جواهر الكلام - ج ٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

على الغلوة والغلوتين من حيث ظهور الاكتفاء بذلك في صحته من غير شرط آخر ، فتأمل. كغيره مما هو ظاهر في ذلك ، وفي عدم توقفه على غير عدم التمكن من استعمال الماء.

و‌خبر أبي عبيدة (١) « سأل الصادق عليه‌السلام عن المرأة ترى الطهر في السفر وليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها وقد حضرت الصلاة. قال : إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم وتصلي » ‌الى آخره. وكاشعار‌الصحيح (٢) « في إمام قوم أصابته جنابة وليس معه ماء يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم؟ قال : لا ، ولكن يتيمم الجنب الامام ويصلي بهم ، إن الله قد جعل التراب طهورا كما قد جعل الماء طهورا » ‌لغلبة وقوع الجماعة أول الوقت مع بعد أمر المأمومين بالتأخير إلى آخر الوقت لدرك فضيلة الجماعة مع خصوص هذا الامام مع وجود إمام متوضئ ، مع أنه في كمال المرجوحية سيما على القول بتنويع الوقت بالاختياري والاضطراري ، وأبعد منه حمله على اتفاق التأخير للجميع.

وفحوى المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة (٣) بل لعلها متواترة الدالة بأنواع الدلالة على عدم الإعادة لمن صلى ثم وجد الماء ، وفي كثير منها التصريح بوجدانه في الوقت ، بل في بعضها ظهور التراخي بين الصلاة ووجدان الماء في الوقت ، وفي آخر التعليل بأنه أحد الطهورين ولا يكون ذلك إلا بمشروعيته في السعة وحملها على إرادة الصلاة في وقت لا الإصابة فيه بعيد بل ممتنع في كثير منها ، كحملها على العلم أو الظن بالضيق ثم انكشف السعة سيما بعد اعتبار المضايقة الحقيقية أو ما يقرب منها كما يظهر من الغنية والسرائر خصوصا الثاني ، حيث أنكر تصور فرض وجدان الماء في الوقت بناء على التضيق ، ونسبه إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الحيض ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم.

١٦١

المخالفين ، مضافا الى ترك الاستفصال فيها عن ذلك مع ظهورها في الفعل عمدا بدون الظن المذكور.

كل ذا مع بعد التكليف بذلك ، لما فيه من العسر والمشقة في كثير من الأوقات لكثير من الناس خصوصا النساء والأعوام ، وخصوصا المرضى ونحوهم ، وسيما بالنسبة للعشاءين بناء على تعميم المسألة لجميع أسباب التيمم ، للإجماع في الروض على عدم الفرق في ذلك مع سهولة الملة وسماحتها ، سيما وأصل مشروعية التيمم لذلك ، وإرادة اليسر بالعباد وما فيه من التغرير بترك الصلاة ، بل العبث فيما لو علم عدم حصول الماء تمام الوقت ، بل فيه فوات مصلحة أول الوقت من الاستحباب المؤكد ونافلة العصر بناء على عدم مشروعيتها إلا بعد صلاة الظهر ، بل والزوال بناء على أنها نافلة للفرض ولا تشرع الا بعد حصول الخطاب به ، ولا خطاب ، إذ هو يؤول إلى الوجوب المشروط على مذهب الخصم ، لتوقفه على الطهور الذي لا يحصل ولا يصح إلا عند الضيق ، ومع ذلك كله لو كان كذلك لشاع وذاع لتوفر الدواعي إلى نقله وغلبة وقوعه ، إلى غير ذلك من المبعدات الكثيرة التي لا يمكن أن تستقصى ، وستسمع بعضها في آخر البحث.

هذا مع ظهور مساواته لغيره من ذوي الأعذار كالمستحاضة والمسلوس وذي الجبيرة ، بل قد يشرف التأمل في هذه الأمور وملاحظة فحاوي الأدلة الفقيه على القطع بفساد القول بالتضيق فيما لو علم عدم زوال العذر ، على أنه لا شي‌ء من أدلة الخصم ينهض عليه بخصوصه سوى الإجماع المدعى وحسن زرارة أو صحيحه على تقدير « فليمسك » كخبره الآخر الذي بعده والرضوي ، وإلا فغيرها من أدلته ظاهرة في التأخير لرجاء الماء كما يومي اليه ما فيها‌« فان فاتك الماء لم تفتك الأرض » ‌ونحوه ، واحتمال خصوصية التعليل وعمومية المعلل بعيد.

والرضوي ـ مع أنه ليس بحجة عندنا سيما بعد إعراض الصدوق الذي هو الأصل

١٦٢

في شبهة حجيته لما نقل عنه من القول بالتوسعة هنا ـ محتمل لكراهة التعجيل مع الرجاء ، كما عساه يشعر به ما في ذيل عبارته ، وما في خبر محمد بن حمران ودعائم الإسلام للتعبير بلفظ « لا ينبغي » سيما الأول.

وصحيح زرارة ـ مع ما فيه من الاضطراب والاشعار بالرجاء على تقدير « فليطلب » وقصوره عن معارضة غيره من وجوه ـ محتمل الاستحباب ، أو لإرادة الإمساك عند الرجاء خصوصا مع ملاحظة ما في الرواية الثانية وغيرها ، على أن الغالب حصول الرجاء خصوصا في المسافرين كما يومي اليه إطلاق الأمر بالتأخير في باقي الأخبار معللا بما يشعر بالرجاء ، بل لعل فيه شهادة على انصراف الإطلاق بدون التعليل إليه ، فتأمل جيدا فإنه دقيق.

ومنه يعرف الجواب عن خبره الآخر ، على أن المفهوم فيه نفي الوجوب لا المشروعية فيه.

وأما الإجماع فهو ـ مع ضعف الظن فيه نفسه ، خصوصا في مثل هذه الإجماعات التي لا يعلم إرادة أصحابها بها ولا طريقهم إليها ، إذ لا زالوا ينقلونها فيما هو مظنة العكس ، خصوصا الغنية ونحوها ، مع عدم ظهور إرادة مدعيه خصوص ما نحن فيه ، بل لعل بعض عبارات الانتصار تشعر بإرادة الرجاء ، ومع وهنه بالمحكي عن الصدوق والجعفي والبزنطي من القول بالسعة مطلقا ، بل وابني الجنيد وأبي عقيل في خصوص الفرض المعتضد باعراض المتأخرين أو أكثرهم عنه فيه ، إذ من المستبعد جدا خفاء الإجماع على مثل أولئك الأساطين مع قرب العصر واطلاع خصوص حاكيه ، على أن تحصيله لهم غالبا في ذلك الزمان انما هو بملاحظة الروايات ومذاهب الرواة لها ، وقد عرفت ظهور أكثر الأخبار بالتوسعة ، وان الشيخ على كثرة نقله الإجماع لم ينقله هنا كما اعترف به في الذكرى ـ لا يقاوم بعض ما سمعته فضلا عن الجميع.

١٦٣

ومن ذلك كله ذهب جماعة إلى التفصيل بين الرجاء وعدمه ، فيؤخر مع الأول دون الثاني ، وهو المحكي عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل ، واختاره جماعة من المتأخرين ، بل في جامع المقاصد عليه أكثرهم ، وفي الروضة أنه الأشهر بينهم ، جمعا بين أدلة الطرفين سيما بعد ظهور أخبار التضيق في صورة الرجاء كما عرفت ، وبعد ما سمعت من البعد فيه مع عدم الرجاء ، كالبعد في التوسعة مع الرجاء ، سيما لو كان ظنا ، بل لعل السيرة على خلافه ، إذ هو مكلف بالمائية ، ولذا وجب عليه الطلب وغيره ، ولا ينتقل عنها إلا بالعجز ، وليس إلا بالضيق ، بل لعله المنساق إلى الذهن مما كان كذلك من التكاليف ، بل يعد العبد عاصيا عرفا لو فعل قبل ذلك.

ومنه ينقدح جريان ذلك فيه على القاعدة ، فيجري حينئذ في غير محل البحث من ذوي الاعذار ، ومنه الانتقال إلى مراتب التيمم ، فلا يتيمم بالغبار إلا أن يضيق الوقت أو ييأس منه ، وكذا الوحل ، مضافا الى إمكان المناقشة في جميع ما دل على التوسعة بالنسبة إلى صورة الرجاء بما لا يخفى ، والى ما في إطلاق التوسعة من التهجم على طرح تلك الأدلة من الإجماعات وغيرها بلا معارض يقاومها في ذلك ، فضلا عن أن يقوى عليها ، مع ندرة القائل بها ، وإلى ما في القول بالتفصيل من الجمع أيضا بين ما دل على الإعادة مع وجدان الماء في الوقت وعلى عدمها كذلك ، الى غير ذلك مما يطول التعرض لذكره مما لا يخفى على ذي مسكة ومن أحاط بما تقدم.

وهو قوي متين إلا أن سابقه أقوى منه في النظر ، إذ لو سلم اقتضاء القاعدة الانتظار في مثله مع إمكان المنع بظهور التكليف في الصلاة في كل جزء جزء من الزمان ، فيتبع حال المكلف حينئذ فيه حتى لو علم زوال العذر في ثاني الأوقات إلا أن الإجماع وغيره أخرجه عن بعض الاقسام ، ويجب الخروج عنها هنا بما سمعته من الأدلة ، كعموم المنزلة وظاهر الآية وأخبار عدم الإعادة وغيرها مما يبعد تنزيلها على ذلك ، سيما الأخيرة التي هي العمدة في أدلة التوسعة ، لما فيها من ترك الاستفصال ، مع قيام‌

١٦٤

الاحتمال بل ظهوره لغلبة الرجاء كما سمعته سابقا ، وسيما بعد ما عرفت من ضعف أدلة التضيق من الإجماعات بما سمعت ، والاخبار بظهور بعضها بالندب ، وهو قرينة على غيره خصوصا بعد كثرة استعمال « افعل » في الندب ، حتى قيل انه مساو للحقيقة أو أرجح منها ، فلا يأس بحملها على الندب حينئذ ، ولا ينافيه ما تقدم من الاستدلال بما دل على الوجوب بالزوال ، للحمل حينئذ على أفضل أفراد الواجب ، نعم قد ينافيه الاستدلال بما دل على استحباب الصلاة في أول الوقت مع إمكان الاعتذار عنه باختلاف الجهتين ، وبأنه يكفي الاستدلال بها بالنسبة الى بعض أفراد الدعوى ، لأن الأقوى اختصاص الندب في التأخير بصورة الرجاء خاصة كما في البيان ، وإن أطلق الاستحباب في المنتهى وجامع المقاصد وغيرهما ، تحكيما لما دل على استحباب الصلاة في أول الوقت ، لضعفها عن المقاومة بعد إشعارها بالتأخير للرجاء ، فتأمل جيدا.

لكن ومع ذلك كله ف الأحوط المنع من التيمم مع الرجاء ، وأحوط منه المنع مطلقا حتى يتضيق وإن كان الأقوى ما عرفت ، لكن ينبغي أن يعلم أنه قد صرح جماعة كما عساه يظهر من آخرين ، وحكاه جماعة عن المبسوط مع قوله بالمضايقة أن محل الخلاف في المسألة في غير المتيمم ، أما من كان متيمما لصلاة قد ضاق وقتها أو لنافلة أو لفائتة ثم حضر وقت صلاة أخرى أو كان حاضرا جاز له الصلاة من غير اعتبار الضيق ، لظهور ما دل على اعتباره في غير المتيمم ، ولما دل على الاكتفاء بتيمم واحد لصلوات متعددة ، ولوجود المقتضي من التطهر وسببية الوقت للوجوب وارتفاع المانع ، وعليه ترتفع ثمرة النزاع كما صرح به بعضهم ، إذ له حينئذ التيمم في وقت السعة لغاية غير الحاضرة ، ثم يصليها به قبل الضيق ، ولو أراد المحافظة على تيمم واجب يدخل به في الفرض نذر نافلة وتيمم لها ثم دخل به ، بل هو أكبر شاهد على ضعف القول بالضيق بل فساده ، لاستبعاد كون الممنوع منه التيمم بنية الحاضرة خاصة دون غيره.

ولعله لذا استوجه بعض المتأخرين منهم الشهيد في البيان كالمحكي عن مصباح السيد‌

١٦٥

عدم جواز الصلاة بهذا التيمم في السعة ، لأن الأخبار السابقة وإن كان ظاهرها غير المتيمم الا أنها قد اشتملت على التعليل برجاء الماء ، وهو متحقق في الفرض ، وما دل على الاكتفاء بتيمم واحد لصلوات متعددة لا يلزم منه ذلك ، بل أقصاه صحة وقوع هذه الصلاة به لو ضاق الوقت ، إذ لا نوجب تجديد تيمم آخر لها ، بل لا نعرفه قولا لأحد من أصحابنا وإن حكي عن الإيضاح أنه ذكره وجها أو قولا ، لكنه في غاية الضعف عندنا ، نعم هو محكي عن بعض العامة حيث أوجب لكل صلاة تيمما ، فلعل تلك العمومات في مقابلته ، كما أنه يحتمل ما في المبسوط ذلك أيضا ، ومن ذلك يعرف ما في الأخير من دعوى انتفاء المانع لما عرفت من أنه رجاء الماء.

لكن قد يشكل ذلك كله بأنه لا يتم بناء على إطلاق التضييق حتى مع عدم الرجاء ، اللهم الا أن يدعى أنه كما إن ضيق الوقت شرط لصحة التيمم للحاضرة لو لم يكن كذلك هو شرط لفعل الصلاة بمطلق التيمم ، إلا أنه محتاج الى دليل غير أخبار التضييق السابقة ، لأنها لا تقتضيه ، وليس إن لم يكن على خلافه ، كما أنها لا تقتضي وجوب تأخير التيمم إلا بالنسبة للموقت ، أي الذي ضرب الشارع له وقتا خاصا محددا ، بل الفرائض خاصة ، فمن أراد قضاء فائتة ولو قلنا بالتوسعة في القضاء أو نافلة راتبة مع سعة وقتها أو مبتدأة في الأوقات المكروهة أو غيرها أو نحو ذلك جاز له التيمم والفعل ، للقاعدة إن قلنا باقتضائها ذلك أو عموم المنزلة ونحوه ، خلافا للمصنف في المعتبر ، فمنع منه للنافلة في خصوص الوقت المكروه ، ولا نعرف له وجها.

نعم يشترط تحقق الخطاب الشرعي بما أريد التيمم له من الأفعال المندوبة لا قبله من غير فرق في ذلك بين صلاة الخسوف والجنازة والنافلة وغيرها ، فتأمل جيدا.

وكذا لا تقتضي تلك الأدلة وجوب التأخير في غير فقد الماء من أسباب التيمم‌

١٦٦

كالمرض ونحوه ، فقضية القاعدة أو العموم الجواز فيه مع السعة حتى على القول بالتضيق ، لكن قد عرفت أن الشهيد في روض الجنان حكى الإجماع على عدم الفرق بينها ، ويشهد له التتبع لكلمات الأصحاب ، والله ورسوله أعلم.

(و) إذ قد ظهر لك الحال في محل التيمم شرع في بيان كيفيته ف الواجب في التيمم النية كغيره من العبادات إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا حد الاستفاضة إن لم يكن متواترا منا ومن جميع علماء الإسلام إلا من شذ ، وكتابا (١) وسنة (٢) مع توقف صدق الامتثال والطاعة عليها ، وقد تقدم البحث في المراد منها ، وفي تفصيل دليل وجوبها وفيما يعتبر فيها من نية الوجه والرفع أو الاستباحة في باب الوضوء مفصلا.

وكذا البحث في وجوب استدامة حكمها والمراد من ذلك فلاحظ وتأمل ، لمساواة التيمم غيره في هذه الأمور كلها عدا نية الرفع ، فإنه قد صرح جماعة من الأصحاب هنا بنية الاستباحة فيه لا الرفع ، لأنه غير رافع للحدث عند كافة الفقهاء إلا داود وبعض أصحاب مالك كما في الخلاف ، وعند علمائنا أجمع ومالك والشافعي وأكثر أهل العلم كما في المنتهى ومذهب العلماء كافة ، وقيل يرفع ، واختلف في نسبة هذا القول لأبي حنيفة أو مالك كما في المعتبر ، بل فيه عن ابن عبد البر من أصحاب الحديث منهم إجماع العلماء عليه من غير استثناء ، إلى غير ذلك من الإجماعات المحكية في كلام الأصحاب ، قلت : وهو كذلك ، إذ معنى رفعه الحدث إزالته وإبطاله رأسا حتى لا يجب بعد ذلك طهارة مزيلة له إلا بحدث جديد ، مع أن المتيمم إذا وجد الماء انتقض تيممه ووجب عليه الطهارة بالماء لعين ذلك الحدث ، وإلا فوجدان الماء أو رفع المرض ليس بحدث إجماعا حتى يكون بسببه غير الجنب جنبا مثلا ، ضرورة‌

__________________

(١) سورة البينة ـ الآية ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

١٦٧

عدم استواء المتيممين في موجبه ، فالمحدث لا يغتسل ، والمجنب لا يتوضأ ، واستباحة الصلاة وغيرها به ما دام مضطرا ولم يتعقبه حدث آخر ليس رفعا لطبيعة الحدث في المعنى.

نعم هو رفع لمنعه في الجملة وإلا فالمانع لم يرتفع ، ويكفي في تحققه ووجوده بقاء المنع فيه ولو في حال الاختيار والتمكن ، كما يومي إليه إطلاق لفظ الجنب على المتيمم ، كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) لابن العاص بعد أن صلى بأصحابه متيمما : « صليت بأصحابك وأنت جنب » ‌وفي‌خبر ابن بكير (٢) قلت للصادق عليه‌السلام : « رجل أم قوما وهو جنب وقد تيمم وهم على طهور » ‌بل لعل مقابلته بالطهور كالصريح في ذلك ، إلى غير ذلك ، كما أنه يومي إلى بقاء الحدث في المتيمم أمارات كثيرة من كراهة الائتمام به وغيرها.

وتنزيل التراب منزلة الماء وكونه أحد الطهورين لا ينافي بقاء الحدث بالمعنى المتقدم ، فما في قواعد الشهيد الأول وشرح الألفية للثاني واستحسنه بعض من تأخر عنهما ـ من جواز نية الرفع فيه ، إذ ليس المراد به إلا الحالة المانعة عن الصلاة ، فمتى أبيحت ارتفع المانع وإن كان إلى غاية مخصوصة هي التمكن من الماء ونحوه كحصول الحدث في الطهارة المائية ، فلا ينافي الرفع قبله ، وكذا الكلام في دائم الحدث ، على أن النية فيه انما تؤثر بالسابق دون المقارن واللاحق ، إذ هو عفو ـ مآله بعد التأمل إلى نزاع لفظي أو إلى ما يعلم فساده مما تقدم ، خصوصا عدم فرقه بين غايتي التمكن هنا والحدث في المائية ، بل لا وجه لكون الثاني غاية ، إذ ليس بحصوله يعود ما ارتفع أولا وان حصل بسببه ما يساويه ، بخلافه في التمكن فإنه أثر الحدث الأول كما هو‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٥ ص ـ ١٤٣ ـ الرقم ـ ٢٩٤٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

١٦٨

واضح ، وقد مر لنا سابقا في أول غسل الجنابة وغيره ماله نفع تام في المقام.

وربما حكي عن المرتضى رحمه‌الله أيضا أن التيمم رافع للحدث ، ولعله لما سيأتي له من أن المجنب إذا تيمم ثم أحدث بالأصغر ووجد بعد ذلك ماء يكفيه للوضوء توضأ وبقي على تيممه عن الجنابة ، وليس فيها دلالة على ذلك كما ستعرفه عند تعرض المصنف لذلك ان شاء الله.

وكيف كان فان نوى في تيممه رفع الحدث فالمتجه على المختار من عدم اعتبار ذلك فيه وفي أمثاله الصحة سواء نوى رفع المنع ما دام مضطرا أو رفعه كالطهارة المائية جهلا أو نسيانا أو غير ذلك لصدق الامتثال وإن لغي بنية لأمر خارج عن حقيقة التيمم في الثاني ، وكذا لا فرق بين جعله الرفع متعلق القصد بدون علية كما لو نوى رفع الحدث بالتيمم مثلا لمشروط به وبين جعله علة للتيمم ، كأن قال : أتيمم لرفع الحدث ، نعم لو جعل ذلك مشخصا للمنوي كأن يكون في قوة نيته تيمما رافعا للحدث على حسب المائية اتجه الفساد حينئذ ، لأنه قصد امتثال أمر لا وجود له ، كما أنه يتجه الفساد مطلقا فيما لم يكن المنوي الرفع ما دام مضطرا بناء على اعتبار الاستباحة فيه ، لعدم نيتها ، واحتمال استلزام ذلك نيتها وإن لغي في الزائد فيصح ضعيف ، لكون هذه الزيادة هي المائزة بين الرفع والاستباحة ، ومنه يظهر حينئذ قوة الفساد أيضا عليه لو نوى به الاستباحة على حسب الماء ، إذ هي معنى الرفع كذلك ، نعم لو نوى مطلق الاستباحة أو الاستباحة ما دام مضطرا اتجه الصحة ، وكذا لو كان المنوي الرفع ما دام مضطرا ، إذ هو كالاستباحة.

ولعله الذي أراده في الذكرى بقوله : فإذا نوى رفع الحدث فقد نوى ما لا يمكن حصوله ، نعم لو نوى رفع المانع من الصلاة صح وكان في معنى الاستباحة لا أنه يريد بالمانع الحدث ، سيما بعد ملاحظة أول كلامه ، فتعجب المحقق الثاني منه لا يخلو من تأمل.

١٦٩

وهل مطلق الرفع كمطلق الاستباحة فيصح أو كالاستباحة المطلقة التي هي بمعنى الرفع المطلق فيفسد كما يومي اليه ما في أول عبارة الذكرى السابقة؟ وجهان ، أقواهما الثاني لانصراف الرفع اليه ، ولعله لذا أطلق البطلان بنية الرفع في المبسوط والمعتبر والقواعد وجامع المقاصد ، بل قضية ما عدا الأخير ذلك حتى لو ضم معه الاستباحة ، لكن المتجه فيه حينئذ الصحة كما صرح به في الذكرى وجامع المقاصد وعن غيرهما ، وإن لغي لوجود المقتضي وارتفاع المانع ، نعم لو خرجت الاستباحة بضم الرفع عن المعنى المعتبر في الصحة اتجه الفساد لفقد الشرط حينئذ لا لضم الرفع ، فتأمل.

والأقوى عدم اعتبار نية البدلية عن الغسل أو الوضوء مع اتحاد ما في الذمة منه ، وفاقا لكشف اللثام والمدارك وغيرهما ، وإن قلنا باختلاف كيفيتهما ، للأصل وصدق الامتثال وخروج وصف البدلية عن حقيقة التيمم ، بل هو أمر واقع لا مدخلية لنية المكلف في تحققه ، فمن تيمم بزعم التكليف الابتدائي لجهل البدلية كصبي بلغ وفرضه التيمم مثلا صح ، وكذا يصح مع الاتحاد في الكيفية لو تيمم عن حدث لا يعلم أكبر أو أصغر حتى ينوي البدلية عن موجبه.

نعم قد يقال بناء على اختلاف الكيفية بوجوب التعرض للعدد في النية ولو بنية البدلية ، لإفادتها له حتى إن كان عليه بدل الوضوء ونوى ضربة واحدة وسها فنواه بدلا من الغسل صح وبالعكس. فهو ليس اعتبارا للبدلية في نفسها ، مع احتمال عدم وجوب هذا التعرض أيضا ، بل لعله الأقوى ، إذ الواجب عليه التيمم متقربا إلى الله تعالى من دون حاجة إلى نية تفصيل ما يفعله كالقصرية والتمامية ، لأن اتحاد ما في ذمته كما هو الفرض كاف في تشخصه ، بل لا يبعد الاكتفاء بما لو نوى التيمم وكان في ذهنه أنه محدث بالأصغر ثم ذكر أنه مجنب بعد أن ضرب ضربة فضرب أخرى ، لحصول المقتضي من نية التقرب بما طلب منه من التيمم وإن توهم فيما قارنه من اعتقاد أن المراد‌

١٧٠

منه ذو الضربة الواحدة ، فهو حينئذ كمن نوى الظهر وكان في خياله أن تكليفه القصر ثم ذكر فأتمها ، بل قد يظهر من المدارك الصحة فيما لو تيمم بقصد أنه من الحدث الأصغر ثم ذكر الجنابة بعد أن ضرب فضرب مرة أخرى وأتم ، وهو لا يخلو من وجه وإن كان قد يشكل بأنه وإن لم يعتبر فيه البدلية لكن يعتبر عدم نية الخلاف ، لعدم صدق الامتثال حينئذ ، إذ قصد ما لم يقع ، وما وقع لم يقصد ، فهو كمن اغتسل بنية حدث الجنابة وكان محدثا بالمس ، فتأمل.

هذا كله مع اتحاد ما في ذمته ، أما مع تعدده كما لو كان عليه تيممان فالظاهر عدم اعتبار البدلية أيضا سواء قلنا باختلاف الكيفية أو اتحادها لما مر ، نعم لا بد من تشخيص ما يوقعه بنية البدلية أو غيرها ، لتوقف صدق الامتثال عليه حينئذ ، وكذا التعرض للعدد على تقدير الاختلاف.

وربما ظهر من كشف اللثام عدم وجوب هذا التشخيص أيضا على القول باتحاد الكيفية ، ولعله للأصل ، ولأنه كالأمر بالفعل مرتين أو ثلاث ، وفيه أن الظاهر مما نحن فيه كغيره مما تعدد فيه الأسباب كالغسل ونحوه تعدد الأمر لا متعلقة فقط ، كما هو واضح ، فتأمل.

ومن ذلك كله ظهر لك ما في إطلاق الوسيلة والجامع واللمعة وجامع المقاصد وظاهر الروضة وعن الخلاف وغيره من كثير من كتب الأصحاب اعتبار نية البدلية في التيمم ، وما في الذكرى وظاهر المعتبر والمنتهى من اعتبارها على تقدير الاختلاف بين الكيفيتين ، وما في الروض والرياض على تقدير تعدد ما في الذمة ، لما عرفت من عدم اعتبارها مطلقا في نفسها وإن اتفق اعتبارها للتشخيص كغيرها مما يحصل به ، اللهم إلا أن يريدوا باعتبارها ذلك ، ولعله لا تأباه عبارات بعضهم دون الباقي ، فلاحظ وتأمل ، لكن ينبغي أن يعلم أنه قد صرح في جامع المقاصد بسقوط اعتبار نية البدلية في مثل التيمم‌

١٧١

للجنازة والنوم ، لمشروعيتهما مع وجود الماء ، فلا يعقل فيهما معنى البدلية ، وفي التيمم لخروج الجنب والحائض من المسجدين ، لعدم شرعية الماء لو تمكن منه ، وفيه أنه يمكن اعتبار ذلك في الأولين بجعله بدلا اختياريا ، وفي الأخير بالنسبة إلى ما يقتضيه ذات الحدث في نفسه.

ومنه ينقدح الوجه حينئذ في اعتبار الضربة والضربتين بالنظر للأصغر والأكبر ، إذ ليس مناطهما البدلية بالمعنى السابق ، فتأمل.

ويعتبر مقارنة النية لأول جزء من التيمم كغيره مما اعتبرت فيه ، فلا يجزئ تقدمها على الضرب حينئذ قطعا ، كما أنه لا يجزئ تأخرها عنه إلى المسح كما صرح به جماعة منهم الفاضل والشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم ، لأنه أول أفعاله كما هو ظاهر الفتاوى والنصوص (١) الواردة بعد السؤال عن كيفيته وغيرها أو صريحها مع غاية استفاضتها إن لم تكن متواترة ، خلافا للمحكي عن الأول في نهايته ، فجوز تأخيرها إلى مسح الجبهة كما عن الفخرية ، وللجامع فأوجب المقارنة لها ، وللمفاتيح فجعلها أول الاجزاء ، ولعل ذلك كله تنزيلا للضرب منزلة الاغتراف من الإناء ، وعليه لا بأس بالحدث بعده قبل المسح ، كما صرح هو بالتزامه في الكتاب المذكور على ما حكي عنه ، فلا وجه للرد عليه بذلك كما في الذكرى.

وربما يؤيده ما تقدم سابقا من عدم كون التراب المضروب مستعملا عندهم حتى حكي الإجماع عليه سيما بعد تعليله من غير واحد من الأصحاب هناك بأن الضرب كالاغتراف من الماء ، كما أنه قد يشهد له ظاهر الآية (٢) و‌خبر زرارة (٣) عن أحدهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم.

(٢) سورة المائدة ـ الآية ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٥.

١٧٢

عليهما‌السلام « من خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوات الوقت فليتيمم ، يضرب يده على اللبد أو البرذعة ويتيمم ويصلي » ‌حيث أطلقه على ما بعد الضرب ، وفيه ـ مع أنه قد يشعر التعليل بعدم وجوبه كما في المشبه به ، فيكفي تلقيه الريح بجبهته حينئذ ، وهو مجمع على بطلانه حتى منه في خصوص الكتاب المذكور ، وإن قرب الاجتزاء بأخذ التراب من الريح والمسح به فيه ، لكنه ليس خلافا في الأخذ بالكف والمسح به ، وان المتجه بناء على ما ذكره مقارنة النية حينئذ لمسح الجبهة كما في الجامع لأنها الأول عنده ، لا التخيير بينه وبين الضرب ، والقياس على غسل اليدين ونحوهما لا يخلو من تأمل ، لاحتمال الفرق بالدليل ، أو بالتزام كونها أجزاء مندوبة ـ أنه مخالف لما عرفت من غير ضرورة ، إذ الآية مع كون الاخبار كاشفة للمراد بها محتملة للكناية عن الضرب بقوله تعالى (١) ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً ) وخبره مع قصوره في نفسه وعن معارضة غيره من وجوه محتمل لإرادة إتمام التيمم ، بل لعل قوله عليه‌السلام فيه : « يضرب » عقيب قوله عليه‌السلام : « فليتيمم » ظاهر في خلافه ، وقرينة على ما قلنا ، بل هو أرجح من احتمال العكس من وجوه.

ولو نوى بعد الضرب قبل الرفع لم يجز بناء على اعتبار الضرب في التيمم ، بل وعلى تقدير الاكتفاء بالوضع أيضا في وجه ، للفرق بين الابتداء والاستمرار ، هذا كله بناء على أن النية هي الاخطار ، وإلا فيسقط هذا البحث من أصله بناء على أنها الداعي كما اعترف به في الحدائق وكذا الرياض ، لكن فيه مناقشة ذكرناها في باب الوضوء.

ومن الواجب في التيمم الترتيب بأن يضع يديه على الأرض ثم يمسح الجبهة بهما من قصاص الشعر إلى طرف أنفه ثم يمسح ظاهر كل من الكفين بالأخرى مقدما اليمنى على اليسرى بلا خلاف صريح أجده في شي‌ء من هذا الترتيب‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٩.

١٧٣

وإن حكى في كشف اللثام خلو كتب بعض الأصحاب عنه مطلقا كالمصباح ومختصره والجمل والعقود والهداية ، وكالفقيه في بدل الوضوء ، وبعضها عنه بين الكفين كالمقنع وجمل العلم والعمل والسرائر والمراسم مثل المصنف هنا ، إذ ليس ذلك صريحا في الخلاف ، مع أن التأمل في عبارة الأولين عدا مختصر المصباح فإنه لم يحضرني يظهر معه إرادة الترتيب فيما عدا الكفين وإن وقع العطف بها في الواو ، بل وفيهما أيضا في عبارة ما عدا الهداية ، كما أن ظاهر السرائر أو صريحها الترتيب في نفس الكفين أيضا كجمل العلم إن أراد بها التي للمرتضى رحمه‌الله وإن عطف فيهما اليسرى بالواو ، ولم يحضرني المراسم والمقنع ، ولعله لذا نسب غير واحد الترتيب المذكور إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه كما صرح به في المفاتيح وعن إرشاد الجعفرية ، بل في التذكرة إلى علماء أهل البيت ، والمنتهى إلى علمائنا أجمع ، وفي الخلاف والغنية إحالة دليل وجوبه على الوضوء ، ومنه هناك فيهما ، بل عمدته الإجماع ، وقد يشعر ذلك منهما بعدم القول بالفصل بين الوضوء والتيمم كما عن المرتضى التصريح به ، حيث قال : « كل من أوجب الترتيب في الوضوء أوجبه فيه ، فمن فرق بينهما خرق الإجماع » انتهى. فيكتفى حينئذ بما دل عليه هناك من الإجماع وغيره ، وفي جامع المقاصد الإجماع عليه بالنسبة إلى تقديم اليمنى على اليسرى.

قلت : ومع ذلك كله فالتيمم البياني في صحيح الخزاز عن الصادق عليه‌السلام (١) ومضمر الكاهلي في الحسن (٢) وصحيح زرارة (٣) عن الباقر عليه‌السلام المروي في مستطرفات السرائر صريح في ترتيب مسح الكفين على مسح الجبهة. ولا ينافيه عطفهما عليها في غير هذه الاخبار بالواو ، سيما على القول بأنها للترتيب ، بل تكون الآية حينئذ دليلا على ذلك أيضا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٩.

١٧٤

مع إمكان الاستغناء عنه بالنسبة إليها بما دل (١) على الأمر بالبدأة بما بدأ الله به ، لكنها على كل حال كأكثر الاخبار لا دلالة فيها على الترتيب بين اليدين ، بل لعل إطلاقها يقضي بعدمه ، إلا أنه فيما سمعته من الإجماعات بسيطها ومركبها غنية عن ذلك ، سيما بعد اعتضادها بظاهر‌الصحيح المروي (٢) في مستطرفات السرائر عن الباقر عليه‌السلام حكاية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال فيه بعد ذكر قصة عمار : « فضرب بيديه على الأرض ، ثم ضرب إحداهما على الأخرى ، ثم مسح جبينه ، ثم مسح بكفيه كل واحدة على ظهر الأخرى ، مسح اليسرى على اليمنى ، واليمنى على اليسرى » ‌ولا ينافي تبادر الترتيب من مثله كون الواو لمطلق الجمع في حد ذاتها.

و‌بالرضوي (٣) « صفة التيمم أن تضرب بيديك على الأرض ضربة ، ثم تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف ، ثم تضرب بهما أخرى فتمسح بهما إلى حد الزند ، وروي من أصول الأصابع تمسح باليسرى اليمنى ، وباليمنى اليسرى على هذه ، وروي إذا أردت التيمم اضرب كفيك على الأرض ضربة واحدة ثم تضع احدى يديك على الأخرى ، ثم تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك ، وبقي ما بقي ، ثم تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من أصل الأصابع من فوق الكف ، ثم تمرها على مقدمها على ظهر الكف ، ثم تضع أصابعك اليمنى على أصابعك اليسرى ، فتصنع بيدك اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى على اليمنى مرة واحدة » ‌إلى آخره. وهو وإن لم نقل بحجيته في نفسه ، لكنه لا بأس بذكره مؤيدا ، كما أنه لا بأس في العمل بما أرسله بعد الانجبار ، ولعله لا ينافيه اشتماله على ما لا نقول به ، إذ هو كالعمل ببعض الخبر وترك الآخر.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٩.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

١٧٥

ومنه ينقدح الاستدلال حينئذ على ما نحن فيه ب‌صحيح ابن مسلم (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « سألته عن التيمم فضرب بكفيه الأرض ، ثم مسح بهما وجهه ، ثم ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع ، واحدة على ظهرها ، وواحدة على بطنها ، ثم ضرب بيمينه الأرض ، ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه » ‌إلى آخره.

فظهر لك حينئذ من ذلك كله أنه لو أخل بالترتيب وجب عليه الإعادة على ما يحصل به ما لم يخل بالموالاة ، فيجب استدراكه من أصله بناء على وجوبها فيه كما ذكره جماعة ، بل في المنتهى نسبته إلى علمائنا ، والذكرى والحدائق إلى الأصحاب ، والمدارك إلى قطعهم مؤذنين بدعوى الإجماع عليه كظاهر الغنية أو صريحها وإشعار الخلاف ، بل في جامع المقاصد والمرجع فيها الإجماع ، والروض الاولى الاستناد إلى الإجماع ، ومجمع البرهان يفهم كونها واجبة بالإجماع عند علمائنا ، انتهى.

وأنها شرط فيه كما هو ظاهر معاقد هذه الإجماعات عدا الأخير ، فإنه قد يظهر منه التوقف في ذلك ، واحتمله غيره على أن يراد بها حينئذ الوجوب التعبدي ، ولعله لاحتمال ذلك في موالاة الوضوء أيضا.

لكنه ضعيف جدا ، وقد مر ما يكفي في رده في المقيس عليه ، كضعف ما يحكى عن نهاية الاحكام من احتمال عدم وجوبها أصلا فيما كان بدلا من الغسل ، وإن نقل عن الدروس الجزم به أيضا ، ولعله لعدم وجوبها في المبدل عنه باعتبار تنزيل التراب منزلة الماء.

وفيه مع مخالفته لما عرفت من الإجماع صريحه وظاهره أن إطلاق المنزلة لا يتناول مثله ، وان كان قد يشهد له في الجملة تمرغ عمار ، وهو من أهل اللسان ، إلا أنه يدفعه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٥.

١٧٦

عدم مساواتها للكيفية في الانصراف ، على أنه قد رد ذلك على عمار ، فعلم أن المراد بالمنزلة البدلية في الإباحة لا الكيفية.

فظهر حينئذ أن الاستدلال على الموالاة بالمنزلة لوجوبها في الوضوء في غير محله ، كالاستدلال عليها أيضا بالفاء في قوله تعالى (١) ( فَتَيَمَّمُوا ) الدالة على تعقيب التيمم الشرعي لإرادة القيام إلى الصلاة من غير مهلة ، وحيث لا يوالي فيه لم يحصل التعقيب لا لان التيمم في الآية بمعنى القصد كما في المدارك ، بل للقطع بكون المراد منها عدم الدخول في الصلاة بدون الطهارة ، على أنه قد يستمر زمن الإرادة بحيث لا ينافي الموالاة ، مع احتمال المناقشة في استفادة التعقيب بالمعنى المراد هنا من مثل هذه الفاء.

نعم قد يمكن الاستدلال عليها بالفاء في قوله تعالى ( فَامْسَحُوا ) متمما بعدم القول بالفصل بين معاقبة مسح الجبهة للضرب وبين غيره ، وبالموالاة في التيمم البياني ، واحتمال المناقشة فيه كما في الوضوء ـ مع إمكان منع جريانها هنا باعتبار كونه بيانا للتيمم المجمل ـ مدفوع بما تقدم في باب الوضوء.

نعم قد يناقش فيه باعتبار عدم ظهور قصد الموالاة في التيمم البياني ، لاحتمال كونه لضرورة البيان كما هو المعتاد في كل ما يراد بيانه مما لا يعتبر التوالي فيه قطعا ، فالإنصاف ان العمدة في الدليل الإجماع السابق ، لكن قد يقال مؤيدا له بعد كون الموالي فيه المتيقن في البراءة : أن ليس المراد هنا بالموالاة إلا عدم التفريق المنافي لهيئة التيمم وصورته ، وإلا فلا يعقلإرادة معناها في الوضوء إلا بملاحظة التقدير للجفاف لو كان ماء كما عن الدروس ، وهو ـ مع أنه لازم لذهاب الصورة أيضا كالموالاة بمعنى التقدير الزماني الذي قد ذكرناه في باب الوضوء ـ لا دليل عليه هنا ، كما أن المتابعة الحقيقية مقطوع بعدمها ، فيتجه الحكم بالفساد حينئذ لانتفاء الاسم بانتفاء تلك الصورة‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٩.

١٧٧

كما في كثير من العبادات ، اللهم إلا أن يقال : إن ظاهر من اعتبر الموالاة إفساد التيمم بفوات المتابعة العرفية ، كما جعله المدار في جامع المقاصد والروض وإن لم تذهب الصورة ، وفيه بعد تسليم انفكاك ذلك عن محو الصورة تأمل ونظر ، هذا.

وقد قال في المدارك وسبقه إلى ما يقرب منه في المنتهى : « إنه لو قلنا باختصاص التيمم في آخر الوقت كانت الموالاة من ضروريات صحته لتقع الصلاة في وقتها » وفيه مع ابتنائه على التضيق في أمر التضيق أن وجوبها حينئذ خارج عما نحن فيه ، بل تكون حينئذ كوجوب الموالاة في الغسل عند الضيق ، وأين هو من الوجوب الشرطي.

وكالترتيب والموالاة في الوجوب المباشرة بالمعني السابق في الوضوء ، كما هو ظاهر عبارة المصنف وغيره من الأصحاب لعين ما مر فيه من القاعدة وغيرها ، مع ما في كشف اللثام من الإجماع ظاهرا عليه هنا ، وفي المدارك من نفي الريب عنه ، والمنتهى من نفي الخلاف فيه عندنا ، فلو يممه غيره مع القدرة لم يجز ، نعم يجوز مع العجز كما في المبدل منه بلا خلاف لما مر هناك أيضا ، ولقول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن مسكين (١) وغيره في المجدور الذي غسل فمات : « ألا يمموه ان شفى العي السؤال » ‌وفي‌مرسل ابن أبي عمير (٢) « يؤمم المجدور والكسير إذا أصابتهما جنابة » ‌كمرسل الفقيه (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « المبطون والكسير يؤممان ولا يغسلان » ‌لكن في غير النية ، بل يتولاها العليل كالوضوء لما تقدم فيه أيضا ، بل قد يظهر من المدارك دعوى الإجماع عليه هنا ، إلا أنه قال في جامع المقاصد : « لو نويا كان أولى » قلت : أي أحوط لظهور انتساب الفعل للعامل.

وهل المراد تيممه بيدي النائب أو أنه يضرب بيدي العليل ، فيمسح بهما مع الإمكان؟ ظاهر الذكرى وجامع المقاصد والمدارك أو صريحها الثاني ، لعدم سقوط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١٢.

١٧٨

الميسور بالمعسور ، وبقاء صورة المباشرة ، بل لم أقف على قائل بالأول ، نعم في الأول عن الكاتب يضرب الصحيح بيده ثم يضرب بيدي العليل ، ثم قال : ولم نقف على مأخذه.

قلت : وهو كذلك مع التمكن من ضرب الأرض بيد العليل والمسح بها ، أما مع المكنة من الثاني دون الأول فقد يتجه حينئذ ما ذكره الكاتب ، بل لم يستبعد وجوبه في كشف اللثام.

لكن قد يناقش فيه مع بعد الفرض بعدم صدق المسح حينئذ بالأرض أي بما ضربها به.

كما أنه قد يناقش في الأول أيضا بأصالة البراءة من تلك الكيفية الخاصة ، بل لعل إطلاق الأمر بالتولية يقضي بخلافه إن لم يكن ظاهرا في مباشرة المتولي ، بل قد لا يجتزى بيد العليل ، لعدم استناد المسح اليه بسبب ذلك ، فيكون بالنسبة للعامل كالمسح بآلة أجنبية ، كل ذا مع تركهم هذا التفصيل في الطهارة المائية ، بل ظاهر ما استدل به هناك ـ من أمر الصادق عليه‌السلام (١) الغلمة في الليلة التي كان فيها شديد الوجع بحمله وتغسيله فحمل ووضع على خشبات وغسل ـ عدمه أيضا ، لظهور تمكن الغلمة من مباشرة بعض الغسل بيديه ، فالأحوط حينئذ إيقاع الكيفيتين إن لم يكن متعينا لتوقف البراءة اليقينية عليه ، فتأمل جيدا.

هذا كله في نفس الترتيب ونحوه ، وأما المرتب فأولها وضع اليدين أو ضربهما على ما يتيمم به من الأرض وغيرها بلا خلاف أجده فيه ، بل في ظاهر الذكرى وصريح جامع المقاصد والمدارك وغيرهما الإجماع عليه ، للنصوص المستفيضة (٢) في كيفيته إن لم تكن متواترة ، وحملها على الغالب ـ من توقف التصاق التراب بالكفين والمسح به على ذلك ، وإلا فيجزئ حتى لو استقبل العواصف بهما ومسح ، كما عن العلامة في النهاية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم.

١٧٩

أنه الأقرب ـ مناف لظاهرها أو صريحها بلا شاهد ، سيما بعد الاعتضاد بما عرفت ، بل عن المقاصد العلية الاتفاق على عدم صحة التيمم لو تعرض لمهب الريح ، نعم لا يبعد الاجتزاء بذلك عند الاضطرار ، بل لعله يقدم على بعض أفراد الغبار.

إنما البحث في أن الواجب مجرد الوضع كما هو ظاهر المصنف هنا والمبسوط والجامع والقواعد وصريح الذكرى وجامع المقاصد وعن الدروس أو هو باعتماد أي الضرب كما هو ظاهر الهداية والمقنع وجملي المرتضى والشيخ والغنية والوسيلة وإشارة السبق والسرائر والجامع وغيرها وصريح الروضة والروض والرياض وكشف اللثام ، بل في الذكرى نسبته إلى معظم عبارات الأصحاب ، وكشف اللثام إلى المشهور ، بل هو معقد بعض الإجماعات وإن لم تكن مساقة له؟ قولان أقواهما الثاني اقتصارا على المتيقن في الكيفية المتلقاة من الشارع ، وللتيممات البيانية فعلا وقولا في الاخبار الكثيرة (١) والأمر به في مضمر ليث المرادي (٢) وصحيح زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام بعد أن سأل عن التيمم ، وغيرهما (٤).

ولا ينافي ذلك ما حكاه مولانا الصادق عليه‌السلام في خبر الخزاز (٥) وداود ابن النعمان (٦) من وضع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على المسح في بيان التيمم لعمار ، كحكاية الباقر عليه‌السلام أيضا ذلك في صحيح زرارة (٧) بل وفعله عليه‌السلام هو أيضا في خبره الآخر (٨) إذ هو ـ مع أن الباقر عليه‌السلام أيضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢ وهو مسند إلى الصادق (ع).

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب التيمم.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٩.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٥.

١٨٠