جواهر الكلام - ج ٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

إلا أنه قال في الأول : الأفضل العدم ، كما أنه في الثاني والأصل ما قدمناه ، والثالث الأحوط العدم ، ولعله يستفاد منه في غير النهاية الجواز ، وفي الجامع يحرم نبشه بعد الدفن ، ورويت رخصة في جواز نقله إلى بعض المشاهد سمعت مذاكرة ، وفي المصباح وإذا دفن فلا ينبغي نقله ، وقد رويت رواية بجواز نقله إلى بعض المشاهد ، والأول أفضل ، وقد تقدم ما سمعته من ابني الجنيد وحمزة.

والأقوى الأول لإطلاق أو عموم ما دل على حرمة النبش من الإجماعات السابقة وغيرها سيما ما في المعتبر من دعوى إجماع المسلمين على حرمته إلا في صور أربع ، ولم تكن هذه منها ، ولعل غيره كذلك أيضا ، هذا إن لم نقل إنه الموافق لأوامر الدفن المراد منها بعده استدامته كما تقدم تحقيقه سابقا ، فلاحظ.

وقد استدل بذلك أي بحرمة النبش جماعة من الأصحاب منهم العلامة والشهيد والمحقق الثاني وغيرهم ، بل لا دليل لهم سواه كما اعترف به بعضهم ، واعترضه في المدارك والرياض تبعا لمجمع البرهان بخروجه عن محل النزاع ، إذ المراد هنا النقل بعد الدفن من حيث هو كذلك من دون نظر إلى النبش ، فربما يقع منه وهو محرم ، وقد لا يكون كذلك كما إذا وقع بفعل غير المكلف أو بفعله خطاء أو نسيانا.

وفيه انه لا يخفى على الملاحظ لكلمات الأصحاب أن محل النزاع في ذلك إنما هو من حيث النبش كما يشعر به استدلالهم عليه به ، بل جعله بعضهم من الصور المستثناة منه.

نعم قد يظهر من عبارة المتن كالقواعد كون حرمته لنفسه لا من حيث النبش لمكان عطفهما له عليه ، ولعلهما أرادا التنصيص عليه ، لوقوع الجواز في كلام بعض من تقدمهما ، فيكون حينئذ من عطف الخاص على العام ، أي لا يجوز مطلق النبش ولا النبش للنقل ، كما أن مراد من أطلق حرمة النقل بعد الدفن إنما هو الغالب من توقفه‌

٣٦١

على النبش غالبا ، وإن من جوز أراد جواز النبش لذلك ، وإلا فلم نقف على ما يدل على المنع منه بحيث يختص به على النقل سابقه حتى يحصل الفرق بينهما في الجواز وعدمه ، إذ هو مع قطع النظر عن النبش ميت لم يدفن ، فيجري ما يجري فيه من الأحكام ، ومجرد وضعه في حفرة آنا ما ثم أخرج منها وبقي مكشوفا لم يقلب حكمه.

اللهم إلا أن يقال : إنه لما دفن لم تبق مصلحة في نقله من حيث وقوع السؤال له ورؤيته تلك الأحوال ونحو ذلك ، وفيه ـ مع أنه لا يقضي بالحرمة ، إذ أقصاه أنه يكون كالنقل قبل الدفن إلى ما لا صلاح للميت فيه في الكراهة ـ لا تنحصر المصالح والمفاسد بذلك ، وكيف ومنها الشفاعة في يوم القيامة ، أو تخفيف ما هو فيه ونحو ذلك ، أو يقال إن في نقله من نفس القبر هتكا للحرمة ومثلة به بخلافه قبل الدفن ، فلذا يحكم بالحرمة من دون نظر إلى النبش ، وفيه ـ مع أنه ممنوع بل هو مساو له قبله في كل ما يفرض ـ أنه ينبغي أن تخص حينئذ الحرمة بما إذا كان النقل من نفس القبر ، أما لو كان من غيره كما لو اتفق أنه نبشه نابش فأخرجه عن قبره فلا ، بل اللازم اختصاصها بذلك الآن الذي أخرج منه ، أما بعد خروجه وإرادة نقله فلا.

وكيف كان فالأقوى الجواز مع قطع النظر عن النبش ، فيكون كما لو لم يدفن. فيقيد عندنا حينئذ بما لم يكن فيه هتك لحرمته من خروج رائحة ونحوها ، كما أن الأقوى العدم مع النظر إليه ، لما عرفت من الأدلة على حرمته ، وما يقال ـ : إن دليله الإجماع وهو مفقود في محل النزاع ، فالأصل الجواز ـ ضعيف ، لما عرفته من إطلاق الإجماعات المنقولة ، بل إطلاق أوامر الدفن وغير ذلك.

ومثله ما يقال من تقييد هذه الأدلة في خصوص ما نحن فيه بالرواية المرسلة على لسان من عرفت ، وبالأخبار السابقة المتضمنة لنقل نوح عظام آدم ( على نبينا وآله وعليهما السلام ) إلى الغري ، وموسى يوسف ( على نبينا وآله وعليهما السلام ) إلى الشام ،

٣٦٢

وكونه فعل الشرع السابق قد عرفت دفعه ، كل ذا مع التأييد بما فيه من صلاح الميت ودفع الضرر عنه بمجاورته من هو أهل لجلبه ودفعه ، بل قد يتمسك بإطلاق ما دل على استحباب الدفن في أراضيهم وجوارهم الشامل لما بعد الدفن أيضا ، وهو إما خاص بالنسبة إلى حرمة النبش أو من وجه ، والترجيح له بما عرفت ، وبما نقل عن جملة من علمائنا أنهم دفنوا ثم نقلوا كالمفيد من داره بعد مدة إلى جوار الكاظمين عليهما‌السلام والمرتضى من داره إلى جوار الحسين عليه‌السلام ، والبهائي من أصبهان إلى المشهد الرضوي على مشرفه السلام ، وقد كان في مثل هذه الأوقات من الفضلاء ما لا يحصى عددهم إلا الله ، سيما في زمن المفيد والمرتضى مع شدة قربه أيضا لزمان الأئمة عليهم‌السلام والمعاصرين للمعاصرين لهم.

وفيه أنه لا ينطبق على أصولنا ، إذ تقييد تلك الأدلة مع تعددها وتأيدها بمثل هذه الرواية المرسلة التي لا جابر لها ، بل عرفت عمل المشهور على خلافها ، بل ظاهر من أرسلها عدم الالتفات إليها في النهاية ، كما أنه في غيرها جعل العدم أفضل وأحوط ، وكذا الخبران الآخران ، مع إمكان اختصاصهما بمضمونهما ، وعدم القصد من النقل التعليم ، كما لعله الظاهر في خصوص المقام ، واحتمال تنزيل خبر نوح عليه‌السلام على عدم النبش ، بل كان أخرجه الماء أو حذرا من إظهار الماء له فيخرج عن الدفن حينئذ ، وهو مناف لحرمة مثله إلى غير ذلك ، والعلم بأن ذلك صلاح للميت أو فساد مختص بعلام الغيوب ، فلعل في النبش مفسدة تقابل المصلحة وتفضل عليها ، بل عرفت أن الشيخ في المصباح صرح بأن الأفضل العدم ، فلا طريق لنا إلا التعبد بظاهر الأدلة ، ومن الغريب التمسك بما ذكر على استحباب الدفن في المشاهد ونحوها ، إذ هي بعد تسليم الترجيح لها على فرض العموم من وجه صريحة أو كالصريحة في غير المدفون لا فيه على أن ينبش فيدفن فيها ، كما هو واضح ، ونقل أولئك العلماء مع عدم ثبوته‌

٣٦٣

لا يقضي بكون ذلك رأي فضلاء الوقت ، بل يكفي فيه تقليد الولي لواحد وإن كان الباقي على خلافه ، على أن ذلك ليس من الحجج الشرعية.

فلا ريب أن الأقوى العدم حينئذ ، سيما إذا كان مع ذلك متضمنا لهتك جرمته ومثلته من خروج رائحة وقبيح وتغير أحوال بحيث يتجنبه كل من يراه وتقطع أوصال ، بل لعل حرمة ذلك متفق عليه بين الجميع ، كما يشير إليه ما عرفته من التقييد في جامع المقاصد والروض هنا ، وكيف وقد عرفت اشتراط النقل قبل الدفن به عند جماعة ، فبعده أولى ، بل ربما ظهر من الأردبيلي كون ذلك مجمعا عليه بينهم ، ولعل اشتراط جواز النقل قبل الدفن بما لم يكن فيه هتك للحرمة مناف لجوازه بعد الدفن ، لما في النبش نفسه من هتكها ، اللهم إلا أن يقال : إنه لا هتك في نفس النبش وإن ذكر فيه ذلك ، فتأمل جيدا.

ثم إنه لا ريب في جواز البكاء على الميت نصا (١) وفتوى للأصل ، والأخبار التي لا تقصر عن التواتر معنى من بكاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حمزة (٢) وإبراهيم عليه‌السلام (٣) وغيرهما (٤) وفاطمة عليها‌السلام على أبيها (٥) وأختها (٦) وعلي بن الحسين عليهما‌السلام على أبيه (٧) حتى عدّ هو وفاطمة عليهما‌السلام من البكائين الأربعة ، إلى غير ذلك مما لا حاجة لنا بذكره ، بل ربما يظهر من بعض الأخبار استحبابه عند اشتداد الوجد ، وقول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية بن وهب (٨) المروي عن أمالي الحسن بن محمد الطوسي : « كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب الدفن.

(٢) سير الحلبية ج ـ ٢ ـ ص ٣٢٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١٠.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٩.

٣٦٤

الحسين عليه‌السلام » محمول على ضرب من التأويل ، وأما ما‌ روي (١) ـ من « أن الميت يعذب ببكاء أهله » فمع الطعن فيها بالعامية كما عن عائشة أولا ، وبوهم الراوي واشتباهه ثانيا ، وقصورها عن معارضة غيرها من وجوه عديدة ثالثا ، ومنافاتها للعقل والنقل على أن ( لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) رابعا ، إلى غير ذلك ـ فقد أجاد في الذكرى في الكلام عليها ، فلاحظ ، وكذا بعض الأخبار الدالة (٢) بظاهرها على النهي عن البكاء فلتحمل على المشتمل على علو الصوت والشق واللطم أو المتضمن للجزع وعدم الرضا بقضاء الله تعالى أو غير ذلك ، كما في الأخبار (٣) إشارة إليه حيث اعترض على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بكائه على إبراهيم بأنك قد نهيت عن البكاء ، فتأمل جيدا.

ولعله من جواز البكاء يستفاد جواز النوح عليه أيضا لملازمته له غالبا ، مضافا إلى الأخبار (٤) المستفيضة حد الاستفاضة المعمول بها في المشهور بين أصحابنا ، بل في المنتهى الإجماع على جوازه إذا كان بحق ، كالإجماع على حرمته إذا كان بباطل ، وروي (٥) « أن فاطمة عليها‌السلام ناحت على أبيها ، فقالت :

يا أبتاه من ربه ما أدناه ،

يا أبتاه إلى جبرئيل أنعاه ،

يا أبتاه أجاب ربا دعاه »

كما‌ روي عن علي عليه‌السلام (٦) « أنه أخذت قبضة من تراب قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعتها على عينها ثم قالت :

ما ذا على المشم تربة أحمد

أن لا يشم مدى الزمان غواليا

صبت علي مصائب لو أنها

صبت على الأيام صرن لياليا

__________________

(١) كنز العمال ج ـ ٨ ـ ص ٩٠ الرقم ١٧٢٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب الدفن.

(٥) البحار ج ـ ٦ ـ ص ١٠٤٢ من طبعة الحروفي.

(٦) المغني لابن قدامة ـ ج ٢ ص ٥٤٧.

٣٦٥

و‌روي (١) « إن أم سلمة ندبت ابن عمها المغيرة بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن استأذنت منه للمضي إلى أهله ، لأنهم أقاموا مناحة ، وقالت :

أنعى الوليد بن الوليد

أبا الوليد فتى العشيرة

حامي الحقيقة ماجدا

يسمو إلى طلب الوتيرة

قد كان غيثا في السنين

وجعفرا غدقا وميرة

فلم ينكر عليها » وعن‌ الصادق عليه‌السلام في الصحيح (٢) أنه « قال أبي : يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى » وقد يستفاد منه استحباب ذلك إذا كان المندوب ذا صفات تستحق النشر ليقتدى بها.

و‌عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) « لما انصرف من وقعة أحد إلى المدينة سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا ، ولم يسمع من دار عمه حمزة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لكن حمزة لا بواكي له فالى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميت ولا يبكوه حتى يبدأوا بحمزة وينوحوا عليه ويبكوا ، فهم إلى اليوم على ذلك » إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الصريحة في المطلوب ، وهي وإن كانت هناك أخبار (٤) في مقابلها تدل على خلافها ، بل الشيخ وابن حمزة في المحكي عنه عملا بمضمونها من عدم الجواز ، مدعيا الأول منهما الإجماع ، لكنها مع ضعفها وعدم صراحتها محتملة للتقية ، وللنوح بالباطل المشتمل على لطم الوجه والضرب وقول الهجر ونحو ذلك ، كما يفهم من بعضها ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ حديث ٢ ـ ١ من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ حديث ٢ ـ ١ من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨٣ ـ من أبواب الدفن.

٣٦٦

ويقتضيه قواعد الإطلاق والتقييد ، بل يحتمل تنزيل كلامهما عليه أيضا ، ويرشد إليه دعوى الإجماع منه ، لما عرفت من أن ما نحن فيه مظنة الإجماع لا العكس ، وبذلك يظهر أنه لا بأس بأجر النائحة نوحا محللا كما دلت عليه بعض الأخبار (١) وتقتضيه الأصول والقواعد ، ويأتي الكلام فيه في المكاسب إن شاء الله ، لكن يكره النوح بالليل لخبر خديجة (٢) بنت علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهم‌السلام قالت : « سمعت محمد بن علي عليهما‌السلام يقول إنما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح لتسيل دمعتها ، ولا ينبغي لها أن تقول هجرا ، فإذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة » نعم لا يجوز اللطم والخدش وجز الشعر إجماعا حكاه في المبسوط ، ولما فيه من السخط لقضاء الله تعالى ، وخبر خالد بن سدير عن الصادق عليه‌السلام (٣) « لا شي‌ء في لطم الخدود سوى الاستغفار والتوبة » بل في الأخيرين الكفارة كما يأتي في محله إن شاء الله.

( ولا شق الثوب على غير الأب ) والأخ كما في الوسيلة والمنتهى والإرشاد ، ونسبه في المبسوط إلى الرواية ، وفي ظاهر المدارك نسبته إلى الأصحاب ، وقضية هذا الإطلاق عدم الفرق فيه بين الرجل والمرأة ، لكنه قد يشعر اقتصار العلامة في القواعد على الأول كما عن الشيخين بجوازه للمرأة ، بل على جميع الأقارب ، وعنه في النهاية التصريح به ، ومال إليه في المدارك وكذا الذكرى ، كما عن المحقق الثاني في فوائد الكتاب اختياره.

وكيف كان فلا أعرف خلافا معتدا به في حرمته بالنسبة للرجل في غير الأب والأخ ، بل في المحكي عن مجمع البرهان دعوى الإجماع عليه كظاهر غيره ، سوى ما يحكى عن كفارات الجامع « لا بأس بشق الإنسان ثوبه لموت أخيه ووالديه وقريبه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الكفارات ـ حديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

٣٦٧

والمرأة لموت زوجها » لكنه ضعيف محجوج بما عرفت من الإجماع المحكي صريحا وظاهرا الذي قد يشهد له التتبع المؤيد بكونه إتلافا للمال وتضييعا له ومنافيا للصبر والرضا بقضاء الله تعالى ، وبالمرسلة المروية في المبسوط المنجبرة به وبغيره مما ستسمعه إن شاء الله في المرأة ، وبالمعلوم من وصايا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام عند الموت ونهيهم (١) عن الشق عليهم والخمش.

فلا وجه حينئذ للتمسك بالأصل بعد انقطاعه بما عرفت ، كخبر خالد بن سدير عن الصادق عليه‌السلام (٢) بعد أن سأله عن رجل شق ثوبه على أبيه أو على أمه أو على أخيه أو على قريب له « لا بأس بشق الجيوب ، قد شق موسى على أخيه هارون ، ولا يشق الوالد على ولده ، ولا زوج على امرأته ، وتشق المرأة على زوجها ، وإذا شق زوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته حنث يمين ، ولا صلاة لهما حتى يكفرا أو يتوبا من ذلك ـ إلى أن قال بعد ذكر الكفارة على الجز والخدش ـ : ولا شي‌ء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار والتوبة ، ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما‌السلام ، وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب » إذ هو وإن أطلق فيه نفي البأس أولا لكن المراد منه بقرينة ما بعده ـ مع الطعن في سنده ولا جابر ـ أنه لا بأس به في الجملة ، فلذا كان الاستدلال به عليه من حيث تضمنه النهي عن شق الوالد على الولد متمما بعدم القول بالفصل أولى من العكس.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٣ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٥ والمستدرك ـ الباب ٧٢ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الكفارات ـ حديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

٣٦٨

وكذا ما عساه يستدل له به أيضا من‌ خبر الحسن الصيقل (١) « لا ينبغي الصياح على الميت ، ولا شق الثياب » من حيث ظهور « لا ينبغي » في الكراهة لوجوب إرادة الحرمة منه هنا بقرينة ما عرفت إن لم نقل بظهورها فيها بنفسها ، بل قيل إنها شائعة في الأخبار بذلك ، مضافا إلى ما في الحدائق من أن الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب حرمة الصراخ ، وإنما الجائز النوح بالصوت المعتدل ، فيجب حينئذ إرادة الحرمة منها بالنسبة إليه ، فيتبعه الشق ، وإلا لزم استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه أو المشترك في معنييه أو غيرهما ، مما هو موقوف على القرينة وليست. قلت : ومع ذلك فالموجود فيما حضرني من نسخة الوسائل « ولا تشق الثياب » فيكون حينئذ نهيا مستقلا ، كما أن الموجود فيها بالنظر إلى السند عن امرأة الحسن الصيقل ، إلا أن المعروف في كتب الفروع عن الحسن الصيقل ، وفي الذكرى الصفار بدل الصيقل ، والأمر سهل.

ومن استدلال الصادق عليه‌السلام بشق موسى على أخيه هارون ( على نبينا وآله وعليهما السلام ) ومرسلة المبسوط المتقدمة المنجبرة بفتوى الأصحاب عدا النادر ، بل نسبه غير واحد إليهم بدون استثناء يستفاد حكم المستثنى أي جواز الشق على الأب والأخ ، مضافا إلى ما حكى‌ في الفقيه وغيره مرسلا من شق العسكري عليه‌السلام (٢) قميصه من خلف وقدام عند موت أبيه عليه‌السلام وعن‌ كشف الغمة نقلا من كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري عن أبي هاشم الجعفري (٣) قال : « خرج أبو محمد عليه‌السلام في جنازة أبي الحسن عليه‌السلام وقميصه مشقوق ، فكتب إليه ابن عون من رأيت أو بلغك من الأئمة عليهم‌السلام شق قميصه في مثل هذا؟ فكتب إليه أبو محمد عليه‌السلام يا أحمق وما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٥.

٣٦٩

يدريك ما هذا ، قد شق موسى على هارون » ونحوه المحكي عن الكشي في كتاب الرجال مسندا ، فما عن ابن إدريس من القول بالحرمة فيهما ضعيف ، بل لا يبعد القول حينئذ بالاستحباب للتأسي.

كما أنه من ذلك وما تقدم بل أولى منه يستفاد جوازه للمرأة أيضا فيهما ، مع أنه لا خلاف فيه إلا منه أيضا ، وهو ضعيف كسابقه ، لما عرفت مما تقدم ، مضافا إلى ما في‌ خبر خالد بن سدير (١) عن الصادق عليه‌السلام « ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما‌السلام ، وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب » إذ من المعلوم فيهن بناته وأخواته.

وأما شقها في غيرهما فالأحوط والأولى تركه إن لم يكن أقوى ، لأصالة لاشتراك في الحكم ، ولمرسلة المبسوط السابقة المنجبرة بإطلاق فتوى كثير من الأصحاب ، وبمنافاته للصبر والرضا بقضاء الله ، وبأنه تضييع ، وبخبر الصفار بناء على ما وجدناه ، وبما رواه في‌ البحار عن دعائم الإسلام (٢) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « أنه أوصى عند ما احتضر ، فقال : لا يلطمن عليَّ خد ولا يشقن عليَّ جيب ، فما من امرأة تشق جيبها إلا صدع لها في جهنم صدع ، كل ما زادت زيدت » وبما رواه في‌ البحار أيضا عن مسكن الفؤاد عن ابن مسعود (٣) قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب » وعن أبي أمامة (٤) « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن الخامسة وجهها ، والشاقة جيبها ، والداعية بالويل والثبور » وبما رواه فيه أيضا عن‌ مشكاة الأنوار نقلا عن كتاب المحاسن (٥) عن الصادق عليه‌السلام في قول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الكفارات ـ حديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٧١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١٢.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٧١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١٣.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٧١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٦.

٣٧٠

الله عز وجل (١) ( وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ) المعروف أن لا يشققن جيبا ، ولا يلطمن وجها ، ولا يدعون ويلا » الحديث.

كل ذا مع أنه لا دليل على الجواز سوى الأصل الذي لا يصلح للمعارضة ، ورواية الصفار « لا ينبغي » وقد تقدم الكلام فيه ، وما يحكى من فعل الفاطميات كما في ذيل خبر خالد بن سدير عن الصادق عليه‌السلام بل ربما قيل إنه متواتر ، وهو موقوف على فعل ذلك من غير ذات الأب والأخ وعلى علم علي بن الحسين عليه‌السلام وتقريره المفيد رضاه به ، ودونه خرط القتاد ، على أنه قد يستثنى من ذلك الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام أو خصوص سيدي ومولاي الحسين بن علي عليهما‌السلام كما يشعر به الخبر المتقدم ، وكذا غيره من الأخبار التي منها‌ حسن معاوية السابق (٢) عن الصادق عليه‌السلام « كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين عليه‌السلام » المراد به فعل ما يقع من الجازع من لطم الوجه والصدر والصراخ ونحوها ، ولو بقرينة ما رواه‌ جابر عن الباقر عليه‌السلام (٣) « أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر وجز الشعر » إلى آخره مضافا إلى السيرة في اللطم والعويل ونحوهما مما هو حرام في غيره قطعا ، فتأمل. وما في خبر خالد المتقدم من جواز شق المرأة على زوجها ، ولا قائل بالفصل ، وهو ـ مع ضعفه ولا جابر له واستبعاد تحقق الإجماع المركب في المقام ـ قاصر عن معارضة ما سمعت ، فتأمل جيدا.

المسألة ( الثانية الشهيد ) الذي سبق الكلام في بيان موضوعه يدفن وجوبا بثيابه عدا ما ستعرف إن قلنا إنها ثياب إجماعا بقسميه ونصوصا (٤) أصابها الدم‌

__________________

(١) سورة الممتحنة ـ الآية ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٣ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب غسل الميت.

٣٧١

أولا ، وعن الشافعي وأحمد جواز التكفين بغيرها ، لكن المصنف في المعتبر حكى إجماع المسلمين على أنه يدفن مع الشهيد جميع ثيابه أصابها الدم أو لا ، وكذا المحقق الثاني ، وفي التذكرة والمدارك إجماع العلماء ، فيحتمل عدم ثبوت النقل المذكور عن الشافعي وأحمد أو يريدوا بمعقد إجماعاتهم الجواز لا الوجوب ، ومن الثياب عرفا السراويل ، فيجب حينئذ دفنها معه وإن لم يصبها دم وفاقا للأكثر ، وخلافا للمفيد وسلار وابن زهرة وعن أبي علي ، فتنزع إن لم يصبها الدم ، بل ظاهر الثالث دخوله تحت ما حكاه من الإجماع ، ولعله الحجة لهم ، مضافا إلى‌ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) في خبر الزيدية : « ينزع عن الشهيد الفرو والخف والقلنسوة والعمامة والمنطقة والسراويل إلا أن يكون أصابه دم ، فإن أصابه دم ترك » ويدفعه مع عدم صراحة عبارة الغنية في الإجماع أنه معارض بإجماع الخلاف على أن لا ينزع منه إلا الجلود وغيره من الإجماعات على الدفن بالثياب ، سيما بعد شهادة فتوى الأكثر لها.

ومنه يقوى في الظن الوهم في دعوى الإجماع إن اندرجت فيه ، كما أنه بملاحظة ذلك والنصوص بدفن الثياب مع ضعف الخبر المتقدم وإعراض المشهور عنه يقوى عدم الالتفات إليه ، إذ لا مقاومة له ، فلا يحكم به عليه ، وكذا الكلام فيما تضمنه أيضا من القلنسوة والعمامة والمنطقة إن كانت من الثياب ، وإن نص في المقنعة والغنية والمراسم والسرائر على نزع الأولى إذا لم يصبها الدم كما عن ابن بابويه ، بل الظاهر دخوله في معقد إجماع الثانية ، وأما الأخيران فلم أعرف أحدا نص على نزعهما عنه ، سوى ما يحكى عن علي بن بابويه « لا ينزع منه شيئا إلا الخف والمنطقة والقلنسوة والعمامة والسراويل ، فإن أصاب شيئا من ثيابه دم لم ينزع عنه » وهو محتمل لعموم ثيابه في كلامه للستة ، واختصاصه بما عدا الأول أو الأولين أو الثلاثة الأول ولغير ذلك أيضا ، وما عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٠.

٣٧٢

المفيد من النص على أن العمامة ليست من الثياب ، قيل ولم يدخلها الأصحاب في الكسوة في الكفارة ، واختلفوا فيها في الحبوة.

قلت : وكيف كان فالأقوى أن القلنسوة والعمامة من الثياب ، فيجري فيهما حينئذ ما تقدم ، وعدم دخول الثانية في الكسوة لو سلم لا ينافيه ، إذ لا منافاة بين ذلك وبين صدق كونها من الثياب بعد وجودها في جملتها ، وكذا القلنسوة بل وبعض أفراد المنطقة ، ولذا حكي عن المسالك دعوى الشهرة على أن العمامة والقلنسوة من الثياب ، وتقدم ما في الخلاف من الإجماع على أنه لا ينزع منه إلا الجلود ، وهو كذلك حينئذ ، على أنه قد يقال إنها وإن لم تدخل تحت اسم الثياب حقيقة لكنها تدخل وتفهم عند الأمر بالدفن بثيابه تبعا لها ، كدخول طريق الدار ورسن الدابة ونحو ذلك عند بيع كل منهما.

وعلى كل حال فلا ينزع شي‌ء منها ، وإجماع الغنية والرواية قد سمعت الكلام فيهما ، نعم ينزع عنه الخفان والفرو أصابهما الدم أو لم يصبهما على الأظهر الأشهر ، بل لا خلاف فيه بالنسبة إلى الأولين إذا لم يصبهما الدم ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وأما إذا أصابهما الدم فالمشهور كذلك ، بل في الغنية الإجماع عليه ، كما أنه يدخل أيضا في معقد إجماع الخلاف أنه لا ينزع منه إلا الجلود ، كل ذا مع عدم صدق اسم الثياب عليه قطعا ، فيكون دفنه تضييعا للمال ، ودعوى فهم ما عليه من الأخبار مع إصابة الدم وإن لم تسم ثيابا كقوله عليه‌السلام (١) : « يدفن بدمائه » وفي آخر (٢) « يدفن كما هو بدمائه » كالاستدلال عليه بقول أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) المتقدم سابقا ممنوعة ، إذ المفهوم من الأول إرادة نفي وجوب الغسل والتغسيل ، وقد عرفت ما في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٠.

٣٧٣

الثاني ، على أنه محتمل لأن يكون الشرط فيه للأخير ، فما في الوسيلة والسرائر والمراسم كما عن نهاية الأحكام من الدفن معه إذا أصابه الدم ضعيف.

وأما الفرو فالشبهة فيها من حيث صدق اسم الثياب عليها وعدمه ، وإلا فلم نقف على ما يدل عليها بالخصوص ، فلا تنزع على الأول ، وتنزع على الثاني ، لكن بناء على ذلك ينبغي عدم الفرق بين إصابة الدم وعدمه ، لكن قيده به الخصم في المقام كابني زهرة وإدريس وعن أبي علي ، فينزع الفرو إذا لم يصبها الدم ، بل ظاهر الأول الإجماع عليه ، ولعل ذلك منهم ينبئ على أنها ليست بثياب عندهم ، وإنما أوجبوا دفنها معه عند إصابتها الدم ، لأنهم فهموا من الأخبار دفن ما أصابه الدم وإن لم يكن ثوبا كما سمعته في الخف ، وإلا لم يتجه التقييد بذلك لدفن الثياب معه مطلقا ، فيتحصل حينئذ من ذلك الاتفاق منهم على أنها ليست من الثياب ، وإن النزاع فيها ليس من هذه الجهة ، وقد عرفت في الخف أنه لا دلالة في أخبار الدفن بدمائه على ذلك ، فلا إشكال حينئذ في خروج الفرو بناء على أنها ليست من الثياب ، لانصراف الثوب إلى المنسوج كما قيل ، مضافا إلى إجماع الخلاف على نزع الجلود ، لكن ومع ذلك كله فالمسألة لا تخلو من إشكال من حيث احتمال صدق اسم الثياب عليها وعدم اختصاصها بالمنسوج ، سيما بعض الفراء ، وسيما إذا كانت بهيئة المنسوج ، على أنه قد لا يكون عليه إلا الفراء ، ودخول مثله تحت المجرد فيكفن كما ترى ، كدعوى دفنه مجردا ، فتأمل جيدا.

( ولا فرق ) في الشهيد بين أن يقتل بحديد أو غيره كما تقدم الكلام فيه‌ وفيما ذكره المصنف هنا من المسألة الثالثة وهي أن حكم الصبي والمجنون إذا قتل شهيدا حكم البالغ العاقل.

المسألة ( الرابعة إذا ) علم أنه قد ( مات ولد الحامل ) في بطنها ولما يخرج صحيحا أدخل اليد في الفرج وقطع وأخرج إجماعا كما في الخلاف ، ومذهب الأصحاب كما‌

٣٧٤

في المدارك ، ويشهد له مع ذلك الاعتبار ، وما رواه‌ في الكافي (١) وعن قرب الاسناد للحميري من قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر وهب بن وهب عن الصادق عليه‌السلام « في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف عليها ، قال : لا بأس أن يدخل الرجل يده فيقطعه ويخرجه » قلت : ورواه في موضع آخر من الكافي أيضا كذلك إلا أنه زاد في آخره « إذا لم ترفق به النساء » وما في المحكي من‌ فقه الرضا عليه‌السلام (٢) « وإن مات الولد في جوفها أدخل إنسان يده في فرجها وقطع الولد بيده وأخرجه » وضعف الأولى بوهب بن وهب غير قادح بعد الانجبار بما عرفت من دعوى الإجماع صريحا وظاهرا الذي يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب ، إذ لم يعرف من أحد التوقف في هذا الحكم ، نعم قال المصنف في المعتبر بعد ذكر مستند الحكم من الخبر المتقدم : « ووهب هذا عامي ضعيف لا يعمل بما ينفرد به ، فالوجه أنه إن أمكن التوصل إلى إسقاطه صحيحا بشي‌ء من العلاجات وإلا توصل إلى إخراجه بالأرفق فالأرفق ، ويتولى ذلك النساء ، فان تعذرن فالرجال المحارم ، فان تعذر فغيرهم دفعا عن نفس الحي » انتهى. واستوجهه في التنقيح والمدارك وكشف اللثام ، وفي الذكرى وغيرها أن الرواية لا تنافي ذلك ، بل في كشف اللثام أنه لعله مراد الأصحاب وإن لم يصرحوا به.

قلت : كأن المصنف ظن أن ذلك مناف لإطلاق الرواية ، وفيه أن التقييد بذلك من المعلوم الواضح الذي تقتضيه أصول المذهب ، وفي الزيادة السابقة في الخبر إشارة إلى بعضه ، سيما بناء على ما روي في بعض كتب الفروع إذا لم تتفق له النساء ، وكذا في كلام بعض الأصحاب كمعقد إجماع الشيخ في الخلاف « فان مات الجنين ولم يخرج والأم حية جاز للقابلة ومن تقوم مقامها أن تدخل يدها فتقطع الجنين وتخرجه » انتهى. ونحوه غيره.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٣.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١.

٣٧٥

هذا كله ان مات وهي حية ، وأما ان ماتت هي دونه أي وقد علم أنه حي بحركة ونحوها ولم يخرج أيضا شق جوفها وانتزع إذا لم يمكن خروجه بدون الشق بلا خلاف أجده فيه عندنا كما اعترف به في الخلاف ، بل ظاهره فيه بين العلماء ، وفي التذكرة نسبته إلى علمائنا ، قلت : وهو كذلك ، ويشهد له الاعتبار ، والأخبار (١) المستفيضة بل وفوق الاستفاضة المروية في الكافي والتهذيب ، بل روي في الوسائل عن الكشي (٢) في كتاب الرجال عن الباقر عليه‌السلام نحوها أيضا ، لكنها ليس في شي‌ء منها تعين موضع الشق كعبارة المصنف ومعقد إجماع الخلاف ، ومقتضاه حينئذ عدم الفرق بين الجانبين ، إلا أنه في الفقيه والمقنعة والمبسوط والجامع والتذكرة والتحرير وجامع المقاصد وغيرها من كتب المتقدمين والمتأخرين التقييد بالأيسر ، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا ويشهد له مع ذلك ما في فقه الرضا عليه‌السلام (٣) من التقييد به أيضا ، مع أنه لعل له مدخلية في المخرج أو المخرج منه.

كل ذا مع موافقته للاحتياط والاقتصار على المتيقن ووقوعه أي التقييد أيضا في مثل الفقيه والمقنعة ونحوهما ، بل نقل عن النهاية التي هي متون أخبار وعن السرائر الذي لا يعمل إلا بالقطعيات إلى غير ذلك ، فالقول به حينئذ لا يخلو من قوة ، فما عساه يظهر من المصنف في المعتبر وتبعه عليه غيره من الميل إلى العدم لعل الأقوى خلافه.

وكذا ما ذكره المصنف بقوله وخيط الموضع كما صرح به كثير من الأصحاب بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا ، وفي النافع إلى رواية ، قال في المعتبر : وإنما قلنا في رواية لأنها رواية ابن أبي عمير عن ابن أذينة (٤) وهي موقوفة ، فلا تكون حجة ولا ضرورة إليه لأن مصيرها إلى البلاء ، واستحسنه في المدارك ، قلت : كأنه لم يقف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الاحتضار.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٨.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٧.

٣٧٦

إلا على ما في التهذيب حيث قال : وفي‌ رواية ابن أبي عمير عن ابن أذينة « يخرج الولد ويخاط بطنها » وكذا ما في‌ الكافي أيضا بعد أن ذكر خبر ابن أبي حمزة عن الصادق عليه‌السلام (١) « سأله عن المرأة تموت ويتحرك الولد في بطنها أيشق بطنها ويستخرج ولدها؟ قال : نعم » قال : وفي رواية ابن أبي عمير زاد فيه « يخرج الولد ويخاط بطنها » قال في الذكرى بعد ذكره ما في الكافي والتهذيب والمعتبر : « قلنا هذان الراويان من عظماء الأصحاب وأصحاب الأئمة عليهم‌السلام وظاهرهما القول عن توقيف ، وزيادة الثقة مقبولة » انتهى.

قلت : كأنه لم يفهم من الكافي كون المراد في رواية ابن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام كما لعله الظاهر منه ، بل ربما يدعى مثله في عبارة التهذيب ، ولذا اعتذر بما سمعت ، وهو في محله حيث يحتاج إليه سيما إذا انجبر بفتاوى الأصحاب ، إلا أنّا في غنية عنه هنا بما رواه في‌ الكافي في موضع آخر في الصحيح أو الحسن إلى ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق عليه‌السلام (٢) « في المرأة تموت ويتحرك الولد في بطنها أيشق بطنها ويخرج الولد؟ قال : فقال : نعم ويخاط بطنها » وروايته هذه قرينة على ما ذكرناه سابقا في كلامه ، بل وعلى كلام الشيخ أيضا ، فلا توقيف حينئذ وإرسال ابن أبي عمير مع أنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه غير قادح ، سيما في مثل المقام للانجبار بما عرفت ، على أنه قد يقوى كون الواسطة هنا ابن أذينة بقرينة ما في التهذيب.

فظهر لك من ذلك كله أن القول بالوجوب كما ذكره الأصحاب هو الأقوى ، مع ما فيه من الاحترام للميتة والتمكن من تغسيلها وتكفينها ونحوهما من غير مثلة.

ثم إنه لا فرق عندنا في الشق المذكور بين رجاء بقاء الولد بعد خروجه وعدمه كما صرح به بعض الأصحاب ويقتضيه إطلاق الباقين كالأدلة ، ولا بين وجود القوابل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١.

٣٧٧

وعدمه كما عرفت ، خلافا للمحكي عن الشافعي وأحمد من أن القوابل يخرجنه من غير شق ، فان فقدن ترك حتى يموت ، ثم تدفن الأم معه بناء على أن مثل هذا الولد لا يعيش عادة ، فلا يهتك حرمة الأم لأمر موهوم ، وهو كما ترى ، نعم إنما ذلك مع القطع بكونه حيا في بطنها بعد موتها ، أما مع عدمه فالظاهر الحرمة ، محافظة على حرمة الميت ، ولما يفهم من التأمل في أخبار المقام ، ولا يثمر استصحابها قبل موتها وإن قلنا بوجوب الانتظار حتى يقطع بموته لو كان حيا ، لعدم التلازم بين الأمرين ، وأما لو كانا معا حيين وخشي على كل منهما فالظاهر الصبر إلى أن يقضي الله ، ولا ترجيح شرعا ، والأمور الاعتبارية من غير دليل شرعي لا يلتفت إليها ، والله ورسوله أعلم.

إلى هنا تم الجزء الرابع من كتاب جواهر الكلام وقد بذلنا

غاية الجهد في تصحيحه ومقابلته للنسخة الأصلية

المخطوطة المصححة بقلم المصنف قدس روحه

الشريف ويتلوه الجزء الخامس في

الأغسال المسنونة والتيمم إن شاء الله

تعالى

عباس القوچاني‌

٣٧٨

فهرس الجزء الرابع

من كتاب جواهر الكلام

الصحيفة

العنوان

الصحيفة

العنوان

٢

ما يترتب على المرض من الثواب

١٩

استحباب نقل المحتضر إلى مصلاه إذا تعسر خروج الروح

٣

استحباب كتمان المرض وترك الشكاية

٢٠

استحباب أن يكون عند المحتضر مصباح ان مات ليلا

٤

استحباب عيادة المرضى

٢١

استحباب أن يكون عند المحتضر من يقرأ القرآن

٥

تأكد استحباب عيادة المرضى في الصبح والمساء

٢١

استحباب قراءة يس عند قبور الموتى

٥

استحباب التماس الدعاء للعائد من المريض

٢٣

استحباب غمض عيني المحتضر وإطباق فيه ومد يديه إلى جنبيه

٥

معنى الاحتضار

٢٣

استحباب تعجيل التجهيز

٦

وجوب توجيه المحتضر إلى القبلة

٢٤

عدم جواز التعجيل حال الاشتباه حتى يستبرأ بعلامات الموت

١١

استحباب التوجيه إلى القبلة بعد الموت

٢٥

وجوب الصبر إلى ثلاثة أيام لمن اشتبه موته

١٢

عدم الفرق بين كون الميت صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا

٢٧

كراهة وضع الحديد على بطن المحتضر

١٢

كيفية توجيه المحتضر إلى القبلة

٢٨

هل يلحق بالحديد غيره في الكراهة أم لا؟

١٢

سقوط الاستقبال مع عدم التمكن من الكيفية الخاصة

٢٨

اختصاص كراهة وضع الحديد بما بعد الموت

١٣

وجوب التوجيه كفائي

١٤

تعلق الوجوب بالمحتضر مع التمكن

١٤

استحباب تلقين الشهادتين

١٦

استحباب تلقين كلمات الفرج

١٨

استحباب نقل المحتضر إلى مصلاه

٣٧٩

الصحيفة

العنوان

الصحيفة

العنوان

٢٨

كراهة حضور الجنب والحائض عند المحتضر

٦٢

هل يجب إعادة الغسل لو وجد المماثل قبل الدفن أم لا؟

٢٩

اختصاص كراهة حضور الجنب والحائض بوقت الاحتضار

٦٣

وجوب تغسيل الرجل محارمه من وراء الثياب

٢٩

كراهة إبقاء الميت وحده

٦٥

هل يتقيد تغسيل الرجل محارمه بما إذا لم تكن مسلمة أو زوج أم لا؟

٢٩

استحباب إعلام المؤمنين للتشييع

٦٧

عدم جواز تغسيل الرجل غير محارمه

٣٠

غسل الميت واجب على الكفاية

٧٠

جواز تغسيل الرجل بنت ثلاث سنين

٣١

إن أولى الناس بالميت أولاهم بميراثه

٧٣

عدم جواز تغسيل المرأة الرجل

٤٣

المراد بالولي مطلق الأرحام

٧٦

جواز تغسيل المرأة الصبي

٤٥

الرجل أولى إذا كان الأولياء رجالا ونساء

٧٧

جواز تغسيل كل من الرجل والمرأة الصبية والصبي مجردا

٤٧

الزوج أولى بزوجته

٧٨

تغسيل الخنثى

٥٥

لا فرق في الزوجة بين الدائم والمنقطع ولا بين الحرة والأمة ولا بين المدخول بها وغيرها

٨٠

عدم وجوب غسل الخوارج والغلاة

٥٧

إلحاق الأمة بالزوجة

٨٠

عدم وجوب غسل الكافر

٥٩

جواز تغسيل الكافر المسلم إذا لم يحضره مسلم ولا مسلمة ذات رحم وكذا تغسيل الكافرة المسلمة إذا لم تكن مسلمة ولا ذو رحم

٨٠

هل يجب غسل المخالف أم لا؟

٦٢

هل يتقيد الحكم المذكور بوجود المسلم أو المسلمة معهم أم لا؟

٨٥

كيفية تغسيل المؤمن المخالف

٨٥

تبعية ولد المسلم والكافر لهما

٨٦

بيان المراد من الشهيد

٨٩

اعتبار الموت في المعركة بالنسبة إلى الشهيد

٣٨٠