جواهر الكلام - ج ٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كما أن دعوى أنه عبادة فلا تصح من الكافر كذلك أيضا ، إذ ذلك ـ بعد تسليم أن غسل الميت من العبادات وأنه لا تجزى فيه نية الكافر كما أجزأت في العتق ونحوه ـ اجتهاد في مقابلة النص ، مع أنه قال في كشف اللثام : « يمكن أن يكون ما ذكروه من أمر المسلم أو المسلمة إشارة إلى أن المتولي للنية أو هي والصب المسلم » كما احتمل مثله الشهيد ، فقال : « الظاهر أن الأمر انما هو لتحصيل هذا الفعل ، لا أنه شرط ، لخلو الرواية منه وللأصل ، إلا أن يقال ذلك الأمر يجعل فعل الكافر صادرا عن المسلم ، لأنه آلة له ، ويكون المسلم بمثابة الفاعل ، فتجب النية منه » انتهى.

وأولى من ذلك القول بأن ذلك ليس من باب التغسيل المعهود المشروط فيه النية ، بل شي‌ء أوجبه الشارع في هذا الحال وإن وافقه في الصورة ، كما قد يرشد إلى ذلك تصريح بعضهم بأنه صوري وأنه يجب الغسل مع وجود المسلم على ما ستعرف ، فلا يكون حينئذ مخالفا إلا لأصالة البراءة ونحوها من الأصول التي تنقطع بأدنى دليل ، فظهر لك أنه لا وجه للاعراض عن تلك الأخبار كما وقع للمعتبر ، وربما تبعه بعض من تأخر عنه ، ومن الغريب حملها على التقية من بعضهم من حيث دلالتها على طهارة أهل الكتاب ، مع أن المنقول هنا عن جميع العامة عدا سفيان الثوري عدم جواز التغسيل ، لعدم صحة العبادة من الكافر ، وهو شاهد آخر على قبولها ، لأن الرشد في خلافهم ، فالأقوى حينئذ ما قلنا إلا أنه ينبغي الاقتصار على مضمون الأخبار ، فلا يتعدى إلى غير أهل الكتاب وإن أطلق كثير من الأصحاب الكافر ، اللهم إلا أن يدعى عدم القول بالفصل ، وعدم تعقل الفرق عند من يقول بنجاسة الكل ، أو يقال : بابتناء الحكم في صورة لا يباشر الكافر الماء ، وأما النية فالحال في الكل واحد إما بارتكاب عدم الاشتراط هنا أو بأن الكافر من قبيل الآلة ، ولا ريب في ضعف ذلك كله ، إذ عدم الوصول إلى الفارق ليس وصولا للعدم ، فالمتجه حينئذ التقييد بالذمي ، بل لا يبعد عدم إلحاق‌

٦١

المخالف بهم فضلا عن غيره ، فتأمل. كما أنه ينبغي التقييد بالاغتسال قبل التغسيل وإن أطلق المصنف وغيره.

وهل يتقيد الحكم المذكور بوجود المسلم أو المسلمة معهم؟ احتمالان ، لا يبعد العدم خلافا لصريح الوسيلة ، فلو فرض أن الكتابي علم ذلك من المسلمين سابقا ففعله اجتزى به ، نعم بناء على ما تقدم من احتمال أن النية من المسلم اتجه مراعاته حينئذ حتى يأمر الكافر بذلك ، فتأمل.

وفي إعادة الغسل لو وجد المماثل مثلا قبل الدفن؟ وجهان ينشئان من حصول المأمور به مع أصالة براءة ذمة المماثل هنا ، للشك في شمول ما دل على الأمر بتغسيل الأموات لمثل ذلك ، ومن عدم حصول المأمور به الحقيقي ، فيبقي في العهدة ، مع الشك في شمول ما دل على الاجتزاء بغسل الكافر لمثل المقام ، على أنه من المعلوم أن الاكتفاء بغسل الكافر انما هو للضرورة كما صرح به في الموثق (١) ولا ريب في ارتفاعها بوجود المسلم ، بل ينكشف بوجود المماثل عدم الضرورة واقعا وان الواقع انما كان لتخيل الضرورة ، ودعوى صدق اسم الاضطرار بمجرد مثل ذلك وإن تعقبه ما يرفعه فيتجه السقوط حينئذ لتحقق موضوع الأمر الثاني محل منع ، ولعل الأقوى الثاني وفاقا للتذكرة والذكرى وجامع المقاصد والروض والذخيرة وعن الإيضاح والبيان وغيرهما ، بل لم أجد فيه خلافا بين من تعرض له ، نعم استشكل فيه في القواعد كما في التحرير ، وكأنه لتعارض مدركهما عنده ، والشك في شمول أدلة وجوب الغسل لما نحن فيه مع الشك في شمول ما دل على الاجتزاء بغسل الكافر لمثل المقام ، لكن قد يقال : إنه لا إشكال عندنا في تكليف الكافر بالفروع ، ومقتضاه وجوب الغسل الصحيح عليه بأن يسلم ويفعل إلا أن الشارع كلفه بتكليف آخر على تقدير عصيانه بالأول ، ولا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

٦٢

ظهور في الأدلة ببدلية هذا عنه بحيث يسقط عنه التكليف بالأول ولم يعاقب عليه ، ولا تنافي بين وجوب هذا الفعل عليه مع عصيانه بترك الأول وبين بقاء وجوبه عليه وإن فعل الثاني.

ومنه يعلم حينئذ عدم سقوط الغسل الحقيقي عن سائر المكلفين مع التمكن ، لأن فعله إن لم يسقط التكليف به عن نفسه فلا يسقطه عن غيره بالأولى ، فإذا وجد المماثل وجب عليه. لا يقال : إن المسلم غير المماثل قبل وجود المماثل كان مأمورا بذلك ، والأمر يقتضي الإجزاء ، لأنا نقول : الاجزاء عن تكليف غير المماثل لا يقضي بالاجزاء عن تكليف غيره مع اختلافهما ، وإلا لوجب القول بالاجتزاء بمجرد صدور الأمر من المسلم للكافر وإن لم يمتثله الكافر ، لعدم تكليفه بغير ذلك ، وهو باطل قطعا ، نعم يتجه القول بعدم الإعادة لو فرض موضوع ما نحن فيه غير خارج عن القواعد ببعض ما أشرنا إليه سابقا من عدم احتياج هذا الغسل للنية مع عدم مباشرة الكافر للميت ونحو ذلك ، لكنه بعيد ، لظهور أخبار الباب وكلمات الأصحاب في أن ذلك من الأغسال الاضطرارية الصورية ، وحيث ظهر لك مما قلناه وجه وجوب الإعادة اتجه ما ذكره بعضهم من أنه لو مسه أحد وجب عليه الغسل ولو مع عدم مجي‌ء المماثل ، لما عرفت من عدم حصول الطهارة بهذا الغسل وعدم بدليته عنها ، بل هو أشبه شي‌ء بالتكليف الجديد عند العصيان بالأول ، ولعله مما ذكرنا يظهر لك الفرق بين خصوص هذا الاضطرار من الغسل وبين غيره ، فتجب الإعادة مع ارتفاعه قبل الدفن في الأول دون غيره كما في الذكرى ، ولعله الأقوى ، لاقتضاء الأمر الإجزاء ، فتأمل جيدا.

(و)يجب أن يغسل الرجل محارمه من وراء الثياب أي من حرم عليه نكاحها مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة بلا خلاف أجده في الجملة ، بل هو إجماعي ، والأخبار به مستفيضة إن لم تكن متواترة ، لكن هل يشترط فيه أن يكون ذلك من وراء الثياب‌

٦٣

كما هو ظاهر المشهور أو صريحه ، بل في الذخيرة نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه كما عساه يشعر به عبارة التذكرة أيضا والحبل المتين ، أو لا يشترط كما هو صريح بعض متأخري المتأخرين وظاهر الغنية وعن الكافي والإصباح ، ولعله الظاهر من الذكرى أيضا ، حيث قال : « وثالثها المحرمية ، لتسويغه النظر واللمس ، ولما مر ولكن من وراء الثياب محافظة على العورة » انتهى.

قلت وكأن الأول للأمر به في الأخبار (١) الكثيرة التي تقدم بعضها في الزوجة ، ولا ينافيها إطلاق غيرها (٢) بل يحمل عليها كما هو قاعدة الإطلاق والتقييد ، وعلله في المعتبر زيادة على ذلك بأن المرأة عورة فيحرم النظر إليها ، وانما جاز مع الضرورة من وراء الثياب جمعا بين التطهير والستر ، وهو مبني على حرمة نظر المحرم إلى الجسد عاريا كما عن العلامة التصريح به في حد المحارب ، ولا ريب في ضعفه كما يظهر لك في محله ان شاء الله ، فالعمدة في الاستدلال حينئذ الأول ، لكن قد يقال : ان الأصل وان كان يقتضي حمل المطلق على المقيد الا أنه يقوى هنا حمله على الاستحباب ، إذ هو ـ مع اعتضاد المطلقات هنا بإطلاقات الأمر بالتغسيل وبالأصل وباستصحاب حلية التكشف حال الحياة والنظر واللمس ، مع احتمال كون الأمر بذلك لعارض خارجي كوجود أجنبي أو أجنبيات كما يشعر به ما تقدم من الروايات ، مضافا الى ظهور سياق كثير منها باتحاد حكم الزوجة والمحارم في ذلك ، وقد عرفت أن الحكم فيها بالاستحباب ، فيكون حينئذ قرينة على حمل الأمر به عليه لتضمن الخبر للمرأة والمحارم ، وإلا لزم استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ـ يؤيده أنه لا يتجه ما ذكر من الحمل أي حمل المطلق على المقيد ، لظهور‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح منصور بن حازم (٣) المروي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٩ والباب ٢٤ حديث ٢ و ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

٦٤

في الكتب الثلاثة في جواز التجريد بحيث لا يصلح حمله على التقييد ، قال : « سألت عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته أيغسلها؟ قال : نعم وأمه وأخته ونحو هذا يلقي على عورتها خرقة ويغسلها » وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر زيد الشحام (١) حيث سأله عن امرأة ماتت وهي في موضع ليس معهم امرأة غيرها : « إن لم يكن فيهم لها زوج ولا ذو رحم دفنوها بثيابها ولا يغسلونها ، وإن كان معهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسلها من غير أن ينظر إلى عورتها » الحديث. وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر عمرو بن خالد (٢) عن زيد بن علي عن آبائه عليهم‌السلام في حديث قال : « إذا مات الرجل ـ إلى أن قال ـ : وإذا كان معه نساء ذوات محرم يؤزرنه ويصبن عليه الماء ويمسسن جسده ولا يمسسن فرجه » إذ لا قائل بالفصل بين الرجال والنساء من المحارم ، ومن ذلك كله ظهر لك وجه القول بالاستحباب ، لكن الوقوف مع المشهور أحوط إن لم يكن أقوى ، سيما مع إمكان المناقشة في المعتمد مما تقدم ، وهو الصحيح بإرادة خصوص المرأة من ذيله ، ولا جابر لغيره من الأخبار كما أن الأمور الأخر لا تصلح للمعارضة عند التأمل ، وأيضا فالتجريد مظنة الوقوع في المحرم ، كاثارة الشهوة سيما في المحارم التي هي كالأجانب كأم الزوجة ونحوها.

وكيف كان فهل يتقيد تغسيل الرجل محارمه بما إذا لم تكن مسلمة أو زوج بناء على جواز تغسيله اختيارا أولا؟ ظاهر المصنف أو صريحه كظاهر المشهور أو صريحه الأول ، بل قد يظهر من التذكرة والحبل المتين الإجماع عليه ، ولعله الأقوى لقول الباقر عليه‌السلام في خبر أبي حمزة (٣) : « لا يغسل الرجل المرأة إلا أن لا توجد امرأة » وما في سنده من الطعن منجبر بما عرفت ، ولما يشعر به‌ قول الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٠.

٦٥

في الصحيح (١) : « إذا مات الرجل مع النساء غسلته امرأته ، وإن لم تكن امرأته معه غسلته أولاهن به ، وتلف على يدها خرقة » ولاختصاص الأخبار المجوزة بفقد المماثل ، بل قد ينساق إلى الذهن أن الحكم معروف في الزمن السابق من حيث أن السائل إذا سأل يفرض عدم النساء إن كان الميت امرأة ، وعدم الرجال إن كان رجلا ، ومع ظهور سؤاله فيما قلنا لم يبرز من الامام (ع) من الجواب ما يرفع ذلك ، فكأنه كالتقرير له على معتقده ، خلافا للسرائر والمنتهى وكشف اللثام والمدارك والذخيرة وعن التلخيص ، ولعله الظاهر من النافع كغيره ممن أطلق ذلك ، فجوزوه مع الاختيار للأصل وإطلاقات الأمر بالتغسيل للأموات ، وإطلاق صحيح منصور المتقدم ، وإشعار الاقتران بالزوجة في كثير من الأخبار به ، بل في جملة منها (٢) ( تغسله امرأته أو ذات قرابته ) كما‌ في أخرى (٣) ( يغسلها زوجها أو ذو رحم لها ) وقد عرفت عدم الاشتراط بالنسبة إليهما لا أقل من الشك في شرطيته ، وما شك في شرطيته ليس شرطا على المختار سيما في المقام ، لعدم إجمال الغسل هنا ، فتأمل ، وهو حسن إلا أن الأول أولى ، لإمكان المناقشة في جميع ذلك كما لا يخفى ، سيما في صحيح منصور الذي هو العمدة في المقام من حيث إشعار قوله ( في السفر ) بعدم وجود المماثل ، فلا شاهد فيه على ذلك. وك الرجل في جميع ذلك المرأة بالنسبة إلى محارمها ، فلا حاجة إلى الإعادة لعدم القول بالفصل بينهما من أحد من الأصحاب.

ثم ان الظاهر كما أشرنا إليه سابقا عدم وجوب الإعادة لو وجد المماثل قبل الدفن وإن قلنا باختصاص الجواز في حال الضرورة ، لأصالة البراءة ، واقتضاء الأمر الاجزاء ، والفرق بينه وبين ما تقدم في الكافر واضح ، كما أن الظاهر تحقق الاضطرار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٧.

٦٦

بامتناع المماثل من المباشرة وعدم التمكن من إجباره ، أو قلنا بعدم صحة الفعل مع الجبر لاشتراط القربة ، ويحتمل قويا هنا القول بسقوط الغسل عن غير المماثل ، لانحصار التكليف في المماثل ، مع عدم الدليل على انتقاله إلى غيره بمجرد عصيانه ، فالأصل البراءة.

( ولا يغسل الرجل من ليست له بمحرم ) وبالعكس أي من لم يحرم عليه نكاحها مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة على المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا ، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا ، وفي الخلاف إلى الأخبار (١) المروية عنهم عليهم‌السلام والإجماع مع نسبة ما دل على خلاف ذلك من الأخبار (٢) إلى الشذوذ ، وفي المعتبر « ولا يغسل الرجل أجنبية ولا المرأة أجنبيا ، وهو إجماع أهل العلم » انتهى. وكيف كان فقد اختاره هنا ابنا حمزة وسعيد والفاضلان والشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم ، وهو المحكي عن المقنع والنهاية والمبسوط والمهذب والإصباح ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٣) بعد أن سأل « عن المرأة تموت في السفر وليس معها ذو محرم ولا نساء قال : تدفن كما هي بثيابها » وقوله عليه‌السلام أيضا في صحيح عبد الرحمن ابن أبي عبد الله (٤) بعد أن سأله « عن امرأة ماتت قال : تلف وتدفن ولا تغسل » وقوله عليه‌السلام أيضا في صحيح الكناني (٥) « في المرأة تموت في أرض ليس فيها إلا الرجال قال : تدفن ولا تغسل إلا أن يكون زوجها معها » الحديث. ونحوها غيرها (٦) من الأخبار المعتبرة ، وكفى بها حجة على المطلوب سيما بعد اعتضادها بما سمعت من دعوى الإجماع صريحا وظاهرا ، بل لعله محصل لعدم صراحة عبارة المخالف في الخلاف ، وبما سمعته أيضا من الأخبار (٧) في صورة العكس ، وبأصالة حرمة اللمس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب غسل الميت.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب غسل الميت.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٩.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٧ والباب ٢١ ـ حديث ١ و ٢.

٦٧

والنظر حيث يتوقف التغسيل عليهما ، وهي كما أنها صريحة في نفي الغسل مجردة ظاهرة أو صريحة أيضا في نفيه من وراء الثياب ولو مع عدم مماسة شي‌ء من البدن أو تغميض العين عن النظر ، مع عدم ثبوت العفو عن نجاستها هنا لو غسلت من ورائها.

فما عساه يظهر من المقنعة والتهذيب كما عن أبي الصلاح في الكافي من إيجاب تغسيلها من وراء الثياب مع اشتراطه في التهذيب عدم المماسة ضعيف ، كمستنده من‌ خبر أبي سعيد أو أبي بصير (١) سمعت الصادق عليه‌السلام « يقول : إذا ماتت المرأة مع قوم ليس فيهم محرم يصبون الماء عليها صبا » وابن سنان أيضا (٢) قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : المرأة إذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرأة تغسلها غسلها بعض الرجال من وراء الثوب ، ويستحب أن يلف على يديه خرقة » وخبر جابر عن الباقر عليه‌السلام (٣) « في المرأة تموت مع الرجال ليس معهم امرأة ، قال : يصبون الماء من خلف الثوب ، ويلفونها في أكفانها ، ويصلون ويدفنون » إذ هي ـ مع احتمال الأخيرين المحارم وعدم الجابر لها بل إعراض الأصحاب عنها بل نسبها بعضهم إلى الشذوذ ـ غير مقاومة لما ذكرنا من وجوه عديدة ، فما يقال من أنه لا منافاة بينهما لإطلاق الأولى وتقييد الثانية لا يلتفت اليه ، سيما مع صراحة بعض أخبار الباب (٤) في نفيه ، نعم قد يقال إن ذلك أحوط بشرط تغميض العينين أيضا كما في الغنية على إشكال فيه سيما إذا استلزم تنجيس الكفن ، كالإشكال في دعوى استحبابه جمعا بين الأخبار كما في أحد احتمالي الاستبصار ، وذلك للنهي صريحا في بعضها ، والأمر بالدفن كما هي في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٠ عن أبى سعيد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب غسل الميت.

٦٨

ثيابها في آخر ، مضافا إلى ظهور كثير من كلمات الأصحاب في الحرمة أيضا ، فلعل الأحوط الترك حينئذ.

كما أن الأحوط أيضا ترك التيمم وإن دل عليه‌ خبر عمرو بن خالد (١) عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه‌السلام قال : « أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفر فقالوا : إن امرأة توفيت معنا وليس معها ذو محرم ، فقال : كيف صنعتم؟ فقالوا : صببنا عليها الماء صبا ، فقال : أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها؟ قالوا : لا ، قال : أفلا يمموها » إلا أنه ـ مع ضعفه وعدم العثور على الفتوى به من أحد من أصحابنا بل في التذكرة نسبة نفيه إلى علمائنا كظاهر الخلاف وغيره أيضا ، نعم نسبه الشهيد إلى العلامة ولم نجده ، وموافقته للمنقول عن أبي حنيفة ، وخلو المعتمد من الأخبار عن ذكره في مقام البيان ـ مستلزم للمس المحرم أيضا ، فطرحه حينئذ أولى.

نعم قد يقال باستحباب غسل مواضع التيمم منها مع عدم اللمس ، لما رواه‌ المفضل بن عمر (٢) قال : « قلت للصادق عليه‌السلام : جعلت فداك ما تقول في المرأة تكون في السفر مع رجال ليس فيهم لها ذو محرم ولا معهم امرأة فتموت المرأة ما يصنع بها؟ قال : يغسل منها ما أوجب الله عليه التيمم ، ولا تمس ولا يكشف شي‌ء من محاسنها التي أمر الله تعالى بسترها ، فقلت : كيف يصنع بها؟ قال : يغسل بطن كفيها ثم يغسل وجهها ثم يغسل ظهر كفيها » وعن المبسوط والنهاية والتهذيب جواز العمل به ، ولعله لا ينافيه ما في‌ خبر داود بن فرقد (٣) قال : « مضى صاحب لنا يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تموت مع الرجال ليس فيهم ذو محرم هل يغسلونها وعليها ثيابها؟ فقال : إذا يدخل ذلك عليهم ولكن يغسلون كفيها » نعم قد ينافيه ما في خبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢.

٦٩

أبي بصير (١) من الأمر فيه بغسل موضع الوضوء منها ، لكن يمكن حمله على ما عدا الذراعين والقدمين ، وقال الشيخ في الاستبصار بعد ذكر هذه الأخبار : « إن الوجه فيها أن تحمل على ضرب من الاستحباب » انتهى. قلت : ولعل الأحوط دفنها مع عدم فعل شي‌ء من ذلك بها ، للأمر بالدفن كما هي في الأخبار السابقة لظهور التشبيه فيه بذلك.

ثم الظاهر من أخبار الباب وجملة من كلمات الأصحاب بل ادعي الإجماع على اشتراط المماثلة في غير ما استثني أن ما ذكرناه من عدم تغسيل الرجل الأجنبية ليس لكونه منهيا عن النظر واللمس فيفسد لذلك وإن ذكره بعضهم مؤيدا للحكم ، بل الظاهر أن المراد شرطية المماثلة أو المحرمية أو الزوج تعبدا ، فلا يصح حينئذ وإن اتفق وقوعه على وجه غير محرم ، حتى لو قلنا بعدم اشتراط النية في التغسيل ، إذ أقصى ما يخرجه ذلك عن حكم العبادات لا غير ، فتأمل.

فظهر لك من جميع ما ذكرنا أنه لا يغسل الرجل الأجنبية ، نعم استثنى المصنف من ذلك تبعا لغيره بنت الأقل من ثلاث سنين ، فقال إلا ولها دون ثلاث سنين كما عن المبسوط والإصباح ، ولعل المراد بنت ثلاث سنين فما دون ، فيرجع إليه حينئذ ما في الوسيلة والسرائر والجامع والنافع والقواعد والإرشاد والمنتهى والذكرى والبيان والدروس وغيرها من جواز تغسيل الرجل الأجنبي بنت الثلاث فما دون ، بل في التذكرة ونهاية الأحكام والروض الإجماع عليه ، ويشهد له التتبع لكلمات الأصحاب إذ لم أجد فيه خلافا بين أصحابنا المتقدمين والمتأخرين سوى ما يظهر من المصنف في المعتبر ، حيث قال بعد مناقشة فيما ذكر من المستند لذلك : « فالأولى المنع والفرق بين الصبي والصبية ، لأن الشرع أذن في الاطلاع للنساء على الصبي لافتقاره إليهن في التربية وليس كذلك الصبية ، والأصل حرمة النظر » انتهى. وظاهره عدم الفرق في ذلك بين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٦.

٧٠

حالتي الاختيار والاضطرار ، بل ولا بين كونه من وراء الثياب وعدمه ، وإن كان ربما يشعر تعليله بالثاني من الثاني ، إلا أنه حيث كان لا دليل عنده على جوازه من وراء الثياب أشكل الحكم به من حيث حصول النجاسة.

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في ضعفه بعد ما عرفت من الإجماع المنقول المعتضد بالتتبع لكلمات الأصحاب ، وبالأصل والإطلاقات ، وبما في الفقيه (١) قال : « ذكر شيخنا محمد بن الحسن في جامعه في الجارية تموت مع رجال في السفر ، قال : إذا كانت ابنة أكثر من خمس سنين أو ست دفنت ولم تغسل ، وإن كانت بنت أقل من خمس غسلت قال : وذكر عن الحلبي (٢) حديثا في معناه » وفي الذكرى « أنه أسند الصدوق في كتاب مدينة العلم ما في الجامع إلى الحلبي عن الصادق عليه‌السلام » انتهى.

ولا ينافي الاستدلال بالشرط الأخير الترديد بالخمس أو الست في الأول ، كما لا ينافيه شموله أيضا للزائدة على الثلاث إن لم نقل به ، ولا ما في التهذيب أيضا قال : ( وروى محمد بن أحمد بن يحيى (٣) مرسلا ، قال : « روي في الجارية تموت مع الرجال ، فقال : إذا كانت بنت أقل من خمس سنين أو ست دفنت ولا تغسل » ـ ثم قال بعدها ـ : يعني ولا تغسل مجردة عن ثيابها ) انتهى.

قلت : وأولى منه ما حكاه في الذكرى عن ابن طاوس من أن ما في التهذيب من لفظ ( أقل ) وهم ، ومن العجيب أنه ظن في المعتبر أن الشيخ استدل بها على المطلوب وقد عرفت أنها ظاهرة أو صريحة في منافاته ، كما أنه ظن انحصار دليل الحكم فيها ، ولذا قال بعد ذكرها : « والرواية مرسلة ومتنها مضطرب ، فلا عبرة بها ، ثم لا نعلم القائل » انتهى. وأعجب من ذلك كله استناده في المنع إلى أصالة حرمة النظر ، مع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٥.

٧١

أن الأصل يقتضي العكس كما هو واضح ، وكيف مع أن المعلوم من بديهة الدين جواز النظر واللمس للصبية في الجملة ، بل في الرياض « أنه يستفاد من النص الصحيح (١) جواز النظر إلى حد البلوغ ، وحكى عليه عدم الخلاف ، وفي المعتبرة جواز تقبيلها إلى الست كما في كثير منها (٢) ، أو إلى الخمس كما في بعضها (٣) » انتهى. نعم قد يستدل له بقول الصادق عليه‌السلام في الموثق (٤) بعد أن سئل « عن الصبي تغسله امرأة قال : انما تغسل الصبيان النساء ، وعن الصبية لا تصاب امرأة تغسلها ، قال : يغسلها رجل أولى الناس بها » وفيه ـ مع عدم صلاحيته لمعارضة ما تقدم ، واحتمال زيادة الصبية على الحد المذكور ، واحتمال دلالته أيضا على المطلوب بوجه ، إذ قد يكون الأولى بها ليس من المحارم فهو كالأجنبي ـ أن المراد الأولى أو من يأذن له الولي ، فتأمل جيدا ، هذا.

وفي المقنع تحديد جواز تغسيل الرجل للصبية بما إذا كانت أقل من خمس ، وفي المقنع أنها إن كانت أكثر من ثلاث غسلوها بثيابها ، ومال إليه بعض متأخري المتأخرين وهو لا يخلو من قوة بناء على جواز النظر واللمس لبنت الأكثر من ثلاث ، فتشمله الإطلاقات ، وما وقع من بعض متأخري المتأخرين من المناقشة في عموم أو إطلاق يشمل ذلك في غير محله كما لا يخفى على من لاحظ أخبار الباب ، سيما ما دل على وجوب غسل الميت من غير تقييد للواجب عليه بشخص خاص ، وما دل على الترغيب في غسل الميت كقول الصادق عليه‌السلام (٥) ( من غسل ميتا ) و‌ ( أيما مؤمن غسل مؤمنا فله كذا ) (٦)

‌__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ولعل نظره الى الملازمة بين جواز النظر وعدم وجوب الستر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢٧ ـ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ـ حديث ٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢٧ ـ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

٧٢

مضافا إلى صدق اسم التغسيل على ما وقع من مثله ، ودعوى أنه اسم للصحيح واحتمال اشتراط المماثلة يمنع من تحقق الصحة فيها ما لا يخفى بناء على المختار من عدم شرطية ما شك في شرطيته ، مع ظهور كون الغسل من المبينات لا من المجملات.

وإذ عرفت ذلك ظهر أنه لا مانع من التمسك بالعمومات أو الإطلاقات في نحو ذلك ، ولا ينافيه ما دل على عدم جواز تغسيل الرجل امرأة أجنبية ، لعدم تناول اللفظ لها ، نعم ينبغي دوران الحكم على مدة جواز النظر واللمس ، فحيث امتنعا امتنع ولو من وراء الثياب أيضا ، لعدم ثبوت العفو عن النجاسة الحاصلة من ملاصقة الثياب ، وإطلاق ما سمعته عن الصدوق ، مضافا إلى ظاهر أكثر كلمات الأصحاب ، بل هي ظاهرة في منع تغسيل الزائدة على الثلاث وإن جاز النظر واللمس ، فتأمل جيدا. ويؤيده ما ستسمعه في صورة العكس من حيث ظهور خبر ابن النمير الآتي في عدم جواز تغسيل النساء لابن الزائد على الثلاث ، مع انجباره بالشهرة بين الأصحاب ، ولا ريب أن ما نحن فيه أولى من ذلك ، فلعله من هنا كان الأقوى الاقتصار عليها حينئذ.

وكيف كان فظاهر المصنف أو صريحه كظاهر غيره من الأصحاب أو صريحهم بل صرح به بعضهم عدم اشتراط ذلك بالاضطرار ، خلافا للمبسوط والنهاية وكذا السرائر والمقنعة ، بل لعله الظاهر من الوسيلة أيضا من اشتراط ذلك بفقد المماثل ، وهو ضعيف ، لعدم الدليل عليه : واحتمال شمول قوله عليه‌السلام : ( لا يغسل الرجل امرأة إلا أن لا توجد امرأة ) لمثل ذلك فيه ما لا يخفى مع الطعن في سنده ، فالأقوى حينئذ جوازه اختيارا.

( وكـ ) لرجل في جميع ( ذلك ) من الأحكام المتقدمة المرأة فلا تغسل الأجنبي مطلقا على المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا بل في التذكرة نسبته إلى العلماء مشعرا بدعواه ، بل صرح به في المعتبر ، فقال : « ولا تغسل المرأة أجنبيا ، وهو‌

٧٣

إجماع أهل العلم » انتهى. ويشهد له التتبع لكلمات الأصحاب ، فلم نجد مخالفا سوى ما ستعرف ، ويدل عليه ـ مضافا إلى ذلك وإلى أصالة حرمة النظر واللمس مع التوقف عليهما ـ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (١) بعد أن سئل عن الرجل يموت وليس معه إلا النساء : « يدفن كما هو بثيابه » وفي‌ صحيح أبي الصباح الكناني (٢) « في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلا النساء قال : يدفن ولا يغسل » ونحوهما غيرهما (٣) من المعتبرة ، وفيها الصحيح وغيره ، وترك التعرض فيها لذكر التيمم مع كونه في مقام البيان كالصريح في نفيه ، مضافا إلى الأصل واستلزامه اللمس المحرم ، مع ما عن التذكرة من نسبة النفي إلى علمائنا ، فلا إشكال في نفيه ، كما أنه لا إشكال في نفي التغسيل من وراء الثياب ، لظاهر الأخبار إن لم يكن صريحها.

خلافا للمنقول عن ظاهر المقنعة وموضع من التهذيب والكافي والغنية ، فأوجبوه من وراء الثياب ، ولعله لقول الباقر عليه‌السلام في خبر جابر (٤) « في رجل مات ومعه نسوة وليس معهن رجل قال : يصببن الماء من خلف الثوب ، ويلففنه في أكفانه من تحت الستر » الخبر. وهو ـ مع عدم الجابر له بل تطرق الوهن اليه بمصير أكثر الأصحاب إن لم يكن كلهم إلى خلافه ، واحتماله المحارم ـ غير صالح لمعارضة ما تقدم ، فلا وجه لدعوى الجمع بينهما بحمل الأولى على التغسيل مجردا ، والثاني عليه من وراء الثياب ، وكيف مع أنها كالصريحة في نفيه حتى من وراء الثياب كما لا يخفى على من لاحظها ، مع أن بعض من نسب إليهم الفتوى بمضمونه لم نتحققه فيما حضرنا من كتبهم كالمقنعة والغنية ، أما الأولى فليس فيها سوى أن النساء يغسلن الصبي لأكثر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢ و ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٥.

٧٤

من خمس من فوق الثياب إذا لم يكن رجل ولا ذات محرم ، وأما الثانية فقال فيها : « إن لم يوجد من هذه صفته غسلته الأجانب في قميصه وهن مغمضات ، وكذلك الحكم في المرأة ، ومن أصحابنا من قال : إذا لم يوجد للرجل إلا الأجانب من النساء ، وللمرأة إلا الأجانب من الرجال دفن كل واحد منهما بثيابه من غير غسل ، والأول أحوط » انتهى. قيل : وقريب منه ما في الكافي ، وهي كما ترى لا ظهور فيها في الخلاف فضلا عن الصراحة ، فانحصر في المحكي عن موضع من التهذيب ، وظني أنه كالمقنعة ، مع أنه في موضع آخر منه والاستبصار حكم بالاستحباب ، بل عنه في النهاية والمبسوط والخلاف الاعراض عن ذلك.

فظهر لك أنه لا وجه للركون إلى ظاهر الخبر المتقدم ، بل لعل المتجه عدم الحكم بالاستحباب من جهته ، وذلك للنهي صريحا والأمر بالدفن في الأخبار المتقدمة ككلام الأصحاب ، وإن أمكن صرفهما إلى نفي الوجوب والرخصة في الدفن من غير غسل ، لكنه بعيد سيما في عبارات الأصحاب ، مع استلزامه التنجيس الذي لم يثبت العفو عنه هنا ، فالمتجه حينئذ عدمه ، ومنه يظهر لك ما في الحكم بالاحتياط في عبارة الغنية ، وطرح الخبر حينئذ أولى من ذلك ، كطرح‌ خبر عمرو بن خالد (١) عن زيد ابن علي عن آبائه عن علي عليهم‌السلام قال : « إذا مات الرجل في السفر مع النساء ليس فيهن امرأة ولا ذو محرم من نسائه يؤزرنه إلى الركبتين ، ويصببن عليه الماء ، ولا ينظرن إلى عورته ، ولا يلمسنه بأيديهن ويطهرنه » و‌خبر أبي بصير (٢) « في رجل مات مع نسوة ليس فيهن محرم ، فقال أبو حنيفة : يصببن عليه الماء صبا ، وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : بل يحل لهن أن يمسسن منه ما كان يحل أن ينظرن منه إليه وهو حي ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٠ لكن رواه عن أبي سعيد.

٧٥

فإذا بلغن الموضع الذي لا يحل لهن النظر إليه ولا مسّه وهو حي صببن عليه الماء صبا » إذ لم أعرف أحدا من الطائفة أفتى بمضمونهما ، اللهم إلا أن يرجعا إلى القول بالتغسيل من وراء الثياب ، وهو كما ترى ، فتأمل جيدا.

وكما استثني في الرجل تغسيل الصبية على حسب ما تقدم كذلك يستثنى من حكم المرأة تغسيل الصبي ولو أجنبيا بلا خلاف نجده فيه هنا في الجملة ، بل الإجماع عليه محصل فضلا عن المنقول في التذكرة والمنتهى ونهاية الأحكام وغيرها ، نعم اختلفوا في تحديد الجواز ، فظاهر المصنف كما في المبسوط والإصباح القصور عن ثلاث ، والمشهور الثلاث فما دون ، وفي المقنعة كما عن المراسم جواز تغسيل النساء الصبي مجردا إن كان ابن خمس سنين ، وإن كان ابن أكثر غسلته من فوق الثياب ، وقسم ابن حمزة الصبي ثلاثة أقسام : ابن ثلاث وابن أكثر ومراهق ، فالأول تغسله النساء مجردا من ثيابه ، والثاني تغسله من فوق ثيابه ، والثالث يدفن من غير غسل ، ونحوه ابن سعيد في الجامع إلا أنه لم يذكر المراهق ، وكان منشأ القولين الأولين‌ خبر ابن النمير مولى الحارث بن المغيرة (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الصبي إلى كم تغسله النساء؟ فقال : إلى ثلاث سنين » من حيث دخول الغاية وخروجها ، وظني أن القول الأول راجع إلى الثاني بإرادة الثلاث فما دون ، كما يرشد إليه ما في النهاية من الاتفاق على تغسيل ابن ثلاث سنين ، وكذا المنتهى والتذكرة ، فلا إشكال حينئذ في ذلك من هذه الجهة.

نعم قد يشكل قصر الحكم عليها وعدم جواز تغسيل من زاد عليها سيما مع إطلاق‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عمار (٢) بعد أن سئل « عن الصبي تغسله امرأة قال : انما تغسل الصبيان النساء » وجواز لمسهن والنظر لمن زاد عليها ، فيشمله حينئذ إطلاق الأمر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١ هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح أبو النمير مولى الحرث.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢.

٧٦

بالتغسيل ، مضافا إلى عدم شمول ما دل على عدم تغسيل الرجل إلا الرجل والمرأة إلا المرأة لما نحن فيه ، لخروج الطفل عن مفهوم الاسمين ، اللهم إلا أن يقال إن خبر ابن النمير بعد انجباره بالشهرة بين الأصحاب يرفع ذلك كله ، ولا ينافيه جواز اللمس والنظر ، إذ لعل ذلك من الشرائط التعبدية ، فلعل الأقوى حينئذ الاقتصار عليها وإن كان القول بدوران الحكم مدار جواز النظر واللمس كما مال إليه بعض متأخري المتأخرين لا يخلو من قوة.

ثم ان ظاهر المشهور أو صريحه جواز ذلك اختيارا ، بل في التذكرة والنهاية الإجماع عليه نصا ، كما هو قضية إطلاق معقد إجماع المنتهى والخبرين السالفين ، فما عن صريح النافع وظاهر السرائر والوسيلة وغيرها من القصر على الضرورة ضعيف جدا ، مع أنه في المعتبر قال : « قولنا في الأصل مع التعذر نريد به الأولى لا التحريم » ولعل ذلك مراد غيره أيضا ، والأمر سهل.

ثم اعلم أنه حيث ظهر لك جواز تغسيل كل من المرأة والرجل الصبي والصبية ولو كانا أجنبيين فالمراد ان الرجل يغسلها مجردة من ثيابها ، كما أن المرأة تغسل الصبي مجردا من ثيابه بلا خلاف أجده في الثاني ، بل عليه الإجماع في التذكرة والنهاية وهو الحجة ، مع أنه قضية ما ذكرنا من الأدلة سابقا. ولعل ما سمعته سابقا من المقنعة وعن المراسم من تغسيل ابن الزائد على الخمس بثيابه ليس خلافا فيما نحن فيه بعد ما عرفت من المناقشة في أصل الجواز ، وإلا فالمتجه بناء عليه جوازه مجردا ، إذ لا دليل على اشتراط ذلك ، كما أنه لا دليل عليها بالنسبة للأول أي تغسيل الرجل الصبية ، فما في الوسيلة والجامع وعن المراسم من التغسيل من وراء الثياب ضعيف ، بل في ظاهر التذكرة وصريح النهاية والروضة الإجماع عليه ، فالأقوى حينئذ الجواز مع التجريد كما صرح به جماعة ، ويقتضيه إطلاق آخرين ، بل لعل قضية إطلاق ما ذكرنا عدم وجوب‌

٧٧

ستر العورة فضلا عن غيرها كما صرح به في جامع المقاصد والروض ، بل نسبه في الأول إلى إطلاق النص والأصحاب.

ثم لا يخفى أن المراد بما تقدم سابقا من التحديد بثلاث سنين انما هو لنهاية الجواز إذا وقع الموت عندها فما دون ، فلا يقدح تأخر التغسيل بعد فرض حصول الموت لذلك ، فما في جامع المقاصد من أن الثلاث سنين هي نهاية الجواز ، فلا بد من كون الغسل واقعا قبل تمامها لا يخلو من نظر وتأمل.

ولا فرق في جميع ما ذكرنا في الصبي والصبية بين معلوم الذكورية والأنوثية ومجهولهما ، فالخنثى المشكل الذي لا يمكن رفع إشكاله بناء على عدم اعتبار القرعة وعد الأضلاع ونحوهما واضح إذا كان لثلاث فما دون بناء على أنها نهاية الجواز ، وكذا إذا كان لأكثر مع وجود أمة له بناء على ما تقدم سابقا ، ومع عدمها ففي التذكرة والمنتهى والقواعد والإرشاد والذكرى وجامع المقاصد والروض أنه يغسله محارمه من الرجال والنساء ، معللين ذلك بالضرورة لتعذر المماثل ، وعن أبي علي أنه تغسله أمته ، وعن ابن البراج أنه ييمم ولا يغسل.

وللنظر في الجميع مجال ، أما ( الأول ) فلعدم تناول ما دل على الضرورة المسوغة لغير المماثل لمثل ذلك ، لظهورها أو صريحها في معلوم الرجولية والأنوثية ، ودعوى أن المخالفة مانع لا أن المماثلة شرط في غاية الوهن مخالفة لصريح كلام الخصم ، ومنه يظهر فساد التمسك بالعمومات ، لكونها مخصصة عند الخصم بما دل على اشتراط المماثلة إلا مع التعذر في خصوص المحارم ، ولذلك احتاج هنا إلى التعليل بالضرورة ، مع أن قضيتها عدم الاقتصار على المحارم ، كالتمسك باستصحاب جواز النظر واللمس ، إذ هما غير صالحين لإثبات العبادة التوقيفية. وأما ( الثاني ) فمع ابتنائه على ما تقدم سابقا غير مطرد إذ قد لا تكون عنده أمة ، واحتمال التكليف بشراء أمة له من تركته ، فان لم يكن‌

٧٨

عنده تركة فمن بيت المال كما عن أحد وجوده الشافعية مما لا ينبغي أن يصغى اليه بعد فرض عدم الدليل عليه. وأما ( الثالث ) فلا دليل على وجوب التيمم مع لزوم المحذور أيضا ، فلعل الأحوط تكرير الغسل مرتين من كل من الرجال والنساء وإن كان لا يلزمون بذلك ، لأصالة براءة ذمة كل منهما ، والمقدمة بالنسبة إليهما غير معقولة ، فهما كواجدي المني في الثوب المشترك. لا يقال : إنه كيف يتصور نية التقرب من كل منهما ، لأنا نقول : إنه كسائر أنواع الاحتياط يكفي فيه احتمال التكليف.

هذا كله مع وجود المحارم ، أما مع العدم ففي التذكرة أن الوجه دفنه من غير غسل ، وفي المنتهى « أن الأقرب جواز صب الماء عليه للرجل والمرأة من فوق الثياب ، وليس لأحدهما أن يغسله مجردا ، لجواز أن يكون رجلا إن كان الغاسل امرأة ، وامرأة ان كان الغاسل رجلا » انتهى. قلت : وأنت لا يخفى عليك أنه بناء على جواز تغسيل الأجانب عند التعذر فلا إشكال في الجواز هنا إن قلنا بشموله لمثل ما نحن فيه من التعذر ، وأما بناء على العدم فلعل ما ذكرناه من الاحتياط السابق جار هنا ، وإلا فدعوى الوجوب على أحدهما كما هو ظاهر المنتهى قد يناقش فيه بعدم دليل عليه ، اللهم إلا أن يستند في ذلك إلى عموم ما دل على وجوب غسل كل ميت مع تنزيل اشتراط المماثلة على معلومية حال الميت ، لكن قضية ذلك عدم الالتزام بتغسيله من وراء الثياب ، للأصل المسوغ للنظر واللمس من كل من الرجال والنساء ، كما أن قضية ذلك عدم الالتزام بتقديم المحارم مع وجودهم ، نعم لعل ذلك أولى وأقرب للاحتياط ، وربما يحمل عليه كلام من سمعت من الأصحاب وان بعد ذلك جدا في كلام بعضهم ، وهو الذي يقوى في نفسي ، والمحكي عن أحد وجوه الشافعية إلا أنهم استندوا له باستصحاب حاله في الصغر ، ولا ريب في ضعف ذلك لاختلاف الموضوع ، والأولى الاستناد إلى ما ذكرنا من العمومات ، ومنه يظهر الكلام فيما لو وجد ميت أو بعضه مما يجب تغسيله واشتبه ذكوريته وأنوثيته لظهور كونهما من واد واحد ، فتأمل.

٧٩

وكل مظهر للشهادتين ولم يعلم منه عدم الإذعان بهما أو بإحداهما وإن لم يكن معتقدا للحق الذي لا يخرجه عن حكم الإسلام في الدنيا كالامامة ونحوها يجوز تغسيله أي يجب عدا الخوارج والمعروف منهم من خرج على علي أمير المؤمنين عليه‌السلام لتحكيم الحكمين والغلاة جمع غال ، وهو من اعتقد إلهية أحد من الناس كما في الروض ، والمعروف من ذلك من اعتقد إلهية علي عليه‌السلام ، وكذا كل من ارتكب ما يحكم بسببه بالكفر من قول أو فعل أو غيرهما ، فالنواصب والمجسمة ومنكروا شي‌ء من ضروريات الدين ونحوهم لا يجوز تغسيلهم ، للحكم بكفرهم.

ولا يغسل الكافر إجماعا محصلا منقولا على لسان مثل الشيخ والعلامة والشهيد وغيرهم ، وللأصل مع ظهور الأدلة في غيره ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عمار (١) « النصراني يموت مع المسلمين لا تغسله ولا كرامة ، ولا تدفنه ، ولا تقم على قبره وإن كان أبا » فلا إشكال حينئذ في ذلك ، كما أنه لا إشكال في وجوب غسل المؤمن أي الإمامي المعتقد لامامة الأئمة الاثنى عشر (ع) ما لم يحصل منه سبب الكفر ، بل هو إجماعي إن لم يكن ضروريا ، وأما من لم يكن كذلك كالعامة وقد يلحق بهم فرق الإمامية المبطلة كالواقفية والفطحية والناووسية فالمشهور تحصيلا ونقلا في الذكرى والروض والحدائق والرياض التغسيل ، بل عن التذكرة ونهاية الأحكام الإجماع على وجوب تغسيل الميت المسلم ، قيل : وهو الظاهر من المنتهى ، حيث حمل قول المفيد رحمه‌الله بعدم الجواز على من علم نصبه ، وفي مجمع البرهان « وأما وجوب غسل كل مسلم فلعل دليله الإجماع ـ إلى أن قال ـ : والظاهر أنه لا نزاع فيه لأحد من المسلمين كما في المنتهى ـ وقال أيضا ـ : ولعل عبارات بعض الأصحاب مثل الشيخ المفيد في عدم غسل المخالف مبني على أنه ليس بمسلم عنده ، كما يدل عليه دليله في التهذيب ولكنه بعيد » انتهى.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

٨٠