جواهر الكلام - ج ٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بخبر محمد بن أحمد (١) المروي عن الكافي قال : « كنت بقيد فمشيت مع علي ابن بلال إلى قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع ، فقال لي ابن بلال : قال لي صاحب هذا القبر عن الرضا عليه‌السلام : من أتى قبر أخيه ثم وضع يده على القبر وقرأ إنا أنزلناه سبع مرات أمن يوم الفزع الأكبر أو يوم الفزع » فإنه دال على استحباب وضع اليد ولو في غير حال الدفن كما أنه دال على استحباب قراءة إنا أنزلناه ، وعلى استحباب زيارة قبور الاخوان كما استفاضت به (٢) وتداولته الطائفة الأخيار ، وقد حكى الإجماع عليه العلامة والشهيد بالنسبة للرجال ، ويتأكد استحباب ذلك يوم الاثنين وغداة السبت تأسيا بالمحكي من فعل فاطمة عليها‌السلام في زيارتها قبور الشهداء.

ومنه يعلم‌ استحباب زيارة النساء للقبور‌ كما نص عليه بعضهم خلافا للمصنف في المعتبر ، فكرهه لهن ، بل ظاهره أو صريحه نسبته ذلك فيه إلى أهل العلم ، ولكن علله بمنافاته للستر والصيانة ، وهو يومي إلى أن كراهته لأمر خارج عنه ، وهو حسن مع استلزامه ذلك ، وكذا استلزام الجزع وعدم الصبر لقضاء الله ، بل ربما يصل إلى حد الحرمة ، وأما بدون ذلك فالظاهر الاستحباب للعموم وخصوص بعض الأخبار [٣٤٦٧] (٣) ومن العجيب دعواه الكراهة حتى بالنسبة إلى زيارة الأئمة عليهم‌السلام مع كثرة العمومات الدالة على رجحانها المنجبرة بعمل الأصحاب وغير ذلك ، فتأمل جيدا.

ويتأكد استحباب الزيارة في الخميس‌ تأسيا بفعل فاطمة عليها‌السلام (٤) أيضا ، وفي خصوص العشية منه‌ تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) فإنه كان يخرج في ملأ من أصحابه كل عشية خميس إلى بقيع المؤمنين ، فيقول : « السلام عليكم يا أهل الديار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب الدفن.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١ و ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

٣٢١

ثلاثا » ، وربما يفهم من التأمل في الأخبار الفرق بين زيارة القبر الواحد وشبهه وبين زيارة المقبرة ، فيستحب وضع اليد على القبر وقراءة إنا أنزلناه سبعا في الأول لما عرفت ، وللمرسل عن الرضا عليه‌السلام (١) « ما من عبد زار قبر مؤمن فقرأ عنده إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات إلا غفر الله له ولصاحب القبر ، والسلام » ونحوه في الثاني.

ويستحب أن يكون مستقبل القبلة عند زيارة القبر‌ أيضا ، لأنها خير المجالس وأقرب إلى استجابة الدعاء ، وللمحكي عن‌ الكشي (٢) نقلا من كتاب محمد بن الحسين ابن بندار بخطه إلى أن قال : « أخبرني صاحب هذا القبر يعني محمد بن إسماعيل بن بزيع أنه سمع أبا جعفر عليه‌السلام يقول : من زار قبر أخيه المؤمن فجلس عند قبره واستقبل القبلة ووضع يده على القبر فقرأ إنا أنزلناه سبع مرات أمن من الفزع الأكبر » ولا منافاة بينه وبين الخبر السابق ، فيكون الحاصل حينئذ أنه ينبغي أن يضع يده على القبر مستقبل القبلة ويقرأ إنا أنزلناه سبعا ، ويدعو للميت بدعاء الباقر عليه‌السلام الآتي.

ومن رجحان الاستقبال هنا يفرق به بين زيارة المعصوم عليه‌السلام وغيره ، فيجعل القبلة بين كتفيه في الأول ، وفي وجهه في الثاني ، وعن مجمع البرهان أني رأيت في بعض الروايات (٣) أن زيارة غير المعصوم مستقبل القبلة ، وزيارته مستقبلها ومستدبرها ، قلت : لكن الذي عليه العمل الآن بالنسبة إلى زيارة العباس وعلي بن الحسين عليهم‌السلام ونحوهما على نحو زيارة المعصوم ولعله لعدم اندراجهم في الأولين ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب الدفن والباب ٦ و ٢٩ و ٦٢ وغيرها من كتاب المزار.

٣٢٢

ولذا لم نر أحدا عاملهم بالنسبة إلى قراءة الفاتحة وإنا أنزلناه ونحو ذلك معاملتهم ، مع اعتياد مقابلة الزائر للمزور ، وهو لا يخلو من قرب ، والله أعلم.

ومنها أنه يستحب أن يترحم على الميت كما ذكره الأصحاب على ما في كشف اللثام ، وأفضله بما دعى به الباقر عليه‌السلام على قبر رجل من أصحابنا كما في خبر محمد بن مسلم (١) بعد أن حثى عليه مما يلي رأسه ثلاثا بكفه ثم بسط كفه على القبر ، ثم قال : « اللهم جاف الأرض عن جنبيه ، وأصعد إليك روحه ، ولقه منك رضوانا ، وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه عن رحمة من سواك » ثم مضى.

وفي‌ خبر سماعة عن الصادق عليه‌السلام (٢) « إذا سويت عليه التراب فقل : اللهم جاف الأرض عن جنبيه ، وصعد روحه إلى أرواح المؤمنين في عليين ، وألحقه بالصالحين » وفي‌ خبر سالم بن مكرم السابق (٣) مع ما فيه من احتماله أنه من عبارة الصدوق « ثم ضع يدك على القبر ، وادع للميت واستغفر له » وفي‌ الفقه الرضوي (٤) « ثم ضع يدك على القبر وأنت مستقبل القبلة ، وقل : اللهم ارحم غربته ، وصل وحدته ، وآنس وحشته ، وآمن روعته ، وأفض عليه من رحمتك ، وأسكن إليه من برد عفوك وسعة غفرانك ورحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك ، واحشره مع من كان يتولاه ، ومتى زرت قبره فادع بهذا الدعاء وأنت مستقبل القبلة ».

ومنه يستفاد استحباب القبلة حينئذ في كل وقت تزوره داعيا له بهذا الدعاء.

ومما ذكرنا يظهر لك أن استحباب الترحم لا مدخلية له بوضع اليد بل كل منهما مستحب برأسه ، كما عساه الظاهر من العبارة وغيرها كالأخبار ، لكنه قال في المعتبر :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٥.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام ص ١٨.

٣٢٣

« انه يضع الحاضرون الأيدي عليه مترحمين ، وهو مذهب أصحابنا » ولعله يريد ما قلناه وإن كان في العبارة نوع قصور أو أن ذلك مستحب أيضا كما عساه يظهر من خبر محمد ابن مسلم المتقدم آنفا.

ومنها أن يلقنه الولي بالمأثور في خبر يحيى بن عبد الله عن الصادق عليه‌السلام (١) أو جابر بن يزيد عن الباقر عليه‌السلام (٢) بعد انصراف الناس عنه إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا بل كاد يكون متواترا ، وأخبارا (٣) وهو التلقين الثالث ، وبه يندفع سؤال منكر ونكير كما نطقت به الأخبار (٤) والظاهر عدم الالتزام بخصوص الأقوال الواردة وإن كان أولى ، بل المراد تلقينه وتفهيمه ما يفيد الاعتراف بأصول دينه ومذهبه ، كما أن الظاهر عدم التزام كونه من الولي ، بل الظاهر الاكتفاء بمن يأمره الولي أيضا كما في معقد إجماع الذكرى ، والاجتزاء بالمتبرع من غيرهما لا دليل عليه ، وإن قال في الجامع : يلقنه الولي أو غيره.

وليكن تلقينه بأرفع صوته كما في خبر يحيى بن عبد الله ، وبه عبر الشيخان وجماعة على ما حكي ونسبه في جامع المقاصد وعن الروض إلى الأصحاب ، ولعله يرجع إليه ما عن الحلبي برفيع صوته كما في خبر إبراهيم بن هاشم (٥) هذا إن لم يمنع منه مانع من تقية ، وإلا أجزأ سرا كما عن المهذب والجامع ، بل في ظاهر مجمع البرهان نسبته إلى الأصحاب ، ولعله لأن وصوله إليه وإن كان إنما يحصل عادة برفع الصوت لكنه في الحقيقة بتوفيق الله ، فالسر حينئذ مع المانع كالجهر إن شاء الله.

وفي استقبال القبلة والقبر للملقن أو استدبارها واستقبال الميت قولان ينشئان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الدفن.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الدفن.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

٣٢٤

من أنها خير المجالس ، ومن أنه أدخل في مقابلة الميت للخطاب معه ، وحيث كان نحو ذلك منشئا لهما كان المتجه جواز كل منهما ، لإطلاق الأدلة ، نعم في‌ خبر يحيى ابن عبد الله (١) أنه « يضع الملقن فمه عند رأس الميت ثم ينادي » ولا بأس به كما أنه لا بأس بما في‌ مرسل علي بن إبراهيم (٢) المروي عن العلل أنه « يقبض على التراب بكفيه ويلقنه برفيع صوته » إلى آخره.

ثم إن المنساق إلى الذهن من الأخبار والتعليل الذي فيها اختصاص هذا الحكم ونظائره بالكبير دون الصغير ، لكنه صرح في جامع المقاصد بعدم الفرق كالجريدتين ، ولا بأس به لو كان هناك عموم واضح يتناوله.

ومنها ما‌ عن مصباح الكفعمي من الصلاة ليلة الدفن (٣) قال : « صلاة الهدية ليلة الدفن ركعتان ، في الأولى الحمد وآية الكرسي ، وفي الثانية الحمد والقدر عشرا ، فإذا سلم قال : اللهم صل على محمد وآل محمد ، وابعث ثوابها إلى قبر فلان » قال : وفي رواية أخرى (٤) « بعد الحمد التوحيد مرتين في الأولى ، وفي الثانية إلهكم التكاثر عشرا ، ثم الدعاء المذكور ».

والتعزية مستحبة بلا خلاف بين المسلمين ، بل لعله من ضروريات الدين ، وقد فعلها سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك الأئمة الطاهرون عليهم‌السلام ، بل والملائكة المقربون يوم موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيها أجر عظيم وفضل جسيم حتى ورد أنها تورث الجنة ، كما في خبر السكوني (٥) وفي‌ خبر وهب عن الصادق عليه‌السلام (٦) « إن من غري مصابا كان له مثل أجره » وفي‌ غيره من الأخبار (٧) أن « من عزى حزينا كسي يوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ حديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١ و ٧ و ٩.

٣٢٥

الموقف حلة يحبر بها » وربما اختلفت باعتبار العوارض من جهة شدة المصاب وعدمه وغير ذلك ، ومن هنا قد‌ ورد (١) أن « من عزى الثكلى أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله » والمراد بها على الظاهر المرأة التي فقدت ولدها أو حميمها ، وكأنه لعظم مصابها باعتبار ضعف عقول النساء ، واحتمال إرادة الطائفة الثكلى أعم من الرجال والنساء بعيد ، وكيف كان فلا حاجة للتعرض لأصل استحبابها ورجحانها ، كما أنه لا حاجة إلى التعرض لذكر معناها لكفاية العرف فيه ، ولا ريب في حصولها بطلب تسلي المصاب والتصبر عن الحزن والاكتئاب بإسناد الأمر إلى الله عز وجل ونسبته إلى عدله وحكمته ، وذكر لقاء الله ووعده على الصبر مع الدعاء للميت والمصاب لتسليته عن مصيبة ونحو ذلك ، وهي تتبع المقامات لا تتوقف على كيفية خاصة أو عبارة خاصة ، واحتمال الوقوف على ما كتبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام أو قالوه في هذا المنوال خاصة لا وجه له ، بل دعوى رجحانية خصوصية له لا تخلو من إشكال ظاهر.

وهي جائزة مشروعة قبل الدفن وبعده إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا إن لم يكن متواترا منا ، بل وعن غيرنا عدا الثوري ، فكرهها بعد الدفن ، لأنه خاتمة أمر الميت ، وفيه أنه خاتمة أمره لا خاتمة أمر أهله ، وما حكاه في الذكرى عن ظاهر ابن البراج منا مما يقرب من المحكي عن الثوري ، ولا ريب في ضعفه ، إذ النصوص (٢) وما وقع من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) والأئمة عليهم‌السلام (٤) من التعزية بعد الدفن لأصحابهم شاهدة بخلافه ، فضلا عن ظاهر الإجماعات المحكية بل صريحه إن لم يدع تحصيله ، بل هي بعد الدفن أفضل منه قبله وفاقا لصريح الشيخ والمصنف والعلامة وغيرهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الدفن.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

٣٢٦

وظاهر الشهيد والمحقق الثاني ، بل في المدارك أنه مذهب الأكثر بشهادة الاعتبار من حيث غيبوبة شخص المتوفى وانقطاع العلقة في ذلك الوقت مع اشتغالهم قبل الدفن بتجهيزه ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في مرسل ابن أبي عمير (١) : « التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن » وفي‌ مرسل خالد الآخر (٢) وغيره عنه عليه‌السلام (٣) أيضا « التعزية الواجبة بعد الدفن » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر إسحاق بن عمار (٤) : « ليس التعزية إلا عند القبر ، ثم ينصرفون لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت » ـ مع أنه لا صراحة فيه بل ولا ظهور بما قبل الدفن ، بل لعله فيما بعده أظهر ، فيحمل حينئذ على تفاوت مراتب الفضل فيما بعده ، فأفضله عند القبر لاشتداد الحاجة إليها في ذلك الوقت ـ محمول على ضرب من التأويل ، منه ما ذكره في الذكرى من الحمل على تعزية خاصة ، كأقل التعزية كما‌ قال عليه‌السلام (٥) : « كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة » فيكون المراد حينئذ إنه لا تحتاج هذه التعزية إلى اجتماع آخر غير الاجتماع الأول ، بل ينبغي حينئذ الانصراف ولا يقيموا بعد الدفن عند القبر لأجل التعزية خوف أن يحدث حدث بالميت ، فيسمعوه ويفزعوا من ذلك ويكرهوه ، أو غير ذلك ثم إنه لأحد لها شرعا لإطلاق الأدلة ، لكن قد يقال برجوع تحديدها إلى العرف ، كما لو طالت المدة وانقضى المصاب بحيث يستنكر التعزية عليه ، وربما اختلف باختلاف الميت جلالة وضعة ونحوهما ، ولعله يومي إلى ذلك ما في الذكرى حيث قال : « ولا حد لزمانها عملا بالعموم ، نعم لو أدت التعزية إلى تجديد حزن قد نسي كان تركها أولى » انتهى.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣ وهو مرسل ابن خالد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

٣٢٧

وليس في‌ مرسل الصدوق (١) والحسن (٢) كالصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام « يصنع للميت مأتم ثلاثة أيّام من يوم مات » ولا فيما دل (٣) من الأمر بصنع الطعام ثلاثا لأهل الميت من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة عليها‌السلام يوم قتل جعفر أن تفعل ذلك لأسماء بنت عميس ، وأن تمضي إليها هي ونسائها كذلك ، وغيره من الأخبار (٤) ، وقول الصادق عليه‌السلام (٥) أيضا : « ليس لأحد أن يحد أكثر من ثلاثة أيام إلا المرأة على زوجها حتى تنقضي عدتها » دلالة على التحديد بالثلاثة ، لعدم التلازم بينها وبين المأتم ، ولعل ما عن التقي من السنة تعزية أهله ثلاثة أيّام وحمل الطعام إليهم لا يريد به تحديدها بذلك ، بل يريد إما التأكد أو التعزية تمام الثلاثة كما فعلته فاطمة عليها‌السلام ، أو التكرير ولو من الشخص الواحد ، أو نحو ذلك.

نعم قد يشعر ذكر المأتم ثلاثة فيها كغيرها من‌ الحسن كالصحيح (٦) قال : « أوصى أبو جعفر عليه‌السلام بثمان مائة درهم لمأتمه ، وكان يرى ذلك من السنة ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال اتخذوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا » بعدم كراهة الجلوس والاجتماع للتعزية ، كما عساه يشعر به أيضا إطعام الطعام عنه ، كقول أبي جعفر عليه‌السلام (٧) : « ينبغي لجيران صاحب المصيبة أن يطعموا عنه الطعام ثلاثة أيام » ونحوه (٨) من حيث ظهور المأتم والإطعام عنه بحصول الاجتماع ، مضافا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨٢ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٥ رواه عن الصادق عليه‌السلام.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب الدفن.

٣٢٨

إلى إطلاق الأمر بالتعزي والتزاور وغيرهما ، فما في المبسوط من أنه يكره الجلوس للتعزية إجماعا وتبعه ابن حمزة والمصنف في ظاهر المعتبر كما عن العلامة في المختلف لا يخلو من ضعف ، مع أنا لم نعرف أحدا ممن تقدم نص على الكراهة ، ولا أشير إليها في رواية.

وما يقال من أن في ذلك منافاة للرضا بقضاء الله والصبر ونحوهما كما ترى لا وجه له ، ولا اقتضاء فيه ، بل ربما كان الأمر بالعكس ، وأوامر المأتم تشهد بعدمه أيضا ، وروى الصدوق (١) « أنه أوصى أبو جعفر عليه‌السلام أن يندب في المواسم عشر سنين » وفي‌ خبر الكاهلي عن أبي الحسن عليه‌السلام (٢) « كان أبي يبعث أمي وأم فروة تقضيان حقوق أهل المدينة » إلى غير ذلك.

ومن هنا أنكر ابن إدريس على الشيخ إجماعه ، وقال : « إنه لم يذهب أحد من أصحابنا المصنفين إلى ذلك ، ولا وضعه في كتاب ، وإنما هذا من فروع المخالفين وتخريجاتهم ، وأي كراهة في جلوس الإنسان للقاء إخوانه والدعاء والتسليم عليهم ، واستجلاب الثواب لهم في لقائه وعزائه » ومال إليه جماعة ممن تأخر عنه منهم الشهيد في دروسه وذكراه وبيانه ، واعترضه المصنف في المعتبر بأن الاجتماع والتزاور من حيث هو مستحب ، أما إذا جعل لهذا الوجه واعتقد شرعيته فإنه يفتقر إلى الدلالة ، واستدل بالإجماع على كراهيته ، إذ لم ينقل عن أحد من الصحابة الجلوس لذلك ، فاتخاذه مخالف لسنة السلف ، لكن لا يبلغ أن يكون حراما ، وفيه أن عدم فعل السلف له لا يقتضي الكراهة ، فلعله مباح النظر إلى خصوصيته كما لعله الأقوى ، إذ لا رجحان لهذه الهيئة بخصوصها وإن كان ربما ترجح بالعارض ، كما أنه قد تكون مرجوحة ، بل قد يصلان إلى حد الوجوب والحرمة كما في مثل زماننا الآن بحسب الجهات والاعتبارات ، وذلك أمر خارج عن محل النزاع ، إنما الكلام في الجلوس للتعزية من حيث هو ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

٣٢٩

والظاهر عدم كراهيته ، وأما استحبابه ففيه نظر ، ولا تلازم بين استحباب التعزية والجلوس لها كما أنه لا دلالة في أخبار المأتم عليه ، لكونه معدا لاجتماع النساء ، هذا.

وقد تعارف في بلادنا المشهد الغروي على مشرفه أفضل السلام الجلوس لذلك وصرف القهوة والتتن وبذل الطعام بالنسبة إلى بعض الناس ، وآخر ببذل بعضه كل على مرتبته ، حتى صار تاركه معرضا نفسه للاغتياب ، وأشد منه الجالس التارك لبذل تلك الأمور إذا كان ممن يرجى منه ذلك ، وقد يصل إلى هتك الحرمة ، وربما انتهى إلى بذل مال خطير إذا كان الميت والمعزى شريفين عظيمين ، ولا بأس به الآن ، بل قد يجب لما عرفته من هتك عرض المعزى والمتوفى بتركه.

نعم ربما كان أصله مرجوحا كما عساه يومي إليه‌ قول الصادق عليه‌السلام (١) : « الأكل عند أهل المصيبة من عمل الجاهلية » وغيره (٢) مما يفيد عدم التكلف لأهل المصيبة لما هم فيه من الشغل ، فتأمل جيدا.

ثم إن ظاهر الأدلة عدم الفرق في استحباب التعزية بين سائر أهل المصاب ذكورهم وإناثهم صغارهم وكبارهم ، بل ربما كانت الأنثى أرجح لما هي فيه من شدة الحزن والاكتئاب ، كما يومي إليه خبر الثكلى المتقدم ، وتعزية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عيال جعفر ، وإن كان كيفية تعزية كل منهم يختلف بحسب حاله مما يسليه ويناسبه ، فالصغير يمسح رأسه ونحوه ، وغيره بغيره ، ففي‌ الخبر عن سيد البشر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) « إن من مسح على رأس يتيم ترحما له كتب الله له بعدد كل شعرة مرت عليها يده حسنة » وعن‌ العالم عليه‌السلام (٤) « إذا بكى اليتيم اهتز له العرش ، فيقول الله تبارك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب الدفن.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٥.

٣٣٠

وتعالى من هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه ، فوعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا يسكته عبد إلا وجبت له الجنة » وهما وإن كانا ليسا في خصوص ما نحن فيه من التعزية لكنهما لا يخلو أن من نوع تأييد له إلا أنه نص بعضهم على كراهة تعزية النساء الشابات معللا له بخوف الفتنة ، كما عن آخر أنه لا سنة في تعزية النساء ، وفيه مع ما عرفت مضافا إلى العمومات أن التعزية لا تختص بالمشافهة ، بل تكون بالمكاتبة والإرسال ونحوهما مما لا فتنة فيه.

وهل تستحب التعزية حتى لأهل العزاء بعضهم بعضا؟ ربما يصعب انصراف الأدلة إليه في بادئ النظر ، لكن التأمل فيها قاض به سيما من كبير العشيرة وسيدها ، وقد يومي إلى ذلك تعزية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عيال جعفر ، مع أنه هو من أهل العزاء ، نعم لا ريب في عدم انصرافها لأعداء الدين من أهل الذمة وغيرهم ، بل وكذا المخالفين مع عدم العوارض الخارجية ، وإلا فربما تجب حينئذ ، كما أنها قد تحرم إذا استلزمت مودة ودعاء بما نهي عنه ، وأما مع عدم العوارض فالظاهر الإباحة لعدم دليل على الاستحباب والكراهة ، ولعله عليه يحمل ما في التذكرة من أن الأقرب جواز تعزية أهل الذمة ، لأنها كالعيادة ، وقد عاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غلاما من اليهود ، وإلا فلا وجه لحمله على إرادة الاستحباب ، والعيادة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أنها قد تكون لرجاء الإسلام والدعاء له كما حكي أنه أسلم الولد بتلك العيادة لا تستلزم استحباب التعزية ، كما أنه على منع الاستحباب ينبغي أن يحمل ما في المعتبر من منع التعزية لهم ، أو على ما إذا استلزمت موادة ونحوها كما يشعر به تعليله ، وإلا فلا قاطع للأصل.

ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا حتى لو كان الميت مسلما ، نعم لو كان العكس احتمل الاستحباب والدعاء للمسلم ، قيل وينبغي أن يكون دعاؤه حيث يعزي المخالف للحق بإلهام الصبر لا بالأجر ، ويجوز لهم الدعاء بالبقاء ، لما ثبت من جواز الدعاء لهم ،

٣٣١

قلت : هو لا يخلو من تأمل ، نعم قد يجوز في تعزية الذمي ، كما أنه يجوز أخلف الله عليك ، ولا نقص عددك ، قاصدا به كثرة الجزية كما قيل ، فتأمل.

وإذ قد ظهر لك تمام الكلام في التعزية بقي شي‌ء نبه المصنف عليه كجماعة من الأصحاب منهم الشيخ وابن إدريس ، وهو انه يكفي في حصول ثواب التعزية أن يراه صاحبها لما أرسله الصدوق (١) عن الصادق عليه‌السلام « كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة » ولو لا ذلك لأمكن المناقشة فيه لعدم صدق اسم التعزية عليه ، والمراد بكفايته إنما هو حصول ثواب التعزية في الجملة لحضوره وإن لم يتكلم ، وإلا فلا ريب في عدم حصول ثواب الفرد الأفضل منها بذلك ، كما هو واضح.

ولما فرغ من الكلام على المسنونات شرع في الكلام في المكروهات ، ( فمنها ) أنه‌ يكره فرش القبر بالساج إلا لضرورة‌ بلا خلاف أجده ، بل في الذكرى ومجمع البرهان وعن جامع المقاصد وروض الجنان نسبته إلى الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع ، ولعل ذلك ـ مع ما عساه يشعر به إجماع المبسوط على كراهة التابوت أي دفنه في التابوت ، وسؤال‌ مكاتبة علي ابن بلال أبا الحسن عليه‌السلام (٢) « أنه ربما مات الميت عندنا وتكون الأرض ندية فيفرش القبر بالساج ، أو يطبق عليه ، فهل يجوز ذلك؟ فكتب ذلك جائز » كاشعار التعليل‌ المروي عن دعائم الإسلام (٣) عن علي عليه‌السلام « أنه فرش في لحد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قطيفة لأن الأرض كان نديا سبخا » واستحباب وضع الخد على الأرض ، وما في وضعه على الأرض من الخشوع والخضوع ما يرجى بسببه الرحمة له ، وما عساه يظهر من فحاوي الكتاب والسنة من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

٣٣٢

وضع الأموات على الأرض ، وانهم خلقوا منها وعادوا إليها ، والتسامح فيه ـ كاف في ثبوتها والحكم بها ، وإلا فلم نقف على ما يقتضيها صريحا في شي‌ء من الأدلة ، بل‌ قال الصدوق : « إنه روي عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام (١) إطلاق في أن يفرش القبر بالساج ، ويطبق على الميت بالساج » نعم عللها بعضهم بأنه إتلاف مال غير مأذون فيه ، وفيه أنه لو تم اقتضى الحرمة ، مع أنك قد عرفت فيما مضى أن بذل المال لا يتوقف على الإذن الشرعية ، بل يكفي في جوازه عدم السفه فيه ، وذلك يحصل بأدنى غرض.

وكيف كان فقد عرفت مما مضى وجه ما استثناه المصنف من الضرورة كنداوة الأرض ونحوها ، فإنه لا كراهة فيه كما لا كراهة في تطبيق اللحد به كما صرح به بعضهم لظهور المصلحة فيه مع عدم الدليل على الكراهة ، وظاهر العبارة كغيرها أنه لا يكفي في رفع الكراهة حصول المصلحة ، بل لا بد من دفع المفسدة ، وفيه نظر يعرف مما مر الآن ، كما مر سابقا خبر أبي جعفر محمد بن عثمان أحد النواب (٢) واتخاذه الساجة ليوضع عليها أو قال أستند إليها ، فلاحظه.

ثم إن الظاهر تعدية الحكم من الساج إلى ما شابهه كما صرح به غير واحد منهم ، ويقتضيه الاشتراك في العلة المذكورة ، بل وكذا الفرش والمخدة ونحوهما ، وفي الذكرى وجامع المقاصد أنه لا نص فيه عندنا ، فتركه أولى لأنه إتلاف مال. وهو مع أن قضيته الحرمة كما عن الشهيد وغيره قد يخدش بخبر يحيى بن أبي العلاء المروي (٣) في الكافي عن الصادق عليه‌السلام قال : « ألقى شقران مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قبره القطيفة » موافقا‌ للمروي من غير طريقنا عن ابن عباس (٤) أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٤) سنن البيهقي ج ـ ٣ ـ ص ٣٠٨.

٣٣٣

قال : « جعل في قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قطيفة حمراء » نعم قد يقال : إنه مبني على التعليل السابق في رواية دعائم الإسلام ، فلا يفيد رخصة مطلقة ، لكن قد يستند فيها إلى ما تقدم من‌ خبر عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام (١) « البرد لا يلف به ولكن يطرح عليه طرحا ، فإذا أدخل القبر وضع تحت خده وتحت جنبه » إلا أنه لم نعثر على عامل بها بالنسبة إلى ذلك ، بل عمل الطائفة على خلافها ، والحاصل أن ثبوت الكراهة بما عرفت كما أن ثبوت الندب بهذه لا يخلو من تأمل لكن لا يبعد رجحان الوضع على الأرض وإن كان لا كراهة في وضعها حيث يسوغ ، كما عن ابن الجنيد نفي البأس عن الوطء في القبر وإطباق اللحد بالساج ، فتأمل.

و ( منها ) ان يهيل ذو الرحم على رحمه التراب ، لقول الصادق عليه‌السلام في موثق عبيد بن زرارة لأبي الميت (٢) : « لا تطرح عليه التراب ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يطرح الوالد ، أو ذو رحم على ميته التراب ، ثم قال : أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي أرحامكم ، فإن ذلك يورث القسوة في القلب ، ومن قسى قلبه بعد عن ربه » ولما في المعتبر والذكرى من نسبته إلى الأصحاب‌

و ( منها ) تجصيص القبور للإجماع المحكي في صريح المبسوط والتذكرة وعن نهاية الأحكام والمفاتيح وظاهر المنتهى عليه ، مضافا إلى‌ قول الكاظم عليه‌السلام في خبر أخيه (٣) : « لا يصلح البناء عليه ، ولا الجلوس ، ولا تطيينه » وخبر الحسين ابن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام (٤) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث المناهي أنه « نهى أن تجصص المقابر » ونحو‌ ه خبر القاسم بن عبيد (٥) المروي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٥.

٣٣٤

عن معاني الأخبار رفعه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه « نهى عن تقصيص القبور قال : وهو التجصيص ».

وربما يشعر به أيضا‌ خبر ابن القداح عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هدم القبور وكسر الصور » وقد سبق في‌ حديث آخر (٢) « لا تدع صورة إلا محوتها ، ولا قبرا إلا سويته » وكذا‌ قول الصادق عليه‌السلام (٣) : « كل ما جعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت ».

وقضية ما سمعت عدم الفرق بين التجصيص ابتداء أو بعد الاندراس ، إلا أنه حكي عن جماعة منهم المصنف والشهيد والمحقق الثاني عن الشيخ ذلك ، فكره الثاني دون الأول ، ومال إليه جماعة جمعا بين ما تقدم وبين‌ خبر يونس بن يعقوب (٤) قال : « لما رجع أبو الحسن موسى عليه‌السلام من بغداد ومضى إلى المدينة ماتت له ابنة بفيد فدفنها ، وأمر بعض مواليه أن يجصص قبرها ، ويكتب على لوح اسمها ، ويجعله في القبر ».

قلت : الذي رأيته في المبسوط كالمحكي عنه في النهاية والمصباح ومختصره أنه لا بأس بالتطيين ابتداء بعد إطلاقه كراهة التجصيص ، وكأنه لذا لم ينقل ذلك في المختلف عن الشيخ ، لكنهم لعلهم فهموا الاتحاد بين التطيين والتجصيص ، كما عن التذكرة والمنتهى ، وقد يؤيد ببعد وجدان الجص بقلعة قيد التي هي في طريق مكة ، ولا ريب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

٣٣٥

في بعده بالنسبة إلى عبارات الشيخ من حيث ذكره كلا منهما مستقلا برأسه ، على أنه قد يدعى دخوله حينئذ بالتجديد الذي ذكره مستقلا ،

وكيف كان فلا إشكال في كراهة التجصيص بقسميه للإطلاق المتقدم مع قصور المعارض له من وجوه ، وعدم الشاهد على الجمع المذكور ، كاحتمال الجمع بينهما بإرادة تجصيص باطن القبر في الأول وظاهره في الثاني ، بل هو أولى بالبطلان من سابقه كما لا يخفى ، فالأولى الحكم بكراهة التجصيص مطلقا ، وحمل الخبر على إرادة الجواز أو على أن المراد به التطيين بطين القبر بناء على عدم كراهته حملا لما دل على النهي (١) عنه على التطيين بغير طين القبر أو غير ذلك من الأعراض التي لا نعلمها ، وربما يقوى في الظن أنه لمخافة نبش بعض الحيوانات للقبر كما يتفق وقوعه كثيرا ، إذ لا ريب في ارتفاع الكراهة حينئذ ، ولعله لذا كان ذلك في بلادنا وهو النجف متعارفا الآن ، أو يقال : إن هذا من خصائص الأئمة وأولادهم عليهم‌السلام لئلا تندرس قبورهم ، فيحرم الناس من فضل زيارتهم ، ولعله لذا قال في المدارك تبعا لغيره بعد أن ذكر كراهة التجصيص ينبغي أن يستثنى من ذلك قبور الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام ، وستسمع فيما يأتي تمام الكلام إن شاء الله تعالى.

ثم أنه لا فرق فيما ذكرنا من الكراهة بين كون القبور في الأرض المباحة والمملوكة وإن كان ربما استظهر من معقد إجماع المبسوط تخصيصها بالأول ، كما عن المنتهى فيه أو فيما يشبهه مع زيادة الوصف بالمسبلة ، إلا أن الأقوى خلافهما إن كان كذلك لإطلاق الأدلة من غير معارض.

و ( منها ) تجديدها بعد اندراسهاكما في المبسوط والوسيلة والسرائر والتحرير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الدفن.

٣٣٦

والقواعد وغيرها وعن النهاية والمصباح ومختصره وغيرها ، قلت : لا أعرف له دليلا سوى‌ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر الأصبغ بن نباتة (١) المروي على لسان الصدوق والشيخ وعن البرقي : « من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الإسلام » وهو موقوف على كون المروي عنه بالجيم والدالين ، وأن المراد به حينئذ ذلك ، وهما معا محل للتأمل.

أما الأول فلما‌ في الفقيه عن سعد بن عبد الله أنه كان يقول : « أنه من حدد قبرا » بالحاء المهملة غير المعجمة أي من سنم قبرا ، ويؤيده أنه‌ ورد نحوه (٢) من طريق أبي الهياج كما نقله الشيخ في الخلاف ، وهو من صحاح العامة على ما قيل ، قال : « قال لي علي عليه‌السلام : أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا أرى قبرا مشرفا إلا سويته ، ولا تمثالا إلا طمسته » وروي ما يقرب منه من طرقنا كخبر السكوني عن الصادق عليه‌السلام (٣) ، وهذا يعطي أن الرواية بالحاء المهملة لدلالة الاشراف والتسوية عليه ، ولا ينافيه كما لا ينافيه الخروج عن الإسلام بفعله لما تعارف من الزجر عن المكروهات كالحث على المندوبات بما يلحقه بالمحرمات والواجبات ، أو يراد الاستحلال ونحوه مما يؤدي إلى الكفر ، فتأمل. وما فيه‌ عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي أنه كان يقول : « إنما هو من جدث قبرا بالجيم والثاء المثلثة ـ وقال بعد نقله ـ والجدث القبر ، وما ندري ما عني به ».

قلت : يمكن أن يكون المراد به حينئذ كما في التهذيب أن يجعل دفعة أخرى قبرا لإنسان آخر فقد يكون حينئذ محرما مع استلزامه النبش المحرم ، وما في التهذيب عن شيخه محمد بن النعمان أن الخدد بالخاء المعجمة ودالين من الخد وهو الشق ، يقال : خددت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٢) صحيح مسلم ج ـ ١ ـ ص ٣٥٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

٣٣٧

الأرض خدا أي شققتها ، فيكون المراد حينئذ النهي عن شق القبر الدفن فيه أو غيره لحرمة النبش ، وفي التنقيح بعد أن نسب الخاء المعجمة للمفيد قال : أي جعل خدا للميت لا لحدا ، والخد لغة الشق.

وأما الثاني فلاحتمال أن يراد به ما اختاره الصدوق في الفقيه مع كونه بالجيم ودالين النبش ، قال : « لأن من نبش قبرا فقد جدده ، وأحوج إلى تجديده ، وقد جعله جدثا محفورا » انتهى. أو قتل المؤمن عدوانا ، لأن من قتله فقد جدد قبرا مجددا بين القبور ، وهو مستقل في هذا التجديد ، فيجوز إسناده إليه ، بخلاف ما لو قتل بحكم الشرع ، وهو المناسب للمبالغة بالخروج عن الإسلام ، أو يراد به الإشارة منه عليه‌السلام إلى القبور والصور التي أرسله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى تخريبها وتسويتها وإطماسها ومحوها ، أي من جدد قبرا من تلك القبور أو مثل مثالا بعد أن أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك فقد خرج عن الإسلام وخالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولعله يدخل فيه حينئذ من صنع قبرا مثلها وإن لم يكن منها على عموم المجاز بإرادة القدر المشترك بينه وبين تجديد ما أذهبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأماته من هذه الطريقة ، أو يراد بتجديد القبور إنما هو البناء الذي يكون عليها من القباب ونحوها ، كما عساه يشعر به استثناء قبور الأئمة عليهم‌السلام منه في جامع المقاصد وغيره ، وكون ذلك مكروها ابتداء مع إمكان فرضه فيما لا يكره ابتداؤه كما في الأرض المملوكة لو قلنا به لا ينافيه عند التأمل ، أو غير ذلك.

كل ذا مع بعد إرادة التجديد المطلوب هنا وإن ذكره الصفار على ما حكي عنه في الخبر المتقدم ، حيث قال : « هو بالجيم لا غير » وعن محمد بن أحمد بن الوليد أنه قال : لا يجوز تجديد القبر ولا تطيين جميعه بعد مرور الأيام وبعد ما طين في الأول ، ولكن إذا مات ميت وطين قبره فجائز أن يرم سائر القبور من غير أن تجدد إلا أنه لم يكن ذلك‌

٣٣٨

مستعملا في ذلك الوقت حتى يبالغ هذه المبالغة في النهي عنه ، على أن المراد بتجديدها بحسب الظاهر إنما هو ظاهرها ، وليس لظاهرها حالة سابقه معتد بها حتى ينهى من تجديدها لكراهة التجصيص والبناء عليها والتظليل ونحو ذلك ابتداء من دون تجديد ، بل وكذا التطيين بغير ترابها ، بل وبترابها إلا على قول ، فلا كراهة فيها فلم يكن ثم حالة كان عليها ينهى عن تجديدها ، اللهم إلا أن يقال : إنه لا ريب في تفاوت القبر الجديد لغيره بارتفاعه عن الأرض مثلا ، والعلامة والتطيين بطينه ونحو ذلك مما يفيد الناظر إليه أنه قبر جديد ، ومرجعه الحقيقي العرف أيضا ، فلا ينبغي إطلاق الكراهة ، إذ التجديد بهذا المعنى قد يكون محرما ، وهو ما إذا كان في الأرض المسبلة وقد اندرس الميت ، وكان ذلك المكان محتاجا إليه ، لسقوط حقه منه وتعلق حق غيره به ، فاللازم حينئذ تقييد الكراهة بما يحترز عن هذا وشبهه.

وأيضا هذا كله مضافا إلى ما ذكره المصنف في المعتبر من الطعن في سند هذه الرواية بضعف محمد بن سنان وأبي الجارود ، قال : « فالرواية ساقطة ، فلا ضرورة إلى التشاغل بتحقيق نقلها » وتبعه عليه في المدارك ، إلا أنه قد يدفع هذا بانجبارها بالشهرة المحكية إن لم تكن محصلة ، وبأن الحكم مكروه ، فلا يقدح فيه ذلك ، وبأن اشتغال الأفاضل مثل الصفار وسعد بن عبد الله وأحمد بن أبي عبد الله البرقي والصدوق والشيخين في تحقيق هذه اللفظة مؤذن بصحة هذا الحديث عندهم وإن كان طريقه ضعيفا كما في أحاديث كثيرة اشتهرت وعلم موردها وإن ضعف أسنادها ، كما أنه قد يدفع ما تقدم بأنه يكفي في ثبوت الكراهة كون ذلك أحد الأمور المذكورة ، سيما مع احتمال صحة ما ذكره أولئك الأفاضل جميعه ، وتعدد الرواية ، ولعله لذا قال في الدروس : ويكره تجديده بالجيم والحاء والخاء لكن ينبغي أن يقيد الأخير بما لا يستلزم النبش المحرم ، وإلا كان حراما لا مكروها ، إلا أن لنا في الاكتفاء بمثل هذه الاحتمالات في المندوبات‌

٣٣٩

والمكروهات مع عدم القول بالاحتياط العقلي بحثا ليس هذا محل ذكره ، فتأمل.

ثم إنه قد استثنى في جامع المقاصد من كراهة التجصيص والتجديد قبور الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام كالمدارك قالا : « لإطباق السلف والخلف على فعل ذلك بها » بل في المدارك ولاستفاضة الروايات بالترغيب في ذلك ، كما أنه فيها أيضا لا يبعد استثناء قبور العلماء والصلحاء استضعافا لخبر المنع ، والتفاتا إلى تعظيم الشعائر ، ولكثير من المصالح الدينية.

قلت : قد يقال : إن قبور الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام لا تندرج في تلك الإطلاقات حتى تحتاج إلى استثناء ، كما هو واضح ، وأيضا فاللائق استثناؤها من كراهة البناء على القبور كما في الذكرى وغيرها والمقام عندها لا التجصيص والتجديد ، اللهم إلا أن يراد منهما ذلك ، إذ لا إطباق من الناس عليهما ، ولا استفاضة للأخبار فيهما ، ولا مصالح دنيوية ولا أخروية في كل منهما ، لحصول الغرض والمراد بمعرفة مكان القبر ثم اتخاذ قبة ونحوها ، فيبقى معروفا لمن أراد الزيارة والتوسل والدعاء وغير ذلك ، وهذا الذي قد أطبقت الناس عليه ، وكان معروفا حتى في زمان الأئمة عليهم‌السلام كما في قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيره ، وهو المراد بعمارة القبر في‌ خبر عمار البناني (١) عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « يا أبا الحسن إن الله تعالى جعل قبرك وقبر ولدك بقاعا من بقاع الجنة وعرصة من عرصاتها ، وان الله تعالى جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحن إليكم ، ويحمل المذلة والأذى فيكم ، ويعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقربا منهم إلى الله تعالى ومودة منهم لرسوله ، يا علي أولئك المخصوصون بشفاعتي الواردون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من كتاب المزار ـ حديث ١ لكن رواه عن أبي عامر الكناني.

٣٤٠