جواهر الكلام - ج ٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الأرض وهو يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة ، فقد ذكر على ما قيل في الذكرى والبيان والدروس وجامع البهائي واثنى عشريته ، لكن نسبه في الأول إلى الأصحاب كما أنه عن الفوائد الملية والحديقة إلى المشهور ، وربما يكتفى بذلك في مثله لولا ما في المصابيح من « أنا لم نجد لذلك ذكرا في غير ما ذكر ، وكتب الفقه والأعمال خالية منه بالمرة ، وكان الشهيد رحمه‌الله وجده في بعض كتب الأصحاب فعزاه إلى الأصحاب بقصد الجنس دون الاستغراق ، ففهم منه الشهيد وغيره إرادة الظاهر فنسبوه إلى المشهور ، ونحن فقد تتبعنا ما عندنا من مصنفات الأصحاب ككتب الصدوق والشيخين وسلار وأبي الصلاح وابن البراج وابن إدريس وابن زهرة وابن أبي المجد وابن سعيد وكتب العلامة وابن فهد وابن طاوس فلم نجد له أثرا فالشهرة مقطوع بعدمها ، إنما الشأن في من ذكره قبل الشهيد » انتهى ، نعم قد يقال باستحباب الغسل فيه من حيث شرفه وفضله بناء على اعتبار مثل ذلك فيه ، فتأمل.

وأما غسل يوم النيروز فعلى المشهور بين المتأخرين بل لم أعثر على مخالف فيه لخبر المعلى بن خنيس عن الصادق عليه‌السلام (١) المروي عن المصباح ومختصره « إذا كان يوم النيروز فاغتسل » ‌إلى آخره. وفي‌خبره الآخر عن الصادق (ع) (٢) المروي على لسان الشيخ الجليل الشيخ أحمد بن فهد في مهذبه حكاه في المصابيح ، وهو طويل قد اشتمل على ذكر أمور عظيمة قد وقعت في هذا اليوم ، كبيعة علي عليه‌السلام وإرساله إلى الجني ، وظفره بالنهروان ، وقتل ذي الثدية ، وظهور القائم عليه‌السلام ويظفره الله فيه بالدجال إلى أن قال : « وما من يوم النيروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج ، لأنه من أيامنا حفظه الفرس وضيعتموه ، ثم ان نبيا من أنبياء بني إسرائيل سأل ربه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٤١

أن يحيي القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فأماتهم الله مائة عام فأوحى الله اليه أن صب الماء عليهم في مضاجعهم ، فصب عليهم الماء في هذا اليوم فعاشوا وهم ثلاثون ألفا ، فصار صب الماء في يوم النيروز سنة ماضية لا يعرف سببها إلا الراسخون في العلم ، وهو أول يوم من سنة الفرس قال المعلى وأملى علي من ذلك وكتبته من إملائه. » ‌ولا ريب في الاكتفاء بذلك مع ذكر جماعة من الأساطين منهم الشيخ ويحيي ابن سعيد والعلامة والشهيد وغيرهم على ما حكي عنهم ووقوع الأمور العظيمة فيه ما سمعته بعض منها ومتوقع فيه الفرج والبركة وغير ذلك من الشرف الذي لا ينكر في إثبات مثل هذا المستحب ، ولا وجه للمناقشة بعد ذلك في السند أو غيره ، كما لا وجه للمعارضة بما‌عن المناقب (١) أنه قال : « حكي أن المنصور تقدم إلى موسى بن جعفر عليهما‌السلام إلى الجلوس للتهنئة في يوم النيروز وقبض ما يحمل اليه ، فقال : إني قد فتشت الأخبار عن جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم أجد لهذا العيد خبرا ، وانه سنة الفرس ومحاها الإسلام ، ومعاذ الله إن يحيي ما محاه الإسلام فقال المنصور : انما نفعل هذا سياسة للجند ، فسألتك بالله العظيم إلا جلست فجلس » ‌الحديث. إذ هو مع قصوره عن ذلك محتمل للتقية كما عن بعضهم ، أو يحمل على أن النيروز المذكور فيه غير اليوم المعظم شرعا لوقوع الاختلاف في تعيينه على أقوال ، فقيل إنه اليوم العاشر من أيار كما عن بعض المحاسبين وعلماء الهيئة. وقيل إنه تاسع شباط كما عن صاحب كتاب الأنوار ، وقيل إنه يوم نزول الشمس في أول الجدي ، وعن المهذب أنه المشهور بين فقهاء العجم بخلاف أول الحمل ، فإنهم لا يعرفونه بل ينكرون على من اعتقده ، وقيل إنه السابع عشر من كانون الأول بعد نزول الشمس في الجدي بيومين ، وهو صوم اليهود ، وقيل هو‌

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب المجلد ٥ ـ ص ٧٤ من طبعة بمبئى.

٤٢

أول يوم من فروردين ماه ، وهو أول شهور الفرس.

قلت : والمشهور المعروف في زماننا هذا انما هو يوم انتقال الشمس إلى الحمل ، بل لا يعرف غيره كما عن المجلسيين النص عليه في الحديقة وزاد المعاد ، والشهيد الثاني في روضته والفوائد الملية ، وعلى شهرته في زمانه ، والشيخ أبي العباس بن فهد أنه الأعرف بين الناس والأظهر في الاستعمال ، ويؤيده مع ذلك ما يومي اليه‌خبر المعلى بن خنيس (١) أنه « يوم طلعت فيه الشمس ، وهبت فيه الرياح اللواقح ، وخلقت فيه زهرة الأرض ، وأنه اليوم الذي أخذ فيه العهد لأمير المؤمنين عليه‌السلام بغدير خم » ‌فإنه على ما قيل قد حسب ذلك فوافق نزول الشمس بالحمل في التاسع عشر من ذي الحجة على حساب التقويم ، ولم يكن الهلال رأي ليلة الثلاثين ، فكان الثامن عشر على الرؤية ، وكذا صب الماء على الأموات ، فإن وضع العيد على الاعتدال الربيعي ، إلى غير ذلك من المؤيدات الكثيرة ، ولولاها لكان القول بالأخير متجها ، وأما باقي الأقوال فهي ضعيفة ، بل ربما احتمل في أولها أنه مصحف « آذار » فيوافق المشهور ، ولبسط الكلام في ذلك محل آخر.

وأما الغسل للتاسع من ربيع الأول فقد حكي أنه من فعل أحمد بن إسحاق القمي معللا له بأنه يوم عيد ، لما روي (٢) مما اتفق فيه من الأمر العظيم الذي يسر المؤمنين ويكيد المنافقين ، لكن قال في المصابيح : إن المشهور بين علمائنا وعلماء الجمهور أن ذلك واقع في السادس والعشرين من ذي الحجة ، وقيل في السابع والعشرين منه ، قلت : لكن المعروف الآن بين الشيعة انما هو يوم تاسع ربيع ، وقد عثرت على خبر مسندا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) في فضل هذا اليوم وشرفه وبركته وأنه يوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) البحار ـ المجلد ـ ٨ ـ ص ٣١٥ من طبعة الكمباني.

(٣) البحار ـ المجلد ـ ٨ ـ ص ٣١٥ من طبعة الكمباني.

٤٣

سرور لهم عليهم‌السلام ما يحير فيه الذهن ، وهو طويل ، وفيه تصريح باتفاق ذلك الأمر فيه ، فلعلنا نقول باستحباب الغسل فيه بناء على استحبابه لمثل هذه الأزمنة ، وسيما مع كونه عيدا لنا وأئمتنا عليهم‌السلام.

هذا كله في الأغسال المستحبة للزمان‌واما ما يستحب لغيره فقد ذكر المصنف رحمه‌الله منه سبعة للفعل ، وهي‌غسل الإحرام إذ لا خلاف في مشروعيته في الجملة ، والأخبار به (١) كادت تكون متواترة ، بل لا خلاف محقق معتد به في خصوص استحبابه ، ولذا نفاه عنه في المقنعة وحج الغنية وطهارة الوسيلة والمنتهى ، بل في طهارة الغنية وعن حج الخلاف والتذكرة الإجماع عليه ، كما عن ظاهر المجالس نسبته الى دين الإمامية ، وعن التهذيب عندنا أنه ليس بفرض ، كما عن حج التحرير ليس بواجب إجماعا ، وعن ابن المنذر أجمع أهل العلم أن الإحرام جائز بغير اغتسال ، وفي المصابيح أن عليه الإجماع المعلوم بالنقل المستفيض وفتوى المعظم وإطباق المتأخرين.

قلت : فلا ينبغي الإشكال بعد ذلك ، والأصل والسيرة القاطعة ، وعده مع معلوم الاستحباب ، والحكم عليه بأنه سنة في مقابلة الفرض والواجب الظاهر في الاستحباب ، وإن حكي عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد الوجوب ، وربما نسب إلى ظاهر الصدوق وغيره ممن ذكر التعبير عنه أو عن إعادته بلفظ الأمر و « عليك » ونحوهما كالأخبار ، ولا ريب في صرف ما وقع في الأخبار من ذلك ولفظ الوجوب أيضا ونحوها على الاستحباب ، كما أنه يحتمله كلام أولئك ، فلا ينبغي بسط الكلام فيه سيما بعد انقراض الخلاف فيه بحيث لا يمنع من تحصيل الإجماع والسيرة في خصوص المقام ، إذ لو كان واجبا لاشترط في صحة الإحرام ، لاستبعاد الوجوب النفسي ، ومن المستبعد بل الممتنع أن يكون ذلك كذلك ، ويكون المحفوظ عند العلماء خلافه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة.

٤٤

مع توفر الدواعي وتكرر الحج في كل عام ، مضافا إلى ما قيل من عدم تيسر الاغتسال في تلك الأوقات لسائر الناس ، فتأمل.

وغسل زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام على المشهور بين الأصحاب ، بل في كشف اللثام والمصابيح نسبته إلى قطع الأصحاب مؤذنين بدعوى الإجماع عليه ، بل في الغنية دعواه صريحا ، كالوسيلة عده في المندوب بلا خلاف ، وهو الحجة ، مضافا إلى المحكي عن فقه الرضا عليه‌السلام (١) من نصه على غسل الزيارات بعد نصه على غسل زيارة البيت ، والى ما عن نهاية الأحكام والروض من نسبته إلى الرواية ، وشرح الدروس الى الأخبار الكثيرة (٢) والى‌خبر العلاء بن سيابة عن الصادق عليه‌السلام (٣) في قوله تعالى (٤) ( خُذُوا زِينَتَكُمْ ) قال : « الغسل عند لقاء كل إمام عليه‌السلام » ‌وظهورها في الأحياء لو سلم غير قادح لتساوي حرمتيهما ، والى ما يشعر به استحباب الاغتسال لزيارة الجامعة التي يزار بها كل إمام عليه‌السلام وما يشعر به المروي عن‌كامل الزيارات لابن قولويه عن سليمان ابن عيسى (٥) عن أبيه قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف أزورك إذا لم أقدر على ذلك؟ قال : قال لي : يا عيسى إذا لم تقدر على المجي‌ء فإذا كان يوم الجمعة فاغتسل أو توضأ واصعد الى سطحك وصل ركعتين وتوجه نحوي ، فإنه من زارني في حياتي فقد زارني في مماتي ، ومن زارني في مماتي فقد زارني في حياتي » ‌لأولوية زيارة‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من كتاب المزار ـ الحديث ٢.

(٤) سورة الأعراف ـ الآية ٢٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩٥ ـ من كتاب المزار ـ الحديث ٤.

٤٥

القرب على البعد ، وظهور تساوي الصادق عليه‌السلام مع غيره ، والى ما يشعر به ما ورد في استحباب الغسل لرؤيا أحدهم في المنام ، كخبر أبي المعزى (١) عن موسى ابن جعفر عليهما‌السلام المروي عن كتاب الاختصاص للمفيد ، قال : « من كانت له إلى الله حاجة وأراد أن يرانا وأن يعرف موضعه فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا فإنه يرانا ويغفر له بنا » ‌الحديث.

ومنه يستفاد استحبابه أيضا لذلك ، وإلى خصوص ما ورد في زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) وأمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) وأبي عبد الله الحسين عليه‌السلام (٤) وأبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام (٥) مما هو غني عن الذكر ، بل وما‌ورد في خصوص زيارة الإمامين موسى بن جعفر ومحمد ابن علي الجواد عليهم‌السلام من المروي (٦) عن ابن قولويه في كامل الزيارات عن أبي الحسن عليه‌السلام « إذا أردت زيارة موسى بن جعفر ومحمد بن علي عليهم‌السلام فاغتسل » ‌إلخ بل وخصوص زيارة الإمامين أبي الحسن علي بن محمد وأبي محمد الحسن بن علي عليهم‌السلام على ما عن‌الكتاب المذكور (٧) قال : أروي عن بعضهم عليهم‌السلام أنه قال : « إذا أردت زيارة قبر أبي الحسن علي بن محمد وأبي محمد الحسن بن علي‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب المزار ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من كتاب المزار.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من كتاب المزار.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨٨ ـ من كتاب المزار.

(٦) كامل الزيارات باب الماءة.

(٧) المستدرك ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

٤٦

عليهم‌السلام تقول بعد الغسل إن وصلت » ‌إلى آخره إلى غير ذلك. ولعل عدم ورود ذلك في خصوص أئمة البقيع للاكتفاء بغسل زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للتداخل وإن كان ذلك رخصة لا عزيمة ، نعم قد تحتمل العزيمة ، في المجتمعين في قبر واحد ، كالكاظم والجواد عليهما‌السلام ، والهادي والعسكري عليهما‌السلام كما يشعر به الخبر المذكور ، فتأمل.

هذا كله إن لم تفهم الشمول من لفظ الزيارة التي ورد استحبابه في صحيحتي ابن مسلم (١) وابن سنان (٢) وموثقة سماعة (٣) وغيرها (٤) لما نحن فيه ، بل نخصها بزيارة البيت. كما في صحيحة معاوية بن عمار (٥) وإلا تكثرت الأدلة على المطلوب واتضحت ، ولعلنا ندعيه.

وكيف كان فلا ريب في استفادة استحباب الغسل حينئذ لزيارة البيت من هذه الأخبار كما عن جماعة النص عليه ، بل عن الغنية الإجماع عليه لكن مقيدا له عند الرجوع من منى ، وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في ثبوته متى تحققت الزيارة المذكورة ، نعم لا يستفاد منها استحبابه لكل طواف بالبيت وإن لم يسم زيارة كما عن جماعة ، اللهم إلا أن يكون مستنده‌الخبر عن الكاظم عليه‌السلام (٦) « إن اغتسلت بمكة ثم نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك » ‌أو الإجماع المحكي عن الشيخ في الخلاف أو غير ذلك ، وليس ببعيد ، فلا فرق حينئذ بين طواف الزيارة والعمرة والنساء الوداع وغيرها ، وكما يستحب حينئذ للطواف كذلك يستحب للوقوف بعرفات لما عن الخلاف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٢ من كتاب الحج.

٤٧

والغنية من الإجماع عليه ، وخبري معاوية بن عمار (١) وعمر بن يزيد (٢) وبالمشعر لأولويته من سابقه ، وما عن الخلاف من الإجماع عليه ، والنحر والذبح والحلق لحسنة زرارة (٣) الواردة في تداخل الأغسال ، ولا يستحب لرمي الجمار وإن نقل عن المفيد لصحيح الحلبي وحسنه (٤) الظاهرين في نفيه أو الصريحين. كالإجماع عن الخلاف مضافا إلى الأصل.

ومما يستحب للفعل غسل المفرط في صلاة الكسوف بأن تركها متعمدا ، والمراد بالكسوف هنا كغيره من العبارات ما يعم الشمس والقمر كما صرح به في بعض كتب الأصحاب ، بل نسب إلى كثير منها ، بل ظاهر بعضهم الإجماع عليه ، بل في المصابيح أنه محل وفاق ، مع ما في المحكي عن الفقه الرضوي (٥) من التصريح بهما ، وشمول لفظ الكسوف في الأخبار للأمرين إن لم ندع ظهوره في الشمس التي هي محل الاشكال ، واشتمال مرسل حريز (٦) على لفظ القمر لا يصلح للحكم به عليها ، كاشتمالها نفسها (٧) على لفظ الاستيقاظ المشعر بكون محل الكسوف آية الليل سيما بعد ما عرفت ، وإمكان دعوى أولوية الشمس منه في هذا الحكم ، فتأمل.

واعلم أن المعتبر مع التفريط المذكور في استحباب الغسل احتراق القرص على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحرام بالحج ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحرام بالحج ـ الحديث ٤ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الجنابة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب رمي الجمرة ـ الحديث ٢ و ٤ من كتاب الحج.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

٤٨

الأظهر بل لا نعرف خلافا نصا وفتوى في أصل مشروعيته مع القيدين السابقين ، بل الإجماع إن لم يكن محصلا فمنقول كالمحصل عليه ، وإن وقع النزاع في وجوبه وندبه حينئذ ، كما أنه لا ينبغي الإشكال في عدم مشروعيته مع انتفاء أحدهما من التفريط أو الاستيعاب. للأصل وظاهر‌الحسن كالصحيح المروي (١) عن الخصال عن الباقر عليه‌السلام « الغسل في سبعة عشر موطنا ـ وعددها إلى أن قال ـ وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله واستيقظت ولم تصل فاغتسل واقض الصلاة » ‌ونحوه مرسل الفقيه (٢) والمناقشة فيه باحتمال الاستيقاظ بعد الانجلاء وتركه الصلاة للنوم لا عمدا فهو مع أنه لا ينافي الاستدلال بالظاهر بعيد جدا بل فاسد قطعا ، لعدم اشتراط الغسل بذلك عند أحد من الأصحاب ، فوجب إرادة الترك العمدي من لفظ الاستيقاظ ، وخص بالذكر لفوائد ، فلا ريب في كون العمل على ظاهر الصحيح المتقدم من اشتراط الشرطين في مشروعية الغسل ، سيما مع تأيده بنفي الخلاف عن ذلك في صريح صلاة السرائر وظاهر المنتهى والمختلف والتذكرة وعن الوسيلة وكشف الرموز وكشف الالتباس وغاية المرام وظاهر معقد إجماع الغنية وصريح المحكي عن فقه الرضا عليه‌السلام (٣) فإطلاق‌صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (٤) « وغسل الكسوف ، فإذا احترق القرص كله فاغتسل » ‌إذ لم يذكر فيه التعمد ، كمرسل حريز (٥) فعكس ذلك مقيد بما عرفت ، فما يحكى عن المقنعة والسيد في المسائل الموصلية والمصباح من الاقتصار على اشتراط التعمد ضعيف مع عدم ثبوت ذلك عن الأخير ، لكون المحكي عنه فيه نسبته إلى الرواية ، بل ولا صراحة الجميع في الخلاف ، إذ لعله للاتكال على معروفية القيد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٤.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

٤٩

أو نحو ذلك كإطلاق النافع ، وعن كتاب الاشراف وسلار استحباب الغسل لقضاء صلاة الكسوف ، وكذا المحكي عن الذكرى ، فاقتصر على الاستيعاب ، وحكاه في كشف اللثام عن الصدوق ، ولم يثبت ، بل ربما ثبت عدمه كما قيل لما عرفت.

نعم انما الكلام في استحباب هذا الغسل ووجوبه مع اجتماع الأمرين ، فأكثر المتأخرين على الأول كما عن الذخيرة والبحار ، بل في المنتهى أنه مذهب الأكثر ، بل عن كشف الالتباس ان ذلك هو المشهور ، بل عن غاية المرام نسبته إلى المتأخرين ، كالمصابيح أن عليه إطباق المتأخرين من زمان ابني زهرة وإدريس عدا النادر وفيها أيضا « ان أكثر من قال بالوجوب من القدماء كالشيخين والمرتضى وسلار وابن البراج وابن حمزة فقد خالف نفسه في موضع آخر من كتابه أو كتاب آخر له ، فذهب إلى الندب أو تردد بينه وبين الوجوب ، فلم يتمحض للقول بالوجوب إلا الصدوق والحلبي بل الحلبي وحده ، لعدم صراحة كلام غيره فيه » انتهى.

خلافا لصلاة المقنعة والمبسوط والجمل والوسيلة وعن المصباح والاقتصاد والنهاية والمراسم والمهذب والكافي وشرح الجمل للقاضي وجوبه نصا وظاهرا ، وهو المحكي عن ظاهر الرسالة والفقيه والهداية والمجالس ، بل عن الأخير نسبته إلى دين الإمامية كما في صلاة الخلاف وعن شرح الجمل للقاضي الإجماع عليه ، ولعل ذلك مع الأمر في الأخبار به هو الحجة لهم حينئذ على الوجوب ، لكن ومع ذلك فالأول هو الأقوى للأصل وحصر الواجب من الأغسال في غيره من الأخبار ، والإجماع المحكي في مقامين من الغنية المعتضد بما عرفت من الشهرة وغيرها ، وبما في المصابيح أيضا من اتفاق الأصحاب بعد الخلاف عليه تارة ، وأخرى عليه الإجماع المحقق ، وباستبعاد اشتراط الصلاة بغسل غير رافع للحدث ، مع ما في‌خبر زرارة (١) « لا تعاد الصلاة إلا من خمس :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

٥٠

الطهور » ‌إلى آخره. إذ ليس هو من الطهور ، لأن الفرض وجوبه وإن وجدت الطهارة.

ولا ريب في ضعف ما تقدم من أدلة الوجوب عن معارضة ذلك ، إذ الإجماع مع معارضته بإجماع آخر أقوى منه لاعتضاده بذهاب المعظم ، بل قد يغلب في الظن خطأ الأول من حيث مخالفة بعض الناقل له نفسه في غير الكتاب ، كطهارة المبسوط وغيرها ، بل وللقائلين بالوجوب أيضا لما صرحوا به من الندب في كتاب الطهارة كالمقنعة والمبسوط والمراسم والمهذب والمصباح والجمل والاقتصاد والنهاية والخلاف على ما نقل عن بعضها ، ومن ذلك يعرف ما في النسبة إلى دين الإمامية ، ولعله أراد المشروعية كناقل الإجماع. وأما الأخبار فبعد تسليم ظهورها في الوجوب تحمل على إرادة الندب لوجود الصارف ، مع ضعف بعضها ولا جابر كما عرفت.

ثم ان الظاهر اختصاص الاستحباب المذكور للقضاء خاصة ، للأصل ، لكن في المختلف استحبابه للأداء أيضا ، وربما مال اليه بعض من تأخر عنه ، ولعله لإطلاق صحيح ابن مسلم (١) وفيه أن الظاهر كما عن جماعة من المحققين التصريح ان هذا الخبر بعينه خبر الخصال ، وعليه شواهد ، فكان النقيصة فيه من قلم الشيخ ، على أنه يجب حمله على غيره ، سيما بعد القطع بعدم إرادة ظاهره بناء على تسبيب الاحتراق للغسل من غير مدخلية للصلاة ، كما أن ظاهره الوجوب ، ولا صارف له إلى إرادة الندب إلا مع إرادة القضاء ، وأيضا فالأداء يجوز فعله قبل تحقق الاحتراق ، فلو فعل ثم احترق لم يجب عليه الغسل حينئذ ، لعدم وجوب الصلاة ، فيجب التخصيص في الحديث ، وإيجاب الإعادة عليه لمثل هذا الخبر كما ترى.

ومنها غسل التوبة سواء كان عن فسق بارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة أو كفر أصلي أو ارتدادي بلا خلاف أجده فيهما ، بل في المنتهى الإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١١.

٥١

على ذلك ، بل وكذا الغنية والمصابيح وعن ظاهر التذكرة ، حيث حكي في الأولين منها كما عن الأخير على الكبيرة المستلزم للكفر ، إذ ليس أكبر منه شي‌ء ، وفي المعتبر نسبة غسل التوبة إلى الأصحاب ، وهو شامل لما نحن فيه قطعا ، وكيف كان فالحجة ـ مع ذلك ومع ما ورد من أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيس بن عاصم (١) وتمامة بن آفال بالاغتسال لما أسلما (٢) ، وليس المراد الجنابة لعدم اختصاصها بهما ، و‌الحديث القدسي « يا محمد من كان كافرا وأراد التوبة والايمان فليطهر لي ثوبه وبدنه » ‌بناء على أن المراد بتطهير البدن ما نحن فيه ، وما عساه يشعر به قوله تعالى (٣) ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) مع ما فيه من التفأل للطهارة المعنوية بالطهارة الحسية ، وكذا الغسل لقاضي الكسوف ورؤية المصلوب وقتل الوزغ مع ما ورد فيه من التعليل ـ خبر مسعدة بن زياد (٤) قال : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال له رجل : بأبي أنت وأمي اني أدخل كنيفا لي ولي جيران وعندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود ، فربما أطلت الجلوس استماعا ، فقال : لا تفعل ، فقال الرجل : والله ما أتيتهن برجلي ، وانما هو سماع أسمعه بأذني ، فقال : لله أنت أما سمعت الله عز وجل يقول (٥) ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) فقال : بلى والله ، ولكني لم أسمع هذه الآية من عربي ولا عجمي ، لا جرم أني لا أعود إن شاء الله ، واني أستغفر الله ، فقال : قم فاغتسل وصل

__________________

(١) البحار ـ المجلد ـ ١٧ ـ ص ٥٠ من طبعة الكمباني.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٤ وفيه ثمامة بن أبال وفي رجال المامقاني ثمامة بن أثال.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ٢٢٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٥) سورة الإسراء ـ الآية ٣٨.

٥٢

ما بدا لك ، فإنك كنت مقيما على أمر عظيم ، ما كان أسوأ حالك لو مت على ذلك ، احمد الله واسأله التوبة من كل ما يكره ، فإنه لا يكره إلا القبيح ، والقبيح دعه لأهله ، فإن لكل أهلا » ‌

والمناقشة فيه بالإرسال مع أن مثله في مثل ما نحن فيه غير قادح سيما بعد الانجبار مدفوعة بأنه كذلك في رواية الشيخ والصدوق بخلاف الكليني ، فإنه قد رواه مسندا ، بل الظاهر أنه صحيح ، فلاحظ. ولا ريب في استفادة ما ذكرنا من الأمرين منه سيما التعليل بالإقامة على العظيم ، بل ربما قيل باستفادة استحباب الغسل للتوبة ولو من الصغير كما يقتضيه عبارة من أطلق استحباب الغسل لها ، بل في صريح المنتهى الإجماع عليه بدعوى إشعار الاستدلال عليه بالآية الشريفة ، كقوله (ع) في آخره : « واسأله التوبة عن كل ما يكره » ‌مع ظهور صغر ذنبه الذي قد أمره الإمام (ع) بالتوبة منه ، إذ ليس هو إلا الإقدام على ما يحتمل كونه معصية ، وترك السؤال عنه كما هو ظاهر الرواية ، ولم يثبت كون ذلك من الكبائر ، وجعل الامام عليه‌السلام له أمرا عظيما إما لعظمه في نفسه أو لأنه في مقام الزجر والردع أو غير ذلك.

قلت : لكن الإنصاف أن ذلك كله تعسف ، لعدم الإشعار في الاستدلال بالآية كالكلية في آخره بالاغتسال لكل ذنب ، والجاهل المقصر كالعالم في عظم الذنب وصغره أيضا ، ولا ريب في كون استماع الغناء سيما من مثل الجوار إذ الغالب اشتماله على الملاهي حينئذ وغيره كبيرة من العالم ، وأيضا مع التسليم فالمفهوم من قوله (ع) : « كنت مقيما » الإصرار على ذلك ، وهو كبيرة ، فظهر حينئذ أن الاستدلال به على ذلك لا يخلو من تأمل ، فمن هنا اقتصر في الغنية كما عن غيرها على الكبيرة ، وربما فهم من نحو عبارة المصنف والقواعد لعدم تحقق الفسق بالصغيرة ، إلا أن يصر عليها ، فتكون كبيرة حينئذ.

ومنه يظهر دليل آخر غير الأصل ، لعدم استحباب الغسل لها من حيث وقوعها مكفرة ، فلا توبة منها حتى يشرع الغسل لها ، لكن قد يقال : إنه يكفي في ثبوت‌

٥٣

الاستحباب إجماع المنتهى المؤيد بصريح الفتوى من جماعة ، كإطلاق آخرين الغسل للتوبة حتى نسب إلى الأصحاب في المعتبر ، وعده في الوسيلة من المندوب بلا خلاف ، بل لعل عبارة المصنف ونحوها يراد من الفسق فيها بقرينة المقابلة بالكفر ما هو أعم منهما ، فينحصر الخلاف حينئذ في خصوص من قيد بالكبيرة ، وهو قليل ، وفي المصابيح أن التعميم هو المشهور بل المجمع عليه ، لندرة المخالف وانقراضه بالنسبة إلى أولئك ، مع احتمال عدم التخصيص منهم ، كما أنه يحتمل أيضا شمول الكبيرة بدعوى أن سائر الذنوب كبائر وإن اختلفت شدة وضعفا ، كما عن بعض نسبته إلى الجميع ، وآخر إلى الأكثر ، والصغائر تقع مكفرة في حال الغفلة والنسيان ، وإلا فالتوبة واجبة عن كل ذنب ، والصغيرة بترك التوبة تكون كبيرة ، ولعله على هذا يحمل قوله تعالى (١) ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ) الآية. على أن محل البحث حيث تتحقق التوبة عن الصغيرة التي ليست بكبيرة كما لو فرض إرادة التوبة عن بعض الصغائر لمرتكب الكبائر ، ودعوى عدم جواز تبعيض التوبة ممنوع ، فتأمل جيدا. فظهر لك أن الأقوى حينئذ استحباب الغسل مطلقا.

ومنها غسل صلاة الحاجة وصلاة الاستخارة بلا خلاف أجده فيهما ، بل في الغنية الإجماع عليهما ، وفي الوسيلة من المندوب بلا خلاف ، وفي المعتبر مذهب الأصحاب ، والروض أنه عمل الأصحاب ، وعن التذكرة عند علمائنا ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك الأخبار (٢) الكثيرة الآمرة به مقدما على الصلاة عند طلب الحوائج ، و‌قول الصادق عليه‌السلام في خبر سماعة (٣) : « وغسل الاستخارة مستحب » ‌ولم أعثر على غيره فيما يتعلق بالاستخارة ، وغير المحكي عن‌فقه الرضا عليه‌السلام (٤) « وغسل

__________________

(١) سورة النساء ـ الآية ٣٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٣.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

٥٤

الاستخارة وغسل طلب الحوائج من الله تبارك وتعالى » ‌وليس فيهما ذكر الصلاة ، بل ظاهرهما الاستحباب لنفس الأمرين ، كالمحكي لنا من عبارة التذكرة ناسبا لها إلى علمائنا ، ولعله غير بعيد ، بل أخبار الحاجة (١) لا تنافيه ، لعدم صراحتها بل ولا ظهورها في كون الغسل للصلاة ، وإن أمر به سابقا على الصلاة المأمور بها ، اللهم إلا أن يجعل إجماع الغنية المؤيد بما عرفت قرينة على احتمال الصلاة فيهما ، وأما‌صحيح زرارة عن الصادق عليه‌السلام (٢) في الأمر يطلبه الطالب من ربه ، إلى أن قال : « فإذا كان الليل فاغتسل في ثلث الليل الثاني ـ وساق الحديث حتى قال ـ : فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية استخار مائة مرة ، يقول » ‌وذكر الدعاء ، ونحوه خبر مرازم (٣) عن الكاظم عليه‌السلام فيما إذا قد حك أمر عظيم ، فالظاهر أن المراد بالاستخارة فيهما انما هو طلب أن يجعل الله له الخيرة في هذا الأمر الذي يطلبه وأن يختاره ، فإنه أحد معاني الاستخارة لا بمعنى المشاورة.

لكنك في غنية عن ذلك بعد الاستدلال بما عرفت من الإجماع وغيره ، على أن الاستخارة تدخل في طلب الحوائج ، فتشملها تلك الأدلة ، نعم قال في جامع المقاصد وتبعه غيره : « إنه ليس المراد بصلاة الحاجة والاستخارة أي صلاة اقترحها المكلف لأحد الأمرين ، بل المراد بذلك ما نقله الأصحاب عن الأئمة عليهم‌السلام ، وله مظان فليطلب منها » انتهى.

قلت : لكن لا يخفى على من لاحظ ما ورد من أخبار الحاجة (٤) انها ظاهرة في أن للمكلف أن يصلي ركعتين مغتسلا لهما في كل حاجة وفي أي وقت ، نعم في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ١ و ٥ و ٧.

٥٥

بعضها (١) كيفيات خاصة للصلاة من قراءة الإخلاص خمس عشرة على نحو صلاة التسبيح وصيام ثلاثة أيام ونحو ذلك ، وهو أمر خارج عما نحن فيه. فلاحظ وتأمل ، ولعله يدخل في صلاة الحاجة ما ذكر من الغسل لصلاة الاستسقاء ، لما في الغنية من الإجماع عليه ، وفي‌موثقة سماعة (٢) « وغسل الاستسقاء واجب » ‌والمراد تأكد الاستحباب باتفاق الأصحاب كما قيل ، لكن لا صلاة فيها ، ولعله للاتكال على معلومية ذلك سيما مع ما عرفت من الإجماع ، بل عن فلاح السائل نقلا عن ابن بابويه في كتاب مدينة العلم عن الصادق عليه‌السلام (٣) أنه روى حديثا في الأغسال ذكر فيها غسل الاستخارة وغسل صلاة الاستسقاء وغسل الزيارة ، ثم قال : رأيت‌في بعض الأخبار (٤) من غير كتاب مدينة العلم « ان مولانا عليا عليه‌السلام كان يغتسل في الليالي الباردة طلبا للنشاط » ‌قلت : ومنه يستفاد استحباب الغسل لذلك أيضا ، فتأمل.

ومن الحوائج الغسل لصلاة الظلامة‌، لما روي عن‌مكارم الأخلاق عن الصادق عليه‌السلام (٥) قال : « إذا طلبت بمظلمة فلا تدع على صاحبك ، فان الرجل يكون مظلوما فلا يزال يدعو حتى يكون ظالما ، ولكن إذا ظلمت فاغتسل وصل ركعتين في موضع لا يحجبك عن السماء ثم قل » (٦).

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ٧ و ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٣.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٢.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ١.

(٦) « اللهم ان فلان بن فلان ظلمني ، وليس لي أحد أصول به عليه غيرك ، فاستوف لي ظلامتي الساعة الساعة بالاسم الذي إذا سألك به المضطر أجبته ، فكشفت ما به من ضر ، ومكنت له في الأرض ، وجعلته خليفتك على خلقك ، فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تستوفى لي ظلامتي الساعة الساعة ، ـ إلى أن قال ـ : فإنك لا تلبث حتى ترى ما تحب » ‌( منه رحمه‌الله ).

٥٦

ومنها أيضا الغسل لصلاة الخوف من الظالم‌المروية (١) عن مكارم الأخلاق أيضا بكيفية خاصة (٢) بل وكذا ما ذكر من الغسل لصلاة الشكر مدعيا في الغنية الإجماع عليه قد يدعى دخولها في الحوائج أيضا لقوله تعالى (٣) ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) ولم نقف على خبر يدل على ذلك ، نعم روي عن الصادق عليه‌السلام (٤) في كيفية صلاة الشكر عن الكافي (٥).

وقد يدخل في طلب الحوائج أيضا ما ورد من الغسل لأخذ التربة الحسينية ، للمرسل (٦) عن ابن طاوس في مصباح الزائر (٧) ونحوه عن البحار عن المزار الكبير‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ٢.

(٢) من كشف الركبتين بعد الاغتسال والصلاة ، وجعلهما مما يلي الصلاة ثم قول مائة مرة : يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم يا حي لا إله إلا أنت ، برحمتك استغثت ، فصل على محمد وآل محمد ، وان تلطف وان تغلب لي وأن تمكر لي وأن تخدع لي وأن تكيد لي وأن تكفيني مؤنة فلان بلا مؤنة ، فإن هذا كان دعاء النبي (ص) يوم أحد ‌( منه رحمه‌الله ).

(٣) سورة إبراهيم عليه‌السلام الآية ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ١.

(٥)ركعتين يقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون ، وتقول في ركوع الأولى وسجودها : الحمد لله شكرا شكرا وحمدا ، وتقول في الركعة الثانية أيضا في ركوعك وسجودك : الحمد لله الذي استجاب دعائي وأعطاني مسألتي ، ( منه رحمه‌الله ).

(٦) البحار ـ المجلد ـ ٢٢ ـ ص ١٤٧ من طبعة الكمباني.

(٧) قال : يروى في أخذ التربة ‌« انك إذا أردت أخذها فقم آخر الليل واغتسل والبس أطهر ثيابك وتطيب بسعد وادخل وقف عند الرأس وصل أربع ركعات » ‌الحديث ( منه ره ).

٥٧

عن جابر الجعفي عن الباقر عليه‌السلام (١).

وبقي بعض الأغسال للأفعال ، ( منها ) قتل الوزغ ، وهو حيوان ملعون قد ورد عدة أخبار (٢) في ذمه والترغيب على قتله ، وانه كمن قتل شيطانا. إلى غير ذلك ، والظاهر أن سام أبرص والورك بعض أفراده ، وعلى كل حال فاستجاب الغسل للمروي (٣) عن بصائر الدرجات وروضة الكافي والخرائج والجرائح عن الصادق عليه‌السلام « عن الوزغ ، قال : رجس ، وهو مسخ كله ، فإذا قتلته فاغتسل » ‌وعن‌الهداية (٤) أنه « روي والعلة في ذلك أنه يخرج من الذنوب فيغتسل منها » ‌ولعل هذا مع فتوى جماعة من الأصحاب به يكفي في إثبات الاستحباب ، فما وقع من الاضطراب فيه حتى من المصنف في المعتبر ليس في محله.

و ( منها ) الغسل من المس للميت بعد تغسيله‌، لموثقة عمار الساباطي (٥) وفيه بحث.

و ( منها ) الغسل لإرادة تكفينه أو تغسيله‌كما عن الذكرى والنزهة ، بل عن الأخير نسبته إلى الرواية ، ولعله أراد بها‌خبر محمد بن مسلم (٦) عن أحدهما عليهما‌السلام أو الباقر عليه‌السلام « الغسل في سبعة عشر موطنا ـ إلى أن قال ـ : وإذا غسلت ميتا أو كفنته أو مسسته بعد ما يبرد » ‌وهو غير ظاهر في ذلك ، بل هو محتمل وجوها عديدة ، فتأمل جيدا ليظهر لك بطلان ما عن الصدوق ، ووجهه في المجالس والهداية‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأغسال المسنونة والمستدرك ـ الباب ١٣ منها.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب غسل المس ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٥ و ١١.

٥٨

من الفتوى بمضمون الخبر المتقدم مع التصريح بالوجوب.

و ( منها ) الغسل للتوجه إلى السفر‌خصوصا سفر زيارة الحسين عليه‌السلام ، للمرسل عن ابن طاوس (١) في أمان الأخطار في ذلك ، وخبر أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام (٢) في خصوص سفر الحسين عليه‌السلام (٣).

و ( منها ) عمل الاستفتاح ‌لما عن‌الشيخ والصدوق وابن طاوس بطرق متعددة (٤) عن الصادق عليه‌السلام أنه قال في حديث طويل : « صم في رجب يوم ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر ، فإذا كان يوم الخامس عشر فاغتسل عند الزوال » ‌وعن رواية أخرى قريبا من الزوال.

و ( منها ) غسل من أهرق عليه ماء غالب النجاسة‌كما عن المفيد في الاشراف ، ولعله للاحتياط ، كالغسل عند الإفاقة من الجنون كما عن العلامة في النهاية ، قال : « لما قيل : ان من زال عقله أنزل » انتهى. لكن نفاه في المنتهى ، لعدم الدليل ، وكالغسل عند الشك كواجدي المني في الثوب المشترك ، وإعادة الغسل عند زوال العذر الذي رخص في اشتمال الغسل على نقص خروجا من شبهة القول بوجوبه.

و ( منها ) غسل من مات جنبا قبل تغسيله‌على ما عن بعضهم ، لكن عن المعتبر الإجماع على عدم استحبابه ، وقد تقدم لنا كلام فيه.

__________________

(١) البحار ـ ج ـ ٢٢ ـ ص ٣ من طبعة الكمباني.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٧ ـ من كتاب المزار ـ الحديث ١.

(٣) قال : « إذا أردت الخروج إلى أبي عبد الله ٧ فصم قبل أن تخرج ثلاثة أيام يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة. فإذا أمسيت ليلة الجمعة فصل صلاة الليل ، ثم قم فانظر في نواحي السماء فاغتسل تلك الليلة قبل المغرب ، ثم تنام على طهر ، فإذا أردت المشي إليه فاغتسل ولا تطيب ولا تدهن ولا تكتحل حتى تأتى القبر » ‌( منه رحمه‌الله ).

(٤) الإقبال ـ ص ٦٥٩.

٥٩

و ( منها ) لمعاودة الجماع‌، قيل : لقول الرضا عليه‌السلام في الذهبية (١) : « والجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث للولد الجنون » ‌قلت : ويحتمل بفتح الغين المعجمة وإرادة غسل الجنابة ، فتأمل. ولا يخفى عليك أن ما ذكر من غسل الأفعال منها ما كان الفعل غاية له ، ومنها ما كان سببا له ، ويختلفان من هذه الجهة من حيث التقدم والتأخر ، فتأمل جيدا.

وخمسة أغسال للمكان وبها تم الثمانية والعشرون التي ذكرها المصنف‌وهي غسل دخول الحرم للصحيح (٢) والخبرين (٣) وإجماع الغنية المعتضد بما في الوسيلة من المندوب بلا خلاف ، لكن في كشف اللثام عن الشيخ في الخلاف الإجماع على عدمه ، وهو ـ مع قصوره عن معارضة ما عرفت ـ قال في المصابيح : إني لم أجد ذلك في الخلاف ، ثم إطلاق الحرم في الأخبار وكلام الأصحاب ينصرف إلى حرم مكة دون حرم المدينة ، فكان على المصنف أن يثنيه لصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (٤) « الغسل في سبعة عشر موطنا ـ إلى أن قال ـ : وإذا دخلت الحرمين » ‌واحتمال إرادة نفس البلدين منه تكلف لا داعي اليه ولا شاهد عليه.

وغسل دخول المسجد الحرام لاجماعي الغنية والخلاف المعتضدين بما في الوسيلة أيضا من المندوب بلا خلاف ، وفحوى ما دل عليه لمسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه أفضل منه ، وربما استدل عليه ب‌قول الكاظم عليه‌السلام (٥) لعلي بن أبي حمزة : « ان اغتسلت بمكة ثم نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك » ‌لكن ظاهره كون الغسل

__________________

(١) البحار ـ ج ـ ١٤ ـ ص ٥٥٨ من طبعة الكمباني.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٣ و ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٢ من كتاب الحج.

٦٠