جواهر الكلام - ج ٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

حيضا احتبس ، وإلى غلظ النجاسة فيه وفي الاستحاضة باعتبار حدثيتهما.

فما تفرد به المحدث البحراني في حدائقه من إلحاقهما بالمعفو عنه لا طلاق أدلة العفو ضعيف جدا ، إذ لا أقل من الشك في الشمول لما سمعت ، فيبقى ما دل على الإزالة لا معارض له ، كما هو واضح.

بل قد يشك في شمولها لدم الكلب والخنزير فيلحقان حينئذ بدم الحيض كما هو خيرة الطوسي في وسيلته وعن القطب الراوندي ، بل مطلق نجس العين الشامل لهما وللكافر والميتة كما في صريح قواعد الفاضل وإرشاده ، بل ومختلفه ومنتهاه والدروس والبيان والمعالم والرياض وظاهر الروض والتنقيح وجامع المقاصد ، فيبقى الأصل المستفاد من تلك الإطلاقات بلا معارض ، مضافا إلى ظهور ملاحظة الحيثية واعتبارها المستلزم لعدم العفو عن ذلك باعتبار زيادة نجاسة الدم بملاقاته جسد نجس العين ، فيكون كتنجسه بنجاسة خارجية ، فالعفو عن الدم من حيث أنه دم لا يقتضيه ، وإلى‌ موثق ابن بكير (١) المجمع على تصحيح ما يصح عنه « ان الصلاة في كل شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وبوله وكل شي‌ء منه فاسد ، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما أحل الله تعالى أكله ».

بل منه ومن سائر ما دل (٢) على المنع من فضلات ما لا يؤكل لحمه يستفاد عدم العفو عن مطلق دم غير المأكول من حيث أنه من فضلاته وان عفي عنه من حيث أنه دم ، كما هو خيرة الأستاذ في كشفه.

وربما يؤيده في الجملة ـ مضافا إلى استبعاد العفو عن قليل دمه مع نجاسته وعدمه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب النجاسات.

١٢١

في القليل من فضلاته مع طهارته ـ قول الصادق عليه‌السلام في مرفوعة البرقي (١) : « دمك أنظف من دم غيرك ، إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس ، وإن كان دم غيرك قليلا كان أو كثيرا فاغسله » وما عن‌ الفقه الرضوي (٢) « وأروي أن دمك ليس مثل دم غيرك » وان كان لفظ الغير أعم من المأكول.

بل في الحدائق اختيار العمل بمضمونها ، فألحق بدم الحيض مطلق دم الغير ، وحكاه عن الأمين الأسترابادي ، وهو أغرب من مختار الأستاذ ، ولا ريب في ضعفه بل بطلانه ، لإمكان تحصيل الإجماع على خلافه حتى منه فيما تقدم من صريح كلامه أو ظاهره ، ولقصور دليله بالضعف والإرسال والهجر عن مقاومة ما تقدم ، خصوصا لو قلنا بكون معارضته لها بالعموم من وجه باعتبار عموم القليل فيه للدرهم وغيره.

بل قد يناقش في مختار الأستاذ أيضا ، فإنه وإن كان بين أدلة العفو عن الدم وبين أدلة المنع عن فضلات ما لا يؤكل لحمه تعارض العموم من وجه ، إلا أن التأمل في كلام الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم ـ خصوصا اقتصارهم على استثناء الثلاثة أو مع نجس العين ، مع معروفية البحث منهم في الأخير حتى ادعى الإجماع ابن إدريس على مساواته لغيره ، مع قوة دلالة أخبار العفو بالنسبة إلى ذلك وإن كان بترك الاستفصال في بعضها ، وضعف أدلة الفضلة بالنسبة اليه وإن كان بالعموم اللغوي ـ يشهد للأولى ويرجحها ، وبعد فرض شمولها له يلزمها اضمحلال حيثية منع الفضلة ، إذ تكون حينئذ كالنص على العفو عن دم غيره المأكول اللازم له اضمحلال تلك الحيثية قطعا ، وإن كان يمكن الفرق بين النص على العفو عن الدم المفروض وبين إطلاق العفو الشامل لملزوم تلك الحيثية وغيره بظهور اضمحلال الحيثية مع الأول ، وإلا لكان عبثا أو كالعبث ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٢) البحار ج ١٨ ص ٢١.

١٢٢

بخلاف الثاني ، لكن ملاحظة نصوص المقام وكلمات الأصحاب تشرف الفقيه على القطع بعدم اعتبار حيثية الفضلة هنا وتبعيتها في العفو الدم ، فلا ينبغي الإطناب في تكثير السؤال والجواب.

نعم قد يتجه اعتبار الحيثية في نحو دم نجس العين لحصول نجاسة معه غير نجاسة الدم ، ومن المعلوم أن العفو انما هو عن الدم من حيث أنه دم ، مع أن المشهور كما في المنتهى عدم اعتبارها أيضا ، بل لعله ظاهر جميع الأصحاب عدا من علم خلافه ، بل كاد يكون صريح اقتصارهم على استثناء الثلاثة ، بل في السرائر بعد أن حكى عن الراوندي ما سمعت « وهذا خطأ وزلل عظيم فاحش ، لأن هذا هدم وخرق لإجماع أصحابنا ».

قلت : بل لعله الأقوى في النظر ، لا طلاق الأدلة بل عمومها المستلزم عرفا لاضمحلال مثل هذه الحيثية التي هي من لوازم هذا الدم ، وان قلنا بملاحظتها في العارضة له ، كملاقاة محل الدم من الثوب مثلا لبول ونحوه.

ودعوى انصرافها إلى غيره لندرة إصابته ممنوعة ، لعدم مدخلية ندرة الإصابة في صدق اسم الدم وشموله ، والمعتبر هو لا هي ، بل قد يدعى اضمحلال الحيثية أيضا فيما لو لاقى الدم قبل أصابته نجاسة استهلكها ثم أصاب ، لعدم صدق النجاسة بغير الدم ، فلا يجري على المتنجس به غير أحكامه ، كعدم قابلية الدم للنجاسة بها استصحابا لحاله السابق السالم عن المعارض ، ضرورة عدم تناول ما دل على نجاسة الملاقي للنجاسة لمثله.

فما في المختلف مشنعا على الحلي بأنه شنع على القطب بغير الحق في غير محله ، نعم قد يتوجه عليه أنه مناف لما ذكره في باب نزح الآبار من ملاحظة نحو هذا الاعتبار حيث فرق بين موت الإنسان في البئر بين المسلم والكافر لهذه الحيثية ، وقد أنكرنا وأنكروا عليه هناك ذلك ، فالعجب من إقراره هنا وإنكاره هناك ، كالعجب من إقرار غيره هناك وإنكاره هنا ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

١٢٣

فظهر لك من ذلك كله بحمد الله صحة اقتصار المصنف وغيره على استثناء الثلاثة خاصة ، لكن قد يوهم تقييده بالمسفوح عدم العفو في قليل غيره أو عدم نجاسته ، وقد عرفت عند البحث على نجاسة الدم ما يرفع الثاني ، كما أنه قد عرفت هنا ما يرفع الأول ، وكذا كلام ابن زهرة يوهم اختصاص العفو عن المقدار المذكور بدم القروح والجروح مع سهولة الإزالة ، لكن يجوز إرادته ما عدا الثلاثة منهما.

ولا يلحق بالدم غيره من النجاسات وما تنجس بها ، للأصل السالم عن المعارض ، فيجب إزالة قليلها وكثيرها ، أما ما تنجس به من المائع ففي المنتهى والبيان والحدائق وجوب إزالته وان قل ، للأصل أيضا مع عدم لزوم ثبوت ما في الأصل في الفرع ، ولأن الاعتبار بالمشقة المستندة إلى كثرة الوقوع المنتفية فيما نحن فيه ، وربما مال إليه في الذخيرة بعد التأمل في المسألة والتردد.

لكن قد يقوى إلحاقه به كما عن النهاية احتماله ، بل عن المعالم اختياره ، فيعفى عما دون الدرهم منه ، للأولوية المستفادة من عدم زيادة الفرع على الأصل ، ولأن معنى نجاسة المتنجس بالملاقاة انتقال أحكام النجس اليه لا غيرها ، ولمناسبة التخفيف المقتضي لمشروعية الأصل ، وللشك في تناول أدلة الإزالة لمثله ، مع عدم مانعية ما شك في مانعيته.

ولا فرق في ذلك بين المتنجس بالدم قبل إصابة الثوب مثلا وبعده ، ولا بين المتنجس بمقدار المعفو عنه من الدم والزائد ، وان نص في جامع المقاصد والروض والمدارك واللوامع على العفو عما تنجس بالمعفو عنه من الدم خاصة ، لكن مرادهم المثال قطعا ، كما يومي اليه تعليلهم ، ولا بين تعدي ما أصاب من الرطوبة عن محل الدم وعدمه ، وإن خص في الموجز بالثاني.

نعم لو زاد المتنجس به ولو عرفا عن الدرهم أو هو مع المتصل به من الدم اتجه المنع حينئذ ، للأصل من غير معارض ، وإن أطلق قوة العفو في الذكرى ، فقال :

١٢٤

« وإن أصابه مائع طاهر فالعفو قوي ، لأن المتنجس بشي‌ء لا يزيد عليه ، ولمس الحاجة » انتهى.

وفي ثبوت العفو عن المقدار المخصوص في المحمول من الثوب ونحوه بناء على منع حمل النجاسة في الصلاة إشكال كما في المنتهى بل والنهاية ، من عموم الرخصة ، وانتفاء المشقة ، لكن يقوى الأول للأولوية أو المساواة ، أما بناء على جواز حمل النجاسة في الصلاة فلا ريب في الجواز بل ولو كان كثيرا ، وإن خبط بعض متأخري المتأخرين ، فاستدل بأدلة جواز الحمل على مفروض المسألة السابق.

ومما ذكرنا يعرف الحال في حمل ما أصابه دم القروح لذي القروح وان كان لا يخلو من إشكال.

ولو تفشي الدم من أحد جانبي الثوب إلى الآخر فدم واحد عرفا ، وفاقا للثانيين من غير فرق بين الصفيق وغيره ، بل والمنتهى أيضا وإن فرضه في الأول ، وخلافا للذكرى والبيان ، فاثنان في الثاني ، والعرف شاهدنا عليهما ، نعم لو كان لا بالتفشي اتجه ذلك حتى في الصفيق كما صرح به في المنتهى ، والحكم باتحادهما من غير العالم بالحال لا يجدي ، ويعتبر التقدير مع اتحاد الدم بأوسع الجهتين على تأمل.

هذا كله في حكم الزائد عن الدرهم والناقص حال كون الدم مجتمعا ، وأما إن كان متفرقا فلا إشكال بل ولا خلاف في مساواته للمجتمع في العفو عنه مع عدم الزيادة ، للأولوية وإطلاق الأدلة وخصوص صحيح النقط (١) فما يوهمه ظاهر عبارة الروضة من وقوع الخلاف فيه ليس في محله.

نعم هو في المتفرق الزائد عن الدرهم فـ ( قيل ) واختاره في المبسوط والسرائر والنافع والمدارك والحدائق والذخيرة وعن التلخيص والكفاية والأردبيلي وابن سعيد ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

١٢٥

بل في الذكرى أنه المشهور ، لكن لم أتحققه ، كما أني لم أجده في جامع الأخير ، بل لعل الموجود فيه خلافه هو عفو وإن احتاط بالإزالة في الأولين.

وقيل : تجب إزالته كالمجتمع ، واختاره في المراسم والوسيلة والمنتهى والمختلف والقواعد وكشف الأستاذ والبيان والذكرى والتنقيح وجامع المقاصد والروض والروضة واللوامع وعن التحرير ونهاية الأحكام والتذكرة وحاشية الشرائع وكشف الالتباس ناسبا له إلى الشهرة في الأخير ، كالروض وغيره إلى أكثر المتأخرين.

وقيل : لا يجب إزالته إلا أن يتفاحش واختاره الشيخ في ظاهر النهاية أو صريحها كالمصنف في المعتبر.

والثاني لا الأول أظهر لأصالة وجوب إزالة النجاسة بل والشغل في وجه ، وإطلاق دليل المنع الشامل للمجتمع والمتفرق من الأخبار ومعاقد الإجماعات بعد منع انصرافه للأول ، كمنع تقييدها بمفهوم‌ قول الصادقين عليهما‌السلام في مرسل جميل (١) : « لا بأس بأن يصلي الرجل في الثوب فيه الدم متفرقا شبه النضح ، وان كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم » والصادق عليه‌السلام في صحيح ابن أبي يعفور (٢) بعد أن سأله « عن الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلى ، أيعيد صلاته؟ قال : يغسله ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا ، فيغسله ويعيد صلاته » لإرسال الأولى ، بل في سندها علي بن حديد مع عدم تحقق الجابر وإن حكيت الشهرة ، بل لعل الموهن محقق ، وابتناء دلالة الصحيحة على أن يكون « مجتمعا » خبرا ولو بعد خبر بإرادة المركب منهما نحو الرمان حلو حامض ، وفيه منع ، لاحتماله الحالية المحققة لا المقدرة التي هي كقولهم : « مررت برجل معه صقر صائدا به غدا أي مقدرا فيه الصيد ، لما قيل من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

١٢٦

الاتفاق باشتراطها باختلاف زمانها مع زمان العامل المفقود هنا ضرورة اتحاد زمان كون الدم مقدار درهم والاجتماع ، بخلاف ما ذكرنا ، إذ المعنى عليه إلا أن يكون هذا الدم مقدار درهم في حال اجتماعه أي لو اجتمع ، وهذا لا يقتضي كونها مقدرة بعد اتحاد الزمان كما عرفت.

والمناقشة فيه باختصاص دلالتها حينئذ على المتفرق المقدر فيه الاجتماع دون المجتمع فعلا مدفوعة بالتزامه أولا لمناسبة السؤال والاستدلال على الآخر بغيرها ، وبمنعه ثانيا ، لدلالتها عليه بمفهوم الموافقة ، كالمناقشة بأن إرادة المحققة تقتضي اشتراط الاجتماع المطلوب للخصم ، لما سمعت من إرادة التقدير منها بالمعنى السابق بملاحظة السؤال ، وكأنه لحظ هذا المعنى أو ما يقرب منه من وصفها بالمقدرة لا السابقة ، أو أنه يمنع الشرط المتقدم فيها ، فيراد بها حينئذ ما يشمل ما نحن فيه ، على أن جعله خبرا مستلزم لانقطاع المستثنى ، إذ مفروض السؤال عن النقط المتفرقة الظاهرة في الأقل من الدرهم.

ومما عرفت تظهر المناقشة في دلالة المرسل أيضا ، لاحتماله الحالية من الضمير المستتر الراجع إلى الدم المتفرق.

فبان حينئذ قصورهما عن معارضة ما عرفت المؤيد باستبعاد الفرق في القدر المخصوص بين الاجتماع وعدمه ، كاستبعاد التزام القول بصحة الصلاة بناء على القول الأول وان استغرق الدم الثوب ، إذا فرض نقصان كل مجتمع عن الدرهم وفصله عن مثله بقدر جزء غير منقسم مع القول ببطلانها من إصابة درهم واحد مجتمع ، والاحتراز عن ذلك بقيد التفاحش كما هو قول المصنف لم نعرف له مستندا ، كما اعترف به غير واحد ، سوى المرسل المحكي في البحار عن‌ دعائم الإسلام (١) عن الباقر والصادق عليهما‌السلام « إنهما قالا في الدم يصيب الثوب : يغسل كما تغسل النجاسات ،

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

١٢٧

ورخصا في النضح اليسير منه ومن سائر النجاسات مثل دم البراغيث وأشباهه ، قال : فإذا تفاحش غسل ».

وهو مع ضعفه وانحصار العامل به في النهاية والمعتبر ، بل في كشف اللثام انه يمكن تنزيل عبارة النهاية على معنى غير ذلك مشتمل على ما لا نقول به من سائر النجاسات ، مضافا إلى إجمال المراد بالتفاحش ، ففي المعتبر انه اختلف فيه قول الفقهاء يعني من العامة ، فبعض قدره بالشبر ، وبعض بما يفحش في القلب ، وقدره أبو حنيفة بربع الثوب ، والوجه المرجع فيه إلى العادة ، وان كان ما استوجهه وجيها لو كان معلقا عليه الحكم في خبر معتبر.

ثم انه لا فرق على المختار من اعتبار التقدير في المتفرق بين الثوب الواحد والثياب المتعددة ، فيعتبر بلوغ مجموع ما فيها قدر الدرهم كما صرح به الثانيان في الجامع والمسالك وغيرهما ، لظهور الأدلة في التعميم ، بل قد يراد بالثوب في السؤال الجنس الشامل للمتعدد ، فاحتمال اعتبار كل واحد منها منفردا ضعيف ، كضعف احتمال ذلك بالنسبة للبدن ، فيعتبر حينئذ ضم ما في البدن إلى الثوب كالثياب المتعددة ، لا أنه يعتبر كل منها بانفراده ، وان احتمله في الروض ، لكنه صرح في المسالك بما ذكرنا لما عرفت.

ويجوز الصلاة في كل ملبوس مما لا تتم الصلاة فيه من الرجل منفردا لعدم تحقق الستر به وان كان فيه نجاسة لم يعف عنها في غيره مما يتم الصلاة به منفردا بلا خلاف محقق أجده فيه كما اعترف به غير واحد ، بل عليه الإجماع تحصيلا ونقلا في الانتصار والخلاف والسرائر صريحا ، والتذكرة وغيرها ظاهرا ، وهو الحجة بعد النصوص المستفيضة المنجبر ضعف بعضها بما تقدم.

كقول أحدهما عليهما‌السلام في موثق زرارة (١) : « كل ما كان لا تجوز‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

١٢٨

الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يكون عليه الشي‌ء ، مثل القلنسوة والتكة والجورب ».

والصادق عليه‌السلام في مرسل عبد الله بن سنان (١) « كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا يجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلي فيه وان كان فيه قذر ، مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفين وما أشبه ذلك ».

وفي‌ مرسل حماد بن عثمان (٢) الذي هو كالصحيح في وجه « في الرجل يصلي في الخف الذي قد أصابه قذر إذا كان مما لا تتم الصلاة فيه فلا بأس ».

وفي‌ مرسل ابن أبي البلاد (٣) « لا بأس بالصلاة في الشي‌ء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيبه القذر ، مثل القلنسوة والتكة والجورب ».

وخبر زرارة (٤) بعد أن قال له : « إن قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها ووضعتها على رأسي ثم صليت ، فقال : لا بأس » المتمم دلالته على غير القلنسوة مما لا تتم الصلاة فيه بما عرفت ، وبعدم القول بالفصل بينها وبينه الذي لا يقدح فيه ما عن القطب الراوندي وأبي الصلاح وسلار من الاقتصار عليها والتكة والجورب والخف والنعل مع عدم صراحته في الخلاف ، بل ولا ظهوره عند التأمل ، وإلا كانوا محجوجين بلفظ « كل » ومثل « وما أشبه » في النصوص ومعاقد الإجماعات وغيرها.

نعم لا يلحق بها العمامة قطعا وإن عدها منها في الفقيه تبعا للفقه الرضوي (٥) لكونها مما تتم بها الصلاة ، فتبقى على أصالة الإزالة ، اللهم إلا أن تحمل على عمامة لا تتم بها الصلاة ، كما يومي اليه تعليل الجواز فيهما بذلك ، فيكون النزاع لفظيا ، وإلا فاحتمال القول بالعفو عن نجاستها وان تمت بها الصلاة لأصالة البراءة مع عدم دليل على وجوب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

١٢٩

الإزالة عن غير الثياب وليست منها في غاية الضعف ، لكونها من الثياب قطعا ، ولظهور المفهوم في الأخبار السابقة بالمنع عما تمت به الصلاة المؤيد بإشعار ترك استثنائها منه مع ظهورها وكثرة الاحتياج إليها ، بل هي أولى في التنبيه مما لا تتم به الصلاة ، وبالإجماع ظاهرا على عدم الفرق في اشتراط طهارة الملبوس بين الثوب وغيره إذا كان مما تتم به الصلاة ، كاحتمال القول ان العمامة مما لا تتم الصلاة بها باقية على هيئتها ، إذ لا عبرة بإمكان الستر بغير تلك الهيئة ، وإلا لكانت القلنسوة ونحوها مما تتم بها الصلاة في بعض الأحوال ، لأنه كما ترى مستلزم لجواز الصلاة في كل ثوب مطوي مع نجاسته ، وهو سفسطة كما اعترف به المجلسي على ما حكي عنه في حاشية الفقيه ، إذ من الواضح الفرق بين الامكانين : أي إمكان التستر بالقلنسوة ، وإمكانه بالعمامة ، على أن ترك التمثيل بها لما لا يتم والتمثيل بالقلنسوة ونحوها له مع ظهورها وكثرة الاحتياج إليها وأولويتها بالتنبيه عليها كالصريح في كونها ليست منه.

ثم لا فرق في النجاسة بين القليلة والكثيرة ، ولا بين دم الحيض وغيره ، ولا بين كون النجاسة من نجس العين وغيره ، لظاهر النصوص والفتاوى ، لكن قد يتأتى البحث السابق في الدم ، فلا يعفى عن مثل الأخير ، بل كل نجاسة من غير المأكول لا للنجاسة بل لحصول مانع آخر ، وهو فضلة غير المأكول ، ولا دليل على العفو عنها ، لعدم التلازم بعد اختلاف الحيثيتين ، بل في التنقيح عن بعض الأصحاب المنع هنا أيضا مع غلظ النجاسة كدم الحيض وأخويه.

قلت : إلا أن ظاهر الأصحاب والنصوص هنا عدم اعتبار الحيثية والغلظ المذكورين ، بل هو صريح بعضهم ، وهو يؤيد ما تقدم لنا سابقا.

كما انه منه بمفهوم الموافقة يستفاد حينئذ العفو عن فضلة غير المأكول غير النجسة على القلنسوة ونحوها مما لا تتم الصلاة به.

١٣٠

وكذا لا فرق فيما لا تتم فيه الصلاة بين كونه من جنس الساتر كالقلنسوة ونحوها وعدمه كالحلي من الخاتم والخلخال والسوار والدملج والمنطقة والسيف والسكين ونحوها بعد صدق اسم الملبوس ، لعموم الأدلة وخصوص إجماع السرائر ، فليس العفو عن نجاستها حينئذ مبنيا على جواز حمل النجس في الصلاة.

ومن هنا صرح في السرائر والمنتهى بالعفو فيها ، بل ادعى الأول عليه الإجماع ، وان منع فيهما حمل النجس مع عدم صدق اسم اللبس عليه وان كان مما لا تتم فيه الصلاة ، لكن يمكن المناقشة فيه بدعوى مجازية إطلاق اسم الملبوس على أكثرها ان لم يكن جميعها ، خصوصا في السيف والسكين ونحوهما ، فمع فرض تنزيل أدلة العفو على إرادة الملبوس دون المحمول لا تشملها حينئذ ، ولا ينافيه العموم اللغوي فيها ، إذ أقصاه شمول الأفراد الحقيقية وان كانت نادرة لا المجازية ، اللهم إلا أن يمنع عدم صدق اللبس عليها حقيقة ، أو يراد بالملبوس هنا ما يشملها بقرينة ذكر الخف والنعل والتكة والكمرة ، وهي على ما قيل كيس للذكر خوف الاحتلام مما لا تتم الصلاة فيه ، أو يدعى دوران الحكم على صدق الصلاة فيه أو وهو عليه ، كما في مرسل ابن سنان المتقدم (١) وان كانت لا تتم به ، وهما أعم من صدق اللبس ، وغير مستلزم لجواز حمل المتنجس ، لعدم صدق الظرفية معه.

هذا كله إن لم نقل بجواز حمل المتنجس في الصلاة غير الثوب ونحوه مما تتم به الصلاة ، وإلا فلا إشكال في العفو عنها ، إذ هي ان لم تكن كما ذكرنا فبحكم المحمول قطعا ، ولعل الأقوى فيه ذلك وفاقا للمعتبر والمدارك والمعالم والذخيرة والحدائق واللوامع وغيرها ومنظومة الطباطبائي وكشف الأستاذ ، للأصل السالم عن معارضة دليل معتبر ، بناء على المختار من جريانه في العبادة في نحو ذلك ، وفحوى صحيح الثالول في وجه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

١٣١

بل ينبغي القطع به فيما لا تتم به الصلاة من الملبوس ، لأولويته من اللبس ، ومرسل ابن سنان السابق ، وإمكان اندراجه في بعض أدلة العفو أيضا ، لمنع ظهورها في حال اللبس فضلا عن كونه في محالها وان توهمه بعض.

بل قد يستفاد من صحيح الثالول (١) بناء على ذلك الوجه العفو عن حمل النجاسة نفسها أيضا التي هي جزء ميتة كما هو صريح كشف الأستاذ ، بل وظاهر غيره.

لكن قد يشكل أولا بدعوى مانعية الميتة للصلاة لنفسها لا من حيث النجاسة ، كما تعطيه بعض الأدلة والعبارات ، إلا أنها قد تمنع ، أو تسلم ويدعى العفو عنها في المحمول أيضا.

وثانيا بمفهوم‌ مكاتبة عبد الله بن جعفر (٢) الى أبي محمد عليه‌السلام « يجوز أن يصلي ومعه فأرة مسك ، فكتب لا بأس به إذا كان ذكيا ».

وصحيح علي بن جعفر عليه‌السلام (٣) « سأل أخاه عن الرجل يصلي ومعه دبة من جلد حمار أو بغل ، قال : لا يصلح أن يصلي وهي معه » وخبر علي بن أبي حمزة (٤) « إن رجلا سأل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده عن الرجل يتقلد السيف ويصلي فيه ، قال : نعم ، فقال الرجل : إن فيه الكيمخت ، قال : وما الكيمخت؟ قال : جلود دواب ، منه ما كان ذكيا ومنه ما كان ميتة ، فقال : ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه ».

إلا أنها لمكان اختصاصها جميعا بالميتة ـ وعدم الجابر للمحتاج اليه منها كعدم صراحة الأولين في المنع والثاني في الميتة ، فكما يمكن حمله عليها يمكن حمله على الكراهة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

١٣٢

وابتناء الأول على نجاسة الفأرة من غير المذكى ، وفيه بحث قد مر ، واحتمال الثالث الاندراج في الملبوس دون المحمول ـ أعرض عنها بعض الأصحاب ، فأجاز حمل كل نجاسة ميتة أو غيرها.

لكنه لا يخلو من إشكال ، بل لا يبعد التفصيل بين الميتة وغيرها ، فيقتصر في المنع على الأولى ، لما سمعت من الأخبار وغيرها الدالة على المنع منها حتى في شسع النعل السالمة عن المعارض ، لتنزيل صحيح الثالول على الطهارة لا النجاسة والعفو كما عرفته فيما مر ، وان استند اليه هنا في الذكرى وكشف الغطاء ، دون الثانية للأصل.

ومنه حينئذ ينقدح أولوية المنع فيما اتخذ ملبوسا منها وان كان لا تتم به الصلاة ، بل لعل الخبر الأخير صريح فيه ، أما إذا كان متخذا من غيرها كشعر نجس العين ففي كشف الأستاذ المنع معللا له بظهور أدلة العفو من حيث النجاسة ، فلا يشمل المنع من جهة أخرى كعدم المأكولية ، ويلزمه عدم العفو عما تنجس بدم غير المأكول ونحوه مما لا تتم به الصلاة ، وفيه منع واضح يعرف مما تقدم ، فالأولى التعليل بظهور أدلة العفو في المتنجس مما لا تتم به الصلاة لا النجس ، فيبقى على أصل اشتراط الطهارة في ملبوس المصلي ، اللهم إلا أن يدعى المساواة أو عدم القول بالفصل ، وهما كما ترى.

وأما حمل ما تمت به الصلاة كالثوب ونحوه فظاهر القائل بالعفو العفو فيه أيضا ، بل هو صريح بعضهم للأصل.

لكن قد يشكل بمفهوم بعض أدلة العفو ، ودفعه ـ بإرادة اللبس في المنطوق ، فيكون المفهوم عدمه عن لبس غير ما لا تتم الصلاة به لا حمله ـ لا يتم في مرسل ابن سنان المتضمن للحمل ، بل وغيره بناء على ظهوره في العفو عما لا تتم الصلاة به محمولا وملبوسا.

نعم قد يمنع حجية المفهوم في مثلها أو دلالته على المنع ، لأعمية البأس منه ، فيبقى‌

١٣٣

الأصل حينئذ سالما ، وهو لا يخلو من قوة ، فتأمل جيدا ، فان كلام الأصحاب لا يخلو من نظر بل واضطراب.

لكن مما ذكرنا يعرف أن ما في السرائر ـ من عدم العفو عن نجاسة غير الملبوس مما لا تتم الصلاة به معللا له بأنه يكون حينئذ حاملا للنجاسة كما في المنتهى والمختلف والموجز والبيان وكشف اللثام ، بل في الأخير أنه ظاهر الأكثر مع زيادة التمثيل في الأول بالدراهم النجسة وغيرها ، بل فيه التصريح أيضا بعدم العفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة به إذا كانت في غير محلها كالتكة على الرأس ، والخف في اليد ، كظاهر القواعد أو صريحها والبيان والموجز وعن التذكرة والتحرير ، بل في السرائر أيضا والقواعد وعن المبسوط والجواهر والإصباح والجامع التصريح بفساد الصلاة مع حمل القارورة المشتملة على النجاسة المشدود رأسها بشمع ونحوه ـ لا يخلو من نظر بل منع.

على أن الشيخ في الخلاف قال في القارورة : « إنه ليس لأصحابنا فيها نص ، والذي يقتضيه المذهب عدم النقض ـ لكن قال بعد ذلك ـ : ولو قلنا إنه يبطل الصلاة لدليل الاحتياط كان قويا ، ولأن على المسألة إجماعا ، فإن خلاف ابن أبي هريرة لا يعتد به » انتهى. ومراده الإجماع من العامة قطعا كما لا يخفى على من لا حظ عبارته.

وفي المنتهى في القارورة أيضا بعد أن حكى عن المبسوط وابن إدريس وأكثر الجمهور البطلان قال : « ولو قيل بالصحة من حيث أن الصلاة لا تتم به منفردا كان وجها ، هذا إن قلنا بتعميم جواز الدخول مع نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه منفردا ، وإلا فالأقوى ما ذكره الشيخ في المبسوط ، وان كان لم يقم عندي عليه دليل ، وقول الجمهور انه حامل نجاسة فتبطل صلاته كما لو كانت على ثوبه ضعيف ، إذ الثوب شرط الدخول به في الصلاة الطهارة » انتهى. وهو كما ترى.

وفي كشف اللثام بعد أن خص العفو في الملابس مال إلى جواز حمل النجاسة‌

١٣٤

كالقارورة ونحوها إلى غير ذلك من عباراتهم.

وكيف كان فالتحقيق ما عرفت من العفو عما لا تتم به الصلاة ملبوسا أو محمولا أو غيرهما ، بل وما تتم به الصلاة إذا كان محمولا كما سمعت ، للأصل في بعض ، وظاهر الأدلة في آخر ، وكان بحث الأصحاب في خصوص القارورة تبعا للعامة ، حيث أنهم لما منعوا من نجاسة ما لا تتم به الصلاة وأجازوا نحو حمل الحيوان الطاهر مأكولا أو غير مأكول ، لأن‌ « النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمل امامة بنت أبي العاص » (١) و‌ « ركّب الحسن والحسين عليهما‌السلام على ظهره صلوات الله عليه وهو ساجد » (٢) ولأن النجاسة في المحمول كالحامل قال بعضهم بالجواز أيضا في نحو القارورة قياسا على ذلك ، ولذا فرض شد رأسها بالرصاص ونحوه ليتم القياس.

وفيه انه قياس مع الفارق ، لصدق حمل النجاسة في الثاني ولو بواسطة أو وسائط دون الأول ، ولذا كان المتجه فيه الصحة وان قلنا بعدم جواز حمل النجاسة في الصلاة ، كما صرح بها في المعتبر والمنتهى والقواعد والذكرى وكشف اللثام ، بل في الأخير أنه لا خلاف فيه ، لما سمعته من حمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسنين عليهما‌السلام وأمامة ، وترك الاستفصال في‌ صحيح علي بن جعفر (٣) « سأل أخاه عن رجل صلى وفي كمه طير ، قال : إن خاف عليه الذهاب فلا بأس ».

نعم لو ذبح الحيوان غير المأكول ففي الذكرى وجامع المقاصد كان كالقارورة ، لصيرورة الظاهر والباطن المشتمل على النجاسة سواء بعد الموت ، وزاد في الثاني ولأن حمل جلد غير المأكول ولحمه ممنوع منه في الصلاة ، وان كان ذلك منهما لا يخلو من بحث‌

__________________

(١) كنز العمال ـ ج ٤ ص ٢٣٣ ـ الرقم ٤٩٢٤.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

١٣٥

ونظر ، خصوصا الأخير ، لمنع شمول أدلة عدم الجواز في غير المأكول للمحمول ، فتأمل.

وكذا لا يندرج في المحمول بل ولا فيما وجبت إزالته للصلاة الدم النجس إذا أدخله تحت جلده فنبت عليه اللحم ، والخيط النجس إذا خاط به جلده ، والخمر الذي شربه ، والميتة التي أكلها ونحو ذلك ، للأصل وظهور أدلة الإزالة في غيره ، والتحاقه بالباطن وصيرورته من التوابع كنجاساته.

فما في التذكرة من وجوب إزالة ذلك الدم للصلاة ، كظاهر المنتهى ومحتمل الدروس وغيرها محل منع ، وأشد منه منعا ما عن ظاهر البيان من جريان ذلك حتى في دم الإنسان نفسه ، نعم قد يتجه القول بوجوب القي‌ء في نحو الأخيرين مع الإمكان كما في المنتهى وعن غيره ، لحرمة الاستدامة كالابتداء ، ول‌ خبر عبد الحميد بن سعيد (١) قال : « بعث أبو الحسن عليه‌السلام غلاما يشتري له بيضا فأخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بهما ، فلما أتى به أكله ، فقال له مولى له : إن فيه من القمار ، قال : فدعا بطشت فتقيأه فقاءه ».

فلو لم يفعل وصلى مع السعة وإمكان القي‌ء بني الصحة والبطلان على البحث في الضد.

لكن قد يشكل المختار : أي العفو عن نحو ما تقدم بظهور مساواة المذكورات للعظم النجس ، كعظم الكلب ونحوه إذا جبر به ، خصوصا إذا اكتسى اللحم وخفي ، مع انه لم يعرف خلاف بين الأصحاب في وجوب إزالته مع الإمكان ، كما عن المبسوط نفيه عنه صريحا ، بل في الذكرى والدروس الإجماع عليه كذلك كظاهر غيره ، بل قد يظهر من بعضهم الاتفاق عليه بين المسلمين إلا من أبي حنيفة ، فلم يوجبه مع اكتساء اللحم ، بل عن بعض الشافعية القول بوجوبه وان خشي التلف فضلا عن المشقة ، وان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٢.

١٣٦

كان واضح البطلان ، ومن المعلوم أن وجوب الإزالة للصلاة لا لنفسه ، كما هو صريح بعض وظاهر آخر ، ولذا لو مات سقط وجوب الإزالة كما صرح به أيضا في الذكرى وكشف اللثام ، ولا فرق بينه وبين ما تقدم ، إذ البطلان هنا إما لصدق حمل النجاسة كما عن الشيخ التعليل به ، وتبعه في جامع المقاصد ، أو لعدم العفو عن مثله وان كان باطنا ، اقتصارا على المتيقن من العفو عن نجاسة البواطن نفسها لا الخارج عنها ، وهما معا جاريان فيما سبق ، بل في الذكرى وجامع المقاصد التصريح بأن مثل العظم لو خاط جرحه بخيط نجس ، كما أن في الثاني التصريح بعدم الفرق بين العظم النجس والمتنجس ، وهو كذلك.

نعم لو كان طاهرا كعظم غير نجس العين من كل حيوان ولو ميتة بناء على عدم نجاسته بالموت وطهر من النجاسة العرضية لو كانت لا إشكال في جواز التجبير به ، وعدم وجوب إزالته عدا عظم ميت الآدمي منه ، وان كان هو لا ينجس بالموت أيضا إلا أنه يجب قلعه ، لمكان وجوب دفنه ، مع احتمال عدم الوجوب فيه أيضا ، لا صالة البراءة عن دفن مثله ، وخبر الحسن بن زرارة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يسقط سنه فيأخذ من ميت مكانه ، قال : لا بأس » بناء على مساواة سن الميت لغيره من أجزائه في وجوب الدفن وان لم نقل به بالنسبة للحي ، ولذا جاز للإنسان أن يرجع سنه إلى مكانه بعد أن قلع ، وإن حكي عن التذكرة الإشكال فيه أيضا ، ومثله وضع سن غيره الحي موضع سنة.

لكن قد يدفع هذا الاشكال بتسليم الإجماع وقصره على مورده أولا ، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن ، أو يراد به مع نجاسة الظاهر ونحوه مما يشترط طهارته في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١١ مع اختلاف في السند واللفظ.

١٣٧

الصلاة ، وبمنع حصول الظن منه ثانيا لاحتمال أن منشأ دعواه تلك التعليلات العليلة ، وبمنع إرادة حاكيه ما هو حجة منه ثالثا بقرينة احتماله نفسه في الذكرى عدم وجوب الإزالة بعد اكتساء اللحم ، واستوجهه في المدارك والذخيرة ، وهو في محله ، لالتحاقه بالبواطن ، ولصيرورته كنجاسته المتصلة به من الدم ونحوه بل كجزئه ، ولقصور ما دل على وجوب إزالة النجاسة عن تناول مثله ، خصوصا بعد انصرافها إلى المتعارف.

نعم قد يقال بالفساد قبل الاكتساء لا للحمل ونحوه بل لصيرورته بالتجبير كالجزء من البدن ، والفرض أنه ليس باطنا ، فتأمل ، والله أعلم بحقيقة الحال.

وتعصر الثياب ونحوها مما يرسب فيها الماء من النجاسات كلها إذا غسلت بالقليل ، للشك في زوال النجاسة المستصحبة بدونه الناشئ من فتوى المشهور نقلا وتحصيلا به ، وان اقتصر بعضهم على ذكره في البول ، بل في شرح المفاتيح للأستاذ أنه كذلك بين المتقدمين والمتأخرين ، بل في الحدائق نفي خلاف يعرف فيه ، كما عن المعتبر نسبته إلى علمائنا ، خصوصا مع عدم شوب الفتوى به بشك أو تردد من أحد منهم ، بل في جامع المقاصد وغيره أنه مما لا ريب فيه ، وفيهم إن لم يكن جميعهم من لا يقنع بمتحد الدليل عن متعددة ، بل فيهم من لا يعمل إلا بالقطعيات كابن إدريس وغيره ، بل فيهم من لا يفتي إلا بمضامين الأخبار كالصدوق في الفقيه والهداية ، بل حكي عن والده أيضا ذلك الذي قيل إنهم كانوا إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إلى فتاواه.

ومن احتمال اعتبار العصر في مسمى غسل الثياب ونحوها بالقليل ، وأنه بدونه صب لا غسل ، كما في المعتبر والمنتهى وغيرهما التصريح به ، بل في البحار نسبته إلى فهم الأكثر.

وربما يومي اليه مقابلته بالصب في نحو‌ حسن الحلبي (١) قال : « سألت أبا عبد الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

١٣٨

عليه‌السلام عن بول الصبي ، قال : تصب عليه الماء ، فان كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا » الحديث. لعدم صلاحية مائز بينهما إلا العصر ، بل إن لم نقل بدخوله في مسماه فهو من لوازمه العرفية التي يفهم إرادته من الأمر بالغسل عرفا ، لكونه المتعارف المعهود ، خصوصا مع ملاحظة كون المراد بالغسل إزالة القذر وأثره بامتزاجه معه وانفصالهما عن الثوب على حسب الأمر بغسل الثوب من الوسخ ونحوه ، بل قد يدعى توقف إزالة النجاسة باعتبار رسوبها في الثوب عليه ، لينفصل مع الماء الذي وضع احتيالا لا خراجها ، بل ينبغي القطع بلزوم العصر بناء على نجاسة الغسالة وان لم تنفصل ، لعدم ثبوت العفو عن المتخلف إلا بعد العصر ، فقبله على أصل النجاسة.

نعم لا يعتبر أعلى أفراد العصر قطعا ، كما لا يكتفى بأدناه المخرج شيئا ما.

ومن‌ الرضوي (١) « وإن أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة ، ومن ماء راكد مرتين ، ثم أعصره ، وإن كان بول الغلام الرضيع فتصب عليه الماء صبا ، وإن كان قد أكل الطعام فاغسله » إلى آخره.

والمروي في البحار عن‌ دعائم الإسلام (٢) عن علي عليه‌السلام قال : « في المني يصيب الثوب يغسل مكانه ، فان لم يعرف مكانه وعلم يقينا أنه أصاب الثوب غسله كله ثلاث مرات ، يفرك في كل مرة ويغسل ويعصر » إلى آخره.

بل لعل‌ حسنة الحسين بن أبي العلاء (٣) المروية في الكافي والتهذيب دالة عليه أيضا ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البول يصيب الجسد ، قال : صب‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ و ٢ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٣) ذكر صدرها في الوسائل ـ في الباب ـ ١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤ وذيلها في الباب ٣ ـ الحديث ١.

١٣٩

عليه الماء مرتين ، فإنما هو ماء ، وسألته عن الثوب يصيبه البول قال : اغسله مرتين ، وسألته عن الصبي يبول على الثوب ، قال : يصب عليه الماء قليلا ثم يعصره » إلى آخره.

إن حمل الصبي فيه على الآكل ، للقطع بعدم وجوب العصر في غيره ، إلا أنه قد يشعر تقييده بالقليل وعدم ذكره التعدد فيه بإرادة الرضيع منه ، ومن هنا استوجه غير واحد حمله على الندب أو غيره ، لعدم وجوبه فيه.

كما انه قد يشعر تعليله الاجتزاء بالصب بأنه ماء كالمروي (١) في‌ مستطرفات السرائر من جامع البزنطي قال : « سألته عن البول يصب الجسد ، قال : صب عليه الماء مرتين ، فإنما هو ماء ، وسألته عن الثوب يصيبه البول قال : اغسله مرتين » بكون مدار الفرق بين الغسل والصب احتياج الأول إلى أمر زائد على مسمى الغسل من مباشرة للمتنجس وغمزه وتهيئته لخروج عين النجاسة منه بإراقة الماء عليه ، فيكون كذلك الجسد ونحوه لا زالة نجاسة محتاجة إليه.

كما يشهد له ما في‌ الكافي (٢) بعد روايته الحسنة السابقة « وروي أنه ليس بوسخ فيحتاج أن يدلك » وما رواه‌ الصدوق بإسناده عن السكوني (٣) كالشيخ بإسناده عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام « كن نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على أجسادهن ، وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرهن أن يصببن الماء صبا على أجسادهن ».

لا أن الفرق بينهما ما سمعته سابقا في وجوه الشك ، من دخول العصر في مسمى الغسل دون الصب ، بحيث لو نذر الغسل فلم يعصره حنث لمخالفته للعرف واللغة من غير مقتض وشاهد ، كما اعترف به جماعة من متأخري المتأخرين ، ومقابلته بالصب أعم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الجنابة ـ الحديث ٢.

١٤٠