جواهر الكلام - ج ٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

إذا عاد عليه مراعيا للترتيب والموالاة ، وإلا فيعيد التيمم من رأس ، ولعل ما عن المبسوط من إطلاق إعادة التيمم بذلك منزل على ما ذكرنا ، وقد مر أيضا أن الأقوى عدم وجوب الاستيعاب بتمام الماسح خصوصا في الجبهة ، وان كان الأحوط ذلك ، فلاحظ وتأمل.

ويستحب نفض اليدين أو بمعناه بعد ضربهما على الأرض لو علق بهما شي‌ء للنصوص المستفيضة (١) وفيها الصحيح وغيره ، وظاهرها الوجوب ، لكن في التذكرة الإجماع على عدمه ، كما في المنتهى أنه يستحب عند علمائنا ، خلافا للجمهور ، وفي المدارك انه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه خلافا ، وعن المقاصد العلية يجوز النفض إجماعا ، وربما قيل بوجوبه ، وفي المختلف ان ابن الجنيد اعتبر وجوب المسح بالتراب المرتفع على اليدين ، وباقي أصحابنا استحبوا النفض ، وظاهره كجامع المقاصد وغيره انحصار الخلاف في ذلك بابن الجنيد ، لاعتباره المسح بالتراب المرتفع ، لكن قال جماعة من متأخري المتأخرين : إنه لا ينافي النفض ، لانه لا ينفي التراب رأسا ، وهو كما ترى لا يوافق ظاهر المحكي عنه ، مضافا إلى ما عرفته سابقا في البحث عن العلوق.

وكيف كان فخلافه غير قادح ، بل قد يظهر من المنتهى كما عن غيره بل كاد يكون صريحه الإجماع على خلافه ، حيث قال : ولا يجب استعمال التراب في الأعضاء الممسوحة ، ذكره علماؤنا ، وهو اختيار أبي حنيفة ، وقال الشافعي ومحمد : يجب المسح به ، ولعل ذلك منه وغيره قرينة على عدم إرادته بقوله في القواعد : « ولا بد من نقل التراب ، فلو تعرض لمهب الريح لم يكف » ما عساه يظهر منه اعتبار العلوق ، سيما مع اكتفائه فيها بمطلق الأرض فيما يتيمم به لا خصوص التراب ، وقد مر في العلوق ما فيه الكفاية.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣ و ٦ و ٧.

٢٢١

وعن الشيخ في نهايته وظاهر مبسوطة انه يستحب مع النفض مسح إحداهما بالأخرى ، ولعله للاستظهار في تنظيف اليد لفحوى الأمر بالنفض والنفخ ، وتحرزا من تشويه الخلقة ، أو انه يريد النفض بمسح إحداهما بالأخرى وصفقهما ، لكونه المتبادر ، لا نفض كل منهما مستقلا ، لكن عن المحقق في النكت اني لا أعرف الجمع بين الأمرين ، كما في المدارك لا نعلم مستنده ، بل عن المنتهى انه لا يستحب مسح إحدى الراحتين بالأخرى ، خلافا لبعض الجمهور ، إلا أن ظاهره إرادة مسح إحدى الراحتين مع مسح ظاهر الكف لا ما نحن فيه ، كما لا يخفى على من لاحظه ، ولم يذكر المصنف غير النفض وقصد الربى والعوالي من مستحبات التيمم ، وزاد في الذكرى السواك للبدلية ، والتسمية لها أيضا ، ولعموم البدأة باسم الله أمام كل أمر ذي بال ، بل عن الظاهرية وجوبها وتفريح الأصابع عند الضرب مسندا له إلى نص الأصحاب ، وأن لا يرفع عن العضو حتى يكمل مسحه ، لما فيه من المبالغة في الموالاة ، وأن لا يكرر المسح لما فيه من التشويه ، ومن ثم لم يستحب تجديده لصلاة واحدة ولا بأس به للتسامح وان كان في البعض نوع تأمل.

ولا يعتبر في صحة التيمم طهارة غير أعضائه من تمام البدن حتى محل النجو للأصل وإطلاق الأدلة من غير معارض ، بل والبدلية ، ف لو تيمم وعلى جسده نجاسة صح تيممه وان كان متمكنا من إزالتها كما لو تطهر بالماء وعليه نجاسة في غير محل الوضوء مثلا‌لكن في التيمم يراعى ضيق الوقت عنه وعن الصلاة خاصة ان كان التيمم لما يعتبر إزالتها في صحته كالصلاة وقلنا باعتبار الضيق فيه مطلقا أو مع الرجاء وكان متحققا ، فلو تيمم حينئذ قبل إزالتها مع سعة الوقت له فسد ، لا لان زوالها في نفسه شرط في صحته ، بل لوقوعه حينئذ قبل الضيق المعتبر في صحته ، إذ المراد به عدم سعة الوقت لغيره والصلاة ، فلا فرق حينئذ بين نجاسة البدن والثوب وغيرهما مما يشترط في الصلاة ، قيل : ولذلك أوجب تقديم الاستنجاء ونحوه عليه في المبسوط والنهاية والمعتبر‌

٢٢٢

وظاهر المقنعة والكافي والمهذب والإصباح.

وربما يشهد له مع ذلك أيضا ما في‌خبر أبي عبيدة (١) عن الصادق (ع) سأله عن الحائض التي قد طهرت ولم يكن عندها ما يكفيها للغسل ، فقال : « إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم وتصلي » ‌إلى آخره. لكن قد يناقش فيه على هذا التقدير أيضا أولا بأن المراد بضيق الوقت عند من اعتبره هو عدم زيادته عن الصلاة وشرائطها التي من جملتها التيمم وإزالة النجاسة ، وإلا فلا دليل على وجوب تأخيره عن سائر شرائط الصلاة من الاستتار ونحوه ، وثانيا بظهور إرادة العادي من الضيق الذي لا ينافيه نحو ذلك في بعض الأحوال ، وإلا لم يجز التيمم في موضع يحتاج أن ينتقل عنه إلى مصلاه ، بل ولا فعل الأذان والإقامة ونحوهما مما يقتضي السيرة بخلافه.

نعم قد يقال باشتراط تقدم خصوص الاستنجاء في صحته بناء على اشتراطه في الوضوء للبدلية ، لكن قد عرفت ضعفه فيما سبق ، كما عرفت عدم اعتبار المضايقة مطلقا في التيمم عندنا ، فلا يتوجه البحث حينئذ فيما ذكره المصنف من أصله ، ولعل عبارته هنا تشعر باختياره الضيق وإن كان قد تردد فيما مضى.

( الطرف الرابع في أحكامه )

وهي عشرة‌الأول من صلى بتيممه الصحيح لا يعيد ما صلاة خارج الوقت لو وجد الماء فيه للأصل وقاعدة الاجزاء ، مع احتياج القضاء إلى أمر جديد وليس ، والبدلية ، سيما مع‌قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين » ‌والإجماع المنقول في الخلاف والمعتبر والتحرير والتذكرة والمنتهى منا ، بل ومن غيرنا عدا طاوس ، وقد انقرض خلافه ، كما عن الصدوق في الأمالي نسبته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الحيض ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١٢.

٢٢٣

إلى دين الإمامية ، والمعتبرة المستفيضة منها ما في‌حسن زرارة أو صحيحه (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخرالوقت ، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه ، وليتوضأ لما يستقبل » ‌و‌صحيح يعقوب بن يقطين (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام بعد أن سأل عمن تيمم وصلى فأصاب الماء أيتوضأ ويعيد أم جازت صلاته؟قال : « إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد ، فان مضى الوقت فلا إعادة عليه » ‌ومنها إطلاق الصادق عليه‌السلام في حسن الحلبي (٣) و‌صحيح ابن سنان (٤) « إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض ويصلي ، فإذا وجد الماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلى » ‌كصحيح الحلبي (٥) والعيص (٦) ومحمد بن مسلم (٧) عنه عليه‌السلام أيضا مع زيادة ترك الاستفصال فيها ، بل في الأخير منها تعليل عدم الإعادة بأن رب الماء رب الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين.

مضافا إلى فحوى ما دل على عدم الإعادة لواجد الماء في الوقت ، كصحيح زرارة (٨) قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فإن أصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت قال : تمت صلاته ولا إعادة عليه » ‌و‌أبي بصير (٩) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت فقال : ليس عليه إعادة الصلاة » ‌كالموثق (١٠) عنه عليه‌السلام أيضا بل وآخرين (١١) مع زيادة التعليل بأن رب الماء هو رب الصعيد.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١٦.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١٥.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٩.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١١.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١٤.

(١١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١٥ و ١٧.

٢٢٤

فمنها ـ مع إطلاق الأولى ، سيما مع غلبة إطلاق الإعادة على ما في الوقت ، والبدلية ، وقاعدة الاجزاء ، وإطلاق إجماع التحرير ، بل كاد يكون صريحا فيه ، بل هو صريح معقد ما عن الأمالي من النسبة إلى دين الإمامية ، وإجماع التذكرة ـ يظهر وجه إطلاق المصنف عدم الإعادة في الوقت وخارجه ، كما هو المعروف بين القائلين بالمواسعة ، بل لعل القائلين بالمضايقة مطلقا أو مع الرجاء كذلك أيضا لكن بشرط فرض صحة التيمم إما بأن يكون متيمما سابقا ، أو لنافلة وجوزنا الدخول به في الفريضة ، أو كان مع ظن الضيق ، أو غير ذلك ، إلا أنهم لم ينقحوا القول فيه بينهم ، وان كان يفهم ذلك من مطاوي كلماتهم ، وان أطلقوا البطلان على المضايقة ، لكن عللوه باستلزام الفرض وقوعه في السعة حينئذ ، وقد عرفت إمكان التصوير عليه بما ذكرنا ، وبعد التسليم فهو خارج عما نحن فيه ، لعدم صحة التيمم حينئذ عندهم ، لا أنه صحيح ومع ذلك يكلف بالإعادة لوجدان الماء.

فظهر اتفاق الفريقين حينئذ على عدم الإعادة لذلك مع الحكم بالصحة ، فما عن ابني الجنيد وأبي عقيل من القول بها في هذا الحال كأنه خرق للإجماع المركب ان لم يكن البسيط ، خصوصا إن قلنا إن ذلك منهما على جهة الكشف ، بمعنى جواز التيمم في السعة إلا أنه مراعى بعدم وجدان الماء في الوقت ، كما هو ظاهر أو محتمل المحكي عن عطاء وطاوس والقاسم بن محمد ومكحول وابن سيرين والزهري وربيعة ، حيث جوزوا التيمم في السعة ، وأوجبوا الإعادة مع الوجدان في الوقت ، كالقديمين منا ، مع أنا لم نعرف لهما مستندا سوى أصالة التكليف بالمائية ، وهو مع أنه لا يعارض ما تقدم ممنوع هنا ، وصحيح ابن يقطين المتقدم (١) و‌موثق منصور بن حازم (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل تيمم وصلى ثم أصاب الماء فقال : أما أنا فإني كنت أتوضأ وأعيد » ‌وهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١٠.

٢٢٥

ـ مع موافقتهما لما سمعت ، وقصورهما عن معارضة ما عرفت من وجوه ، وعدم التصريح في الثاني بكون الإصابة في الوقت ـ محمولان على الندب كما صرح به بعضهم ، سيما مع إشعار الثاني به أو بالتقية ، فيحملان عليها حينئذ ، فظهر حينئذ أنه لا يعيد سواء كان في الوقت أو خارجه.

كما أنه كذلك سواء كان تيممه في سفر أو حضر بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكى عن المرتضى في شرح الرسالة منا ، والشافعي منهم من وجوب الإعادة على الحاضر إذا تيمم لفقد الماء ثم وجده ، بل عن التنقيح حكايته عن الشيخ وبعض الأصحاب إلا أنا لم نتحققه ، بل في الخلاف التصريح بعدم الإعادة ، بل ظاهره أو صريحه الإجماع ، كما أن عنه الإجماع على مساواة الحضر والسفر في ذلك ، وهو مع إطلاقات الإجماعات السابقة وغيرها حجتنا على المرتضى ، سيما لو أراد بالإعادة ما يتناول القضاء ، مع أنا لم نعرف له مستندا كما اعترف به غير واحد إلا ما يشعر به خبر السكوني (١) الوارد في الزحام ، وستعرف ما فيه.

ودعوى أصالة التكليف بالمائية ، والترابية إنما تجزئ عن التكليف بها لا عن غيرها ، كما أن أخبار عدم الإعادة إنما تنصرف لغيره ، لندرة فقد مثله الماء ، سيما مع عدم العموم اللغوي في أكثرها ، وفيه ـ مع منع أصله عليه هنا ، وانقطاعه بعد التسليم بما تقدم ، ومنافاته لقاعدة الاجزاء المعلومة عرفا خصوصا في المقام ـ ان ما دل (٢) على تنزيل التراب منزلة الماء ، وان ربهما واحد ، وانه أحد الطهورين ونحوها تتناول الجميع ، وإلا لشك في أصل تسويغ التيمم له حينئذ لا في الإعادة خاصة ، ومن الواضح عندنا بطلانه كما تقدم في أول مسوغات التيمم ، كما انه قد وضح لك الآن بطلان المحكي عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب التيمم.

٢٢٦

المرتضى ، مع أنه لم يعرف نقله عنه إلا من بعض المتأخرين.

نعم قيل كما عن التهذيب والاستبصار والنهاية والمبسوط والمهذب والإصباح وروض الجنان فيمن تعمد الجنابة وخشي على نفسه من استعمال الماء يتيمم ويصلي لعدم سقوط الصلاة بحال ، وعموم أو إطلاق الأمر بالتيمم عند الخوف على النفس ، بل وخصوص الجنب عند عدم التمكن ثم يعيد لعدم العلم باجزاء الترابية عنها هنا ، سيما بعد ما ورد (١) من التشديد عليه بالاغتسال وان تألم من البرد كما مر سابقا ، و‌للمرسل (٢) في الكافي والتهذيب والاستبصار في أحد طريقيهما ، بل والآخر أيضا ، لأنه عن عبد الله بن سنان أو غيره عن الصادق عليه‌السلام « عن رجل أصابته جنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف ان اغتسل ، قال : يتيمم ، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة » ‌نعم هو في الفقيه صحيح ، لانه قال : « سأل عبد الله بن سنان أبا عبد الله عليه‌السلام » إلى آخره. وطريقه اليه صحيح ، وفي السرائر والجامع نسبته إلى الرواية ، لكن ظاهر الأول عدم العمل بها.

وفيه ـ مع معارضته بما دل (٣) على أمر مثله بالاغتسال على كل حال حتى حكى الشيخ في الخلاف الإجماع عليه وان تقدم سابقا منع ذلك عليه ، ومنافاته لقاعدة الأجزاء التي هي هنا كادت تكون صريح الأدلة ، خصوصا ما دل منها على تنزيل التراب منزلة الماء ، وكونه أحد الطهورين ، وان ربهما واحد ، بل في‌خبر السكوني (٤) عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأبي ذر وقد جامع على غير ماء : يكفيك الصعيد عشر سنين » ‌بل قد يستظهر من الأخير المطلوب.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب التيمم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١٢.

٢٢٧

كما أنه يستظهر أيضا مما تقدم من المعتبرة (١) الدالة على عدم الإعادة مطلقا ، خصوصا المشتمل منها على عدم إعادة الجنب ، إذ هي وان كانت ظاهرة في فاقد الماء ثم أصابه لا ما نحن فيه ، لكن مع إمكان دعوى المساواة بينهما تنزيلا للمنع الشرعي منزلة المنع العقلي ، سيما بعد عدم حرمة الجماع عليه كما ذكرناه سابقا قد اشتمل بعضها على التعليل الشامل له ، كصحيح ابن مسلم (٢) « سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلى ثم وجد الماء فقال : لا يعيد ، ان رب الماء رب الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين » ‌ونحوه غيره (٣) في ذلك ، خصوصا مع اعتضاده بالأصل ، وظهور الأدلة في اتحاد الصلاة المأمور بها وان اختلفت طهارتها مائية أو ترابية ، واحتياج القضاء إلى أمر جديد وليس ، بل والإعادة هنا أيضا ، إذ هو مكلف حينئذ بصلاتين ، وبما تقدم سابقا من إطلاق بعض ما حكي من الإجماع على عدم الإعادة على من صلى بالتيمم الصحيح ، خصوصا بالنسبة للقضاء ، وبالشهرة بين متأخري الأصحاب ، بل ولعل غيرهم كذلك ، إذ لم ينقل إلا عمن عرفت ، مع عدم صراحة الأولين في المحكي عنهما ، ولم يحضرني الباقي ، وليس النقل كالعيان ، وغير ذلك ـ أنه لا صراحة بل ولا ظهور في الخبرين في المتعمد ، بل قد يظهر منه المحتلم مثلا ، مع إرسال الأول ، وعدم صراحة الجملة الخبرية بالوجوب ، فحمله على الندب متعين ، أو التقية لكونه مذهب أبي يوسف ومحمد والشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد أو غير ذلك.

وقد مر في السبب الثالث من مسوغات التيمم ماله نفع في المقام ، خصوصا ما يتعلق بحل تعمد الجنابة لمثله حتى بعد الوقت ، إلا في خصوص ما لو كان متمكنا من الوضوء ، ففي المنتهى تحريمه لوجوب الطهارة المائية عليه حينئذ كما تقدم ذلك كله مفصلا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم.

٢٢٨

كما أنه قد مر في السبب الأول من المسوغات ضعف القول بوجوب التيمم على من أراق الماء في الوقت ثم الإعادة ، وإن ذهب إليه العلامة وغيره ، فلا يتم ما قيل هنا أيضا : إن المراد بتعمد الجنابة في نحو المتن قبل الوقت لا بعده ، لأنه كإراقة الماء بعده ، على انه قياس : مع الفارق عند التأمل إذا لم يجد شيئا من الماء ، لكون فرضه حينئذ التراب ، فلا يتفاوت بين حدثية الأصغر والأكبر ، فلاحظ وتأمل.

وكذا قيل كما في الوسيلة والجامع وعن المقنع والنهاية والمبسوط والمهذب فيمن منعه زحام الجمعة عن الخروج حتى خشي فواتها مثل ذلك أي يتيمم ويصلي بلا خلاف أجده فيه هنا حتى من بعض من أنكر جوازه للضيق ، ولعله للفرق بينهما من حيث مانعية الزحام هنا لا الضيق مجردا ، فيشمله حينئذ عمومات التيمم ، ثم يعيد للشك في إجزائها عن المائية هنا ، ولموثق سماعة (١) عن الصادق عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « انه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة فأحدث أو ذكر أنه على غير وضوء ، ولا يستطيع الخروج عن المسجد من كثرة الزحام قال : يتيمم ويصلي معهم ، ويعيد إذا انصرف » ‌كخبر السكوني (٢) بتفاوت لا يقدح في المراد.

ولعل الأقوى فيه عدم الإعادة أيضا وفاقا للفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم من متأخري المتأخرين ، بل لعله لا خلاف فيه بينهم ، للأصل وقاعدة الاجزاء ، والبدلية ، والتعليل السابق له باتحاد ربهما وكونه أحد الطهورين ، وكثير مما مر آنفا من إطلاق معقد إجماع عدم الإعادة وغيره ، فلا شك في الاجزاء حينئذ بعد ذلك ، ولا قوة للخبرين على التخصيص وان كان أحدهما موثقا ، والآخر عن الشيخ في العدة الإجماع على العمل بما يرويه ، لكنهما مع ما سمعت ظاهران في إرادة الصلاة مع العامة ، سيما والمعروف في ذلك الزمان انعقادها لهم ، واشتمال سؤالهما على عرفة مع ظهور‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

٢٢٩

الجواب عن الجمعة خاصة لا ينافي ذلك.

فيتجه حينئذ الإعادة لعدم إجزاء تلك الصلاة في حقه لو كانت بطهارة مائية فضلا عن الترابية ، بل تكليفه صلاتها ظهرا ، والفرض انه متمكن من ذلك لاتساع الوقت وارتفاع الزحام بعد الفراغ من الجمعة ، واحتمال إجزائها لعموم أوامر التقية وان كان متمكنا منها ظهرا ضعيف ، فما في كشف اللثام ـ بعد ذكره الخبرين وهما وان ضعفا إلا أن في إجزاء هذه الصلاة وهذا التيمم نظرا ، فالإعادة أقوى ـ متجه ان أراد ما ذكرنا وإلا كان محلا للتأمل ، بل والمنع لما عرفت ، اللهم إلا أن يريد أنه يشك مع عدم تمكنه من المائية في وجوب الصلاة جمعة عليه وان لم يكن تقية ، لأن لها بدلا مع تعذرها ، وهو صلاتها ظهرا فلا يكون خوف فواتها حينئذ مسوغا للتيمم.

ولعله لذا قال في المهذب البارع : « لو كان المانع من الطهارة خوف فوات الجمعة مع التمكن من الخروج من الجامع لسهولة الزحام وضيق الوقت لم يجز التيمم إجماعا » انتهى.

وفيه انه لا وجه للشك في ذلك بعد فرض عينية الجمعة عليه ، وان كان لها بدل اضطراري ، على انه ليس بدلا حقيقة ، بل هو تكليف آخر يثبت بعد تعذر الأول عليه ، ولا تعذر مع إقامة الشارع التراب مقام الماء ، وإجماع المهذب ـ مع أنه ليس مما نحن فيه ، لكون المانع هنا الزحام ـ قد يمنع عليه حيث تكون الجمعة واجبا عينا.

نعم قد يتجه ما ذكر في نحو زمن الغيبة بناء على الوجوب التخييري بينها وبين الظهر ، لعدم ثبوت مسوغية فوات أحد فردي الواجب المخير التيمم له ، بل يتعين عليه حينئذ الفرد الآخر بالطهارة المائية ، وكذا ما نحن فيه من الزحام ، فلا يشرع التيمم حينئذ لا انه يشرع ويعيد مع انه للتأمل فيه مجال ، لكن الاحتياط لا ينبغي أن يترك بحال ، سيما بعد اعتبار الخبرين في الجملة وعمل من عرفت بهما من الأصحاب.

وكذا قيل كما عن النهاية والمبسوط في من كان على ثوبه الذي لا يتمكن‌

٢٣٠

من نزعه بل أو جسده لأولويته من الأول وان اقتصر عليه فيهما نجاسة لا يعفى عنها ولم يكن معه ماء لإزالتها تيمم لعموم أدلته ، ثم يعيد بعد التمكن من غسلها ،للموثق (١) عن الصادق عليه‌السلام بعد أن سئل عن رجل ليس عليه إلا ثوب ، ولا يحل الصلاة فيه ، وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال : « يتيمم ويصلي ، وإذا أصاب ماء يغسله وأعاد الصلاة ».

وفيه ـ مع قصوره عن معارضة غيره من الأصل ، وقاعدة الاجزاء ، والتعليل السابق ، وإطلاق ما دل على عدم الإعادة من الاخبار ، ومعقد الإجماع ، وغيره خصوصا لو أراد الخصم منها ما يشمل القضاء ، سيما بعد حصول الاعراض ممن عداه من الأصحاب عنه نصا وظاهرا ، بل منه أيضا في الخلاف ، بل ظاهره فيه الإجماع على عدم الإعادة حيث أضافه الى مذهبنا ، بل ظاهر المحكي عنه في المبسوط عدم الإعادة أيضا ، لكن بالنسبة إلى نجاسة البدن ، وسيما مع إطلاق الثوب فيه من غير تقييد بعدم التمكن من نزعه ـ انه لا صراحة فيه بما نحن فيه ، لاحتماله كون ذلك من أحكام النجاسة حتى لو كان متطهرا بالماء ، بل في كشف اللثام أنه الظاهر كما أنه استظهر في المنتهى من الشيخ أن الإعادة بمجرد تمكنه من غسلها خاصة وان لم يتمكن من الطهارة المائية ، لتعليقه الإعادة على عدم الغسل ، ولأن المؤثر وجودها وقد زالت ، وان اعترضه في جامع المقاصد بأنه لا دلالة في عبارة الشيخ على ما ادعاه ، بل ظاهر ذكره لها في باب التيمم ـ وعدم تعرضه لذلك في أحكام النجاسة ، واستدلاله بحديث عمار (٢) المتضمن للتيمم المشعر بكون الإعادة للأمرين لا للنجاسة بخصوصها ـ خلافه لكن قد يمنع ذلك كله عليه.

ومن هنا اتضح أن الأظهر عدم الإعادة في جميع ما تقدم ، وان الاحتياط لا ينبغي أن يترك ،كما أنه قد اتضح سابقا ما ذكره المصنف بقوله الثاني يجب عليه طلب الماء ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

٢٣١

فإن أخل بالطلب وصلى ثم وجد الماء في رحله أو مع أصحابه تطهر وأعاد الصلاة نعم انما البحث في‌الثالث وهو من عدم الماء وما يتيمم به اختيارا واضطرارا لقيد أو حبس في موضع نجس وقلنا بعدم جواز التيمم به ، أو غير ذلك ففي التذكرة وعن القاضي أنه قيل يصلي ويعيد إذا تمكن ، لكنا لم نعرف قائله ، كما اعترف به بعضهم وان نسبه الأول إلى اختيار الشيخ في المبسوط والنهاية ، إلا أن المحكي عنهما التخيير بين تأخير الصلاة أو الصلاة ثم الإعادة ، وهو غير ذلك ، كالمحكي عن جد المرتضى من وجوب الأداء دون القضاء ، على أنه لم يثبت ، ولذا قال في جامع المقاصد : « إن سقوط الأداء ظاهر مذهب أصحابنا » والروض « ظاهر الأصحاب بحيث لا نعلم فيه مخالفا » والمدارك « أنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا صريحا ».

قلت : وهو كذلك ، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، واحتمال اختصاص الشرطية في صورة التمكن خاصة ـ كسائر شروط الصحة من الساتر والقبلة وغيرهما ، بل والاجزاء لعموم ما دل على وجوب الصلاة ، وأنها لا تسقط بحال ، ولانه لو انتفى وجوبها بانتفائه لكانت الطهارة مقدمة وجوب لا وجود ، وهو باطل ـ في غاية الضعف بعد ظهور تناول ما دل على الشرطية كقوله عليه‌السلام (١) : « لا صلاة إلا بطهور » ‌ونحوه للصورتين ، وقياسه على باقي شرائط الصحة ـ بعد تسليم ذلك في جميعها ، وانه ليس لدليل خاص فيها ـ قد يدفعه ـ على تأمل فيه بعد الاتفاق إلا من نادر لم يثبت خلافه ـ الفرق بين ما استفيد منه شرطيتها وبين ما نحن فيه ، إذ لعله أمر ، ونحوه مما يقيد عقلا وعرفا بالتمكن ، لا نحو‌قوله (ع) : « لا صلاة إلا بطهور » ‌وشبهه ، فلا يعارضه حينئذ ما دل على وجوب الصلاة بعد تناول ما دل على الاشتراط لصورتي التمكن وعدمه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ١.

٢٣٢

لظهور كون المراد منها حينئذ بعد تسليم تناولها لفاقد الطهورين لندرته الصلاة المشروط صحتها بذلك مطلقا ، ولا تنافي بين كونها شرطا لصحة الواجب ووجوده وبين كون التمكن منها شرطا لوجوبه كما هو واضح.

ولذا اعتبر اتساع الوقت لها وللواجب في ابتداء التكليف به في المجنون الذي أفاق ، والصبي الذي بلغ ، والحائض التي طهرت ، وفي ثبوت القضاء على الحائض ونحوها إذا جاءها الحيض بعد أن يمضي من الوقت مقدار الطهارة والصلاة ، فتأمل. وخبر عدم السقوط بحال ـ مع قصوره عن المقاومة هنا وإجماله في الجملة ـ قد يراد منه ما يعم القضاء.

فظهر من ذلك كله الوجه في سقوط الأداء ، وان كان الأحوط مراعاته ، بل عن نهاية الاحكام استحبابه ، لحرمة الوقت والخروج من الخلاف ، لكن قد يشكل ذلك كالذي سمعته من المبسوط والنهاية بأنه قد يتجه لو كانت حرمة الصلاة من غير طهور تشريعية محضة ، لترتفع للاحتياط ، لا إذا كانت أصلية كما هو ظاهر الاخبار (١) الناهية عن ذلك ، لأنه الأصل فيه ، خصوصا نحو‌خبر مسعدة بن صدقة (٢) « ان قائلا قال للصادق عليه‌السلام : اني أمر بقوم ناصبية وقد أقيمت لهم الصلاة وأنا على غير وضوء ، فان لم أدخل معهم في الصلاة قالوا ما شاؤا أن يقولوا ، فأصلي معهم ثم أتوضأ إذا انصرفت وأصلي ، فقال عليه‌السلام : سبحان الله فما يخاف من يصلي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفا » ‌لكن قد يقال : انه لا يتناول محل الفرض ، فتأمل.

وقيل كما هو الأشهر بين المتقدمين والمتأخرين بل المشهور كما عن كشف الالتباس يؤخر الصلاة حتى يرتفع العذر بأن يتمكن من أحد الطهورين فان خرج الوقت قضى وهو الأقوى لعموم ما دل عليه من‌قوله عليه‌السلام (٣) : « من فاتته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الوضوء.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قضاء الصلوات الحديث ١ مع اختلاف في اللفظ.

٢٣٣

فريضة فليقضها كما فاتته » وغيره (١) ودعوى عدم شموله لمثل هذا الفرد النادر ممنوعة سيما في المقام ، لكون الفوات فيه عاما أو كالعام من حيث وقوعه في سياق العموم لا مطلقا ، على أنها ندرة وجود لا إطلاق ، وكذا دعوى اختصاصه بمن وجب عليه الأداء ، لظهور لفظ الفريضة فيه ، ولعدم صدق اسم الفوات بدونه ، وإلا لوجب على الصبي والمجنون والحائض ونحوهم ، بل وعلى التارك قبل الوقت ، لوضوح إرادة الشأنية في الفريضة لا الفعلية ، وكفاية دخول الوقت الذي هو سبب الوجوب في صدق اسم الفوات ، وإلا لم يجب القضاء على الساهي والناسي والنائم ، فلا يرد الترك قبله كما لا يرد الحائض ونحوها بعد الخروج بالدليل ، على أنه قد يفرق فيه خصوصا في الصبي والمجنون بصحة الطلب هنا ، وبقاء المصلحة في الفعل وان منع من الوجود مانع ، بخلافه في ذلك.

ومن هنا ظهر لك ضعف ما قيل كما في الجامع وعن المفيد في أحد قوليه انه يسقط الفرض أداء لما عرفت وقضاء للأصل ، وتبعيته للأداء ، وللتشبيه للحائض بسقوط صلاة كل منهما بحدث لا يمكن إزالته ، ولانصراف أدلة القضاء لغيره من الافراد المتعارفة ، وان قال المصنف هو الأشبه وتبعه عليه جماعة ممن تأخر عنه كالعلامة في جملة من كتبه ، والمحقق الثاني وغيرهما ، كما انه تردد في النافع وعن غيره لذلك.

لكنك عرفت انقطاع الأصل بما مر ، ومنع التبعية بهذا المعنى كالتشبيه ان لم يكن قياسا ، وكذا الانصراف ، على ان ذلك ندرة وجود لا إطلاق ، فحينئذ سابقه أشبه لا هو ، كما انه أشبه قطعا مما يحكى عن المفيد في رسالته الى ولده وأبي العباس في صلاة موجزه والصيمري في طهارة كشف الالتباس من وجوب ذكر الله عليه مقدار الصلاة ، والاكتفاء به عن الأداء والقضاء ، لعدم الدليل على استحباب ذلك بالخصوص له فضلا عن وجوبه ، نعم قد يستأنس له في الجملة بذكر الحائض ، ولعله لذا نفى عنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قضاء الصلوات.

٢٣٤

البأس في كشف اللثام بعد ان حكى عن المفيد ان عليه ذكر الله مقدار الصلاة ، وكأنه فهم منه إرادة الندب ، والأمر سهل.

الرابع إذا وجد المتيمم الماء قبل دخوله في الصلاة انتقض تيممه وتطهر به إجماعا في التحرير والمختلف ، بل من العلماء إلا ما نقل عن أبي سلمة والشعبي كما في التذكرة ، بل لا استثناء في المعتبر والمنتهى ، وهو الحجة ، مع النصوص المستفيضة (١) حد الاستفاضة الدالة على انتقاض التيمم بوجدان الماء ، وهي وان كانت مطلقة كمعاقد الإجماعات السابقة عدا التذكرة.

لكن ينبغي القطع بإرادة التمكن من الاستعمال منها مع ذلك ، كما هو ظاهر معقد إجماع التذكرة أو صريحه ، كصريح معقد إجماع المعتبر والذكرى ، و‌خبر أبي يوسف (٢) عن الصادق عليه‌السلام المروي عن تفسير العياشي « إذا رأى الماء وكان يقدر عليه انتقض التيمم » ‌الحديث. وإلا فوجدانه مع عدم التمكن منه بمنزلة العدم ، ولذا ساغ التيمم معه ، فكيف يصلح ناقضا له.

كما انه ينبغي القطع أيضا باعتبار التمكن الشرعي كالعقلي ، إذ الممتنع شرعا كالممتنع عقلا ، فلا ينتقض حينئذ بوجدانه مع ضيق الوقت عن الاستعمال بناء على ما اخترناه من وجوب الصلاة في تلك الحال ، لعدم التمكن حينئذ ، فما في المدارك ان إطلاقهم وجوب التطهير هنا مؤيد للقول بعدم مشروعية التيمم للضيق في غير محله بعد ما عرفت من تقييده بذلك قطعا ، نعم لو لم نقل بوجوب أداء الصلاة عليه في تلك الحال اتجه حينئذ القول بعدم مشروعية التيمم ، فكل على مختاره فيه حينئذ ، على ان هذا الإطلاق لم يكن مساقا لبيان ذلك ، انما المراد نقضه من حيث السبق على الصلاة أو اللحوق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب التيمم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٦ لكن رواه عن أبي أيوب كما يأتي في الصحيفة ٢٣٧.

٢٣٥

أو الأثناء من دون نظر للسعة أو الضيق كما هو واضح.

وكذا ينبغي القطع بكون المراد بما ذكرناه من ناقضية التمكن من الاستعمال هو التمكن منه تماما ، وإلا فالتمكن من بعض الغسل أو الوضوء مثلا بمنزلة عدمه قطعا ، فلا بد حينئذ للحكم بناقضيته واقعا من مضي زمان يسع المكلف به وهو متمكن ، فلو علم من أول الأمر عدم ذلك ، أو ظهر في الأثناء بأن تعذر الماء مثلا لم يعتد به وانكشف بقاء صحة التيمم سابقا ، ولا ينافيه الحكم الظاهري سابقا بفساده بناء على ظهور بقاء التمكن ، كما لا ينافي احتمال بقاء صحة التيمم واقعا لاحتمال تعذر الماء مثلا بنية الطهارة المائية والجزم بها ، أخذا بذلك الظاهر كسائر العبارات.

فمن العجيب ما في الرياض حيث قال : « وليس في إطلاق المصنف كغيره اعتبار تمكن الاستعمال بمضي زمان يسعه كما هو أحد القولين وأحوطهما ، وقيل باعتباره ، لأصالة بقاء الصحة وعدم ما ينافيها في المستفيضة بناء على عدم تبادر عدم إمكان الاستعمال منها ، فيقتصر في تخصيصها على القدر المتيقن منها ، وهو حسن لو لا معارضة أصالة الصحة في التيمم بأصالة بقاء شغل الذمة بالعبادة ، وبعد التعارض تبقى الأوامر بها سليمة » انتهى.

إذ هو ـ مع أنا لم نعرف أول القولين لأحد من الأصحاب سوى ما عساه يظهر من الفقيه في بادئ النظر ، ومال اليه بعض متأخري المتأخرين ، بل المصرح به في كلام جماعة منهم الكركي الثاني ، ومعارضة الاحتياط بمثله في بعض المقامات ، وتسليم صلاحية معارضة أصالة الشغل لأصالة الصحة هنا ، لحصول الفراغ اليقيني شرعا بها ، ولعدم الفرق في حجية الاستصحاب عندنا في قدح العارض ، أو عروض القادح ـ أن المتبادر من المستفيضة بل وعبارة الصدوق أيضا كإطلاق الأصحاب التمكن تمام الاستعمال لغلبته لا ما ذكره ، سيما بعد ما سمعته من معقد الإجماعين السابقين والخبر ، فيتجه الاستدلال حينئذ بما يستفاد منها ومن غيرها من حصر الناقض للتيمم بالحدث ووجدان الماء بعد‌

٢٣٦

أن عرفت انصراف الوجدان لما تقدم ، فتأمل جيدا.

وأما ان وجده أي الماء بعد فراغه من الصلاة لم يجب القضاء قطعا ، ولا الإعادة على الأقوى كما مر ذلك مفصلا ، نعم ينتقض تيممه بالنسبة إلى غيرها من الصلوات وان كان قبل الوقت وفقده بعده ، لإطلاق النصوص (١) الدالة على انتقاضه بذلك من دون تقييد له بوجدانه في الوقت مع ترك الاستفصال فيها ، بل هو صريح‌خبر حسين العامري (٢) عمن سأله « عن رجل أجنب فلم يقدر على الماء وحضرت الصلاة فتيمم بالصعيد ثم مر بالماء ولم يغتسل وانتظر ماء آخر وراء ذلك فدخل وقت الصلاة الأخرى ولم ينته الى الماء وخاف فوت الصلاة قال : يتيمم ويصلي » ‌فان تيممه الأول انتقض حين مر بالماء ولم يغتسل ، و‌خبر أبي أيوب (٣) عن الصادق عليه‌السلام المروي عن تفسير العياشي الى أن قال : « قلت : فإن أصاب الماء وهو في آخر الوقت فقال : قد مضت صلاته ، وقال : قلت له : فيصلي بالتيمم صلاة أخرى ، قال : إذا رأى وكان يقدر عليه انتقض التيمم » ‌الى غير ذلك من الاخبار التي كادت تكون صريحة فيه.

فما في كشف اللثام ـ من انه لو وجده بعد الفراغ من الصلاة وخروج وقتها لم يبطل بالنسبة إليها إجماعا وصحت ، وبالنسبة إلى غيرها وجدان قبل الشروع ، لكنه قبل وقتها غير متمكن من استعماله فيجري فيه ما يأتي فيمن وجده في الصلاة ثم فقده ـ لا يخلو من تأمل ، لوضوح الفرق بين المسألتين بالمنع الشرعي في تلك وعدمه فيما نحن فيه.

واحتمال القول انه لا يشرع الطهارة للصلاة قبل وقتها حتى التأهب ، بناء على أنه الكون على الطهارة في الحقيقة وان شرع لغيرها ، فلا يكون متمكنا حينئذ شرعا ، فيتساويان يدفعه بعد التسليم أنه يكفي في النقض التمكن من الطهارة في نفسها وان لم تكن للصلاة ، لما عرفته سابقا من إطلاق النصوص والفتاوى وصريح الخبرين السابقين ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب التيمم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٦.

٢٣٧

بل لا يبعد عدم الاحتياج في النقض بعد مضي الزمان المذكور الى تحقق الخطاب بالطهارة ، بل يكفي عدم المنع لو كانت غاية تشرع لها ، فلو فرض التمكن من الماء مثلا في حال عدم غاية من غايات الطهارة حتى الكون على الطهارة لمنع السيد أو الوالد انتقض التيمم ، إذ ليس مبناه تحقق الخطاب بها ، فينافي التيمم كما عساه يوهمه ما في جامع المقاصد وغيره ، فتأمل جيدا.

وأما إن وجده وهو داخل في الصلاة ف قيل كما في جمل المرتضى وعن مصباحه وشرح رسالته والإصباح والمقنع والنهاية والحسن بن عيسى والجعفي وجماعة من متأخري المتأخرين منهم الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح والعلامة الطباطبائي في المنظومة يرجع ما لم يركع في الركعة الاولى ، أما الرجوع قبله فلأصالة الشغل ، وإطلاق النقض بإصابة الماء ، كاشتراط صحة التيمم بعدم الوجدان ، وأولويته من ناسي الأذان والإقامة ، وثبوت شرطية الطهارة المائية للأجزاء كالجملة ، و‌صحيح زرارة (١) المروي في الكافي والتهذيب مع اختلاف في الطرق ، قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة قال : فلينصرف ، فليتوضأ ما لم يركع ، فان كان قد ركع فليمض في صلاته ، فان التيمم أحد الطهورين » ‌و‌خبر عبد الله بن عاصم (٢) عن الصادق عليه‌السلام المروي في الكافي والتهذيب ومستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب « عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم ويقوم في الصلاة فجاء الغلام فقال : هو ذا الماء فقال : إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته ».

ومنهما مع جميع ما تسمعه من دليل المشهور الذي أشار إليه المصنف بقوله وقيل يمضي في صلاته ولو تلبس بتكبيرة الإحرام حسب تحصيلا ونقلا في جامع المقاصد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

٢٣٨

والروض ومجمع البرهان ، بل في السرائر الإجماع عليه في باب الاستحاضة يستفاد حكم عدم الرجوع بعد الركوع من الأصل براءة ، واستصحابا للصحة ، وظهور الأدلة في اشتراط صحة التيمم بعدم الوجدان الى أن يشرع في المقصود ، والمنزلة ، وكفايته عشر سنين بعد الاقتصار على المتيقن من نقض الإصابة ، كتعليل عدم الإعادة لو وجده بعد الفراغ بكونه أحد الطهورين ، مع التعليل السابق في‌صحيح زرارة كصحيحه الآخر مع محمد بن مسلم (١) لكنه بعد صلاة ركعتين ، قال فيه : « قلت له : رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلى ركعتين ، ثم أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثم يصلي؟ قال : لا ، ولكنه يمضي في صلاته ولا ينقضهما ، لمكان أنه دخلها وهو على طهر بتيمم » ‌الحديث. والنهي كتابا (٢) عن إبطال العمل ، وسنة (٣) عن الانصراف حتى يسمع الصوت ويجد الريح ، حتى‌خبر محمد بن حمران (٤) عن الصادق عليه‌السلام قال : « قلت له : رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة قال : يمضي في الصلاة ، واعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت » ‌الحديث. بعد تقييده كغيره من الأدلة السابقة بما تقدم مما دل على الرجوع قبل الركوع.

نعم قد يقال : إن ما عدا الخبرين غير صالح للتقييد أصلا ، بل هو مقيد بذلك ، وأما هما فقاصران عن تقييده أيضا ، لاعتضاده مضافا إلى ما سبق من الأصل والمنزلة والتعليل والنهي عن الابطال وغيرها بالشهرة ، بل إجماع السرائر و‌الرضوي (٥)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٤.

(٢) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الآية ٣٥.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣.

٢٣٩

« فإذا كبرت في صلاتك تكبيرة الافتتاح وأتيت بالماء فلا تقطع الصلاة ولا تنقض تيممك وامض في صلاتك » ‌و‌المرسل في جمل المرتضى قال : « وروي انه إذا كبر تكبيرة الإحرام مضى فيها » ‌كما عن ابن أبي عقيل ذلك أيضا.

كل ذلك مع إمكان منع صلاحية خبر ابن حمران للتقييد من حيث ظهور سؤاله بما قبل الركوع ، فيكون حينئذ معارضا لا مطلقا ، ولذا قال في المعتبر بعد ذكره وذكر خبر ابن عاصم الدال على جواز الرجوع ما لم يركع : « ان الاولى أرجح من وجوه ، أحدها أن محمد بن حمران أشهر في العدالة والعلم من عبد الله بن عاصم ، والأعدل مقدم ، الثاني انها أخف وأيسر ، واليسر مراد الله ، الثالث أنه مع العمل بالأولى يمكن تنزيل الثانية على الاستحباب ، بخلافه لو عمل بالثانية ، فإنه لا يمكن حينئذ العمل بالأولى » انتهى.

كما انه احتمله أي الاستحباب في الاستبصار ، بل عن المبسوط والإصباح الجزم به ، كظاهر المنتهى ، بل عن التذكرة ونهاية الاحكام قربه مطلقا أي قبل الركوع وبعده ، وزاد في المنتهى احتمال تنزيل الرواية على إرادة الدخول فيما قارب الصلاة من المقدمات كالأذان والإقامة ونحوهما ، وعلى إرادة الصلاة من الركوع من باب إطلاق اسم الجزء على الكل.

قلت : ولذلك قال المصنف وهو أي القول بعدم الرجوع مطلقا الأظهر من الأول ، لكن قد يقوى في النظر القاصر خلافه ، لمنع قصور الخبرين عن تقييد ما تقدم سيما الأصل ، مع إمكان معارضة إرادة الصحة منه بأصالة الشغل ، وسيما إطلاق المنزلة والبدلية لو سلم شمولها لما نحن فيه ، للقطع بكون المراد منها انه بمنزلته مع فقده وعدم وجدانه ، وسيما التعليل السابق ، لظهور صحيح زرارة في كون محله انما هو بعد الركوع لا قبله ، فيحمل ذلك في صحيحه الآخر عليه ، لاتحاد الراوي والمروي عنه فيهما.

٢٤٠