبيل الشهادة بخلاف ما لا يعارضه ذلك ، فيفصل حينئذ في قبول شهادة الواحد ، وهو ليس بذلك البعيد ، وإن أطلق كل من المثبت والنافي ، كما انهم أطلقوا قبول شهادة العدلين من غير تقييد لها بذكر سبب التنجيس ، لاحتمال استنادها إلى سبب لا ينجس عند الشهود عنده ، كاطلاقهم قبولها فيما قبل الاستعمال وبعده ، لكن في التذكرة تقييد القبول بذكر السبب.

وفيه نظر لجريان مثله في أغلب البينات ان لم يكن جميعها مع تعارف الأخذ بها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٤ من كتاب التجارة.

١٧٣

في سائر الموارد ، وما ذاك إلا لتنزيل إطلاقها على الواقع حتى يظهر الخلاف ، إما لأن عدالة الشاهد تمنع من الإطلاق مع إرادة السبب المختلف فيه أو لغير ذلك.

نعم لا فرق في ثبوت النجاسة بالبينة بين حصول الظن فيها وعدمه ، كما في كل مقام تقبل فيه ، لكونها من الأمور التعبدية قطعا.

نعم قد يتجه ذلك في خبر العدل بناء على دوران حجيته على الظن.

ومنه ينقدح إمكان إلحاق خبر غير العدل المتبين خبره به ولو بتبين حال الراوي من كونه محترزا عن الكذب ونحوه مما اعتبرت حجيته في الأحكام الشرعية ، لكنه لا يخلو من بحث.

فظهر لك من ذلك كله تمام البحث في أطراف المسألة وإن أطنب المحدث البحراني في حدائقه فيها زاعما ابتنائها على تحقيق لم يسبقه اليه غيره عدا السيد نعمة الله الجزائري في رسالة التحفة ، وهو أن مدار الطهارة والنجاسة والحل والحرمة على علم المكلف بأسبابها وعدمه حقيقة أو شرعا لا الواقع ، فلا معنى للمتنجس مثلا سوى ذلك لا ملاقاة أعيان النجاسة واقعا وان لم يعلم المكلف ، فليس هناك نجس واقعا ونجس ظاهرا ، بل انما هو أمر واحد ، وهو ما علم المكلف بملاقاته للنجاسة أو جعله الشارع كالعالم.

وفيه ـ مع مخالفته للنصوص والفتاوى بل المجمع عليه بين الأصحاب ان لم يكن ضروريا من عدم مدخلية العلم في تحقق معنى النجاسة ، لا طلاق الأدلة في حصول النجاسة بملاقاة أسبابها ، وأن الشي‌ء قد يكون نجسا واقعا طاهرا ظاهرا وبالعكس ، ولذا قد ترتب عليه بعض أحكام كل منهما من الإعادة وغيرها بعد انكشاف الواقع وظهوره ـ انه لا مدخلية لذلك في شي‌ء من أحكام المسألة حتى لو قلنا بثبوت النجاسة بالظن ، إذ يمكن انطباقه على التحقيق المذكور بدعوى كونه أيضا من الأسباب التعبدية كالشهادة وإخبار ذي اليد ونحوهما.

١٧٤

وكيف كان فلو تعارض الخبران أو البينتان على وجه يكون نافيهما كالمثبت في طهارة شي‌ء ونجاسة ثوب أو إناء أو غيرهما ففي ترجيح الأولى بالأصل أو الثانية بالنقل ، وبإطلاق دليل قبولها من الخبرين السابقين وغيرهما وعدمه ، فيتساقطان ، ويستوي في الحكم مع الأول أو يحكمان ويكون كالمشتبه ، فيستوي في الحكم من التطهر به ونحوه مع الثاني أوجه بل أقوال ، لا يخلو ثالثها من قوة.

وأما احتمال الترجيح لأحد الخبرين بالأوثقية ونحوها من مرجحات الرواية فلم أعرف أحدا احتمله ، ولعله لعدم الدليل على اعتبارها هنا أو لفرض التساوي ، أما لو تعارضا في شيئين كالانائين ونحوهما فالمتجه جريان الأقوال الأربعة السابقة ، إلا أني لم أعرف من جزم بالنجاسة هنا وان كان وجهه الأخذ بإثبات كل منهما نجاسة كل منهما دون النفي.

بل قد يظهر من جامع المقاصد وجود قائل بذلك ، لكن ضعفه باتفاقهما على طهارة واحد ، كما انه ضعف القول بطهارتهما ـ المحكي عن الخلاف والمبسوط والمختلف ، لتساقطهما بالمعارضة في كل من الإنائين ، فيرجع إلى الأصل السابق ، أو لترجيح بنية الطهارة بالأصل ـ بأنه انما تعارضا في تعيين النجس لا في حصول النجاسة المتفق عليها عندهما.

وفيه ان العلم يحصل لو لم يختلفا بالمشهود به ، وإلا فبعد الاختلاف كان كل واحد من الإنائين كالإناء المتحد الذي تعارض فيه البينتان ، وقد عرفت أن الأقوى فيه الطهارة ، فالقول بها هنا حينئذ قوي كما في كشف اللثام ، كما أن إلحاقهما بالمشتبه كما في القواعد والتذكرة وجامع المقاصد وعن السرائر والمعتبر والتحرير لا يخلو من وجه ، لارتفاع أصل الطهارة بالشهادة على النجاسة مع تعارض البينتين في مفاديهما ، فان كلا منهما يفيد نجاسة إناء وطهارة الآخر ، وهو يعطي الاشتباه ، ولأنهما جميعا يثبتان نجاسة ما فيهما ، فيجب اجتنابهما ، وذلك حكم المشتبه ، ولا يدفع إحداهما قبول الأخرى ،

١٧٥

لتقدم الإثبات على النفي ، إذ فيه أنه انما يتقدم عليه إذا ترجح بأنها قد تشاهد ما لم تشاهده الأخرى ، بخلاف النفي هنا ، فإنه لا يضعف عن الإثبات ، على أن شهادة كل منهما مركبة من الإثبات والنفي ، فلا معنى لتصديقهما في جزء وتكذيبهما في آخر.

هذا كله مع عدم إمكان الجمع ، أما مع إمكانه فلا ريب في العمل به ، إذ لا معنى لإسقاط ما هو حجة شرعية من دون معارض ، فما عن الشيخ من القول بالطهارة حتى مع إمكان الجمع في غير محله ، إلا أن يكون بناه على عدم قبول البينة في ثبوت النجاسة ، فيخرج حينئذ عما نحن فيه ، إذ البحث هنا على تقدير القبول.

وكالبينة في القبول عندنا إخبار صاحب اليد المالك بنجاسة ما في يده وان كان فاسقا كما في المنتهى والقواعد والموجز وكشف الالتباس وظاهر كشف اللثام ، بل عن الذخيرة أنه المشهور بين المتأخرين ، كما في الحدائق أن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه ، بل عن الأستاذ أنه « لا ينبغي الشك في قبول خبره بذلك وبالتطهير كالإباحة والحظر ونحوهما من الأحكام المشترط فيها العلم » إلى آخره. لأصالة صدق المسلم ، خصوصا فيما كان في يده ، وفيما لا يعلم إلا من قبله ، وفيما لا معارض له فيه ، وللسيرة المستمرة القاطعة ، ولاستقراء موارد قبول إخبار ذي اليد بما هو أعظم من ذلك من الحل والحرمة وغيرهما ، ولفحوى قبول قوله في التطهير ، بل فعله بل وقوله في التنجيس بالنسبة إلى بدنه ، فان الظاهر معروفية تسليم القبول فيه ، كما يومي اليه الاستدلال به في كشف اللثام على ما نحن فيه ، فاحتمال انه من أفراد إخبار ذي اليد بما في يده من الإناء ونحوه ، فيجري فيه ما يجري فيه ضعيف.

قيل ولما يشعر به‌ قول أبي الحسن عليه‌السلام في خبر إسماعيل بن عيسى (١)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٧.

١٧٦

جواب سؤاله عن جلود الفراء يشتريها الرجل من أسواق المسلمين يسأل عن ذكاته إذا كان البائع غير عارف : « عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه » الحديث. من قبول قول المسؤول لو سئل ، بل قد يدعى دلالتها على قبوله حتى لو كان مشركا بناء على كون المراد من الخبر سؤال المشرك ، بمعنى أنه يسأل فيقبل إن أجاب أنها من ذبائح المسلمين ، ولا يقبل إن لم يكن كذلك كما فهمه الخوانساري وغيره.

لكنه قد يناقش فيه حينئذ بمنع قبول قول المشرك في تذكية المسلم بحيث يقطع به أصالة عدمها ، وبأن قبول قوله في عدمها إن أجاب به للأصل لا لكونه صاحب يد ، بل قد تتجه المناقشة بالأخير حتى لو قلنا ان المسؤول في الخبر المسلم كما فهمه في الحدائق على معنى عليكم سؤال البائع المسلم إذا كان في السوق مشرك يبيعها حينئذ ، لاحتمال شراء المسلم لها منه حينئذ ، أما إذا رأيتموه يصلي فيها فلا تسألوه بعد الإغضاء عن سماجة ما ذكره ، إذ يتجه أن يقال حينئذ إن قبول قوله لو سئل انما هو لأصالة عدم التذكية التي قطعها ظاهر يد المسلم الذي صرفنا عن التمسك به قوله ، فلا يقاس عليه ما نحن فيه من إخبار صاحب اليد بالنجاسة المنافية لأصالة الطهارة وعموماتها.

ومن هنا تتضح لك المناقشة في جميع ما استدل به لهذا الحكم من الأخبار (١) المتضمنة للنهي عن السؤال عند شراء الفراء والجلود وان اشتمل بعضها على التعليل بأن الدين أوسع من ذلك ، وأن الخوارج ضيقوا على أنفسهم.

ولعله لذا قال في الذخيرة وشرح الدروس : إني لم أقف له على دليل ، كما عن نهاية الأحكام الإشكال فيه ، بل هو في المنتهى والتذكرة وإن أفتى بالقبول لكنه عبر عن ذلك فيهما بالأقرب مما يشعر بعدم قطعية الحكم عنده ، بل في الأخير قيد قبوله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣ و ٦.

١٧٧

بما إذا أخبر بنجاسة الإناء مثلا قبل الطهارة لا بعدها ، فإنه لا يقبل حينئذ.

ولعل وجهه لأنه قد خرج من يده بالاستعمال ، فلا يقبل إخباره بنجاسته وإن كان خبره عنه بذلك في حال كونه بيده ، فكان بالحقيقة إخبار بنجاسة الغير ، فلا يلتفت اليه كما لا يلتفت إلى قول البائع باستحقاق المبيع للغير ، ول‌ صحيحة العيص بن القاسم (١) « سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل صلى في ثوب رجل أياما ، ثم إن صاحب الثوب أخبره أنه لا يصلى فيه ، فقال : لا يعيد شيئا من صلاته ».

والمناقشة فيه باحتمال كون المانع غير النجاسة من الغصب ونحوه مدفوعة بترك الاستفصال ان لم يكن ظاهرا في كون المانع النجاسة ».

نعم قد يناقش فيه بأن عدم الإعادة لعله للجهل بالنجاسة بناء على معذورية الجاهل حتى في الوقت ، بل وبالدليل السابق بعدم التفاوت بعد اعتبار قوله وحجيته شرعا بين تأخره عن الاستعمال وتقدمه كالبينة ، وبأن قضيته عدم القبول حتى قبل الاستعمال بعد شرائه منه ونحوه مما يكون سببا لخروجه عن يده.

إلا أنه قد يدفع ذلك كله بأن العمدة في الاستدلال له أصالة الطهارة وعموماتها المعلقة للخروج عنها بالعلم أو ما يقوم مقامه ، خصوصا خبرا البينة المتقدمان ، مع عدم ثبوت قيام إخبار صاحب اليد بعد الاستعمال مقامه ، كما أن ذلك وجه عدم قبوله مطلقا حتى لو كان في يده.

لكن قد عرفت ضعف الأخير للأدلة السابقة من أصالة القبول وغيرها ، بل قد يشعر به أيضا مضافا إلى ذلك النهي عن الاعلام في‌ خبر عبد الله بن بكير (٢) « سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلى فيه وهو لا يصلي فيه ، قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

١٧٨

لا يعلمه ذلك ، قلت : فإن أعلمه قال : يعيد » بل أمره بالإعادة في ذيله كالصريح في ذلك ، بل في خلاف ما قاله العلامة في التذكرة أيضا ، لكنه مبني على وجوب إعادة الجاهل وقضائه ، ومن هنا كان الاستدلال به عليه لا يخلو من نظر.

نعم قد يتجه الاستدلال بإشعار النهي فيه عن الاعلام بالقبول لو أعلم على قبول إخبار ذي اليد قبل الاستعمال ، كما أنه قد يتجه الاستدلال بما في الحدائق من أنه ورد النهي عن السؤال في بعض الأخبار (١) الواردة في الجبن ، حيث أنه أعطى الخادم درهما وأمره أن يبتاع به من مسلم جنبا ، ونهاه عن السؤال ، إذ لو لا قبول إخبار ذي اليد المسؤول لم يكن وجه للنهي عنه.

فالأقوى حينئذ القبول حال بقاء العين في يده ، لا إذا خرجت من يده ، اقتصارا فيما خالف الأصل على محل اليقين ، كما أنه ينبغي الاقتصار على المتيقن من ذي اليد وان اختلفت عبارات من تعرض له ، فمنها علقت الحكم على المالك ، ومنها على ذي اليد ، ومنها ما جمعت بينهما لكن بعطف ذي اليد على المالك ، فقالت : يقبل خبر المالك وذي اليد ، وان كان يقوى في النظر عموم القبول لكل مستول على عين شرعا لملك أو وكالة أو إجارة أو أمانة أو ولاية ونحوها ، بل قد يدور في الذهن قبول الغاصب الذي هو كالمتملك عرفا ، لمكان تسلطه وتصرفه على ما في يده نحو ثياب الظلمة وعمالهم وأوانيهم ودورهم وفرشهم ونحوها ، وإن كان أصل استيلائهم عليها بغصب منهم أو آبائهم لها أو لأثمانها ، ضرورة عدم مدخلية الملك أو التسلط الشرعي في قبول القول بالتنجيس ، خصوصا إن قلنا إن منشأه أصالة صدق المسلم وصحة قوله.

بل قد يؤيده جريان السيرة والطريقة في قبول قولهم بالتطهير لو تنجست الأمور المذكورة عندهم ، مع انه لا مدرك له إلا كونهم أصحاب يد.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٤.

١٧٩

بل قد يقوى في النفس عموم اليد في النجاسة لنحو أمهات الأولاد ومربياتهم ، فيقبل إخبار هن في نجاسة ثيابهم وأبدانهم ونحوهما.

والحاصل ان تنقيح المراد باليد في المقام في غاية الاشكال ، والعجب من الأصحاب كيف أغفلوا تحرير ذلك مع كثرة أفراده وتشتتها ، وعدم وضوح مدرك لشي‌ء منها ، وشدة الابتلاء بجملة منها ، خصوصا في مثل ذوي الأيدي الشركاء بالأشياء المائعة من الدهن والدبس ونحوهما إذا أخبر أحدهم شركاءه بنجاستها ، كما أنهم أغفلوا تحرير الحكم أي القبول ، ولم يتعبوا أقلامهم في بيان مدركه ، ولعله لوضوح الأمر لديهم وإن خفي علينا.

وهل يختص قبول قول ذي اليد بالمسلم وان كان فاسقا عبدا أو امرأة أو يعمه والكافر؟ وجهان.

وحكم ثبوت التطهير حكم التنجيس من العدل الواحد والبينة وغيرهما ، لاتحاد المدرك ، فما في كشف الأستاذ من قبول العدل في التطهير دون التنجيس لا يخلو من نظر.

نعم قد يحتمل الفرق بذلك في خصوص صاحب اليد لوضوح الأدلة فيه دون التنجيس ، كما يومي إلى ذلك قطع الفاضل في التذكرة وعن النهاية بقبوله في الطهارة ، وجعله الأقرب ذلك في التنجيس في الأولى وإشكاله فيه في الثانية ، كما أنه في المنتهى جعل الوجه القبول في الطهارة والقرب في النجاسة.

لكن على كل حال ينبغي القطع بقبول إخبار صاحب اليد بتطهيره ما في يده من النجاسة العارضة ، كما هو ظاهر الكتب المتقدمة ، بل هو صريح بعضها لأكثر الأدلة السابقة مع زيادة العسر والحرج ، وتظافر الأخبار (١) بطهارة ما يوجد في أسواق المسلمين من الجلود واللحم ونحوهما ، بل هي ظاهرة في الاكتفاء في ذلك بظاهر أفعالهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات.

١٨٠