جواهر الكلام - ج ٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

قد حكى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الضرب بيانا لعمار في صحيح زرارة (١) المروي في مستطرفات السرائر عن نوادر البزنطي ـ قد رده في المدارك وشرح المفاتيح بأنه حكاية فعل ، ولا عموم فيه ، لكن قد يشكل بأن العبرة بتعبير المعصوم عليه‌السلام عنه في مقام البيان والتعليم ، فالأولى رده بأنه مطلق والأول مقيد.

ودعوى ظهور الوضع في غير الضرب لا فيما يشمله ، فيتجه التخيير بينهما لاشتمال الاخبار على كل منهما ممنوعة ، كاحتمال جعل اختلاف عبارات الأصحاب والاخبار في ذلك قرينة على إرادة الوضع من الضرب ، مع أنه ليس أولى من العكس ، بل هو أولى لما عرفت ، بل لعل تعبير المصنف والجامع والقواعد بالضرب فيما يأتي من بدلية الوضوء والغسل والمبسوط في الثاني خاصة قرينة على إرادته من الوضع هنا ، فلا خلاف بالنسبة إليهم حينئذ ، وينحصر في الشهيد والمحقق وعن نهاية الاحكام ، وقد عرفت ضعفه لكن اختيارا.

أما لو اضطر بأن تمكن من الوضع دون الضرب فلا يبعد الاجتزاء به ولا يسقط التيمم أصلا قطعا أو خصوص مباشرة باطن الكف للأرض منه ، وإن كان الأول مقتضى انتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه ، والثاني مقتضى عدم سقوط الميسور ، مع عدم الدليل على البدل في المتعذر ، إلا أن الأول لا يعاض ما دل على انتفائه بذلك من قاعدة الميسور وغيرها ، بل لعله إجماعي كما يظهر منهم في عدم سقوطه بالاقطع ونحوه وبالعجز عن المباشرة ، والثاني ـ مع أن قاعدة اليسر تقتضيه ، إذ الفائت الضرب لا مباشرة الكف بالأرض ثم المسح بها ـ يمكن استفادة بدليته من إطلاق ما دل على الوضع من الاخبار السابقة ، بل والآية مع عدم المقيد هنا لظهور اختصاص أدلة الضرب بالاختيار.

وكيف كان فيعتبر بالضرب أو الوضع أن يكون بكلتا يديه مع التمكن إجماعا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٩.

١٨١

محصلا ومنقولا ونصوصا (١) فلو ضرب بإحداهما لم يجز ، بل يعتبر أن يكون دفعة كما صرح به في جامع المقاصد وغيره ، بل في الحدائق نسبته إلى ظاهر الاخبار والأصحاب ، بل قد يستفاد من معقد إجماع المعية في المدارك وغيره ، وإن أمكن المناقشة فيه باحتمال إرادة عدم الاجتزاء بالواحدة ، كما أنه يمكن المناقشة في استفادة شرطيته من الاخبار أيضا ، وإن كان ربما ينساق من‌قوله عليه‌السلام (٢) : « اضرب بكفيك » ‌ونحوه لكنه انسياق أظهرية لا شرطية ، وإلا فالصدق حاصل بالتعاقب.

نعم لا يعتبر فيما تيمم به من التراب وغيره كونه موضوعا على الأرض بل يجزئ لو كان على غيرها ولو بدن غيره ، كما هو ظاهر إطلاق الفتاوى بل والأدلة والسيرة القاطعة ، وما في التيممات البيانية ونحوها من ضرب الأرض محمول على المثال قطعا ، بل لو كان على وجهه تراب صالح فضرب عليه ومسح أجزأ كما صرح به في الذكرى وغيرها ، لصدق الامتثال وعدم ما يصلح للمعارضة ، فما في المدارك ومال إليه في شرح المفاتيح من عدم الاجتزاء لتوقيفية العبادة مع تبادر غيره من الأدلة جمود في غير محله ، سيما بعد التعدية حتى منهما صريحا في الأول وظاهرا في الثاني للتراب الموضوع على بدن الغير بل وبدنه غير الوجه ، نعم لو أمر يده على ما على وجهه من التراب مجتزئا به عن مسحه بذلك لم يجز قطعا ، وإن احتمله في المنتهى لما عرفت من الإجماع وغيره على اعتبار الضرب أو الوضع ثم المسح به.

كما أنه لا يجتزى بالضرب بظهر الكف وإن استوعب مع التمكن من البطن ، لانه المنقول والمعهود والمتبادر ، بل المقطوع به من كيفية التيمم في النصوص والفتاوى ، بل صرح به المرتضى والمفيد وابن إدريس وغيرهم.

بل قد يشكل الانتقال للظهر مع عدم التمكن أيضا ، وإن صرح به في جامع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٧.

١٨٢

المقاصد وعن الذكرى وإرشاد الجعفرية والمقاصد العلية ، لإطلاق الآية وغيرها ، مع عدم نصوصية الاخبار والفتاوى في وجوبه بالباطن ، والتبادر مقصور على الاختيار بدعوى انصراف المسح في الآية إلى المتعارف من آلته أيضا ، كالأمر بضرب الأرض بالكف إلى الباطن ، وبإجمال قصد الصعيد فيها ، وقد كشفت عنه الأخبار بإرادة الضرب ، والمتبادر منها الباطن ، فيبقى غيره بلا دليل ، وبأن المعتبر في الحجية الظهور ، فلا يقدح عدم النصوصية ، ومنع الظهور أو قصره في حال الاختيار كما ترى ، مع أن قضية الأول الجواز بالظهر اختيارا ، والثاني بغير الظهر من أجزاء البدن ، وقربه إلى الباطن لا يصلح معينا ، لكن قد يقال : إنه أولى من كل ما يتصور في المقام من التولية أو تيمم الأقطع أي المسح بالأرض أو غيرهما ، خصوصا بعد الأمر بالضرب بالكف المتناول للظاهر والباطن ، وإن كان الثاني هو المتبادر لكنه في حال الاختيار خاصة.

ولعل ذا هو الأقوى وإن كان الأحوط حينئذ الجمع بينه وبين الإتيان بكل ما يحتمل مدخليته حتى حكم فاقد الطهورين إن لم يكن ذلك متعينا للبراءة اليقينية ، كما في كل ما لم يتضح من الأدلة حكمه.

وكيف كان فعلى الأول لو تعذر الضرب بباطن إحدى اليدين فهل يقتصر على باطن الأخرى أو بباطنها مع ظاهر الاولى؟ وجهان ، أقواهما الثاني ، لاستلزام بدلية ظهرهما ظهر كل منهما.

وليس نجاسة باطن اليدين مع عدم التعدي والحجب وتعذر الإزالة عذرا في الانتقال إلى الظهر مع الخلو عن ذلك ، أو إلى مسح الأقطع مع عدمه ، بل ومع الحجب بها أيضا ، ولو استوعب لكن مع تعذر الإزالة ولو بنجاسة أخرى كغيرها من الحواجب بلا خلاف أجده بين الأصحاب في الأول ، وعلى الأصح في الثاني لعدم الدليل على اعتبار الطهارة هنا وإن قلنا به في الاختيار ، وعلى اعتبار مباشرة نفس البشرة ، بل

١٨٣

لعل إطلاق الأدلة وفحاويها يقضي بخلافه ، خصوصا ما دل (١) منها على تيمم ذي الجروح والقروح ونحوهما ، وما دل (٢) منها على حكم الحواجب من الجبائر والطلاء ونحوهما مما تقدم في الوضوء مما يفهم منها تنزيل الحائل مع تعذر إزالته منزلة المحال عنه ، بل في حديث المرارة (٣) منها ما هو كالصريح في ذلك.

ولذا كان الحكم عندهم في الحائل على الأعضاء الممسوحة من الجبهة وظاهر اليدين المسح عليه ، والفرق بين الماسح والممسوح في ذلك تحكم.

فما في ظاهر الذكرى وصريح الروضة من جعلها لو كانت حائلة عذرا في الانتقال إلى الظهر لا يخلو من نظر بل منع ، سيما مع حيلولتها لقليل من باطن الكف ، وفاقا لصريح جامع المقاصد والمدارك وظاهر الروض.

واحتمال الفرق بينها وبين غيرها من الحواجب الطاهرة أو التزام ذلك فيها أيضا أوضح من الأول نظرا ومنعا ، سيما الأخير ، بل لعله مجمع على خلافه هنا ، بل قد ينقدح من التأمل فيما ذكرنا انه لو تعذر المباشرة بباطن اليد لجرح وشبهه وأمكن وضع حائل عليه من خرقة ونحوها والمباشرة به وجب كالجبيرة في المائية ، لكن الاحتياط بالجمع بين الكيفيتين بل وتيمم الأقطع والتولية مع حكم فاقد الطهورين لا ينبغي أن يترك.

نعم لو كانت النجاسة متعدية ولم يمكن التجفيف ولا الإزالة اتجه حينئذ جعله عذرا في الانتقال إلى الظهر مع الخلو ، وإلا فإلى المسح بالجبهة خاصة كالاقطع كما صرح به في جامع المقاصد والروض والروضة ، ولعله ظاهر الذكرى ، لاستلزامه حينئذ تنجس ما يتيمم به الذي قد عرفت اشتراط الطهارة فيه ، مع إمكان المناقشة فيه أيضا بأن دعوى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الوضوء.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٥.

١٨٤

اعتبار ذلك مطلقا حتى مع التعذر ليتجه الانتقال المذكور ممنوعة ، وكيف مع قصرهم كثيرا مما يعتبر في التيمم على الاختيار ، على أن قضية اعتبارها كذلك سقوط التيمم أصلا لا اليدين خاصة ، فيكون فاقد الطهورين ، وقياسه على الأقطع ليس بأولى من قياسه على من تعذر عليه غسل بعض أعضاء الطهارة المائية بما لا يرجع إلى الجبيرة ، بل هو مقتضى الأصل ، ولو سلم فالمتجه سقوط الضرب والمسح بخصوص ذلك المحل من الكف لا تمامه مع فرض عدم الاستيعاب كما هو قضية إطلاقهم.

ولعله لذلك كله أو بعضه جزم في المدارك وتبعه في الكفاية بالمسح باليد وان تعدت النجاسة ، وهو لا يخلو من قوة ، خصوصا مع تعذر تيمم الأقطع والتولية عليه ، لعدم سقوط الصلاة عنه بحال ، إلا أن الأقوى الأول لكن بشرط استيعاب النجاسة للباطن ، أما مع بقاء ما يصلح للضرب والمسح به فالأقوى تعيين ذلك عليه كما قد يقوى وجوب التولية عليه في الظهرين مع تعدي نجاستهما ، فلا يقتصر على مسح الجبهة كالاقطع وإن كان هو ظاهر كلام الأولين ، بل قضيته صيرورته فاقد الطهورين مع فرض النجاسة المتعدية في الجبهة أيضا ، فيكون جميع أعضائه ماسحة وممسوحة مستوعبة بالنجاسة ، وفيه تأمل ، لكن الاحتياط بفعل كل ما يحتمل مما ذكرناه في المسألة السابقة لا ينبغي أن يترك ، بل لعله متعين.

كما أنه قد يتعين أيضا فيما لو كانت النجاسة المتعدية في الممسوح دون الماسح بحيث لا تتعدى إلى التراب ، وإن كان الأقوى فيه المسح عليه حينئذ مع التعذر من غير فرق بين استيعابها للممسوح وعدمه ، لعدم الدليل على اعتبار الطهارة فيه هنا ، وإن قلنا باعتبارها في الاختيار ، لكنه احتمل في جامع المقاصد والروض كونه فاقد الطهورين فيما لو كان ذلك بالجبهة ، وهو ضعيف ، إذ لا فرق بين التعدي وعدمه بالنسبة إلى صحة التيمم ، وإن كان ربما يحصل في بعض الأحوال بالنسبة إلى خصوص الصلاة ونحوها‌

١٨٥

وبزيادة النجاسة ونحوها ، والبحث الآن في الأول.

هذا كله مع تعذر الإزالة عن باطن اليدين مثلا ولو تجفيفا ، أما مع الاختيار فيجب التجفيف لئلا يتعدى النجاسة للتراب بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ، بل وبين غيرهم ، لما عرفت من اشتراط طهارة التراب ، والمناقشة ـ بأن القدر المسلم من اعتبار الطهارة فيه هو عدم سبق نجاسته على الضرب ، أما لو تنجس به فلا ـ ضعيفة جدا ، وأما اشتراط طهارته أي الماسح اختيارا مع عدم التعدي والحجب بل ومعه لغير التراب كما لو جرح بعد الضرب ، واشتراط طهارة الممسوح من الجبهة وظاهر اليدين كذلك فلم أعثر على مصرح بشي‌ء منه من قدماء الأصحاب ، كما لم أعثر على ما يدل عليه بالخصوص من الاخبار ، بل لعل إطلاقها خصوصا ما دل منها على تيمم ذي الجروح والقروح كالفتاوى يقضي بخلافه بعد الأصل.

نعم ظاهر الإرشاد وصريح جامع المقاصد والموجز الحاوي وعن حاشية الإرشاد ـ بل في الثاني القطع به ، وهي من مثله ممن يعمل (١) بالظنيات كالإجماع ـ اشتراط طهارة محل التيمم كصريح الذكرى ، وعن الدروس والبيان والصيمري وصاحب المعالم وتلميذه اعتبارها في محال المسح ، بل في الكفاية أنه المشهور بين المتأخرين.

ومنظومة الطباطبائي وشرح المفاتيح والجعفرية وعن إرشادها اعتبارها في الماسح والممسوح ، ولعله مراد السابقين أيضا وان قصرت بعض عباراتهم عنه ، كما لعله الظاهر من الروض والروضة أيضا ، بل في شرح المفاتيح نسبته إلى الفقهاء كما عن الشهيد الأول في حاشيته على القواعد الإجماع على اشتراط طهارة أعضاء التيمم ، ولعله الحجة ان تم ، لا ما في الذكرى من أن التراب ينجس بملاقاة النجس فلا يكون طيبا ، والمساواة لأعضاء الطهارة المائية ، إذ الأول أخص من المدعى ، بل غير ما سمعت من فرضنا‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح « لم يعمل ».

١٨٦

المسألة ، والثاني موقوف على الدليل ، واحتمال إرادته بذلك عموم البدلية والمنزلة لا وجه له ، لان البحث في طهارة الأعضاء لا التراب ، إلا أن يراد أنه كما اعتبر في الطهارة بالماء طهارة الأعضاء فكذا ما كان بمنزلته ، وفيه منع واضح ، بل قد يشهد إطلاق المنزلة لخلافه.

ولذا مال في المدارك والحدائق إلى عدم الاشتراط ، وكذا مجمع البرهان ، واليه يرجع ما عن حواشي السيد عميد الدين إذا كانت النجاسة غير متعدية جاز التيمم وإن كانت يداه نجستين ، كالمحكي عن ابن فهد أنه اشترط أحد الأمرين الطهارة أو الجفاف بحيث لا يتعدى ، ولو لا صريح الإجماع السابق المعتضد بظاهره ، وبالقطع من المحقق الذي هو بمنزلته ، وبالأصل في وجه ، وبمقتضى البدلية على الاحتمال السابق لكان القول بعدم الاشتراط متجها حتى مع التعدي لغير التراب.

ولقد أجاد في كشف اللثام حيث قال بعد نقله الاشتراط عن الشهيد : « ولا أعرف دليلا عليه إلا وجوب تأخير التيمم إلى الضيق ، فيجب تقديم الإزالة كسائر الأعضاء إن كانت النجاسة مما لا يعفى عنها لكنه حكى الإجماع في حاشية الكتاب » انتهى.

وأنت خبير ان ما استثناه خارج عما نحن فيه من الاشتراط للتيمم من حيث هو ، كما أومأ إليه بتشبيهه ، على أنه لا يتم بناء على المختار من جوازه في السعة للموقتة أو مع عدم الرجاء ، وكذا لا يتم في التيمم لغيرها مما لا يعتبر فيه الضيق ، ولو لا أن الشهيد في سند الإجماع السابق لأمكن منعه على مدعيه ، لما عرفت من خلو عبارات الأصحاب عن ذلك ، بل إطلاقها سيما مع تعرضهم لما يعتبر فيه قاض بخلافه ، فتأمل جيدا.

ويعتبر العلوق مما ضرب عليه للمسح على أعضاء التيمم في المشهور بين الأصحاب نقلا مستفيضا وتحصيلا ، بل في جامع المقاصد الإجماع عليه ، وفي آيات الاحكام للفاضل الجواد الإجماع أيضا على عدم اعتباره لليدين ، بل في ظاهر المنتهى‌

١٨٧

لا يجب استعمال التراب في الأعضاء الممسوحة ، ذكره علماؤنا ، ثم حكى الخلاف فيه عن الشافعي ومحمد وظاهره الإجماع أيضا ، ككنز العرفان حيث نسب القول بالعلوق إلى الشافعية في مقابل الحنيفية وأصحابنا من جواز التيمم بالحجر الصلب موافقا لتفسير الصعيد بوجه الأرض.

ومنه ينقدح كغيره من كلمات الأصحاب مثل المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى وغيرهما أن كل من قال بجواز التيمم بالحجر ونحوه اختيارا لم يعتبر العلوق ، وهو كذلك ، إذ منه الأملس الذي لا يعلق باليد منه شي‌ء ، فاحتمال القول ان تجويزهم له بالحجر اختيارا أعم من عدم اعتبار العلوق ، إذ قد يعتبرون فيه حينئذ شيئا من الغبار وشبهه مما يعلق ضعيف.

وإذ قد عرفت أن المخالف في جوازه بالحجر نادر من الأصحاب ـ بل لا خلاف فيه عند فقد التراب كما سمعت نقله من غير واحد هناك ، وفقد التراب الصالح أعم من عدم التمكن من العلوق ، ولم يعرف من أحد منهم اعتبار وضع شي‌ء من الغبار أو التراب القليل على الصخر لتحصيل العلوق ، مع ظهور التمكن من ذلك ، لجعلهم الغبار في لبد السرج وعرف الدابة مرتبة ثالثة بعد فقد الحجر ـ اتجه حينئذ دعوى ظهور الاتفاق حتى ممن فسر الصعيد بالتراب على عدم اعتبار العلوق للمسح ، فما في الكفاية ـ من الاكتفاء فيما يتيمم به بمطلق وجه الأرض لكن لا يبعد أن يعتبر وجود غبار ونحوه على الحجر حتى يعلق باليد ـ كأنه خرق للإجماع المركب إن لم يكن البسيط لما عرفت ، مع أنه قد يؤيده زيادة على ذلك عدم ذكره فيما يعتبر في التيمم من أحد منهم مع أنهم بصدد بيان ذلك ، بل لعل إطلاق كلامهم يقضي بعدم اعتباره ، سيما بعد ذكرهم لاستحباب النفض حتى حكى الإجماع عليه غير واحد ، كما أنه دل عليه كثير من الاخبار (١)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣ و ٦ و ٧.

١٨٨

على ما ستعرف ، بل عن المقاصد العلية أنه ربما قيل بوجوبه ، بل عن المبسوط وغيره استحباب مسح إحدى يديه بالأخرى بعد النفض ، وفي الروضة ينفخ ما عليهما من أثر الصعيد أو يمسحهما ونحو ذلك مما يفيد إرادتهم بالنفض ما يشمل ما لا يبقى معه شي‌ء من التراب ، على أنه من أفراد النفض قطعا ، فيندرج في المستحب حينئذ.

ومن هنا جعل في المختلف وغيره القول باعتبار العلوق المحكي عن ابن الجنيد مقابلا للقول باستحباب النفض وأي عاقل يجوز على الأئمة (ع) والفقهاء اعتبار العلوق وأنه يفسد التيمم بدونه مع إطلاقهم استحباب النفض والتيمم بالحجر ونحوه مما هو مظنة عدم حصوله من دون نص من أحد منهم أو أمر بالمحافظة عليه ، وما ذاك إلا إغراء للمكلفين بالجهل ، ينزهون عنه ، فلذا أمكن للتأمل في كلمات الأصحاب تحصيل الإجماع منهم على عدم اعتبار العلوق ، سيما بعد ما عرفت من دعواه ، وبعد عدم نقل الخلاف فيه من أحد من الأصحاب في الكتب المعدة لذلك ، بل نسب إليهم جميعا إلا من ابن الجنيد وبعض العامة ، ويشهد له التتبع ، فما في المفاتيح من نسبته إلى السيد وجماعة وهم قطعا ، وظني أنه توهمه من مذهبه في الصعيد أنه التراب ، فتخيل التلازم ، وهو واضح الفساد كما يعرف مما تقدم على أنه لا تلازم.

وكيف كان فالحجة عليه حينئذ ـ بعد الأصل ، وما تقدم في تفسير الصعيد خصوصا ما عرفته من جواز التيمم بالحجر اختيارا عند الأصحاب الشامل بإطلاقه إن لم يكن صريحا للمجرد عن العلوق ـ إطلاق الأدلة كتابا (١) وسنة (٢) وصريح الإجماع المحكي في جامع المقاصد المعتضد بظاهره القريب من الصريح في المنتهى وكنز العرفان وغيرهما ، بل وبصريحه أيضا من الفاضل الجواد في اليدين ، مع إمكان تتميمه بعدم القول

__________________

(١) سورة النساء الآية ٤٦ وسورة المائدة ـ الآية ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم.

١٨٩

بالفصل ، وبالشهرة المحكية والمحصلة ، بل الإجماع على الظاهر كما عرفت ، وما دل على النفض من الإجماع والنصوص (١).

والمناقشة في الأخير ـ بعدم منافاته لاعتبار العلوق لظهور كون المراد به إزالة ما يتشوه به الوجه ، وإلا فالإجزاء الصغار باقية قطعا ، وهو كاف ، ولذا ترى الاتفاق على استحباب النفض حتى ممن قال : باعتبار العلوق ، بل في شرح المفاتيح للأستاذ الأعظم ما ملخصه أن إطلاق الحكم باستحباب النفض من دون تقييد لذلك بما إذا اتفق العلوق باليدين قاض باعتباره إذ لا نفض بدونه ، وقد عرفت عدم إذهاب النفض أثره بالمرة ، فمنه حينئذ يظهر الاتفاق على اعتبار العلوق ، إذ لولاه لما صح إطلاقهم استحباب النفض كالأخبار الدالة عليه أيضا ، كما يظهر من ذلك حينئذ ما في نسبة القول بعدم الاعتبار إلى الشهرة ـ في غاية الضعف لما عرفت من شمول النفض في النص والفتوى لما لا يبقى معه أثر بالمرة ، إما لقلة ما علق باليد ، أو للمبالغة في النفض.

ومن أنه لم يقل أحد باعتبار العلوق إلا ابن الجنيد وقد نقلوا عنه الخلاف في استحباب النفض ، فدعوى الاتفاق على استحبابه حتى ممن اعتبر العلوق ، فلا ينافي اعتباره حينئذ في حيز المنع ، بل ظاهر المنقول عن ابن الجنيد يعطي وجوب بقاء ما يعلق في الكف من التراب ليمسح به ، فلا يكتفى بمثل هذه الأجزاء التي يشك في تسميتها ترابا ، أو بقاء تراب في الكف.

وأيضا كيف يتصور منه القول باستحباب النفض وإزالة تلك الاجزاء مع أن المسح بها قبله من أفراد الواجب عنده قطعا ، ولو سلم فالاجزاء الصغار الباقية بعد النفض لا يبقى منها شي‌ء لليدين بعد مسح الجبهة غالبا.

وما في المفاتيح ـ من الاكتفاء بالعلوق الابتدائي وإن لم يبق لليدين ، أو أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣ و ٦ و ٧.

١٩٠

يجدد الضرب لأجل تحصيل العلوق وإن كان الواجب عليه ضربة واحدة ـ خلاف المنقول من ابن الجنيد ، مع غرابة الوجه الثاني كغرابة ما في الشرح المتقدم ، إذ من المعلوم من امتثال هذه الأوامر أي أوامر النفض إرادة التقييد بما لو علق فيها شي‌ء سيما مع غلبة الضرب على ما يحصل منه العلوق ، وعليه ينزل إطلاق الاخبار ، خصوصا ما كان منها حكاية أفعال ، على أن الأمر بالنفض لم يسق للدلالة على اعتبار العلوق ، وإلا فمن أفراد التيمم ما لا يحصل معه علوق عند الأكثر كما صرحوا به في الحجر الأملس ونحوه ، بل والجميع في حال فقد التراب ، وقد عرفت أنه أعم من عدم التمكن من العلوق ، بل الظاهر التمكن من حيث جعل الغبار مرتبة ثالثة ، على أنه لا دليل على سقوط وجوب العلوق عند الاضطرار ، بل المتجه حينئذ سقوط التيمم وكونه فاقد الطهورين ، إلى غير ذلك مما في هذه المناقشة مما يطول التعرض له ، وقد وقع هنا للمفاتيح وشرحه للأستاذ الأعظم من الغرائب ما يقضي منه العجب ، فلاحظ وتأمل.

كل ذا مع ضعف ما يصلح التأييد به لمذهب الخصم ، إذ أقصاه ظهور التبعيض من قوله تعالى (١) ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) حتى قال في الكشاف : « إنه لا يفهم أحد من العرب من قول القائل : مسحت برأسي من الدهن ومن الماء ومن التراب إلا معنى التبعيض » مع ما في‌صحيح زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قلت له : ألا تخبرني من أين علمت وقلت : إن المسح ببعض الرأس والرجلين ـ وذكر الحديث إلى أن قال ـ : قال أبو جعفر عليه‌السلام : ثم فصل بين الكلام ، فقال ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) فعرفنا حين قال ( بِرُؤُسِكُمْ ) أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ـ إلى أن قال : ـ ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ )

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

١٩١

فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا ، لانه قال ( بِوُجُوهِكُمْ ) ثم وصل بها ( وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) أي من ذلك التيمم ، لانه علم أن ذلك أجمع لم يجر على الوجه ، لانه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها » ‌الحديث.

ومنه يظهر حينئذ الاستدلال بالأمر بالمسح من الأرض في صحيحتي الحلبي (١) وابن سنان (٢) لإرادة التبعيض منه ، وما دل (٣) على طهورية التراب ، لظهوره في كونه هو المطهر ، سيما مع ملاحظة المنزلة والبدلية ، فلا بد من مباشرته للمطهر لا باطن الكف بسبب مباشرة التراب ، لوضوح قصور الجميع عما ذكرنا ، سيما بعد إمكان منع ظهور التبعيض ، ولذا تركت في الآية الأخرى ، سيما بعد تفسير الصعيد بما قد لا يحصل منه علوق ، إذ لو سلم ظهور التبعيض فيها فإنما هو فيما لو كان مجرورها قابلا لذلك لا مطلقا ، واحتمال جعل ظهور التبعيض منها قرينة على إرادة التراب بالصعيد ولو مجازا ليس بأولى من العكس ، خصوصا بعد منع الظهور في نفسه وتوقفه على قابلية المجرور لذلك ، بل قد يدعى تبادر إرادة المسح بما باشره وإن لم يعلق شي‌ء من مثل هذا التركيب كما يستعمل الآن فيما يراد التبرك به من ثياب العلماء وضرائح الأئمة (ع) ونحوهما ، أو إرادة المسح من مباشرة الصعيد ، كما يقال : أمسح يدي من هذا الشي‌ء ، وهو وإن كان مجازا حيث لم يكن فيما يراد مسحه بشي‌ء ، لكنه لا بأس به من حيث غلبة حصول العلوق ، فأطلق المسح منه لذلك.

فظهر حينئذ من ذلك كله وجه ما ذكره غير واحد من الأصحاب من احتمال « من » الابتدائية أي ابتداء المسح من الصعيد ، أو الضرب عليه ، سيما مع كونه المعنى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١٣ والباب ٢٣ ـ الحديث ١ والمستدرك ـ الباب ٥ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣.

١٩٢

الحقيقي لها ، بل قيل : والسببية أيضا برجوع الضمير حينئذ إلى الحدث ، أو عدم الوجدان ، والبدلية برجوعه إلى الماء ، لكنهما ضعيفان ، ومع تسليم إرادة التبعيض منها هنا فقد يناقش في الدلالة على الوجوب أيضا من حيث خروجه مخرج الغالب في حصول العلوق من المضروب عليه ، فيراد حينئذ بالمسح منه حيث يعلق ، بل قال الأردبيلي في آيات أحكامه : « إنه يحتمل كون المراد على تقدير التبعيض بأن تضعوا أيديكم على بعض الصعيد ثم تمسحوا الوجه واليدين » هذا كله مع الغض عما ذكرنا من الإجماع وغيره ، وإلا فبملاحظته يتعين إرادة بعض مما سمعت أو يجب الخروج حينئذ بغيرها من الأدلة.

ومما ذكرنا يعرف ما في الصحيح المتقدم ، على أنه أرجع الضمير فيه إلى التيمم ، وحمله على إرادة المتيمم به مجاز لا حاجة اليه ، والمراد بالمسح من التيمم حينئذ المسح من تلك المباشرة للصعيد ، وتجرد اليد عن العلوق لا ينافي صدق اسم المسح منه باعتبار أغلب أفراده ، وحمل التعليل فيه لإرادة التبعيض ـ مع أنه يحتمل جريانه في ذلك مجرى الغالب أو بيان حكمة لا يجب اطرادها وغيرهما ـ ليس بأولى من أن يراد به لما ذكره من رجوع الضمير إلى التيمم ، بل هو أولى لقربه منه.

فيكون الحاصل أن المراد من ذلك التيمم لا الصعيد ، لانه قد علم أن ذلك أجمع لم يجر على الوجه ، لانه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها ، فلو كان المراد به الصعيد لوجب إجراؤه على الممسوح من الوجه واليدين ، مع أنه لا يعلق إلا ببعض الكف ، ومن هنا جعل في الذكرى هذا الصحيح مما فيه إشارة إلى عدم اعتبار العلوق ، وبعد التسليم فهو لا يوافق مختار الخصم من كون المراد بالعلوق الذي يعتبر المسح به انما هو الاجزاء الباقية من بعد النفض ، ولذا حكم بعدم التنافي بين ما دل على النفض واعتبار العلوق ، لظهور الصحيح بناء على ذلك في وجوب المسح بالعلوق الكائن بعد الضرب من غير نفض ، وقد عرفت أنه لا يقول به ، فلا بد حينئذ من‌

١٩٣

صرفه عن ظاهره إلى بعض ما تقدم في الآية ، أو إلى ما سمعته الآن إن لم يحمل على التقية ، لكون ذلك مذهب الشافعية ، كما أنه مما تقدم أيضا يعرف ما في الاستدلال بالصحيحين الآخرين ، وأما البدلية فلا دلالة فيها على ذلك ، سيما بعد بيان الكيفية في الكتاب والسنة ، ورد تمرغ عمار عليه ، على أن قضيتها جريان الأجزاء الترابية على سائر أجزاء الجبهة وظاهر اليدين ، وهو خلاف ما عليه المستدل.

ومنه يعرف أنه لا استبعاد على لطف الشارع في حصول الطهارة لنا بالضرب على الصعيد والمسح من غير علوق ، وذلك كاف في إسناد الطهورية للتراب ، فظهر حينئذ بحمد الله وفضله سقوط القول باعتبار العلوق وإن ركن إليه جملة من متأخري المتأخرين كالكاشاني في مفاتيحه والأستاذ الأعظم في شرحها والفاضل البحراني في حدائقه حاكيا له فيها عن البهائي ووالده والشيخ سليمان البحراني ، ومال إليه في الكفاية ، لكن ظاهر الجميع بل صريحهم الاكتفاء بالمتخلف بعد النفض ، ولعله لا يوافق ظاهر المحكي عن ابن الجنيد ، فيكون خرقا للإجماع المركب ، فتأمل جيدا.

و ( ثانيها ) مسح الوجه بالكفين معا لا بواحدة كما هو ظاهر المصنف وغيره ، بل هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل لعله مجمع عليه ، للأصل والتيممات البيانية (١) قولا وفعلا ، خلافا للمحكي عن ابن الجنيد ، فاجتزأ بالمسح باليمنى ، وعن نهاية الاحكام والتذكرة احتمال الاجتزاء بواحدة ، كما عن الأردبيلي استظهاره ، ولعله للأصل في وجه ، وإطلاق الآية والصحيحين (٢) « فوضع يده » والمساواة للوضوء ، وفيه ـ مع إمكان منع الأول ، وعدم الدلالة في شي‌ء من ذلك لتعيين ابن الجنيد اليمنى ، بل قضيته الاكتفاء بكل منهما ـ ان الأولين غير صالحين للمعارضة ، والصحيحين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢ و ٣.

١٩٤

ظاهران في إرادة الجنسية ، أو في بيان مطلق الكيفية ، سيما مع ملاحظة غيرهما مما اشتمل على هذه القضية ، والمساواة ممنوعة ، لمنع ما يقتضيها ، خصوصا لو كان القياس مع وجود ما يقتضي العدم.

لكن هل يجب المسح بهما دفعة أو يجزي التعاقب؟ وجهان ، إلا أن المنساق إلى الذهن من النص والفتوى خصوصا ممن عبر بالمعية الأول ، فذاك مع ضميمة الاحتياط اللازم المراعاة قد يعينه ، ولا إشكال في وجوب استيعاب الممسوح نصا وفتوى.

نعم هل يجب استيعاب الممسوح بكل منهما كما عساه يظهر من بعض العبارات كالمدارك وغيرها وإن لم تكن مساقة له ، أو يكفي استيعابه بهما ولو موزعا كما صرح به في الحدائق وجامع المقاصد والروض؟ الأحوط الأول ، والأقوى الثاني لصدق الامتثال ، ولقول الصادق عليه‌السلام (١) في قصة عمار : « ثم مسح جبينه بأصابعه ».

والمراد بالوجه هنا بعضه في الوضوء ، لدخول الباء في متعلق المسح في الآية ، وهو متعد ، مع نص أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٢) السابق على إرادة التبعيض منها ، على أنه قد يتم ذلك وإن كانت للإلصاق ، سيما إذا منع ظهور مسح الوجه أو الوجوه في الاستيعاب واجتزئ بالمسمى ، ولأخبار الجبهة والجبين (٣) بل عن الحسن دعوى تواتر الأخبار (٤) بأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين علم عمارا مسح بهما جبهته وكفيه ، والإجماع المحكي في الغنية والانتصار وعن الناصريات ، بل عن الصدوق في الأمالي نسبته إلى دين الإمامية وانه مضى عليه المشايخ ، قلت : بل هو محصل.

ولا يقدح فيه ما قيل منسوبا إلى علي بن بابويه في رسالته ( بـ ) وجوب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٨ وهو قول الباقر (ع).

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم.

١٩٥

استيعاب مسح الوجه لمعلومة نسبه ، وسبقه الإجماع ولحقه ، على أن الظاهر عدم خلافه وان أطلق لفظ الوجه ككثير من أخبار التيمم البياني قولا وفعلا تبلغ عشرة ، وفيها الصحيح وغيره ، كما هي عادة القدماء في الفتوى بمتن الخبر ، خصوصا هو في رسالته ، وبها استند له ، لكن معروفية الوجه في باب التيمم ببعضه ، بل وفي غيره كباب السجود أيضا ، وملاحظة غيرها من الاخبار المشتملة على الجبهة والجبين ، سيما مع اتحاد بعضها معها في الراوي والمروي عنه ، وقصة البيان لعمار ونصوصيتها ، وإطلاق الاولى ، وما سمعت سابقا مما يدل على التبعيض ، وغير ذلك من القرائن الكثيرة مما يورث الفقيه قطعا بإرادة البعض من الوجه في عبارة الرسالة والاخبار سيما مع عدم نقل ولده عنه ذلك ، بل نص في الفقيه والهداية وعن المقنع على البعضية ، مضافا إلى ما سمعته عنه في الأمالي ووالده رئيس الإمامية ، خصوصا في معتقده كما يعرف ذلك من تتبع فقهية.

فما في المعتبر ـ أن الجواب الحق العمل بالخبرين ، فيكون مخيرا بين مسح الوجه أو بعضه ، لكن لا يقتصر على أقل من الجبهة ، وقد أومأ إليه ابن أبي عقيل ـ ضعيف جدا إن أراد وجوب كل من الفردين على التخيير ، وإنه ليس من التخيير بين الأقل والأكثر ، لاختلاف الهيئة وعدم لزوم سبق مسح تمام الجبهة على غيرها من الوجه ، كالجمع بحمل الزائد على الندب وان تسومح فيه ، فتأمل.

إنما البحث في تعيين ذلك البعض ، فمنه الجبهة من القصاص أي الطرف الأعلى من الأنف إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا بل متواترا ، كدعوى الحسن تواتر الأخبار بأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين علم عمارا مسح بهما جبهته وكفيه ، وإن كنا لم نعثر إلا على‌موثق زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سأله عن التيمم فضرب بيديه الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح جبهته » ‌مع أن المنقول عن الكافي مع أضبطيته بل

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣.

١٩٦

والتهذيب في روايته عنه أيضا « جبينه » نعم في أكثرها التعبير بالوجه ، وفي‌حسن ابن أبي المقدام (١) عن الصادق عليه‌السلام « ثم مسح جبينه » ‌كصحيح زرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام المرويين في الفقيه ومستطرفات السرائر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تعليم عمار ، لكن بتثنية الجبين في الثانية ، كإحدى نسختي الفقيه في الأولى.

لكنك قد عرفت القطع بإرادة البعض من أخبار الوجه ، فوجب أن يكون هنا إما الجبهة للموثق الأول ، أو الجبين للحسن والصحيحين ، بل والموثق الأول على ما عن الكافي أيضا ، وإحدى روايتي الشيخ عنه أو هما معا للجميع ، إلا أن الإجماع محصله ومنقوله على وجوب مسح الجبهة ينفي احتمال الثاني ، أي الاقتصار على الجبين ، وإن كان ربما يظهر من اقتصار الهداية عليه بل والفقيه لكن مع زيادة الحاجبين ، ولعله لا يريده فيهما كالاخبار المشتملة على الجبين ، ولذا لم يحك عنه خلافا في ذلك.

فانحصر الجمع بين الاخبار حينئذ في الاحتمالين ، وأقواهما الثاني ، لعدم التعارض بينها ، وتعدد ما دل على الجبين ، وقوة دلالته خصوصا ما اشتمل منها على التثنية ، واحتمال كون المراد بالجبهة ما يشملها ، بل لعله حقيقة عرفية خصوصا هنا ، وعدم المخرج هنا عن احتمال أصالة المساواة للوضوء مع قربه لوجه الوضوء ، ولما دل على المسح بالكفين من الاخبار وغيرها ، خصوصا مع اعتبار الدفعة كما صرح به بعضهم ، ضرورة عدم سعة الجبهة المجردة عن الجبينين لذلك ، وتوقيفية العبادة ، وغير ذلك ، فيجب حينئذ مسح الجبهة والجبينين وفاقا للهداية والفقيه وجامع المقاصد ومجمع البرهان والمدارك وشرح المفاتيح للأستاذ ومنظومة الطباطبائي والمحكي عن المقنع والكاتب وظاهر العماني وصريح فوائد الشرائع وحاشية الإرشاد وشرح الجعفرية وحاشية الميسي والمسالك ورسالة صاحب المعالم ، وفي الروضة أن فيه قوة ، والروض لا بأس به ، ومجمع البرهان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٩.

١٩٧

أنه المشهور ، بل في حاشية المدارك عن الأمالي نسبته الى دين الإمامية تارة ، وأنه مضى عليه مشايخنا أخرى ، وفي شرح المفاتيح لعله لا نزاع فيه بين الفقهاء ، وفي كشف اللثام أنه يمكن دخوله في مراد الأكثر.

قلت : وهو كذلك ، لان السيدين والشيخين والحلبي وبني إدريس وحمزة وسعيد وعن غيرهم لم يذكروا لفظ الجبهة ، بل أوجبوا مسح الوجه من القصاص الى طرف الأنف ، بل هو معقد إجماع الأولين ، اللهم إلا أن يستفاد من الغاية ذلك ، وفيه منع ، بل قد يعطي التدبر والتأمل الجيد في عبارة المعتبر والتذكرة والمختلف والمنتهى والذكرى وغيرها عدم الخلاف في ذلك بين الأصحاب ، وإن المراد من الجبهة عندهم ما يشمل الجبين على تفاوتها مترتبة في شدة الظهور بذلك ، لاقتصارهم على ذكر الخلاف في استيعاب الوجه وعدمه ، واستدلال بعضهم بأخبار الجبين على الجبهة وعدهم أبا جعفر بن بابويه وابن الجنيد من القائلين بمسح الجبهة ، وقد عرفت نص هؤلاء على الجبين ، بل وابن أبي عقيل أيضا ، فإنه قد حكى عنه في المختلف بعد دعوى التواتر السابق في الجبهة ما يشعر بإرادة الجبين منه ، حيث أسنده إلى فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا مع ما سبق منهم فضلا عن توجه أحد منهم الى علاج تعارض ما دل على الجبهة والجبين كالصريح فيما قلنا ، سيما مع نص الشهيد في الذكرى على خلاف الصدوق في الحاجبين وتركه في الجبينين ، الى غير ذلك.

نعم قد يومي الى خلاف أبي جعفر عبارة المعتبر في الجملة ، مع احتمالها قويا إرادته بالنسبة للحاجبين ، فلاحظ وتأمل جيدا.

ومن ذلك ظهر لك سقوط ما في الحدائق ، وتبعه الفاضل المعاصر في الرياض من اختيار الجمع الأول أي حمل أخبار الجبين على الجبهة مجازا للمجاورة ، مؤيدا له بورود لفظ الجبين مفردا ، وبأنه بدون ذلك يخلو ما عليه الأصحاب من التخصيص‌

١٩٨

بالجبهة عن المستند ، أو يكون نادرا ، وبإطلاقه على الجبهة في باب السجود في حسنة عبد الله بن المغيرة (١) و‌موثقة عمار (٢) « لا صلاة لمن لا يصيب أنفه ما يصيب جبينه » ‌كإطلاق لفظ الوجه عليها فيه أيضا في‌صحيح أبي بصير (٣) « إني أحب أن أضع وجهي موضع قدمي » ‌و‌حسين بن حماد (٤) « جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه » ‌الحديث. و‌بالرضوي (٥) « وتمسح بها وجهك موضع السجود » ‌الى آخره.

إذ الذي ألجأهما إلى ذلك ـ مع أنه لا يتأتى فيما اشتمل على التثنية منها ، ولا يجامع ما دل على المسح بالكفين ، وفيه ترجيح المتحد على المتعدد ، بل الأضعف من وجوه على الأقوى ، بل لعله لا تعارض بينها مع ما في‌الرضوي (٦) أيضا « اني أروي إذا أردت التيمم اضرب ـ الى أن قال ـ تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك » ‌وما يرسله حجة عندنا مع الانجبار دون ما يذكره ، إلى غير ذلك ـ ظنهما اتفاق الأصحاب على الجبهة في الوجوب دون الجبينين ، وهما المكتنفان بها من جانبيها مرتفعا عن الحاجبين ، وقد عرفت ما فيه ، وكأن الذي غرهما في ذلك التعبير بالجبهة من أكثر المتأخرين ، مع جعل جماعة منهم كالمحقق الثاني وغيره القول بإلحاق الجبينين مخالفا له وان اختاروه ، لكنك قد سمعت التحقيق.

نعم لم نعثر على ما يدل على ما ذكره في الفقيه من الحاجبين وان نفى البأس عنه في الذكرى ، بل اختاره في جامع المقاصد ناقلا عن الصدوق أن به رواية مع أنا لم نجد ذلك منه في الفقيه والهداية ولا حكي عن المقنع أو الأمالي ، نعم في ذيل الرضوي (٧)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٦) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٧) المستدرك ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

١٩٩

« روي أنه يمسح على جبينه وحاجبيه » ‌فلعل ذلك منه شهادة على كون فقه الرضا من كتب الصدوق ، وعلى كل حال فثبوت وجوب ما زاد من الحاجبين على المقدمة بذلك ونحوه نظر بل منع للأصل ، وعدم ذكره في شي‌ء من أخبار التيمم البياني وغير ذلك ، وان كان أحوط ، خصوصا مع ملاحظة ما عساه يظهر من المنتهى من كون مسحهما من المسلمات ، حيث قال بعد أن فرغ من البحث عن مسح الوجه : « فروع ، ثالثها لا يجب مسح ما تحت شعر الحاجبين ، بل ظاهره كالماء لما بيناه » وما في شرح المفاتيح بعد أن حكى عن الأمالي أنه قال : مضى على مسح الجبين وظهر الكفين مشايخنا قال : وأظنه قال : والحاجبين ، لكنه سقط من نسختي ، إلا أنه قد يريد الأول ما كان منه من باب المقدمة ، أو ما يلي طرف الأنف ، ولم يثبت ما ظنه الثاني ، بل ولو ثبت لكان متبينا خلافه بالنسبة إلى ذلك.

والمراد بطرف الأنف في كلام الأصحاب الأعلى ، وهو ما يلي الجبهة كما صرح به بنو حمزة وإدريس وسعيد والعلامة والشهيدان وغيرهم ، لا الأسفل ، بل في السرائر وغيرها الإزراء على من ظن ذلك من المتفقهة ، وهو كذلك ، لعدم اندراجه في شي‌ء مما في الاخبار من الجبهة والجبين بعد تنزيل أخبار الوجه عليهما كما عرفت ، لكن في المحكي عن الأمالي في معقد المنسوب إلى دين الإمامية « يمسح من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف الأعلى ، وإلى الأسفل أولى » إلى آخره وكذا الجعفرية ، وعن حاشية الإرشاد ولم نقف على ما يشهد له ، كالمحكي عن بعض في المنتهى أنه المارن إلا إطلاق لفظ الطرف في معقد إجماع السيدين وكلام بعضهم ، وأنه يسجد عليه كالجبهة للإرغام ، لكن يظهر من الجامع هنا أن الذي يرغم به في السجود الطرف الأعلى.

ثم إنه قد يظهر من المتن كما صرح به جماعة وجوب الابتداء في المسح من الأعلى‌

٢٠٠