جواهر الكلام - ج ٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

احتمل فيه كالفقيه ان ذلك لعدم تعدي نجاسة الجلد لا لعدم نجاسته.

وعلى كل حال فلا ريب في بطلانه ، وكيف لا وقد أنكر جميع الأصحاب على ابن الجنيد حيث قال بطهارة جلد ما كان طاهرا حال الحياة من الميتة بالدبغ ، مع موافقته في أصل النجاسة ، بل في الانتصار والخلاف والغنية والذكرى وكشف اللثام وعن الناصريات ونهاية الاحكام وكشف الحق وغيرها الإجماع على خلافه ، بل في شرح المفاتيح للأستاذ انه من ضروريات المذهب كحرمة القياس ، كما في الذكرى وعن التذكرة أن الاخبار به متواترة.

قلت : لعله أشار بذلك إلى ما دل على النهي عن الانتفاع بشي‌ء من الميتة.

( منها )مكاتبة الجرجاني (١) إلى أبي الحسن عليه‌السلام « يسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها إن ذكي ، فكتب لا ينتفع من الميتة بشي‌ء بإهاب ولا عصب ».

و‌الصحيح عن علي بن المغيرة (٢) قال : « قلت للصادق عليه‌السلام : جعلت فداك الميتة ينتفع بشي‌ء منها ، فقال : لا ، قلت : بلغنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مر بشاة ميتة فقال : ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا بإهابها ، قال : تلك الشاة لسوادة بنت رفعة زوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كان لأهلها إن لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها أي تذكى ».

و‌موثق أبي مريم (٣) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : السخلة التي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢ وهو عن علي بن أبي المغيرة وفيه « لسودة بنت زمعة » بدل « لسوادة بنت رفعة ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

٣٠١

مر عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي ميتة فقال : ما ضر أهلها لو انتفعوا بإهابها ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لم تكن ميتة يا أبا مريم ، لكنها كانت مهزولة فذبحها أهلها فرموا بها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كان على أهلها لو انتفعوا بها » ‌ولا منافاة بين الخبرين لاحتمال تعدد السخلتين.

و‌خبر أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام في حديث « ان علي بن الحسين عليهما‌السلام كان يبعث للعراق فيؤتى بالفرو ، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه ، فكان يسأل عن ذلك فقال : إن أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة ويزعمون ان دباغه ذكاته ».

كخبر ابن الحجاج (٢) عن الصادق عليه‌السلام في حكاية ذلك عن أهل العراق وزاد « ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

وفي‌المرسل (٣) عن دعائم الإسلام عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الميتة نجسة وان دبغت » ‌إلى غير ذلك من الاخبار الكثيرة الدالة بأنواع الدلالة المنجبر ضعفها سندا ودلالة لو كان بما عرفت.

فمن العجيب بعد ذلك كله والاستصحاب ونحوه وصدق الميتة بعد الدبغ وظاهر الآية (٤) موافقة الكاشاني في مفاتيحه لابن الجنيد في التطهير بالدبغ معللا له بأن عدم جواز الانتفاع لا يستلزم النجاسة ، على أنه ورد في جواز الانتفاع بها في غير الصلاة أخبار كثيرة ، وأيضا فإن المطلق يحمل على المقيد.

لكنه لا عجب بعد اختلال الطريقة ، مع ما في تعليله من منع عدم الاستلزام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٦.

(٤) سورة البقرة ـ الآية ١٦٨.

٣٠٢

إن أراد الدلالة العرفية ، خصوصا على ما قيل : إنه لا معنى للطهارة الشرعية سوى عدم المنع عن الصلاة والأكل والشرب ونحوهما بالنسبة اليه وإلى ملاقيه وملاقي ملاقيه وهكذا ، ولا للنجاسة الشرعية إلا المنع كذلك ، على أن المانع هنا من تمام الانتفاعات ليس إلا النجاسة إجماعا منقولا ان لم يكن محصلا بل ضرورة ، مضافا إلى عدم قائل بالفصل ، إذا ابن الجنيد يجوز جميع الانتفاعات بعد الدبغ عدا الصلاة.

وأما دعواه كثرة الأخبار بجواز الانتفاع ففيه انا لم نعثر إلا على مرسل الصدوق ، وهو مع عدم ذكر الدبغ فيه قد عرفت ما فيه ، و‌خبر الحسين بن زرارة (١) عن الصادق عليه‌السلام « عن جلد شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن والماء فأشرب منه وأتوضأ قال : نعم ، وقال : يدبغ فينتفع به ولا يصلى فيه » ‌وهو مع الغض عن سنده وموافقته للعامة قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه حتى المطلق منها.

و‌خبر الصيقل (٢) قال : « كتبت إلى الرضا عليه‌السلام أني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فيصيب ثيابي فأصلي فيها ، فكتب إلى اتخذ ثوبا لصلاتك ، فكتبت إلى الجواد عليه‌السلام كنت كتبت إلى أبيك بكذا وكذا فصعب علي ذلك فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية ، فكتب إلى كل أعمال البر بالصبر يرحمك الله ، فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس » ‌وهو مع الطعن في سنده محتمل لإرادة غير معلوم التذكية بل مظنونها ، لغلبة عدمها في الحمر الأهلية ، وإلا لو أريد الميتة واقعا لكن مع الدبغ كما يقوله الخصم لم يكن وجه للأمر باتخاذ الثوب ولا لاشتراط عدم البأس بالذكاة.

كاحتمال موثقة سماعة (٣) قال : « سألته عن جلد الميتة المملوح وهو الكيمخت ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧.

٣٠٣

فرخص به ، وقال : إن لم تمسه فهو أفضل » ‌إلى آخرها. خصوصا بعد ما في‌خبر ابن أبي حمزة (١) « ان رجلا سأل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده عن الرجل يتقلد السيف ويصلي فيه ، قال : نعم ، فقال الرجل : إن فيه الكيمخت ، قال : وما الكيمخت؟قال : جلود دواب منه ما كان ذكيا ، ومنه ما يكون ميتة ، فقال : ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه » ‌الحديث. إذ هو كالصريح في كون المراد بالكيمخت غير معلوم التذكية.

وكيف كان فلا ينبغي الإصغاء إلى هذه الخرافات ، ولا تضييع العمر في التشكيك في الضروريات ، وأطرف شي‌ء قوله : إن المطلق يحمل على المقيد ، مع أن في تلك الأدلة ما لا يصلح لذلك ، على انه كيف يتخيل جواز تحكيم مثل هذا المقيد على مثل ذلك المطلق ، ولعل إطالة البحث في ذلك تضييع للعمر فيما لا ينبغي ، لما عرفت من ضرورية الحكم عندنا ، فلا إشكال حينئذ في حرمة استعماله فيما كانت الطهارة شرطا فيه من الأكل والشرب ونحوهما ، بل قد يقال بحرمة الانتفاع به مطلقا كما حكي عن جمهور الأصحاب التصريح به.

نعم عن التذكرة والمنتهى التردد فيه بالنسبة لليابس ، لكن فيهما أن المنع أقرب كما عن الشهيدين التصريح به ، بل في شرح المفاتيح للأستاذ « انه ليس محل خلاف وان وقع في الذخيرة نوع تردد فيه ، وليس بمكانه » انتهى.

قلت : وهو كذلك ، لإطلاق الأدلة ، إلا أنه لا يترتب عليه فساد العبادة فيما لو اتخذ منه مثلا حوضا يسع أزيد من كر مثلا فتوضأ منه كما صرح به في القواعد وكشف اللثام ، إذ المحرم عليه جعل الماء فيه لا إفراغه عنه ، نعم لو قلنا بوجوب الإفراغ عليه وباقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن الضد وكان الوضوء ضدا اتجه الحكم بالفساد حينئذ ، كما قد يتجه لو استعمله في نفس العبادة فيما لو ارتمس فيه مثلا ، بل الأحوط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

٣٠٤

ترك الوضوء فيه أيضا ، لصدق استعمال جلد الميتة كما اختاره الأستاذ في كشف الغطاء.

وهل يدخل في الانتفاع المحرم نحو التسقيف به ، والإحراق لتسخين الماء لو قلنا بجواز أصل إحراق الحيوان؟ وجهان ، من الشك في تناول الأدلة لمثله وعدمه.

وأما ميتة الآدمي من ذي النفس فنجسته بلا خلاف أجده فيه ، بل في الخلاف والغنية والمعتبر والمنتهى والذكرى والروض وعن ظاهر الطبريات والتذكرة وصريح نهاية الاحكام وكشف الالتباس وغيرها الإجماع عليه ، وهو الحجة ، مضافا إلى إطلاق أو عموم بعض ما تقدم في ميتة ذي النفس غيره.

وإلى‌قول الصادق عليه‌السلام في خبر إبراهيم بن ميمون (١) بعد أن سأله عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميت : « إن كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه وان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه » ‌كقوله عليه‌السلام في حسن الحلبي (٢) أو صحيحه أيضا : « يغسل ما أصاب الثوب » بعد أن سئل مثل ذلك.

وإلى ما عن‌الطبرسي (٣) في احتجاجه انه قال : « مما خرج عن صاحب الزمان عليه‌السلام إلى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري حيث كتب اليه روي لنا عن العالم عليه‌السلام انه سئل عن إمام قوم صلى بهم بعض صلاته وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال : يؤخر ، ويتقدم بعضهم ويتم صلاتهم ، ويغتسل من مسه ، التوقيع : ليس على من نحاه إلا غسل اليد ، وإذا لم يحدث حادثة تقطع الصلاة يتمم صلاته مع القوم » ‌و‌عنه أيضا (٤) قال : « وكتب اليه وروي عن العالم عليه‌السلام أن من مس ميتا بحرارته غسل يده ، ومن مسه وقد برد فعليه الغسل ، وهذا الميت في هذه الحالة لا يكون إلا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو؟ ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب غسل المس ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب غسل المس ـ الحديث ٥.

٣٠٥

فكيف يجب عليه الغسل؟ التوقيع : إذا مسه على هذه الحالة لم يكن عليه إلا غسل يده » ‌وعن الشيخ في كتاب الغنية روايته مسندا ، إلى غير ذلك من الاخبار مما مر ويمر عليك إن شاء الله.

ثم ان ظاهر التوقيعين بل صريحهما كسابقهما من الاخبار والإجماعات كون النجاسة هنا كغيرها من النجاسات في جريان جميع الاحكام التي منها غسل الملاقي وحرمة أكله وشربه ، فما في المفاتيح من الميل إلى إنكار ذلك هنا بل ومطلق الميتة كاد يكون إنكار ضروري مذهب بل دين ، قال بعد حسن الحلبي : « لا دلالة فيه ، لإمكان أن يكون المراد منه إزالة ما أصاب الثوب مما على الميت من رطوبة أو قذر تعديا إليه ، إذ لو كان الميت نجس العين لم يطهر بالتغسيل ـ ثم قال ـ : والمستفاد من بعض الاخبار عدم تعدي نجاسة الميتة مطلقا ، ولا بعد فيه ، لان معنى النجاسة لا ينحصر في وجوب غسل الملاقي كما يأتي بيانه في حكم نجاسة الكافر ـ وقد قال هناك بعد ذكره ما دل من الاخبار على عدم النجاسة ـ وفي هذه الاخبار دلالة على أن معنى نجاستهم خبثهم الباطني لا وجوب غسل الملاقي كما مرت الإشارة إليه » انتهى.

وفيه من الغرابة ما لا يخفى إن أراد عدم النجاسة بالمعنى المعروف فيه نفسه أيضا فضلا عن ملاقيه كما يشعر به ذيل عبارته ، بل وتعليله بعدم طهارته بالغسل لو كان نجسا عينا ، وكأنه هو الذي ألجأه إلى تلك الدعوى ، كما أنه ألجأ الشافعي إلى القول بعدم نجاسة الآدمي بالموت ، وهو اجتهاد في مقابلة النص ، واستبعاد لغير البعيد ، إذ الطهارة والنجاسة من الأمور التعبدية ، كحصول الطهارة للكافر بالإسلام ، والعصير بالنقص ، والبئر وجوانبها وآلات النزح بتمامه على القول بالنجاسة ، وغير ذلك ، مضافا إلى ما سمعته من الاخبار الآمرة بغسل الثوب واليد من المباشرة ، واحتمال إرادة غسله من رطوبات الميت والقذارة كما ذكره مع بعد في بعضها دال على النجاسة أيضا ، وإلا لما‌

٣٠٦

أمر بخصوص الغسل ، وتقييد الرطوبة في كلامه بالنجسة بالذات ينافي عطفه القذر عليها ، إذ هي حينئذ نوع منه أو عينه ، وحمل القذر على النجس العيني والرطوبة على العارض بغير الموت وإن أمكن في كلامه لكنه تصرف بغير إذن المالك بالنسبة للخبر ، بل تشه محض ، وكذا إن أراد عدم التعدي خاصة وان كان نجسا في نفسه إلا أنه من النجاسات الحكمية ، لما عرفت من الإجماع بقسميه ، والاخبار على خلافه ، خصوصا ما استفاض منها بإلقاء ما مات فيه الفأرة ونحوها من المائعات كالماء والدهن والمرق وغيرها.

نعم ظاهر السرائر عدم تعدي نجاسة ما يلاقي الميت ولو رطبا إلى غيره كذلك ، كما انه احتمله العلامة في خصوص اليابس الملاقي للميت مع حكمه بنجاسة الملاقي اليابس ، وما أبعد ما بينه وبين الكاشاني ، وسيأتي البحث فيه إن شاء الله.

وكيف كان فينبغي استثناء المعصوم عليه‌السلام والشهيد ومن شرع له تقدم الغسل على موته كالمرجوم ، فاغتسل من ميت الآدمي ، وفاقا لكشف اللثام وعن الميسي ، للأصل المقرر بوجوه ، ولما ورد في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) انه طاهر مطهر ، كالزهراء البتول عليهما‌السلام (٢) ويتم في غيرهما من المعصومين بعدم القول بالفصل وبالقطع بالاشتراك في علة ذلك ، ولظهور ما دل (٣) على سقوط الغسل للشهيد بعدم نجاسته بهذا الموت إكراما وتعظيما له من الله تعالى شأنه ، بل لم يجعله عز وجل موتا ، فقال عز من قائل (٤) ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) كظهور ما دل (٥) على مشروعية تقدم الغسل في جريان أحكام الغسل المتأخر عليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب غسل المس ـ الحديث ٧.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الحيض ـ الحديث ١٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب غسل الميت.

(٤) سورة آل عمران ـ الآية ١٦٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب غسل الميت ـ الحديث ١.

٣٠٧

التي منها عدم النجاسة ، ولا استبعاد في ذلك وان تقدم بعد مجي‌ء الدليل ، كما تقدم البحث فيه في أحكام الأموات.

كل ذا مع قصور ما دل على التنجيس من الاخبار ، (١) وإطلاق بعض معاقد الإجماع عن تناول مثل هذه الافراد ، بل قد يدعى ظهور النصوص بل والفتاوى في غيرها ، سيما الأخيرين ممن شرع تغسيله بعد موته ، أو لم يشرع هوانا به ، خصوصا ان قلنا بالتلازم بين النجاسة وغسل المس ولم نوجبه بمسهما كما سيأتي البحث فيه إن شاء الله.

وألحق جماعة منهم الشهيد في الذكرى والمحقق الثاني في جامع المقاصد والسيد في مداركه بهذه الثلاثة الميت من الإنسان قبل البرد ، فلا يجب الغسل بالفتح بمباشرته ، للأصل المقرر بوجوه ، وعدم القطع بالموت.

بل في الحدائق « انا نمنع انفصال الروح في هذا الحال تماما ، إذ هي بعد خروجها من البدن يبقى لها اتصال كاتصال شعاع الشمس بعد غروبها بما أشرقت عليه ، وآثار ذلك الاتصال باقية ، فإذا برد انقطع وعلم خروجها بجميع متعلقاتها وآثارها » الى آخره. ولظهور التلازم بين الغسل بالفتح والغسل بالضم ، لاشتراكهما في العلة ، وهي النجاسة كما يومي اليه تلازمهما في غير محل البحث وجودا وعدما ، ومنه سقوطهما معا بمس الشهيد ونحوه.

كايماء مكاتبة الحسن بن عبيد (٢) الى الصادق عليه‌السلام وصحيحة الصفار (٣) ففي الأول « كتب اليه هل اغتسل أمير المؤمنين عليه‌السلام حين غسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند موته؟ فأجابه عليه‌السلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طاهر مطهر ، لكن فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وجرت به السنة » ‌الحديث.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب التكفين.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب غسل المس ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب غسل المس ـ الحديث ٥.

٣٠٨

و‌في الثاني « كتب اليه رجل أصاب يديه أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جلده قبل أن يغسل هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقع عليه‌السلام إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل » ‌ولما لم يجب الغسل بالضم بالمس في هذا الحال نصا وفتوى كما ستعرف لم يجب بالفتح.

ولإطلاق نفي البأس أو عمومه في‌خبر إسماعيل بن جابر (١) لما دخل على الصادق عليه‌السلام حين موت ابنه إسماعيل فجعل يقبله وهو ميت ، فقال له : « جعلت فداك أليس لا ينبغي أن يمس الميت بعد أن يموت ، ومن مسه فعليه الغسل؟ فقال : أما بحرارته فلا بأس ، إنما ذاك إذا برد » ‌الحديث.

كصحيح ابن مسلم (٢) عن الباقر عليه‌السلام « مس الميت عند موته وبعد غسله ، والقبلة ليس بها بأس ».

وفي الكل نظر لانقطاع الأصل بإطلاق الأخبار السابقة ومعاقد جملة من الإجماعات على نجاسة الآدمي بالموت ، كإطلاق الإجماع أيضا على نجاسة مطلق ذي النفس به ، ومنه الإنسان ، وبصريح المروي في الاحتجاج المتقدم سابقا ، ولمنع عدم القطع بالموت ، إذ هو مع أنه موكول الى العرف كموت غيره من ذوات الأنفس مستفاد من الاخبار (٣) أيضا ، خصوصا ما دل (٤) منها على التفصيل بين الحالين للميت ، على أنه لو لم يحصل الموت إلا بالبرودة لم يجز دفنه ولا تغسيله ، بل ولا يجري شي‌ء ، من أحكام الأموات عليه بالنسبة إلى أمواله ونسائه وغيرها ، وهو مما يقطع بفساده في البعض ان لم يكن في الكل ، بل في الروض « انه لم يقل أحد بعدم جواز دفنه قبل البرودة ، خصوصا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب غسل المس ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب غسل المس ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب غسل المس.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب غسل المس.

٣٠٩

صاحب الطاعون ، وقد أطلقوا القول باستحباب التعجيل مع ظهور علامات الموت » انتهى.

وما سمعته من الحدائق بعد تسليمه لا ينافي صدق اسم الموت وتحققه مع ذلك التعلق ، كمنع دعوى التلازم بين المضموم والمفتوح ، لتعليق الأول نصا وفتوى على البرودة والثاني على الموت ، واتفاق تلازمهما وجودا وعدما في غالب الأوقات لا يقتضي الاشتراك في العلية.

والمكاتبة الأولى مشعرة بانتفاء غسل المس لانتفاء النجاسة في خصوص موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحوه ، ولعله لان علته مركبة من النجاسة الموتية والبرودة ، فانتفاء أحدهما علة تامة في عدمه ، وهو لا ينافي كون علة النجاسة الموت بالنسبة إلى غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نعم ذلك يقتضي عدم انفكاك غسل المس لغيره أيضا عن النجاسة لا العكس ، ولعلنا نقول به ، ولا ينافيه تحقق غسل المس بدون نجاسة ما حصل المس به ، كما لو مسه مع الجفاف بناء على عدم النجاسة بذلك ، أو مس ما لا تحله الحياة منه كالظفر مثلا ، لان المراد نجاسة جملة الميت في حد ذاتها وان اتفق عدم حصول النجاسة بالنسبة إلى خصوص الجزء المباشر الذي تحقق به صدق المس ، فتأمل فإنه قد يدق.

ولا إشعار في المكاتبة الثانية إذا كان لفظ الغسل فيها بفتح الغين ، كما هو كذلك بقرينة السؤال ، فيكون اللام فيه للعهد الذكري ، بل وكذا لا إشعار إذا كان بالضم أيضا ، سيما إذا أريد من لفظ « قد » الإهمال لا التحقق على معنى ماضوية المضارع ، فتأمل جيدا ، ولظهور نفي البأس في الخبر بالنسبة للغسل بالضم ، وعليه يحمل ما في الصحيح الذي بعده.

ومن ذلك كله كان خيرة التذكرة والقواعد والروض وكشف اللثام والرياض النجاسة وان لم يبرد كما عن المبسوط ، وربما يقتضيه إطلاق المصنف وغيره ، بل قد يظهر من التذكرة الإجماع عليه ، حيث قال : لو مسه قبل برده فالأقرب وجوب غسل

٣١٠

اليد ، لانه لاقى نجاسة ، إذ الميت نجس عندنا ، بل في الرياض أرسل حكاية الإجماع على النجاسة قبل البرودة عن الخلاف والمعتبر والتذكرة والمنتهى ، لكنه وهم قطعا ، إذ معقد الإجماع في هذه الكتب مطلق لا تعرض فيه للبرودة والحرارة ، بل محتمل قويا كغيره من المعاقد لإرادة النجاسة في الجملة في مقابلة قول الشافعي بالطهارة ، ولذا حكاه في كشف اللثام عنها كذلك أي مطلقا ، وهو واسطته في النقل غالبا كما لا يخفى على الممارس لكتابيهما ، فكان عليه حكايته مثله ، بل في المنتهى بعد أن حكى عن المبسوط وجوب غسل اليد قال : وعندي فيه نظر ، وكيف كان فالأقوى النجاسة لما عرفت ، والله أعلم.

نعم لا نجاسة بعد تغسيله قطعا وإجماعا.

وفي إلحاق المتيمم لفقد الماء مثلا وفاقد الخليطين ونحوهما من الاعذار نظر وتأمل ، خصوصا الأول ، ينشأ من استصحاب النجاسة وغيره مما دل عليها ، فلا يخرج عنها إلا بالمتيقن ، مع عدم ثبوت قيام التراب مقام الماء في رفع الخبث ، ومن ظهور قيامها حال التعذر مقام الغسل الصحيح ، لاقتضاء الأمر الاجزاء ونحوه ، لكن الإلحاق لا يخلو من قوة ، خصوصا في فاقد الخليطين ، والاحتياط لا يترك.

وكلما ينجس من الحيوان بالموت فما قطع من جسده فهو نجس حيا كان المقطوع منه أو ميتا بلا خلاف يعرف فيه ، كما اعترف به في المعالم ، واستظهره في الحدائق ، بل في المدارك انه مقطوع به في كلام الأصحاب ، وفي شرح المفاتيح للأستاذ الأكبر « ان أجزاء الحيوان التي تحلها الحياة تنجس بالموت وان قطعت من الحي باتفاق الفقهاء ، بل الظاهر كونه إجماعيا ، وعليه الشيعة في الأعصار والأمصار » الى آخره. وعن الذخيرة « ان المسألة كأنها إجماعية ، ولولا الإجماع لم نقل بها ، لضعف الأدلة » انتهى وفي كشف اللثام « ان الحكم باستواء الأجزاء المنفصلة من الحي والميت مما قطع به‌

٣١١

الفاضلان ومن بعدهما ولم أظفر لمن قبلهما بنص على أجزاء الحي إلا على أليات الغنم » انتهى.

قلت : وهو كذلك ، لكن في الخلاف الإجماع على وجوب الغسل لمن مس قطعة من ميت أو حي وكان فيها عظم ، ولعله لازم النجاسة لما عرفت من لزوم غسل المس لها دون العكس ، وفي التذكرة « كلما أبين من الحي مما تحله الحياة فهو ميت ، فان كان من آدمي فهو نجس عندنا خلافا للشافعي » وظاهره الإجماع كصريحه أيضا فيها منا بل من المسلمين عدا الزهري بالنسبة إلى جلد الميتة ، كالذي سمعته سابقا من المنتهى وغيره.

وكيف كان فيدل عليه مضافا الى ذلك الاستصحاب في خصوص المقطوع من الميت ، بل وإطلاق ما سمعته مما دل على نجاسة الميتة ، لظهورها في عدم اشتراط الاتصال والاجتماع بالنسبة الى ذلك ، سيما والحكم النجاسة مما لا يتفاوت فيه الحالان كما في الكلب والخنزير ونحوهما ، بل تعليل طهارة الصوف في صحيحة الحلبي (١) بعدم الروح فيه كالصريح في علية الموت للنجاسة ، وانه المناط فيها كما هو الظاهر من غيرها مما علق فيه الحكم على الميتة مما يشعر بالعلية أيضا ، بل ينبغي القطع به من تتبع تضاعيف الأدلة في المقام وفي انفعال القليل والبئر والكر بالتغير والحل والحرمة ، سيما ما ستسمعه في أليات الغنم ونحوها.

ومن ذلك يستفاد حكم المقطوع من الحي أيضا ، لوجود العلة فيه ، ولعل ذا هو الذي أشار إليه في المنتهى حيث استدل على ما نحن فيه بوجود معنى الموت في الاجزاء سواء أخذت من حي أو ميت ، لوجود المعنى في الحالين ، فما في المدارك من أن ضعفه ظاهر ، إذ غاية ما يستفاد من الاخبار نجاسة جسد الميت ، وهو لا يصدق على الاجزاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

٣١٢

قطعا ، نعم يمكن القول بها في خصوص المقطوع من الميت استصحابا ، مع انه لا يخفى ما فيه ، في غير محله ، وإلا لاقتضى طهارة من قطع قطعا ثم مات ، بل ومن فعل به كذلك بعد الموت ، وهو من المقطوع بفساده ، خصوصا الثاني ، وانسياقالجملة والاجتماع في بعض أدلة الميتة إلى الذهن انسياق مورد وغلبة لا شرطية في الحكم ، كما هو واضح.

ويزيده تأييدا الأمر (١) بغسل الشعر المأخوذ من الميتة ، إذ هو ليس إلا لإزالة ما استصحبه من الاجزاء ، والاقتصار على طهارة الأجزاء المخصوصة من الميتة كالصوف ونحوه في الصحيح وغيره كما سيأتي.

وكذا احتمال المناقشة بأنه لو كان علة النجاسة الموت لاقتضى نجاسة بعض أجزاء بدن الحي حال الاتصال ، لتحقق الموت فيها معه ، لوضوح ضعفه كما اعترف به في كشف اللثام بمنع تحقق صدق اسم الميتة عليها حاله أولا ، وبمعلومية عدم جريان حكم الميتة عليها في مثل هذا الحال وان قلنا بالتحقق من السيرة القاطعة والعسر والحرج وغير ذلك ثانيا ، وبظهور الأدلة بل صراحتها في اعتبار الانفصال بالنسبة إليها خاصة ثالثا ، ولا ينافيه سببية الموت للنجاسة كما لا ينافي تخلف مقتضى كل سبب شرعا بفقد شرط أو وجود مانع ، نعم ما لم تثبت شرطية الشرط أو مانعية المانع أو لم يتخلفا يؤثر أثره ، ولما لم يثبت اشتراط اجتماع أجزاء الميتة ولا تحقق الموت في جميع الاجزاء في سببية الموت في النجاسة لم ينافه حينئذ تخلفهما ، وان توقف بالنسبة للثاني على الإبانة والانفصال ، فلا ينجس الجزء حينئذ قبل تحققه ، على أنه تردد بعض المحققين كالخوانساري في شرح الدروس فيما تحقق فيه الموت من الاجزاء الكبيرة ، سيما إذا أنتنت فتدخل في إطلاقات الجيفة وما ينتن به الماء ، قلت : وخصوصا إذا ضعف اتصالها بالبدن كاليد المقطوعة إلا شيئا قليلا مما يمسكها من الجلد.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

٣١٣

لكن الإنصاف انه لا وجه لذلك كله ، لأصالة الطهارة من غير معارض ، وإطلاقات الجيفة انما يراد بها مما علم نجاسته قطعا ، فلا يمكن إثبات نجاسة جديدة ، وما عداها استبعاد محض لا يصلح لمعارضة العمومات والأصول الشرعية ، فتأمل جيدا.

هذا كله مع الإغضاء عن خصوص ما ورد من الاخبار في المقام ، وإلا فمعها لم يبق مجال للتأمل في الحكم المذكور ، فمنها ما رواه في الفقيه في‌الصحيح عن أبان عن عبد الرحمن (١) بل عن التهذيب والكافي روايته أيضا لكن بطريق غير صحيح ، قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما أخذت الحبالة وقطعت منه فهو ميتة ، وما أدركت من سائر جسده فذكه وكل منه » ‌كخبره الآخر (٢) وخبر عبد الله بن سنان (٣) عن الصادق عليه‌السلام أيضا بتفاوت يسير ، ونحوهما‌الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن محمد بن غيث (٤) عن الباقر عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فإنه ميت ، وكلوا ما أدركتم حيا وذكرتم اسم الله عليه » ‌كخبر زرارة (٥) عن الباقر عليه‌السلام قال : « ما أخذت وانقطع منه شي‌ء فهو ميت » ‌إلى آخره. وفي‌مرفوعة أيوب بن نوح (٦) عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة » ‌كقوله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣ لكن رواه عن عبد الله ابن سليمان.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤ لكن رواه عن أحدهما عليهما‌السلام.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل المس ـ الحديث ١.

٣١٤

عليه‌السلام في خبر أبي بصير (١) في أليات الضأن تقطع : « انها ميتة » ‌ونحوه خبر الكاهلي (٢) عنه عليه‌السلام أيضا ، و‌الوشاء (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام ، لكن حكاه في أولهما عن كتاب علي ، وزاد في ثانيهما « فقلت : جعلت فداك فيستصبح بها فقال : أما علمت انه يصيب اليد والثوب وهو حرام ».

فمن العجيب غفلة صاحب المدارك عن هذه الاخبار المعتضدة بما عرفت ، وبعدم القول بالفصل بين مضامينها وغيره المستفاد منها حكم أجزاء الميتة بطريق أولى ، وتمسكه بالاستصحاب مع انه قال : فيه ما لا يخفى ، كما أنه من العجيب مناقشة صاحب المعالم في بعضها باحتياج دلالتها على النجاسة إلى دليل يدل عليها في الميتة ، إذ قد عرفت فيما تقدم ما يدل على ذلك ، مع ما في الأخير من الإشارة إليه بجعل الحرام فيه بمعنى النجاسة. نعم قد يشك في شمول سائر ما تقدم من الأدلة لما ينفصل من بدن الحي من الإنسان من الاجزاء الصغار كالبثور والثالول ونحوهما ، فيبقى الأصل والعمومات سالمة عن المعارض حينئذ مع تأيدها بالعسر والحرج في الاجتناب عنها ، خصوصا ما يتصل برؤوس الشعر في أيام الصيف وما يعلو الجراحات والدماميل وغيرها عند البرء ، وما يحصل في الأظفار ويتطاير من القشور عند الحك ، سيما مع داء الجرب ونحوه ، وما يكون على الشفة خصوصا لبعض الناس في بعض الأوقات أو على باطن الاقدام عند إرادة تنظيفها وتحجيرها وغير ذلك ، وبالسيرة والطريقة المستقيمة في سائر الأعصار والأمصار على عدم إجراء شي‌ء من أحكام النجاسات على شي‌ء من ذلك ، مع أنه مما تعم البلوى والبلية به ، خصوصا مع عدم نص أحد من الأصحاب على النجاسة ، بل نص في المنتهى ومجمع البرهان والمدارك والمعالم وشرحي الأستاذ الأكبر للمفاتيح والخوانساري للدروس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢ من كتاب الصيد والذبائح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢ من كتاب الصيد والذبائح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢ من كتاب الصيد والذبائح.

٣١٥

على الطهارة ، وهو ظاهر البحار أو صريحه ، كالذي في الموجز وعفي عن البثور والثالول ، والمحكي عن نهاية الاحكام وكشف الالتباس والذخيرة والكفاية ، بل في الحدائق الظاهر انه لا خلاف فيه بينهم وان اختلف المدرك لذلك ، وب‌صحيحة علي بن جعفر (١) عن أخيه موسى عليهم‌السلام قال : « سألته عن الرجل يكون به الثالول والجراح هل يصلح أن يقطع وهو في صلاته أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه؟ قال :إن لم يخف أن يسيل الدم فلا بأس ، وان يخف أن يسيل الدم فلا يفعله » ‌لظهورها في المطلوب ان قلنا بعدم جواز حمل النجاسة في الصلاة أو بالنجاسة مع اليبوسة ، بل وان لم نقل بذلك من حيث ترك الاستفصال فيها عن الرطوبة واليبوسة ، سيما مع ملاحظة ما قيل من غلبة العرق في بلد السؤال والجواب لشدة الحر فيها ، وسيما مع تعرضه لخوف سيلان الدم المعلوم حكمه عند غير السائل فضلا عنه ، وتركه التعرض لما نحن فيه المحتمل الخفاء عليه وعلى غيره.

فما يقال : إن ترك الاستفصال لعله لمعلومية الحكم عند السائل في غير محله ، مع ان الأصل ينفيه ، كاحتمال القول أيضا بأن تركه لعله لظهور سؤال السائل في منافاة ذلك للصلاة بكثرة الفعل وعدمها ، لا لما نحن فيه حتى يرجى الجواب من الامام عليه‌السلام عنه ، وفيه أن تعرضه عليه‌السلام لسيلان الدم وعدمه كاد يكون صريحا في خلاف ذلك ، ولذلك كله اعترف في المعالم بظهورها في المطلوب ، كما انه عن العلامة في النهاية بعد أن استدل على الطهارة في المقام بمشقة التحرز قال : وللرواية ، ولعله أراد هذه الصحيحة ، وإلا كانت مرسلة أخرى مؤيدة للأصل ، وكفى به مرسلا.

قلت : لكن التحقيق الاقتصار على طهارة خصوص المستفاد من السيرة والطريقة ، وما في اجتنابه عسر وحرج دون غيرهما ، من غير فرق بين الإنسان وغيره ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

٣١٦

فلا مدخلية للصغر وعدمه في ذلك ، كما لا مدخلية لتحقق الموت فيه قبل الانفصال وعدمه ، فدعوى عدم شمول الأدلة السابقة للجزء الصغير من حيث كونه صغيرا ، فيبقى الأصل سالما ممنوعة ، لعدم الفرق بين حكم الجزء والجملة ، كدعوى عدم شمولها لما تحقق فيه الموت حال الاتصال بالحي ، لظهور تعليق الحكم فيها على مطلق المبان ، فقد يتجه حينئذ الحكم بالنجاسة في الاجزاء الصغيرة التي لم يتعارف انقطاعها ، ولا حرج في اجتنابه ، بل لا يبعد الحكم بها بالنسبة إلى تلك الاجزاء المحكوم بطهارتها في الحي ، لو قطعت من الميتة ، أو من عضو قطعت معه وان قلنا بطهارتها نفسها لو قطعت وحدها من الحي للمشقة ، والصحيحة السابقة لو سلم دلالتها على حسب ما قررناه فيها لا تنافي ذلك ، مع إمكان المناقشة فيها بأن تعرضه لسيل الدم فيها لعله لغلبة وقوعها فيما سأل عنه الراوي وان لم يكن قصده فيه ، بخلاف المقام فإنه لم يقصد بالسؤال ، ولم يكن غلبة في المس بالرطوبة ، وباحتمال كون آلة القطع غير يد المصلي ، وبغير ذلك ، ولعله لذا مال في كشف اللثام إلى القول بالنجاسة في تلك الاجزاء مطلقا ، إلا أنك لا يخفى عليك ما فيه بالنسبة إلى ما يشق التحرز عنه ، وما علم من السيرة طهارته ، والله أعلم.

نعم صرح بعض الأصحاب كالعلامة في التذكرة والنهاية والشهيد في الذكرى والسيد في المدارك وغيرهم باستثناء فأرة المسك من هذا الحكم ، فلا تنجس سواء انفصلت من الظبي في حياته أو بعد موته ، بل ظاهر الأول الإجماع عليه ، كما انه استظهر من الذكرى ذلك أيضا ، للأصل والحرج وفحوى ما دل (١) على طهارة المسك مع غلبة انفصال فأرته من الحي ، ولصحيح علي بن جعفر عليه‌السلام (٢) « سأل أخاه عن فأرة المسك تكون مع من يصلي وهي في جيبه أو ثيابه ، قال : لا بأس بذلك ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب النجاسات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١.

٣١٧

لكن قد يناقش في ذلك بانقطاع الأصل بما تقدم مما دل على نجاسة الجزء المبان من الحي أو الميت ، وخصوصا جلد الميتة ، ومنع اقتضاء الحرج طهارة خصوص الجلد أولا ، ومنع حصوله وتحققه سيما بعد ثبوت طهارة المذكى خاصة والمأخوذ من يد المسلم ثانيا ، كمنع اقتضاء طهارة المسك ذلك ، إذ ـ مع إمكان تخصيصها في خصوص المذكى ، أو المنفصل في الفأرة من غيره مع عدم الرطوبة المنجسة له ، وفي المأخوذ من يد المسلم ـ قد يكون ذلك لعدم تعدي نجاسة جلد الفأرة اليه لا لطهارة الجلد.

ولذا قال في نهاية الاحكام : « إن المسك طاهر وان قلنا بنجاسة فأرته المأخوذة من الميتة كالإنفحة ، ولم ينجس بنجاسة الظرف » إلى آخره. وقد أطلق غير واحد حكاية الإجماع على طهارة المسك ، ثم أعقبه بذكر حكم الفأرة ، وظاهره أيضا بل كاد يكون صريحه طهارة المسك مطلقا وان قلنا بنجاسة الفأرة.

وأما الصحيح فهو ـ مع كون التعارض بينه وبين ما دل على النجاسة بالعموم من وجه ، ولم يثبت رجحانه ، بل لعل الثابت مرجوحيته ، وابتناء دلالته على عدم جواز الصلاة بالمحمول من أجزاء الميتة أو المبانة من الحي حتى فأرة المسك لو كانت نجسة ، وقد يمنع ، وعلى عدم ظهور سؤاله في الفأرة التي لم يعلم حالها ـ معارض ب‌مكاتبة عبد الله ابن جعفر (١) إلى أبي محمد عليه‌السلام في الصحيح « هل يجوز للرجل أن يصلي ومعه فأرة مسك؟ فكتب لا بأس به إذا كان ذكيا » ‌فيجب أن ينزل عليه ، لقاعدة الإطلاق والتقييد.

والمناقشة في دلالته باحتمال إرادة إذا كانت الفأرة ذكية أي لم تعرض لها نجاسة خارجية كما ترى ، مع أنه لا يناسبه تذكير الضمير ، كالمناقشة بأن منع استصحابها في الصلاة لا ينحصر وجهه في النجاسة ، لاندفاعها بعدم القول بالفصل هنا كما قيل ، وبغيره ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢.

٣١٨

ولذلك كله كان خيرة الفاضل الأصبهاني في كشف لثامه نجاسة الفأرة مطلقا إلا مع ذكاة الظبي ، بل ونجاسة المسك بها مع الرطوبة عند الانفصال ، وهو لا يخلو من قوة بالنسبة للفأرة لا المسك ، إلا أني لم أعرف له موافقا عليه ممن تقدمه وتأخر عنه ، بل لعله مجمع على خلافه في المنفصلة من الحي ، كما عساه يظهر دعواه من المنتهى فضلا عما سمعته من التذكرة وعن ظاهر الذكرى من دعواه مطلقا.

نعم في المنتهى ان الأقرب نجاسة الفأرة إذا انفصلت بعد الموت خاصة ، وقد استغربه في كشف اللثام ، بل قال : لا أعرف له وجها ، قلت : لعل وجهه قصور ما دل على نجاسة المبان من الحي عن شمول ذلك دون الميت ، وان المراد بالذكي في المكاتبة الطاهر ولو للحياة لا خصوص الذبح ، كما ان سؤال الصحيح الأول منزل على الفأرة المنفصلة من الحي ، لأنه على ما قيل هو الشائع الغالب دون غيره ، ومن هنا كان تفصيل المنتهى قريبا في النظر جدا.

هذا كله فيما كان تحله الحياة من أجزاء ما ينجس بالموت ،وأما ما كان منه لا تحله الحياة كالعظم ومنه القرن والسن والمنقار والظفر والظلف والحافر والشعر ومثله الصوف والوبر والريش فهو طاهر ولا ينجس بالموت اتفاقا كما في كشف اللثام ، وهو كذلك ، إذ لا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المدارك والذخيرة بالنسبة إلى طهارة المذكورات ، إلا أنهما ما نصا على السن والمنقار ، بل في الخلاف تارة الإجماع بالنسبة للصوف من الميتة والشعر والوبر إذا جز والعظم ، وأخرى الإجماع أيضا في خصوص التمشط بالعاج واستعمال المداهن منه ، كما انه في الغنية تارة الإجماع صريحا على طهارة العظم والشعر والصوف من الميتة ، وأخرى في باب الأطعمة دعواه على سائر المذكورات إذا كانت من ميتة ما تقع الذكاة عليه ، لكنه أبدل الحافر بالخف ، والمنقار بالمخلب ، كظاهر إجماع المنتهى في العظم وشعر الإنسان إذا انفصل في حياته ، وصريح‌

٣١٩

التذكرة فيما جز من ميتة مأكول اللحم ، وظاهرها فيما نتف منه حيا أو جز من ميتة غيره ، كظاهر الإجماع عن الناصريات أيضا في صوف الميتة.

ومع ذلك فطهارة خصوص جميع المذكورات عدا الظلف والمنقار مستفادة من مجموع نصوص مستفيضة فيها الصحيح والحسن وغيرهما ، بل في صحيح الحلبي (١) منها عن الصادق عليه‌السلام تعليل عدم البأس في الصلاة بصوف الميتة بأنه ليس فيه روح مما يستفاد منه عموم الحكم لكل ما كان كذلك ، ونحوه المحكي عن‌الطبرسي في مكارم الأخلاق عن قتيبة بن محمد (٢) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنا نلبس هذا الخز وسداه إبريسم ، قال : وما بأس بإبريسم إذا كان معه غيره ، قد أصيب الحسين عليه‌السلام وعليه جبة خز وسداه إبريسم ، قلت : أنا ألبس هذه الطيالسة البربرية وصوفها ميت ، قال : ليس في الصوف روح ، ألا ترى أنه يجز ويباع وهو حي ».

كما انه في‌حسن حريز (٣) عن الصادق عليه‌السلام أيضا انه قال عليه‌السلام لزرارة ومحمد بن مسلم : « اللبن واللبأ والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكل شي‌ء ينفصل من الشاة والدابة فهو ذكي ، وإن أخذته منه بعد موته فاغسله وصل فيه » ‌و‌قال عليه‌السلام أيضا في خبر الحسين بن زرارة (٤) : « الشعر والصوف والوبر والريش وكل نابت لا يكون ميتا » ‌كخبره الآخر (٥) عنه عليه‌السلام أيضا لكن مع إبدال الوبر بالعظم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٢.

٣٢٠