جواهر الكلام - ج ٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الأولى لك أن تفعل كذا لا في مثل ما نحن فيه إذا أريد به الذوات ، وإذا شئت فاستوضح ذلك في نظائره ، وكدعوى إشعار لفظ الغاصب به أيضا.

ومن العجيب تأييد الاستحباب من بعضهم بما هو وارد على القول به أيضا عند التأمل مما أشرنا إليه سابقا ، ومنها ما هو مبني على ما لا نقول به كدعوى وجوب الانتظار بالميت مع غيبة الولي والرجوع إلى حاكم الشرع ، أو عدول المسلمين مع كون الولي طفلا مثلا أو ممتنعا أو غائبا غيبة لا يمكن انتظاره أو نحو ذلك ، إذ قد يقال : بالمنع من وجوب المراعاة في جميع ذلك ، وسقوط الولاية في كل ما كان من هذا القبيل ، أو رجوعها إلى غيره من الأرحام الأقرب فالأقرب كما ستعرف كل ذلك مفصلا إن شاء الله في الصلاة ، كما أنك تعرف كثيرا من مباحث الأولوية هناك.

لكن نقول هنا على حسب الإجمال : إن المراد بولي الميت هو أولى الناس بميراثه كما صرح به غير واحد من الأصحاب ، بل نفى الخلاف عنه بعضهم ناسبا له إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، ولعل ذلك يكون كالقرينة على أن المراد بالأولى فيما تقدم من النصوص ذلك إن لم نقل أنه المتبادر المنساق منه ، ويمكن أن يستأنس له زيادة عليه بحسنة حفص بن البختري عن الصادق عليه‌السلام (١) « في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال : يقضي عنه أولى الناس بميراثه ، قلت : فان كان أولى الناس به امرأة قال : لا إلا الرجال » وموثقة زرارة عنه عليه‌السلام (٢) قال : « سمعته يقول : ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ، ) قال : انما عنى بذلك أولى الأرحام من الوارث ، ولم يعن أولياء النعمة ، فأولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم التي تجره إليها » وصحيحة هشام بن سالم عن بريد الكناسي عن الباقر عليه‌السلام (٣)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ حديث ٥ من كتاب الصوم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ حديث ٢.

٤١

قال : « ابنك أولى بك من ابن ابنك ، وابن ابنك أولى بك من أخيك ، وأخوك لأبيك وأمك أولى بك من أخيك لأبيك ، وأخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمك ، وابن أخيك من أبيك وأمك أولى بك من ابن أخيك لأبيك ، وابن أخيك من أبيك أولى بك من عمك ، وعمك أخو أبيك لأبيه وأمه أولى بك من عمك أخي أبيك لأبيه ، وعمك أخو أبيك لأبيه أولى بك من عمك أخي أبيك لأمه ، وابن عمك أخي أبيك لأبيه وأمه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأبيه ، وابن عمك أخي أبيك لأبيه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأمه ».

وهذه الأخبار وإن أمكن المناقشة فيها بعدم صلاحيتها لإثبات ما عليه الأصحاب من ترتب الولاية هنا على حسب طبقات الإرث عدا ما يستثنى ، وذلك لاختصاصها أولا بالقضاء والإرث ، وثانيا لاختصاص الأولى بالذكور دون الإناث ، وإجمال الثانية واقتصار الثالثة على بعض الذكور ، بل فيها ما لا ينطبق على ما ذكرناه هنا عن الأصحاب الظاهر في تشريك الأخوين للأبوين والأخ للأم ، لأنهما الوارثان ، وتشريك الأخ للأب مع الأخ للأم لاشتراكهما في الإرث أيضا إلى غير ذلك ، لكنه ـ مع أنه يمكن دفعها خصوصا مع ملاحظة كلام الأصحاب في الصلاة ، وخصوصا المناقشة الأولى لمنع ظهور الصحيح في الإرث بل هو في غيره أو الأعم منه أظهر ـ لا يخلو التأييد والاستئناس بها من وجه ، على أن العمدة ما ذكرنا أولا ولولاه لأمكن القول بأن المراد بأولى الناس به انما هو أقربهم إليه وأشدهم علقة به ، إذ الولي القريب كما في القاموس ، ولعله غير خفي على أهل العرف ، ودعوى استكشاف ذلك بالإرث فالوارث فعلا هو الأقرب دون غيره محل منع ، إذ لعل حكمة الإرث مبتنية على شي‌ء آخر ، كمنع دعوى أن الأكثر نصيبا أولى من الأقل ، لعدم ثبوت ما يقتضيه ، بل الثابت‌

٤٢

خلافه بالنسبة للأب والجد ونحوهما مما ستعرفه فيما يأتي ، بل قد يظهر من الأصحاب الإجماع على عدم اعتبار ذلك كما سيأتي في الصلاة ، لكن الإنصاف أن الأقربية وأشدية العلقة لا تخلو من إجمال أيضا في بعض الأحوال عند أهل العرف ، كما أنها غالبا توافق ما عليه الأصحاب من ترتيب ذلك على طبقات الإرث ، فالوقوف حينئذ معهم هو المتجه.

نعم يحتمل قويا أن المراد بالولي هنا مطلق الأرحام والقرابة لا خصوص طبقات الإرث ، لكنا لم نجد أحدا صرح به ، ولعله لما في أخبار الصلاة (١) والغسل أيضا من الحكم بأولوية بعض الأرحام على بعض ، مع إمكان تنزيله على صورة التشاح خاصة ، فتأمل جيدا هذا. وفي المدارك أنه لا يبعد أن يراد بالأولى بالميت هنا أشد الناس به علاقة ، لأنه المتبادر ، وتبعه عليه بعض من تأخر عنه ، وهو الذي أشرنا إليه سابقا ، وفيه ما لا يخفى بعد ما سمعت ، لكنه رده في الحدائق بما لا يكاد يظهر لنا استقامته ، حيث قال : « إن ذلك منه مبني على أن المراد بقولهم عليهم‌السلام في تلك الأخبار : ( أولى الناس به ) معنى التفضيل ، فتوهم أن المتبادر من الأولوية على هذا التقدير الأولوية بالقرب وشدة العلاقة ، وليس كذلك ، بل المراد بهذا اللفظ انما هو الكناية عن المالك المتصرف ، والتعبير عنه بذلك قد وقع في جملة من أخبار الغدير ـ إلى أن قال ـ وبذلك يظهر أن ( الأولى ) في أخبار الميت من أخبار الغسل والصلاة وغيرها انما هو بمعنى المالك المتصرف ، وهو بمعنى الولي كما في ولي الطفل وولي البكر » انتهى. وفيه ما لا يكاد يخفى على من له أدنى مسكة من أن ما تقدم من الأخبار المتعلقة بالمقام صريحة في إرادة التفضيل من الأولى ، فإن كان ذلك هو مبنى صحة ما في المدارك فلا إشكال حينئذ في استقامته ، مع أن الأصحاب وإن قالوا إن المراد به الأولى بالميراث لم ينكروا إرادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٦ و ١١ والباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة الجنائز.

٤٣

التفضيل منه على معنى أن الأحق بالإرث مقدم على غيره ، نعم انما يتجه على صاحب المدارك ما ذكرناه سابقا ، فتأمل جيدا.

وقد يظهر من بعض متأخري علماء البحرين هنا أن المراد بالولي المحرم من الوارث لا مطلقه ، ومع تعدده فالترجيح لأشدهم علاقة به بحيث يكون هو المرجع له في حياته والمعزي عليه بعد وفاته ، وكأنه لظهور أخبار الباب في كون الولي ممن له مباشرة التغسيل فعلا ولو عند عدم المماثل ، كقوله عليه‌السلام (١) : ( يغسله أولى الناس به ) وفي‌ موثقة الساباطي (٢) « الصبية يغسلها أولى الناس بها من الرجال » وفي الحسن (٣) « تغسله أولاهن به » فلا يتم حينئذ إرادة مطلق الوارث ، وقد يستأنس له أيضا بإطلاق الولي على خصوص المحرم في بعض أخبار حج المرأة من دون وليها (٤) كما أنه علل ما ذكره من الترجيح المتقدم مع فرض التعدد بما ورد من أخبار تولي الباقر عليه‌السلام أمر ابن ابنه (٥) والصادق عليه‌السلام أمر إسماعيل (٦) دون الصادق عليه‌السلام في الأول ، وأولاد إسماعيل في الثاني ، وما ذاك إلا لأنهما المرجع في ذلك ، ودخول الجميع تحت عيلولتهما هنا لك.

وأنت خبير بما في جميع ذلك ، كما سيتضح لك بعضه عند شرح قوله : ( وإذا كان الأولياء ) إلى آخره. سيما ما ذكره أخيرا من فعل الباقر والصادق عليهما‌السلام مع احتماله وجوها متعددة غير ما ذكره فتأمل جيدا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب وجوب الحج وشرائطه ـ حديث ١ من كتاب الحج.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

٤٤

ثم أنه حيث ظهر أن المتجه هو ما ذكره الأصحاب من ترتب ذلك على طبقات الإرث عدا ما استثني فهل المدار حينئذ على استئذان جميع أهل الطبقة حتى لو كان المتولي بعضهم أو يكتفى بإذن أحدهم مطلقا أو انه ما لم يمنع غيره؟ وجوه ، أحوطها الأول إن لم يكن أقواها ، وإن كان يمكن ان يؤيد ما بعده بصدق اسم الولي على كل واحد منهم فيكتفى باذنه لاندراجه تحت الأدلة حينئذ ، سيما الثالث أي مع عدم منع غيره ، فتأمل.

ولو امتنع الولي قال في الذكرى : « إن في إجباره نظرا ينشأ من الشك في ان الولاية هل هي نظر له أو للميت؟ » قلت : ولا ريب في قوة العدم ، للأصل مع ما يستفاد من فحاوي الأدلة ، لكنه هل تنتقل حينئذ الولاية إلى غيره من الأرحام أو إلى حاكم الشرع ومع عدمه فالى المسلمين أو انها تسقط للأصل مع عدم ثبوت المستند؟ وجوه ، ونحوه لو كان غائبا أو طفلا أو مجنونا حتى في احتمال السقوط ، لأن الولاية هنا ليست من قبيل الحقوق المالية حتى يلاحظ فيه الترتيب المذكور سيما مع عدم إشارة في شي‌ء من الأخبار ، ويؤيده السيرة العظيمة في سائر الأمصار على عدم الالتزام في شي‌ء من ذلك ، ولا سمعنا بإعادة غسل يوما من الأيام ، فكيف كان فالظاهر الاكتفاء بالعلم بالرضا لو علم من غير حاجة إلى الرضا الفعلي ، وإن كان ظاهر‌ قوله عليه‌السلام : ( يغسله أولى الناس به أو من يأمره الولي ) يقضي بخلافه ، إلا ان المتجه حمله على صورة عدم العلم ، كما أن المتجه على الظاهر عدم الحاجة إلى الاذن مع فرض انحصار التكليف بمكلف به بعينه ، كما لو كان الميت امرأة وليس إلا امرأة واحدة ، وكذا الرجل حيث يكون وليه امرأة ، مع احتمال وجوب مراعاتها تعبدا ، فتأمل.

وإذا كان الأولياء رجالا ونساء فالرجال أولى كما صرح به بعض هنا وآخر في الصلاة ، بل عن المنتهى نفي الخلاف عنه فيها وقضيته عدم الفرق بين كون الميت رجلا أو امرأة ، بل في المدارك انه جزم بهذا التعميم المتأخرون ، وفي الحدائق نسبته إلى‌

٤٥

الأكثر وقيده المحقق الثاني بما إذا لم يكن امرأة ، وإلا انعكس الحكم ، ولعله لاقتضاء ظاهر ما دل (١) على جواز إذن الولي ان له المباشرة ، لا ان معنى ولايته الاذن فقط ، مضافا إلى ظهور اقتضاء التوكيل في أمر ذلك أي صحة وقوع الموكل فيه من الموكل ، فتأمل. وربما اعترضه في الحدائق بأن ذلك غير مراد من الأخبار ، وإلا لزم سقوط الولاية عند تعذر المباشرة لمرض ونحوه ، وفيه نظر واضح ، لأن المراد جواز المباشرة وإن اتفق امتناعها لعارض ، نعم قد يتجه عليه منع كون المستفاد من الأدلة ذلك ، بل المستفاد أما المباشرة أو الاذن ، ويشعر به أيضا ما ستعرفه من الاتفاق على الظاهر وبعض الأخبار (٢) ( إن الزوج أولى بزوجته ) مع أن الأولى اجتناب المباشرة منه على ما يأتي ، فيعلم حينئذ ان المراد بولايته انما هو إذنه حسب ، فتأمل. كما أنه قد يمنع أصل الحكم أيضا حيث انا لم نعثر على ما يدل عليه ، بل قضية إطلاق الأصحاب ان الأولى به أولاهم بميراثه ، مع ان الأصل عدمه ، نعم قد يشهد له الاعتبار لكون الرجال غالبا أعقل وأقوى على الأمور وأبصر بها ، إلا انه لا يصلح لأن يكون مستندا شرعيا ، ويمكن الاحتجاج له بعد إمكان دعوى السيرة سيما إذا كان الميت رجلا بأصالة عدم ثبوت ولاية للمرأة مع وجود الرجال ، سيما مع كون الخطاب ظاهرا للذكور وفيه منع ، مع انه لا ظهور له في الخطاب الذي هو بلفظ الأولى فيما ادعاه ، لصدقه على المذكر والمؤنث وإلا لأشكل ثبوت ولاية المرأة حينئذ حتى مع عدم الرجل في طبقتها من نحو هذه الخطابات ، هذا. مع انه قد يشعر ما حكاه في الذكرى عن المبسوط بما قلنا ، حيث قال : قال في المبسوط : لو تشاح الأولياء في الرجل قدم الأولى بالميراث من الرجال ولو كان الأولى نساء محارم ، قال : وروي جوازه لهن من وراء الثياب ، والأول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة الجنائز.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٩.

٤٦

أحوط ، انتهى. وقد يحتمل ان كلام الأصحاب أي تقديم الرجال انما هو عند التشاح ، فيصلح حينئذ ما ذكر من الوجه الاعتباري مرجحا ، فتأمل.

( والزوج أولى من كل أحد بزوجته في أحكامها كلها ) بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الذكرى ، بل قد يشعر ما في التذكرة بالإجماع عليه ، حيث قال : « عندنا ان الزوج أولى من كل أحد في جميع أحكامها من الغسل وغيره ، سواء كان الغير رجلا أو امرأة قريبا أو بعيدا » انتهى. كما هو صريح المعتبر ، حيث حكى الاتفاق على مضمون موثق إسحاق بن عمار المروي في الكافي والتهذيب‌ عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : « الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها » ونحوه عن المنتهى. كما أن الأردبيلي نسبه إلى عمل الأصحاب ، وهو مع انه حجة بنفسه قد اعتضد بما عرفت. وب‌ خبر أبي بصير (٢) عنه (ع) أيضا قال : « قلت له : المرأة تموت من أحق بالصلاة عليها؟ قال : زوجها ، قلت : الزوج أحق من الأب والولد والأخ؟ قال : نعم ويغسلها » فما وقع لصاحب المدارك من إمكان المناقشة في هذا الحكم بضعف المستند ، وبأنه معارض بصحيحة حفص عن الصادق عليه‌السلام (٣) « في المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أيهما يصلي عليها؟ قال : أخوها أحق بالصلاة عليها » ليس في محله ، وإن أمكن تأييده مع ذلك بخبر عبد الرحمن عن الصادق عليه‌السلام (٤) أيضا ، سألته « عن المرأة ، الزوج أحق بها أو الأخ؟ قال : الأخ » إلا انه غير صالح ذلك لمقاومة ما ذكرنا سيما بعد موافقته للعامة كما حكاه الشيخ عنهم ، فلذلك حملهما هو على ذلك وهو جيد ، ومخالفته أيضا لما تقدم من ان أولى الناس بالميت أولاهم بميراثه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ٥.

٤٧

ولا فرق فيما ذكرنا من الحكم بين الدائم والمنقطع مع تحقق الدخول وعدمه على إشكال في المنقطع ، خصوصا إذا انقضى الأجل بعد موتها لبينونتها حينئذ منه ، بل لا يبعد ذلك بمجرد موتها وإن لم ينقض الأجل ، لكونها كالعين المستأجرة إذا فاتت كما لا يخفى على من أحاط خبرا بأحكام المتعة في محلها ، نعم الظاهر بقاء ولايته على المطلقة رجعية إذا ماتت في العدة لكونها زوجة فيها.

ثم ان ظاهر عبارة المتن وما شابهها جواز تغسيل الرجل زوجته اختيارا وفاقا للخلاف والسرائر والمعتبر والمنتهى والقواعد والإرشاد والمختلف والذكرى واللمعة والبيان وجامع المقاصد والروضة ، كالعكس وفاقا لها جميعا أيضا عدا الخلاف ، فإنه قال : « مسألة يجوز عندنا أن يغسل الرجل زوجته والمرأة زوجها أما غسل المرأة زوجها فيه إجماع إذا لم يكن رجال قرابات ولا نساء قرابات » إلى آخره. ولا صراحة فيه في الثاني مع الاختيار ، مع احتماله بحمل التقييد المذكور على إرادة معقد الإجماع ، فتأمل. وهو المنقول عن المرتضى وابن الجنيد والجعفي وحكي عن الشيخ في سائر كتبه عدا كتابي الأخبار. ونسبه في المختلف وغيره الى أكثر علمائنا.

وكيف كان فهو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل فيما حضرني من نسخة المنتهى نسبة الثاني إلى العلماء مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، كما هو صريح الخلاف في الأول مع ظهوره أو صريحه في الاختيار ، وهو الحجة ، مضافا إلى إطلاقات الأمر بالتغسيل ، وما يشعر به ما دل على أن الزوج أحق بها ، إلى آخره. وإلى استصحاب جواز النظر واللمس إن كان عدمهما المانع من ذلك ، والى وصية زين العابدين عليه‌السلام أم ولده بغسله ان ثبت (١) والى تغسيل أمير المؤمنين عليه‌السلام فاطمة عليها‌السلام (٢)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٦.

٤٨

وان اشتمل على التعليل بأنها صديقة لا يغسلها إلا صديق ، لعدم الإنكار عليه ممن لا يعتقد هذا الحكم ، فيشعر بمشهورية الحكم في الصدر الأول كما في الذكرى ، وإلى‌ صحيح عبد الله بن سنان (١) المروي على لسان المشايخ الثلاثة قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلح له أن ينظر إلى امرأته حين تموت؟ أو يغسلها إن لم يكن عنده من يغسلها؟ وعن المرأة هل تنظر إلى مثل ذلك من زوجها حين يموت؟ فقال : لا بأس بذلك ، انما يفعل ذلك أهل المرأة كراهية أن ينظر زوجها إلى شي‌ء يكرهونه » والمناقشة فيه بالتقييد في سؤاله بما ينافي الاختيار مدفوعة بأن الحجة في الجواب كالمناقشة باحتمال أن الإشارة بذلك في الجواب إلى النظر أو إلى خصوص ما سأل عنه السائل ، وهو في حالة الاضطرار ، لظهور التعليل في رفع ذلك جميعه ، كما يوضحه زيادة على ذلك‌ الحسن كالصحيح (٢) قال : « سألته عن الرجل يغسل امرأته ، قال : نعم إنما يمنعها أهلها تعصبا » مع وضوح دلالته على المختار ، وإلى‌ موثق سماعة (٣) قال : « سألته عن المرأة إذا ماتت ، قال : يدخل زوجها يده تحت قميصها إلى المرافق فيغسلها » ونحوه غيره (٤) وإلى‌ صحيح محمد بن مسلم (٥) قال : « سألته عن الرجل يغسل امرأته قال : نعم من وراء الثياب » وصحيح الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (٦) قال : « سئل عن الرجل يغسل امرأته ، قال : نعم من وراء الثوب ، لا ينظر إلى شعرها ولا إلى شي‌ء منها ، والمرأة تغسل زوجها ، لأنه إذا مات كانت في عدة منه ، وإذا ماتت هي فقد انقضت عدتها » وإلى التعليل في‌ صحيح زرارة عن الصادق عليه‌السلام (٧) « في الرجل يموت وليس معه إلا النساء ، قال : تغسله امرأته ، لأنها منه في عدة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٣.

٤٩

وإذا ماتت لم يغسلها ، لأنه ليس منها في عدة » الى آخره. ولا ينافيه خصوص الفرض ، وستسمع الكلام في ذيله ، وإلى‌ صحيح منصور (١) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته يغسلها ، قال : نعم وأمه وأخته ، ونحو هذا يلقي على عورتها خرقة » إلى غير ذلك مما دل على الحكمين معا.

خلافا للشيخ في التهذيبين وابن زهرة في الغنية والحلبي في إشارة السبق ، وربما كان هو الظاهر من الوسيلة وغيرها ، بل في الذكرى أن الذي يظهر من كلام كثير من الأصحاب أنهما كالمحارم ، وهم الذين يحرم التناكح بينهم نسبا أو رضاعا أو مصاهرة ، قلت : مع أنه قد حكى في كشف اللثام أن ظاهر الأكثر في المحارم الاختصاص بحال الضرورة ، فمنهما معا يحصل شهرة هذا القول ، وقد يحتج له بقول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر أبي حمزة (٢) : « لا يغسل الرجل امرأة إلا أن لا توجد امرأة » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٣) : « يغسل الزوج امرأته في السفر والمرأة زوجها في السفر إذا لم يكن معهم رجل » وتعليل تغسيل فاطمة عليها‌السلام بكونها صديقة لا يغسلها إلا صديق ، بل قد يشعر خبر المفضل بن عمر (٤) بمعروفية الحكم في الزمن السابق حيث أنه ضاقت نفسه لما أخبره الإمام عليه‌السلام بذلك ، فعلم به ، فرفع ما في نفسه بالتعليل السابق ، وبأن عيسى عليه‌السلام غسل مريم لذلك ، وبما سمعته سابقا في ذيل خبر زرارة في خصوص تغسيل الزوج زوجته.

ولا يخفى ضعف الجميع عن مقاومة ما ذكرنا سيما بعد الطعن في سند الأولين بل ودلالتها ، وصراحة بعض ما قدمنا في الاختيار ، نعم لا يبعد القول بالكراهة مع الاختيار كذلك ، ومنه يعرف وجه تعليل تغسيل فاطمة عليها‌السلام بكونها صديقة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٦.

٥٠

لإرادة دفعها ، وأما ما في ذيل خبر زرارة فهو مع منافاته لمذهب الخصم أيضا ينبغي القطع بحمله إما على التقية ، لأنه موافق لأشهر مذاهب العامة كما قيل ، أو على شدة الكراهة بالنسبة للمرأة ، أو على إرادة أنه لم يغسلها مجردة ، ولعله أولى من سابقيه لشهادة صحيح الحلبي المتقدم له ، وربما يشعر به أيضا التعليل في غيره أنها ليست مثل الرجل لكونها أسوأ منظرا منه ، كقول الصادق عليه‌السلام في خبر داود بن سرحان (١) « في رجل يموت في السفر أو في الأرض وليس معه فيها إلا النساء قال : يدفن ولا يغسل ، وقال في المرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة إلا أن يكون معها زوجها ، فان كان معها زوجها فليغسلها من فوق الدرع ، ويسكب عليها الماء سكبا ، ولتغسله امرأته إذا مات ، والمرأة ليست مثل الرجل ، المرأة أسوأ منظرا حين تموت » وقوله عليه‌السلام في خبر أبي الصباح الكناني (٢) « في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلا النساء ، قال : يدفن ولا يغسل ، والمرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن ولا تغسل إلا أن يكون زوجها معها ، فان كان زوجها معها غسلها من فوق الدرع ، ويسكب الماء عليها سكبا ، ولا ينظر إلى عورتها ، وتغسله امرأته إذا مات ، والمرأة إذا ماتت ليست بمنزلة الرجل ، المرأة أسوأ منظرا إذا ماتت ».

ولعله لهذه الأخبار وما تقدم سابقا من الأمر بالتغسيل من وراء الثياب أوجب الشيخ في الاستبصار ذلك في المرأة دون الرجل فجعله مستحبا ، وهو لا يخلو من قوة ، وإن كان الأقوى عدم الوجوب فيهما معا وفاقا للتهذيب والمعتبر والمحكي عن صريح النهاية والتذكرة وظاهر الغنية وعلم الهدى وغيره ، واختاره في مجمع البرهان والمدارك والحدائق والرياض ، ولعله الظاهر ممن أطلق جواز تغسيلهما من غير تقييد ، خلافا للمنتهى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٢.

٥١

والمختلف والبيان وجامع المقاصد والمسالك والروض والروضة فمن وراء الثوب ، بل في الأخير كما عن المسالك أنه المشهور ، وفي ظاهر المختلف نسبته إلى أكثر علمائنا.

ومن العجيب أنه في الذكرى نسبته إلى الشهرة رواية وفي الروض إليها فتوى ورواية مع إنكار بعضهم وجود دليل عليه من الأخبار بالنسبة التغسيل الزوجة الزوج ، بل عن بعضهم انه احتمل أنهم أخذوه من صورة العكس ، قلت : قد يشعر به‌ حسن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (١) « حيث سئل عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء ، فقال : تغسله امرأته أو ذو قرابة إن كان له ، وتصب النساء الماء عليه صبا » مع إمكان منعه ، وخبر سماعة (٢) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن رجل مات وليس عنده إلا نساء فقال : تغسله ذات محرم منه ، وتصب النساء عليه الماء صبا ، ولا تخلع ثوبه » وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء ، قال : تغسله امرأته أو ذات محرمه ، وتصب النساء الماء صبا من فوق الثياب » لكنهما مع الإغماض عن سندهما وكون الأول في غير الزوجة لعله لمكان كون التي تصب الماء من النساء الأجنبيات وإن كان المتولية للتغسيل المحرم ، كما عساه يشعر به وكذا الخبر السابق ، مع احتمال الثاني كون الحكم في غير الزوجة.

نعم قد يستدل له بمضمر الشحام في الصحيح (٤) « عن رجل مات في السفر مع نساء ليس معهن رجل ، فقال : إن لم يكن له فيهن امرأته فليدفن بثيابه ولا يغسل وإن كان له فيهن امرأته فليغسل في قميص من غير أن تنظر إلى عورته » وهو محتمل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٧.

٥٢

قريبا لما ذكرناه سابقا ، ولئن سلم فليحمل على الاستحباب جمعا بينه وبين الأخبار المتقدمة التي هي كالصريحة في جواز تغسيلها له مجردا المؤيدة بالأصل ، وإطلاق الأمر بالغسل ، واستصحاب حكم الزوجة ، وفحوى صورة العكس ، ومن العجيب تعليله في المنتهى الحكم بعدم نظرها إلى شي‌ء من عوراته وقد انقطعت العصمة بينهما ، مع أن‌ محمد بن مسلم (١) سأل الباقر عليه‌السلام في الصحيح « عن امرأة توفيت أيصلح لزوجها أن ينظر إلى وجهها ورأسها؟ قال : نعم » وكذا غيره مما تقدم مما يدل على عدم انقطاع العصمة بينهما ، بل لعله كالضروري من مذهبنا ، نعم قد يقال بكراهة نظر الزوج للزوجة بعد موتها لما عساه يشعر به التعليل السابق بالعدة منه دونه ، وللنهي في خبر الحلبي عن النظر إلى شعرها أو شي‌ء منها ، كما أنه يحتمل الحرمة في خصوص العورة للنهي عنه.

فظهر لك من ذلك كله ضعف القول بوجوب كونه من وراء الثياب في تغسيل الزوجة للزوج ، وأما العكس فهو وإن كان مشهورا في الأخبار كما عرفت ، بل ربما تخيل أنها لا تعارض بينها وبين غيرها إلا بالإطلاق والتقييد فيحمل حينئذ مطلقها على مقيدها ، إلا أن الأصل واستصحاب أحكام الزوجة وإطلاق الأمر بالغسل مع صراحة بعضها في جواز التجريد أو كالصريح ، كقوله عليه‌السلام : ( يلقي على عورتها خرقة ) وقوله عليه‌السلام : ( انما يمنعها أهلها تعصبا ) وما دل على جواز النظر إلى ما عدا عورتها ، وقول الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الله بن سنان (٢) : « إذا مات الرجل مع النساء غسلته امرأته ، وإن لم تكن امرأته معه غسلته أولاهن به ، وتلف على يدها خرقة » مع اختلاف تلك الأخبار بالنسبة إلى كيفية التغسيل في إدخال اليد تحت القميص أو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٠.

٥٣

سكب الماء من فوق الدرع ووراء الثياب ، وإشعار التعليل بكونها أسوأ منظرا إذا ماتت بأن المانع النظر لا التجريد نفسه ، واحتمال بعضها كونه لمانع خارجي ككون متولي الصب أجنبيا تؤيد القول بالاستحباب ، ولعله الأقوى.

وكيف كان فحيث يغسل الرجل أو المرأة من فوق القميص بأن يكسب الماء عليه فلا إشكال في عدم سراية النجاسة من الثوب الحاصلة من مباشرته للميت إلى الميت ، لظهور الأخبار في حصول الطهارة للميت بإتمام الغسل وإدراجه في كفنه من غير حاجة إلى شي‌ء آخر ، لكن هل ذلك لطهارة الثوب بمجرد الصب من غير حاجة الى العصر كما في الذكرى والروضة وجامع المقاصد وغيرها لإطلاق الأخبار فجائز أن يجري مجرى ما لا يمكن عصره ومجرى الخرقة الساترة للعورة ، فإنها لا تحتاج الى عصر قطعا على ما تشعر به عبارة الروضة ، أو أن ذلك حكم شرعي فلا ينافي احتياج طهارة الثوب حينئذ إلى عصر عدم تعدي نجاسته للميت ، أو ان ذلك لعدم نجاسة الثوب أصلا ورأسا وان قلنا بتعدي نجاسة الميت في غير ذلك؟ وجوه قد عرفت ان أولها ما في الكتب السالفة ، ولعل ثانيها يرجع اليه ما في الروض ، حيث قال : « وهل يطهر الثوب بصب الماء عليه من غير عصر؟ مقتضى المذهب عدمه ، وبه صرح المحقق في المعتبر في تغسيل الميت في قميصه من مماثله » انتهى. قلت : ولعله أشار بذلك الى ما في المعتبر ، حيث قال في المقام الذي ذكره : « وان تجرد كان أفضل ، لأنه أمكن للتطهير ، ولأن الثوب قد نجس بما يخرج من الميت ، ولا يطهر بصب الماء فينجس الميت والغاسل » وكأنه فهم منه ان مراده بما يخرج من الميت هو الذي يباشر به الميت لا البول والغائط ونحوهما ، وإلا لخرج عما نحن فيه.

ولعل الأقوى في النظر الأول ، لكن الاحتياط بالثاني كاللازم في المقام ، لإمكان المناقشة بعدم تشخيص الروايات شيئا من ذلك ، والقياس على خرقة الستر‌

٥٤

لا نقول به لو سلم الحكم في المقيس عليه ، وأحوط منه التغسيل من تحت الثياب من دون نظر من الغاسل بأن يغطي الميت بالثوب مرتفعا عنه ، كأن يقبض عليه من جانبيه أو نحو ذلك ، ولو اني عثرت على أحد يحمل أخبار التغسيل من وراء الثياب على ذلك كما عساه يومي إليه بعضها ما كنت عدلت عنه إلى غيره ، وإن كان حمل بعض الأخبار عليه لا يخلو من سماجة ، كقوله عليه‌السلام : ( فيصب الماء من فوق الدرع ) مع أنه قد يراد به أنه يوضع الماء على نفس الدرع ثم منه إلى الميت من غير مباشرة الميت لنفس الدرع ، فتأمل جيدا.

ثم ان الظاهر من كثير من أخبار المقام إرادة الثياب المعهودة ، لاشتمال جملة منها على القميص ، وأخرى على الدرع ، وثالثة على الثياب ، وحينئذ فلا يجب تغطية الوجه والكفين والقدمين ، فما في جامع المقاصد من أن الظاهر إرادة ما يشمل جميع البدن من الثياب لا يخلو من تأمل ، نعم قد يقال : إن خلو الأخبار عن التعرض الرأس مع حمل الأخبار على ما تقدم يقضي بجواز كونه مكشوفا ، لكن الظاهر عدمه إما بحمل الثياب على ما يشمله ، أو أن المراد بقاؤها في ثيابها التي كانت في حياتها ، والغالب منها مستورية الرأس ، وقد يؤيد ذلك بالنهي عن النظر إلى شعرها في صحيح الحلبي فتأمل.

ولا فرق في الزوجة بين الحرة والأمة ولا بين الدائم والمنقطع ولا بين المدخول بها وغيرها ، نعم قد يشكل ذلك في المنقطع خصوصا إذا كان قد انقضى الأجل بعد الموت كما لا يخفى على من أحاط خبرا بأحكام المنقطع المذكورة في محلها ، وكذا الزوج لإطلاق النصوص والفتاوى ، ولا يقدح فيه سبق بعضها إلى الذهن ، لعدم تحقق الندرة المانعة بمجرد ذلك ، والمطلقة الرجعية زوجة كما صرح به جماعة من الأصحاب ، بل لا أجد فيه خلافا من أحد سوى ما في المنتهى من أنه لو طلق امرأته فإن كان رجعيا ففي جواز تغسيل الآخر له نظر ، ولعله لاحتمال المناقشة فيه بانصراف ما دل على كونها زوجة إلى‌

٥٥

غير ذلك ، وهو ضعيف ، فلها أن تغسله حينئذ إن مات قبل خروج العدة ، أما إذا مات بعدها فهي أجنبية كالمطلقة بائنا ، وهو واضح ، وقال في الذكرى : « ولا عبرة بانقضاء عدة المرأة عندنا ، بل لو نكحت جاز لها تغسيله. وإن كان الفرض عندنا بعيدا » انتهى. ونحوه في الروض والروضة وكذا جامع المقاصد ، بل يشعر قول ( عندنا ) في الكتب الثلاثة بكونه مجمعا عليه ، والظاهر أن مرادهم بالعدة عدة الوفاة ، وبعد الفرض حينئذ لاستبعاد بقاء الميت بغير غسل حتى تنقضي وتتزوج ، كما يشعر بذلك المنقول عن حاشية الروضة لصاحبها ، حيث قال : « أنه يتحقق هذا الفرض بدفن الميت بغير غسل ، ثم تزوجت زوجته بعد مضي عدتها ، ثم أخرج الميت من قبره لغرض كالشهادة على حقه أو أخرجه السيل ولم يتغير ، فيجوز لها أو يجب حينئذ تغسيله » انتهى. قلت : ولعله لا يحتاج إلى هذا التكلف في نحو عصرنا ، وذلك لأنه قد تعارف فيه بقاء الميت مدة طويلة جدا بسبب إرادة دفنه في أحد المشاهد المشرفة.

وربما استشكل في الحكم بعض متأخري المتأخرين معللا ذلك بصيرورتها أجنبية والحال هذه ، وقد يؤيده ـ مع احتمال الشك في شمول الإطلاقات لمثل ذلك من جهة ندرته ـ أنه قد يشعر التعليل المتقدمة في صحيحة الحلبي وغيره بكونها في حدة منه أنه لا يجوز لها التغسيل بعد انقضائها سيما إذا تزوجت. وفيه منع صيرورتها أجنبية بذلك ، بل صدق اسم الزوجة عليها محقق ، ودعوى الندرة إن أريد بها ندرة الوقوع فهي مسلمة. لكنها لا تجدي وإن أريد غيرها فممنوعة. ولا إشعار في التعليل بذلك ، كما يشير إليه تعليله في هذا الخبر تغسيل الزوج لها بأنه قد انقضت عدته منها ، والظاهر أن مراده من حيث التجريد للثياب وعدمه ، ففي تغسيل المرأة له لا يتأكد كونه من وراء الثياب ، لأنها في عدة منه بخلاف العكس كما أشرنا إليه سابقا ، هذا.

٥٦

وربما فرضت المسألة في صورة أقرب مما ذكرنا ، وهي فيما إذا كانت حاملا ثم وضعت بعد موته ، فان عدتها تنقضي بالوضع فقط ، كما هو مذهب ابن أبي عقيل ، فإذا نكحت غيره قبل تغسيله لم يمنع ذلك من تغسيلها. إلا أن ذلك لا يتم بناء على ما هو المعروف من مذهب أصحابنا من العدة بأبعد الأجلين ، لكن قد يظهر من المصنف في المعتبر مشهورية القول بجواز التزويج لها بمجرد الوضع بين أصحابنا ، لأنه قال في الرد على أبي حنيفة حيث منع من تغسيل الزوج زوجته معللا ذلك بانقطاع عصمة النكاح بينهما ، فيحرم عليه النظر واللمس بدليل أنه يجوز له نكاح أختها والأربع وغير ذلك : « واستدلال أبي حنيفة ضعيف ، لأنا لا نسلم ان جواز نكاح الأربع والأخت يستلزم تحريم النظر واللمس ، فإن المرأة الحامل يموت زوجها فتضع ، ومع الوضع يجوز أن تنكح غيره ولا يمنعها ذلك من نظر الزوج ولا غسله ، ولا حجة في العدة ، لأنه لو طلقها بائنا ثم مات فهي عدة ، ولا يجوز لها تغسيله » انتهى. اللهم إلا أن يريد به الإلزام على ما عندهم ، لكنه لا يتجه إلزامه بذلك لأبي حنيفة عند التأمل ، هذا كله مع فرض كون العدة عدة وفاة ، أما لو فرض أنها عدة طلاق رجعي فيشكل تصور الحكم المذكور فيه ، اللهم إلا أن يفرض أنه مات في آخر العدة ثم خرجت عن العدة قبل أن تغسله ، فان لها أن تتزوج حينئذ وتغسله ، أما الأول فلخروجها عن العدة. وأما الثاني فلأنه مات وهي زوجة له ، ويكون بعد الفرض حينئذ لندرة اتفاقه ، وفيه أن الحكم في مثل الفرض اعتدادها بعدة الوفاة حينئذ ، فليس لها التزويج كما سيأتي إن شاء الله في محله. فتأمل.

ثم ان الأقوى إلحاق الأمة مطلقا أم ولد كانت أولا بالزوجة في جواز التغسيل من كل منهما إذا لم تكن مزوجة أو معتدة أو مبعضة أو مكاتبة ، فلها تغسيله وله تغسيلها كما في القواعد والبيان ومجمع البرهان ، بل لعله لا خلاف فيه بالنسبة للثاني ، كما استظهر نفيه في مجمع البرهان ، وفي جامع المقاصد أن تغسيله لها جائز قطعا إذا كان وطؤها‌

٥٧

جائزا ، ونحوه في المدارك وقد عرفت غير مرة أن ذلك ممن لا يعمل بالظنيات مجري مجرى الإجماع.

وكيف كان فيرشد إلى ما قلنا ـ مضافا إلى ذلك وإلى أصالة جواز النظر واللمس واستصحابهما ان كان ذلك هو المانع من جواز التغسيل على ما عساه يظهر من مستند الخصم ، وإلى بقاء علقة الملك من الكفن والمؤنة والاعتداد منه مع ما كان بينهما من الاستمتاع ما بين المتزاوجين ، وإلى إيصاء علي بن الحسين عليهما‌السلام أن تغسله أم ولد له إذا مات على ما في‌ خبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (١) « ان علي بن الحسين عليهما‌السلام أوصى أن تغسله أم ولد له إذا مات فغسلته » ولعله لا ينافي ما دل على أن الصديق لا يغسله إلا صديق ، لاحتمال إرادته إعانة الباقر عليه‌السلام في بعض الغسل وإن بعد ، كما يشعر به مع تأييد للحكم ما عن‌ الفقه الرضوي (٢) « ونروى أن علي بن الحسين عليهما‌السلام لما مات قال الباقر عليه‌السلام : لقد كنت أكره أن أنظر إلى عورتك في حياتك فما أنا بالذي أنظر إليها بعد موتك ، فأدخل يده وغسل جسده ثم دعى أم ولد له فأدخلت يدها فغسلته ، وكذلك فعلت أنا بأبي » انتهى ـ إطلاق أو عموم ما دل (٣) على وجوب التغسيل ولو بأمر الولي مع عدم المخرج ، على أن المختار عدم شرطية ما شك في شرطيته ومانعية ما شك في مانعيته ، فيصدق حينئذ على غسلها أنه غسل ، فما في المعتبر من أن الأقرب أنه لا تغسل المملوكة غير أم الولد سيدها معللا ذلك بأن ملكها انتقل عنه إلى غيره ، فحرم عليها النظر ، ومنه توقف في المنتهى كما عن التحرير والنهاية والتذكرة ضعيف كضعف ما في المدارك من تعميمه ذلك حتى في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب غسل الميت.

٥٨

أم الولد ، قال : « وربما فرق بين أم الولد وغيرها لرواية إيصاء زين العابدين عليه‌السلام وفي الطريق ضعف » انتهى. لما عرفت من أن انتقالها للغير لا يمنع بقاء الحكم السابق لها من النظر واللمس وغيرهما ، كما لا يمنعه انعتاق أم الولد أو حرية المدبرة ، نعم أقصاه توقف مباشرتها للتغسيل على إذن من انتقلت إليه ، كما أنك عرفت أنا في غنية عن النص بما سمعت ، لكون المنع محتاجا الدليل لا العكس.

ويجوز على المشهور كما حكاه جماعة منهم الشهيدان بل في الذكرى لا أعلم لهذا الحكم مخالفا من الأصحاب سوى المحقق في المعتبر ، وفي التذكرة نسبته إلى علمائنا أن يغسل الكافر المسلم إذا لم يحضره مسلم ولا مسلمة ذات رحم ، وكذا تغسل الكافرة المسلمة إذا لم تكن مسلمة ولا ذو رحم إلا أنه في التذكرة جعل ما نسبه إلى علمائنا ذلك مع زيادة حضور الأجانب من المسلمين أو المسلمات ، فيأمرون الكافر بالاغتسال أولا ثم يعلموه كيفية غسل المسلمين فيغسل ، كما أن معقد بعض حكاية الشهرة كذلك بخلاف آخر ، والحاصل أنه لا إشكال في تحقق الشهرة هنا في الجملة وإن اختلفت بعض عباراتهم بالنسبة إلى ذكر ذلك وعدمه ، وبالحكم صرح في المقنعة والتهذيب والوسيلة والمنتهى والقواعد والإرشاد واللمعة والبيان والروض الجنان والروضة والذخيرة والحدائق وعن المبسوط والنهاية والمراسم والصدوقين وابن الجنيد والصهرشتي وابن سعيد ، وهو الأقوى لموثقة عمار (١) المروية في الكافي والتهذيب عن الصادق عليه‌السلام قلت : « فان مات رجل مسلم وليس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوي قرابته ومعه رجال نصارى ونساء مسلمات ليس بينهن وبينه قرابة ، قال : يغتسل النصراني ثم يغسله فقد اضطر ، وعن المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ولا رجل مسلم من ذوي قرابتها ومعها امرأة نصرانية ورجال مسلمون قال : تغتسل النصرانية ثم تغسلها » وخبر عمرو بن خالد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

٥٩

عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم‌السلام (١) قال : « أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفر فقالوا : إن امرأة توفيت معنا وليس معها ذو محرم ، قال : كيف صنعتم؟ فقالوا : صببنا عليها الماء صبا ، فقال : أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها؟ فقالوا : لا ، قال : أفلا يمموها » مع التأييد بما‌ عن فقه مولانا الرضا عليه‌السلام (٢) « فان مات ميت بين رجال نصارى ونسوة مسلمات غسله الرجال النصارى بعد ما يغتسلون ، وإن كان الميت امرأة مسلمة بين رجال مسلمين ونسوة نصرانية اغتسلت النصرانية وغسلتها ».

وما عساه يناقش في ذلك ـ بضعف السند ، وباستلزامه تنجس الميت بمباشرة الكافر عند التغسيل بالماء القليل وبعده بالماء الكثير ، مع أن الغسل عبادة فلا تصح من الكافر ، فوجب طرح هذه الأخبار أو حملها على التقية من حيث دلالتها على طهارة أهل الذمة ـ في غاية السقوط ، إذ هي مع أن الموثق حجة عندنا مجبورة بما عرفت من الشهرة بل ظاهر الإجماع ، واحتمال المناقشة فيها باختلاف عبارات الأصحاب من حيث التقييد المذكور سابقا في بعضها وعدمه في أخرى فلا شهرة محققة سيما بعد ما قيل إنه لم يذكره ابن أبي عقيل ولا الجعفي ولا ابن البراج في كتابيه ولا ابنا زهرة وإدريس ولا الشيخ في الخلاف مدفوع بعد فرض التسليم بتحققها قطعا في صورة التقييد ، وهو كاف ، ولا دلالة في عدم الذكر من أولئك على المخالفة ، بل لعل الشهرة محققة على تقدير خلافهم أيضا ، واستلزامه تنجس الميت بالنجاسة العرضية ـ مع احتمال عدم تعدي النجاسة منه إليه هنا ، وإمكان منع استلزامه المباشرة المورثة لذلك أو صب الماء بعدها للتطهير منه ثم التغسيل ـ لا يصلح للاعراض عن الدليل المعمول به بين الأصحاب ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

٦٠