جواهر الكلام - ج ٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المحكي عنه في غيره موافقة المشهور أيضا ، وتبعه الكاشاني في المفاتيح ، وقواه في الحدائق ، ورده غير واحد من الأصحاب بالمستفاد من الاخبار والإجماع المحكي مستفيضا ان لم يكن متواترا منا بل من علماء الإسلام إلا الشاذ على كون التيمم مبيحا لا رافعا ، فحيث انتقض بالحدث وجب إعادته للجنابة السابقة وان تمكن من ماء للوضوء ، إذ لا وجه له مع بقاء الجنابة ، وبمفهوم‌قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة (١) : « ومتى أصبت الماء فعليك الغسل ان كنت جنبا ، والوضوء ان لم تكن جنبا » ‌حيث شرط الوضوء بعدم الجنابة ، وبالمعتبرة المشتملة على أمر الجنب بالتيمم وان كان عنده من الماء ما يكفيه للوضوء ، منها‌خبر الحلبي (٢) « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب ومعه قدر ما يكفيه من الماء لوضوء الصلاة ، أيتوضأ بالماء أو يتيمم؟ قال : لا ، بل يتيمم » ‌الحديث. ونحوه غيره (٣).

وقد يناقش في الجميع ، أما الأول فباحتمال كون مراد المرتضى رفعه إلى غاية هي التمكن من الماء خاصة لا مطلقا حتى يكون مخالفا للإجماع ، إذ القدر المسلم منه ذلك لو قلنا بالفرق بين الاستباحة والرفع بهذا المعنى ، على أنه لو سلم أن التيمم انما يفيد الإباحة بمعنى رفع المنع دون المانع أمكن أن نمنع زوالها أيضا بالحدث للاستصحاب ، وما دل على تنزيل التراب منزلة الماء ، وأنه أحد الطهورين من الاخبار الكثيرة (٤) وبطلان أثر التيمم بالنسبة إلى رفع منع الأصغر بالحدث المفروض لا يستلزم بطلانه بالنسبة إلى الجنابة من دون تجدد ما يوجبها وان كان التيمم واحدا ، إذ هو حينئذ كالغسل بالنسبة للإباحة ، نعم انما يبطل بالنسبة إليها بالتمكن من الماء خاصة ، وقياسه على ذلك ليس من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب التيمم.

٢٦١

مذهبنا ، وأما الثاني فبظهوره في غير المتنازع فيه ان لم يكن صريحا ، سيما بعد تصريحه أولا بالمفهوم ، وكذا الثالث أيضا ، لظهور تلك الاخبار في تقدم ذلك الماء على التيمم للجنابة.

وقد يدفع مضافا الى ما تقدم في النية بعدم صحة الرفع إلى غاية لا تصلح لان تكون سببا لعوده ، فهو في الحقيقة قد عاد بدون أسبابه الموجبة له في السنة والإجماع ، وبمنع عدم تناول ما دل من السنة والإجماع على عدم رافعية التيمم لمثل هذا الرفع أيضا ، وبمعارضة الاستصحاب المذكور باستصحاب عدم مشروعية الوضوء له قبل التيمم ، وبقاء أحكام الجنابة وآثارها ، وبمنع اقتضاء المنزلة ذلك أو انصرافها الى مثله ، وببطلان الإباحة السابقة بانتقاض المبيح لها ، لإطلاق ما دل من السنة ومعاقد الإجماعات ونفي الخلاف على بطلان التيمم بالحدث ، والتمكن من استعمال الماء عما كان التيمم بدلا عنه ، لتناوله كل حدث أصغر أو أكبر وكل تيمم بدل عن غسل أو وضوء ، بل في المحكي عن المختلف لو أحدث المتيمم من الجنابة حدثا أصغر انتقض تيممه إجماعا ، وفي صحيح زرارة (١) عن الباقر عليه‌السلام و‌خبر السكوني (٢) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام « لا بأس أن يصلي الرجل صلاة الليل والنهار كلها بتيمم واحد ما لم يحدث أو يصب ماء » ‌الحديث.

وبذلك ينقطع الاستصحاب وغيره ، إذ لا معنى لانتقاضه خصوصا بعد جعله كإصابة الماء إلا بطلان ما أثره أولا حتى لو قلنا بالرفع المتقدم في كلام الخصم ، لصيرورة الحدث حينئذ غاية كالتمكن من الماء ، واحتمال القول بأن المؤثر في رفع منع الجنابة ابتداء التيمم لا استمراره ، والمنتقض الثاني لا الأول واضح الفساد.

فظهر من ذلك ان التحقيق ما عليه الأصحاب ، كما أنه يظهر منه أيضا ان كل

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٥.

٢٦٢

تيمم بدل عن الوضوء أو الغسل ينتقض بكل ما ينتقض به أحدهما من غير فرق بين الجنابة وغيرها كالحيض والمس ونحوهما ، فلو تيممت الحائض مثلا بعد النقاء تيمما عن الغسل وآخر عن الوضوء ثم أحدثت بالأصغر أو الأكبر ولو غير الحيض بطل التيممان معا ، فاحتمال القول ان ناقض كل تيمم انما هو ما ينقض المبدل عنه كما عساه يتوهمه بعض الناس ليس في محله ، كاحتمال الفرق بين الجنابة وغيرها في ذلك باتحاد التيمم فيها وتعدده في غيرها ، فينتقض الأول ولو بغير الجنابة ، بخلاف الثاني فيتبع المبدل عنه ، أو الفرق في التيممات بالنسبة للغايات ، فكل غاية ينتقض التيمم لها بالحدث المنافي لها دون غيره فلا ينتقض التيمم لصوم الجنب والحائض بالنوم وغيره من الحدث الأصغر ، ولا تيمم الثانية للوطء مثلا بناء على وجوبه بدل الغسل بالوطء ، وهكذا ، لعدم منافاة النوم للصوم ، ولا حدث الجنابة للوطء ، كل ذلك لا ينبغي الالتفات اليه بعد ما عرفت.

نعم لا ينتقض تيمم الغسل في مثل الحيض بالتمكن من ماء الوضوء خاصة وان انتقض به ما كان بدلا عنه كالعكس ، إذ ليس ذلك من الأحداث حقيقة بل من الغايات التي يرتفع عندها حكم التيمم ويظهر أثر الحدث الأول ، كما هو واضح.

الثامن إذا تمكن المتيمم من استعمال الماء لما هو بدل عنه عقلا وشرعا تمكنا لا يشرع معه ابتداء التيمم انتقض تيممه إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا ان لم يكن متواترا منا ، بل ومن العامة عدا الشاذ ، ونصوصا كذلك ، منها صحيح زرارة وخبر السكوني المتقدمان معا ، كصحيحه الآخر (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل تيمم قال : يجزؤه ذلك الى أن يجد الماء » ‌ونحوها غيرها ، وهي وان كانت غير صريحة في اعتبار التمكن بل قد يدعى ظهورها في حصول النقض بمجرد الإصابة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

٢٦٣

وان لم يتمكن عقلا فضلا عن الشرع ، لكن قد عرفت في أول الحكم الرابع ما يعين إرادة التمكن من ذلك اقتصارا في انقطاع الاستصحاب والعمومات على المتيقن ، بل المنساق الى الذهن منها ، كما أنك قد عرفت كثيرا مما يتعلق بالمقام فيه بل وفي آخره أيضا ، فلاحظ وتأمل. على أنه من المعلوم ان المراد بناقضية الإصابة هو زوال مسوغ التيمم من الضرورة ، فيؤثر الحدث السابق حينئذ أثره ، لعدم ارتفاعه بالتيمم كما عرفت ، وإلا فليس ذلك من النواقض حقيقة قطعا ، وهي لا تزول بمجرد الإصابة.

وعلى كل حال ف لو فقده أي التمكن أو الماء بعد ذلك وقد مضى زمان يسع الطهارة على الأصح أو مطلقا على غيره كما مر تحقيقه في ذلك البحث أيضا افتقر الى تجديد التيمم لانتقاض السابق به ، لكن ينبغي أن يعلم انه انما ينقض التمكن المذكور خصوص التيمم الذي تمكن من ماء المبدل له ، وإلا فلا ينتقض التيمم عن غسل الحيض بالتمكن من ماء للوضوء خاصة ، وان انتقض به بدله كالعكس ، كما نص عليه غير واحد من الأصحاب ، للأصل والعمومات من غير معارض.

ولو تمكن من ماء صالح للوضوء أو الغسل لا لهما ففي انتقاضهما معا بذلك ، أو ما يختار المكلف منهما ، أو القرعة أوجه ، أقواها الأول ، لصدق الوجدان في كل منهما وعدم الترجيح ، ولأولويته مما تسمعه من المنتهى وان كان الفرق بينهما واضحا.

ولو كان قد تيمم لأسباب متعددة للغسل كالحيض والمس فوجد ماء لا يصلح لتكرار الغسل به انتقض الجميع قطعا ، بناء على التداخل بالغسل ، لصدق التمكن منه حينئذ بمشروعية التداخل له ، بل وجوبه عليه في مثل الحال عند وجوب المشروط به للمقدمة ، وان كان في الأصل رخصة ، نعم يتجه البحث السابق لو قيل بعدم مشروعية التداخل في الغسل.

٢٦٤

ولو وجد جماعة ماء في المباح لا يكفي إلا أحدهم ففي المنتهى انتقض تيممهم جميعا ، لصدق الوجدان على كل واحد ، وينبغي تقييده بما إذا حصل التمكن من استعماله للجميع ، أما لو تبادروا إلى حيازته فسبق أحدهم انتقض تيممه خاصة ، وان لم يسبق بل تساووا الجميع لم ينتقض تيمم أحد منهم إلا مع بذل الشركاء نصيبهم لواحد ، نعم لو كان معهم جنب وقلنا باختصاصه شرعا بحيث ليس لغيره المزاحمة له اختص النقض به أيضا ، فإطلاقه ذلك لا يخلو من تأمل ، كإطلاقه فيه أيضا انه لو لم يجد الماء إلا في المسجد وكان جنبا فالأقرب جواز الدخول والأخذ من الماء والاغتسال خارجا ، بل فيه انه لو لم يكن معه ما يغترف به فالأقرب جواز اغتساله فيه ، وان تبعه في المدارك في الأول ، واستحسنه في الثاني ، لكن قد عرفت فيما مضى حرمة اللبث في المساجد جلوسا كان أو غيره ، نعم لو أمكن ذلك بالاجتياز جاز ، لعدم الحرمة فيه.

ولا ينتقض التيمم بخروج الوقت عندنا إجماعا وقولا واحدا ، لحصر الناقض بغيره في المعتبرة (١) بل فيها ما هو كالصريح بعدم نقضه به معللة ذلك بأنه بمنزلة الماء ، فيصلي حينئذ بتيممه ما شاء من الصلوات فرائض ونوافل ، خلافا لبعض الجمهور ، فنقضه به قياسا على المستحاضة بجامع اضطرارية الطهارتين ، ومقتضاه تعدده للصلوات وان لم لم يخرج الوقت كما عن الشافعي ، ولا ريب في بطلانه عندنا كسابقه.

فما في‌خبر أبي همام (٢) عن الرضا عليه‌السلام « تيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء » ‌و‌السكوني (٣) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام « لا يتمتع بالتيمم إلا صلاة واحدة ونافلتها » ‌محمول على التقية أو غيرها أو مطرح قطعا.

وكذا لا يبطل عندنا بنزع العمامة أو الخف ولا بغير ذلك ما لم يحدث أو لم يجد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب التيمم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٦.

٢٦٥

الماء فينتقض حينئذ إجماعا محصلا ومنقولا ونصوصا (١) في الثاني على ما عرفت كالأول أيضا ، ففي المعتبر « لا ينقض التيمم إلا ما ينقض الطهارة المائية ، ووجود الماء مع التمكن من استعماله ، وهو مذهب أهل العلم » إلى آخره. وفي المنتهى « ويبطل التيمم كل نواقض الطهارة ، ويزيد عليه رؤية الماء المقدور استعماله ، ولا نعرف فيه خلافا إلا ما نقله الشيخ عن أبي سلمة » إلى آخره. وفي التذكرة « ينقض التيمم كلما ينقض الطهارة المائية ، ويزيد وجود الماء مع التمكن من استعماله ـ إلى أن قال ـ وهو قول العلماء إلا ما نقل عن أبي سلمة » وفي الذكرى « يستباح بالتيمم ما لم ينقض بحدث أو وجود الماء عند علمائنا أجمع سواء خرج الوقت أو لا ، وسواء كانت الثانية فريضة أو نافلة » وفي المدارك في شرح عبارة المصنف « هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، وأخبارهم به ناطقة » وفي كشف اللثام مازجا لعبارة القواعد « وينقضه نواقضها ، والتمكن من استعمال المائية لما هو بدل منه عقلا وشرعا بالإجماع والنصوص » إلى غير ذلك من عبارات الأصحاب ، وظاهر الجميع ان لم يكن صريحا ما ذكرناه سابقا من انتقاض كل تيمم بدل من الوضوء أو الغسل بكل حدث أصغر أو أكبر كما هو واضح.

التاسع من كان بعض أعضائه مريضا لا يقدر على غسله بالماء للوضوء أو الغسل ولا مسحه ولو بوضع جبيرة عليه ان كان من ذوي الجبائر جاز له التيمم كما في المبسوط والخلاف والقواعد وغيرها ، بل لا أعرف فيه خلافا ، لصدق عدم الوجدان بعدم التمكن من الاستعمال لتمام الطهارة ، وتناول أدلة المرض من الآية (٢) وغيرها ، ولا طلاق‌قول الصادق عليه‌السلام في مرسلي ابن أبي عمير (٣) « يتيمم المجدور والكسير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب التيمم.

(٢) سورة المائدة ـ الآية ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣ و ٤.

٢٦٦

إذا أصابتهما جنابة » ‌بعد السؤال في أحدهما عن مجدور أصابته جنابة فغسلوه فمات ، كمسنده الآخر عن أبي مسكين وغيره (١) عن الصادق عليه‌السلام أيضا قال بعد نحو السؤال المتقدم : « قتلوه. ألا سألوا ، ألا يمموه ، إن شفاء العي السؤال » ‌و‌الباقر عليه‌السلام في خبر ابن مسلم (٢) « في الرجل يكون به القرح والجرح يجنب قال :لا بأس بأن لا يغتسل يتيمم » ‌كخبره الآخر (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام « في الرجل يكون به القروح في جسده فتصيبه الجنابة قال : يتيمم » وخبر ابني سرحان (٤) و‌أبي نصر (٥) عن الصادق والرضا عليهما‌السلام « في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه البرد ، فقال : لا يغتسل يتيمم » ‌الحديث.

ولا يجوز ان يتبعض الطهارة بأن يقتصر على غسل الصحيح بلا خلاف أجده فيه بين الأصحاب ، بل ظاهر التذكرة كاشعار غيره الإجماع عليه ، للأصل ، وقاعدة انتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه ، و‌قول الصادق عليه‌السلام في صحيح أبي بصير (٦) : « ان الوضوء لا يبعض » ‌وظاهر الاخبار السابقة ، فلا يلتفت إلى قاعدة اليسر سيما بعد إعراض الأصحاب عنها هنا.

وكذا لا يلفقها بالتيمم عن العضو المريض بعد الغسل المذكور للأصل والاخبار السابقة ، وظهور التقسيم كتابا وسنة في قطع الشركة بينهما ، ولعل ما في المبسوط والخلاف ـ من الاحتياط بالجمع لغسل الممكن ثم التيمم معللا له في الأول بعدم الضرر عليه في ذلك مع تأدية الصلاة بالإجماع ـ ليس لاحتمال مشروعية التلفيق ، أو لوجود قائل منا بمشروعيته ، أو مشروعية التبعيض ، نعم قد يكون ذلك لاحتمال الثاني خاصة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١ وهو عن ابن مسكين.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٢.

٢٦٧

وقد مر في أول أسباب التيمم ما له نفع في المقام ، فلاحظ.

كما انه قد مر في حكم الجبائر من الوضوء ما به يندفع مما عساه يشكل على ظاهر المصنف وغيره هنا ، بل والاخبار السابقة بمنافاته لما تقدم في باب الوضوء من وجوب غسل ما حول الجرح ونحوه مع تعذر مسحه أو مطلقا وعدم الانتقال إلى التيمم ، وقد ذكرنا بحمد الله التحقيق هناك بما لا مزيد عليه ، وربما يظهر منه أيضا وجه ما ذكره الشيخ من الاحتياط في خصوص العضو المستوعب مرضا ، بل وغير المستوعب أيضا ، فلاحظ وتأمل.

الحكم العاشر يجوز التيمم بدل الغسل أو الوضوء لصلاة الجنازة مع وجود مسوغة من عدم وجدان الماء أو المرض ونحوهما حتى خوف الفوات قطعا ، بل لا أجد فيه خلافا هنا كما اعترف به في كشف اللثام للبدلية المقتضية قيامه مقامه في سائر الغايات مستحبها وواجبها ، والطهارة للجنازة وان لم تكن واجبة فيها للأصل وبعض الاخبار وظاهر الإجماع في التذكرة وصريحه في الخلاف والذكرى وعن نهاية الاحكام وجامع المقاصد والروض والمسالك وغيرها لكنها مستحبة فيها إجماعا صريحا عن الخلاف والغنية ، وظاهرا عن التذكرة ، وأخبارا (١) كما سيأتي تحرير ذلك كله إن شاء الله في صلاة الجنائز ، فيقوم حينئذ التيمم مقامها مع التعذر ، ولخصوص‌حسن الحلبي أو صحيحه (٢) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فان ذهب يتوضأ فاتته الصلاة عليها ، قال : يتيمم ويصلي » ‌و‌موثق سماعة (٣) قال : « سألته عن رجل مر به جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع؟ قال : يضرب بيده على حائط اللبن يتيمم » ‌فلعل ذلك مع ظهور اتفاقهم على جوازه هنا مع خوف الفوات شاهد على ما تقدم لنا سابقا من جوازه للفريضة لضيق وقتها ، بل لعله أولى منه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجنازة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥.

٢٦٨

ودعوى ان مشروعيته في هذا الحال لا للبدلية عن الوضوء أو الغسل بل لنفسه كوضوء الجنب أو الحائض ـ ولذا صرح في التذكرة وكشف اللثام ومجمع البرهان بعدم جواز دخوله بمشروط بالطهارة غيرها وان تعذر الماء ، كما انه قد يقتضيه ما في المعتبر أيضا ، بل علله في الثاني بأنه ليس تيمما يرفع الحدث أو حكمه ، قلت : ولعله لثبوت شرعيته مع وجود الماء ، أو لعدم شرطية صلاة الجنازة بالطهارة حتى يكون بدلا عنها ـ ممنوعة على مدعيها. لاقتضاء الأدلة خلافها كما عرفت من غير معارض ، والتعليل السابق مصادرة ، كما أن ثبوت شرعيته مع وجود الماء لا يستلزم عدم مشروعية بدليته عن الطهارة مع فقده ، وان سلمنا عدم بدليته عنها مع الوجود ، وكذا عدم شرطية الطهارة لصحة الصلاة بعد اشتراط كمالها بها ، لثبوت قيام التيمم مقامها فيهما معا.

ولعل من صرح بعدم جواز الدخول به في مشروط بالطهارة ممن عرفت لم يرد ما نحن فيه ، بل مراده التيمم لها مع وجود الماء ، لما ستسمع من ثبوت شرعيته وان وجد ، فإنه قد يتجه حينئذ ما ذكروه من عدم الجواز المذكور لظهور كون التيمم فيه مستحبا لنفسه لا بدليا ، إذ الفرض التمكن من المبدل ، فلا يستباح به حينئذ مشروط بالطهارة وان تعذر الماء بعد ذلك ، بل وان قلنا ببدليته عن الطهارة في هذا الحال أيضا بدعوى عدم اشتراطه في خصوص الجنازة للدليل بفقد الماء ، كما عساه يومي اليه كلام من منع مشروعيته مستدلا بما دل على اشتراط التيمم بتعذر الماء على ما ستسمع ، إذ من المعلوم ان المشترط بذلك انما هو الذي بدل عن الطهارة المائية لا مطلق التيمم ، لكن ومع ذلك لا يستباح به ما اشترط بدليته عن الطهارة بفقده من الغايات كالصلاة ونحوها.

أو مراده إثبات جهتين لاستحباب هذا التيمم لصلاة الجنازة حال فقد الماء ، إحداهما عموم البدلية لثبوت مسوغها ، والأخرى استحبابه في نفسه لا للبدلية كاستحبابه مع وجود الماء ، فمن تيمم لها بقصد الجهة الأولى صح دخوله به في غيرها من الغايات مع.

٢٦٩

استمرار المسوغ ، بخلاف الثانية فلا يجوز ، بل قد يلحق بها أيضا من أطلق في نيته ولم يلاحظ ، لعدم تحقق البدلية حينئذ وان لم نشترط ملاحظتها فيه في غير المقام ، لوضوح الفرق بينهما على هذا التقدير.

وكيف كان فلا ينبغي التأمل في مشروعية التيمم في الفرض المذكور من عدم وجود الماء وخوف الفوات ونحوهما ، وان كان قد يعطيه ما في المعتبر ، لكنه ضعيف.

بل ومع وجود الماء المتمكن من استعماله أيضا على المشهور نقلا وتحصيلا ، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب ، والتذكرة إلى علمائنا ، وظاهره الإجماع ، كما عنه في المنتهى ذلك أيضا ، بل في الخلاف دعوى الإجماع صريحا ، وهو الحجة بعد إطلاق موثقة سماعة المتقدمة (١) و‌مرسل حريز (٢) عن الصادق عليه‌السلام « والجنب يتيمم ويصلي على الجنازة » ‌وما عن‌الصدوق أيضا (٣) حيث قال : وفي خبر آخر « انه يتيمم إن أجنب » ‌بعد أن‌روى بإسناده إلى يونس بن يعقوب (٤) انه سأل الصادق عليه‌السلام « عن الجنازة أصلي عليها على غير وضوء ، فقال : نعم ، انما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك » ‌وما في‌الفقه الرضوي (٥) « وان كنت جنبا وتقدمت للصلاة عليها فتيمم أو توضأ وصل عليها » ‌إلى آخره.

خلافا لظاهر المرتضى في الجمل ، والشيخ في التهذيب وعن المبسوط والنهاية والاقتصاد وأبي علي وسلار والقاضي والراوندي والشهيد في الدروس والبيان ، فاعتبروا خوف الفوت ، ومال إليه في المعتبر والمدارك للطعن بإجماع الشيخ بأنا لا نعلمه كما علمه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤ وفيه‌« يتيمم ان أحب » ‌وكذا في الفقيه.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

٢٧٠

وبأن غالبه الشهرة ، وبأنه ليس نصا على المطلوب فإنه ذكره مع جواز الصلاة بلا طهارة أصلا ، فلعله يريد الإجماع على الأخير ، وبالاخبار بالضعف والإرسال والإضمار في خبر سماعة ، مع إمكان استظهار خوف الفوت منه ، بل لعل الغالب في الجنائز عدم إمكان الاغتسال وإدراك الصلاة عليها ، فيبقى حينئذ ما دل على اضطرارية التيمم واشتراطه بتعذر الماء على حاله.

وفي الكل نظر لحجية الإجماع المنقول وان لم نعلم به إلا من جهة النقل ، ومنع أغلبية الشهرة فيه ، سيما بعد عدالة حاكيه ، كمنع عدم صراحته على المطلوب كما لا يخفى على من لاحظه ، ولذا نقله عنه غير واحد من الأصحاب ، بل هذا المعترض نفسه في غير المقام ، وعدم البأس في الضعف والإرسال والإضمار خصوصا من مثل سماعة بعد الانجبار بالشهرة المعتضدة بصريح الإجماع وظاهره ، على أن خبر سماعة من الموثق ، وهو حجة عندنا.

وبذلك كله مع التسامح في أدلة السنن يخرج عن العموم المتقدم ، مع احتمال عدم معارضته لخصوص المقام بدعوى كون المراد منه فيما كان بدلا عن المائية ، ومبيحا لسائر غايتها كاباحتها ، لا ما كان من المستحب في نفسه وحد ذاته من دون ملاحظة البدلية ، نعم هو متوقف على ما يثبت أصل شرعيته لتوقيفية الاحكام ، وفيما ذكرنا الكفاية.

ومن هنا يظهر لك ما في احتمال المناقشة أيضا في دعوى كونه من المستحب الذي يتسامح في دليله بأن الحكم باستحبابه هنا يرجع إلى معارضة ما دل على اشتراط أصل المشروعية بتعذر الماء ، فلا ينبغي التسامح فيما يحكم على ذلك ، لأنك قد عرفت بعد إمكان الثبوت من غير جهة التسامح ما في هذه المعارضة.

وعلى كل حال فحيث يوقع المكلف هذا التيمم إما مطلقا أو مع تعذر الماء فليوقعه بنية الندب لما تقدم من عدم وجوب هذه الطهارة فيها شرعا ولا شرطا ،

٢٧١

نعم لو اتفق وجوبها بنذر ونحوه اتجه الوقوع بنية الوجوب ، والأمر سهل بعد عدم اعتبار نية الوجه عندنا.

وعلى كل حال ف لا يجوز له الدخول به أي هذا التيمم في غير ذلك من أنواع الصلاة كما هو واضح.

وكذا يندب التيمم بدل الطهارة للنوم قطعا مع وجود مسوغة من المرض وعدم الوجدان ونحوهما ، لما عرفت من أنه حينئذ يستباح به ما يستباح بالمائية من الغايات واجبها ومندوبها ، وقد ثبت استحباب الطهارة المائية للنوم في محله ، فمع تعذرها يقوم التيمم مقامها للبدلية ، مع ما في المروي عن العلل من‌خبر أبي بصير (١) عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام « لا ينام المسلم وهو جنب ، ولا ينام إلا على طهور ، فان لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد ، فان روح المؤمن تروح إلى الله عز وجل ، فيلقاها ويبارك عليها ، فان كان أجلها قد حضر جعلها في مكنون رحمته ، وان لم يكن أجلها قد حضر بعث بها مع أمنائه من الملائكة ، فيردها في جسده » ‌الحديث.

بل في الحدائق الظاهر انه لا خلاف في استحباب التيمم للنوم ولو مع وجود الماء ، قلت : ولعله‌للمرسل (٢) عن الصادق عليه‌السلام « من تطهر ثم آوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده ، فان ذكر انه ليس على وضوء فتيمم من دثاره كائنا ما كان لم يزل في صلاة وذكر الله » ‌بل ظاهره الاكتفاء بالتيمم في المرتبة الاضطرارية منه كالغبار وان تمكن من التراب ، والمناقشة فيه بما تقدم ـ من عدم صلاحية المرسل لإثبات ذلك حتى لو قلنا بالتسامح في أدلة السنن من جهة معارضته لما دل على اشتراط التيمم بالتعذر ـ مدفوعة بما سمعته ، نعم ظاهر المرسل انما هو في التيمم للمحدث بالأصغر وإن أطلق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٢.

٢٧٢

الطهارة في صدره ، كما أن ظاهره في غير المتعمد ترك الوضوء ، فالتعميم للأمرين محتاج إلى دليل آخر غيره ، والله أعلم.

( الركن الرابع )

من كتاب الطهارة

( في النجاسات وأحكامها )

وفيه قولان ( ‌القول ) الأول ( في النجاسات ، وهي عشرة أنواع ) كما في الجامع والنافع والقواعد والذكرى وغيرها.

فـ ( الأول والثاني )

مسمى ( البول والغائط ) عرفا ، فبعض الحب الخارج من المحل صحيحا غير مستحيل طاهر ، لعدم الصدق ، ولعله يرجع اليه ما في المنتهى من اشتراط طهارته ببقاء صلابته بحيث لو زرع لنبت دون ما لم يكن كذلك ، وإلا كان ممنوعا ، إذ المعتبر كما في نحوهما من الألفاظ مسماهما عرفا من كل ما لا يجوز أن يؤكل لحمه من سائر أصناف الحيوان حتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الإنسان ، إذ لم يثبت أنه أقر أم أيمن على شرب بوله وان قيل انه‌قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها (١) : « إذن لا تلج النار بطنك » ‌فما عن الشافعي في قول له بطهارته لذلك غير صحيح.

نعم ( إذا كان للحيوان نفس سائلة ) أي دم يخرج من مجمعه في العروق إذا قطع شي‌ء منها بقوة ودفع كما في المدارك وغيرها ، أو سيلان كما في الروض ، ولعلهما بمعنى ، أي لا يخرج رشحا كدم السمك ونحوه ، فنجاستهما حينئذ مجمع عليها بين الأصحاب بل وبين غيرهم إلا الشاذ من غيرنا في خصوص ما لا يؤكل من البهائم نقلا مستفيضا ان لم‌

__________________

(١) شرح الشفاء للخفاجي ـ ج ١ ـ ص ٣٦٢.

٢٧٣

يكن متواترا ، بل وتحصيلا في غير بول الرضيع قبل أكله اللحم ، بل وفيه أيضا ، وان حكى في الذكرى والمختلف والمدارك عن الإسكافي طهارته ، لكن في الأخير الطعام بدل اللحم ، وسابقه الصبي الذكر من غير البالغ بدل الرضيع ، لعدم قدح خلاف مثله فيه ، ولذا لم يستثنه من معقد ما حكاه في المعتبر والتذكرة من إجماع علماء الإسلام على نجاسة البول والغائط مما لا يؤكل لحمه ، والمنتهى على بول الآدمي كمعقد نفي الخلاف في الغنية عن نجاسة بول وخرء ما لا يؤكل لحمه ، والمحكي من الإجماعات في غيرها ، بل في التذكرة وعن المرتضى دعواه عليه بالخصوص ، سيما مع ضعف مستنده من الأصل المقطوع بغير واحد من الأدلة ، و‌خبر السكوني (١) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « ان لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ، لان لبنها يخرج من مثانة أمها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا من بوله قبل أن يطعم ، لان لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين » ‌والمروي في البحار عن‌القطب الراوندي (٢) بسنده إلى موسى ابن جعفر عليهما‌السلام قال : « قال علي عليه‌السلام : بال الحسن والحسين عليهما‌السلام على ثوب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يطعما فلم يغسل بولهما عن ثوبه ».

وهما ـ مع قصورهما عن معارضة ما تقدم ، وعموم وإطلاق ما دل على نجاسته من السنة أيضا مما سيأتي من وجوه ، واشتمال أولهما على غير المختار عندنا من نجاسة لبن الأنثى ، كظهور سنده في عاميته ، ويؤيده نسبته في فقه الرضا عليه‌السلام إلى الرواية عن علي عليه‌السلام بعد أن ذكر الحكم بخلافه كالفقيه مما عساه يظهر من عادته من أمثال ذلك في هذا الكتاب إيهاما للقول بها للتقية ، ومعارضة الأول بل والثاني ب‌صحيح الحلبي أو حسنه (٣) « سألت الصادق عليه‌السلام عن بول الصبي ، قال : تصب عليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

٢٧٤

الماء ، فان كان قد أكل فاغسله » ‌وبالمروي في البحار أيضا (١) من كتاب‌الملهوف على قتلي الطفوف لابن طاوس بسنده عن أم الفضل زوجة العباس « انها جاءت بالحسين عليه‌السلام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبال على ثوبه فقرضته فبكى ، فقال :مهلا يا أم الفضل فهذا ثوبي يغسل وقد أوجعت ابني » ‌ـ محتملان سيما الثاني لإرادة نفي الغسل لا الصب ، ولا ينافيه عطفه على اللبن في خبر السكوني ، وان كان لا خلاف عندنا كما قيل في طهارته ، لكنهما مشتركان معا في نفي الغسل.

فظهر حينئذ من ذلك كله أنه لا يقدح مثله في المحصل من الإجماع السابق فضلا عن المنقول ، نعم ينبغي أن يعلم أن محله في غير الطير من غير المأكول ذي النفس ، لظهور القول بطهارة بولها وخرئها من الفقيه كما عن الجعفي وابن أبي عقيل ، بل هو صريح المبسوط في غير الخشاف ، والمفاتيح والحدائق مطلقا كما عن حديقة المجلسي وشرحه على الفقيه والفخرية وشرحها الرياض الزهرية وكشف الاسرار ، بل هو ظاهر كشف اللثام وشرح الدروس ، بل لعله ظاهر المنتهى أيضا ، لكن في غير الخشاف ، بل وفيه أيضا ، وفي المدارك والبحار وعن الذخيرة والكفاية الحكم بطهارة الذرق مع التردد في حكم البول من غير فرق بين سائر الطيور ، وعن المعالم إيقاف المسألة على الإجماع ، وتردد فيه مع استظهاره التسوية بين الخشاف وغيره.

لكن يقوى في النظر القول بالنجاسة مطلقا كما هو خيرة الأكثر نقلا وتحصيلا ، بل هو المشهور كذلك شهرة عظيمة تقرب للإجماع ان قلنا بشمول لفظ الغائط في عبارة المصنف ونحوها كالعذرة والروث في غيرها من عبارات الأصحاب لما نحن فيه ، كما قطع به العلامة الطباطبائي في مصابيحه بالنسبة إلى خصوص عباراتهم ، ولعله لذا نسب فيها المخالف إلى الشذوذ.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥.

٢٧٥

بل في السرائر في باب البئر « قد اتفقنا على نجاسة ذرق غير المأكول من سائر الطيور ، وقد رويت رواية شاذة لا يعول عليها أن ذرق الطائر طاهر سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكوله ، والمعمول عند محققي أصحابنا والمحصلين منهم خلاف هذه الرواية ، لأنه هو الذي يقتضيه أخبارهم المجمع عليها ».

وفي التذكرة « البول والغائط من كل حيوان ذي نفس سائلة غير مأكول اللحم نجسان بإجماع العلماء كافة ، وللنصوص الواردة عن الأئمة عليهم‌السلام بغسل البول والغائط عن المحل الذي أصابه ، وهو أكثر من أن يحصى ، وقول الشيخ في المبسوط بطهارة ذرق ما لا يؤكل لحمه من الطيور لرواية أبي بصير (١) ضعيف ، لأن أحدا لم يعمل بها » إلى آخره. وهو كالصريح في إرادته من معقد إجماعه ما يشمل ما نحن فيه ، سيما مع ملاحظة عبارته بعد ذلك.

وفي الغنية « والنجاسات هي بول ما لا يؤكل لحمه وخرؤه بلا خلاف ، وما يؤكل لحمه إذا كان جلالا بدليل الإجماع » إلى آخره. ولا ريب في شمول لفظ الخرء لرجيع الطير كما ستسمع التعبير به عنه في الحسن (٢) فما في كشف اللثام انه ظاهر في غير رجيع الطير في غير محله.

وفي الخلاف « كل ما يؤكل لحمه من الطير والبهائم بوله وذرقه وروثه طاهر لا ينجس به الثوب ولا البدن إلا ذرق الدجاج خاصة فهو ينجس ، وما لا يؤكل لحمه فبوله وذرقه نجس لا تجوز الصلاة في قليله ولا كثيره ، وما يكره لحمه كالحمر الأهلية والبغال والدواب فإنه مكروه بوله وروثه وان لم يكن نجسا ـ ثم حكى خلاف العامة وقال : ـ دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم » وعن الجامعية شرح الألفية « فالبول والغائط أجمع الكل على نجاستهما من كل حيوان محرم أكله إنسانا كان أو طيرا أو غيرهما من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١.

٢٧٦

الحيوانات » وهو صريح أيضا في شمول الغائط لرجيع الطير.

ومنه حينئذ ينقدح الاستدلال بما حكي على نجاستهما من الإجماع عن التنقيح وغيره مع عدم التعرض للطير وغيره ، بل وبما سمعته سابقا من إجماعي المعتبر والمنتهى لولا انهما لم يصرحا بعد ذلك بالخلاف في خصوص الطير مما يشعر بإرادتهما بالأول غير الطير ، بل قد عرفت ميل الثاني إلى الطهارة ، فمن العجيب ما في الرياض من الاستدلال على النجاسة بخصوص هذين الإجماعين وتركه غيرهما ، وكشف اللثام فلم يذكر إلا إجماع الغنية ، وقال : انه ظاهر في غير رجيع الطير ، وقد عرفت ما فيه.

وكيف كان فيدل عليه ـ مضافا إلى ما عرفت وإلى ما حكي أيضا من الإجماعات على نجاسة فضلتي الدجاج الجلال إن قلنا بدخوله تحت اسم الطير ، وإلا كان مؤيدا ـ عموم‌قول الصادق عليه‌السلام في حسن ابن سنان (١) أو صحيحه : « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » ‌كخبره الآخر عنه عليه‌السلام (٢) أيضا : « اغسل ثوبك من بول كل ما لا يؤكل لحمه » ‌ومفهوم‌صحيح زرارة أو حسنه (٣) انهما قالا : « لا تغسل ثوبك من بول شي‌ء يؤكل لحمه » ‌و‌موثق عمار (٤) عن الصادق عليه‌السلام « كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه » ‌ونحوهما غيرهما (٥) وإطلاق الأمر بغسل الجسد والثوب من البول في المعتبرة المستفيضة (٦) حد الاستفاضة ان لم نقل بانصرافها إلى بول الإنسان أو غير الطير ، كالمعتبرة المستفيضة (٧) جدا أيضا الدالة على نجاسة العذرة ، للأمر فيها بالغسل ، ونزح مقدار من البئر لو وقعت فيه ، ونحو ذلك بعد السؤال

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب النجاسات.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب النجاسات.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الماء المطلق.

٢٧٧

عنها من غير استفصال ، كما استدل بها على ما نحن فيه في المعتبر مدعيا ان الخرء والعذرة مترادفان.

ومن العجيب تعجب صاحب المعالم منه بأنا لم نر ما علق فيه الحكم على العذرة حتى يضطر إلى دعوى الترادف ، وكأنه لم يعثر على تلك المستفيضة ، نعم قد يتجه عليه انصراف العذرة فيها إلى فضلة الإنسان أو غير الطير ، اللهم إلا أن يجبرها بالشهرة أو الإجماع ، لكنا في غنية عنه بالأخبار الأول بعد إتمامها بالإجماع المركب المحكي في الروض وغيره ، كما عن صريح الناصريات أيضا ، أو المحصل على عدم الفرق بين البول وغيره.

والمناقشة فيه بعدم البول للطير فلا يتم الإجماع أو بعدم انصراف الأدلة اليه أو بعدم عموم المفهوم مدفوعة بظهور عبارة المخالف ومستنده من الخبر الآتي ، كخبر المفضل بن عمر (١) الطويل المشهور الوارد في المعرفة في وجود بول للطير ، وبإمكان منع توقف تحقق الإجماع المركب على حصول البول من كل فرد فرد مما لا يؤكل لحمه ، وبما في الأولين من العموم اللغوي الذي تتساوى فيه الأفراد النادرة ، وبما تحقق في محله من عموم المفهوم ، كالمناقشة في أصل الدلالة فيها وفي أمثالها على ما نحن فيه ، بل وعلى غيره من بول ما لا يؤكل لحمه بأعمية الأمر بالغسل من النجاسة ، مع أنه لا ينحصر وجهه فيها ، إذ لعله لانه من الفضلات التي لا تصح الصلاة بها وان كانت طاهرة أو غير ذلك.

ودعوى انه لا معنى للنجس شرعا إلا ما وجب غسل الملاقي له ، وان أكثر الأعيان النجسة انما استفيد نجاستها من مثل ذلك ممنوعة ، إذ للنجس أحكام كثيرة كعدم جواز شربه وأكله ووجوب تنزيه المصاحف والمساجد والضرائح عنه إلى غير ذلك ، وان العمدة في إثبات نجاسة تلك الأعيان انما هو الإجماع لا هذه الأوامر ، فحيث لا إجماع كما في المقام تبقى على قاعدة الطهارة ، لاندفاعها بالفهم العرفي من أمثال هذه الأوامر ،

__________________

(١) البحار ـ ج ٣ ص ١٠٣ من طبعة طهران سنة ١٣٧٦.

٢٧٨

سيما إذا كانت لمشروط بالطهارة ، ومن الأمر بإعادة الصلاة منها ، وإهراق الماء القليل الملاقي لها ونحوها الحكم بالنجاسة كما لا يخفى على من لاحظها ولاحظ سؤال الرواة لهم عنها.

بل يمكن دعوى التلازم بين وجوب الغسل تعيينا والنجاسة ، إذ ليس في الشرع ما يجب غسله بحيث لا يجزئ غيره إلا النجس ، وفضلة ما لا يؤكل لحمه انما يجب إزالتها عن ساتر الصلاة لا غسلها ، ولعله لذا أطلق الأمر بالغسل في كثير منها من دون ذكر المشروط به مع القطع بإرادة الوجوب الشرطي منه لا النفسي ، وما ذاك إلا اتكالا على فهم السامع إرادة الوجوب للنجاسة ، فتجب حينئذ لما وجبت له.

ويؤيده أيضا أنه لم يقع منهم عليهم‌السلام أمثال هذه الأوامر فيما يراد إزالته لا للنجاسة كفضلات ما لا يؤكل لحمه ونحوها إلى غير ذلك ، فلا ينبغي الريب في كون المفهوم من الأمر فيها بذلك النجاسة ، بل قد يعد إنكاره مكابرة ، وكيف لا ونحن نقطع بأن لا دليل للأصحاب على ما اتفقوا عليه من الحكم بالنجاسة إلا أمثال ذلك ، إذ احتمال وجود أدلة أخر عندهم غيرها في سائرها ولم يصل شي‌ء منها إلينا مما ينبغي القطع بعدمه ، خصوصا بعد تصريحهم أنفسهم بكونها هي المستند لهم.

نعم أقصى ما يقال : إنه لعل لهم قرائن تدل على إرادة النجاسة من أمثال هذه الأوامر لا لانسياقها منها نفسها ، وهو مع انه مستبعد بل مقطوع بعدمه أيضا لا يمنع حينئذ من الاستدلال بها ، بل يؤكده ويحققه.

وتوهم ان اتفاق الأصحاب هو الحجة حينئذ لا هي يدفعه أنه كشف لنا عن دلالتها ، لا أن الحجة الإجماع لا هي أو مركبة منهما ، فيتجه حينئذ الاستدلال بالعمومات السابقة على ما نحن فيه وان لم يكن إجماعا.

كما انه قد يتجه الاستدلال زيادة على ما سمعت بما عساه يستفاد من النصوص (١)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب النجاسات.

٢٧٩

بل والفتاوى في المقام وغيره من دوران النجاسة والطهارة في البول والغائط على حلية اللحم وحرمته ، مضافا إلى المفهومين السابقين وما ماثلهما ، وإلى استقراء موارد ما حكم الشارع بنجاسته بالخصوص كالبول من الإنسان والسنور والخرء منهما والكلب والفأرة ونحوهما ، وما حكم بطهارته أيضا بالخصوص من أبوال البقر والإبل والغنم ونحوها ، بل كل ما يؤكل لحمه ، ما رواه في الوسائل والبحار (١) عن العلامة في‌المختلف نقلا من كتاب عمار بن موسى عن الصادق عليه‌السلام قال : « خرء الخطاف لا بأس به ، هو مما يؤكل لحمه ، ولكن كره أكله ، لأنه استجار بك وآوى إلى منزلك ، وكل طير يستجير بك فلا بأس به » ‌و‌خبر زرارة (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « في أبوال الدواب تصيب الثوب فكرهه ، فقلت : أليس لحومها حلالا؟ فقال : بلى ولكن ليس مما جعله الله للأكل » ‌بل فيه إشعار بمعروفية الحكم في ذلك الزمان بين الرواة ، وظاهر الامام عليه‌السلام إقراره عليه ، بل كاد يكون استدراكه عليه‌السلام صريحا فيه ، إلى غير ذلك مما يستفاد منه دوران الحكم في نجاسة هذين الفضلتين وطهارتهما على مدار هذين الكليتين حتى في الحيوان الواحد لو تعاور عليه الحالتان ، كما ستعرفه في الجلال والموطوء ونحوهما ، سيما مع عدم معروفية الخلاف في نجاسة شي‌ء منهما من سائر ما لا يؤكل لحمه من الحيوان عدا الطير والرضيع ، وكاد الفقيه المتتبع يقطع أن لا مدرك لاتفاقهم على ذلك إلا ما فهموه من إقعاد هذه القاعدة ، كما ينبئ عنه أيضا استدلالهم بها في كثير من المقامات مما يشعر بكونها من المسلمات عندهم ، وإلا فقد عرفت عدم عموم معتد به في الاخبار يدل على نجاسة الخرء من كل حيوان فلا مانع حينئذ من الاستدلال بها على المختار.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢٠ وفيه « فأجره » بدل « فلا بأس به ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٧.

٢٨٠