جواهر الكلام - ج ٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ببعضها » ‌الحديث. لظهور أن المراد بالتيمم فيه المتيمم به ، وكذا غيره مما يفيد المسح ببعض الأرض ،كالصحيح (١) : « إذا لم يجد الرجل طهورا فليمسح من الأرض » ‌ونحوه مما يفيد العلوق باليد من أخبار النفض (٢) ونحوها مما لا يتحقق في التيمم بالحجر ، والاخبار المشتملة (٣) على لفظ التراب ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) : « جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا » ‌سيما بعد وروده في بيان اليسر والتوسعة والامتنان المناسب لتعميمه لغير التراب لو صح التطهر به ، وبعد العدول من لفظ الأرض اليه ، و‌قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة جميل (٥) : « ان الله عز وجل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » ورفاعة (٦) و‌عبد الله بن المغيرة (٧) : « إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر إلى أجف موضع تجده فتيمم » ‌إلى آخره. إلى غير ذلك مما اشتمل على لفظ التراب.

مضافا إلى ضعف ما يعارض ذلك كله مما اشتمل على لفظ الأرض لانصرافه للفرد الشائع منها ، على أنه لم يسق في جملة منها لبيان ما يتيمم به ، وإلى توقيفية العبادة ، وعدم حصول اليقين بالبراءة إلا بالتراب مع التمكن منه ، إلى غير ذلك.

ويجتزى به أي بالتيمم بالحجر مطلقا بناء على تفسير الصعيد بوجه الأرض كما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣ و ٦ و ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١٣ والباب ـ ٢٣ ـ الحديث ١ والمستدرك الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١٠.

١٢١

عن العين والمحيط والأساس والمفردات للراغب والسامي والخلاص والمغرب والمصباح المنير ، وعن تغلب وابن الأعرابي والخليل بل عن المغرب وتهذيب اللغة والمقاييس ومجمع البيان عن الزجاج أنه لا يعلم فيه اختلافا بين أهل اللغة ، وحكاه في المعتبر عن فضلاء أهل اللغة ، قال : ذكر ذلك الخليل وتغلب عن ابن الأعرابي ، وفي المنتهى وعن نهاية الاحكام عن أهل اللغة ، وفي البحار : « أن الصعيد يتناول الحجر كما صرح به أئمة اللغة والتفسير » انتهى. وفي الوسيلة « بل قد فسر كثير من علماء اللغة الصعيد بوجه الأرض ، وادعى بعضهم الإجماع على ذلك ، وانه لا يختص بالتراب ، وكذا جماعة من المفسرين والفقهاء » انتهى. وبه فسره أكثر أصحابنا في الكتب الفقهية نصا وظاهرا ، وحكي عن أبي حنيفة وأصحابه.

ويؤيده ـ مضافا إلى ما سمعته سابقا من جواز التيمم بالحجر ونحوه اختيارا عند الأصحاب الذي بملاحظته يعرف ما في نسبة الأستاذ سابقا في حاشية المدارك إليهم عدم جواز التيمم به إلا عند الاضطرار ، لظهور ندرة القائل به بالنسبة إلى الأول ، مع عدم صراحة كلامه أيضا في ذلك ـ قوله تعالى (١) ( فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً ) أي أرضا ملساء يزلق بها لاستئصال شجرها ونباتها على ما فسرها بذلك غير واحد ، مع ظهور ذلك منها أيضا ، كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة على صعيد واحد » ‌أي أرض واحدة إذا أراده التراب منها كما ترى ،

__________________

(١) سورة الكهف ـ الآية ٣٨.

(٢) في معالم الزلفى ص ٤٥ باب ـ ٢٢ ـ في صفة المحشر عن‌الباقر (ع) قال : « إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد من الأولين والآخرين عراة حفاة. » ‌و‌في كنز العمال ج ٧ ص ٢٠٨ عن النبي (ص) : « يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة عزلا » ‌الى آخره ولم نجد في أحاديث أهل السنة كلمة « صعيد واحد ».

١٢٢

والمروي عن‌معاني الاخبار عن الصادق عليه‌السلام (١) « الصعيد الموضع المرتفع عن الأرض ، والطيب الموضع الذي ينحدر عنه الماء » ‌كالمحكي عن فقه الرضا عليه‌السلام (٢) أيضا وفسره به في الهداية ، إذ المراد إما مطلق الارتفاع المتحقق بالحجر ونحوه من الأشياء التي على الأرض ، أو خصوص المرتفع ارتفاعا يعتد به كرؤوس الاكم والجبال ، وعلى كل حال فيصدق بدون التراب ، مع أن الثاني مما يقطع بعدم اعتباره في الصعيد ، مضافا إلى إمكان الاستغناء عنه حينئذ بوصف الطيب المتقدم ، فيتعين الأول ، فيراد مطلق المرتفع ، وبالطيب الارتفاع الذي يتحقق معه الانحدار ، وقد يومي اليه حينئذ ما في المقنعة من أنه انما سمي التراب صعيدا لأنه يصعد من الأرض ، فلعل الظاهر من ذلك ومن الخبرين ملاحظة المعنى الوصفي في الصعيد.

ومنه ينقدح تأييد آخر للمشهور كما أنه قد يؤيد أيضا بما في المنتهى من جواز التيمم بالأرض وإن لم يكن عليها تراب ناسبا له إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، بل لم ينقل فيه خلافا إلا عن بعض الجمهور مستدلا عليه بآية الصعيد ، وهو شاهد على عدم اختصاصه بالتراب ، فيتم حينئذ بعدم القول بالفصل ، وبما فيه أيضا من التيمم بالرمل على كراهية عند الأصحاب ، بل في المعتبر وعن التذكرة دعوى الإجماع صريحا على ذلك ، لعدم اندراجه في اسم التراب عرفا كما صرح به الأستاذ الأكبر في كشف الغطاء ، ويشعر به عطف التراب عليه في قول الشاعر : « عدد الرمل والحصى والتراب » ونحوه الكلام في أرض السبخ ، وبما عن التذكرة وغيرها من ظهور الاتفاق على جواز التيمم بالأرض الندية.

وبما يظهر من تعليل الأصحاب المنع في المعدن والنبات والرماد وغيرها بعدم‌

__________________

(١) تفسير الصافي ـ سورة النساء ـ الآية ٤٦.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

١٢٣

صدق اسم الأرض من الإجماع على دوران الحكم مدارها ، وكذا ما يأتي من الأدلة على جواز التيمم بأرض النورة والجص قبل الإحراق من الاخبار (١) وغيرها ، لعدم كونهما من التراب أيضا ، بل في كشف اللثام : « ان أرض النورة ليست غير الحجر على ما نعرف » انتهى. مع أنه لم ينقل فيهما خلاف إلا من الشيخ في النهاية ، فاشترط فقد التراب ، بل ذهب جماعة إلى جوازه فيهما بعد الإحراق تمسكا بخبر السكوني (٢) وبقاء اسم الأرضية ، وعن آخرين المنع لكن عللوه بالخروج عن الأرضية به ، وهو مشعر بدوران الحكم مدارها لا التراب ، وإلا فهما ليسا بتراب قطعا ، وبما عن‌الراوندي (٣) بسنده عن علي عليه‌السلام قال : « يجوز التيمم بالجص والنورة ، ولا يجوز بالرماد ، لأنه لم يخرج عن الأرض ، فقيل له : التيمم بالصفا العالية على وجه الأرض ، قال : نعم » ‌إذ هو مع اشتماله على الجص والنورة والصفا مما لا يسمى ترابا مشتمل على التعليل الذي كاد يكون صريحا في المدعى ، كخبر السكوني (٤) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام لكنه لم يذكر فيه الصفا.

واحتمال المناقشة في ذلك ونحوه ـ بأنه لا دلالة في جواز التيمم بالحجر ونحوه على كون الصعيد لما هو أعم من التراب ، إذ لعله للدليل الخاص ـ مدفوع بملاحظة كلمات الأصحاب في الكتب الاستدلالية ، لظهورها في كون المدار ذلك ، على أن ثمرة البحث في خصوص المقام انما هو جواز التيمم بالحجر ونحوه اختيارا ، فإذا ثبت لا يهمنا عدم شمول لفظ الصعيد له ، وبما في‌الموثق (٥) « عن رجل تمر به جنازة وهو على غير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢ وفيه « الصفا النابتة » وفي هامشه « الصفا الثابتة ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ الحديث ٥.

١٢٤

طهر ، قال : يضرب يديه على حائط لبن فيتيمم » ‌لعدم صدق التراب على اللبن ، وهو المسمى بالمدر ، بل في كشف اللثام أنه لا نعرف فيه خلافا وإن لم يذكره الأكثر ، وعن مجمع البرهان أنه ينبغي أن يكون لا نزاع فيه ، وظاهر الوسيلة أو صريحها مساواته للتراب ، مع أنه اعتبر في التيمم بالحجر فقد التراب ، فلعل ذلك منه قرينة على عدم اختصاص الصعيد عنده بالتراب.

كما أنه قد يظهر ذلك أيضا من المقنعة والسرائر وغيرهما وإن قيدوا الحجر بما عرفت ، بل نص في الأول على أن الصعيد هو التراب ، لكن ملاحظة كلماتهم يقضي بجوازه في نحو الأرض التي لم يكن عليها تراب واللبن وغيرهما اختيارا ، ويشهد له ما سمعته من المنتهى سابقا في الأرض التي ليست عليها تراب من ظهور عدم الخلاف بين الأصحاب فيه ، ولا ينافيه تقييد الحجر بما عرفت ، إذ لعله لدليل لم نعثر عليه ، بل في كشف اللثام احتمال إرادتهم الاحتياط في الاجتناب عنه ، لوقوع الخلاف في معنى الصعيد عند أهل اللغة ، فينحصر الخلاف حينئذ في مثل السيد وابن زهرة ونادر ، كاحتمال إرادة المخالف أيضا خصوص المطبوخ من الحجر ، لتخيل خروجه عنها بذلك كالخزف ، مع أن المحكي عن السيد في المصباح موافقة المشهور أيضا ، وباستصحاب جواز التيمم به قبل تماسك أجزائه ، وخروجه عن صدق التراب بذلك انما يقدح لو ثبت شرطية التيمم به إما مطلقا أو في حال الاختيار.

ولعل هذا هو الذي أومأ إليه العلامة في جملة من كتبه في الاستدلال عليه بأنه تراب اكتسب رطوبة لزجة وعملت حرارة الشمس فيه حتى تحجر ، فحقيقة التراب فيه باقية ، وانما حدثت زيادة وصف.

فلا وجه للمناقشة فيه بعدم صدق التراب عليه أولا ، وعدم تبادره من إطلاقه ثانيا ، سيما بعد ملاحظة ما دل على العلوق ، وبجريانه في مثل المعادن مما خرج عن اسم‌

١٢٥

الأرض ثالثا ، فتأمل جيدا.

وقد يؤيد المشهور أيضا بما دل على أن الطين صعيد ، لكونه ليس بتراب قطعا ، وحمله على إرادة تركبه من الصعيد ونحو ذلك خلاف الظاهر ، وبإطلاق لفظ الأرض موردا للتيمم في الاخبار الكثيرة (١) في باب التيمم الشامل للتراب منها وغيره ، سيما بعد غلبة الرمل والحصى والحجر والسبخ في أرض المدينة ونحوها ، حتى النبوي المتقدم في مؤيدات الخصم ، فإنه وإن اشتهر في كتب الفروع بلفظ التراب ، لكنه في كتب الاخبار خال عن ذلك ، بل نقل في الوسائل أربع روايات من كتب متفرقة أنه « جعلت له الأرض مسجدا وطهورا » ‌عدا ما في‌البحار نقلا عن العلل والخصال بسند متصل إلى جابر (٢) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال الله عز وجل : جعلت لك ولأمتك الأرض مسجدا ، وترابها طهورا » ‌وهو مع مخالفته لخبر الخصم متنا محتمل التصرف من الراوي بظن اتحادهما كما هو الغالب ، على أنه رده في المعتبر بأنه تمسك بدلالة الخطاب ، وهي لا تعارض النص إجماعا.

قلت : بل هو مفهوم لقب وخارج مخرج الغالب ، اللهم إلا أن يوجه بأن المراد خروج الكلام عن البلاغة التي هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال لو كانت الطهورية وصفا للأرض مع عدوله عنها بعد ذكره لها في المسجدية إلى التراب ، بل هو ضد مقتضى الحال ، سيما مع أنه في مقام بيان الامتنان وزيادة اللطف به وبأمته من الكريم المنان ، لكن ذلك ـ مع أنه مشترك الإلزام ، لما سمعت من الإجماع على التيمم بالحجر عند فقد التراب وتأخره عن التراب مرتبة لا يسوغ ترك ذكر الامتنان به في مقام بيانه ، إذ المراد طهورية الأرض وإن ترتبت ، وإلا فطهورية التراب متأخرة عن الماء أيضا ـ

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التيمم.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٣.

١٢٦

قد يقال : إن المراد منه الأرض بقرينة غيره من الاخبار ، وهو أرجح من احتمال العكس من وجوه لا تخفى.

فظهر حينئذ ضعف تأييد مذهب الخصم به ، بل وكذا أخبار التراب مع عدم سوق بعضها لبيان ذلك ، ومع عدم الأمر بالتيمم به حتى ينافي ما دل على الأرض ، ومع دعوى شيوع فرد التراب منها ، وكذا أخبار الطين ، بل بعضها ظاهر في التأييد للمختار كما عرفت ، على أن إطلاق لفظ الصعيد على التراب لا ينافي أنه الأرض بعد شيوع استعمال الكلي في الفرد ، ودعوى ظهور الخصوصية منه ممنوعة ، بل يمكن الجمع بين كلام أهل اللغة وإن بعد بهذا الاعتبار أو قريب منه ، فيحمل التراب في كلامهم على إرادة التنصيص على أكمل الافراد وأشيعها ، بل لعل ذلك جار في كل ما كان من هذا القبيل في كلام أهل اللغة ، وهو أولى من العكس قطعا ، أو يقال : إن تعارض كلام أهل اللغة في ذلك مبنى عن استعمال الصعيد في التراب وغيره ، كما أنه كذلك في نفس الأمر ، وأصالة عدم الاشتراك والمجاز تقضي بكونه حقيقة في القدر المشترك سيما بعد استعماله فيه نفسه ، مع أنه لو أغضينا عن ذلك كله لكان المتجه الأخذ بجميع كلماتهم ، فينبغي الحكم حينئذ باشتراك لفظ الصعيد بين الخاص والعام ، كما عساه يومي اليه ما عن المصباح المنير ، قال بعد تفسيره الصعيد بوجه الأرض ترابا أو غيره : « ويقال الصعيد في كلام العرب على وجوه ، على التراب الذي على وجه الأرض وعلى الطريق » انتهى. بل وكذا ما في القاموس « الصعيد التراب أو وجه الأرض » إن حمل لفظ « أو » فيه على معنى الواو.

وعلى كل حال يكون ما ذكرناه سابقا من الامارات معينا لإرادة العام منها ، مع احتمال ترجيح التفسير بالعام عليه بأنه يؤل الى تعارض الإثبات والنفي تنزيلا لتعدد أفراد المعنى مع استعماله في كل منها على وجه الحقيقة منزلة تعدد المعاني ، والأول مقدم‌

١٢٧

على الثاني ، كما أنه يرجح أيضا بالكثرة.

وأما ما ذكره الخصم من التأييد بما دل على العلوق آية ورواية ففيه ـ مع عدم استلزام ذلك للتراب ، بل يكفي الغبار والرمل ونحوهما على الحجر وسحيق الحجر بل التراب اليسير ، وابتنائه على اشتراط العلوق ، وستعرف ما فيه إن شاء الله ، وعلى كون « من » في الآية للتبعيض ، مع احتمالها السببية والبدلية والابتدائية ، وعلى أن المراد بالتيمم في الرواية المفسرة له المتيمم به ، وفيه بحث سيما بعد القطع بعدم وجوب مسح الوجه واليدين بما يعلق من التراب ، بل ولا استحبابه للإجماع المحكي إن لم يكن محصلا على استحباب نفض اليدين ، ومنه النفض الذي لم يبق معه شي‌ء من التراب ـ أنه لا مانع من رجوع الضمير لبعض أفراد الصعيد الذي هو التراب ، سيما بعد غلبته وشيوعه ، فيكون المراد فيما فيه علوق من الصعيد ، وذلك لا يقضي بأن المراد بالصعيد التراب سيما على القول بعدم تخصيص ضمير العام العام ، على أنه لو سلم كون المراد بالصعيد في الآية التراب لا ينافي ثبوت ما ذكرناه من أدلة خارجية كما عرفت.

فاتضح لك حينئذ بحمد الله من جميع ما ذكرنا أن الأقوى الاجتزاء بوجه الأرض ترابا أو غيره اختيارا ، كما أنه اتضح لك أنه لا وجه للتفصيل المذكور بين الاختيار والاضطرار ، وما يقال : إن دليله الإجماع حال الاضطرار وإن لم يكن داخلا تحت الصعيد ففيه ـ مع عدم صلاحية ذلك دليلا للمفصل نفسه ـ أنه لا إجماع عند التحقيق ، إذ الخصم انما جوزه لشمول لفظ الصعيد له وقد ظهر له بطلانه ، واختصاصه بالتراب ، فلم يتحقق إجماع على الحجر من حيث أنه حجر في حال الاضطرار ، فتأمل فإنه دقيق ، على أن المحكي عن ابن الجنيد بل هو المتجه بناء على اختصاص الصعيد بالتراب سقوط الصلاة لفواته ، ولعله ظاهر الغنية وغيرها ، وكذا ما يقال : إنه لا ريب في حصول الظن‌

١٢٨

بالتيمم بمطلق الأرض في الجملة بعد ملاحظة ما دل على التيمم بها ، لكنه لا شمول فيها لجميع الأحوال بحيث يقاوم ما دل على التراب حتى يتساوى معه في ذلك ، فيتوقف يقين البراءة على تقديم التراب عند وجوده ، كما أنه لا شمول فيما دل على التراب لمثل حال العجز عنه حتى تسقط الصلاة حينئذ بحيث يقاوم ما دل على الأرض بالنسبة إلى هذا الحال ، مع توقف يقين البراءة عليه أيضا.

وبالجملة فالمتجه العمل بكل منهما لكن بالترتيب تمسكا بالظن الحاصل للمجتهد في كل منهما ، إذ مع أن ذلك لا يرجع إلى محصل يعتمد عليه عند التأمل قد عرفت قوة الأمارات الدالة على المختار ، فلا شك حتى يتوقف يقين البراءة لو سلم جريان نحوه في مثل المقام مما يحصل الشك فيه بالنسبة إلى شرط العبادة ، بل ينبغي القطع بعدم جريانه في مثل الحجر في حال الاضطرار كما ذكره الخصم ، لأن مرجعه حينئذ إلى الشك في نفس الشغل وعدمه لا إلى البراءة منه حتى يجب التيمم بالحجر.

واحتمال تتميم ذلك باستصحاب الشغل وعدم سقوط الصلاة بحال ونحوها مدفوع ـ مع عدم جريان الأول في بعض الصور كما لو فقد التراب قبل الوقت مثلا ، بل هو بالعكس ـ بعدم صلاحية ذلك ونحوه لإثبات حكم شرعي ، وهو التيمم بالحجر كما هو واضح ، فتأمل. لكن مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي أن يترك ، وإلا فلا إشكال في صحة التيمم بالحجر ونحوه مما يسمى بالأرض اختيارا بالنظر إلى الظن الاجتهادي.

نعم قد يشكل الحال في مثل الخزف نظرا إلى خروجه عن مسماها بالإحراق كما اختاره المصنف في المعتبر بعد أن نسبه إلى ابن الجنيد قال : « ولا يعارض بالسجود عليه لأنه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ » انتهى.

وقد يورد عليه بمنع خروجه عن اسم الأرض وإن خرج عن اسم التراب ، بل هو أولى من الحجر لقوة استمساكه دونه أو مساو للمشوي منه ، مع إطلاقهم التيمم‌

١٢٩

بالحجر الشامل له عدا ما عن كشف الالتباس من التوقف فيه ، وبأن المتجه عدم جواز السجود عليه لو سلم خروجه عن مسمى الأرض ، لعدم جوازه إلا عليها ونباتها غير المأكول والملبوس ، فجواز السجود عليه كما اعترف به الخصم شاهد للتيمم به ، ولذلك كله كان خيرة التذكرة والذكرى وجامع المقاصد وغيرها الجواز.

ولعله الأقوى لما عرفت ، وإن استشكله في المنتهى ، كما عن الدروس التوقف فيه ، ولمفهوم التعليل في خبر السكوني (١) ومروي الراوندي (٢) لعدم التيمم بالرماد بأنه لم يخرج من الأرض بخلاف الجص والنورة كما سمعته فيما مر ، ولاستصحاب عدم خروجه عن المسمى ، بل وأحكامه قبل الإحراق ، ولا يعارضه استصحاب الشغل المتوقف يقين البراءة منه على التيمم بغيره ، لوروده عليه القاضي بتقدمه وتحكيمه ، كما في نظائره من استصحاب طهارة الماء وغيره ، وبه حينئذ يحصل يقين البراءة ، إذ المراد الأعم من الشرعي قطعا.

ومن ذلك ظهر سقوط ما في الرياض من الميل إلى العدم لا لما في المعتبر بل للشك في الخروج وعدمه ، مع معارضة استصحاب الجواز بمثله في فساد العبادة ، فتبقى الذمة مشغولة بها للأوامر السليمة عما يصلح للمعارضة ، إذ بعد الغض عما فيه وتسليم حصول الشك قد عرفت الجواب عنه ، فتأمل جيدا.

ولا فرق بين الخزف وسحيقه في جواز التيمم به ، والبحث البحث كالحجر وسحيقه أيضا ، واحتمال الفرق بصيرورته ترابا حينئذ ضعيف بل فاسد قطعا ، لعدم صدق التراب وإن صدق الأرض كما ذكرنا ، فالمتجه حينئذ الجواز فيهما لذلك.

( نعم لا يجوز التيمم بـ ) الكحل والزرنيخ ونحوهما من المعادن إجماعا محكيا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

١٣٠

في الغنية وصريح المنتهى وظاهره ، وعن الخلاف إن لم يكن محصلا للخروج عن اسم الأرض قطعا ، فيدخل حينئذ فيما سمعته سابقا من الأدلة على عدم جواز التيمم بغيرها ، فما عن ابن أبي عقيل من جوازه بالأرض وبكل ما كان من جنسها كالكحل والزرنيخ ضعيف ، والعرف أعدل شاهد عليه إن كان ذلك منه لعدم الخروج ، وفاسد محجوج بما عرفت إن كان مراده الجواز بذلك وإن خرج عن مسمى الأرض ، ومفهوم التعليل في خبر السكوني ومروي الراوندي المتقدمين لا جابر له في المقام ، بل معرض عنه بالنسبة إلى ذلك بين الأصحاب لما سمعت من الإجماعات السابقة ، لكن قد ظهر لك أن مبنى المنع في المعادن عند الأصحاب الخروج عن اسم الأرض كما يظهر من استدلالهم عليه به ، بل جعل بعضهم الحكم فيها دائرا مداره ، فغير الخارج عن ذلك منها لو كان يتجه فيه حينئذ الجواز ، واحتمال مانعية نفس المعدنية وإن لم يخرج تمسكا بإطلاق معقد الإجماع المحكي في غاية الضعف ، كالقول بلزوم الخروج عن الأرض للمعدنية ، لما ستعرفه في تحقيق معنى المعدن في باب السجود إن شاء الله.

وكذا لا يجوز التيمم بالرماد إجماعا كما في المنتهى ، ولخبر السكوني عن جعفر (١) عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « انه سئل عن التيمم بالجص فقال : نعم ، فقيل : بالنورة فقال : نعم ، فقيل : بالرماد فقال : لا ، انه لا يخرج من الأرض إنما يخرج من الشجر » ‌كالمروي عن‌الراوندي (٢) بسنده عن علي عليه‌السلام أيضا قال : « يجوز التيمم بالجص والنورة ولا يجوز بالرماد ، لأنه لم يخرج عن الأرض » ‌لكنهما ظاهر ان أو صريحان في رماد غير الأرض دونه ، بخلاف معقد إجماع المنتهى ، بل ربما يفهم من التعليل فيهما الجواز به ، ولعله لذا أو دعوى عدم الخروج جوزه به في الحاوي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٢.

١٣١

كما عن نهاية الاحكام ، وفي التذكرة تعليق عدم الجواز على الخروج ، وقربه في الرياض ، وهو جيد لكن لا حكم فيهبالخروج وعدمه ، وهو المثمر ، اللهم إلا أن يكون المراد أنه يخرج تارة ولا يخرج أخرى ، إلا أن الأقوى الخروج متى صدق عليه الرماد كما هو الغرض ، فتأمل جيدا.

ولا بالنبات المنسحق كالأشنان والدقيق ونحوهما مما أشبه التراب بنعومته ونحوها ، لكن لا يصدق عليها اسم الأرض والتراب إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا ، بل فيما تقدم من الإجماع وغيره على عدم جوازه بغير الأرض كفاية ، و‌خبر عبيد بن زرارة (١) عن الصادق عليه‌السلام بعد أن سأله عن الدقيق يتوضأ به ، فقال : « لا بأس بأن يتوضأ به وينتفع به » ‌محمول على ما ذكره الشيخ في التهذيب من إرادة النظف به والتطهر من الدرن ، كما قد يكشف عنه‌صحيح ابن الحجاج (٢) « سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يطلي بالنورة فيجعل الدقيق بالزيت يلته به يتمسح به بعد النورة ليقطع ريحها قال : لا بأس » ‌بل هو أولى من إرادة التيمم من الوضوء حتى يعارض ما تقدم ، مع أنه على تقديره في غاية القصور أيضا عن مقاومته كما لا يخفى.

ويجوز التيمم بأرض النورة والجص اختيارا على المشهور نقلا وتحصيلا ، وعن مجمع البرهان أنه ينبغي أن يكون لا نزاع فيه ، بل لم أجد فيه خلافا إلا ما في نهاية الشيخ ، فاشترط فقد التراب ، وما عن السرائر من المنع للمعدنية مع اني لم أجد ذلك فيها ، بل الموجود لا يجوز التيمم بجميع المعادن ، وتعدادها يطول ، وقد أجاز قوم من أصحابنا التيمم بالنورة ، والصحيح الأول ، وهو مع عدم ذكره لأرض الجص محتمل بل ظاهره النورة بعد الإحراق لا أرضها ، ولذلك حكاه في الذكرى عنه في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ١.

١٣٢

النورة ، فينحصر الخلاف حينئذ ، في الأول وإن كان ربما يقال إنه أو العدم لازم تفسير الصعيد بالتراب ، سيما بعد ما في كشف اللثام ان أرض النورة ليست غير الحجر على ما تعرف ، وقد عرفت الكلام فيه إلا أنه لم يحك عن أحد منهم هنا ، بل في المقنعة التصريح بالجواز فيهما بدون التقييد بفقد التراب ، وهو ممن فسر الصعيد بذلك.

وكيف كان فلا إشكال في الحكم بناء على المختار ، لصدق اسم الأرض ، واحتمال المعدنية مع ضعفه في نفسه قد عرفت عدم منعها مع الصدق ، نعم هو لا يتجه بناء على التفسير بالتراب ، كما لا يتجه التفصيل بالاختيار والاضطرار ، واستدل عليه بعضهم مضافا إلى صدق الأرض بخبري السكوني والراوندي المتقدمين ، وفيه أنهما في الجص والنورة لا أرضهما ، واحتمال إرادتها منهما لا شاهد له ، والأولوية انما تصح لو سلم العمل بهما فيهما ، نعم قد يشعر التعليل فيهما بالمطلوب ، والأمر سهل ، إذ قد عرفت انا في غنية عنهما ، كما أنه قد تشعر عبارة المصنف بمنع التيمم بنفس الجص والنورة ، وفاقا للأكثر في الثاني وجماعة في الأول ، للخروج بالإحراق لا أقل من الشك ، مع معارضة استصحاب الجواز والبقاء على الأرضية بأصالة بقاء الشغل ، فتبقى الأوامر عن المعارض سليمة ، ولا جابر للخبرين السابقين ، وخلافا لصريح بعض وظاهر آخر فجوزوه بهما للخبرين ، وعدم الخروج ، والاستصحاب الحاكم على أصالة الشغل المفيد ليقين البراءة حينئذ شرعا ، فلا أوامر سليمة لو سلم مغايرتها لأوامر الشغل الذي قد ذكر الخصم استصحابه ، وهو جيد إن لم يطمئن بعدم الصدق ، فتأمل.

هذا كله بناء على كفاية وجه الأرض ، وإلا فعلى التراب فالبحث ساقط من أصله ، إلا أن يخصوه في حال الاضطرار كما في غيره ، فيتجه البحث منهم عن أرضيته وعدمها ، إذ مع الخروج لا يجوز ولو اضطرارا للإجماع المحكي على عدم جوازه بغيرها ولو مضطرا كما عرفت ، فتأمل جيدا.

١٣٣

وكذا يجوز التيمم بـ ( تراب القبر ) عندنا وان نبش ، بل وإن تكرر نبشه ما لم يعلم نجاسته بالدم أو الصديد المصاحب له أو غير المصاحب مع نجاسة الميت ونحوهما ، لصدق اسم الصعيد بل الطيب ، للطهارة شرعا ، والصديد مع عدم الدم من الميت الطاهر بالتغسيل طاهر ، فلا يقدح اختلاطه مع استهلاكه ، فما في الذكرى من أنه لو علم اختلاطه بالصديد اجتنب محل تأمل ، أو ينزل على ما لا ينافي المطلوب ، واحتمال التمسك له بانتفاء الطيب حينئذ فيه ما عرفت ، ثم قال : « وفي اللحم والعظم نظر ، للطهارة بالغسل ، وعلى قول المبسوط ينبغي المنع ، نعم لو كان الميت نجسا منع » انتهى. قلت : لا تأمل في الجواز مع الاستحالة ترابا ، وعدم العلم بنجاسة التراب بالصديد ، ولعله يريد الاختلاط بدون الاستحالة ، فيكون من مسائل الامتزاج ، ويأتي الكلام فيها إن شاء الله.

وكذا يجوز بالتراب المستعمل في التيمم بلا خلاف أجده فيه ، بل في التذكرة والذكرى وجامع المقاصد وغيرها الإجماع صريحا وكشف اللثام ظاهرا للأصل والصدق ، فما عن الشافعي في أصح قوليه من المنع لا ينبغي أن يصغى اليه ، كدليله القياس على الماء المستعمل في رفع الحدث ، إذ هو ـ مع بطلانه في نفسه أولا ، وفي المقيس عليه على الأصح عندنا ثانيا ـ قياس مع الفارق ، لتحقق رفع الحدث بالماء بخلافه ، ولعله لذا وافقنا أبو حنيفة وأصحابه عليه.

ومن المستعمل الملتصق بأعضاء التيمم إجماعا في التذكرة ، بل والمتساقط منها كالمتقاطر مما غسل به من الماء ، لتحقق ماهية الاستعمال به ، بل لعله المنساق إلى الذهن قبل الأول ، فما في التذكرة من احتمال العدم ضعيف ، نعم قد يشكل في المنفوض والمتساقط من اليدين بعد الضرب قبل المسح به وإن صرح به بعضهم ، بل في الذكرى وجامع المقاصد أنه فسر به ، وبالممسوح به من غير نقل خلاف فيه أو إشكال لعدم تحقق الاستعمال قبل المسح به سيما بعد حكاية الإجماع فيهما ، وفي التذكرة على خروج المضروب‌

١٣٤

منه ، مع نفي الخلاف عنه في المبسوط ، لأنه كالإناء المغترف منه.

قلت : فهذا كالماء المغترف قبل الغسل به ، نعم يتم كونه منه لو ثبت جزئية الضرب من التيمم ، لكن قد يتجه حينئذ دخول المضروب ، فلعل ما ذكروه من الإجماع والتشبيه بالإناء مشعر بخروجه أي الضرب عن ماهية التيمم ، إلا أنه يمكن القول بدخول الضرب وخروج المضروب ، فتأمل جيدا.

ولا يصح التيمم بالتراب أو الحجر المغصوب أي الممنوع من التصرف فيه شرعا إجماعا محكيا في التذكرة والمنتهى إن لم يكن محصلا ، علق في اليد شي‌ء فمسح به جبهته ويديه أولا ، للنهي المقتضي للفساد عقلا وشرعا ، وهو واضح بناء على جزئية الضرب من التيمم ، بل وشرطيته مع اعتبار النية فيه ، كما هو الأصل في كل ما أمر به ، نعم لو لم يكن شرطا وكان كاغتراف الماء من الإناء أو كان شرطا لكن لم تعتبر النية فيه اتجه عدم اقتضاء النهي الفساد حينئذ عقلا ، بل التيمم صحيح وإن كان الضرب محرما ، لكن مع مسح الجبهة واليدين بعد الضرب بدون العلوق ، بل ومعه على إشكال ، اللهم إلا أن يستفاد الفساد حينئذ من ظاهر الأدلة.

وكيف كان ففساد التيمم دائر مدار النهي عنه شرعا ، وإلا فلا فساد حيث لا نهي ولو لجهل أو غفلة يعذر فيها ، ومن هنا صرح في جامع المقاصد وغيره بجواز التيمم للمحبوس في المكان المغصوب ، لأن الإكراه أخرجه عن النهي ، فصارت الأكوان مباحة ، لامتناع التكليف بما لا يطاق إلا ما يلزم ضررا زائدا على أصل الكون ، والقول ان في التيمم تصرفا زائدا على أصل الكون ممنوع ، إذ الإلزام بكيفية خاصة من الكون أو حركة خاصة متعذر أو متعسر ، بل هو ترجيح من غير مرجح ، ومن ثم جاز له أن يصلي وينام ويقوم ، وحق الغير يتدارك بلزوم الأجرة ، بخلاف الطهارة بالماء المغصوب ، لأنه يتضمن إتلافا غير مأذون فيه ، نعم لو ربط في ماء مغصوب وتعذر‌

١٣٥

عليه الخروج ولم يلزم الاغتسال به زيادة إتلاف أو تصرف أمكن القول بالجواز ، فتأمل جيدا.

هذا كله في التراب المغصوب ، أما المملوك وقد تيمم به في مكان مغصوب ففي المدارك أن الأصح الصحة ، لأن الكون ليس من أفعال التيمم ، بل هو من ضروريات الجسم ، وفيه أن الضرب والمسح حركة وسكون ، وهما كونان سيما الاولى ، فلا ريب في حصول التصرف في مال الغير بذلك ، على أن التيمم فعل وعمل في ملك الغير ، وهو هواؤه ، ولذا كان الأقوى الفساد ، كما هو خيرة كشف اللثام ، لكن علله « بأن الاعتماد جزء التيمم ، فهو كاعتماد المصلي على ملكه الموضوع في أرض مغصوبة » انتهى. وهو جيد بالنظر إلى الضرب ، وكذا لو كان التراب في آنية مغصوبة ، للنهي عن الضرب المقتضي للفساد عقلا ، إلا على ما سمعت ، بخلاف الماء في الآنية المغصوبة ، للنهي فيه عن الأخذ منها ، وهو أمر خارج عن العبادة ، مع احتمال الفساد فيه أيضا على بعد ، فتأمل.

وكذا لا يجوز التيمم ( بـ ) ـ التراب النجس بلا خلاف أجده فيه ، بل في المدارك وغيرها نسبته إلى مذهب الأصحاب مؤذنا بالإجماع عليه ولعله كذلك ، لاشتراط الطهارة فيه إجماعا في جامع المقاصد وكشف اللثام ومحتمل أو ظاهر الغنية وعن التذكرة وشرح الجعفرية ، ولا نعرف فيه مخالفا في المنتهى ، ويدل عليه مضافا الى ذلك الوصف بالطيب في الكتاب العزيز ، إذ المراد به ـ كما لعله الظاهر منه وفسره به غير واحد بل في جامع المقاصد نسبته الى المفسرين ـ الطاهر ، كما أنه قد يؤيده أي الاشتراط بل في الحدائق أن الاولى في الاستدلال به عليه النبوي المروي في‌عدة أخبار (١) وفيها الصحيح وغيره « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا » ‌لما تقدم سابقا أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التيمم.

١٣٦

الطهور هو الطاهر المطهر ، لكن قد يناقش بأنه لا دلالة فيها على اعتبار الطاهرية حال المطهرية.

نعم لو ثبت لزوم المطهرية للحدث أو الخبث للطاهرية أو أن الأصل ذلك كان دليلا آخر للمطلوب من غير حاجة الى الأخبار أيضا ، لمعلومية مطهرية التراب ، ولعل ذلك الأصل ثابت خصوصا بمعنى عدم سبق النجاسة ، بل في جامع المقاصد « أنه لا يعقل كون النجس مطهرا » انتهى ، ولا يرد الغسالة على بعض الأقوال وحجر الاستنجاء ، لخروجها بالدليل ، أو لاعتبار سبق الطهارة فيهما أيضا ، فتأمل.

والمشتبه بالمحصور يجتنب كالماء ، بل لعله لا يشرع الاحتياط بالتكرير ، بناء على الحرمة الذاتية فيه كالماء كما صرح به الأستاذ في كشف الغطاء ، مع احتماله للفرق بينهما بالأمر بالإراقة هناك دونه ، وعدم ثبوت غير الحرمة التشريعية هنا ، ولا فرق بين قلة التراب المتنجس وكثرته مع وقوع الضرب عليه كما صرح به في المنتهى ، لفساد بعض الضرب المقتضي لفساده جميعه ، ولاقتضاء الشرطية السابقة ، ولا يعقل الاستهلاك هنا ، واحتمال الصحة ـ بناء على عدم اشتراط استيعاب الضرب لما يتيمم به ، أو أنه قليل لا يقدح بالاستيعاب عرفا ـ لا يخلو من وجه ، نعم لا يقدح نجاسة غير المضروب قطعا وإن اتصل بالمضروب كأحد جانبي الحجر أو طرفيه.

وكذا لا يجوز التيمم بالوحل أي الطين مع وجود التراب أو الحجر نصا وفتوى كما سيأتي ان شاء الله.

وان مزج التراب بشي‌ء من المعادن كالكحل والزرنيخ ونحوهما أو غيرها مما لا يجوز التيمم به من الدقيق وسحيق الأشنان وغيرهما فان استهلكه التراب أي كان كالمعدوم في عدم منافاته لصدق اسم التراب بل التراب الخالص ، ولا عبرة بتعميق النظر وتدقيقه جاز التيمم به وفاقا للمشهور بين الأصحاب ، للأصل وصدق الامتثال

١٣٧

بضرب الصعيد والأرض ونحوهما ، ودعوى أن ذلك من المسامحات العرفية ممنوعة ، مع عدم قيام دليل صالح على عدم اعتبارها في مثله ، وتعذر أو تعسر خلوص المتيمم به من ذلك غالبا سيما لو اعتبر العلم به ، كما هو قضية اشتراط الخلوص ، فينافي حكمه مشروعية التيمم ، خلافا لظاهر الغنية وصريح المحكي عن الخلاف ، فمنعا منه مع الخلط وإن استهلك ، وهو ـ مع أني لم أجده في الثاني ، ويمكن تنزيل الأول على غير المستهلك ، سيما بعد دعواه الإجماع عليه ، إذ ما نحن فيه مظنة حصوله على العكس ـ ضعيف جدا لا دليل عليه.

وإلا يكن الخليط مستهلكا كذلك ، بل كان هو المهلك للتراب كذلك لم يجز التيمم به قطعا وإجماعا بقسميه ، لأصالة الشغل مع عدم صدق الامتثال بضرب الصعيد والأرض ، بل وكذا ان لم يهلك أحدهما الآخر كما هو ظاهر المتن أو صريحه كالمبسوط والمنتهى والذكرى وجامع المقاصد وكشف اللثام وغيرها ، بل في الغنية الإجماع على عدم جواز التيمم بتراب خالطه شي‌ء من ذلك ، وهو الحجة بعد الأصل في وجه ، وصحة سلب اسم التراب عنه ، ولا يعارض بسلب اسم الخليط ، إذ هو لا يكفي في صحة التيمم به ، لاشتراطه بالتراب لا بغير الكحل مثلا ، كما لا يقال : إنه يصدق عليه اسم كل منهما لا سلبه ، فيقال : هذا تراب وكحل ، إذ الظاهر منع ذلك فيما نحن فيه من الامتزاج المتحقق باختلاط الاجزاء المتساوية اختلاطا لا يتحقق معه التمييز ، فإنه بعد حصوله يتحد المختلطان ويكونان شيئا واحدا ، فلا يصدق عليه انه تراب وكحل ، لزيادة أمر آخر عليهما أخرجهما عن هذا الصدق ، وهو الامتزاج ، فهما وإن كانا جزءين ماديين لهذا الشي‌ء لكن مع ذلك فالامتزاج من مقوماته أيضا معهما ، فالتراب حينئذ جزء ، ولا وجه للحكم به على الكل ، فلا يقال هذا تراب قطعا ، بل إن قيل مثل ذلك في مقام تعداد الاجزاء يراد منه ان هذا الشي‌ء كحل وتراب حال

١٣٨

كونهما ممتزجين ، فيكون الخبر هو المجموع لا كل واحد منهما ، فتأمل.

نعم يتجه ذلك في الخليط المتميز المستقل الذي لا يتصور فيه امتزاج كالشعر مع التراب ، وستسمع الكلام فيه ، هذا. على أنا نقول بعد تسليم صدق اسم التراب عليه وانه كالخليط المتميز فلا ينافي صدق ضرب التراب ضرب غيره معه ، لكن المعتبر في التيمم مماسة تمام باطن الكف للتراب حال الضرب ، كما صرح به في كشف اللثام ، وهو ظاهر غيره أو صريحه ، ولا ريب في عدم حصول ذلك في محل الفرض وإن صدق ضرب التراب في الجملة.

ومنه يظهر لك الحكم في الخليط المتميز ، فلو فرض وجود تبنة ونحوها في تراب بحيث يحتجب وصول بعض الكف إلى التراب بطل ، ولذا لم يكتف بعضهم بصدق اسم التراب ، بل قال : إنه ينبغي اعتبار عدم الإمساس بالخليط مع ذلك ، وإلا فلا ريب في حصول الاسم في المثال المذكور.

لكن قد يشكل ذلك أولا بالاكتفاء في جملة من كتب أصحابنا ببقاء الاسم من غير اعتبار ذلك كالقواعد والتحرير ، بل عن السرائر والتذكرة ونهاية الاحكام والدروس والبيان أنه يجوز بالمختلط مع بقاء اسم التراب ، بل في المنتهى بعد أن حكى الخلاف المنع من التيمم بالمختلط وإن غلب التراب ، وعن المبسوط الجواز مع الاستهلاك قال : « وبالأول قال الشافعي ، وبالثاني قال بعض الشافعية حيث اعتبر الغلبة ، وهو الأقوى عندي لبقاء الاسم ، ولأنه يتعذر في بعض المواضع ـ ثم قال ـ : لو اختلط التراب بما لا يعلق باليد كالشعير جاز التيمم منه ، لأن التراب موجود ، والحائل لا يمنع من التصاق اليد به » انتهى. وثانيا بعدم الدليل عليه ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، لصدق ضرب التراب والصعيد من دون اعتبار ذلك.

وقد يدفع بأن مراد أولئك الأصحاب بالاكتفاء بالاسم انما هو في صورة الخلط‌

١٣٩

الامتزاجي ، فيرجع حينئذ عند التأمل إلى شرطية الاستهلاك كما يومي اليه ما في المنتهى أولا وغيره أيضا ، ولا تعرض فيه للخليط الذي لا يتصور فيه الاستهلاك وإن قل ، ولعل عدم تعرضهم له لعدم دخوله فيما يعتبر في المتيمم به ، بل هو راجع إلى الكف ، فيعتبر فيه الاستيعاب ، وأما ما في آخر عبارة المنتهى فمع أنه قد استشكله بعض من تأخر عنه يحتمل ما في كشف اللثام وغيره من أنه بالاعتماد يندفن بالتراب أو الكف تماس التراب إذا حركت ، لأنه لا تعلق بها وإن أورد عليه فيه بأنه يتوجه الجواز بالممتزج بنجس قليل إذا علم وصول الكف جميعها بالتحريك أو الاعتماد إلى الطاهر ، وفي جامع المقاصد أن فيه ترددا ينشأ من عدم تسمية الخليط ترابا.

إلا أنه قد يدفع الأول بأنه لا دليل على بطلان اللازم ، بل ظاهر الأدلة تناوله ، وليس ذا من تعدد الوضع أو الضرب ، بل هو من توابع الوضع الأول ، والثاني بمنع عدم التسمية في مثل ما نحن فيه ، فتأمل. وأما دعوى عدم الدليل على الاستيعاب المذكور ففيه ـ مع أصالة الشغل في وجه والاقتصار على المتيقن ـ أنه ظاهر التيمم البياني كقوله : « وضع يديه » (١) ‌و « ضرب بكفيه الأرض » (٢) ‌و « اضرب بكفيك الأرض » (٣) ونحوها (٤) لظهور الاسم في تمام المسمى ، فيراد تمام اليد والكف ، واحتمال صدق ذلك ولو ببعض الكف ممنوع ، ولذا يصح سلب الضرب بالكف عنه ، لكن ومع ذلك كله فالذي يقوى الاكتفاء بالاستيعاب العرفي بحيث يصدق عليه أنه ضرب بكفيه الأرض ، ولعله متحقق وإن حصل بعض الخليط كشعيرة أو تبنة ونحوهما ، بل وإن لم يكن خليط لكن لم يصل بعض أجزاء الكف كذلك ، مع أنه قد يتعذر الخلوص‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التيمم.

١٤٠