جواهر الكلام - ج ٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

من مثل ذلك أو يتعسر في كثير من المواضع ، وربما نزل ما في المنتهى عليه ، بل قد يؤيده أمور كثيرة تظهر بالتأمل في أخبار الباب وكتب الأصحاب وإن كان الأحوط ما تقدم ، وكذا الكلام في الممتزج ، فلا تقدح بعض الاجزاء الدقاق وإن منعت محلها من المماسة.

ويجوز التيمم ولكن يكره بالأرض المالحة النشاشة المسماة بالسبخة والرمل وهو معروف على المشهور بين أصحابنا نقلا وتحصيلا ، بل في المعتبر الإجماع عليه عدا ابن الجنيد ، فمنع في السبخ ، بل عن التذكرة الإجماع في السبخة من غير استثناء كالمنتهى ، حيث لم ينقل فيها خلافا إلا عن بعض الجمهور ، كما أنه نسب الجواز مع الكراهة في الرمل إلى نص الأصحاب وجامع المقاصد ، وعن التذكرة « يجوز بالرمل عندنا على كراهية » بل ظاهر المدارك أو صريحها كغيرها عدم الخلاف عندنا في جوازه بالرمل ، ومراد الجميع الجواز اختيارا مع وجود التراب كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم.

فما في إشارة السبق وتبعه الأستاذ في كشف الغطاء من التيمم به عند فقد التراب ضعيف محجوج بما سمعت ، وبتناول اسم الصعيد والأرض له قطعا وان اكتسب بسبب الحرارة تشتتا وتغيرا ما ، وما عن الجمهرة عن أبي عبيدة أن الصعيد هو التراب الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل لا يلتفت اليه ، على أنه لو كان كذلك لا دليل على جوازه في الاضطرار أيضا ، كالمحكي عن ابن الجنيد من المنع بالسبخ ولعله لذلك وفيه ما عرفت ، أو‌الخبر عن محمد بن الحسين (١) : « ان بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي عليه‌السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج ، قال : فلما نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت هو مما أنبتت الأرض ، ومالي أن أسأله عنه ، فكتب إلى لا تصل على الزجاج وإن حدثتك نفسك أنه مما أنبت الأرض ، ولكنه من الملح والرمل ، وهما ممسوخان ».

وفيه أنه لا تعرض فيه للسبخة ، ولا كلام في المنع من الملح ، ولعل ابن الجنيد أراد بالسبخ ما يعلو الأرض من الملح ، فلا خلاف حينئذ كما يشهد له عدم استثنائه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

١٤١

من إجماع التذكرة ، وتخصيص الخلاف ببعض الجمهور في المنتهى كما تقدم ، نعم هو دال على المنع من السجود على الرمل ، ويلزمه عدم التيمم هنا ، لكنه ـ مع قصوره عن معارضة ما تقدم ، بل لعل الإجماع على خلافه حتى من الحلبي في إشارته لتجويزه به حال الضرورة ـ محتمل لإرادة أنهما مسخا بصيرورتهما زجاجا ، أي أنهما غيرا عن حقيقتهما السابقة ، إلا أنه لا بأس بتأييد الكراهة في الرمل به ، وبما سمعته عن أبي عبيدة وإن كنا في غنية عن إثباتها فيه وفي السبخة بما تقدم بعد التسامح فيها ، فتأمل جيدا.

ويستحب أن يكون التيمم من ربا الأرض وعواليها كما أنه يكره من المهابط إجماعا في الخلاف عليهما ، وفي المعتبر صريحا في الثاني ، وظاهرا أو صريحا في الأول ، كظاهر نسبته إلى علمائنا في التذكرة وصريح إجماع جامع المقاصد ، ويؤيده ـ مع بعد العوالي عن النجاسات وزوالها عنها غالبا بالسيول والرياح ، فهو أبلغ في وصف الطيب بخلاف المهابط ـ ما ورد في تفسير الصعيد أنه الموضع المرتفع كالمحكي عن فقه الرضا عليه‌السلام (١) و‌قول الصادق عليه‌السلام في خبر غياث بن إبراهيم (٢) : « نهى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يتيمم الرجل بتراب من أثر الطريق » ‌وفي‌خبره الآخر قال أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) : « لا وضوء من موطإ » ‌وعن النوفلي يعني ما تطأ عليه برجلك ، خلافا للجمهور فلم يفرقوا بين المكانين وهو ضعيف ، بل لا يبعد تفاوت مراتب الاستحباب والكراهة شدة وضعفا بتفاوت الأمكنة في القرب والبعد عن احتمال النجاسة ونحوها.

ومع فقد التراب عقلا أو شرعا ، والحجر ونحوه على المختار من مساواته للتراب ،

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

١٤٢

بل وعلى غيره أيضا لتقدمه على الغبار عندهم ، إلا النادر كسلار ويحيى بن سعيد فقدماه على الحجر ، مع احتمال إرادة الأول الغبار الذي إذا نفض كان ترابا كافيا ، بل لعله الظاهر من عبارته المحكية في المختلف ، فتعليق المصنف الانتقال كالمقنعة والمبسوط والقواعد والمنتهى على التراب خاصة في غير محله ، سيما من مثل الشيخ والمصنف والعلامة ، لمساواته للتراب عندهم ، اللهم إلا أن يريدوا به ما يشملهما اتكالا على ما سبق لهم ، كما يشهد له بعض الامارات ، فتأمل. فيوافق حينئذ ما في النافع والذكرى والمعتبر والتذكرة وغيرها من التعبير بالصعيد ، بل هو معقد إجماع الأخيرين حيث علقا الانتقال المذكور على فقد الصعيد ، ثم نسباه إلى علمائنا ، والنهاية والوسيلة والسرائر والتحرير وعن المهذب من التصريح بتأخره عن الحجر ، ويقرب منه ما في جامع المقاصد والروض والمدارك.

يتيمم بغبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابته للنصوص (١) وظاهر الإجماع المحكي في المعتبر والتذكرة إن لم يكن محصلا ، لا إذا لم يفقده فإنه يجب التيمم به حينئذ بلا خلاف أجده فيه ، بل ظاهر المعتبر والبحار وكشف اللثام والتذكرة الإجماع عليه إلا من ظاهر جمل المرتضى ، فساواه مع التراب ، مع أنه ليس بتلك المكانة من الظهور ، ومحتمل لما تقدم في كلام سلار.

ولا ريب في ضعفه بعد ما عرفت ، وبعد‌قول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٢) : « إن كان أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه ، فيتيمم من غباره أو من شي‌ء معه » وقول الصادق عليه‌السلام أيضا في صحيح رفاعة (٣) كذلك ، وإشعار غيرهما من الاخبار (٤) به أيضا ، واحتمال التمسك له بأن الغبار صعيد حقيقة وإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم.

١٤٣

استخرج من غير الأرض لأنه كان مجاورا له ، فإذا نفذ عاد إلى أصله وصار ترابا مطلقا يدفعه أن محل البحث في غير الجامع للشرائط منه من الاستيعاب ونحوه كما هو الغالب ، وإلا فلو فرض كونه في حال كذلك إما بنفضه أو غيره فلا إشكال في مساواته له حينئذ.

نعم قد يشكل الحال في تقديم القليل من التراب عليه مع عدم صلاحيته للاستيعاب ، ولعل الأقوى حينئذ تقديم أكثرهما وأشدهما مباشرة لليد مع احتمال تقديم التراب مطلقا ، سيما بعد ما في المنتهى والمدارك من عدم تسمية الغبار صعيدا ، قال في الأول : لأن الصعيد هو التراب الساكن الثابت ، وان كان ذلك ضعيفا بل ممنوعا عليهما ، كمناقشة الثاني في تقديمه على الوحل مع التمكن منه بعد تسليمه أن الأصحاب قاطعون بذلك ، وان ظاهرهم الإجماع ، ونسبته في المنتهى إلى علمائنا كظاهر غيره أيضا ، مع شهادة التتبع لهما ، إذ لم يحك عن أحد خلافا في ذلك إلا عن المهذب ، فاشترطه بفقد الوحل.

ولا ريب في ضعفه بعد‌قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (١) : « إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم به ، فان الله أولى بالغدر إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر أن تنفضه وتتيمم به » ‌وانجباره بما سمعت يدفع المناقشة في سنده لو سلمت ، و‌قول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٢) : « ان كان أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه ، فيتيمم به من غباره أو من شي‌ء معه ، وان كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه » ‌كقول الصادق عليه‌السلام في صحيح رفاعة (٣) : « إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم به ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٤.

١٤٤

فان ذلك توسيع من الله عز وجل ، قال : فان كان في ثلج فلينظر لبد سرجه ، فليتيمم من غباره أو شي‌ء مغبر ، وان كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه ».

والمناقشة فيهما باختصاصه في حال الثلج المانع من الوصول إلى الأرض لا وجه لها ، إذ الاستدلال بظاهر قوله عليه‌السلام : « وان » الى آخره حتى لو أريد الاستئناف منه ، كما يشهد له الاقتصار عليه خاصة في صحيحة زرارة الأخرى عن الباقر عليه‌السلام أيضا وهي دليل آخر كمضمر ابن المغيرة (١) « إن كانت الأرض مبتلة وليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده ، فتيمم من غباره أو شي‌ء مغبر ، وإن كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم » ‌وإطلاق غيرها منزل عليها.

نعم قد يعارض ذلك ‌قول أحدهما عليهما‌السلام في خبر زرارة (٢) بعد أن سأل « عن رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع؟ قال : يتيمم فإنه الصعيد ، قلت فإنه راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء ، قال : إن خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوات الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللبد أو البرذعة ويتيمم ويصلي » ‌سيما بعد تعليله فيه كغيره بأنه الصعيد.

لكنه ـ مع ضعفه واحتماله الطين الجاف كما لعل فيه إيماء إلى ذلك ، بل في المنتهى أنه مما تعرض فيه لنفي الماء دون التراب حتى في قوله : « وفيها الطين » ـ قاصر عن مقاومة ما تقدم من وجوه ، فتأمل جيدا. والتعليل بالصعيدية يراد به أنه كان صعيدا كما يشير اليه ما في‌آخر (٣) « انه صعيد طيب وماء طهور ».

ثم ان ظاهر ما تقدم من الاخبار كخبر رفاعة وزرارة وأبي بصير وغيرهما عدم الترتيب فيما فيه الغبار كظاهر المصنف والمشهور ، بل لم أجد فيه خلافا إلا من الشيخ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٦.

١٤٥

في النهاية ، فرتب بين عرف الدابة ولبد سرجها وبين الثوب ، مع عدم صراحته في ذلك ، بل هو محتمل ما في المنتهى من أن ذلك لكثرة وجود أجزاء التراب في دابته وقلته في الثوب ، وابن إدريس في السرائر فعكس وهما ضعيفان ، نعم ينبغي تحري الأكثر فالأكثر ومن غير الثلاثة ، وكأنها خصت لأنها مظنته ، بل ظاهر جماعة إيجابه ، وهو لا يخلو من قوة.

كما أن الظاهر منها أيضا وبه صرح جماعة كون الغبار غبار التراب ونحوه ، لا غبار الأشنان ونحوه ، ويؤيده الإجماعات السابقة على عدم جوازه بغير الأرض ، بل ولا الممتزج منها لذلك إلا أن يغلب الاسم ، ولعل المنساق من عبارة المصنف والقواعد وغيرهما بل حكي عن الأكثر وما سمعته من الاخبار السابقة وغيرها عدا خبر أبي بصير في كيفية التيمم بالغبار ضرب ما كان عليه منه باليدين ، ثم يمسح به من غير نفض ، لعدم تيسر انفصاله غالبا ، سيما في حال المسؤول عنها في الاخبار ، بل في‌خبر زرارة (١) عن أحدهما عليهما‌السلام التصريح به ، قال : « إن خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمم ، يضرب يده على البرذعة ويتيمم ويصلي ».

لكن في المقنعة والنهاية والمبسوط والمنتهى أنه ينفض فيتيمم بغبرته ، كالمحكي عن سلار « نفض ثوبه وسرجه ورحله ، فان خرج منه تراب تيمم به » مع احتمال إرادته ما لو أمكن استخراج تراب من مجموع ذلك ، وهو متجه مع إمكانه لانتفاء الضرورة حينئذ ، وإطلاق الاخبار منصرف إلى غلبة عدم تيسر مثل ذلك ، سيما في مثل المسؤول عنه فيها ، إلا أن ذلك ليس مما نحن فيه ، كما أنه قد يتجه ما في المقنعة وما بعدها إن أريد بالنفض فيها ما ذكره في الذكرى وجامع المقاصد والروض وغيرها من أنه ينفض ثوبه ويستخرج الغبار حتى يعلوه ، إلا أن يتلاشى فيقتصر على الضرب عليه ، قلت :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٥.

١٤٦

حتى يتفاقم ويكون الضرب على الغبار نفسه ، ولما يلوح من الاخبار كقوله (ع) : « فلينظر لبد سرجه أو شي‌ء مغبر » ‌ونحوهما من اعتبار محسوسية الغبار كما في حاشية المدارك ، أو أريد أنه بنفضه جميعه يجمع منه غبار لا يحصل بدونه ، إذ الضرب عليه انما يكون على مقدار اليدين خاصة.

ولعل الذي دعاهم إلى ذلك ما في خبر أبي بصير السابق ، وفي انطباقه على إطلاقهم النفض الذي قد يتخيل منه التيمم بالغبرة الكائنة منه وإن لم تستقر في مكان سيما بعد إشعار غيره من الاخبار بخلافه ، ومنافاته للتوسعة التي هي منشأ مشروعية هذا الحكم تأمل ونظر ، فقد يحمل على إرادة الاجتزاء بذلك لا وجوبه ، أو على ما سمعته في كلام سلار أو نحو ذلك ، وإلا فالأقوى عدم التضيق بشي‌ء من ذلك ، والاجتزاء بالضرب على ناحيته مما علته الغبرة إن كان ، وإلا فعلى ذي الغبار الكامن فيه إذا كان الضرب مما يهيج الغبار إلى الكفين ، كما قد يومي اليه‌قول الباقر عليه‌السلام (١) في صحيح زرارة في المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ : « تيمم من لبد سرجه أو عرف دابته فان فيها غبارا » ‌فتأمل جيدا.

وعلى كل حال ف مع فقد ذلك أي الغبار يتيمم بالطين ، ويسمى بالوحل إذا كان مما يجوز التيمم به إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا صريحا وظاهرا ونصوصا (٢) قد تقدم سابقا جملة منها ، لا مع عدم فقده ، فإنه يقدم عليه كما عرفت ، لكن من المعلوم أن ذلك حيث لا يمكن تجفيف الطين وإرجاعه للصعيد ولو بإطلائه وانتظاره ، وإلا وجب وكان مساويا للتراب ، للمقدمة ولعدم صدق الاضطرار ، وبه صرح العلامة ومن تأخر عنه ، بل في الرياض أنه ليس محل خلاف ، وفي المدارك قطعا ، وهي من مثله كالإجماع ، بل قد يشعر صحيح رفاعة السابق بمطلوبية ما أمكن من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم.

١٤٧

التجفيف وإن لم يصل إلى حد التراب.

واحتمال المناقشة ـ بعدم وجوب مثل هذه المقدمة التي هي أشبه شي‌ء بمقدمة الوجوب ، وبإطلاق الأدلة وترك الاستفصال فيها ، واشتمالها على التعليل بأنه الصعيد ، وبعد فرض ذلك كله في ضيق الوقت ونحوه بحيث لا يستطيع التجفيف ـ مدفوع بعدم الفرق فيما دل على وجوب مقدمة الواجب المطلق بين هذه المقدمة وغيرها ، وبانصراف الإطلاق لغير هذه الحال ، ومنه يعلم الوجه في ترك الاستفصال سيما بعد‌قوله (ع) : « إذا كان في حال لا يجد إلا الطين » ‌لكن ومع ذلك فالمسألة لا تخلو من إشكال ، فتأمل.

إنما البحث في كيفية التيمم بالوحل ، فظاهر المصنف وغيره بل صريح السرائر وغيرها أنه كالتيمم بالأرض ، وهو الذي يقتضيه ظاهر إطلاق الاخبار سيما في مقام البيان ، إلا أنه ينبغي إزالته عن اليد كنفض التراب ، لكن في المقنعة أنه « يضع يديه ثم يرفعهما فيمسح إحداهما بالأخرى حتى لا يبقى فيهما نداوة ثم يمسح بهما وجهه » والمبسوط وعن الخلاف والنهاية أنه « يضع يديه في الطين ثم يفركه ويتيمم به » والوسيلة « قد أطلق الشيوخ رحمهم‌الله ذلك ، والذي تحقق لي أنه يلزم أن يضرب يديه على الوحل قليلا ويتركه عليها حتى ييبس ثم ينفضه عن اليد ويتيمم به » واختاره في التحرير.

قلت : لكن ينبغي القطع ببطلان الأخير إن أريد الاجتزاء بالضرب الأول قبل التجفيف ثم المسح بعد النفض ، إذ لا دليل عليه ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، مع ما فيه من فوات الموالاة ، كما أنه ينبغي القطع بصحته ان أريد تجفيفه قبل ضرب التيمم ثم يتيمم به بعد يبسه مع سعة الوقت ، لكنه خارج عما نحن فيه ، لرجوعه للتيمم بالتراب كما تقدم سابقا ، وكذا ما في كتب الشيخ إلا أنه يحتمل قويا إرادة الإزالة من الفرك ، فيكون بمنزلة النفض في التيمم بالتراب ، فيوافق المختار حينئذ مع مراعاة الموالاة ، وقد يشعر به ما في المعتبر حيث قال بعد ذكره ما في المبسوط : انه الوجه ، لظاهر الأخبار ،

١٤٨

إذ قد عرفت ان ظاهرها ما قلنا ، كما أنه في التذكرة بعد ذكره كلام ابن حمزة أنه الوجه عندي ان لم يخف فوت الوقت ، وان خاف عمل بقول الشيخ ، إذ لو لم ينزل قول الشيخ على ما ذكرنا لكان فيه أيضا خوف من فوات الوقت ، بل يمكن تنزيل ما في المقنعة أيضا عليه ، بل لعله أقرب فيتحد الجميع ، وان أبيت فهم محجوجون بما عرفت.

والمراد بالوحل في المتن مطلق الطين كما علق الحكم عليه في كثير من الاخبار لا الطين الرقيق وإن فسره به في القاموس ، نعم لا يدخل في الطين عرفا مطلق الأرض الندية والتراب كذلك فيجوز التيمم به اختيارا كما نص عليه الفاضلان في المعتبر والتذكرة ، بل في الثاني « لا يشترط في التراب اليبوسية ، فلو كان نديا لا يعلق باليد منه غبار جاز التيمم به عند علمائنا » انتهى. فهو مع صدق الصعيد الحجة ، مضافا إلى صحيح رفاعة السابق ، لكنه قد يظهر منه تقييد الجواز بعدم التمكن من الجاف ، سيما تعليق ذلك فيه بأنه توسع من الله عز وجل ، إلا أنه يمكن حمله على ما لا ينافي المطلوب من إرادة الاشتراط بالنسبة الى بعض أفراد الاجف وان كان طينا أو غير ذلك ، فتأمل جيدا.

ثم ان ظاهر المصنف وغيره بل صرح به جماعة انحصار ما يتيمم به ولو اضطرارا بما ذكره من المراتب ، فمع عدم شي‌ء منها كان فاقد الطهورين حينئذ ، ويأتي الكلام فيه من غير فرق في ذلك بين أن يجد الثلج والماء الجامد الذي لا يستطيع الغسل به وعدمه ، وفاقا للأكثر وخلافا للمحكي عن مصباح السيد والإصباح والمراسم وظاهر الكاتب ، فأوجبوا التيمم بالثلج مع عدم التمكن حيث لا يوجد غيره ولا يمكن حصول مسمى الغسل به ولو كالدهن ، واختاره في القواعد والموجز الحاوي وعن البيان ، وكأنه للاحتياط ، وما دل (١) على عدم سقوط الصلاة بحال ، واستصحاب التكليف بها ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ و ٢ و ٦ و ٧ و ٨ و ١١ من أبواب وجوب الصلاة.

١٤٩

و‌حسن محمد بن مسلم أو صحيحه (١) « سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل أجنب في سفره ولم يجد الا الثلج أو ماءا جامدا ، فقال : هو بمنزلة الضرورة ، يتيمم ولا أرى أن يعود الى هذه الأرض التي توبق دينه ».

وفيه ـ مع عدم صلاحية شي‌ء من ذلك عدا الخبر لإثباته ، بل والخبر لعدم صراحته بل ولا ظهوره في التيمم به ، لاحتمال إرادة الانتقال الى التيمم بالتراب كما يومي اليه قوله عليه‌السلام « بمنزلة الضرورة » واستبعاد فقدان كل ما يتيمم به حتى الغبار والطين ، سيما مع ترك استفصاله عن ذلك ، وان كان ربما شهد للأول النهي عن العود ، وعد ذلك هلاك الدين ، إذ لا هلاك في التيمم بالتراب بعد كونه أحد الطهورين ، وأنه مما أمتن الله به على هذه الأمة ـ أنه مناف لما سمعته سابقا من الإجماع على عدم جواز التيمم بغير الأرض ، ولقد أجاد ابن إدريس في رد المرتضى بأن الإجماع منعقد على أن التيمم لا يكون إلا بالأرض وما يطلق عليه اسمها ، وما في المنتهى من أن المسلم منه في حال التمكن لا مطلقا في غير محله.

كل ذا مع ظهور الخطابات الشرعية كتابا وسنة في انحصار الطهارة بالمائية والتراب ، ووفائهما ببيان كيفية كل منهما بحيث لا يشارك إحداهما الأخرى ، ومن هنا احتمل بعضهم في الخبر السابق أن يراد بالتيمم فيه مسح أعضاء الطهارة بنداوة الثلج على كيفية المائية مجازا ، كما أنه احتمل آخر ذلك في كلام المرتضى ومن تبعه ، وهو مع بعده لعدم القرينة مبني على وجوب ذلك عند الاضطرار وان لم يحصل به مسمى الغسل ، وفيه منع وان أوجبه الشيخان وابنا حمزة وسعيد ، واختاره في المنتهى والتذكرة والمختلف والحدائق وعن نهاية الاحكام ، كما أنه استحسنه في كشف اللثام ، ولعله لما دل (٢)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الوضوء.

١٥٠

على الاكتفاء بمثل الدهن في الوضوء من الاخبار المذكورة في بابه ، وعلى أنه‌« يجزيك من الغسل والاستنجاء ما بلت يمينك » ‌كما في‌خبر هارون بن حمزة (١) عن الصادق عليه‌السلام ، وأنه « إذا مس جلدك الماء فحسبك » ‌كما في صحيح زرارة عن الباقر عليه‌السلام (٢) ، ولخبر معاوية بن شريح (٣) قال : « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده فقال : يصيبنا الدفق والثلج ، ونريد أن نتوضأ ولا نجد إلا ماءا جامدا فكيف أتوضأ؟ أدلك به جلدي؟ قال : نعم » ‌و‌خبر علي بن جعفر (٤) عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا أيهما أفضل أيتيمم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال : الثلج إذا بل رأسه وجسده أفضل ، فان لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم » ‌ونحوه خبره الآخر المروي (٥) عن قرب الاسناد ، ولصحيح ابن مسلم (٦) عن الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلا الثلج ، قال : يغتسل بالثلج أو ماء النهر » ‌ولأن الواجب عليه : أمران إمساس جسده بالماء وإجراؤه ، وتعذر الثاني لا يسقط الأول ، لعدم سقوط الميسور بالمعسور ، ولأن ما لا يدرك كله لا يترك كله. هذا مضافا الى ما سمعته في حجة المرتضى من عدم سقوط الصلاة بحال ونحوه.

لكن في الجميع نظر ، إذ هذه الاخبار ـ مع الطعن في سند خبري علي بن جعفر كخبر ابن شريح ، واشتمالهما على ما لا يقول به الخصم من تقديمه على التيمم مع تعليق التيمم فيهما على تعذر الاغتسال المتحقق وان تمكن من المسح بالنداوة ، وظهور‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ـ ٢ وفيه « الدمق » بدل « الدفق ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

١٥١

التخيير بين الثلج وماء النهر في صحيح ابن مسلم في التمكن من الاغتسال به ، سيما مع الأمر به فيه ، كظهور أخبار الدهن وما بعدها في الاجتزاء بذلك اختيارا ، ومعارضتها بما دل (١) على اعتبار الجريان فيما يغتسل به الجنب ـ قاصرة عن إثبات هذا الحكم من وجوه كثيرة ، بل لعل الظاهر منها إرادة بيان أقل أفراد الغسل ، وهو ما اشتمل على إجراء الماء باليد كالدهن ، كما يشعر به عدة أمور اشتملت عليها ، بل عن حاشية المجلسي نسبة تنزيلها على ذلك الى الأصحاب ، وسيما مع ندرة تحقق الإمساس من دون إمكان إجراء ماء ولو بمعين ، وقد تقدم لنا في باب الوضوء عند قول المصنف : « ويجزى مسمى الغسل » ما له نفع تام في المقام ، فلاحظ.

وأقصر منها التعليل وما بعده ، إذ هو مع أن قضيته التقديم على التيمم ولا يقول به الخصم لا دليل على وجوب الإمساس في نفسه ، بل لو كان مقدمة للغسل فبعد انتفائه انتفى ، وعدم سقوط الميسور بالمعسور ونحوه لا يجري في الاجزاء العقلية كالجنس والفصل ونحوهما ، كما هو واضح ، والاحتياط لا دليل على وجوبه حتى يعارض أصالة البراءة واستصحاب التكليف بالصلاة مع أنه قد يعارض بمثله لا يصلح لإثبات حكم لا دليل عليه ، كعموم ما دل على عدم سقوط الصلاة بحال ، مع أنه قد يكون طريقا لم يصل إلينا.

فالتحقيق الذي لا محيص عنه في المقام انه ان أمكن تحصيل مسمى الغسل بالثلج ونحوه ولو كالدهن وجب بل مقدم على التيمم ، لأنه أحد أفراد الطهارة الاختيارية ، والا فلا وفاقا للسرائر والمعتبر وجامع المقاصد وغيرها ، ومن العجيب ما عساه يظهر من المقنعة بل في كشف اللثام أنه نصها ، ومحتمل المبسوط والوسيلة كما عن النهاية من تقديم التيمم على الاغتسال بالثلج وإن حصل مسمى الغسل لظهور الأدلة ، بل لعل

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الجنابة ـ الحديث ١.

١٥٢

المقطوع به منها خلافه ، وما يقال : إن ذلك لعله للحرج والمشقة يدفعه أن المتجه حينئذ سقوطه مع عدم التمكن من التراب لا وجوبه كما صرحوا به.

وما أبعد بين هذا القول والقول بتقديم إمساس نداوة الثلج وإن لم يحصل مسمى الغسل به على التيمم بالتراب كما يظهر من الحدائق وحكاه عن كتابي الاخبار ، وفيه ـ مع ظهور صحيحتي رفاعة وزرارة المتقدمتين سابقا حيث أمر بالتيمم في الغبار حال الثلج من غير استفصال عن التمكن من ذلك وعدمه ـ ما عرفته سابقا في أصل اعتباره فضلا عن تقدمه على التيمم.

فتحصل من ذلك كله أن مراتب التيمم عندنا ثلاثة : أولها وجه الأرض ، وثانيها الغبار ، وثالثها الطين ، وبناء على اعتبار الثلج تكون أربعة ، بل خمسة بناء على تأخر الحجر عن التراب ، بل ستة بناء على الترتيب أيضا بين غبار الثوب والدابة أو بالعكس ، لكن قد ظهر لك ضعف الجميع وأنها ثلاثة خاصة.

كما أنه قد ظهر لك طريق الاحتياط إلا أنه قال في المفاتيح : « إن الأحوط اعتبار التراب الخالص مع التمكن ، أما مع فقده فيجوز بغبار الثوب ونحوه ، ثم بالجص والنورة ثم بالطين ، ثم بالحجر والخزف » وفيه ما لا يخفى ، بل لعله مخالف للإجماع بالنسبة إلى تأخر الحجر عن الطين ، بل وكذا في تقديم الغبار على غيره من الحجر ونحوه مما ثبت أنه أرض ، كما أنه يظهر لك بالتأمل فيما قدمنا ما في كشف الغطاء للأستاذ الأكبر قدس الله روحه ، حيث جعل المراتب سبعة أو ستة موجبا لمراعاتها ، الأول التراب ، والثاني الأرض غيره من الحجر والمدر والحصى والرمل والجص والنورة ، والثالث غبار التراب ، والرابع غبار الأرض مما لا يعد ترابا كالجص والنورة وسحيق المشوي ونحوها ، ثم قال : بل هو مرتبة ثانية من الغبار في وجه قوي ، انتهى. وحينئذ تكون خمسة بناء عليه ، والسادس الوحل ، والسابع ما تركب من قسمين من الأقسام السابقة‌

١٥٣

أو أكثر ، ثم أخذ في ذكر صور الأخير والترجيح بينها ، وهو كما ترى يتطرق اليه النظر من وجوه تعرف مما تقدم فتأمل ، والله أعلم.

( الطرف الثالث في كيفية التيمم‌ )

لكن لا بأس بذكر محله قبل ذلك ، ف نقول لا يصح التيمم قبل دخول الوقت إجماعا محصلا ومنقولا في ظاهر المعتبر أو صريحه وصريح التذكرة والمنتهى والقواعد والتحرير والذكرى والتنقيح وجامع المقاصد والروض والمدارك والمفاتيح وغيرها بل لعله متواتر ، وهو الحجة في الخروج عن عموم المنزلة المقتضي لصحته قبل الوقت كالوضوء ، وإلا فأكثر ما استدل به عليه غيره محل نظر ، مع احتمال المناقشة في صحة المائية للفرض قبل الوقت أيضا ، فلا حاجة حينئذ لتخصيص عموم المنزلة ، إذ لا يكون ذلك من خواص التيمم ، لكن ظاهر المعتبر والمنتهى أو صريحهما أن ذلك من خواصه ، وبه افترق عن المائية للدليل عليها دونه.

وفيه أنه من المعلوم كون المراد بعدم جوازه أي التيمم قبل الوقت انما هو إذا أريد به لذات الوقت كما صرح به في جامع المقاصد وغيره ، والا فلا إشكال في جوازه للغايات الأخر كصلاة نافلة ونحوها ، وليس من المائية ما يجوز فعلها قبلالوقت لذات الوقت ، نعم يجوز فعلها قبله باعتبار استحباب الكون على طهارة في نفسه ، ولا دليل على منع قيام التيمم مقامها في ذلك ، بل عموم المنزلة يقتضيه كما صرح به في جامع المقاصد الا أنه قال على تأمل.

لا يقال : انه صرح جماعة باستحباب الوضوء للتأهب للفرض ، وليس هو إلا الوضوء للفرض قبل الوقت ، لأنا نقول ـ مع أنه أنكره في كشف اللثام ، وقال :إنه لا معنى له الا الكون على طهارة ، فيرجع الى السابق حينئذ ـ : إن التأهب للفرض غاية غير الفعل للفرض ، فلا بأس في قيام التيمم مقامها في ذلك حينئذ لعموم المنزلة ،

١٥٤

لكن الإنصاف أنه لا يخلو من نظر وتأمل بل منع ، لظهور تناول معاقد الإجماعات له ، بل كاد يكون صريح بعضهم.

فيكون الحاصل حينئذ أن المراد بعدم جوازه قبل الوقت عدم مشروعيته للتأهب كالمائية أو هو مع الكون على الطهارة في وجه ، وإن كان الأقوى العدم فيه بخصوصه ، لعموم المنزلة من غير معارض حتى الإجماعات ، فحينئذ لو تيمم قبل الوقت لذات الوقت لم يكن مشروعا بالنسبة الى ذلك ، لكن قد يقال بعدم فساد التيمم في نفسه بعد فرض استحبابه للكون على طهارة ، إذ هو حينئذ كالوضوء لغاية لم يشرع لها ، لأن ملاحظة الغاية أمر خارج عنه ، اللهم إلا أن يقال بعدم حصول التقرب فيه ، لأنه قصد ما لا يشرع له ، وترك ما شرع له ، فتأمل جيدا فاني لم أعثر على تنقيح في كلام الأصحاب لذلك كله ، كما أنه لم أعثر على تنقيح في كلامهم لتناول معقد الإجماع على عدم الصحة قبل الوقت ما لو علم عدم التمكن من التيمم أصلا أو الاختياري منه بعد الوقت أو ظنه ، وان كان قضية الإطلاق ذلك.

لكن استظهر العدم شيخنا الأكبر في شرح المفاتيح وحاشية المدارك ، فأوجب التيمم قبل الوقت في مثل هذا الحال للمقدمة ، ولا مانع من وجوبها قبل الوقت هنا ، إذ هي كمقدمات الحج ونحوها حينئذ ، وعموم المنزلة وشدة الاهتمام بأمر الصلاة وعد العبد عاصيا بمثله عرفا لظهور بقائه إلى وقت الواجب ، هذا كله مع عدم معارض سوى إطلاق الإجماع ، وشموله لمثله من الافراد النادرة محل منع ، على أنه إجماع منقول ، ولا يقوى على ما ذكرنا ، سيما بعد إمكان المناقشة فيه بما نقل من القول بوجوب الطهارات لنفسها ، وسوى مفهوم الآية (١) و‌قوله عليه‌السلام (٢) : « إذا دخل

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ١.

١٥٥

الوقت وجب الطهور والصلاة » ‌وفيه ما مر أيضا.

وفي الكل نظر إلا ظهور الاهتمام بأمر الصلاة من الأدلة ، إلا أنه في إيجابه ذلك مع الظن أو عدم التمكن من خصوص الاختياري وإن تمكن من الغبار أو الوحل نظر أو تأمل ، مع أنه قد يقال بعد التسليم لم لا يكون الواجب عليه حينئذ التيمم لغاية يشرع لها من نافلة أو الكون على طهارة بناء عليه أو نحو ذلك وإن كانت مستحبة بالأصل ويحفظ للفريضة ، فلا ينافي حينئذ معاقد الإجماعات من عدم مشروعيته لذات الوقت قبل الوقت ، وقد مر سابقا في إراقة الماء قبل الوقت لمن علم عدم التمكن منه بعده ما له نفع تام في المقام ، فلاحظ وتأمل جيدا.

هذا كله فيما قبل الوقت‌وأما بعده ف يصح مع تضييقه إجماعا محصلا ومنقولا أيضا في التحرير والتنقيح وجامع المقاصد والروض والمدارك وكشف اللثام وغيرها وعن نهاية الاحكام وحواشي الشهيد ، مع ما في الأخير أنه ترك نقل الإجماع فيه لشدة ظهوره ، قلت : وهو كذلك لكن ينبغي التأمل في المراد من الضيق فهل هو عدم زيادة الوقت على مقدار الواجب من التيمم والصلاة بل وأقله ، أو عليه مع فعل بعض المندوبات المتعارفة كالقنوت وجلسة الاستراحة أو نحوهما ، أو على ما عزم عليه من فعلهما من نهاية الطول والقصر والوسط؟ لا يبعد جعل المدار على الصلاة المتعارفة على حسب اختلافها باختلاف الأشخاص بطء وسرعة ، إذ هي التي ينصرف إليها الإطلاق كما في غير المقام من التحديدات.

وهل المعتبر في معرفة الضيق العلم أو هو مع الظن أو خوف الفوات وإن لم يصل الى درجة الظن؟ لا يبعد الأخير وان علق في كثير من كلماتهم على الظن ، لصحيح زرارة أو حسنه (١) « فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم » ‌مع ما في التكليف في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

١٥٦

الأولين من التغرير بفوات الواجب ، بل قد يتعذر أو يتعسر حصولهما لكثير من الأشخاص في كثير من الأوقات ، ومن الأمر به في الصحيح المذكور بضميمة اقتضائه الاجزاء يستفاد عدم وجوب الإعادة عليه لو انكشف بعد ذلك فساد ظنه حتى لو وجد الماء وكان في سعة كما صرح به بعضهم ، بل لا أجد فيه خلافا الا ما يحكى عن الشيخ في كتابي الأخبار ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة (١) حد الاستفاضة الدالة على عدم الإعادة لمن وجد الماء بعد صلاته وكان في وقت مع اشتمالها على التعليل بأنه فعل أحد الطهورين ، وباتحاد ربهما ، لتناولها بإطلاقها من فعل الصلاة بظن التضيق ثم انكشف الخطاء ، بل قد يتعين فيها ذلك بناء على اعتبار التضيق في التيمم.

فما عن كتابي الأخبار للشيخ من الحكم بالإعادة ضعيف ، ولعله لقول الصادق عليه‌السلام في خبر منصور بن حازم (٢) في رجل تيمم فصلى ثم أصاب الماء : « أما أنا فكنت فاعلا إني كنت أتوضأ وأعيد » ‌وهو ـ مع قصوره عن معارضة ما تقدم من وجوه ، بل احتماله غير ما نحن فيه ـ واضح الدلالة على الاستحباب ، بل لعله يكون قرينة حينئذ على إرادة ذلك من‌قول أبي الحسن عليه‌السلام في خبر يعقوب بن يقطين (٣) بعد أن سأله « عن رجل تيمم فصلى فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال : إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد ، فان مضى الوقت فلا إعادة عليه » ‌مع أن قضية المفهوم فيه عدم الإعادة إن لم يجد الماء في الوقت كما هو بعض الدعوى ، فتأمل جيدا.

وثمرة جميع ما سمعت تظهر على القول باعتبار الضيق في التيمم كما تسمعه ، واليه أشار المصنف بقوله وهل يصح التيمم مع سعته أي الوقت فيه تردد منشأه اختلاف النصوص والفتاوى ، فالأكثر كما في المنتهى والبحار وكشف اللثام وغيرها ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٨.

١٥٧

والمشهور كما في المختلف والمسالك وغيرهما على المنع مطلقا ، بل في السرائر أنه مذهب جميع أصحابنا إلا من شذ ممن لا يعتد بقوله ، لأنه عرف باسمه ونسبه ، بل في الانتصار والغنية وعن الناصريات وشرح جمل السيد للقاضي وأحكام الراوندي الإجماع عليه ، بل ربما حكي ذلك عن الشيخ أيضا إلا أنه لم يثبت.

وهو الحجة سيما بعد اعتضاده بالشهرة والاحتياط اللازم المراعاة هنا في وجه ، وبأنه طهارة اضطرارية ، ولا اضطرار قبل ضيق الوقت ، وبأنه مكلف بصلاة ذات طهارة مائية في ضمن هذا الوقت ، ولذا ينتظر الماء لو علم حصوله ولو في آخر الوقت ، فلا يسقط إلا بالعجز ، ولا يعلم الا عند الضيق ، مضافا الى‌صحيح ابن مسلم (١) قال : « سمعته يقول : إذا لم تجد ماء وأردت التيمم فأخر التيمم إلى آخر الوقت ، فان فاتك الماء لم تفتك الأرض ».

و‌حسن زرارة أو صحيحه عن أحدهما عليهما‌السلام (٢) « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوت الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت » ‌وفي رواية أخرى (٣) « فليمسك » بدل « فليطلب » ولذا في المنتهى جعلها رواية ثانية.

و‌خبره الآخر عن أحدهما عليهما‌السلام (٤) قال : « إن خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمم يضرب يده على اللبد أو البرذعة » ‌الحديث.

و‌موثق ابن بكير عن الصادق عليه‌السلام (٥) : « إذا تيمم الرجل فليكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣.

١٥٨

ذلك في آخر الوقت ، فان فاته الماء فلن يفوته الأرض » ‌كموثقه الآخر (١) المروي عن قرب الاسناد عن الصادق عليه‌السلام أيضا « في رجل أجنب فلم يجد الماء يتيمم ويصلي ، قال : لا حتى آخر الوقت انه إن فاته الماء لم تفته الأرض ».

و‌خبر محمد بن حمران عن الصادق عليه‌السلام (٢) قال : « قلت له : رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل الصلاة قال : يمضي في الصلاة ، واعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت ».

ونحوه المروي في‌البحار عن دعائم الإسلام (٣) عن الصادق عن آبائه عن علي عليهم‌السلام « لا ينبغي أن يتيمم من لم يجد الماء الا في آخر الوقت ».

وأوضح منهما ما في‌فقه الرضا عليه‌السلام (٤) « ليس للمتيمم أن يتيمم حتى يأتي إلى آخر الوقت أو إلى أن يتخوف خروج وقت الصلاة » ‌هذا. مضافا إلى ما تقدم آنفا مما دل على الإعادة لو وجد الماء في الوقت ، وموافقة ما دل على السعة (٥) للمحكي عن إطباق العامة ، والقصور سندا أو دلالة لو كان في البعض منجبر بما عرفت.

وقيل بالجواز مطلقا وهو خيرة المنتهى والتحرير والبيان ومجمع البرهان والمفاتيح والكفاية ومنظومة الطباطبائي ومحتمل الإرشاد والمحكي عن الصدوق وظاهر الجعفي والبزنطي ، وفي المدارك والرياض أنه لا يخلو من قوة ، وعن حاشية الإرشاد أنه قوي متين ، كما عن كشف الرموز أن النظر يؤيده ، وعن المهذب البارع أنه قول مشهور‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام ص ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم.

١٥٩

كالأول ، للأصل في وجه قوي في خصوص ما نحن فيه من الشك في الشرطية ، وإطلاق ما دل على وجوب الصلاة بدخول الوقت كتابا (١) وسنة (٢) أو على استحباب فعلها في أول الوقت والحث على المحافظة عليه المقتضي لتمكن المكلف من الامتثال ، وليس إلا بالتيمم وعموم المنزلة وأنه أحد الطهورين ، وقوله تعالى (٣) ( فَلَمْ تَجِدُوا ) بعد عطفه على جواب الشرط السابق‌كالنبوي المروي عن الخصال (٤) « فضلت بأربع ، جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأيما رجل من أمتي أراد الصلاة فلم يجد ماء ووجد الأرض فقد جعلت له مسجدا وطهورا » ‌الحديث. كالآخر‌المروي (٥) على لسان غير واحد من الأصحاب « أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت » ‌وما يشعر به أيضا الأمر في الموثق (٦) وخبر السكوني (٧) بالتيمم عند خوف الزحام في يوم الجمعة أو عرفة كما سيأتي التعرض له.

و‌خبر داود الرقي عن الصادق عليه‌السلام (٨) « أكون في السفر وتحضر الصلاة وليس معي ماء ، ويقال : إن الماء قريب منا ، أفأطلب الماء وأنا في وقت يمينا وشمالا؟قال : لا تطلب الماء ولكن تيمم ، فإني أخاف » ‌الحديث. بل قد يشعر به ما دل (٩)

__________________

(١) سورة الإسراء ـ الآية ٨٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ١.

(٣) سورة المائدة ـ الآية ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

١٦٠