جواهر الكلام - ج ٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كالشهيد ، واختاره في المصابيح ، وقال : إن القولين تكافئا في الاشتهار ، خلافا لظاهر المصنف وغيره ممن اقتصر على ذكر يوم السبت ، أو هو مع نهار الجمعة للأصل وظاهر الأخبار المتقدمة وغيرها كقول الباقر عليه‌السلام في مرسل حريز (١) « لا بد من غسل يوم الجمعة في السفر والحضر ، فمن نسي فليعد من الغد » والصادق عليه‌السلام في خبر جعفر بن أحمد القمي (٢) المنقول عن كتاب العروس « من فاته غسل يوم الجمعة فليقضه يوم السبت » واحتمال إرادة السبت فيها لما يشمل الليل كما ترى ، كالأولوية المدعاة هنا مع عدم ظهورها ، لاحتمال اعتبار التماثل ، والاستصحاب لثبوت القضاء قبل الليل مقطوع بظاهر الأخبار ، مع أن المثبت له وهو النص ناف لما بعده ، إلا أن يتمسك في ثبوته بالإجماع ، وهو ممنوع ، لأن من الأصحاب من خص الحكم بيوم السبت ، كل ذا مع إطلاق خبر ذريح المتقدم ، وخروج نهاري السبت والجمعة منه غير قادح.

قلت : ولعل الأقوى في النظر الأول ، لما عرفته من النسبة إلى الأصحاب المؤيدة بما عن ظاهر الأكثر ، والأولوية المذكورة والمناقشة فيها تتجه لو أريد منها القطع ، أو كونها مدركا شرعيا لغير المستحب فيه ، فيكفي فيه الأدنى من ذلك ، وباستصحاب ثبوت القضاء في وجه ، ودعوى انقطاعه بظاهر الأدلة مبني على اعتبار المفهوم منها ، وهو ممنوع سيما في المقام ، لاحتمال جريان التقييد بالسبت مجرى الغالب من عدم الاغتسال بالليل ، أو يراد منه التحديد لآخر وقت الصحة ، كما لعله المنساق من نحو الأدلة ، لا لأن يوم السبت حقيقة فيما يشملها ، بل قد يقال : إن قوله (ع) : « بعد العصر » شامل له حقيقة ، فتأمل. وكذا المناقشة بأصل ثبوته أي الاستصحاب من

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٢.

٢١

ذلك ، ومن عدم الإجماع لوجود القائل بالسبت خاصة ، مع أنك عرفت عدم القطع بوجود القائل بذلك لو سلم قدحه بالإجماع على تقديره.

ومن الغريب ما وقع لبعض المحققين حيث أنه تمسك بالاستصحاب في تعجيل الغسل في ليلة الجمعة لثبوته في يوم الخميس ، ومنع هنا من القضاء ليلة السبت لمنعه ثبوت الاستصحاب أولا وانقطاعه ثانيا ، فتأمل. كل ذا مع إمكان الاستدلال عليه بموثقة ابن بكير المتقدمة بناء على أن المراد بيوم الجمعة فيها تمامه ، كما هو ظاهره ، فيراد حينئذ ما بينه وبين آخر الليلة ، فيدل على القضاء ليلة السبت ، وجعل ظاهر قوله (ع) : « ما بينه وبين الليل » من إرادة تمام الليل قرينة على إرادة الوقت المعهود من اليوم ليس بأولى من العكس ، مع أنا لو سلمنا رجحان ذلك منها كما ذكرناه سابقا لكن قد يقال إن مجرد احتمال ذلك كاف في ثبوت المستحب بناء على التسامح فيه للاحتياط العقلي ، سيما بعد الاعتضاد بما عرفت.

ثم ان ظاهر المصنف وغيره كصريح آخر ثبوت القضاء بالفوات لعذر كان أولا ، بل في الكفاية كما عن الذخيرة أنه المشهور ، وفي البحار وكشف اللثام أنه ظاهر الأكثر ، قلت : وهو الأقوى لإطلاق موثقة ابن بكير (١) وخبر سماعة (٢) المؤيدين بغيرهما من الإطلاق أيضا ، وبما عرفته من الشهرة والتسامح في المستحب ، فما في مرسل الهداية وحريز من اشتراط النسيان مع الفوات لعلة في الأول قاصر عن أن يحكم به على الأول من وجوه لو قلنا بحمل المطلق على المقيد في المستحبات ، وانها ظاهرة في التقييد ، مع إمكان منعهما معا سيما الثاني ، لاحتمال كون الغرض التنصيص على الفرد الخفي من القضاء مع العذر من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ، وإلا فمتى ظهر أنه مما

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٣.

٢٢

تدارك مصلحته لم يتفاوت الحال فيه ، واحتمال المبالغة في تأكيد غسل الجمعة حتى كان الترك عمدا من غير عذر مما لا يقع ، ولعل اللابدية في خبر حريز مما تشعر بذلك ، كما أنه لعل الصدوقين لم يكونا مخالفين في المقام وإن عبرا بمرسل الهداية ، فتخرج حينئذ المسألة عن أن تكون خلافية إلا من المنقول عن موجز أبي العباس ، حيث قال : « ويقضي لو ترك ضرورة إلى آخر السبت » ولا ريب في ضعفه حينئذ ، كما أنه لا ريب في ضعف القول بالفرق بين وقتي القضاء من نهار الجمعة والسبت ، فيقضي في الأول التارك ولو عمدا بخلاف الثاني ، كما قد يشعر بذلك ما في التحرير من أنه لو ترك تهاونا ففي استحباب قضائه يوم السبت إشكال ، وكذا الفرق بينهما باشتراط صحة القضاء في الثاني بتعذر الأول كما هو ظاهر خبر سماعة ، وعن النهاية الفتوى بمضمونه ، لقصوره عن معارضة غيره من الأدلة المنجبرة بفتاوى الأصحاب. مع عدم ظهور إرادة التقييد فيه ، نعم قد يقال باستحباب القضاء في الوقت الأول للمسارعة والقرب إلى الأداء ، بل احتمال كونه أداء على ما سمعته سابقا وخبر سماعة ، كما أنه يحتمل الحكم باستحباب القضاء قرب الزوال من يوم السبت لبعض ذلك وللمماثلة ، بل عن بعضهم الحكم بأنه كل ما قرب إلى الزوال كان أفضل على حسب الأداء ، فتأمل جيدا.

ثم انه لا ريب في عدم إرادة الإباحة من الجواز في المتن هنا وفي سابقه ، لعدم تصوره في العبادة ، بل المراد الاستحباب قطعا في الأول ، وكذا في الثاني بناء على استحباب غسل الجمعة ، لعدم معقولية زيادة الفرع على الأصل ، وأما على القول بوجوبه فيحتمله والوجوب كما لعله الظاهر من الأمر به في عبارة الصدوقين ، وعن الكافي ما يشعر به أيضا ، فتأمل ، والأمر سهل.

وكيفية غسل الجمعة على حسب كيفية غسل الجنابة ونحوها ، ويجزى فيه كغيره من الأغسال المندوبة الارتماس كما تقدم سابقا ذكره ، والاستدلال عليه ، ويستحب

٢٣

الدعاء عند غسل الجمعة بما عن الصادق عليه‌السلام (١) « اللهم طهر قلبي من كل آفة تمحق به ديني وتبطل به عملي ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين » والله أعلم.

ومن جملة الستة عشر التي يستحب الغسل فيها للوقت ستة في شهر رمضان أولها أول ليلة منه عند الأصحاب كما في المعتبر والروض ، بل في الأخير والغنية صريح الإجماع عليه ، وهو الحجة مع ما في خبر سماعة عن الصادق عليه‌السلام (٢) « وغسل أول ليلة من شهر رمضان مستحب » والفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام (٣) كما عن العيون ، وفي الإقبال « روى ابن أبي قرة (٤) في كتاب عمل شهر رمضان بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام « يستحب الغسل في أول ليلة من شهر رمضان وليلة النصف منه » ـ ثم قال ـ : إني رأيت في كتاب اعتقد أنه تأليف أبي محمد جعفر بن أحمد القمي عن الصادق عليه‌السلام (٥) « من اغتسل في أول ليلة من شهر رمضان في نهر جار ويصب على رأسه ثلاثين كفا من الماء طهر إلى شهر رمضان من قابل » ـ ثم قال أيضا ـ ومن الكتاب المشار اليه عن الصادق عليه‌السلام أيضا (٦) ( من أحب أن لا تكون به الحكمة فليغتسل أول ليلة من شهر رمضان ، فلا تكون به الحكة إلى شهر رمضان من قابل ) » ‌انتهى.

قلت : بل ويومها أيضا وإن لم يذكره المصنف لما رواه السيد أيضا في الإقبال بإسناده (٧) عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : « من اغتسل أول يوم من السنة في ماء جار وصب على رأسه

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الجنابة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٥.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٧.

٢٤

ثلاثين غرفة كان دواء السنة ، وإن أول كل سنة أول يوم من شهر رمضان » وفي البحار حكاية الرواية عن الإقبال إلى قوله : « دواء السنة » واحتمل لذلك في أول السنة المحرم وشهر رمضان ، ولعل الأظهر ما قلناه. مضافا إلى الروايات المتعددة (١) الدالة على أنه أول السنة شهر رمضان ، وقد روى جملة منها في الإقبال ، ثم قال : « واعلم أني وجدت الروايات في أن أول السنة محرم أو شهر رمضان ، لكني رأيت عمل من أدركته من علماء أصحابنا المعتبرين وكثيرا من تصانيف علمائهم الماضين أن أول السنة شهر رمضان على التعيين » انتهى. وفي مصباح الشيخ أن المشهور من روايات أصحابنا إن شهر رمضان أول السنة ، ولذلك رتب كتابه عليه ، وهناك قرائن أخر أيضا تقضي بكونه أول السنة ، ولعل في ذلك كفاية لما نحن فيه ، وإلا فللبحث في تحقيقه مقام آخر ، ولعلها تختلف السنون باختلاف الاعتبارات ، فتأمل جيدا.

بل وكذا يستحب في سائر ليالي فرادى شهر رمضان وفاقا لجماعة من أساطين أصحابنا منهم الشيخ ، قال على ما نقل عنه : « وإن اغتسل ليالي الأفراد كلها وخاصة ليلة النصف كان له فضل كثير » انتهى. لما رواه السيد في الإقبال (٢) في سياق أعمال الليلة الثالثة من الشهر ، وفيها يستحب الغسل على مقتضى الرواية التي تضمنت أن كل ليلة مفردة من جميع الشهر يستحب فيها الغسل ، وذلك كاف في إثباته.

كما أنه ينبغي الحكم باستحباب الغسل في العشر الأواخر كلها شفعها ووترها ، لقول الصادق عليه‌السلام في مرسل ابن أبي عمير (٣) المروي في الإقبال من كتاب علي بن عبد الواحد النهدي : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغتسل في شهر

__________________

(١) الإقبال ص ٤.

(٢) الإقبال ص ١٢٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١٠.

٢٥

رمضان في العشر الأواخر في كل ليلة » وأمير المؤمنين عليه‌السلام فيما رواه فيه أيضا نقلا عن أحمد بن عياش (١) قال : « لما كان أول ليلة من شهر رمضان قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحمد الله وأثنى عليه ـ إلى أن قال ـ : حتى إذا كان أول ليلة من العشر قام فحمد الله وأثنى عليه ، وقال مثل ذلك ثم قام وشمر وشد المئزر وبرز من بيته واعتكف وأحيى الليل كله ، وكان يغتسل كل ليلة منه بين العشائين » ‌إلى آخره.

قلت : وقد يحتمل فيه إرادة كل ليلة من شهر رمضان ، بل قد يدعى ظهوره فيه كما لا يخفى على من لاحظ وتأمل ، فيثبت حينئذ استحباب الغسل في جميعه. وربما يشهد له ما عن المجلسي في زاد المعاد أنه « قد ورد (٢) في بعض الأخبار استحباب الغسل في كل ليلة من شهر رمضان » انتهى. إلا أنه لم أعثر على ناص عليه إلا ما عن المحدث في الوسائل ، حيث قال على ما نقل بعد ذكره الرواية السابقة : إن الظاهر عود الضمير إلى الشهر ، فإنه أقرب الوجوه ، وعلى التقديرين فاستحباب الاغتسال في جميع العشر ثابت ، مضافا إلى ما ورد في استحبابه في ليلة القدر منه كما ستعرف ، والأربعة والعشرين كالأمر من الصادق عليه‌السلام بالاغتسال كما في الإقبال (٣) نقلا من كتاب الحسين بن سعيد ونحوه عن الخصال ، (٤) وكذا الخمس والعشرين والسبع والعشرين والتسع والعشرين (٥) مضافا إلى أنها من الفرادى ، وعن ‌فلاح السائل نقلا عن كتاب ابن أبي قرة في كتاب عمل شهر رمضان « وغسل ليلة أربع وعشرين منه » ‌وروى في ذلك روايات ،

__________________

(١) الإقبال ص ٢١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٦.

(٣) الإقبال ص ٢١٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١٢ و ١٣.

٢٦

ولعل المستحب يكفي فيه أدنى من ذلك ، فتأمل.

وثانيها غسل ليلة النصف منه بلا خلاف أجده وإن كان ربما توقف فيه بعض متأخري المتأخرين من حيث عدم ظهور المستند ، لكنه ليس في محله للاكتفاء في مثله بنص هؤلاء الأساطين ، مع ما في الغنية من الإجماع عليه ، وفي الوسيلة من عدم الخلاف ، وما سمعته سابقا مما ورد في الفرادى ، بل في خصوص النصف منه ، كما في أول خبر نقلناه عن الإقبال ، و‌المرسل (١) في المقنعة عن الصادق عليه‌السلام « أنه يستحب الغسل في ليلة النصف من شهر رمضان » ‌إلى غير ذلك ، فلا ينبغي التوقف فيه ، وكان المصنف في المعتبر لم يعثر على شي‌ء مما ذكرنا حيث استدل على ذلك بعد أن نسبه إلى الثلاثة بأنه لعله لشرف تلك الليلة ، فاقترانها بالطهر حسن ، قلت : وينقدح منه هنا كتعليله غسل التوبة وغسل رجب وغيرهما ، بل صرح به في بعض كلماته كون الغسل مستحبا في نفسه وإن لم يحصل شي‌ء من موجباته ، ومثله عن العلامة في المنتهى في غسل التوبة ، وكأنه لقولهم : « الطهر على الطهر عشر حسنات » (٢) ‌و « أي وضوء أطهر من الغسل » (٣) وما ورد في بعض الروايات (٤) من الأمر بالغسل بماء الفرات من غير تعين علة أو غاية ، وفي الكل نظر ، بل ربما يظهر من الأصحاب حيث حصروا محاله عدمه ، كما هو قضية الأصل وقصور تلك الأدلة عن إفادته ولو مع التسامح إلا مع الاحتياط العقلي الذي ذكرناه غير مرة ، وذلك لظهور الطهر في غير ما نحن فيه من الأغسال المندوبة.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الجنابة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من كتاب المزار.

٢٧

ومنه تعرف فساد الاستدلال على مشروعية التحديد في الأغسال المندوبة ، إذ الأقوى عدمها ، وفاقا للمنقول عن نص العلامة والشهيد ، ونسبه بعض المحققين الى ظاهر الأصحاب ، بل إلى المعلوم من طريقة المسلمين ، للأصل وعدم وضوح دليل عليه ، فما عساه يظهر من المحكي عن المنتهى في غسل المستحاضة من مشروعية ذلك ضعيف لو سلم ظهوره ، وإن نقل عن بعض المتأخرين الميل اليه ، نعم قد يقال باستحباب الغسل لكل زمان شريف ومكان شريف كما عن ابن الجنيد ، وربما يشهد له فحاوي كثير من الأخبار كتعليل غسل العيدين عن الرضا عليه‌السلام (١) ويوم الجمعة (٢) وأغسال ليالي القدر (٣) ونحوه ، بل تتبع محال الأغسال يقضي به ، والمستحب يكفي فيه أدنى من ذلك.

وثالثها غسل ليلة سبع عشرة منه لصحيح ابن مسلم (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام المشتمل على سبعة عشر غسلا ، وحسنه عن الباقر عليه‌السلام (٥) المروي عن الخصال ، كخبر الأعمش (٦) عن الصادق عليه‌السلام عنه أيضا ، والفضل ابن شاذان عن الرضا عليه‌السلام (٧) المروي عن العيون ، ومرسل الفقيه (٨) والإقبال (٩) كل ذا مع ما في الغنية والروض من الإجماع عليه ، والوسيلة من عدم الخلاف فيه ، والمعتبر من نسبته إلى الأصحاب ، وما تقدم في الفرادى.

ورابعها وخامسها وسادسها غسل ليلة تسع عشر وإحدى وعشرين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١٨.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٨.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٦.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٤.

(٩) الإقبال ص ١٥٨.

٢٨

وثلاث وعشرين للإجماع المحكي إن لم يكن محصلا في الغنية والروض والمصابيح والمعتبرة المستفيضة (١) بل في بعضها (٢) النهي عن تركه في الأخيرين المحمول على الكراهة ، أو تأكد الاستحباب ، ومنه يستفاد أنهما أشد استحبابا من ليلة تسع عشرة كما يرشد إليه أيضا أنهما من العشر الأواخر ، ولعل الغسل في الثالثة والعشرين آكد منه في الحادية والعشرين ، لأنهما وإن اشتركا في كونهما فرادى ومن العشر الأواخر إلا أن الثالثة والعشرين ، أرجى لليلة القدر من غيرها ، ولعله يومي إلى ذلك خبر الجهني (٣) وغيره ، كما أنه يومي اليه استحباب تكرير الغسل فيها أول الليل وآخره لمضمر بريد (٤) قال : « رأيته اغتسل في ليلة ثلاث وعشرين مرتين ، مرة من أول الليل ومرة من آخر الليل » ‌وإضماره مع ظهور أنه الإمام عليه‌السلام كما عن الذكرى غير قادح ، سيما مع رواية السيد ابن طاوس في الإقبال عن بريد أيضا مستندا له إلى الصادق عليه‌السلام ، والظاهر أن له الاقتصار على أحدهما عملا بإطلاق غيره من الأدلة ، كما أنه له الغسل في الأثناء لذلك.

نعم قد يمنع الغسل في الأثناء مع الغسل أول الليل اقتصارا في مشروعية التعدد على الآخر ، كما أنه قد يمنع الغسل في الآخر لو اغتسل في الأثناء اقتصارا في مشروعيته على كون الغسل السابق أول الليل ، سيما ودليل الحكم حكاية فعل لا عموم فيها ، فتأمل. هذا كله لو أراد المحافظة على وظيفة الغسل مرتين ، أما لو أراد ذلك مرة واحدة كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ١١ من كتاب الصوم.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

٢٩

مخيرا في أي جزء كما في كل غسل أضيف إلى ليل أو يوم من غير فرق بين غسل ليالي القدر وغيره ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك ما في‌صحيح العيص بن القاسم عن الصادق عليه‌السلام (١) « عن الليلة التي يطلب فيها ما يطلب متى الغسل؟ فقال : من أول الليل ، وإن شئت حين تقوم من آخره ، وعن القيام ، فقال : تقوم في أوله وآخره ».

نعم قد يشعر قوله أولا من أول الليل باستحباب ذلك مع ما فيه من المسارعة والملاقاة لسائر الزمان مغتسلا ، وعليه يحمل ما في‌صحيح ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام والغسل في أول الليل ، وهو يجزئ إلى آخره » ‌و‌خبر ابن بكير (٣) « سأل الصادق عليه‌السلام عن الغسل في رمضان ـ إلى أن قال ـ : والغسل أول الليل ، قلت : فان نام بعد الغسل قال هو مثل غسل الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك » ‌كما يشعر به أيضا التشبيه بالجمعة لا على إرادة انحصار الاستحباب به ، وكذا ما سمعته سابقا من‌الخبر عنه عليه‌السلام (٤) « انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يغتسل في العشر الأواخر بين العشائين » ‌سيما مع الإطلاق في خبر آخر (٥) وكونه فعلا. فما عساه يظهر من المصابيح من التوقيت بما بين العشاءين للعشر الأواخر لا يخلو من نظر.

ثم انه يستفاد من خبر ابن بكير عدم قادحة النوم فيه ، وعدم استحباب الإعادة كما هو مقتضى الأصول وحصول الامتثال ، وكذا بالنسبة إلى كل حدث صغير أو كبير غير النوم ، وفي المصابيح لا يعاد شي‌ء منها بالحدث إجماعا ، فلو أعاد حينئذ شرع ، نعم قد ترجح الإعادة لاحتمال الخلل ونحوه مما يندرج تحت الاحتياط ، وكذا لو كان الغسل للفعل كغسل الإحرام أعاده لو نام بعده قبل وقوع الفعل للمعتبرة الصريحة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١٤.

٣٠

في ذلك بالنسبة للإحرام (١) ودخول مكة (٢) وفيها الصحيح ، خلافا للمحكي عن ابن إدريس فلم يعده ، وهو جيد على أصله إن لم يثبت الإجماع ونحوه عنده ، سيما بعد إطلاق ما دل (٣) على إجزاء غسل اليوم عن يومه ، والليل لليلة ، لكنه ضعيف عندنا للأخبار السابقة.

ثم انها وإن كانت خاصة في خصوص الإحرام ودخول مكة لكن الظاهر عدم الفرق بينهما وبين سائر الأغسال الفعلية لاتحاد الوجه ، ونسبه بعض المحققين إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، ولعل في التعليل في‌خبر عبد الرحمن بن الحجاج (٤) إشعارا به ، قال : « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام فيتوضأ قبل أن يدخل أيجزؤه ذلك أو يعيده؟ قال : لا يجزؤه ، لأنه إنما دخل بوضوء » ‌وكذا لا فرق بين النوم وغيره من الأحداث وفاقا للمحكي عن العلامة والشهيد وأبي العباس وإن اقتصرت عليه الأخبار السابقة لكنه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى على الظاهر ، مضافا إلى إشعار التعليل السابق والتسامح في المستحب ، خلافا لظاهر آخرين حيث اقتصروا على النوم للأصل وظاهر ما دل على الاجتزاء بغسل الليل إلى آخر الليل وكذا النهار مع غلبة تخلل الحدث في هذه المدة ، وفيه أنه يرد مثله في النوم أيضا ، نعم قد يتجه بملاحظة هذه الأخبار ـ مع الأصل والعمومات ، و‌صحيح العيص ابن القاسم (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة ويلبس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الإحرام من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٠ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢ من كتاب الحج.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ١ من كتاب الحج.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

٣١

ثوبين ثم ينام قبل أن يحرم. قال : ليس عليه غسل » ‌ـ أن المستحب إعادة الغسل بهذه الأحداث لا انتقاض الغسل الأول جمعا بينها وبين غيرها مما أمر بالإعادة ، وإن كان خبر عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم ظاهرا في النقض ، لكنه يحمل على إرادة عدم الاجزاء في كمال الفضل ، واختاره في المصابيح ، فتأمل.

ثم ان ظاهر المصنف وغيره من الأصحاب ممن نص على القضاء في غسل الجمعة وتركه في غيره عدم مشروعية القضاء فيما عداه ، وهو كذلك للأصل ، واحتياج القضاء إلى أمر جديد ، مع أنا لم نعرف فيه خلافا فيما نحن فيه من الأغسال الزمانية سوى ما يحكى عن المفيد من قضاء غسل يوم عرفة ، ولعله لقول أبي جعفر عليه‌السلام لزرارة (١) « إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة » ‌حيث جمع بين غسل عرفة وأغسال يوم العيد ، ولا يمكن ذلك في الأداء ، فليحمل على القضاء ، وفيه مع إمكان معارضته باحتمال جواز تقديم غسل العيد أن المراد الاجتزاء بالغسل الواحد للمتعدد حيث تجتمع كما يشعر به قوله (ع) بعده : « وكذلك » إلى آخره ، فتأمل. والشهيد من قضاء غسل ليالي الأفراد الثلاثة مسندا له في الذكرى والدروس إلى رواية ابن بكير عن الصادق عليه‌السلام (٢) لكنا لم نعثر على غير الرواية السابقة لابن بكير ، ولا ريب في ظهورها بإرادته الاغتسال للجمعة بعد الفجر ، فتأمل جيدا.

ومن الأغسال المستحبة أيضا غسل ليلة الفطر لقول الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٢) ذكر صدره في الوسائل ـ في الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ـ ١٥ ـ وذيله في الباب ـ ١١ ـ الحديث ٤.

٣٢

في خبر الحسن بن راشد (١) المروي في الكافي والإقبال وغيرهما بعد أن قال له : « الناس يقولون ان المغفرة تنزل على من صام شهر رمضان ليلة القدر ، فقال : يا حسن إن القار يجار انما يعطى أجرته عند فراغه وذلك ليلة العيد ، قلت : فما ينبغي لنا أن نعمل فيها؟ فقال : إذا غربت الشمس فاغتسل » ‌الى آخره. ومع ذا ففي الغنية الإجماع عليه ، وظاهر المصنف كمعقد الإجماع الاجتزاء بأي جزء من الليل ، وهو كذلك ، وان ظهر من الخبر المتقدم إرادة التوقيت بما بعد الغروب ، كما لا ريب أن الأصل يقتضي عدم مشروعية تقديمه أيضا ، لكونه من الموقت ، سيما لو كان التقديم اختياريا ، لكن‌قال ابن طاوس في إقباله في آداب ليلة الفطر : « روي أنه يغتسل قبل الغروب إذا علم أنها ليلة العيد » ‌انتهى. ولا صراحة فيه بل ولا ظهور في اتحاد هذا الغسل مع الغسل الليلي فلعله مستحب آخر ، وعلى تقديره فلا بد من القول حينئذ بكون الوقت للغسل من قبل الغروب ، وان الإضافة في النص والفتوى للجزء الأغلب ونحو ذلك ، ولعله يأتي نوع تعرض منا له ولمثله مما ورد في أغسال ليالي شهر رمضان أيضا قبل الغروب عند تعرض المصنف لعدم تقديم الغسل الزماني على وقته ، فتأمل.

وكذا يستحب في يومي العيدين الفطر والأضحى للمستفيض من الإجماع المحكي والأخبار (٢) وان كان في بعضها ما يقضي بالوجوب لما عرفت من الإجماعات المنقولة على عدمه إن لم تكن محصلة ، انما الكلام في وقته ، فهل يمتد بامتداد اليوم كما هو مقتضى إطلاق النص والفتوى والإضافة فيهما كمعاقد الإجماعات صريحها وظاهرها ، واختاره جماعة ، أو أنه من طلوع الفجر إلى ما قبل الخروج إلى المصلى كما عن ابن إدريس وأحد قولي العلامة حيث قال : الأقرب تضيقه عند الصلاة ، لقول الصادق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة.

٣٣

عليه‌السلام في موثق عمار الساباطي (١) « في رجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتى صلى قال : إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ، وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته » ‌بل ربما يظهر منه أن الغسل للصلاة كالمروي (٢) عن العلل والعيون عن الرضا عليه‌السلام في علة غسل الجمعة والعيد تعظيما لذلك اليوم وتفضيلا له على سائر الأيام وزيادة في النوافل والصلاة ، أو انه يمتد إلى الزوال الذي هو آخر وقت صلاة العيد كما مال إليه في الرياض لمساواة العيد للجمعة في كثير من الأحكام ، و‌الرضوي (٣) « إذا طلع الفجر يوم العيد فاغتسل ، وهو أول أوقات الغسل ثم إلى وقت الزوال » ‌ولعله يرجعه إلى سابقه أو إليه سابقه قال في الذكرى : « الظاهر امتداد غسل العيدين بامتداد اليوم عملا بإطلاق اليوم ، ويتخرج من تعليل الجمعة إلى الصلاة ، أو إلى الزوال الذي هو وقت صلاة العيد وهو ظاهر الأصحاب » انتهى.

ولا ريب في قوة الأول لما عرفت وقصور غيرها عن المعارضة مع عدم وضوح دلالتها ، إذ لا تلازم بين جواز الصلاة وبقاء الخطاب بغسل العيد ، كما انا لا نمنع ارتباط الصلاة به في الجملة ، فلا دلالة حينئذ في التعليل بزيادتها به على ذلك ، بل في الخبر نفسه التعليل أيضا بالتعظيم والتفضيل الظاهر في بقائه واستمراره ، على أن فعل الصلاة مختلف باختلاف الأشخاص ، فلا يليق التحديد به إلا أن يدعى حينئذ أنه غسل للفعل ، فيتوجه عليه حينئذ أن ظاهر الأدلة استحباب الغسل للعيد لمن خوطب بالصلاة ومن لم يخاطب ومن صلى ومن لم يصل ، وأما الرضوي فهو مع تسليم حجيته رده في المصابيح بأنه خلاف المدعى ، لامتداد الغسل فيه إلى الزوال وان صلى العيد ، انتهى.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١٨.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

٣٤

وهو ظاهر في أن الوجه الثالث الذي ذكرناه ليس مذهبا لأحد من الأصحاب ، ولعله كذلك.

ومنه حينئذ يظهر أن الرضوي لنا لا علينا ، كخبر عبد الله بن سنان (١) « الغسل من الجنابة ويوم الجمعة ويوم الفطر ويوم الأضحى ويوم عرفة عند زوال الشمس » ‌بل هو أظهر منه لإفادته الاستحباب والفضل ، وصلاة العيد انما تكون قبل ذلك غالبا ، وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه ، نعم يمكن القول بتأكد استحباب الغسل قبل الصلاة لأن له ارتباطا ما معها كما يومي اليه ما تقدم ، بل في المنقول (٢) عن ابن أبي قرة في كتاب أعمال شهر رمضان عن الرضا عليه‌السلام إدخاله في كيفية صلاة العيد ، فتأمل جيدا.

وكذا يستحب الغسل في يوم عرفة للنصوص المستفيضة (٣) وإجماعي الغنية والمدارك ، ولا يختص بالناسك في عرفات لإطلاق النص والفتوى ، وخصوص‌قول الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الرحمن (٤) : « اغتسل أينما كنت » ‌في جواب سؤاله عن غسل يوم عرفة في الأمصار ، كما أن إطلاقهما عدا النادر يقضي بامتداده في سائر اليوم ، لكن يحكى عن علي بن بابويه أنه قال : « واغتسل يوم عرفة قبل زوال الشمس » ولعله لخبر عبد الله بن سنان (٥) « الغسل من الجنابة ويوم الجمعة ويوم الفطر ويوم الأضحى ويوم عرفة عند زوال الشمس » ‌إلا أنه مع ظهور إعراض الأصحاب لإطلاقهم كغيره من النصوص يتعين حمله على إرادة الفضيلة أو غير ذلك ، واحتمال إرادة التحديد للآخر فيها بالزوال ، فتخرج حينئذ شاهدا على تحديد غسل يومي العيدين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١٠.

(٢) الإقبال ص ٢٧٩ لكن رواه عن أبى عبد الله عليه‌السلام.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

٣٥

بالزوال كما ترى ، فالأقوى حينئذ امتداد استحبابه بامتداد اليوم ، ونحوه في الاستحباب والامتداد يوم التروية لإطلاق دليله من صحيح ابن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام وعمار عن الصادق عليه‌السلام (٢) ، وغيرهما (٣).

وكذا يستحب الغسل أيضا في ليلة النصف من رجب على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا بين الأصحاب بل في الوسيلة عده في المندوب بلا خلاف ، وعن العلامة في النهاية والصيمري في الكشف نسبته إلى الرواية ، كل ذا مع ما في الزمان من الشرف ان قلنا باستحباب الغسل لمثل ذلك كما عن ابن الجنيد ، وتقدم الكلام فيه ، وعن‌ابن طاوس (٤) في الإقبال أنه قال : وجدنا في كتب العبادات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « من أدرك شهر رجب فاغتسل في أوله وأوسطه وآخره خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه » ‌والمناقشة فيه بالإرسال كالدلالة باحتمال إرادة النهار ليست في محلها في مثل المقام ، بل لا يبعد الحكم باستحبابه ليلا ونهارا لمكان هذا الخبر والتسامح في المستحب ، كما أنه لا يبعد الحكم باستحبابه أيضا في أوله وآخره لذلك.

وكذا الكلام في استحباب الغسل في يوم السابع والعشرين منه وهو يوم المبعث بلا خلاف أجده فيه ، بل في الغنية الإجماع عليه ، والوسيلة عده في المندوب بلا خلاف ، والعلامة والصيمري نسبته إلى الرواية ، فلا وجه للتوقف فيهما بعد ذلك بل ولا في يوم المولود وهو السابع عشر من ربيع الأول على المشهور ، وعن الكليني‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

٣٦

أنه ثاني عشر لرواية (١) والأول أقوى ، وكيف كان فلم أجد خلافا في استحباب الغسل فيه كما اعترف به في الوسيلة ، وعن الكشف نسبته إلى الرواية ولعل ذلك كاف في ثبوت استحبابه ، مضافا إلى ما قيل انه من جملة الأعياد ، فيستحب فيه الغسل لما يشعر به بعض الأخبار من استحباب الغسل في كل عيد‌كالمرسل (٢) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال في جمعة من الجمع : « هذا اليوم جعله الله عيدا للمسلمين فاغتسلوا فيه » ‌وعن الخلاف الإجماع على استحباب الغسل في الجمعة والأعياد بصيغة الجمع.

وكذا ليلة النصف من شعبان بل زيادة ، إذ هو مع عدم الخلاف فيه ظاهرا والإجماع عليه من ابن زهرة كنفي الخلاف من ابن حمزة مدلول قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٣) « صوموا شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه ، ذلك تخفيف من ربكم » ‌و‌قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خبر سالم مولى أبي حذيفة (٤) المروي عن المصباح « من تطهر النصف من شعبان فأحسن التطهير ـ إلى أن قال ـ : قضى الله له ثلاث حوائج ».

وكذا يوم الغدير وهو الذي أخذ فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البيعة لأمير المؤمنين عليه‌السلام في غدير خم بعد رجوعه من حجة الوداع ، وكان اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة من السنة العاشرة من الهجرة على المعروف بين الأصحاب كما نسبه إليهم غير واحد ، بل في التهذيب والغنية والروض الإجماع عليه ، وهو الحجة ،

__________________

(١) أصول الكافي ج ١ ص ٤٣٩ من طبعة طهران.

(٢) كنز العمال ج ـ ٤ ـ ص ١٥٢ ـ الرقم ٣٣٦٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

٣٧

مضافا إلى‌قول الصادق عليه‌السلام في خبر العبدي (١) « من صلى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة ـ وبين كيفية الصلاة إلى أن قال ـ : ما سأل الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيت له كائنة ما كانت » ‌الحديث. وفي‌الإقبال عن أبي الحسن الليثي عن الصادق عليه‌السلام (٢) أيضا في حديث ذكر فيه فضل يوم الغدير قال : « فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر نهاره » ‌وكان التوقيت فيهما محمول على الاستحباب لقصورهما مع اختلافهما فيه عن تقييد كلمات الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم ، فما عن ابن الجنيد ان وقت هذا الغسل من طلوع الفجر إلى قبل صلاة العيد لما عرفت ضعيف ، على أنه لو أريد الاقتصار على ما في الخبر لوجب تخصيصه بمريد الصلاة ، ولعله من هنا يمكن القول باستحباب الغسل من جهتين الصلاة واليوم ، وامتداده من حيث الثانية لا ينافي عدمه من حيث الأولى ، والعمدة الإجماعات السابقة ، وبها لا يلتفت إلى ما يحكى عن الصدوق ، حيث قال في الفقيه : « فأما خبر صلاة الغدير والثواب المذكور فيه لمن صامه فان شيخنا محمد بن الحسن كان لا يصححه ، ويقول : إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني ، وكان غير ثقة ، وكل ما لم يصححه هذا الشيخ ولم يحكم بصحته فهو عندنا متروك غير صحيح » انتهى. إذ هو مع مخالفته لما عرفت واقتضائه عدم العمل بالأخبار الضعيفة في الآداب والسنن يمكن إرادته إبطال خصوص ما في هذا الخبر من الثواب المخصوص وإن وافق على مطلق الاستحباب ، فتأمل جيدا.

وكذا يستحب الغسل في يوم المباهلة على المشهور بين الأصحاب لما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الإقبال ص ٤٧٤.

٣٨

عن‌الإقبال (١) بسنده إلى ابن أبي قرة بإسناده إلى علي بن محمد القمي رفعه قال : « إذا أردت ذلك فابدأ بصوم ذلك اليوم شكرا ، واغتسل والبس أنظف ثيابك » ‌وعن‌المصباح (٢) عن محمد بن صدقة العنبري عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : « يوم المباهلة يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة تصلي في ذلك اليوم ما أردت ـ ثم قال ـ : وتقول وأنت على غسل : الحمد لله رب العالمين » ‌إلى آخره ، وما في السند والدلالة منجبر بالشهرة السابقة التي هي قريب الإجماع ، بل لعلها كذلك ، بل في الغنية الإجماع على غسل المباهلة ، والظاهر إرادته يوم المباهلة لا فعلها ، لاستبعاد دعوى الإجماع عليه ، فيكون حينئذ دليلا آخر ، نعم يحتمل ذلك في‌موثق سماعة (٣) قال : « وغسل المباهلة واجب » ‌لأصالة عدم تقدير اليوم ، لكن قد يقال فهم الأصحاب يعينه ، فتتكثر الأدلة على المطلوب حينئذ ، فتأمل جيدا.

وبناء على الوجه الأول يستفاد منه حينئذ استحباب الغسل لفعل المباهلة كما عن جماعة النص عليه ، ويدل عليه‌خبر أبي مسروق عن الصادق عليه‌السلام (٤) المروي عن أصول الكافي قال : « قلت : انا نكلم الناس فنحتج عليهم بقول الله عز وجل (٥) ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) فيقولون نزلت في أمراء السرايا ،

__________________

(١) الإقبال ص ٥١٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب بقية الصلاة المندوبة ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ الحديث ٣.

(٤) أصول الكافي باب المباهلة من كتاب الدعاء ـ الحديث ١ لكن في الكافي المسترق ) بدل ( المسروق ).

(٥) سورة النساء ـ الآية ٦٢.

٣٩

فنحتج بقول الله عز وجل (١) ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) فيقولون نزلت في مودة قربى المسلمين ، فنحتج بقول الله عز وجل (٢) ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) فيقولون نزلت في المؤمنين ، فلم أدع شيئا مما حضرني ذكره من هذا وشبهه إلا ذكرته ، فقال لي : إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة ، قلت : فكيف أصنع؟ قال : أصلح نفسك ثلاثا وأظنه قال : وصم واغتسل وابرز أنت وهو إلى الجبان ، فشبك أصابعك اليمنى في أصابعهم ثم أنصفه وابدأ بنفسك وقل اللهم رب السماوات ورب الأرضين عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم إن كان أبو مسروق جحد حقا وادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما ، ثم رد الدعاء عليه. فقل وإن كان فلان جحد حقا وادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما ، ثم قال : فإنك لا تلبث إلا أن ترى ذلك ، فو الله ما وجدت خلقا يجيبني إلى ذلك » ‌وقول الراوي : « وأظنه قال » يختص بالصوم ولا يعم الاغتسال كما هو الظاهر.

ثم إنه يستفاد من خبر العنبري السابق زيادة على استحباب الغسل إن يوم المباهلة الرابع والعشرون من ذي الحجة ، وهو المشهور كما في الذكرى والروض وفوائد الشرائع والذخيرة والكشف وغيرها حكايتها عليه ، وعن إقبال ابن طاوس نسبته إلى أصح الروايات بعد أن حكى قولا بالسابع والعشرين ، وآخر بالواحد والعشرين ، ولم ينقل عنه ذكر الخمس والعشرين قولا لأحد ، لكن ذهب اليه المصنف في المعتبر ، ولعل الأول أقوى.

قلت : وقد بقي زيادة على ما ذكرته وذكره المصنف بعض الأغسال الزمانية كغسل يوم دحو الأرض ويوم نيروز الفرس ويوم تاسع ربيع ، فأما الغسل لدحو‌

__________________

(١) سورة الشورى ـ الآية ٢٣.

(٢) سورة ـ المائدة ـ الآية ٦٠.

٤٠